الضمانات التي تحفظ الاسرة متعددة منها :
ان الانسان المؤمن بالله وشريعته يسعى دوما للالتزام باوامره وحلاله وحرامه ، فالانسان المؤمن اذا ما ارتكب اثما فانه يكون خجلا
من نفسه وغير مرتاحا مهما كان ذنبه صغيرا ام كبيرا ، فهو لا يتحمل سخط الله عليه ومفارقة المحيط الامن حتى وان قاوم ذلك ، كما لا يمكنه تحمل ان تخرج منه روح الايمان ويلاقي الله وهو ينتظر العقوبة . فالمؤمن لاجل كسب رضا الله مستعد لترك كل ما يوافق هواه ويعمل بحكم الله وينفذه ، ووجود مثل هذا الامر في الانسان المؤمن ضمانة اجرائية جيدة لطهارة المحيط ، وهذا الامر نراه بين المسلمين الحقيقيين فقط .
ان الدين الاسلامي يحذر من ارتكاب الذنب مهما كان ، ويعده حراما ويسعى لابعاد الناس عنه . والمقصود انه مهما كانت المعصية صغيرة فهي معصية لله العظيم وهي حرام ، وبعض العقوبات تكون عقوبتها في الدنيا وبعضها في الاخرة ، والروايات تبين لنا ان الاثار العملية لبعض الذنوب نراها في الدنيا ، مثلا الزنا فان عقوبته الدنيوية ان يمحو كل اثار البركة ، ويؤدي الى موت الفجاة وذهاب الشرف وقصر الاعمار ، والفقر والفاقة ، وباختصار هلاك مادي ومعنوي . اما اثار وعقوبة الذنوب في الاخرة ، فالروايات تبين ان الذنب يمحو الايمان والدين ، ويجعل الفرد يموت بلا دين وايمان ، وهو يوم القيامة سيواجه بغضب الله ولعنته وعقوبته الشديدة ، ويحاسبه حسابا
عسيرا ويلقيه في نار جهنم . وهناك نماذج من العقوبات والاثام والذنوب وردت في هذا منها : قال رسول الله (صلى الله عليه واله) : «من قبل غلاما من شهوة الجمه الله يوم القيامة بلجام من نار» (1) . وعنه (صلى الله عليه واله) : «الا ومن زنا بامراة مسلمة او يهودية او نصرانية او مجوسية حرة او امة ثم لم يتب منه ، ومات مصرا عليه ، فتح الله تعالى له في قبره ثلاثمائة باب ، يخرج منها حيات وعقارب وثعبان من النار ، فهو يحترق الى يوم القيامة ، فاذا بعث من قبره تاذى الناس من نتن ريحه ، فيعرف بذلك وبما كان يعمل في دار الدنيا ، حتى يؤمر به الى النار» (2) . قال رسول الله (صلى الله عليه واله) : «ان الذكر يركب الذكر فيهتز العرش لذلك» (3) . وغيرها من الروايات الكثيرة والايات القرانية ، ليس محلها هذا البحث ، فالفرض ان الانسان ومن خلال تهذيب نفسه انه يتذكر دائما انه في قبضة الله وقدرته فيغض النظر عن ارتكاب الحرام .
في الوقت الذي لا يكون للايمان والعقيدة في المجتمع وفي قلب الناس دور ، فالناس حينها لا يكونون خاضعين للقواعد والانظمة ،
ويفضلون الحياة بحرية وبلا قيد ونظام ، وهنا ياتي دور الجهاز القضائي للوقوف بوجه المتمردين العاصين ويوقفهم عند حدهم . والاصل ان حكومة القانون الالهي في المجتمع والاسرة والمحيط لاجل ايجاد الامن وراحة البال ، فاذا قبل الناس بهذا الامر فخير على خير ، والا فسيجبرون عليه عن طريق القانون ، وعلى هذا الاساس فالحدود الاسلامية خطوة للوصول الى تلك الاهداف . ان بعض المستشرقين يتهم الحدود والقوانين الاسلامية المتعلقة بالناس بانها صعبة وظالمة ومجحفة ، في حين اذا ما نظرنا الى النتائج التي تترتب على الذنب بشكل دقيق نجد ان العقوبة تقابلها ، فصعوبة وخشونة القوانين الاسلامية لاجل محو وازالة ارتكاب الذنوب ، وحفظ المصالح العليا . مثلا حد الزنا واللواط ثقيل ، لا لان الله يريد ان يفرغ به غضبه وسخطه ، او ان يريه الناس ، بل الغرض منه ان يجعل الاسرة في حالة امان ، وشرفها الاجتماعي محفوظا . هناك بعض الحدود والتعزيرات التي تنفذ عد ارتكاب اصحابها للجرائم والذنوب وهي : ـ حد الزنا (100) جلدة ، وعند المعاودة يقتل الزاني . ـ حد المراة والرجل المحصنين الرجم بالحجارة حتى الموت . ـ حد اللواط القتل وان كان لاول مرة . ـ من عقد على امراة ، وزنا فلا يرجم ، بل يقام عليه حد الزاني غير المحصن ويحلق راسه ، ويباعد بينه وبين اسرته ، وينفى سنة كاملة .
ـ اذا زنا شخص بالغ مع غير بالغ ، فيعزر غير البالغ ويقام على البالغ حد الزاني . ـ اذا نام رجلان تحت لحاف واحد عاريين ، فاذا ثبت انهما ارتكبا اللواط يحكم عليهما بالقتل والا حد الزنا لغير المحصن . ـ اذا ساحقت امراة امراة اخرى يجري عليها حد الزنا لغير المحصنة . ووجود مثل هكذا قوانيين صعب بالنسبة للذين يريدون الحياة بلا قيد ولا ضابط ، بل ويعدونها ضغطا عليهم ، فيجبرون بسبب الخوف من القوانين على رعاية طهارة الاسرة وحفظها وصيانتها .
هو نوع من العقوبات ـ مثل الجلد ـ ولكن بمقدار اقل من الحد الشرعي ، ومقداره يحدده الفقيه ، مثلا الاستمناء ليس له حد رسمي وثابت ، او نوم البالغ وغير البالغ معا في فراش واحد ، فللبالغ الحد الشرعي ولغير البالغ التعزير ، وكذلك للتقبيل غير المشروع عدد من السياط . هذه الموارد والموارد الاخرى ضمانات اجرائية جيدة لحفظ امن الاسرة وطهارة المحيط .
ليس عمل الاسلام الامر والنهي فقط ، فالحياة في المجتمع الاسلامي لا تنتهي عند السجن او القتل والضرب او اقامة الحدود ، فقد
اوجد طرقا وحلولا كثيرة للاشخاص الذين يقعون تحت ضغط الغريزة الجنسية ، ويقترفون الاثام نذكر هنا بعضا منها :
يشجع الاسلام الشباب على الزواج المبكر وعند البلوغ خاصة وعند الاحساس بالحاجة للجنس الاخر ، وفي الوقت الذي يشجعهم على الزواج فانه يطمئنهم بعدم الخوف من تكاليف الزواج ، ويعدهم الله تعالى بانه سوف يغنيهم من فضله . ويوصي الاسلام الاباء والامهات ان يسعوا في امر زواج ابنائهم ، وان يعدوا العدة لذلك وفي وقت معين لتزويجهم وتهيئة مقدمات ذلك ، ويوصي كذلك افراد المجتمع بان يفكروا في امر العزاب ، ويقدموا لهم يد العون والمساعدة ويرشدوهم ، والا ففي غير هذه الحالة ستنشا مشاكل كثيرة في المجتمع من جراء العزوبة ، والاسلام يشجع على تقديم المال لتزويج الاعزب ويعد على ذلك مثوبة واجرا كبيرا .
من الممكن ان يواجه الرجل او المراة في المجتمع مجالا للاثم وتحريك الغريزة ، او الميل الى فعل الاثم ، ففي مثل هذه الحالة يوصي الفرد ان يقارب شريكته ويامن بذلك على نفسه ويسكن ، غريزته .
وللاشخاص الذين لا يتمكنون لسبب ما من الزواج الدائم ، يوصي الاسلام بالزواج المؤقت وتحت ظروف معينة ، لتسكين الغريزة الجنسية (بحثنا هذه المسالة في فصل سابق) .
في حالة عدم امكانية الحلول السابقة يوصي الاسلام بالاستعانة بالله ، لحفظ طهارته وعفته وكذلك الاخرين . هذا الامر يؤدي الى الهدوء والسكينة ولا يفكر المرء عندها بالاثم .
يضع الاسلام العديد من الارشادات للاشخاص الذين لا يتهيا لهم امر الزواج ، ورعايتها تسبب الهدوء والاطمئنان ، ولا تترك عواقب وخيمة . مثلا يوصي الاسلام الشباب عند ذلك بالصيام (يوم او اكثر في كل اسبوع) وفي اختيار الطعام المناسب يوصي بتناول المواد اللبنية اكثر ، وترك المواد المهيجة كالعسل والبهارات ، واشغال النفس بنشاطات بدنية كالرياضة والمشي ، وصعود الجبال والاستفادة من الوقت في المطالعة ، وتنظيم برامج النوم ، والاستفادة من الحمام البارد او الدافئ ، والاشتغال بالاعمال الفكرية والبدنية التي تبعد الانسان عن
التفكير الجنسي ، فكثير من الفساد عولج عن طريق هذه الامور . كما ان البطالة بلاء عظيم وافة كبيرة للعفة والطهارة ، فاذا راجت البطالة في المجتمع اتسع نطاق الجرائم والجنايات . وعلى كل حال يعتبر الاسلام حفظ وحراسة الاسرة من التزلزل والانهيار اصل واساس فيه ، ويستغل كل الطرق التي توصل الى تحقيق هذا الهدف وبافضل واحسن الوجوه .
هناك عوامل كثيرة في المحيط الاجتماعي تؤثر على الفرد ، فما يجري في المجتمع يكون الافراد في حالة تماس معه ، ويمكن ان يؤثر في سعادة وانحطاط الاسرة ، لهذا ففي المجتمع الاسلامي يسعى الاسلام للسيطرة على مثل هذه العوامل من قبل المسؤولين ورجال الدولة ، سنشير هنا الى هذه العوامل : ـ
العوامل التي تسبب الفساد في المجتمع كثيرة ، ومن جملتها تخريب البناء الاسري ، والذي يمكن السيطرة عليه من خلال :
تكون العلاقات في المجتمع الاسلامي بين الرجل والمراة وبين الرجل والرجل تحت ضوابط معينة ، والانحراف عنها يسبب العقوبة ، وما اكثر ما يحدث من علاقات غير لائقة من جراء النظر . فالاسلام يمنع ويحرم النظر الحرام ، بل يصفها بانها تدمر وتسبب الهلاك والدمار ، والاسلام لا يعطي المراة حق محادثة الرجال الا بمقدار الضرورة ، وهذه الضرورة ايضا يوصى بان يكتفى باقل ما يمكن .
وعند الكلام معه يجب عدم التغنج والميوعة وتغيير نغمة الصوت ، لانها تفسح المجال لوجود الفساد والفحشاء . وفي الاسلام باب المعاشرة بشكل حر مسدود بين الرجال والنساء ، ويجب على النساء والرجال الالتزام بجانب العفة فيما بينهما وان لم تتوافق ميولهما ، فالحريات يجب ان تكون تحت نظام معين ، فالتصرف يجب ان يحسب الف حساب ، فالحرية الجنسية والاباحية ومتابعة الهوى امور غير موجودة في الاسلام .
في المجتمع الاسلامي ليس هناك مجال لاقامة علاقات مع الرجال والنساء المفسدين لجر الاخرين الى الفساد ، بل انه يوجب لهم عقوبات شديدة . وفي المجتمع الاسلامي ليس هناك دلالين للمحبة وسماسرة ، لايسمح لهم الدين الاسلامي الكسب والاعتياش عن طريق الجمع بين ذوي الرغبات الفاسدة من الرجال والنساء ، فهؤلاء يرفضهم المجتمع ويطردهم من بين افراده ، ويضع قوانين شديدة لمحاسبتهم .
ان كثيرا من الفساد ، خاصة فيما يتعلق بالبيت والاسرة ، ياتي عن طريق شرب الخمر وسكر الشباب ، والاسلام اذ يحرم شرب الخمر وكل المشروبات الكحولية ؛ لان شارب الخمر لا يعترف بقيد ولا
احساس بالمسؤلية ولا يسيطر على عقله وتفكيره ، فتقع القيم المعنوية في معرض الخطر ، وعلى اثر ذلك لايرون اشكالا في عدم عفة المراة والرجل . وشرب الخمر يؤدي الى فوران الدم في العروق ، وعلى اثره يحس شاربه بالنشوة والحرية ، وفي ظل هكذا احساس يتجرا على فعل كل ما يخطر بباله فيقترف بذلك الاثام والموبقات ، ويحس انه حر في فعل كل ما يريد ويشتهي ؛ لذلك حرم الاسلام شربه ، ووضع لشاربه حدا وهو مقدار معين من الجلدات .
الادمان على المواد المخدرة في المجتمع الاسلامي محرم لانه : اولا : ان الادمان يجعل من الانسان الفعال المتحرك النشط فردا مشلولا عاجزا ، وهو لاجل حفظ حياته الشخصية يفعل كل شيء حتى انه يتجاهل بيته واسرته وزوجته وابنائه ، وحتى في بعض الاحيان يوجد من يبيع نفسه او افراد اسرته ، ويذل نفسه لكي يحصل على مال يوفر له المواد المخدرة . ثانيا : الادمان يشل طاقة الفرد ويجعله عضوا مكسورا ، فيضطر بقية افراد المجتمع لتحمل وزره ووباله ، ويدفعون ثمن لا اباليته وعدم تفكيره . ثالثا : في الادمان مجال كبير لايجاد الفساد واتساعه ، وبالنتيجة لا تخرب اسرة المدمن فقط ، بل عدة اسر يتعرض امنها للخطر . ورابعا ... وخامسا...
للادب والفن دور اساسي في عملية تغيير نفسية الانسان ، لذلك قيل : ان من البيان لسحرا . وفي نظر الاسلام الشعر والكتابة والفن يجب ان يستغل للتوعية والارشاد والوعظ ، حيث ليس هناك مجال للفن والشعر الرخيص ولا للشعراء والفنانين الساقطين واصحاب الاذواق الرخيصة لاستخدام قرائحهم الشعرية والفنية لخدمة وترويج الفساد والفحشاء والجناية على المجتمع ، ومن البديهي ان يقف الاسلام بوجه امثال هؤلاء ، ويمنعهم من طرح اعمالهم .
ان كثيرا من الاماكن والمجالس في المجتمع تدفع بالشباب والاطفال الى الفساد ، وتسبب في تخريب البناء الاسري وحياة الاسرة ، كما تزلزل كيانها وامنها ، والاسلام يسعى لسد ومنع تلك الاماكن ، وتعطيل دورها وفعاليتها ، والقضاء على كل ما تحدثه من الفساد ، وهذه الاماكن هي : ـ
في الاسلام لا يحق لاحد ان يقيم مجلسا لممارسة الاعمال المحرمة التي لا ترضي الله ، او الاعمال غير اللائقة وغير المحمودة ، مثلا ليس هناك في مجتمعنا الاسلامي مجالس للرقص ، او المحيط
المختلط ، ومجالس الشراب ، ولايحق للمراة والرجال ان يكونا في مكان واحد وبشكل حر ويمارسان الخطيئة . فليس هناك مجال يمثل تلك الاماكن والمجالس الممنوعة ، بل لا يحق لاحد المشاركة في مثل هكذا مجالس ، ولا يحق للمسلمين الدخول الى هذه المجالس للشرب ولعب القمار والغناء والاختلاط بالنساء . فحفظ البناء الاسري وامنه يوجب ان يمنع نشاط مثل هكذا مجالس بدون التزام وبلا قيد ولا ضابط .
في المجتمع الاسلامي تكون الاماكن العمومية تحت السيطرة والمراقبة ، ووفق الضوابط الاسلامية الشرعية ، كالحدائق العامة والفنادق ، والمدارس والساحات العامة ، والحمامات العامة ، والسيارات ، والمساجد ، والشوارع ، واماكن الترفيه ، ولا حق لاحد ان يفعل ما يحلو له . فيجب عليه مراعاة الاخلاق العامة والعفة وان يحفظ سمعه وبصره عن كل مايلوثه .
ليس في الاسلام شيء اسمه الخمارة ، فلا يحق لاي احد بيع وشراء الخمر ، فاذا كان هناك محل لبيع الخمر او اي مسكر فيجب ان يغلق ، وبذلك يقطع اصل السكر والعربدة والتعرض للاخرين وغير ذلك مما يؤثر في البناء الاسري ويزلزل كيانها .
|