تكوين الاسرة في الاسلام 320 4 ـ اماكن الدعارة : ليس في المجتمع الاسلامي مكان للفساد او مجال للانحراف والفحشاء ، حيث يمنع الدين الاسلامي وجود اماكن الفحشاء ، ومراكز الاشباع الجنسي للشباب او الشيوخ الذين اثروا حديثا ويريدون ان يجددوا شبابهم ويعوضوا ما فاتهم ، ولا يمكن لاحد ان يرتزق من بيع نفسه ، ولا يمكن لاحد ان يذهب بكل امن وامان لمحل ما ليمارس الفساد ويرتكب الفحشاء ، فبيوت الدعارة ممنوعة ويعاقب الاسلام المقيمين لها . ان وجود مثل هكذا اماكن يؤدي الى جر الشباب اليها وانشغاله بها ، وابتعاده عن الزواج ، كما تسبب الفساد وعدم الثقة والتحلل الخلقي والازمات الجنسية ، وتفتت نظام الاسرة ، او قد يحصل نتيجتها زواج اضطراري احيانا تكون نتائجه خطرا على المجتمع . ج ـ السيطرة على وسائل الاعلام: لوسائل الاعلام دور كبير وتؤثر تاثيرا كبيرا في بناء او تخريب الاسرة ، لهذا يعطي الاسلام اهمية وعناية خاصة لها . 1 ـ المطبوعات : للمطبوعات اثر كبير في تقدم المجتمع او انحطاطه ، ويتوقف عليها تحقيق اهدافه العليا او ركوده وجمود افراده . وما اكثر الحركات التي ساهمت المطبوعات في انجاحها او في تكوين الاسرة في الاسلام 321 قمعها ، لذلك تعد المطبوعات الركن الاول واحيانا الثاني في التحولات الاجتماعية . ومن ناحية الاسرة وامنها لا يمكن ان تكون بلا تاثير عليها ، فالفساد وخراب البناء الاخلاقي ، والشرف الاسري ياتي احيانا من المطبوعات ، لهذا يضع المجتمع الاسلامي هذه الوسيلة تحت رقابة الاولياء ، ولتنوع المطبوعات والمواضيع المتعلقة بها نقسمها هنا الى اقسام ونبين اهمية كل منها : الكتاب الكتاب الجيد مثل المعماري الذي يبني ذهن الانسان وعقله بناء جميلا عاليا ومحكما ، والكتاب السيء مخرب ولص يسلب النواة ذات القيمة من الاذهان . وفي المجتمع الاسلامي الكتاب والادب لا يكون محركا للرغبات الرخيصة ، ولا يدفع الشباب بدل الاهتمام بكسبه ولقمته الى السعي وراء الخمر والغرام والهوى . الكتاب يكون في مجال البناء والحياة وحفظ الشرف في المجتمع ويدل على سر بقاء المجتمعات ، ويبين طريق الخير والصلاح ، ويقود الانسان الى السعادة والرفاه ، بهذا فالكتاب المذمومة التي تحتوي على قصص الجريمة ، اوفيها ما يحرك او يوسع الانحراف الجنسي مرفوضة الاساس في المجتمع الاسلامي . تكوين الاسرة في الاسلام 322 الصحف والمجلات توضف الصحف والمجلات في المجتمع الاسلامي في طريق حفظ واستقامة البناء الاسري ، وتعمل على ابعاد المجتمع عن الفساد ، لا ان توسعه وتنشره ، فهي تؤيد النظام الاسلامي في تحكيم وبناء العلاقات الاسرية لا تخريبها وابطالها . وبهذا فان هذه الوسائل لا يمكن ان تكون وسيلة للانحراف ولا يجب ايضا ان توسع نطاق الفساد ، او تكتب قصصا مثيرة تساهم في اشاعة الفساد والفحشاء . الصور والاعلانات لا حق لاي احد في المجتمع الاسلامي ان يضع اي صورة او لوحة امام نظر الاخرين ، فالصورة غير المشروعة المعدة والمهيئة للاثارة والفساد والاغراء ، والتي يمكن ان توقد النار في قلوب جياع الشهوة ، وتخلق الفكر المنحرف في الحياة . 2 ـ المذياع ولاجل حفظ شرف المجتمع واركان الاسرة ، لا يمكن للراديو ان يبث اي برنامج كان ، كان لا يبث الاغاني التي تخرج من افواه الفاسقين والفاسدين ويوصلونها الى اذان الناس ، فالمذياع ليس فيه كلام عن الخمر والعشق ولا يوقظ الاحاسيس , ولا يقدم الذنب بشكل لا قيمة له ولا تاثير . تكوين الاسرة في الاسلام 323 وبهذا اذا ما كان المذياع في المجتمع يعمل وفق برنامج مراقب ودقيق ، فلا مجال للهوس والرغبات الكاذبة ، وعندها لا تتزلزل اركان الاسرة . 3 ـ السينما والتلفزيون السينما والتلفزيون وسائل اعلامية قيمة وذات تقنية عالية لنقل الثقافة للنسل الجديد ، وتاثيرها في العقل والروح عظيم جدا ونفوذها فيهما عجيب . فيمكن ان تكون في خدمة تقوية الاسس الاخلاقية والانسانية والتربية الصحيحة ، او بالعكس وسائل سيئة تعلم الاخلاق السيئة ، وعامل مساعد في تخريب البناء الاسري . ففي المجتمع الاسلامي لاتوضع هذه الوسائل في خدمة ترويج الفساد وتشجيع الشباب عليه ، فالاسلام لايسمح بالافلام القذرة الساقطة التي تعرض امام اعين المتفرجين امورا غير اخلاقية كاسرار العلاقات الزوجية والفراش . كما لا يسمح للقائمين على هذه الاجهزة بعرض اعمال مثيرة للشهوات وافساد الشباب ، حتى ان اعدادها ممنوع ، فهذه الوسائل يجب ان توضع في خدمة الانسانية والاخلاق الحميدة ، وحفظ الشرف وتعليم الاخلاق الفاضلة ، والتقوى ، وباختصار هي عامل لتقوية البناء والنظام الانساني ، وللوصول الى مثل هكذا اهداف يجب وضعها تحت المراقبة والسيطرة . تكوين الاسرة في الاسلام 324 د ـ السيطرة على الاجتماعات الاخرى: كل امر يكون سببا لتعليم الانحراف وسوء الخلق والفساد ، وكل ما يسبب تزلزل اركان الاسرة ممنوع في المجتمع الاسلامي ويجب السيطرة عليه ، ويجب منع الهواتف التي تعاكس وتزاحم الاخرين حتى لاتهيء المجال للقاءات ومواعيد الفساد ، ومنع العربدة والسكر والغناء في المجالس والمحافل وفي الشوارع والاماكن العامة . ولا حق لاحد بالضجيج والصراخ والتفوه بكلمات بذيئة ، ولايحق لاي احد ان يمازح امراة او فتاة في الشارع او يسمعها كلمة ما ، ولا يحق كذلك في ايجاد او اشاعة الاثم . ففي المجتمع الاسلامي ليس هناك مجال للنظر الحرام ، والكلام غير اللائق ، والافتراء والاتهام ، ومجالس التسكع وعمل القبائح ، والسكر والادمان ، كما لا حق للنساء في التزين والظهور امام الناس بزينتهن . كل ذلك من اجل حفظ البناء الانساني والاخلاقي وشرف الانسانية وحفظ النسل وبقاء الاسرة ، الاسلام ، من اجل كل هذا وضع النظام الاسلامي قوانين صعبة وشديدة ، والمتخلف عنها يستحق العقوبة والملاحقة . تكوين الاسرة في الاسلام 325 الفصل السادس والعشرون «المتابعة داخل الاسرة» لاجل حفظ امن الاسرة يطرح الاسلام طرقا متعددة ، اشرنا الى بعض منها في البحوث السابقة ونشير هنا الى القسم الاخر منها : ـ بداية المتابعة في الاسرة ان مجال حفظ سلامة وامن الاسرة يبدا ـ في الحقيقة ـ قبل تشكيل الاسرة فالتوصيات الاسلامية في اختيار الشريك ومراعاة الكفاءة والشروط الفكرية تشترط لاجل هذا الامر . واصولا فالاسلام ـ وقبل حدوث الخلاف بين الزوجين ـ ينبه الى ضرورة التفكير في اختيار شريك الحياة والتوافق معه فكريا ، وان يكون هناك توافقا في الرغبات ويؤكد على معرفة سيرته ونهجه في حياته وهل له سوابق ، كل هذه الامور يجب اخذها بنظر الاعتبار قبل الزواج . ولاشك ان التفكير البعيد والنظرة المستقبلية تصدق على كل امر ، وصحيح ان الانسان غير معصوم عن الخطا والزلل الفكري ، ونظرته البعيدة يمكن ان تكون ايضا عميقة الى حد تتناول كافة جوانب الحياة اجتماعيا ، اقتصاديا وسياسيا ولكن قد تاتي الحسابات خطا احيانا . المسالة الاهم في هذا الخطأ والزلل هي اننا نواجه انسانا له ابعادا مختلفة ووجوه مختلفة ومتنوعة وغير معروفة لدينا لهذا يبدو بسيطا تكوين الاسرة في الاسلام 326 انه اخطا لان ظاهره رائع وجميل ثم يتضح بعد ذلك انه كان يتصنع ويتجمل . منع اسباب الافتراق : وعلى كل حال يتم الزواج ويتعارف الزوجان ويشاركان بعضهما في واجبات تشكيل الاسرة وادارة امورها . وحتى لايتهدم هذا البناء ويعيش الزوجان في امن وطمانينة ويقدمان للمجتمع ابناء صالحين ، يسعى الاسلام لازالة كل عوامل الفرقة والطلاق والاضطراب في الاسرة فيوجه عنايته الى النواحي التالية : ـ أ ـ ناحية الحياة المشتركة: في هذا المجال هناك ارشادات بصورة اوامر ، وحقوق واخلاق وغيرها نوردها في النماذج التالية : ـ 1 ـ الحياة في ظل التقوى : يصر الاسلام على ان تكون حياة الفرد والمجتمع ومنها حياة الزوجين في ظل تقوى الله ومراقبته ، فالخوف الحقيقي من الله عامل قوي لحفظ امن الاسرة ، والتقوى قوة لادارة حياة الانسان ، وفي ظله يكون اللسان واعضاء الجسم الاخرى وحتى الفكر تحت السيطرة والضبط . فالشخص التقي يعلم ان كل صغيرة وكبيرة محسوبه عليه عند تكوين الاسرة في الاسلام 327 الله ، ويده فوق يد الجميع لذا يجب ان يسيطر على نفسه ، مثلا ان تجاوز الرجل عن خطا زوجته ولم يتشدد معها ، وعلى كل حال فالتقوى الفباء الحياة ولا ايمان كاملا وحقيقيا بدونها . 2 ـ الحياة في ظل الاخلاق : يريد الاسلام ان يسود جو انساني وعاطفي ، فالزوج والزوجة يجب ان يسعيا في حياتهما الزوجية لحفظ ، الكيان الاسري دافئا عن طريق الاخلاق الانسانية لهذا يامر الاسلام الرجل ان يرضي زوجته قدر ما يستطيع ويامر المراة من جانب اخر ان لا تغضب زوجها وتسخطه . فالاسلام يقول للرجل اذا ارتكبت زوجتك خطا سامحها واغفر لها الا تحب ان يسامحك الله ويغفر ذنوبك ؟ ويقول للمراة اصبري على اذى زوجك وتجاوزي عنه . ويوصي الطرفين كذلك بالعلاقات الاخلاقية والمعاشرة الحسنة والمروءة والتراحم وبالصداقة الطاهرة والخالصة والمودة والرحمة . كما انه في الوقت الذي لا يجبر المراة على العمل في المنزل وارضاع الطفل ويجعل لها حق اخذ الاجرة على ذلك ويوصيها كذلك ان تهبه لزوجها وان تهيء له وسائل الراحة وتنظيم بيته وتهيئة طعامه ، خياطة الملابس وغيرها . جاء في الحديث الشريف : «خير نسائكم الطيبة الريح ، الطيبة الطبيخ التي اذا انفقت انفقت بمعروف وان امسكت امسكت بمعروف تكوين الاسرة في الاسلام 328 فتلك عامل من عمال الله وعامل الله لايخيب ولايندم» (1) . 3 ـ الحياة في ظل الحقوق : عند عقد الزواج تترتب للطرفين حقوقا على بعضهما والتخلف عن ادائها يوجب العقوبة ، مثلا اذا لم يؤد الزوج حق نفقة الزوجة وكسوتها او اذا ترك معاشرتها او تركها جائعة او يؤذيها او يهينها او بالعكس فالزوجة التي لاتمكن زوجها من نفسها او تخونه في ماله ولا تحفظ عرضه وتعرض حياته وشرفه للخطر ، وتضيع جميع حقوق الاسرة ، فكما ان المراة لها الحق في الحرية كذلك للرجل ايضا حق في الحياة . 4 ـ الانتباه لنظام الفعل ورد الفعل : نظام الفعل ورد الفعل نظام طبيعي وثابت ويشمل كل فرد مسلما كان او كافرا ، والاسلام يقره وينبه وبشدة ـ على ان لكل عمل اجرا او عقوبة ولكن احيانا قد يعجل الاجر او العقوبة او تؤخر . هذه الامر يصدق ايضا على مسالة العفة والفساد في الاسرة . وعن الامام الصادق (عليه السلام) : «لاتزنوا فتزني نسائكم ومن وطيء فراش امرئ مسلم وطيء فراشه ، كما تدين تدان» (2) . ومن الناحية الاخلاقية والمعاشرة فالامر كذلك ايضا فاذا ظلم (1) وسائل الشيعة : 14 / 15 ح 6 . (2) وسائل الشيعة : 14 / 271 ح 8 . تكوين الاسرة في الاسلام 329 الشخص فانه سوف يظلم واذا رحم فسوف يرحم ، فهناك طرق اخرى غير استعراض العضلات وابراز القدرة على الغير كحسن السلوك والانسانية . ب ـ ناحية اشباع رغبة الزوج واقناعه: ان طلب التغيير وليد هوى النفس الذي تحركه المؤثرات الخارجية . فمثلا يرى الرجل في محيطه الاجتماعي نساء متبرجات متزينات فتراوده نفسه باقامة علاقة معهن ، خاصة اذا لم يكن يجد في بيته مثل هكذا زينة وتجمل فيقدم على الفساد الذي هو عامل من عوامل خراب الاسرة وهدمها . او ان تكون علاقته الجنسية مع زوجته لا ترضيه ولا تشبعه فنجده يتابع الاخريات دائما بالنظر الحرام والفساد والهوى ، والاسلام هنا يضع امورا لمنع حدوث مثل هكذا مفاسد منها : 1 ـ زينة الزوجين : يوصي الاسلام الزوجين بالتزين لبعضهما ، فهو يامر المراة باظهار زينتا لزوجها فتلبس ثيابا جميلة يرغب فيها الزوج وان تتطيب وتختضب ، ترتب شعرها ووجها باحسن هيئة حتى يوصى احيانا ان تطيل المراة اظافرها اذا كان الزوج يرغب في ذلك . من جانب آخر يوصى الزوج كذلك ان يتجمل لزوجته فيلبس الثياب التي ترغب الزوجة فيها . قال الامام الرضا (عليه السلام) : «انها تحب ان ترى منك ما تحب ان ترى منها» . تكوين الاسرة في الاسلام 330 وخلاصة القول ان تزين كل من الزوجين لبعضهما يسبب تقوية العفاف والطهارة للطرفين ويبعدهما عن الفساد . 2 ـ اجراء الحدود : يسعى الاسلام عند مشاهدة الانحراف الى حفظ شرف الزوجين فيجر الانحراف الى الشبهة عند عدم وجود الدليل ولا يقيم الحد :«ادرأوا الحدود بالشبهات« . ولهذا يشترط في اقامة حد الزنا اربعة شهود يتفق قولهم ، في حين يشترط وجود شاهدين فقط في قضية القتل . وطبًقا لما في الاسلام فلا يجوز التجسس لكشف الاثم ؛ اي انه لا حق لاحد ان يدخل بيتا ويتجسس على من فيه حتى يجد شخصا يزني ، بل حتى وان وجد مثل هكذا حالة فيشترط وجود شهود تتوافر فيهم الشروط المطلوبة حتى يقام على الزاني الحد ، ولاننسى ان الشهود يجب ان يكونوا عدولا ، وان تتوافق شهادتهم ، فاذا شهدوا زورا وبهتانا وكذبا فلا يؤخذ بها . 3 ـ الطلاق : عند وصول الخلاف بين الزوجين الى طريق مسدود بحيث لا يمكنهما ان يستمرا في حياتهما معا ، فالاسلام لا يجبرهما على الاستمرار مع هكذا وضع حيث يصير فيه البيت جهنم لا تطاق ، او لاسمح الله يسعى الطرفين للانتقام من بعضهما . باقامة علاقات غير تكوين الاسرة في الاسلام 331 مشروعة ، وينجران الى الفساد . فالاسلام ومن اجل حفظ حياتهما وتوفير الامن نسبيا للاطفال الذين قد يكونون ضحية لعدم اهتمام الابوين ، يبيح للزوجين الطلاق (وسنبحث هذا الموضوع في فصل لاحق) . تكوين الاسرة في الاسلام 333 الباب الثامن تكوين الاسرة في الاسلام 334 تكوين الاسرة في الاسلام 335 «فسخ الزواج» الطلاق ونتائجه : يقوم الزواج وتشكيل الاسرة على اساس ان يكون الطرفان فيها قادرين على العيش معا مدى الحياة وضمن كيان اسري واحد ، ولا شك ان المراة والرجل تكون هذه الرغبة عندهما حين العقد ، ولكن احيانا يحدث تصدع في الحياة الزوجية ، فلا يتمكن الزوجان من الاستمرار معا ، فقد يضعف حبل المحبة والود بينهما او من طرف واحد ويصل الى الانقطاع ، فتبدا عملية اختلاق الاعذار والحجج والتصرفات التي تنم عن الثار من الطرفين ، والعصيان والاعتراض . وفي مثل هذه الحالات يسعى الاسلام لايقافها بالتحمل والتسامح والتضحية ، اما اذا لم يكن الطرفان مستعدين لذلك ، فيحكم حكمين عادلين بينهما يسعيان للمصالحة بينهما ، ويناقشان وضعهما ويجدان حلا لاعادة المياه الى مجاريها . فاذا حصل ولم تنفع هذه الطرق ، ولم يتمكن الزوجان من الاستمرار معا ، وفشل الحكمان في المعالجة ، وزاد نفور الزوجين من بعضهما ، ففي مثل هذه الحالة يشرع الاسلام قانون الطلاق والفراق بينهما وذلك لخلاص الطرفين من هذه الحالة حالة العذاب . الطلاق ضرورة من جانب ومن جانب اخر تكون عملية القبول به كالعملية الجراحية في جسد الاسرة التي لا بد منها ولابد من المشرط ، وله نتائج وآثار لاتنعكس على الزوجين فقط ، بل تنسحب على الاطفال تكوين الاسرة في الاسلام 336 واهل واقارب الطرفين . وعند حدوث الطلاق يجب مراعاة مسائل كثيرة مثل العدة ، والحقوق ، ونحن سنتناول هذه المواضيع بالبحث في الفصول اللاحقة ، كما سنبحث العوامل التي تسبب الطلاق ، والعوامل المساعدة على تجنبه . تكوين الاسرة في الاسلام 337 الفصل السابع والعشرون «قضية الطلاق» اساس تشكيل الاسرة في الاسلام : اساس فكر الاسلام في تشكيل الاسرة هو الاستمرار في الحياة الزوجية الى الابد ، وبعبارة اخرى يريد الاسلام ان يبقى عقد الزواج دائما منذ اليوم الاول لعقده الى نهاية العمر ، ولذلك ومن اجل تحقيق هكذا هدف يضع الاسلام برنامجا منظما للحياة . يبني الاسلام هذا البرنامج المنظم لحياة الزوجين على الصفاء والسلام والتوافق والتسامح ، ويريد من الطرفين ان يعيشا معا في راحة وامن تامين ، ويوصي بالتوافق والتكيف خاصة من جهة الرجل بالنسبة للمراة الى حد ، وحسب ما قال رسول الله (صلى الله عليه واله) : «اوصاني جبرئيل بالمراة حتى ظننت انه لا ينبغي طلاقها الا من فاحشة مبينة» (1) . الوصايا بأدامة الحياة : لاشك ان الحياة الزوجية مثل اي امر اخر تواجه بمشكلات ، ولكن هذه المشاكل يجب ان تواجه بشجاعة ، ويستعد الشخص لاقامة (1) الفروع من الكافي : 5 / 512 ح 6 . تكوين الاسرة في الاسلام 338 حياة دائمة ومستقرة . وفي التوصيات الاسلامية للطرفين ، ومن اجل بناء الحياة الدائمية السعي احيانا للتغاضي عن بعض الحقوق ، وذلك من اجل التقرب الى الله بتجاوزه عن عيوب الاخر ويغفرها له ، كما يحب ان يتجاوز الله عنه ويغفر خطأه ، ولا يسمحان بوصول الامر الى حد الكراهة والنشوز . وحتى ان هناك توصية لكل من الزوجين في حالة وجود الكراهة لبعضهما ان يحاولا اصلاح امرها ويعيشان معا ولا ينفصلا ، فقطع العلاقات الاسرية امر غير محمود ابدا ويبغضه الله اشد البغض ، قال رسول الله (صلى الله عليه واله) . «تزوجوا ولا تطلقوا فان الطلاق يهتز منه العرش» (1) . ماهو الطلاق الطلاق في اللغة الترك ، وفي الاصطلاح الشرعي بمعنى فسخ عقد الزواج او قطع العلاقة الزوجية . في ظل عملية الطلاق تتهدم الطف العلاقات الاجتماعية وتتبدد اشد المحبة واعمقها ، والطلاق يعني خبر مؤلم للمراة وللرجل وللابناء وللاصدقاء وللاقارب ، انه يعني تسليم شخص ارمل للمجتمع ، يعني الانفصال عن الكيان الاسري ، وتشرد الابناء ، وطعن الشخصية ، والقبول بالفراق والعذاب ، والنظر الى الحياة ومافيها نظرة تشاؤم ، وفي الوقت الذي تكون فيه كل هذه الاضرار فله ايضا فوائد . (1) وسائل الشيعة : 15 / 268 ح 7 . تكوين الاسرة في الاسلام 339 فوائد الطلاق : في الوقت الذي يكون فيه الطلاق ابغض الحلال وسببا لغضب الله ، وله اضرار عظيمة على الفرد والمجتمع ، فهو ليس خاليا من الفوائد والمزايا من الجانب الاخر . فالفائدة الاولى انه يفتح نافذة الى الفضاء الواسع من سجن الحياة الزوجية والاسرية التي لايتحقق فيها التلاؤم والانسجام والالفة ، والبيت الذي يتحول الى جهنم وحتى احيانا يكون موحشا وخطرا على افراده . فاذا ما وصلت الامور بين الزوج والزوجة الى حد النفور من بعضهما البعض ، ويجبران على الحياة معا ، فالموت في هذه الحالة افضل من المفاسد التي تنتج عن ذلك والتي تسبب التعاسة وحتى احيانا تؤدي الى صدمة في شرف الانسان وكرامته . فالطلاق مجال لتعليم وتنبيه الافراد ، وسيلة للتعقل واخذ العبرة من الدرس السابق ، عادة بعد الطلاق يعدل المرء تفكيره ويصلحه وينظمه ويرتب امره حتى يتفادى اخطاءه ولا تزل قدمه مرة اخرى . والطلاق سبيل لحياة حرة ، وللابتعاد عن حياة فيها اعوجاج وسوء خلق ، وعدم تلاؤم واضطراب ، ويصلح النقص وعدم النضج الماضي ويعوضه ، وتزول الصدامات والمواجهات وسوء التصرف . ضرورة الطلاق : الطلاق ضرورة اجتماعية ، ووجوده في الاسلام احد افتخاراته ، فحين منعته المسيحية واجبرت الطرفين على الحياة معا خلقت بذلك تكوين الاسرة في الاسلام 340 مشاكل مؤسفة ومرعبة تتجلى في اتساع نطاق الفحشاء وجرائم القتل . فالزوج والزوجة اللذان يريدان الانتقام من بعضهما ، فاي اسرة ستكون في ظل هكذا حال وهكذا قانون ؟ واي راحة ؟ واي امان ؟ ففي مثل هذه الحالات يكون استمرار الحياة مكروها ، ودعاء الطرفين غير مستجاب عند الله ؛ لان الطلاق امر اساسي لنجاة الطرفين من البلاء . وعندما يكون احد الطرفين لا يرغب في الحياة مع الطرف الاخر ، فما الداعي للاصرار على استمرارها ؟ واي موجب لعيش الطرفين معا ؟ ومن اين لنا ان نعلم ان الطرفين اذا تزوج كل منهما فيما بعد ان لا يحققا السعادة ؟ بالاضافة الى ذلك ففي حالة اجبارهما على العيش معا فستحدث عواقب مؤسفة ، وماذا سنفعل بالعقد التي تنشأ من جراء ذلك ؟ والنزاع والتشاتم والمجادلة على قدم وساق بين الطرفين ؟ اضرار منع الطلاق : ان اجبار الشخص على ادامة حياة كلها نكد ، ظلم صريح ، وليس هناك اي عاقل وله عقل او فكر يقبل باجبار نفسه على الارتباط مع اخر ، وسبب ذلك هو هذا الارتباط الذي تعرض فيه للاهانة والعذاب وتحمل المصائب وتقبل الحرمان . فاذا صار البناء ان المجتمع يمنع الطلاق ويجبر الفرد على تحمل العذاب ، فاي انحرافات واي فساد ، واخذ الثأر من الاخرين ، وتلويث العفة ، واي مفاسد سوف يجر ومشاكل وصدامات ستحدث بين الناس . السابق الفهرس التالي