ان حقوق كل من الرجل والمراة في الاسلام متفاوته ومختلفة وبعبارة اخرى ان حقوق الزوجة في الحياة الزوجية ليست بمستوى واحد وبنفس ، الشكل لذلك قلنا ان فيها تفاوتا (لا تفرقة) . ومنشأ هذا التفاوت هو الوضع الطبيعي لكل منهما والتكوين الجسماني والنفسي لهما مع مراعاة المصالح الاجتماعية كذلك . توضيح ذلك ا لكل منهما استعدادات مختلفة وحاجات متفاوته من الناحية الفردية والاجتماعية والتي تؤدي بدورها الى تفاوت في حقوق وواجبات كل منهما . هناك عوامل تؤثر بشكل كبير واساس في هذا التفاوت منها العاطفة والاحساس ، والعقل ، والقدرات ، الطمانينة والامان لتربية الابناء ، طاعاتهم والسيطرة على زمامهم . وكما ذكرنا ان كل هذه الامور تسبب التفاوت لا التفرقة والتمييز وبعبارة اخرى ليس الهدف من هذا التفاوت ايجاد حقوق مختلفة لشخصين تحت ظروف متساوية ولا لافضلية وميزة لا حدهما وحرمان للطرف الاخر .
لاشك ان في كل مجال من مجالات الحياة قوانين يساء استخدامها اما من جانب المستكبرين او المغرضين والمتسلطين ومن جانب اخر بسبب انخداع جماعة اخرى وعدم قدرة المستضعفين ، ولاشك ان ايجاد مجتمع صالح يستدعي منع سوء الاستفادة من الحقوق وايقاف المستغلين لها عن حدودهم . وبحثنا هنا في المقررات الحقوقية للزوجين في ظل الاسلام لا في كيفية اجرائها او العمل بها . فقد لانجد احدا في المجتمع يعمل بها او يعمل بها بشكل معكوس وهذا الامر لا يرجع لعلة في المقررات نفسها بل في الافراد المفسدين الذين لا يحسنون استخدامها ، مثلا هناك تعليمات وقوانين مرورية وضعت لتنظيم حركة السيرة في الشارع وهو امر حسن ولكن قد نجد ان هناك من بين سائقي السيارات من لايلتزم بها مما يسبب الاضطراب وعدم النظام في العبور والمرور وسد الطريق احيانا ، ففي هذه الحالة يجب على الشخص المخالف معرفة واجبه والاتزام به والاينبه ويعاقب على مخالفته وعدم مراعاته للمقررات .
السبب في وضع عدة التزامات على عاتق الرجل ؛ ان الرجل هو الطالب والمراة هي المطلوبة وهنا نورد عدة مسائل :
المقصود من النفقة هو تهيئة الحاجات اللازمة للمراة من ماكل
وملبس ومسكن وحتى وسائل الزينة من خضاب وعطر وغيرها . وهذا الامر من المسائل المسلم بها والاساسية في الفقه الاسلامي . فالنفقة حق للمراة على الرجل حتى وان كانت ثرية وغير محتاجة وكان زوجها فقيرا . وهذا الحق اذا لم يؤديه الزوج يجبره الحاكم الشرعي على ادائه . ان رعاية هذا الحق واجب على الزوج وليس وسيلة لاستغلال المراة واذلالها ، بعبارة اخرى فالرجل عندما يدفع للمراة حق النفقة ليس معنى ذلك ان له الحق في استغلالها ، ووسيلة لفرض سيطرة وابراز قدرته عليها بالضرب والشتم او ان يامرها بما يشاء .
يترتب على تقديم الرجل النفقة للمراة عدة فوائد منها انها تطمئن ويرتاح بالها من جانب تهيئة نفقتها وتستطيع ان تتفرغ للمحافظة على الكيان الاسري وتهيئة وسائل تسكين الام الزوج الناشئة عن مصائب الزمن ومتاعبه ، وتربي ابنائها بذهن صاف تربية صالحة وتكون لزوجها محبة وسيدة محترمة ، محبوبة مرفوعة الراس . ان المراة لا تتمكن ـ بسبب تعرضها لابتلاءاتها الشهرية وايام الولادة والنفاس وعوارض فترة الحمل ـ ان تتحمل فوق كل هذا مسؤولية الانفاق ، فاذا حملناها ذلك فهو منتهى الظلم الصريح وفي مثل هكذا حالة كيف ستستمر الحياة ؟ وكيف ستتمكن المراة من تربية الاطفال ورعايتهم ؟ واي مجتمع سيكون بعد ذلك ؟ على هذا الاساس فان ايجاد كيان اسري سالم وهادئ يقتضي ان
يتكفل الرجل بامر النفقة وتتجه المراة لاداء وظيفتها الطبيعية حتى يتحقق التوازن والهدوء المطلوب في الحياة .
عند تامين النفقة يجب مراعاة المسائل التالية : ـ 1ـ توفير احتياجات الزوجة الاساسية من ماكل وملبس ومسكن . 2ـ مراعاة شخصية المراة ومكانتها الاساسية بشكل عدم توهينها وتحقيرها امام الاخرين . 3ـ قدرة الزوج على الانفاق بشكل عدم الضغط عليه وتحميله ما لا طاقة له به واثقال كاهله بالقروض .
بمراعاة النقاط التي سبق ذكرها يتحدد مقدار النفقة ، ولكن الشيء الذي يجب ان يؤخذ بنظر الاعتبار مراعاة حد الكفاية اي عدم الاسراف وعدم الاقتار بل اختيار حدا وسطا في الانفاق . فالاسراف بمعنى المبالغة وفي مجال النفقة يعني الانفاق اكثر من الحاجة والاتلاف بلا فائدة مما يسبب الضرر والخسارة بالمال والبدن . واما الاقتار فهو كما يقال (قوت حد الكفاف) يعني ان يطعمها ابسط الطعام كالخبز واللبن ، اوالخبز والجبن ، بدون تنوع وتوسعة فيها مع انه قادر على تهيئة اكثر من ذلك . واما الاقتصاد فهو حد الوسط والاعتدال مثلا يوما خبزا ولحما ويوما خبزا ومرقا واحيانا خبزا وجبنا .
ولتوضيح مسائل النفقة نذكر الامور التالية :
يوصى في هذا المجال ان يطعمها اللحم مرة في اليوم على الاقل وفاكهة الموسم ، ومن الطعام المتعارف عليه من بين عدة مرات مرة واحدة على ان يشبعها ، كما يوصى ان لايكون الطعام دائما نوعا واحدا ويراعى التنوع وان يطعمها مما ياكل ويهيء لها الطعام الذي تحبه قدر الامكان ويسعى لتهيئة طعام كثير في البيت .
يوصي الاسلام الرجل ان يلبس المراة مما يلبس هو وبالحد المتعارف عليه من ناحية القيمة ، فيهيئ لها في السنة اربع مرات لباسا كاملا ، اي لكل فصل من فصول السنة لباسا خاصا به ، او لفصل الشتاء مجموعة من الملابس ومجوعة اخرى لفصل الصيف . كما يوصى كذلك بان لا يكون ساترا للعورة فقد بل يراعى فيه ان يكون ذي قيمة مناسبة لمكانه المراة وان يهتم الزوج بذلك . فالمراة اذا رات الزوج يعاملها يحب وود وعناية واحترام ستشعر بقيمتها وتزداد ثقتها بنفسها .
يوصي كذلك بتهيئة مسكن واسع قدر الامكان ، مريح جميل ، ويمنح
الزوجة الراحة وان يكون دافئا في الشتاء . وفي كتب الفقة نجد بحثا يتعلق بضرورة التزين للزوجة فيحث الزوج على الخضاب كل ستة اشهر وعليه كذلك ان يطيب جسمه بدهن معطر وان يهيء في البيت طعاما لتقوية البدن وطراوته بشكل كثير ودائم . ولا شك ان مثل هذه الامور تتناسب مع كل عصر ووسائل الزينة فهي (في زماننا الحاضر هناك امور اخرى غير الخضاب والدهن) .
على الرجل ان يبيت عند زوجته ليلة واحدة من كل اربع ليال وان يبقى معها الى الصباح ، ولا يجوز له ان يترك زوجته الشابة اكثر من اربعة اشهر حتى في الايلاء (اي ان يقسم الرجل على ترك مقاربة زوجته) فيجب عليه التكفير عن يمينه بعد اربعة اشهر واما ان يقاربها او يطلقها الا اذا كانت هي راضية بذلك . وفي مدة الرضاعة وتغذية الطفل من ثدي امه لا يحق للرجل بحجة الخوف من الحمل ثانية او لضرر قد يصيب الطفل . كما ان ترك المقاربة بسبب الرهبانية وترك لذائذ الدنيا حرام في نظر الاسلام لان النبي صلى الله عليه واله وسلم قال : «اترغبون عن النساء ، اني اتي النساء واكل بالنهار ، وانام بالليل ، فمن رغب عن سنتي فليس مني» (1) .
من واجب الرجل من الجر نفسه والله والانسانية ان يعاشر المراة معاشرة حسنة ويحسن اليها ، واي شرط حتى لو كان ضمن العقد خلاف ذلك باطل ، وان لا يسلبها دينها ، فمثلا اذا اشترط الرجل عليها حين العقد انه إذا وجد فرصة يزورها ، أو يقول إذا شئت تصرفت معك بالحسن وان تزوجت عليك فلا اعدل بينكما . فمثل هكذا شروط غير مقبولة ، لان قانون الله مقدم على كل شروط البشر ، فالله امر بالانس اليها والالفة ، وحسن المعاشرة ، وحسن الخلق ومراعاة العدالة معها ، ولا يحق لاحد ان يلغي حكم الله ولا يعتني به فقد ورد ان بعض الصحابة حرم على نفسه النساء وقال فجاؤا الى رسول الله واخبروه بذلك فانزل الله تعالى «لا يؤاخذكم الله باللغو في ايمانكم ...» (1) .
من واجب الزواج التزين للمراة ، وان يلبس لباسا جميلا تحبه الزوجة ، لان مثلما انه يطلب منها ان تتزين وتتهيا له ، فعليه ايضا ان يراعي ذلك ، وان لم تقله بلسانها . كان الامام الكاظم (عليه السلام) مختضبا يوما ، فدخل عليه احدهم فساله اتختضب ؟ فقال : «نعم ان التهية مما يزيد في عف النساء ، ولقد ترك النساء العفة بترك ازواجهن التهية . ثم قال : ايسرك ان تراها على ما تراك عليه اذا كنت على
غير تهية ؟ قال : لا قال : فهو ذاك ...» كناية عن انها ايضا تحب ان ترى منك ما يسرها .
من الحقوق الاخرى التي يوصي الاسلام بها هنا : ـ عفة الرجل : قال النبي (صلى الله عليه واله) : «عفوا تعف نساؤكم» . مداراتها : ـ جاء عن النبي (صلى الله عليه واله) : «... واذا اذنبت غفر لها...» (1) . احترامها : المراة مخلوق جدير بالاحترام ؛ لانها زوجة وام الابناء وشريكة الرجل في فرحه وحزنه ، قال النبي (صلى الله عليه واله) : «من تزوج امراة فليكرمها» . تعليمها المسائل الشريعة : ـ من حقوق المراة الاخرى على الرجل هو تعليمها المسائل الشرعية الضروية ، حتى لا تحتاج الى الاخرين ، ويوصى كذلك ان يتعلم الرجل المسائل التي يجهلها ويعلمها لزوجته .
يجب ان تعيش المراة في بيت الزوج ـ على الاقل ـ كما كانت تعيض في بيت ابيها ، لذلك يوصي الاسلام الرجل بان لايسعى للزواج من بنات الاعيان الذي يملكون امكانات واسعة ، لانه لن يتمكن من تهيئة ما تطلبه . اما اذا تزوج ممن هي افقر منه ، فامكانية تحسين وضعها اكثر ،
ومجال كسب ودها اكبر . كما يجب عليه وعلى قدر الامكان تهيئة مطالبها المشروعة ، وان لا يشعرها بالحقارة والذل في حياتها الاسرية ، فياسها من الحياة يؤثر بشكل يؤثر على علاقتها بزوجها وكذلك على تربية ابنائها اثارا غير محمودة . وفي نفس الوقت يجب ان لا ننسى خطبة الرسول في حجة الوداع وتوصيته بالمراة خيرا ، حيث قال : اوصيكم بالنساء خيرا ، انما اخذتموهن بامانة الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله .
كل ما ذكرناه وعددناه من حقوق المراة على الرجل وواجباته تجاهها مذكور في كتب الفقه ، وان تخلف الزوج عن اداء هذه الحقوق يستوجب العقاب الدنيوي بالاضافة الى العقاب الاخروي . مثلا على الرجل ان يدفع تكاليف حياة زوجته والا فالحاكم الشرعي يجبره بحكم الشريعة عن طريق الحجر على امواله وممتلكاته حتى يؤدي حقها ، واذا لم يفعل يحكم عليه بالسجن وحتى احيانا بطلاقها .
|
مقدمة : |
1 ـ الطاعة وعدم العصيان: |
السابق | الفهرس | التالي |