 |
تكوين الاسرة في الاسلام |
|
78 |
|
 |
مسالة الاسرة وتاريخها امر مهم جدا في تشكيل الاسرة ، فاذا لم تعرف اسرة الشخص جيدا فان اقامة علاقة معها امر غير مقبول ، وهنا يوصي الاسلام بان تكون اسرة عفيفة وطاهرة لان لاخلاقها وسلوكها ، وبان واصالتها من النواحي العقلية من جهة الذكاء والبلادة ، عقائدها ، عيوبها وعادتها اثر على الجيل الجديد .
والنطفة التي هي المادة الاولية لتكوين الجنين وخصائص الوالدين الوراثية وحتى الاجداد تؤثر فيه ، فان كان غير سالمين فالابناء كذلك الا في حالات نادرة .
قال الامام الصادق (عليه السلام) : «تزوجوا في الحجر الصالح فان العرق دساس» وهذا ما يؤكده علماء الجينات بالضبط .
فالفساد الظاهري والامراض الوراثية في الاباء والاجداد تنتقل الى ابنائهم ، وهذا الامر ليس ضرر خاص بالزوجين بل بالمجتمع .
ومن جهة اخرى يوصي الاسلام بمسالة طهارة الاسرة ، جاء رجل الى الامام الصادق (عليه السلام) فساله :
هل اتزوج من ولد الزنا ، قال (عليه السلام) : «نعم ولا يطلب ولدها» (1)
الايمان والتقوى ضمانه للالفة والمحبة بين الزوجين ، ويعمق الروابط ويثبتهما بينهما ، فالاسرة التي يشيع الانس والتالف بين افرادها
|
(1)الفروع من الكافي : 5 / 353 ح 3 . |
 |
تكوين الاسرة في الاسلام |
|
79 |
|
 |
تساهم بتربية ابناء اصحاء وحتى مع عدم القدرة الاقتصادية .
فالحب والطهارة من اجل الفضائل الانسانية والاخلاقية ، وهي من الشروط الاساسية لحياة الانسان وهما ينشان تحت ظل الايمان والتقوى .
وفي وصية الامام علي النقي (عليه السلام) لشخص استشاره في هذا المجال حيث نصحه بذات الدين والايمان ، فقال : «اذا اطماننت لذلك فتزوج» .
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : «انكحوا الاكفاء وانكحوا فيهم واختاروا لنطفكم» (1) .
في جانب الكفاءة تراعي المسائل التالية :
أ ـ ان يكون الطرفان مؤمنين : فالايمان وحده كاف حتى وان لم تتوفر في الشخص الجوانب الاخرى الاقتصادية والاجتماعية والنسب فـ«المؤمن كفء المؤمنة» و «المؤمنون بعضهم اكفاء بعض». (2)
وائمتنا (عليهم السلام) تزوجوا من جواريهم لكي يتاس الناس بهم ، وتقنع الناس ان المؤمن كفء للمؤمنة فعلا ، وان النجابة والاصالة تكون في القتوى والطهارة .
ب ـ التوافق الفكري :لانه اذا اريد من الزواج ان يكون منشا خير وسعادة ويخرج الشخص من حالة الوحدة والفردية ، ويكون مع شريكه
|
(1) الفروع من الكافي : 5 / 332 ح 3 .
(2) وسائل الشيعة : 14 / 49 ح 8 .
|
 |
تكوين الاسرة في الاسلام |
|
80 |
|
 |
زوجا فيجب ان يكون هناك تناسبا فكريا وثقافة واحدة ، فيفكران بعقل واحد ويسعيان الى هدف واحد .
جـ ـ وحدة الامال والطموحات : ان وجود التوافق في الامال والتمنيات سبب في عدم نشوء اختلافات وتصادم في الرغبات ويحافظ على امن الاسرة فلا يحث خلل او فساد في امن الاسرة .
د ـ الكفاءة الاقتصادية : هذا الامر يجب ان يراعى عند الرجال اكثر وهو ان يتزوجوا من اسر اقل من مستواهم الاقتصادي لكي يكون مثل هذا الزواج متكاملا .
كما ان زواج رجل فقير من امراة في وضع مادي عال جدا ليس امرا غير صحيح ، ولكن من الناحية الاخلاقية اثم لانه سوف يسلبها النعيم والرفاه الذي كانت تعيش فيه وسيجعلها اسيرة الفقر والفاقة ، وقد لا تاخذ كثير من الفتيات الامر بنظر الاعتبار ولا تعترف به الا انه في الوقت نفسه يعاني الزوج من عذاب الضمير وعدم الراحة .
كما ان هناك وصايا اخرى في هذا المجال نذكرها باختصار ، ونرى ان اذكر هذه المسالة امر ضروري وهي ان التواضع من جانب الرجل جميل ومن المراة غرور ، ولذلك يوصى الرجال بان يتزوجوا من نساء ذوات مستوا اقتصادي اقل منهم ، فهذا من تواضع الرجل ورفعة مقامه يتشرف بالزواج من امراة ليست ذات حسب ونسب او اقل منه لكي تشعر المراة في ظل هذا الزواج برتبة ومقام كريمين وتفخر به .
فقد تزوج الامام علي بن الحسين (عليه السلام) بامراة من قبيلة غير
 |
تكوين الاسرة في الاسلام |
|
81 |
|
 |
معروفة ، فلامه الناس على ذلك واعتبروه ذلا او صغارا ، فقال الامام (عليه السلام) لهم : «علي بن الحسين يضع نفسه وان الله يرفعه» (1) .
|
4 ـ مراعاة الرشد والاهلية :
|
ان الاقدام على الزواج وتشكيل الاسرة يعني القبول بعمل ادارة ورعاية الاسرة ، ومن جانب اخر عمل تربوي وتعليمي ، واي خطأ او جهل في الادارة ياتي بعواقب وخيمة ، كما ان التقصير في اداء هذه الوظيفة التربوية وعدم الخبرة بالامور يسبب الفساد في الجيل الجديد .
من المسائل المهمة التي يجب مراعاتها عند اختيار الشريك هو معرفة صلاحياته وبالخصوص من الناحية التربوية ، فكل امر حسن او قبيح منه فانه ينسحب على المجتمع .
ولاجل اختيار صانع للسيارة يجب اختيار شخص له خبرة واطلاع في هذا المجال ، ولاجل بناء عمارة او بيت وللحيلولة دون ضياع مواد البناء فاننا نختار شخص صاحب خبرة في هذا المجال ايضا ، وكذلك لاجل تربية الحيوانات نختار اشخاص مطلعين .
فالمراة او الرجل اذا لم يكن عندهما اهلية واستعداد لادراة الحياة الاسرية وتربية الابناء على اساس افكار سليمة كيف يمكنه ان يتزوج ؟! واذا فرضنا انه تزوج كيف يعطي لنفسه الحق في الانجاب وتربية النسل ؟! .
في اختيار الشريك يجب مراعاة تلك الامور ؛ اي ان يرى هل عنده مثل تلك الاهلية . وهل عنده استعداد لتحمل المسؤولية ؟ وهل يستطيع ان
|
(1) وسائل الشيعة : 14 / 48 ح 3. |
 |
تكوين الاسرة في الاسلام |
|
82 |
|
 |
يكون ابا صالحا أو اماً صالحة ؟ هل يستطيع ادارة مسؤولية الحياة الاسرية ؟ وماهي نظرة للمستقبل ؟ ماذا يعرف عن تربية الابناء ؟
يجب ان يكون لدى الطرفين فلسفة قويمة وصحيحية في الحياة ، وان يكونا راشدين فكريا وعاطفيا وبمقدار كاف ومناسب بحيث يستطيعا السيطرة على عواطفهما في اوقات الازمات ، ولهما قدرة على تحليل مسائل الحياة ببصيرة ، وحتى نظرتهم السياسية والاجتماعية تتحد وعلى الاقل لاتتضاد .
|
5 ـ التوافق السني والجسمي
|
النمو الجسماني مسالة مهمة في الزواج ، فيجب ان يكون هناك تناسب بين الطرفين حتى لا تحدث عواقب وخيمة فيما بعد ، فالسلامة البدنية والقدرة والقوة الجسمية وتناسبها عند الزوجين يجب ان تؤخذ بنظر الاعتبار حتى يتمتعا معا بالمحبة والحياة المشتركة الهانئة .
والروايات الاسلامية بحثت هذه المسالة قليلا الا فيما يتعلق بمسالة الزواج عند اوائل البلوغ بالنسبة للطرفين وفيما يتعلق بالفتاة فقد جاء : «من حسن حظ المرء ان لا تطمث ابنته في بيته» (1) .
وعلى هذا الاساس وبالجمع بين الروايات نصل الى نتيجة وهي ان فارق السن بين الشاب والفتاة اربعة سنين لاغير ، فالفتاة تبلغ قبل الصبي ، وهذا لا يعني انه يجب ان لا يكون الفرق اقل او اكثر من ذلك ، لانه وكما
|
(1) وسائل الشيعة : 14/ 39 ح 1 . |
 |
تكوين الاسرة في الاسلام |
|
83 |
|
 |
قلنا سابقا ان الزواج يجب ان يبنى على اساس الكفاءة والتوافق بينهما من الناحية الجسمية والفكرية والاخلاقية .
|
المسائل التي تؤخذ بنظر الاعتبار :
|
وبعد ان طرحنا اسس الزواج واصوله بشكل عام ، فهناك مسائل اخرى اقل اهمية ولا يجب ان تؤخذ بنظر الاعتبار في بناء الحياة الزوجية كالثروة والجاه والجمال والحب ، فالاصالة في الاسرة والكمال العقلي والاهلية والصلاحية للحياة ، وتدبير المعاش والمنزل ، والتفكير المستقبلي ، والخلق وحسن الطباع ، والايمان والتقوى هي الاهم ما في الطرفين وهي التي تمنح حياتهما طعما حلوا لا بقية المسائل الظاهرية الثانوية .
هذه الاسس هي التي يجب ان تؤخذ بنظر الاعتبار قبل غيرها ، فالزوجان يحتاجان مثل هكذا شروط ليكونا متلائمين مع بعضهما ويتمتعان بالمحبة الصادقة ، ويشعران بالمسؤولية امام بعضهما ، ويشتركان في الفرح والسرور والحزن .
ومثل هذه الشرائط والاصول تتواجد في الكمال والنضج والايمان والتقوى والبلوغ والاهلية لا في الثروة والجاه او غيرهما من العناوين الاجتماعية
والسياسية والجامعية .
 |
تكوين الاسرة في الاسلام |
|
84 |
|
 |
 |
تكوين الاسرة في الاسلام |
|
85 |
|
 |
«الشروط الخاصة في الرجل»
|
|
 |
ايتها الفتاة ، هل فكرت في زواجك ؟ واي مستقبل تؤسسين ؟ اي قصر سعادة ستنشئين ام اي طلل وخراب ؟ هل وضعت في حسابك اختيار زوجك ، انه سيكون ابا لابنائك في المستقبل ، خاصة وانك سوف تقضين معه العمر كله لا سنة او سنتين ، صحيح ان الطلاق وسيلة للخلاص وبابه مفتوح الا انه اولاً ليس امرا هينا ، وثانيا لم يقدم العاقل على امر يعود فيندم عليه ؟
كما انه لا يجب ترك الزواج بسبب مشكلة اختيار الشريك المناسب ؛ لانه وعلى كل حال فواجبنا في الحياة هو تشكليل اسرة ، ولكن يجب ان لا نلقي بانفسنا في التهلكة وبدون ادنى تفكير .
فاختيار شريك الحياة يجب ان ياخذ العقل الحصة الاكبر فيه مع الاستعانة بالاب ، فتدخله في امر الزواج مهم والا فالحياة بعد فترة وجيزة ستصبح عادية جدا للزوجين وستتبين عيوب ونواقص الطرفين ، وتبدا الصدامات والمشاكل ، وربما يهتز الكيان الاسري وينتهي بسرعة .
|
ضرورة التحقيق والتحري في امر الزواج
|
بالزواج يهدأ الفكر وتحل الطمانينة وتكتمل الشخصية لا ان
 |
تكوين الاسرة في الاسلام |
|
86 |
|
 |
تتحطم ، فاذن يجب الانتباه الى اننا ماذا نريد ؟ وماهي امالنا ؟ وباي شخص نرتبط ؟ وهل تتحقق امالنا معه ؟ وهل سيكون زواجا صالحا او ابا عطوفا ؟ هل لديه القابلية للتضحية التي تحتاجها الحياة المشتركة ؟
التحري في اختيار الزوج ضروري جدا ليس فقط لنفسك بل للابناء الذين سياتون ليكونوا اباءاً صالحين ، وللمجتمع الذي تشكل الاسرة احدى لبنات بنائه .
هذا البحث والتحقيق للفتاة التي تريد ان تتزوج امر ضروري ، والا فاي خلل سيحدث فالضرر الاكبر سيعود عليها وستجرح عواطفها .
ينبغي عدم التسرع في اختيار الزوج ، فكري عميقا ولا تدعي لعواطفك وثروة الشباب تتغلب عليك وتسد طريق التفكير السليم .
فالحياة التي تقوم على اساس متزلزل لا تدوم طويلا ، ولا تنخدعي بالجاه الزائف ، والثروة والمال ، فهذه المسائل في الحياة الاسرية لا قيمة لها ولا تقدم لك شيئا .
في هذا المجال عندنا توصيات وارشادات كثيرة من اهل بيت العصمة والطهارة ذكرها جميعا خارج عن البحث نوردها باختصار وهي :
يجب ان يكون الرجل المتقدم لخطبة المراة المسلمة مسلما ، وبعبارة اخرى ان المراة المسلمة لا يمكن ان تتزوج شخصا من اهل
 |
تكوين الاسرة في الاسلام |
|
87 |
|
 |
الكتاب او من الاديان الاخرى ؛ لان سيطرة الرجل على المراة تجعلها تنحرف عن دينها ومذهبها .
وفي الزواج المؤقت كذلك لا يمكنها ان تتزوج برجل من اهل الكتاب ايضا ، وهذا الامر جائز بالنسبة للرجال .
قال الامام الصادق (عليه السلام) : «تزوجوا في الشكاك ولا تزوجوهم ؛ لان المراة تاخذ من ادب زوجها ويقهرها على دينه» (1) .
يجب ان يكون الزوج حسن الاخلاق طاهرا عفيفا ، فهو في المستقبل ياخذ بالاضافة الى دور الزوج دور الاب ايضا لك ولابنائك ، ففكري جيدا هل هو اهل للثقة به من هذه الناحية ويمكن الاعتماد عليه ، وهل هو لائق لاداء هذا الدور .
جاء رجل الى الامام الصادق (عليه السلام) يستشيره في زواج ابنته لاحد اقاربه وكان سيء الخلق ، ايزوجه ام لا ؟ قال (عليه السلام) : «لا تزوجه ان كان سيء الخلق» (2) .
فيجب البحث والتحقيق عن الرجل المتقدم للخطبة ان يكون طاهرا تقيا ، فالشخص الذي ذاق طعم المعصية والاثم لا يمكنه ان يكون اهلا لتحمل مسؤولية الحياة الزوجية وقيودها .
|
(1) الفروع من الكافي : 5/ 348 ح1 .
(2) مكارم الاخلاق : 204 .
|
 |
تكوين الاسرة في الاسلام |
|
88 |
|
 |
جاء رجل الى الامام العسكري (عليه السلام) يستشيره في زواج ابنته ، فقال (عليه السلام) : «زوجها من رجل تقي ؛ فانه ان احبها اكرمها . وان ابغضها لم يظلمها» (1) .
وفي كل حال وحسب ما قال النبي (صلى الله عليه وآله) : ان التزوج بشخص ما ينقل اخلاقه وصفاته الى ابنائه .
ما الفائدة من زواج شخص ذي شهادة عالية طبيب او مهندس او ذي مقام عال ولكنه سيء الاخلاق وفاسد ولا يقيم للحياة الزوجية وزنا، وليس لزوجته اعتبار عنده .
العادات باي شكل كانت تغير وتؤثر في الحياة الزوجية ، فالزوجة التي يكون زوجها مدمنا فانها ستقضي عمرها تتحمل العذاب وتقبل به .
وفي مسالة الادمان تتحدث الروايات عن شرب الخمر اكثر (لانه في ذلك العصر لم يكن اي وجود للمخدرات ، ولكنها حتما قد جاءت في الروايات تحت عنوان ما) .
فالاسلام لا يعطي الحق للوالدين في تزويج ابنتهما من رجل شارب للخمر وفي الروايات ما يؤكد ذلك:
«من زوج كريمته من شارب الخمر فقد قطع رحمها» (2) .
|
(1) مكارم الاخلاق : 204 .
(2) الفروع من الكافي : 5/ 347 / ح1 . |
|