تكوين الاسرة في الاسلام 59


والزواج مثل كل امر يقدم عليه الانسان يجب ان يكون له هدف معلوم ذي قيمة ولائق ويستمر الى اخر الحياة ، حياة مشتركة مع الزواجة وانجاب الابناء وليست العوبة ، فالزيجات التي لا هدف لها ولا قيد او التي تكون اهدافها ضعيفة ومهزوزة لا تحقق السعادة للبشر ولا الهدوء والسكينة والاطمئنان .
الاهداف غير الثابتة للزواج :


1 ـ اشباع الرغبة الجنسية :


تنشا الحياة المشتركة من ميل الطرفين الى بعضهما ولكن بعض الشباب يتزوج لمجرد ذلك ، ولارضاء الغريزة فقط ، ولا عيب في وجود مثل هذا الهدف ضمن بقية الاهداف ولكن لا يكون هو الهدف الوحيد .
وعند اختيار كل من الطرفين لشريكه يجب الاخذ بنظر الاعتبار ان الحب سيكون موجودا في حياتهما ولكن لا يكون مصدره فقط الغريزة الجنسية بل يكون حبا عقلانيا .

تكوين الاسرة في الاسلام 60


2ـ التخلص من الوحدة :


احيانا يتزوج بعض الشباب لمجرد التخلص من الوحدة والعزلة ، فالشخص الاعزب يعاني من الم ومشقة العزوبة ويحتاج لشخص اخر يكون الى جانبه يتحدث اليه فيخرج بذلك من الهم والغم ، وهذا الهدف ايضا ضمن اهداف الزواج لكنه لا يكون وحده هدفا ذي قيمة واصالة ولا يوفر الحب والمودة فالهدف النهائي اهم من كل ذلك .

3ـ التخلص من متاعب الخدمات :


وقد يعتقد البعض ان الزواج خلاص من شر الطبخ وتنظيف البيت وغسيل الملابس والصحون وغيرها من بقية الاعمال الاخرى فيرتاح منها بالزواج حتى يجد بيتا نظيفا وملابس نظيفة ومرتبة وغذاء حاضر في وقته .
هذا الامر يمكن ان تحققه الحياة الزوجية الا انه لا يكون هدفا للزواج لان الزواج لا حق له في اجبار زوجته وتحميلها امر اداء الاعمال المنزلية ، اما اذا كانت هي راغبة في ادائها او تشترك في تهيئتها فلا بأس والا فلا يجوز اجبارها .
4ـ الحصول على المال والجاه :


وقد يعتقد البعض الاخر ان الزواج وسيلة للحصول على رؤوس الاموال والثروة او لكسب الجاه والمنزلة ، صحيح ان شريك الحياة قد يكون صاحب ثروة ومال وجاه ولكن مثل هذا الزواج لا عاطفة فيه واذا

تكوين الاسرة في الاسلام 61

كان كذلك فلا محبة ولا مودة خالصة بين الزوجين فبماذا تنفع الثروة ؟ واي فخر في الارتباط بمثل هكذا شريك ؟ في مثل هذه الحالة فالخطر بهدد الحياة الزواجية وسوف يتكلف الزوج او الزوجة لاداء دوره مقابل الاخر .
5ـ العطف والشفقة :


بعض الزيجات باخذ صورة العطف والرحمة على شخص مسكين او عاجز فيشفق عليه ، صحيح ان العطف والشفقة والرحمة امور محمودة واعمال انسانية ولكنها لا يمكن ان تكون هدفا للزواج لان العطف والشفقة لا يستمران الى مدى الحياة ، فبعد فترة من الزمن يشعر الشخص بالملل من ذلك فيتركه ، هذا اولا ، وثانيا فان الحياة الزوجية تقوم عل اساس الاخذ والعطاء ويجب ان يتحقق التوازن في مثل هذه المعادلة ، فاذا بني الزواج على اساس ان طرفا ما يعطي والاخر ياخذ فقط فان العاقبة ستكون الياس والانفصال في النهاية ، وثالثا يكون العطف والشفقة احيانا سببا للنفور لان الشخص المعطوف عليه اذا اطلع على ذلك سوف يرفضه وهذا عامل مساعد على هدم وتخريب البناء الاسري .

اضرار الاهداف غير الثابتة :


ان وجود مثل تلك الاهداف التي سبق ذكرها بعنوان ضميمة ضمن اهداف الزواج الاخرى امر لاباس به ولكن الزواج لا يمكن ان يقوم عليها وحدها ، واذا حدث فلا تكون نهايته حسنة .

تكوين الاسرة في الاسلام 62

في مسالة الزواج والعلاقات الزوجية يجب السعي الى اقامة ارتباط عميق وروحي وعاطفي ، والحاجة الى مثل هذا الارتباط هي التي تدفع الى الاقدام على الزواج .
ان عدم استقرار الحياة تحت ظل مثل تلك الاهداف يؤدي الى انه حيمنا يجد احد الطرفين فرصة لتعويض ماينقصه سيسعى للحصول عليه خارج نطاق الاسرة فيترك اسرته وفي مثل هذه الحالة سيصبح الكيان الأسري لا طعم له ولا يكون عشاً يمنح الطمأنينة والهدوء والراحة ، ويبدأ التغير بين الزوجين لبعضهما وايجاد الاعذار لترك بعضهما والانفصال ، والخلاصة ستصبح الحياة جهنما .

اهداف الزواج :


في ظل الزواج ـ القائم على مجموعة اهداف انسانية مقدسة ـ يتحقق ارضاء الغريزة وفي نفس الوقت بقاء النسل وطهارته كما يؤمن السكينة والهدوء النفسي تحت ظل المحبة الصادقة ، هذه هي الاهداف التي يوصي بها الدين ويؤكد عليها وهي التي تعطي الحياة معنى واصالة ، والحق ان الحياة توام هذه الاهداف ، خاصة من جهة اداء الواجب الديني ، فالاستناد الى الاحكام والاوامر الالهية سبب في تحقيق الحياة السعيدة ، وزيادة البركة ، ولاجل بحث هذه الاهداف مفصلا سنتناولها واحدا واحدا : ـ
1ـ اشباع الغريزة :


ان ارضاء الغريزة في الانسان من المتطلبان الطبيعة التي يتحقق بها

تكوين الاسرة في الاسلام 63

التوازن النفسي والجسمي وله اثار كبيرة ، وهذه الغريزة تبدا فعاليتها في الانسان في مرحلة معينة من عمره ويميل الى المعاشرة الجنسية ، وارضاؤها يتم بصورتين : ـ
بصورة حرة وبدون قيود وروابط ، والاشخاص الذين يقومون بذلك لا يحظون بتقدير المجتمع واحترامة .
بصورة معقولة ومشروعة وتحت ظل قواعد والتزامات وعهود معترف بها ومقبولة عند العقلاء .
ان ارضاء الغريزة الجنسية عن طريق مشروع ومقبول عن طريق المعاشرة الجنسية ليست مثل عملية التبول فبعد ان ينتهي الانسان من ادائها يقعد فارغ البال ولا يلتزم بتبعاتها بل انه عمل ملتزم وله اثار مستقبلية ، وعدم مراعاتها يشكل خطرا للفرد والمجتمع ، فيجب التفكير في هذه الناحية .
على كل حال فان اساس تشكيل الاسرة ياتي من جهة ارضاء الغريزة وهذا الميل الطبيعي في الانسان يجذبه بكل اتجاه يستطيع تحقيقة من خلاله .
2ـ الانجاب واستمرار النسل :


الزواج ليس فقط وسيلة لارضاء الغريزة وتحقيق اللذة بل وسيلة ايضا للانجاب واستمرار النسل ، وبشكل عام يمكننا القول ان الزواج من جهة قانون لتكثير النوع ، وفي كل المخلوقات يوجد انثى وذكر ليس فقط عند الانسان بل في الحيوانات والنباتات .

تكوين الاسرة في الاسلام 64


ان استمرار النسل وتربية الابناء امر ضروري لانه يهيا الارضية المناسبة الموجودة بالقوة في صلب الاب ورحم الام للظهور تدريجيا وتربيتهم وادخالهم المجتمع . الهدف من استمرار النسل تحت ظل العلاقة الزوجية تصوره الاية الكريمة : ـ
«جعل لكم من انفسكم ازواجا ومن الانعام ازواجا يذرؤكم فيه» (1) .
وتاتي الروايات مؤكدة على ذلك ، مثلا توصي باختيار الزوجة الولود ، كما ان النظام الاسري في الاسلام يعطي كلا من الطرفين الحق في الطلاق اذا كان الاخر عقيما ، كما تذم الزواج الذي هو بدون انجاب ابناء وعن الامام الرضا عليه السلام :
»ان من مات بلا خلف فكان لم يكن في الناس . ومن مات وله خلف فكان لم يمت« (2) .
3ـ طهارة النسل :


ان ارضاء الغريزة وتكثير النسل عن طريق العلاقات الجنسية يجب ان لايترك على عواهنه بل ان الاسلام يوصي بانجاب نسل طاهر ، بعبارة اخرى ان الاسلام يريد ان يربى جيل تحت ظل الزواج القائم على الايمان والاخلاص ويعرف اصله و نسبه كاملا ، فتربية الابناء تقع على عاتق ام واب معروفين .
ونحن نريد ان نعرف طفل اليوم الذي يكون مستقبلا اما او ابا في

(1) الانعام : 11 .
(2) مكارم الاخلاق : 219 .
تكوين الاسرة في الاسلام 65

المجتمع من اي رحم جاء ؟ وكيف تربى ! وهل ان عاطفة الامومة كانت طبيعية اصلية ام انها صناعية ؟ ومعلوم ان الجواب على هذه الاسئلة سيكون له الاثر الكبير على شخصية الفرد ومن ثم على المجتمع كله .
4ـ تحقيق الكمال :


الرغبة في الزواج وتشكيل اسرة موجودة عند الجميع ، وطالما كان الانسان وحيدا فلا يشعر انه كامل ، والزواج وسيلة لتحقيق الكمال فهي تخرج الانسان من حالة الوحدة والفردية الى حالة الزوجية او الثنائية .
ولا شك ان مثل هكذا احساس يدفع الشخص لاختيار شريك حياة تتوفر فيه الشروط المطلوبة لا ان يسعى الى طريق الفحشاء ويرتبط بشخص له في كل يوم وكل شهر ارتباطات اخرى مع اشخاص اخرين .
ان الحياة مع الشريك عيشا ، وتحقيقا للامال ، وارضاء الغريزة الجنسية بشكل مشروع امر حسن بشرط ان يحقق هذا الارتباط الجانب المعنوي ،فهو الذي يعطي الحياة لونا ورونقا ويكمل كل طرف الاخر ، هذا الامر يتحقق تحت ظل الزواج الشرعي والالتزام بالقوانين الالهية التي تحكم الطرفين .
5ـ ايجاد الراحة والطمانينة :


في هذا العالم المتلاطم المضطرب ـ عالم العصيان والطغيان ، وفي محيط مملؤ بالمنازعات والخلافات ـ يحتاج الانسان الى مكان يمنحه الاستقرار فيستعيد نشاطه وحيوته التي فقدها ويجدد فعالياته ، ونشاطاته ،

تكوين الاسرة في الاسلام 66

والزواج في تعبير القران من ايات الله التي يتحقق بها مثل هذا السكون والراحة والاطمئنان «ومن اياته ان خلق لكم من انفسكم ازواجا لتسكنوا اليها» (1) .
فالزواج يمنح النفسية المضطربة للشباب امانا واستقرارا ، ويعدل طغيانها وعصيانها ويهدي من نزعتها المتمردة ، ففي هذه الحياة المليئة بالمتاعب والحوادث يكون الشريك الحسن بمثابة الملجا الروحي والفكري للانسان .
فوجد المجالسة والمؤانسة والمشاركة في الهم تسبب الهدوء النفسي وتبعد الاضطرابات ، فالزواج طريق للوصول للسعادة وسبب لسكون القلب وهدوء النفس ، لذا يقول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم )
»من تزوج فقد احرز نصف سعادته«
6ـ ايجاد المحبة الصادقة :


هدف الزواج من نظرة واحدة للموضوع ان يكون وسيلة للعودة الى ما بدا من اجله ، يعني الوحدة والاتحاد ، وحدة جسدين في جسد واحد ، والخروج من حالة الـ(انا) الى الـ(نحن) .
ان الحياة السعيدة تبنى على اساس الحب الخالص والطاهر وهو (المودة) بتعبير القران والتراحم والاخلاص و(الرحمة) الناشئة عن العاطفة الانسانية والحياة بدونهما بلا قيمة ولا معنى .
والزواج عهد للمحبة الصادقة وبتعبير الدين المسيحي ـ اتحاد

(1) الروم : 19 .
تكوين الاسرة في الاسلام 67

ثالوثي بين القلبين واللحمين ، والروحين ـ وهو في تعبير القران الكريم (المودة والرحمة ) التي في ظلها يكون الرجل والمراة كاللباس الواحد لبعضهما «هن لباس لكم وانتم لباس لهن» ، مشاركة في كل شيء ، في الاحساس بالفرح والحزن ، في حفظ اسرار الاسرة .
7ـ اداء واجب الهي :


وهو اخر واهم اهداف الزواج ، فيمكن القول انه اداء واجب ، فالزواج واجب من جهة ان الله تعالى وضع على عاتق كل انسان بالغ تكاليف ، وعليه ان يعمل بالسنة الالهية ، ولا شك ان الفرار من السنة الالهية وقوانين ونواميس الفطرة لا يعود فقط بالضرر عل الشخص نفسه بل على كافة المجتمع ايضا .
فاذا اخذ الزواج هذا الطابع وكان للايمان اعتبار في اداء هذا الواجب ستكون الحياة مستقرة ، اذا انعقد الرباط الزوجي باسم الله واطيع الله في ذلك فاي حياة ملؤها التسامح والتساهل والتضحية ستنشأ تحت ظله وحتى اذا انقطعت العلاقة الزوجية لسبب ما فهي تحت ظل حكم الله وفي الحالتين سيكون الضمير مرتاحا والنفس مطمئنة .

خلاصة ونتيجة البحث :


من مجموعة البحوث السابقة نصل الى نتيجة هي ان الزواج في الاسلام اعلى مرتبة واكثر قدسية من مسالة اشباع الرغبة الجنسية وحدها ففيه كل تلك الاهداف المهمة الاخرى مثل انجاب الابناء وبقاء النسل

تكوين الاسرة في الاسلام 68

والطهارة والتكامل الانساني والمودة والصفاء والاهم من كل ذلك اداء الواجب الالهي ، فعقد الزواج عقد مقدس الهي لا يجوز فسخه الا تحت ظل الحكم الالهي ايضا .

تكوين الاسرة في الاسلام 69


الباب الثاني


تكوين الاسرة في الاسلام 70




تكوين الاسرة في الاسلام 71

«اسس اختيار شريك الحياة»


مقدمة :


ان المتعارف عليه في مسالة الزواج غالبا ما يتدخل الحظ والقضاء والقدر ، هذا ما يدور بين اوساط العامة من الناس ولكن الواقع ان لسعي الفرد وجده لاختيار شريك حياته على اساس عقلية دور اساسي في هذا المجال ، فنظر الشخص وبصيرته مهم في ذلك مع التفكر والتدبر .
والبحث والتحري عن صفات وخصائص شريك المستقبل تساعد الى حد ما على التقليل من المشاكل التي قد تحدث فيما بعد ، ففي كل حال الشريك مثل القيد او القلادة التي يضعها الانسان في عنقه ، فيجب ان يبحث جيدا باي قيد يقيد نفسه .
في اختيار الشريك هناك ملاكات ومعايير يجب مراعاتها والاخذ بها ونحن هنا حصرناها في اقسام ثلاثة : القسم الاول تحت عنوان الشروط العامة في الزوجين ، القسم الثاني تحت عنوان الشروط الخاصة في الرجل ، والقسم الثالث الشروط الخاصة في المراة ، وسنبحثها في هذا الباب كل على حدة مع مراعات الاختصار ، ثم نتناول الموانع التي تقف في طريق اختيار الزواج وتوضيح نظر الاسلام في ذلك . لانه ـ في الاسلام ـ لا يستطيع اي رجل الارتباط باي امراة فهناك اصول وضوابط في هذا المجال يجب مراعاتها .

تكوين الاسرة في الاسلام 72




تكوين الاسرة في الاسلام 73


الفصل الخامس


الشروط العامة في الزوجين

مقدمة :


نظرة في وضع الزواج الحالي:


في البحوث السابقة بينا ان اختيار الشريك من ضروريات الحياة البشرية ومن الواجبات الاسلامية والانسانية ، والتخلف عنه عصيان للاوامر والسنن الالهية وحرمان من النعمة والامن وراحة البال .
والمسالة التي تطرح للبحث اليوم هي ان حالة اغلب الشباب عند الزواج كالطفل الذي يجلس على مائدة الطعام لا يدري ماذا يفعل وعلى اي امر يقدم ، وضعهم بشكل لا يفكرون فيه سوى بارضاء الرغبة ، وعلى هذا فان كثيرا من الاسر تتشكل بناء على الثقة باقوال الاخرين او على اساس الاحاسيس والعواطف الشكلية بلا تفاهم ولا تفكر وتدبر مسبق بالمسالة .
واليوم كثير من الشباب يدخل الحياة الزوجية والاسرية وادراكهم لامور غير سليم ، نظرتهم لحياتهم المستقبلية كالسراب فهم يتزوجون لمجرد التخلص من المعاناة الشخصية كالتغذية في المطاعم ، الضغط الجنسي وغيرها ، في الوقت نفسه لا يفكر بمستقبل اسرة وابناء شرفاء نجباء ، نسل مؤمن وذي عاطفة .

تكوين الاسرة في الاسلام 74


ضرورة التحري والبحث في مسألة العلاقة الزوجية :


إن ايجاد كيان اسري دافيء وانجاب جيل شريف ومؤمن يحتاج الى اهداف وتفكير اصيلين ، ومراعاة شروط اختيار شريك الحياة ، والتدبر والتبصر في البحث والتحقيق عنه فيجب ان يكون اهلا لتحمل المسؤولية والالتزام بها فقد يحتاج الشخص احيانا عند اختيار ملابس يلبسها لمدة سنة او اكثر الى وقت طويل يبحث فيه ويتحرى ويسال ذوي الاختصاص وياخذ رايهم في نوعية القماش ، ومقاومته ، ونعومته وغيرها .
فاذا كان قد اخذ راي ومشورة الاخرين وحقق ودقق في ذلك فمن باب اولى التحري والسؤال عن شريك حياته المستقبلية ، الشخص الذي سيعيش بقية عمره معه يشاركه في افراحه واحزانه .
وأما اسوا الزواج اذا قام على اثر المعرفة في الشارع او طريق المدرسة او الجامعة او في السيارة او السينما وغيره ، والاسوأ منه ان لا يستفيد الشخص من نظر الافراد الكبار المجربين مثل الاب والام والاقارب ، مثل هكذا اهمال يؤدي الى عواقب وخيمة واضطراب ومشاكل في حياة الطرفين تنسحب اثارها على بقية افراد المجتمع .
ونحن نورد هنا اهم الامور التي يجب مراعاتها في اختيار الشريك بدقه وهي :
1 ـ ناحية العقل والدين :


من الضروري جدا قبل العقد ، التحقيق في مسالة عقل ودين الشريك ، جاء رجل للامام الصادق (عليه السلام) فقال له :
ان صاحبتي هلكت وكانت لي موافقة ، وقد هممت ان اتزوج ، فقال له :

تكوين الاسرة في الاسلام 75

انظر اين تضع نفسك ، ومن تشركه في مالك وتطلعه على دينك وسرك ، فان كنت ولابد فاعلا فبكرا تنسب الى الخير والى حسن الخلق ، وهن ثلاث : فامراة ولود ودود تعين زوجها على دهره لدنياه واخرته ولا تعين الدهر عليه ، وامراة عقيمة لا ذات جمال ولا خلق ولا تعين زوجها على خير ، وامراة صخابة ولاجة همازة تستقل الكثير ولا تقبل اليسير (1)
ان اقامة الرباط الزوجي وبناء الاسرة على اسس ومفاهيم غير مدروسة وعدم الاطلاع على عقيدة وفكر الطرف الاخر وعدم الالتفات لبعض الصفات والخصائص الظاهرية كالرشد العقلي والاهلية والاخلاق ، يسبب حصول مشاكل ومتاعب غير قابلة للعلاج .
والحقيقة فالزواج عبارة عن عقد علاقات من عدة جوانب مع اشخاص اخرين .
2 ـ من ناحية المعاشرة :


الشريك هو رفيق العمر وعليه ان يعيش معه طيلة عمره معاشرة واختلاطا ، فاذا كان هذا الرفيق غير مناسب ولائق فانه سيضطر الى قضاء العمر بالتالم والصبر ويقول رسول الله (صلى الله عليه وآله) : «ان الزوجة السيئة تشيب قبل المشيب» ولذلك كان يقول في دعائه : «اللهم اني اعوذبك من زوجة تشيبني قبل مشيبي» .

(1) الفروع من الكافي : 3235 ح 3 .
تكوين الاسرة في الاسلام 76


طلب العون من الله في امر الزواج:


نظر لاهمية تاثير المعاشرة على اخلاق الطرفين فعند تشكيل الاسرة يراعى بالاضافة الى التعقل والتفكر والمشورة مسالة الاستعانة بالله وصلاة ركعتين ويحمد الله ويثني عليه ويدعو بهذا الدعاء .
«اللهم اني اريد ان اتزوج ، اللهم فقدر لي من النساء احسنهن خلقا وخلقا ، واعفهن فرجا ، واحفظهن لي في نفسها ومالي ، واوسعهن رزقا ، واعظمهن بركة ، وقيض لي منها ولدا طيبا تجعله لي خلفا صالحاً في حياتي وبعد موتي» (1) .
فبمراعاة الاصول والجوانب التي سنذكرها ما التبصر جيدا وتنبه العقل والرجاء برحمة الله والاعتماد عليه فهو الذي يسدد الخطى ويرفق لسبيل السعادة .

اسس اختيار الشريك :


بني اختيار شريك الحياة في الاسلام على اصلين :
1 ـ حرية الطرفين في الاختيار :


يجب ان يكون كل من المراة والرجل حرا في اختيار شريكة ولا حق لاحد ان يختار زوجا لاخر ويجبره عليه حتى وان كان اباه او امه .
وذكر هذه المسالة ضروري لأنه في بعض الاحيان يتدخل الوالدان في ذلك ويرتبان امر زواج ابنائهما بدون رضاهم فهم الذين يختارون لهم لشريك (رجلا او امراة) وحتى في بعض الاحيا يعتمدان على اسس لا يقبلها العقل ولا الدين في الاختيار مثل العائلة والنسب والعمل والامور

(1) مكارم الاخلاق : 205 .
تكوين الاسرة في الاسلام 77

المادية الاخرى .
ان اجبار الشاب او الفتاة من قبل الوالدين يعد ذنبا ، وان لم يكن احدهما (الابن او البنت) راضيا بذلك فلا ينعقد الزواج حتى وان تم بالصيغة المتعارف عليها ، كما لا يجوز اخذ موافقة الفتاة بالقوة او الضرب والتعذيب واكراهها على الزواج من شخص لا تريده .
2 ـ اخذ راي الوالدين :


الاصل في اختيار الشريك يرجع للابناء ودور الوالدين ياخذ طابع الاستشارة والوساطة وارشاد الابناء والاستفادة من تجاربهما وخبرتهما في الحياة ، وعلى الشباب ان يعلم ان كثيرا من الاباء يفكرون في خير وسعادة ابنائهم ويتمنون لهم الحظ السعيد فمنهم يعطون ارائهم ومشورتهم لا لغرض في انفسهم او لمكر .
ولكن البعض الاخر منهم يقع في الخطا ـ والخطا يختلف عن القصد السيء ولهذا يجب الى حد الامكان مراعاة احترامهم لانهم تحملوا اعباء التربية عمرا ، وهم اصحاب تجارب فيستفاد منها ، وهم جربوا هذا الطريق ـ طريق الزواج ـ قبل سنين وخبروه ، فاخذ رايهم في امر الزواج واطلاعهم على برنامج اقامته امر مهم .

الاسس العامة في اختيار الشريك :


عند اختيار الشريك (شابا او فتاة) يجب اخذ الامور التالية بنظر الاعتبار : ـ

السابق السابق الفهرس التالي التالي