زينب الكبرى (ع) من المهد الى اللحد 643

وله قصيدة أخرى يقول فيها :
وأمَضُّ ما جُرعَت مِن الغُصَص التي قَدَحت بجانحة الهدى ايراءَها
هَتكُ الطغـاة علـى بنـات محمـدٍ حُجبَ النبوّة خِدرَها وخِباءَها
فتنـازعت أحشـاءها حَرقُ الجَوى وتَجاذَبت أيدي العدوِّ رِداءَها
عَجَباً لِحِلـم الله ، وهـي بعيـنـه بَرزت تُطيلُ عَويلها وبكاءها(1)

(1) ديوان السيد حيدر الحلي ، ج 1 ص 54 .
زينب الكبرى (ع) من المهد الى اللحد 644

إنّ الإنسان المُنصِف إذا وقف موقف الحِياد ، ونظر نظرةً فاحصة إلى ملف رجالات الشيعة ، وتَتبَّع أحوالهم في أيّ مجالٍ من مجالات العلوم والفنون ، يجد أمامه الكفاءات العظيمة ، والقابليّات الفريدة التي تُناطح السحاب عُلوّاً وسُموّاً ، في كلّ مجال من المجالات ، وفي مُختلف العلوم والفنون .
أجل ..
إنّ الكفاءات عند المسلمين الشيعة كثيرة جداً وجداً وجداً ، ولكن ينقصها شيئان :
1 ـ التشجيع الكافي مِن القيادات الشيعيّة العُليا !!
2 ـ الحُريّات الكافية والمناخ المناسب ، الذي يُساعد على نموّ الطاقات ، وبروز المواهب ، وظهور القابليّات ، وتَبَلور العَبقريّات .
بعد هذا التمهيد .. أقول :
لا نَجدُ في تاريخ العرب والإسلام شاعراً نظم ملحمة شعريّة والتزم فيها بقافية واحدة ، وكان طويل النفس إلى أقصى حدّ .. سوى العلامة الأديب الشيخ عبد المنعم الفرطوسي (رحمة الله تعالى عليه) فإنّ ملحمته الشعرية ـ رغم بساطتها وسلاسة التعبير فيها ـ فريدة .. ولا مثيل لها في التاريخ ، حيث إنّ أبياتها تُناهزُ الخمسين

زينب الكبرى (ع) من المهد الى اللحد 645

ألف بيتاً(1) !!
وقد اخترنا من ملحمته الفريدة بعض الأبيات حول سيدتنا زينب الكبرى (سلام الله عليها) :
هي أزكى صِدّيقة قد تَربّت بين حِجر الصديقة الزهـراء
وتَغَذّت مِن فيض عِلم عليّ وعلـوم النبـيّ خيـر غـذاء
وارتَوَت بالمَعين نَهلاً وعلاً مِن علوم السبطين خيرَ ارتواء
وتَبنّت نهج البـلاغة نَهجاً وهو فيـضٌ مـن سيّد البلغاء

(1) هو الشيخ عبد المنعم بن الشيخ حسين الفرطوسي .
شاعر مجيد ، وأديب شهير ، خدم آل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بقريحته الشعرية المميّزة . وُلدَ في مدينة النجف الأشرف عام 1335 هـ . كان من أبرز صفاته : التواضع ونُكران الذات .. رغم عِلمِه الوافر ومواهبه الكثيرة .
فارق الحياة سنة 1404 هـ رضوان الله عليه .
زينب الكبرى (ع) من المهد الى اللحد 646

وهي كانـت تُفضـي بعهـد عليّ بعلـوم الأحكـام بين النساء
ورآها الوصـيّ تـُروي ظـمـاءً من علوم القرآن خيـر رواء
قال : هـذي الحُروف رمزٌ خفـيّ لمصاب الحسين فـي كربلاء
وبعهد السجـاد للنـاس تُـفـتـي بدلاً عنه وهـو رهـنُ البلاء
وعلـيّ السجـاد أثنـى عـليـهـا وعليٌ مـن أفضـل الأمنـاء
كان يروي (الثَبتُ ابنُ عباس) عنها وهو حَبرٌ من أفضل العُلمـاء
حيث كانت في الفقه مرجـع صدقٍ لرواة الحـديـث والفقـهـاء

* * * *

هي قدسٌ به العَفافُ تَزكّى وهي أزكى قُدساً من العذراء

زينب الكبرى (ع) من المهد الى اللحد 647

هي قلب الحسين صبراً وبأساً عند دفـع الخطـوب والأرزاء
وهي أخت الحسين عَيناً وقلباً ويداً فـي تَـحـَمّل الأعـبـاء
شاركته بنهضـة الحقّ بِـدءاً وختامـاً وفـي عظيـم البـلاء
وجهاد الحسيـن أصبـح حيّاً بجـهـاد الـحـوراء للأعـداء
وعظيم الإيمـان منهـا تجلّى حيـن قالت والسبط رهن العراء :
ربّ هذا قـرباننا لك يُهـدى فتقــبـّل منـّا عظيـم الفـداء
وعباداتهـا ونـاهيـك فيهـا وهـي أسمـى عبـادة ودعـاء
حين تأتي بوِردها من جلوس وهـي نضـوٌ مـن شدّة الأعياء(1)

(1) كتاب «ملحمة أهل البيت» للشيخ الفرطوسي ، ج 3 ص 372 و373 .
زينب الكبرى (ع) من المهد الى اللحد 648

وللشاعر البارع العلامة الجليل السيد رضا الموسوي الهندي(1) هذه القصيدة الشهيرة :
إن كان عندك عبـرة تُجـريهـا فانزِل بأرض الطف كي نسقيها
فعسى نَبُلّ بهـا مضـاجع صفوةٍ ما بُلّت الأكبـاد من جـاريـها
ولقد مَررتُ علـى منازل عصمةٍ ثِقل النبـوّة كـان أُلقـيَ فيهـا
فبكيتُ حتـى خِلتهـا ستُجيـبُني ببُكائها حُزنـاً علـى أهلـيـها
وذكرتُ إذ وَقَفَت عقيـلـة حيدر مذهولة تُصغي لصـوت أخيهـا
بأبي التي وَرِثـَت مصائب أمّها فغَدت تُقابلهـا بصبـر أبيـهـا
لم تَله عن جمع العِيال وحفظهم بفراق إخوتهـا وفقـدِ بنيـهـا

(1) هو السيد رضا بن السيد محمد بن السيد هاشم الموسوي المعروف بالهندي ، لهجرة أحد آبائه إلى الهند .
وُلِد عام 1290 هـ في مدينة النجف الأشرف .
درس علوم العربية وعلم الفقه والكلام والمنطق حتى بلغ درجة عالية ، فكان عالماً جليلاً ، وشاعراً قديراً ، وأديباً متفوّقاً . وله مؤلّفات مخطوطة .
من أشهر أشعاره : «القصيدة الكَوثريّة» التي اشتُهِرت شُهرةً عالميّة .
فارق الحياة سنة 1362 هـ في مدينة الأشرف ، وشُيّعَ جثمانه تشييعاً عظيماً ، رحمة الله تعالى عليه .
زينب الكبرى (ع) من المهد الى اللحد 649

لم أنس إذ هتكـوا حماها فانثَنَت تشكو لَواعِجَـها إلى حـاميها(1)
تدعو فتحترق القلـوب كـأنّهـا يَرمي حشاها جمره مِـن فيها
هذي نساؤك مَن يكون إذا سَرَت في الأسرِ سائقَها ومَن حاديها
أيسوقها «زجرٌ» بضَرب مُتونها و«الشمر» يحدوها بسَبّ أبيها
عجباً لها بالأمس أنـتَ تصونها واليـوم آل أميّـة تُبديـهـا
وسَرَوا برأسِك في القنا وقلـوبها تسمو إليه ، ووجدها يُضنيها
إن أخّروه شجاه رؤيـة حالهـا أو قدّمـوه فحاله يُشجيـهـا(2)

(1) لواعجَها . لواعج ـ جمع لَعج ـ : آلامَها وأحزانَها . قال ابنُ دريد ـ في كتابه : جمهرة اللغة ـ : «اللَعج : ما وجده الإنسان في قلبه من ألم اوحُزن» . وقال ابن منظور ـ في كتابه : لسان العرب ـ : «لَعَجَه الضَرب : آلمه وأحرَق جِلده ، واللَعج : ألم الضرب وكلّ مُحرِق» .
(2) المصدر : ديوان السيد رضا الموسوي الهندي ، الطبعة الأولى ، بيروت ـ لبنان ، عام 1409 هـ ، ص 47 .
زينب الكبرى (ع) من المهد الى اللحد 650

وللسيد رضا الموسوي الهندي قصيدة رائعة أخرى ، في رثاء الإمام الحسين عليه السلام ، وفيها يصف حال السيدة زينب حينما حضرت عند جسد أخيها العزيز ، وإليك هذه الأبيات المُختارة :
حـرّ قـلبـي لـزينـبٍ إذ رأتـه تَرِب الجسـم مُثخَـناً بالجُراح
أخـرَس الخَـطـبُ نُطقَـها فدعته بدموعٍ بمـا تُجـنّ فـِصـاح(1)
يا مَنـار الضـُلالِ واللـيـل داجٍ وظلال الرميض واليوم ضاحي(2)
كُنتَ لي ـ يوم كنت ـ كهفاً منيعاً سَجسَج الظـلّ خـافِق الأرواح(3)

(1) بما تُجِنّ : أي بما تُخفي ، بمعنى : أنّ الدموع تُفصِح وتُخبِر عمّا تُخفيه ـ في قلبها ـ من الهموم والأحزان . ويقرأ البعض : بما تُكِنّ .
(2) الرميض : اليوم الشديد الحرّ ، والشمس الشديدة الحرارة . واليوم ضاحي : أي : عديم السحاب . قال ابن زكريّا ـ في كتاب معجم اللغة ـ : «الرَمض : حَرّ الحجارة من شدّة حر الشمس .
(3) سجسَجَ الظِل : لا حرّ فيه ولا بَرد ، بل هواءٌ معتدل طيّب . المعجم الوسيط .
زينب الكبرى (ع) من المهد الى اللحد 651

أتـرى الـقوم إذ عليك مَررنا مَنَعونـا من البـكـا والنياحِ
إن يكُن هَيّـناً عليـك هـواني(1) واغتِرابي مع العِدى وانتِزاحي
ومَسيـري أسيـرةً للأعـادي ورُكوبي على النِياق الطـِلاحِ(2)
فَبِرَغـمـي أنّي أراك مُقيمـاً بين سُمرِ القَنا وبيضِ الصفاح
لك جسمٌ على الرمال ، ورأسٌ رفعوه على رؤوس الـرماح(3)

(1) لعلّ الأولى قراءته هكذا : لم يكُن هيّناً عليك هواني . رغم كون هذا الكلام لسان الحال . وهو لغة عاطفيّة .. تُستَعمل حين التكلّم عند جُثمان أو قبر الميّت .
(2) الطِلاح : الإبل الهَزيلة المُتعَبة .
(3) ديوان السيد رضا الموسوي الهندي ، ص 54 .
زينب الكبرى (ع) من المهد الى اللحد 652

وله قصيدة أخرى يقول فيها :
هذا ابنُ هنـدٍ ـ وهو شرّ أميّة ـ من آل أحمـد يستـذلّ رقـابا
ويَصون نِسـوته ويُبـدي زينَباً من خدرها وسكيـنـة ورَبـابا
لَهفي عليها حـين تَأسِرُها العدى ذُلاً(1) وتُركبُهـا النيـاق صِعابا
وتُبيح نَهبَ رحالـهـا وتُنيبُهـا عنها رحال النـيب والأقتـابـا
سَلَبـت مَقانعهـا وما أبقَت لها حاشـا المهابـة والجلال حجابا(2)


وهناك قصيدة أخرى منسوبة إلى السيد رضا الموسوي ، قد عُثِرَ على خمسة أبيات منها ، فأُعجب بها الخطيب الجليل الشيخ محمد سعيد المنصوري ، فأنشد أبياتاً شعريّة على نفس الوزن والقافية وأضافها إليها ، وإليك الأبيات الخمسة ثم الأبيات المضافة إليها :
«سلام على الحوراء ما بقي الدهر وما سطعت شمسٌ وما أشرق البدر
سلامٌ علـى القلـب الكبير وصبره بيومٍ جرت حُزناً له الأدمـع الحُمر

(1) لعلّ الأولى قرائته : ظُلماً .. بَدَلاً عن : ذُلاً .
(2) ديوان السيد رضا الموسوي الهندي ، ص 43 .
زينب الكبرى (ع) من المهد الى اللحد 653

جَحافـل جـاءت كـربلاء بأثرها جَحافلُ لا يَقوى على عَـدّها حـَصـرُ
جرى ما جرى فـي كربلاء وعَينُها ترى ما جرى ممـّا يذوب له الصخـر
لقد أبصَرت جسـم الحسين مُبضّعاً فجاءت بصبرٍ دون مفهـومـه الصبر»
رأتـه ونـادت يابـن أمّي ووالدي لك القتـل مكتـوب ولي كُتبَ الأسـرُ
أخي إنّ فـي قلـبي أسىً لا أُطيقُه وقد ضاق ذرعاً عن تحمّلـه الصـدر
أيدري حُسامٌ حَـزّ نـَحـرَك حَدّه به حزّ من خير الورى المصطفى نحرُ
عليَّ عزيـزٌ أن أسيـرَ مع العدى وتبقـى بـوادي الطفّ يَصهَرُك الحَرّ
أخي إن سرى جسمي فقلبي بكربلا مُقيـمٌ إلـى أن ينتهـي مِنـّي العُمـرُ
أخي كلّ رزءٍ غيـر رزئـك هَيّنٌ وما بسـواه اشتـدّ واعصَوصَب الأمر

زينب الكبرى (ع) من المهد الى اللحد 654

أ أُنعَـمُ فـي جسمٍ سليمٍ مِن الأذى وجسمك منه تنهل البيض والسُمرُ
أخي بعـدك الأيـامُ عـادت ليالياً عليَّ فلا صبح هنـاك ولا عصر
لقد حاربَت عيني الرُقـادَ فلـم تَنَم ولي يا أخي إن لم تنم عيني العُذرُ
أخي أنت تـدري ما لأختك راحةٌ وذلك من يـوم بـه راعَها الشِمرُ
فلا سلوةٌ تُرجـى لها بعد ما جرى وحتى الزُلال العَـذب في فَمِها مُرّ
أيمنَعـُك القـوم الـفـرات ووُردَه وذاك إلى الزهـراء مِن ربّها مَهرُ
أخي أنتَ عن جدّي وأمّي وعن أبي وعن حسنٍ لي سلـوةٌ وبك اليُسرُ
متى شاهدَت عيناي وجهَك شاهَدت وجوهَهُم الغَرّاء وانكشـف الـضُرّ
ومُذ غِبتَ عنّي غاب عنّي جميعهم ففَقدـُك كسرٌ ليس يُرجى له جَـبرُ(1)

(1) كتاب (ميراث المنبر) للخطيب الأديب الشيخ المنصوري ، ص 274 .
زينب الكبرى (ع) من المهد الى اللحد 655

وللشاعر الأديب ، الموالي المُخلِص الحاج هاشم الكعبي(1) قصيدة غَرّاء تُعتبر من أقوى وأشهر ما قيل من الشعر في رثاء سيد شباب أهل الجنة الإمام الحسين (عليه السلام) وهي تتجاوز 136 بيتاً ، وفيها يَصِف حال حفيدات الرسالة وبنات الإمامة بعد مقتل سيد الشهداء ، وخاصّة سيّدتنا الحوراء العقيلة زينب الكبرى (عليها السلام) فيقول :
وثواكـلٌ في النَوحِ تُسعِدُ مِثلَها أرأيت ذا ثَكلٍ يكـون سعيدا
حَنّت فلم تَـرَ مثلهـنّ نـوائحاً إذ ليس مثل فقيدهـنّ فقيـدا
عَبَراتها تُحيي الثرى لو لَم تكن زَفَراتها تَدَعُ الرياضَ هُمودا

(1) الحاج هاشم بن حردان الكَعبي ، وُلدَ في «الدَورق» في ضواحي مدينة الأهواز ـ جنوب ايران ـ ثم هاجر إلى مدينة كربلاء المقدّسة ، فدَرسَ في الحوزة العلمية هناك ، حتى صار من أهل العلم والفَضل ، وبَرعَ في الشعر والأدب ، ولَمعَ نجمه حتى حلّق في عداد أبرز الشعراء المتألّقين .. ليس في عصره فحسب ، بل في تاريخ الشعر والأدب .. وفي مختلف العصور !
توفي سنة 1231 هـ ، رحمة الله تعالى عليه .
زينب الكبرى (ع) من المهد الى اللحد 656

وغَدَت أسيرة خِـدرها ابنـة فاطمٍ لم تَلـق غير أسيرها المَصفودا
تدعو بلَهفةِ ثاكـلٍ لَعـِب الأسـى بفـؤاده حتـى انطـوى مَفؤدا
تُخفي الشجا جَلَداً فإن غَلَب الأسى ضَعُفت فأبدَت شجوها المكمودا
نادَت فقَطّعـتِ القلـوب بصَوتها لكنّما انتظـم البيـان فـريـدا
إنسانَ عينـي يـا حسين أُخَيّ يا أمَلي وعِقد جُمـاني المَنضودا
ما لي دعَوتُ فلا تُجيبُ ولَم تكُن عَوّدتَني مِن قبـل ذاك صُدودا
ألِمِحنـةٍ شَغَلَتـك عنـّي أم قِلىً حاشاك إنّك ما بـَرِحتَ وَدودا(1)

(1) رياض المدح والرثاء ، ص 481 .
زينب الكبرى (ع) من المهد الى اللحد 657

وللعالم الجليل الأديب النبيل الشيخ علي بن الحسين الحِلّي الشفهيني(1) قصيدة رائعة نختار منها هذه الأبيات :
وعليـكِ خِـزيٌ يا أميّـةُ دائمـاً يَبقى ، كما فـي النار دامَ بقاكِ
هَلا صَفَحتِ عن الحسين ورَهطه صَفحَ الوَصيّ أبيـه عـن آباكِ
وعَفَفتِ يوم الطفّ عفّةَ جدّه الـ ـمَبعوث يوم الفتح عـن طُلَقاكِ
أفهَل يدٌ سَلَـبـت إمـاءَك مِثلَما سَلَبَت كريمـاتِ الحسيـن يَداكِ
أم هل بَرَزنَ بفتـحِ مكـّة حُسّراً ـ كنِسائه يوم الطفوف ـ نِساكِ

(1) هو الشيخ علي بن الحسين الحِلّي الشَفَهيني (رحمة الله تعالى عليه) .
لم يُعرف ـ بالضبط ـ تاريخ ولادته أو وفاته ، إلا أنّه يُعَدّ مِن شعراء القرن الثامن الهجري ، كان عالماً جليلاً ، وشاعراً أديباً ، مَدَح أهل البيت (عليهم السلام) بقريحته الشعريّة بنسبةٍ كبيرة ، حتى سُجّل إسمه في سِجِل شعرائهم المُتألّقين في رُتبة شعره .
زينب الكبرى (ع) من المهد الى اللحد 658

بئـس الـجَـزاء لأحمـدٍ فـي آله وبَنيه يوم الطـفّ كـان جَزاكِ
لَهـفـي لآلكَ يـا رسـول الله فـي أيدي الطُغـاة نوائحـاً وبَـواكي
ما بيـن نـادبـةٍ وبيـن مَـروعةٍ فـي أسرِ كـلّ مُعـانـدٍ أفـّاكِ
تالله لا أنسـاكِ زينـب ، والعـِدى قسراً تُجـاذِبُ عنكِ فضل رداكِ
لم أنس ـ لا والله ـ وَجهَك إذ هَوَت بالـرُدنِ سـاتـرةً له يُمـنـاكِ(1)
حتى إذا هَمّوا بسَلبِك صِحـتِ باسـ ـم أبيكِ ، واستَصرختِ ثَمّ أخاكِ
تَستصرِخيـه أسـىً وعَـزَ عليه أن تَستصـرخيـه ولا يُجيـب نِداك(2)

(1) الرُدن : الكُمّ .
(2) رياض المدح والرثاء ، ص 22 و23 .
زينب الكبرى (ع) من المهد الى اللحد 659

وللسيد محمد بن السيد مال الله القَطيفي(1) قصيدة غَرّاء ، جاء فيها :
قُتِلَ الحسين فيا سَمـا أبكـي دَمـاً حُزناً عليه ويا جِبال تَصَدّعي
مَنَعوه شُربَ الماء ، لا شَربوا غداً مِن كـَفّ والده البَطين الأنزَعِ
ولِزينـبٍ نـَدبٌ لِفـَقـد شقيـقها تَدعـوه يابـن الزاكيات الرُكّعِ
اليوم أصبـغُ فـي عزاكَ ملابسي سوداً وأسكـُبُ هاطِلاتِ الأدمُعِ
اليوم شَبـّوا نـارهم فـي منـزلي وتنـاهبـوا ما فيه حتّى بُرقُعي
اليـوم ساقـونـي بظلـم يا أخـي والضَـربُ ألَّمَني وأطفالي معي

(1) السيد محمد بن السيد مال الله ، المشهور بلقب (أبو الفلفل) من أهل مدينة القطيف ، هاجر إلى العراق ، وسَكنَ في مدينة كربلاء المقدسة ، إلى أن وافاه الأجل عام 1261 هـ . كان شاعراً حُسَينياً مُجيداً ، رحمة الله عليه .
زينب الكبرى (ع) من المهد الى اللحد 660

لا راحِـمٌ أشكـو إليه مصيبتي لَم ألفَ إلا ظـالمـاً لـَم يَـخشَعِ
حال الردى بيني وبينك يا أخي لو كُنتَ في الأحياء هالَك موضعي
أنعِم جواباً يا حسيـنُ أما ترى شِمرَ الخَنـا بالسـَوط ألـّمَ أضلُعي
فأجابها مِن فوق شاهقـةِ القَنا قُضِيَ القضاء بما جرى فاستَرجعي
وتَكفّلي حال اليتامى وانظـُري ما كنتُ أصنَعُ في حِمـاهم فاصنَعي(1)

(1) موسوعة (أدب الطف) للعلامة الخطيب المجاهد السيد جواد شبّر ، ج 6 ص 50 ، والأبيات الثلاثة الأخيرة غير مذكورة في كتاب (أدب الطف) .
زينب الكبرى (ع) من المهد الى اللحد 661

وللشاعر الأديب الشيخ عبد الحسين بن أحمد شكر(1) (رحمة الله عليه) قصيدة يَستَنهضُ فيها الإمام المهدي المنتظر (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) ويطلب منه أن يُعجّل بالظهور ، لكي يطلب بثار جدّه الشهيد الإمام الحسين عليه السلام ، يقول فيها :
أتَنسى ـ وهل يُنسى ـ وقوف نسائكم لدى ابنِ زيادٍ إذ أمـاطَ حِجابها
وعمّتـك الحـوراء أنـّى تـَوَجّهـَت رأت نائبات الدهر تقـرعُ بابها
فما زينـبٌ ذات الحِجـال ومجلـسـاً به أسمع الطاغي عداها خطابها
لها الله مِن مسلـوبـةٍ ثـوبَ عـِزّها كَسَتها سياطُ المـارقيـن ثيابَها

(1) جاء في كتاب (أدب الطف) ما مُلَخّصه :
الشيخ عبد الحسين بن الشيخ أحمد بن شكر ، له قصائد كثيرة في رثاء أهل البيت ، وقد نالت أكثر قصائده إعجاب خطباء المنبر الحسيني الكرام ، فهم يزينون مجالسهم ومحاضراتهم بها . لا نَعلم سنة ميلاده بالضبط . فارق الحياة سنة 1285 هـ . حُكي أن (آل شكر) أسرة شريفة سكنت مدينة النجف الأشرف ، منذ زمن قديم ، وأصلُهم مِن عَرَب الحِجاز .
لمعرفة المزيد عن حياته يراجع كتاب (أدب الطف) للسيد جواد شبّر ج 7 ص 187 .
زينب الكبرى (ع) من المهد الى اللحد 662

تُعاتِبُ آساداً فُنوا دونَ خِدرها تَخوض المنايا لو يَعون خِطابها(1)
بني هاشم هُتِّكـنَ منكم حرائر حَميتُم ، ببيض المُرهَفات قُبابها(2)

وله قصيدة اخرى يقول فيها :

وتـرى مخـدرة البتـولة زينبا والخطب يصفق بالاكـف جبينها
من حـولهـا ايتـام ال محمـد يتفيـؤون شمـالهـا ويمـيـنها
لا تبزغي يا شمـس من افق حيا من زينب فلقـد اطلـت انينـها
ذوبي فانك قـد اذبت فـؤاد من كانت تظللهـا الاسـود عـرينها
وتقشعي يا سحـب من خجل ولا تسقي الظماة مدى الزمان معينها
فبنات احمد فـي الهجير صواديا اودى بهـا ظمـا يشيـب جنينها
حرم لهـاشـم ما هتفـن بهـاشم الا وسـودت السيـاط متـونـها (3)

(1) لعلّ الأصح : بِخَوض المنايا .
(2) رياض المدح والرثاء ص 651 .
(3) نفس المصدر ، ص 337 .
زينب الكبرى (ع) من المهد الى اللحد 663

وله قصيدة أخرى يقول فيها :
أيّها الـراكـب الـمـُجـِدّ إذا مـا نَفَحَـت فيـك للسُرى مِرقالُ(1)
عُج علـى طيـبـةٍ ففيهـا قُبـورٌ مِن شَذاها طابَت صَبا وشِمالُ
إنّ فـي طـيـّهـا أُسـوداً إليهـا تَنتَمي البيـضُ والقَنا والنِبالُ
فإذا استَـقـبلَتـك تـَسـألُ عنّـا مِن لُؤيٍ نساؤهـا والـرِجالُ
فاشرحِ الحـال بـالمَقال وما ظنّـ ـيَ يَخفى علـى نزار الحالُ
نادِ ما بينهم بنـي المـوت هُبـّوا قد تناهَبنَكم حـِدادٌ صـقـالُ
تلك أشياخكم على الأرض صرعى لم يُبِلّ الشِفـاه منهـا الزُلالُ

السابق السابق الفهرس التالي التالي