زينب الكبرى (ع) من المهد الى اللحد 623

قصيدة في ذكرى ميلاد السيدة زينب الكبرى (سلام الله عليها) للشاعر الأديب السيد محمد رضا القزويني(1) :
وُ لدتِ كما يُشرقُ الكوكب فأُمٌّ تُبـاهـي ويَزهـو أبُ
علـيٌ وفاطمـةٌ انجَبـاكِ عَيناً من الخيـر لا يَنضبُ
وجاءا بكِ جَدّكِ المصطفى ليختـار لاسمكِ ما يُعجِبُ

(1) السيد محمد رضا بن العالم الجليل المجاهد السيد محمد صادق القزويني ، ابن عمّ مؤلّف هذا الكتاب . شاعر لامع ، وأديبٌ بارع ، يجري في دمه حبّ أهل البيت الطاهرين (عليهم السلام) .
وُلِدَ في تاريخ 20/8/1940 م ، بدأ نظم الشعر مع بداية مرحلة المراهقة ، يتميّز شعره بمميّزات منها : قوّة المعنى وروعة الإبداع ، وجمال الإبتكار ، ونكهة الإخلاص .
له ديوان شعر مخطوط ، جمَعَ فيه ما نظمه حول النبي الكريم وآله المعصومين (سلام الله عليهم أجمعين) .
وقد نظم هذه القصيدة في سوريا بمناسبة ذكرى ميلاد السيدة زينب الكبرى (عليها السلام) عام 1411 هـ الموافق لسنة 1990 م .
زينب الكبرى (ع) من المهد الى اللحد 624

فقال : ولَستُ ـ كما تَعلَمـا نِ ـ أسبـقُ ربّي بما يَنسِبُ
وهـذا أخي جبرئيـل أتـى بـأمـرٍ مـن الله يُستَعـذبُ
يقـول إلهك ربّ الجـلال : تـقبّلتهـا و اسمهـا زينـب
وكفّـلتهـا بأخيها الحسيـن ويـومٍ يَعُـزّ بـه المَشـرَبُ
لِتَحمـلَ أعبـاءَه كالليـوث فيَسـري بأطفاله المَـركَـبُ
أُسارى إلى الشام من كربلا ءَ وسوطٌ على ظهرهم يلهَبُ

* * * *

أقائـدةَ الركـب يـا زينب تَغَنّى بكِ الشـرق والمغربُ
خَطبـتِ فدوّى بسمع الزما ن صوتٌ إلى الآن يُسترهَبُ
أخاف الطغاة على عرشهم فظنّوا عليّـاً بـدا يخطـبُ
وأسقطتِ قبل فناه يزيد(1) وضـاق على رأيه المَذهبُ
ووَلّـت أميّـة مدحـورة و مـا ظل ذكـر لهم طيّبُ
وأنـتِ التي كُنتِ مأسورةً وما لكِ في الشام مَن يُنسَبُ
لكِ اليوم هذا الندى والجلا ل مثالاً لأهل النُهى يُضرَبُ
وقبـرٌ يطـوف به اللائذو نَ رَمـزاً و ما عنده يُطلَبُ
منـاراً يَشِـعُّ بأفق السماء فيُعـلِنُهـا : هـذه زينـب

(1) فناه : أي قبل فنائه وهلاكه .
زينب الكبرى (ع) من المهد الى اللحد 625

وللسيد محمد رضا القزويني قصيدة أخرى يقول فيها :
تتـراءى لـه الأُسـارى فتَبـدو زينـب أمسَكـت بطفـلٍ يتيـم
وهي تَرعى الرؤوس فوق رماحٍ طابَ منها النجوى لأختٍ رَؤومِ(1)
حَمَلَتهـا مـن كربلاء و قالت : يـا سماء اهتدي بهذي النجـومِ
إنّـهـا مـن محمـدِ وعـلـيّ قَدّمتهـا البتـول فـي تكـريـمِ
وسياطُ الأعداء لم تَمنَـعِ الأختَ وداع الـحسيـن بيـنَ الجسـومِ
هُرعَـت و الخيـام مُشتعـلاتٌ تتحَـرّى الأطفـال بين الرميـم
رَفَعـت رأسهـا إلـى الله تشكو فأتـاها الجـواب عبـر النسيـم
جـدّكـم أسَّسَ القواعـد للبيـتِ و إسمـاعيـل ذبـحُ الحُـلـومِ

(1) رَؤوم : مُشتقّ مِن المحبّة والعَطف ، قال الفيروز آبادي ـ في القاموس ـ : رَئمت الناقة وَلَدها : عطَفت عليه ، فهي رائمة ورؤوم .
زينب الكبرى (ع) من المهد الى اللحد 626

وانتَهـت فيكم النبـوّة والبيتُ ومـا في السِتـار والمعلومِ
ورأى الله في الحسينِ عظيماً فـافتدى دينَه بذبـحٍ عظيمِ




زينب الكبرى (ع) من المهد الى اللحد 627

وللشاعر الحسيني اللامع ، المرحوم الحاج محمد علي آل كمّونة (رضوان الله عليه)(1) قصيدة نَقتَطفُ منها الأبيات التالية :
لـم أنسَ زينبَ بعد الخِدر حاسرةً تُبـدي النيـاحة ألحاناً فألحانـا
مَسجـورة القلـب إلا أنّ أعينَهـا كالمُعصرات تصُبّ الدمع عقيانا(2)

(1) الحاج محمد علي آل كمّونة الأسدي الكربلائي ، شاعرٌ بليغ ، وأديب فصيح ، كان من الشعراء المتألّقين في عصره ، والأدباء اللامعين بين أقرانه وزملائه ، إستعمل قريحته الشعريّة ـ بنسبة كبيرة ـ في خدمة النبي وآله الطاهرين ، وله قصائد كثيرة في رثاء سيد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام ، مِن مميّزات شعره : طابع الشِجاوة ، ونكهة الإخلاص ، وسلاسة التعبير .
عند التأمّل في ديوان شعره نجد أنّ أشعاره تهزّ المشاعر والعواطف مِن الأعماق ، وتَنقل ذهن القارئ إلى أجواء الحرب والقتال .
وللمُميّزات المتوفّرة في شعره ـ ونخصّ منها : كونه شجيّاً ـ تَهافَتَ خطباء المنبر الحسيني على قراءة أشعاره في بداية ونهاية مجالسهم ومحاضراتهم الحسينيّة .
له ديوان مطبوع ، جُمعَ فيه بعض أشعاره .
ولد سنة 1202 هـ ، وتوفّي سنة 1282 هـ ، ودُفنَ في حرم الإمام الحسين عليه السلام .
(2) عِقياناً . العِقيان : الذهب الخالص . شَبّه الشاعر قطرات دموعهنّ الصافية الغالية بحَبّات الذهب الخالص من الشوائب .
زينب الكبرى (ع) من المهد الى اللحد 628

تـدعـو أبـاها أميـر المؤمنين ألا يـا والدي حَكمَـت فينـا رَعايانا(1)
وغـابَ عنّـا المُحامي والكفيلُ فمَن يَحمي حِمانـا و مَن يُؤوي يَتامانا
إن عَسعَسَ الليل وارى بَـذلَ أوجُهنا و إن تَنفّـس وجه الصبـح أبدانا
نـدعـوا فلا أحدٌ يَصبوا لِدَعوتِنا(2) و إن شكَونـا فلا يُصغى لِشَكوانا
قُـم يا عليّ فما هـذا القعود و مـا عهدي تَغُضّ علـى الأقذاء أجفانا
عَجّـل لعلّك مِـن أسـرٍ أضَرّ بنـا تَفُكّنـا أو تَوَلّـى دفـن قتـلانـا
و تَنثَني تـارةً تـدعـو عشيرتهـا مِن شيبة الحمـد أشيـاخـاً وشُبّانا(3)

(1) رعايانا . رعايا ـ جمع رعيّة ـ : عامّة الناس الذين عليهم راع وحاكم ، يُدبّر أمورهم ويَرعى مصالحهم .
(2) يَصبو : يميل ويَحِنّ . وفي نسخة : «نَدعوا فلا أحد يَرنو لَدَعوتنا» .
(3) شَيبَة الحَمد : هو عبد المطلب بن هاشم ، جدّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
زينب الكبرى (ع) من المهد الى اللحد 629

قوموا غِضاباً مِن الأجداث وانتَدبوا واستَنقِـذوا مِن يَد البَلوى بٌقايانا(1)

وله قصيدة أخرى يقول فيها :
و لَئن نسيتُ فلَسـتُ أنسى زينبـاً ودوام مِحنتهـا وطـول عنـائهـا
حَمَلت مِن الأرزاء ما أ عيا الورى حَمـلَ اليسير النَزر مِـن أعبائهـا
عن كَربها و بَلائها سَـل كربـلا سَـل كربلا عـن كربها و بلائهـا
طَـوراً على القتلى تنوح وتـارةً تحنـو محافظـة علـى أبـنائهـا
و تطوف حـول حمىً أباد حُماته صَرفُ الرَدى وأبـاحَ هَتكَ نسائها
مَـن مُبلغٌ عنّـي سرايـا هاشـم خَبَـراً يَـدُكّ الشمّ مـن بَطحائهـا
سُبيَت ، و أعظم ما شَجاني غَيرةً ـ يا غيرة الإسلام ـ سَلبُ رِدائها
و وقوفهـا فـي مجلـسٍ جُلاسُه أهوى بهـا الشيطـان في أهوائها(2)

(1) المصدر : ديوان ابن كمّونة ، طبع قم ـ ايران ، عام 1411 هـ ص 95 . ورياض المدح والرثاء ، للشيخ حسين البحراني ، طبع ايران ، عام 1420 هـ ص 648 .
(2) ديوان ابن كمونة ، ص 3 .
زينب الكبرى (ع) من المهد الى اللحد 630

وله (رضوان الله عليه) شعرٌ آخَر يُخاطب فيه الإمام الحسين (عليه السلام) بقوله :
وأمسَيـتَ رَهنَ الحادثات و أصبَحت نساؤك بعد الصَون بينَ الأجـانب
حَيـارى يُـردِّدنَ النُـواح سَواغبـاً عُطاشى فلهفي للعُطاشى النـوادب
ومِن بينها مأوى البَليّات رَبّة الرزيّـ ـات حَلفُ الحُـزن أمّ المصـائب
فَـريسـة أفـواه الحـوادث زينـبٌ ومَنهـبُ أنيـاب الرَدى والمَخالبِ
تُنـادي وقـد حَـفّ العـدوّ برحلها و تَهتـِف لكن لم تَجد مِن مُجاوبِ
فمَن مُبلغٌ عنّي الرسـول و حيـدراً وفاطمة الزهراء بنـت الأطـائبِ
بأنـّا سُبينـا ، والحسيـنُ عمـادُنا غدا موطئـاً للعـاديات الشَوازِب(1)

(1) الشوازب ـ جمع شازِب ـ : الخَيل الغَضبان ، الذي يُسرع في ركضه للغارة والهجوم . كما يُستفاد من كتاب «العَين» للخليل بن أحمد .
زينب الكبرى (ع) من المهد الى اللحد 631

ويُسرى بنـا نحو الشام فـلا سَقَت معـاهد أرض الشام جونُ السحائب
ونُهدى إلى الطاغي يزيد نتيجة الـ ـدَعـيّ ابـن سفيان لَئيم المَناسِب
و يَنكُتُ ظلماً بالقضيـب مَراشفـاً تَرشّفهـا المختار بيـن المُصاحبٍ(1)

وله قصيدة أخرى يَصفُ ـ فيها ـ مصيبة الهجوم على مُخيّمات الامام الحسين (عليه السلام) ومنها قوله :
حُمـاةٌ حَمَـوا خـِدراً أبى الله هَتكهُ فعَـظّمـه شـأنـاً وشَـرّفه قَـدرا
فأصبـح نَهبـاً للمغـاويـر بعدهم ومنه بنات المصطفى أُبرزت حَسرى
يُقنّعها بالسوط «شمرٌ» فـإن شكَت يؤنّبهـا «زَجـرٌ» ويوسِعُهـا زَجرا
نـوائـح إلا أنّـهـنّ ثـواكــلٌ عـواطـش إلا أنّ أعينهـا عَبـرى

(1) ديوان ابن كمّونة ، ص 12 ـ 13 .
زينب الكبرى (ع) من المهد الى اللحد 632

يَصـون بيُمنـاها الحَيا ماء وَجهها ويَستُرهـا إن أعوزَ السِتـر باليُسرى
و قُل لسـرايـا شيبة الحمد ما لكم قعدتم وقـد سـاروا بِنسـوتكم أسرى
و أعظمُ ما يُشجـي الغَيور دخولها إلـى مجلس مـا بارح اللهو والخَمرا
يُقـارعهـا فيـه يـزيـد مَسَبّـةً و يَصـرفُ عنها وجهه مُعرِضاً كِبرا
ويَقـرَعُ ثَغـرَ السبـط شُلّت يمينه فأعظـم به قَرعـاً وأعظِـم به ثَغراً
أينكُـتُ ثَغراً طَيّـبَ الدهـر ذِكرَه وما بـارَح التسبيـح والحمد والشُكرا(1)

(1) ديوان ابن كمّونة ، ص 58 ـ 60 .
زينب الكبرى (ع) من المهد الى اللحد 633

وللعالم الجليل الشيخ جعفر النقدي(1) قصيدة نختار منها هذه الأبيات
يا دهرُ كُفّ سِهام خطبك عن حشىً لـم يَبـقَ فيهـا موضعٌ للأسهم
في كـلّ يـوم للنوائـب صـارمٌ يَسطو على قلبي ويَقطر مِن دمي
وأبيتُ والأرزاء تَنهـشُ مُهجَتـي نَهشاً يهونُ لديـه نَهـشٌ الأرقم(2)

(1) الشيخ جعفر بن الحاج محمد بن عبد الله التقي الربعي ، المعروف بـ «النقدي» ، : عالم خبير مُتبحّر ، وأديب واسع الإطّلاع ، له مؤلّفات كثيرة تَشهَد له بغَزارة العلم والأدب ، وُلِد في مدينة العمارة بالعراق سنة 1303 هـ ، هاجر إلى مدينة النجف الأشرف ، ودَرسَ فيها حتّى بلغ مرتبة عالية من العلم والثقافة .
شَغَل منصِبَ القضاء في مسقط رأسه (العمارة) حوالي عشر سنوات .
أمّا شعره : فهو مِن الطبقة الممتازة ، وأكثر شعره في مدح أهل البيت (عليهم السلام) .
توفّي (رضوان الله عليه) بتاريخ 9/محرم/1370 هـ ، إقتطفنا ترجمة حياته من كتاب (أدب الطف) للخطيب السيد جواد شبّر ، ج 10 ص 8 .
(2) الأرقَم : أخبَثُ أنواع الحَيّات ، وأطلَبُها للناس ، أو : ما في لونه سَواد وبَياض ، أو : ذكرُ الحيات .. والأنثى رَقشاء . كما في كتاب القاموس المحيط للفيروز آبادي .
زينب الكبرى (ع) من المهد الى اللحد 634

أوَ كـان ذَنبـي أنّنـي مُتمسـّكٌ بالعـروة الوثقـى التي لم تُفصَمِ
آل النبي المصطفـى مَـن مَدحُهُم وردي وفيهـم لا يـزالُ تـَرنّمي
وإلى العقيلة زينب الكبرى ابنة الـ ـكرّار حيـدر بالـولايـة أنتَمي
هي رَبّة القَدر الرفيـع رَبيبـة الـ ـخِدر المنيع وعِصمةُ المستَعصِم
مَن فـي أبيهـا الله شَـرّفَ بيتـَه وبجَدّها شَرَفُ الحطـيمِ وزَمـزَمِ
مَن بيتُ نشأتها بـه نـشأ الهـدى وبـه الهـدايـة للصـراط الأقوم
ضُربَت مَضاربُ عِزّها فوق السُها وسَمَت فضائلهـا سُمـوّ المـرزمِ(1)
فَضلٌ كشمس الأفق ضاء فلو يشأ أعـداؤها كتمـانَـه لـم يُكـتَـمِ
كانت مَهابتُـها مَهـابة جـدّهـا خيرِ البـريّة والرسـول الأعـظم

(1) المِرزَم : السحاب الذي لا ينقطع رَعده . كما في «لسان العرب» .
زينب الكبرى (ع) من المهد الى اللحد 635

كانـت بلاغتُها بلاغة حيدر الـ ـكـرّار إن تَخطب وإن تتكلّمِ
قد شابَهَت خيـر النسـاء بهَديها ووقارها وتُقىً وحُسـنِ تـكرّمِ
ومُقيمةَ الأسحار فـي مِحـرابها تَدعو وفي الليل البَهيم المُظلـم
شَهِدِت لها سُوَر الكتـاب بأنّهـا مِن خير أنصار الكتاب المُحكمِ
زَهِدَت بدُنياها وطيـب نَعيمهـا طلَباً لمرضات الكريـم المُنعـم
وتَجرّعت رَنقَ الحيـاة وكابَدَت(1) مِن دَهرها عيشاً مريـرَ المطعمِ
فأثابهـا ربّ السمـاء كـرامةً فيها سوى أمثالهـا لـم يُـكرمِ
فلَها ـ كما للشافعين ـ شفاعة يوم الجزاء بها نجـاة المجـرم
بَلغت من المجد الموثّل موضعاً ما كـان حتى للبتـولة مريـم

(1) رَنقَ الحياة : كدَرّ الحياة ، يُقال : رَنَقَ عَيشُه : أي كَدِرَ .
زينب الكبرى (ع) من المهد الى اللحد 636

كـلا ولا لِلطُـهـر حـَوّا أو لآ سيـةٍ وليس لأختِ موسى كلثَمِ
هذي النساء الفُضلَيات وفي العُلا كـلٌ أقامـت فـي مقامٍ قَيّـمِ
فاقَـت بـه كـلّ النسـاء ، ورَبّها في الخُلد أكرَمَهـا عظيم المَغنَمِ
لكنّ زينـب في عُـلاها قد سَمَت شَـرَفاً تأخّـر عنـه كلّ مقدّمِ
في عِلمِهـا وجمـالهـا وكمـالها والفضل والنَسَبِ الرفيع الأفخمِ
مَن أرضَعَتهـا فاطـمٌ دَرّ العـُلى مِن ثديها فَعَنِ العلـى لم تُفطِمِ
عن أمّها أخـذت علوم المصطفى وعلوم والدهـا الوصيّ الأكرم
حتى بهـا بلغـت مقامـاً فيه لَم تَحتَـج لِتَعـليـمٍ ولا لمعـلّـمِ
شَهِـد الإمـام لها بـذاك وأنّهـا بعد الإمام لهـا مقـام الأعلـم
ولهـا بيوم الغاضـريّـة موقفٌ أنسى الزمان ثَبات كلّ غَشَمشَمِ

زينب الكبرى (ع) من المهد الى اللحد 637

حَمَلَـت خطـوباً لو تَحَمّل بعضَها لانهـارَ كـاهـل يذبلٍ ويَلَملَـمِ
ورأت مُصابـاً لـو يُلاقي شَجوَها العَذبُ الفرات كسـاه طعم العَلقمِ
في الرُزء شاركـت الحسين وبعده بَقِيـت تـُكافـح كلّ خطبٍ مؤلم
كانـت لنسوتـه الثـواكل سلـوةً عُظمـى وللأيتـام أرفـَقَ قـَيّمِ
ومُصابها فـي الأسـر جَدّد كلّما كانت تُقاسيـه بعـشـر محـرّمِ
ودخـول كـوفـانٍ أبـاد فؤادها لكن دخول الشـام جـاء بأشـأمِ
لم أنسَ خُطبتهـا التـي قَلَمُ القَضا في اللوح مثل بيانهـا لم يُـرقـمِ
نَزلت بها كالنار شـبّ ضـرامها في السامعين ، من الفؤاد المُضرَمِ
جاءت بهـا عَلَويّـةً وقعـت على قلب ابن ميسـونٍ كوقـعِ المِخذَم

زينب الكبرى (ع) من المهد الى اللحد 638

أوداجه انتَفَخت بها فكأنّما فيها السيوف أصبنّه في الغلصمِ(1)

* * * *

أشقيقـة السبطيـن دونـك مدحةً قِسّ الفَصاحة مِثلَهـا لم يَنـظمِ
تمتـاز بالحـق الصـريح لو أنّها قيسَت بشعر البُحتـري ومسلـمِ
يَسلو المحبّ بها وتطعـن في حَشا أعداء أهل البيـت طعـن اللهذم(2)
بيَميـن إخلاصـي إليك رَفعتُهـا أرجو خلاصي من عذاب جهنّمِ
وعليكِ صلـى الله ما رُفعـَت له أيدي مُحِـلٍّ بالدعـاء ومحـرِمِ

(1) الغَلصَم : رأس الحُلقوم . كما في «لسان العرب» .
(2) اللّهذم : سيفٌ لَهذم : أي حادّ ، وقيل : كل شيء قاطع .. مِن سيف أو سنان . «لسان العرب»
زينب الكبرى (ع) من المهد الى اللحد 639

رغم كثرة ما قيل من الشعر في مدح ورثاء آل رسول الله الطاهرين .. فإنّ قصائد السيد حيدر الحلّي لا زالت متألّقة ومتفوّقة في سماء الشعر والأدب ، فقوّة التعبير ، وجمال الوَصف ومميّزات أخرى تجعل الإنسان حائراً أمام هذا المستوى الرفيع من الشعر ، والبيان الساحر ، والصياغة الرائعة الفريدة !
ولا عَجَبَ من ذلك ، فقد كتبوا عن هذا الشاعر العظيم أنّه ـ رغم مواهبه وثقته بنفسه وشعره ـ كان يُجري على بعض قصائده لَمَسات فاحِصة ، يقوم خلالها بالتغيير والتعديل والتجميل ، ويَستمرّ على هذا المنوال مدة سنة كاملة ، ولذلك جاء التعبير عن بعض قصائده بـ «الحَوليّات» !!(1)
أمّا شعره عن السيدة زينب الكبرى :
فالجدير بالذكر أني قرأت (ديوان السيد حيدر الحلي) ولم أجِد فيه التصريح باسم السيدة زينب (عليها السلام) رغم أنّه يتحدّث عنها وعن مصائبها الأليمة في كثير من قصائده الحسينيّة الرائعة !
فكأنّ التَهيّب والحياء ورعاية الأدب في السيد ، وجلالة

(1) السيد حيدر بن السيد سليمان الحلّي ، وُلدَ في مدينة الحلة بالعراق سنة 1246 هـ ، وتوفّي سنة 1304 ، كان عالماً جليلاً ، وشاعراً مُجيداً ، وكان سيّد الأدباء في عصره .
زينب الكبرى (ع) من المهد الى اللحد 640

وعظمة مقام السيدة زينب ، وَضَعت أمامه حدوداً آلى على نفسه أن لا يتخطّاها ، ومنها التصريح باسم السيدة زينب عند ذكر مصائبها ، إذ من الصعب عليه ـ وهو الإبن البارّ لأهل البيت الطاهرين الغيور عليهم ـ أن يُصرّح بتفاصيل المأساة ، فشخصيّة السيدة زينب عظيمة فوق كلّ ما يتصوّر ، والمصائب التي انصَبّت عليها هي في شدّة الفظاعة ، فهو لا يذكر اسمها بل يُشير ويُلمّح ، ويرى أنّ التلميح خيرٌ من التصريح ، «والكناية أبلَغ مِن التصريح» ، ولعلّ الرعشة كانت تستولي على فكره وقريحته وقلمه ، فتمنعه من التصريح ، وانهمار الدموع لم يكن يسمح له أن يُبصِر ما يكتُب ! فاكتفى أن يحومَ حول الحِمى والحدود فقط .
ففي إحدى قصائده الخالدة يقول :
خُذي يا قلـوب الطالبيّين قُرحَةً تزول الليالي وهي دامية القِرفِ(1)
فإنّ التي لم تبرح الخِدر أُبرزَت عَشِيّةَ لا كهفٌ فتأوي إلى كَهفِ

(1) القِرف ـ بكسر القاف ، وقيل : بفتح القاف ـ : القِشر ، يُقال : تقرّفت القُرحَة : أي تَقشّرت بعد يُبسها . دامية القِرف : أي دائمة التَقشّر بسبب عدم بُرئها ، واستمرار نَضح الدم والقَيح منها .
زينب الكبرى (ع) من المهد الى اللحد 641

لقد رَفعَـت عنهـا يد القوم سَجفها وكان صفيـح الهنـد حاشيـ السَجف(1)
وقد كان من فـرط الخفارة صوتها يُغَضُّ فغُضّ اليوم مِـن شـدّة الضَعفِ
وهاتفةٍ نـاحت علـى فقـد إلفِهـا كمـا هتفـت بالـدَوح فاقـِدةُ الإلـف
لقد فَزِعت من هجمـة القوم وُلَّهـاً إلى ابن أبيها وهو فوق الثـرى مُغفـي
فنـادت عليه حيـن ألفَتـه عـارياً على جسمه تسفي صبـا الريح ما تَسفي
حَملتُ الرزايا ـ قبل يومك ـ كلّها فما أنقَضَت ظهـري ولا أوهَنـَت كَتفي(2)

(1) الصَفيح : السيف العريض ، وقيل : الصفيح الجَنب . الهِند : السيف . السَجف ـ بفتح السين وكسرها ـ : السِتر المُرخى ، وقيل : هو الستر المؤلّف من قماشين مقرونَين ، أو قماش وبِطانة للقماش .
(2) ديوان السيد حيدر الحلّي ، طبع لبنان ، عام 1404 هـ ، ج 1 ص 96 .
زينب الكبرى (ع) من المهد الى اللحد 642

ويقول (رحمة الله تعالى عليه) ـ في قصيدة أخرى ، يَصِفُ فيها ساعة الهجوم على مُخيّمات الامام الحسين (عليه السلام) بَعدَ مقتل الإمام ـ :
وحائرات أطـارَ القـوم أعينَهـا رُعباً غداة عليهـا خِدرَها هجموا
كانت بحيثُ عليهـا قومُها ضربت سُرادقاً أرضـه مِن عِزّهم حَرَمُ
يكاد من هيبـةٍ أن لا يطـوف به حتـى الملائك لـولا أنّهم خَدَمُ
فغودِرَت بين أيـدي القوم حاسرةً تُسبى وليس ترى مَن فيه تَعتَصِمُ
نَعـم لَـوَت جيـدها بالعَتبِ هاتفةً بقومهـا وحشاهـا مِلـؤُهُ ضَرَمُ
عَجّت بهم مُذ على أبرادِها اختَلَفت أيدي العَـدوّ ، ولكن مَن لها بِهِمُ(1)

(1) ديوان السيد حيدر الحلي ، ج 1 ص 105 .

السابق السابق الفهرس التالي التالي