فقال : ولَستُ ـ كما تَعلَمـا |
|
نِ ـ أسبـقُ ربّي بما يَنسِبُ |
وهـذا أخي جبرئيـل أتـى |
|
بـأمـرٍ مـن الله يُستَعـذبُ |
يقـول إلهك ربّ الجـلال : |
|
تـقبّلتهـا و اسمهـا زينـب |
وكفّـلتهـا بأخيها الحسيـن |
|
ويـومٍ يَعُـزّ بـه المَشـرَبُ |
لِتَحمـلَ أعبـاءَه كالليـوث |
|
فيَسـري بأطفاله المَـركَـبُ |
أُسارى إلى الشام من كربلا |
|
ءَ وسوطٌ على ظهرهم يلهَبُ |
أقائـدةَ الركـب يـا زينب |
|
تَغَنّى بكِ الشـرق والمغربُ |
خَطبـتِ فدوّى بسمع الزما |
|
ن صوتٌ إلى الآن يُسترهَبُ |
أخاف الطغاة على عرشهم |
|
فظنّوا عليّـاً بـدا يخطـبُ |
وأسقطتِ قبل فناه يزيد(1) |
|
وضـاق على رأيه المَذهبُ |
ووَلّـت أميّـة مدحـورة |
|
و مـا ظل ذكـر لهم طيّبُ |
وأنـتِ التي كُنتِ مأسورةً |
|
وما لكِ في الشام مَن يُنسَبُ |
لكِ اليوم هذا الندى والجلا |
|
ل مثالاً لأهل النُهى يُضرَبُ |
وقبـرٌ يطـوف به اللائذو |
|
نَ رَمـزاً و ما عنده يُطلَبُ |
منـاراً يَشِـعُّ بأفق السماء |
|
فيُعـلِنُهـا : هـذه زينـب |
تتـراءى لـه الأُسـارى فتَبـدو |
|
زينـب أمسَكـت بطفـلٍ يتيـم |
وهي تَرعى الرؤوس فوق رماحٍ |
|
طابَ منها النجوى لأختٍ رَؤومِ(1) |
حَمَلَتهـا مـن كربلاء و قالت : |
|
يـا سماء اهتدي بهذي النجـومِ |
إنّـهـا مـن محمـدِ وعـلـيّ |
|
قَدّمتهـا البتـول فـي تكـريـمِ |
وسياطُ الأعداء لم تَمنَـعِ الأختَ |
|
وداع الـحسيـن بيـنَ الجسـومِ |
هُرعَـت و الخيـام مُشتعـلاتٌ |
|
تتحَـرّى الأطفـال بين الرميـم |
رَفَعـت رأسهـا إلـى الله تشكو |
|
فأتـاها الجـواب عبـر النسيـم |
جـدّكـم أسَّسَ القواعـد للبيـتِ |
|
و إسمـاعيـل ذبـحُ الحُـلـومِ |
تـدعـو أبـاها أميـر المؤمنين ألا |
|
يـا والدي حَكمَـت فينـا رَعايانا(1) |
وغـابَ عنّـا المُحامي والكفيلُ فمَن |
|
يَحمي حِمانـا و مَن يُؤوي يَتامانا |
إن عَسعَسَ الليل وارى بَـذلَ أوجُهنا |
|
و إن تَنفّـس وجه الصبـح أبدانا |
نـدعـوا فلا أحدٌ يَصبوا لِدَعوتِنا(2) |
|
و إن شكَونـا فلا يُصغى لِشَكوانا |
قُـم يا عليّ فما هـذا القعود و مـا |
|
عهدي تَغُضّ علـى الأقذاء أجفانا |
عَجّـل لعلّك مِـن أسـرٍ أضَرّ بنـا |
|
تَفُكّنـا أو تَوَلّـى دفـن قتـلانـا |
و تَنثَني تـارةً تـدعـو عشيرتهـا |
|
مِن شيبة الحمـد أشيـاخـاً وشُبّانا(3) |
و لَئن نسيتُ فلَسـتُ أنسى زينبـاً |
|
ودوام مِحنتهـا وطـول عنـائهـا |
حَمَلت مِن الأرزاء ما أ عيا الورى |
|
حَمـلَ اليسير النَزر مِـن أعبائهـا |
عن كَربها و بَلائها سَـل كربـلا |
|
سَـل كربلا عـن كربها و بلائهـا |
طَـوراً على القتلى تنوح وتـارةً |
|
تحنـو محافظـة علـى أبـنائهـا |
و تطوف حـول حمىً أباد حُماته |
|
صَرفُ الرَدى وأبـاحَ هَتكَ نسائها |
مَـن مُبلغٌ عنّـي سرايـا هاشـم |
|
خَبَـراً يَـدُكّ الشمّ مـن بَطحائهـا |
سُبيَت ، و أعظم ما شَجاني غَيرةً |
|
ـ يا غيرة الإسلام ـ سَلبُ رِدائها |
و وقوفهـا فـي مجلـسٍ جُلاسُه |
|
أهوى بهـا الشيطـان في أهوائها(2) |
وأمسَيـتَ رَهنَ الحادثات و أصبَحت |
|
نساؤك بعد الصَون بينَ الأجـانب |
حَيـارى يُـردِّدنَ النُـواح سَواغبـاً |
|
عُطاشى فلهفي للعُطاشى النـوادب |
ومِن بينها مأوى البَليّات رَبّة الرزيّـ |
|
ـات حَلفُ الحُـزن أمّ المصـائب |
فَـريسـة أفـواه الحـوادث زينـبٌ |
|
ومَنهـبُ أنيـاب الرَدى والمَخالبِ |
تُنـادي وقـد حَـفّ العـدوّ برحلها |
|
و تَهتـِف لكن لم تَجد مِن مُجاوبِ |
فمَن مُبلغٌ عنّي الرسـول و حيـدراً |
|
وفاطمة الزهراء بنـت الأطـائبِ |
بأنـّا سُبينـا ، والحسيـنُ عمـادُنا |
|
غدا موطئـاً للعـاديات الشَوازِب(1) |
يَصـون بيُمنـاها الحَيا ماء وَجهها |
|
ويَستُرهـا إن أعوزَ السِتـر باليُسرى |
و قُل لسـرايـا شيبة الحمد ما لكم |
|
قعدتم وقـد سـاروا بِنسـوتكم أسرى |
و أعظمُ ما يُشجـي الغَيور دخولها |
|
إلـى مجلس مـا بارح اللهو والخَمرا |
يُقـارعهـا فيـه يـزيـد مَسَبّـةً |
|
و يَصـرفُ عنها وجهه مُعرِضاً كِبرا |
ويَقـرَعُ ثَغـرَ السبـط شُلّت يمينه |
|
فأعظـم به قَرعـاً وأعظِـم به ثَغراً |
أينكُـتُ ثَغراً طَيّـبَ الدهـر ذِكرَه |
|
وما بـارَح التسبيـح والحمد والشُكرا(1) |
أوَ كـان ذَنبـي أنّنـي مُتمسـّكٌ |
|
بالعـروة الوثقـى التي لم تُفصَمِ |
آل النبي المصطفـى مَـن مَدحُهُم |
|
وردي وفيهـم لا يـزالُ تـَرنّمي |
وإلى العقيلة زينب الكبرى ابنة الـ |
|
ـكرّار حيـدر بالـولايـة أنتَمي |
هي رَبّة القَدر الرفيـع رَبيبـة الـ |
|
ـخِدر المنيع وعِصمةُ المستَعصِم |
مَن فـي أبيهـا الله شَـرّفَ بيتـَه |
|
وبجَدّها شَرَفُ الحطـيمِ وزَمـزَمِ |
مَن بيتُ نشأتها بـه نـشأ الهـدى |
|
وبـه الهـدايـة للصـراط الأقوم |
ضُربَت مَضاربُ عِزّها فوق السُها |
|
وسَمَت فضائلهـا سُمـوّ المـرزمِ(1) |
فَضلٌ كشمس الأفق ضاء فلو يشأ |
|
أعـداؤها كتمـانَـه لـم يُكـتَـمِ |
كانت مَهابتُـها مَهـابة جـدّهـا |
|
خيرِ البـريّة والرسـول الأعـظم |
كانـت بلاغتُها بلاغة حيدر الـ |
|
ـكـرّار إن تَخطب وإن تتكلّمِ |
قد شابَهَت خيـر النسـاء بهَديها |
|
ووقارها وتُقىً وحُسـنِ تـكرّمِ |
ومُقيمةَ الأسحار فـي مِحـرابها |
|
تَدعو وفي الليل البَهيم المُظلـم |
شَهِدِت لها سُوَر الكتـاب بأنّهـا |
|
مِن خير أنصار الكتاب المُحكمِ |
زَهِدَت بدُنياها وطيـب نَعيمهـا |
|
طلَباً لمرضات الكريـم المُنعـم |
وتَجرّعت رَنقَ الحيـاة وكابَدَت(1) |
|
مِن دَهرها عيشاً مريـرَ المطعمِ |
فأثابهـا ربّ السمـاء كـرامةً |
|
فيها سوى أمثالهـا لـم يُـكرمِ |
فلَها ـ كما للشافعين ـ شفاعة |
|
يوم الجزاء بها نجـاة المجـرم |
بَلغت من المجد الموثّل موضعاً |
|
ما كـان حتى للبتـولة مريـم |
كـلا ولا لِلطُـهـر حـَوّا أو لآ |
|
سيـةٍ وليس لأختِ موسى كلثَمِ |
هذي النساء الفُضلَيات وفي العُلا |
|
كـلٌ أقامـت فـي مقامٍ قَيّـمِ |
فاقَـت بـه كـلّ النسـاء ، ورَبّها |
|
في الخُلد أكرَمَهـا عظيم المَغنَمِ |
لكنّ زينـب في عُـلاها قد سَمَت |
|
شَـرَفاً تأخّـر عنـه كلّ مقدّمِ |
في عِلمِهـا وجمـالهـا وكمـالها |
|
والفضل والنَسَبِ الرفيع الأفخمِ |
مَن أرضَعَتهـا فاطـمٌ دَرّ العـُلى |
|
مِن ثديها فَعَنِ العلـى لم تُفطِمِ |
عن أمّها أخـذت علوم المصطفى |
|
وعلوم والدهـا الوصيّ الأكرم |
حتى بهـا بلغـت مقامـاً فيه لَم |
|
تَحتَـج لِتَعـليـمٍ ولا لمعـلّـمِ |
شَهِـد الإمـام لها بـذاك وأنّهـا |
|
بعد الإمام لهـا مقـام الأعلـم |
ولهـا بيوم الغاضـريّـة موقفٌ |
|
أنسى الزمان ثَبات كلّ غَشَمشَمِ |
حَمَلَـت خطـوباً لو تَحَمّل بعضَها |
|
لانهـارَ كـاهـل يذبلٍ ويَلَملَـمِ |
ورأت مُصابـاً لـو يُلاقي شَجوَها |
|
العَذبُ الفرات كسـاه طعم العَلقمِ |
في الرُزء شاركـت الحسين وبعده |
|
بَقِيـت تـُكافـح كلّ خطبٍ مؤلم |
كانـت لنسوتـه الثـواكل سلـوةً |
|
عُظمـى وللأيتـام أرفـَقَ قـَيّمِ |
ومُصابها فـي الأسـر جَدّد كلّما |
|
كانت تُقاسيـه بعـشـر محـرّمِ |
ودخـول كـوفـانٍ أبـاد فؤادها |
|
لكن دخول الشـام جـاء بأشـأمِ |
لم أنسَ خُطبتهـا التـي قَلَمُ القَضا |
|
في اللوح مثل بيانهـا لم يُـرقـمِ |
نَزلت بها كالنار شـبّ ضـرامها |
|
في السامعين ، من الفؤاد المُضرَمِ |
جاءت بهـا عَلَويّـةً وقعـت على |
|
قلب ابن ميسـونٍ كوقـعِ المِخذَم |
أشقيقـة السبطيـن دونـك مدحةً |
|
قِسّ الفَصاحة مِثلَهـا لم يَنـظمِ |
تمتـاز بالحـق الصـريح لو أنّها |
|
قيسَت بشعر البُحتـري ومسلـمِ |
يَسلو المحبّ بها وتطعـن في حَشا |
|
أعداء أهل البيـت طعـن اللهذم(2) |
بيَميـن إخلاصـي إليك رَفعتُهـا |
|
أرجو خلاصي من عذاب جهنّمِ |
وعليكِ صلـى الله ما رُفعـَت له |
|
أيدي مُحِـلٍّ بالدعـاء ومحـرِمِ |
لقد رَفعَـت عنهـا يد القوم سَجفها |
|
وكان صفيـح الهنـد حاشيـ السَجف(1) |
وقد كان من فـرط الخفارة صوتها |
|
يُغَضُّ فغُضّ اليوم مِـن شـدّة الضَعفِ |
وهاتفةٍ نـاحت علـى فقـد إلفِهـا |
|
كمـا هتفـت بالـدَوح فاقـِدةُ الإلـف |
لقد فَزِعت من هجمـة القوم وُلَّهـاً |
|
إلى ابن أبيها وهو فوق الثـرى مُغفـي |
فنـادت عليه حيـن ألفَتـه عـارياً |
|
على جسمه تسفي صبـا الريح ما تَسفي |
حَملتُ الرزايا ـ قبل يومك ـ كلّها |
|
فما أنقَضَت ظهـري ولا أوهَنـَت كَتفي(2) |
وحائرات أطـارَ القـوم أعينَهـا |
|
رُعباً غداة عليهـا خِدرَها هجموا |
كانت بحيثُ عليهـا قومُها ضربت |
|
سُرادقاً أرضـه مِن عِزّهم حَرَمُ |
يكاد من هيبـةٍ أن لا يطـوف به |
|
حتـى الملائك لـولا أنّهم خَدَمُ |
فغودِرَت بين أيـدي القوم حاسرةً |
|
تُسبى وليس ترى مَن فيه تَعتَصِمُ |
نَعـم لَـوَت جيـدها بالعَتبِ هاتفةً |
|
بقومهـا وحشاهـا مِلـؤُهُ ضَرَمُ |
عَجّت بهم مُذ على أبرادِها اختَلَفت |
|
أيدي العَـدوّ ، ولكن مَن لها بِهِمُ(1) |