ثمرات الاعواد ـ الجزء الثاني 13



المطلب الرابع

في خطبة السجاد زين العابدين عليه السلام بالكوفة

ذكر أرباب المقاتل : إن السجاد زين العابدين عليه السلام خطب خطبة بالكوفة , غير أنهم اختلفوا متى خطبها ؛ فبعضهم يرويها عند دخوله الى الكوفة مع الأسارى , وهو في حالة الأسر يوم الثالث عشر من المحرم , وبعضهم ذكر : إنها كانت بعد الأسر عند رجوعه من الشام الى كربلاء ومنها توجه الى المدينة فكان طريقه على الكوفة وخطب هذه الخطبة .
قال الطبرسي رحمه الله في كتابه الإحتجاج : ثم نزل علي بن الحسين وضرب فسطاطه وأنزل نساءه ودخل الفسطاط , قال : هذا حذيم بن بشير الأسدي , خرج زين العابدين الى الناس , وأموى إليهم ان اسكتوا فسكتوا , وهو قائم فحمد الله وأثنى عليه , وذكر النبي صلى الله عليه واله وسلم فصلى عليه ثم قال :
« أيها الناس من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا اعرفه بنفسي , أنا علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام , أنا ابن من انتهكت حرمته وسلبت نعمته (1) , وانتهب ماله , وسبي عياله , أنا ابن المذبوح بشط الفرات من غير ذحل ولا ترات , أنا ابن من قتل صبراً , وكفى بذلك فخراً , أيها الناس أنشدكم الله هل
(1) وفي نسخة أخرى : وسلب نعيمه , والظاهر وسلبت عمته .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الثاني 14

تعلمون أنكم كتبتم الى أبي وخدعتموه واعطيتموه من أنفسكم العهد والميثاق والبيعة وقاتلتموه , فتبا لما قدمت لأنفسكم وسوأة لرأيكم بأية عين تنظرون الى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم إذ يقول لكم : قتلتم عترتي وانتهكتم حرمتي ؟ فلستم من أمتي » .
قال الراوي : فارتفعت الأصوات من كل ناحية ويقول بعضهم لبعض : هلكتم وما تعلمون .
فقال عليه السلام : « رحم الله امرءاً قبل نصيحتي وحفظ وصيتي , في الله وفي رسوله وأهل بيته , فإن لنا في رسول الله أسوة حسنة » .
فقالوا بأجعمهم : نحن كلنا يابن رسول الله سامعون ومطيعون , حافظون لذمامك غير زاهدين فيك ولا راغبين عنك , فمرنا بأمرك يرحمك الله فإنا حرب لحربك وسلم لسلمك , لنأخذن وترك ووترنا ممن ظلمك ونبرأ منه .
فقال عليه السلام : « هيهات هيهات أيتها الغدرة المكرة , حيل بينكم وبين شهوات أنفسكم , أتريدون أن تأتوا إلي كما أتيتم الى آبائي من قبل ؟ كلا ورب الراقصات فإن الجرح لما يندمل , قتل أبي بالأمس وأهل بيته معه , ولم ينس ثكل رسول الله وثكل أبي وبني أبي ووجده بين لهاتي (1) ومرارته بين حناجري , وحلقي وغصصه تجري في فراشة (2) صدري , ومسئلتي أن تكونوا لا لنا ولا علينا , ثم قال عليه السلام :
لا غرو إن قتل الحسين فشيخة قد كان خير من الحسين وأكرما
فلا تفرحوا يا قوم ما كان بالذي اصيب الحسين كان ذلك أعظما
قتيل بجنب النهر روحي فداؤه جـزاه الـذي أرداه نار جهنما

وفي البحار يروي مرسلاً عن مسلم الجصاص , قال : دعاني ابن زياد لعنه
(1) اللهاة اللحمة التي تكون في أقص الفم .
(2) الفراشة كل رقيق من العظم .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الثاني 15

الله لإصلاح دار الأمارة بالكوفة , فبينا أنا أجصص الأبواب وإذا بالزعقات قد ارتفعت من جنباب الكوفة , فأقبل علي خادم كان معنا , فقلت : مالي أرى الكوفة تضج ؟ قال : الساعة أتوا برأس خارجي خرج على يزيد , فقلت : من هذا الخارجي ؟ فقال : الحسين بن علي , قال : فتركت الخادم حتى خرج , لطمت وجهي حتى خشيت على عيني أن تذهبا , وغسلت يدي من الجص وخرجت من ظهر القصر , وأتيت الى الكناس , فبينا أنا واقف والناس يتوقعون وصول السبايا والرؤوس , وإذا بالمحامل نحو ثمانين شقة تحمل على أربعين جملا فيها الحرم والنساء وأولاد فاطمة الزهراء وإذا بعلي بن الحسين عليه السلام على بعير بغير وطاء وأوداجه تشخب دماً , وهو يبكي ويقول :
يا أمة السوء لا سقياً لربعكم يا أمـة لم تـراع جدنا فـينا
لو أننا ورسول الله يجمعنا يوم القـيامة ما كنـتم تقولونا
تسيرونا على الأقتاب عارية كأنـنا لم نـشيد فيـكم ديـنا
تصـفقون علينا كفكم طربا وأنتم في فجاج الأرض تسبّونا
أليس جدي رسول الله ويلكم أهدى البرية من سبل المضلّينا

والذي عظم على بنات الرسالة وزاد أشجانها وهو إن نساء الأنصار اللاتي ترملن يوم كربلاء وجئ بهن مع عيال الحسين عليه السلام اسارى الى الكوفة تشفعوا فيهن ذوي رحمهن عند ابن زياد (لعنه الله) فأمر بتسريحهن وبقيت بنات رسول الله فوصفها الشاعر بقوله :
لا من بني عدنان يلحضها ندب ولا من هـاشم بـطل
إلا فـتى نـهبت حشاشته كف المصاب وجسمه العلل

وقال الآخر :
ذاب فما في جسـمه مفصل إلا وفـيـه ألـم ثـابـت
رق له الشـامت ممـا بـه ما حال من رق له الشامت
ثمرات الاعواد ـ الجزء الثاني 16



المطلب الخامس

في دخول السبايا على ابن زياد لعنه الله بالكوفة

قال الشيخ المفيد رحمه الله (1): لما وصل رأس الحسين عليه السلام بالكوفة ووصل ابن سعد من غد يوم وصوله , ومعه بنات الحسين عليه السلام وأهله , جلس ابن زياد للناس في قصر الإمارة وأذن للناس إذناً عاماً , وأمر بأحضار الرأس فوضع بين يديه , وجعل ينظر إليه ويتبسم , ودخلت زينب أخت الحسين عليه السلام في جملتهم متنكرة وعليها وعليها أرذل ثيابها .
وفي نفس المهموم عن الطبري والجزري : لبست زينب ابنة فاطمة عليهما السلام أرذل ثيابها وتنكرت وحفّت بها إماؤها فقال : فقال ابن زياد : من هذه التي انحازت ناحية ومعها النساء ؟ وقيل : قال : من هذه المتنكرة ؟ فلم تجبه زينب عليها السلام , فأعادها ثانية وثالثة , فقالت له بعض إمائها : هذه زينب ابنة فاطمة بنت رسول الله . فأقبل عليها ابن زياد لعنه الله وقال : الحمد لله الذي فضحكم وقتلكم وأكذب احدوثتكم . فقالت زينب عليها السلام : الحمد لله الذي أكرمنا بنبيه محمد صلى الله عليه واله وسلم وطهرنا من الرجس تطهيراً , إنما يفتضح الفاسق ويكذب الفاجر وهو غيرنا يابن مرجانة .
وقال في اللهوف : فقال لها ابن زياد : كيف رأيت صنع الله بأخيك الحسين
(1) في ج 2 ص 114 من كتابه الإرشاد .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الثاني 17

وأهل بيتك ؟ فقالت : ما رأيت إلا جميلاً , هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل فبرزوا الى مضاجعهم وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاج وتخاصم فانظر لمن الفلج يومئذ , ثكلتك أمك يابن مرجانة .
قال الراوي : فغضب ابن زياد وهو بها ليضربها , فقال له عمرو بن حريث : إنها امرأة , والمرأة لا تؤاخذ بشيء من منطقها , ولا تذم على خطابها , فقال لها ابن زياد : لقد شفى الله قلبي من طاغيتك الحسين والعصاة المردة من أهل بيتك . فقالت عليها السلام : لعمري لقد قتلت كهلي وقطعت فرعي واجتثثت اصلي , فإن كان هذا شفاؤك فقد اشتفيت . فقال ابن زياد : هذه سجاعة ولعمري لقد كان أبوها شاعراً سجاعاً . فقالت : يابن زياد : ما للمرأة و السجاعة , إن لي عن السجاعة لشغلا (1) وإني لأعجب ممن يشتفي بقتل أئمته وهو يعلم أنهم منتقمون منه في آخرتها .
وتكلمت أم كلثوم بمثل هذا الكلام , وقالت : يابن زياد إن كان قد قرت عينك بقتل الحسين عليه السلام فقد كانت عين رسول الله تقر برؤيته , وكان يقبله ويمص شفتيه ويحمله وأخاه على ظهره فاستعد غداً للجواب .
فقال السجاد لابن زياد : إلى كم تهتك عمتي زينب بين من يعرفها ومن لم يعرفها ؟! فقال ابن زياد : من هذا المتكلم ؟ فقال : أنا علي بن الحسين . فقال : أليس قد قتل الله علي بن الحسين ؟ فقال علي عليه السلام : قد كان لي أخ يقال له علي بن الحسين قتله الناس , فقال : بل الله قتله , فقال علي بن الحسين عليه السلام « الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها » (2) . فقال ابن زياد : لك جرأة على رد جوابي , يا غلمان خذوا هذا العليل واضربوا عنقه .
(1) انظر مقتل الحسين للخوارزمي : 2 / 42 .
(2) سورة الزمر من الآية 42 .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الثاني 18


قال الراوي : فتعلقت به عمته زينب والتفتت الى ابن زياد (لعنه الله) وقالت : حسبك يابن زياد من دمائنا ما سفكت , أترك لنا هذا العليل . فإن أردت قتله فاقتلني قبله , فنظر ابن زياد إليها وإليه ساعة , ثم قال : عجباً للرحم , والله لأظنها ودت أني قتلتها معه , دعوه فإني أراه لما به . فقال السجاد لعمته : اسكتي يا عمة حتى اكلمه , ثم أقبل عليه , وقال له : أبالقتل تهددني يابن زياد ؟ أما علمت أن القتل لنا عادة وكرامتنا من الله الشهادة ؟!
قال الراوي : ثم أمر ابن زياد بعلي ابن الحسين عليه السلام فغل وحمل مع النسوة الى دار كانت الى جنب المسجد الأعظم . فقالت زينب بنت علي : لا تدخل علينا عربية إلا ام ولد أو مملوكة فإنهن سبين كما سبينا .
قال : وأمر ابن زياد (لعنه الله) برأس الحسين عليه السلام فطيف به في سكك الكوفة كلها وقبائلها , قال زيد ابن أرقم (1): مرّوا علي برأس الحسين عليه السلام وهو على الرمح وأنا في غرفة لي , فلما حاذاني سمعته يقرأ هذه الآية «أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا» (2) فوقف والله شعري , وناديت : يابن رسول الله , والله إن أمرك أعجب وأعجب . ولما فرغوا من التجوال به في السكك والطرقات , أمر ابن زياد أن ينصب على خشبة بالصيارفة , وهو أول رأس صلب في الاسلام على خشبة .
قال : فتنحنح الرأس وقرأ سورة الكهف الى قوله تعالى : «آمنوا بربهم وزدناهم هدى» (3) .
(1) زيد بن أرقم الأنصاري من أهل بيعة الرضوان .
(2) سورة الكهف 9 .
(3) سورة الكهف من الآية 13.
ثمرات الاعواد ـ الجزء الثاني 19


وعن سلمة بن كهيل , قال : سمعت رأس الحسين عليه السلام وهو على الرمح يقرأ هذه الآية : «فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم» (1).
وتارة يسمعونه يقرأ هذه الآية : «وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون » (2) .
وعن الحارث بن وكيدة , قال : كنت فيمن حمل رأس الحسين عليه السلام , فسمعته يقرأ سورة الكهف , فجعلت أشك في نفسي وأنا أسمع نغمة صوت أبي عبدالله عليه السلام : « يابن وكيدة أما علمت أنا معاشر الأئمة أحياء عند ربنا نرزق ؟! » قال ابن وكيدة : فقلت في نفسي : أسرق رأسه الشريف , فناداني : « يابن وكيدة ليس لك الى ذلك سبيل , إن سفكهم دمي أعظم عند الله من تسييرهم إياي «فذرهم فسوف يعلمون إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون » (3)
ألم تعه يـتلوا الكتاب ونوره يشق ظلام الليل والليل مسدف
رأس ابن بنت محمد ووصيه للناظريـن عـلى قنـاة يرفع
والمسلـمون بمنظر وبمسمع لا منـكر مـنهم ولا متفجـع
كحلت بمنظرك العيون عماية واصم رزؤك كل اذن تسـمع
(1) سورة البقرة من الآية 137 .
(2) سورة الشعراء من الآية 227 .
(3) سورة غافر : 71 .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الثاني 20



المطلب السادس

في خطبة ابن زياد بالجامع وجواب عبدالله بن عفيف له
ومقتل عبدالله رحمه الله

قال أرباب المقاتل والسير : لما قتل الحسين عليه السلام أظهر ابن زياد الفرح والشماتة بقتله , وأمر مناديه أن ينادي الصلاة جامعة , فاجتمع الناس في المسجد الأعظم وصعد هو على المنبر وقد لاح الفرح والسرور في وجهه المشوم , فخطب , وقال في خطبته : الحمدلله الذي أظهر الحق وأهله ونصر أمير المؤمنين وأشياعه , وقتل الكذاب ابن الكذاب .
قال الراوي : فما زاد على هذا الكلام شيئا حتى قام إليه عبدالله بن عفيف الأزدي , وكان من خيار الشيعة وزهادها , وكانت عينه اليسرى قد ذهبت يوم الجمل والاخرى يوم صفين , وكان يلازم مسجد الأعظم يصلى فيه إلى الليل , فقال : يا ابن زياد الكذاب وابن الكذاب أنت وأبوك , ومن استعملك وأبوه , يا عدو الله اتقتلون أبناء النبيين , وتتكلمون بهذا الكلام على منابر المسلمين ؟!
قال الراوي : فغضب ابن زياد , وقال : من هذا المتكلم ؟ فقال أنا المتكلم يا عدو الله , أتقتل الذرية الطاهرة التي أذهب الله عنهم الرجس وتزعم أنك على دين الإسلام ؟! يا غوثاه أين أولاد المهاجرين والأنصار لينتقموا من طاغيتك اللعين ابن
ثمرات الاعواد ـ الجزء الثاني 21

اللعين على لسان رسول رب العالمين .
قال الراوي : فازداد غضب ابن زياد حتى انتفخت أوداجه , وقال : علي به , فتبادرت إليه الجلاوزة من كل ناحية ليأخذوه , فقام الأشراف من الأزد من بني عمه فخلصوه من أيدي الجلاوزة واخرجوه من باب المسجد وانطلقوا به الى منزله , فقال ابن زياد : اذهبوا الى هذا الأعمى , أعمى الأزد أعمى الله قلبه كما أعمى عينية فأتوني به ,
قال : فانطلقوا إليه فلما بلغ ذلك الأزد اجتمعوا واجتمعت معهم قبائل اليمن ليمنعوا صاحبهم .
قال :و بلغ ذلك ابن زياد فجمع قبائل مضر وضمهم الى محمد بن الأشعث وأمره بقتال القوم .
قال الراوي : ووصل أصحاب ابن زياد إلى دار عبدالله بن عفيف فكسروا الباب واقتحموا عليه فصاحت بنته : يا أبه لقد أتاك القوم من حيث تحذر , فقال : لا عليك , ناوليني سيفي , فناولته إياه فجعل يذب عن نفسه وهو يقول :
أنا ابن ذي الفضل عفيف الطاهر عفيف شيخي وابن ام عامر
كم دارع مـن جــمعكم وحاسر وبطـل قـد جدلـته مغادر

قال : وجعلت ابنته تقول : يا أبه ليتني كنت رجلاً اخاصم بين يديك هؤلاء الفجرة , قاتلي العترة البررة .
قال : وجعل القوم يدورون عليه من كل جهه وهو يذب عن نفسه فلم يقدر عليه أحد , وكلما جاؤوه من جهة صاحت ابنته يا أبه جاؤوك من جهة كذا , حتى تكاثروا عليه وأحاطوا به , فقالت ابنته : وا ذلاه يحاط بأبي وليس له ناصر يستعين به , فجعل يدير سيفه ويقول :
أقسم لو يفتح لي عن بصري ضاق عليكم موردي وصدري
ثمرات الاعواد ـ الجزء الثاني 22


قال الراوي : فما زالوا به حتى أخذوه , وادخل على ابن زياد , فلما رآه قال : الحمدلله الذي أخزاك , فقال له عبدالله بن عفيف : يا عدو الله وبماذا أخزاني الله , والله لو فرج لي عن بصري , ضاق عليكم موردي ومصدري , فقال ابن زياد : يا عدو الله ما تقول في عثمان بن عفان ؟فقال: ياعبد بني علاج يابن مرجانة،ـ وشتمه ـ ماأنت وعثمان بن عفان؟ أساء أو أحسن و أصلح أو أفسد , والله تبارك وتعالى ولي خلقه يقضي بينهم وبين عثمان بالعدل والحق , ولكن سلني عن أبيك وعنك وعن يزيد وأبيه . فقال ابن زياد : والله لا سألتك عن شيء أو تذوق الموت غصة بعد غصة . فقال : عبدالله بن عفيف : الحمدلله رب العالمين , أما إني قد كنت أسأل ربي أن يرزقني الشهادة من قبل أن تلدك امك , وسألت الله أن يجعل ذلك على يد ألعن خلقه وأبغضهم إليه , فلما كف بصري يئست من الشهادة والآن الحمد لله الذي رزقنيها بعد اليأس منها , وعرفني الإجابة في قديم دعائي , فقال ابن زياد : اضربوا عنقه , فضربت عنقه وصلب في السبخة .
أقول : يا لها من سعادة , لئن لم يرزق الشهادة بين يدي سيده الحسين فقد رزقها بعده وقتل على محبة الحسين عليه السلام وأبيه , غير إن المصيبة على ابنته كانت نتظر إليه بالدار وقد أحاطوا به يريدون أخذه كما نظرت سكينة أباها الحسين عليه السلام يوم عاشوراء وقد أحاط به القوم ضرباًَ بالسيوف , وطعناً بالرماح , رمياً بالسهام , ورضخاً بالحجارة , قال الشيبي :
فوجهوا نحوه في الحرب أربعة السهم والسيف والخطي والحجرا
ثمرات الاعواد ـ الجزء الثاني 23



المطلب السابع

في إرسال الرؤوس والسبايا الى الشام

قال المفيد رحمه الله (1): بعث عبيدالله ابن زياد برأس الحسين عليه السلام فدير في سكك الكوفة وقبائلها , ولما فرغ القوم من الطوائف به في الكوفة , ردوه الى باب القصر فدفعه ابن زياد الى زجر بن القيس (2) ودفع إليه رؤوس أصحابه وسرحه الى يزيد ابن معاوية وأنفذ معه أبا بردة بن عوف الأزدي , وطارق بن أبي ضبيان في جماعة من أهل الكوفة حتى وردوا بها على يزيد ابن معاوية بدمشق , ثم إن عبيدالله بن زياد بعد أنفاذه رأس الحسين عليه السلام أمر بنسائه وصبيانه فجهزوا وأمر بعلي بن الحسين عليه السلام فغل بغل الى عنفه , ثم سرح في أثر الرؤوس مع محقر ابن ثعلبة العايد , وشمر بن ذي الجوشن , فانطلقوا بهم حتى لحقوا بالقوم الذين معهم الرأس الشريف .
قال الراوي : ولما ساروا بالسبايا وقد أخذوا جانب الفرات حتى إذا وردوا الى المنزل وكان منزلاً خرباً فوجدوا هناك مكتوباً على الجدار :
أترجوا أمة قتلت حسينا شـفاعـة جده يوم الـحساب
فلا والله ليس لهم شفيع وهو في يوم القيامة في العذاب
(1) في ج 2 ص 117 في كتابه الإرشاد .
(2) ذكر بعضهم زحر بن قيس الحاء المهملة .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الثاني 24


ففزعوا وارتاعوا ورحلوا من ذلك المنزل , وجعلوا يجدون السير الى ان وافوا ديراً في الطريق , وفيه راهب , فنزلوا ليقيلوا به فوجدوا أيضاً مكتوباً على جدرانه أترجوا امة قتلت حسينا إلى آخره , فسألوا الراهب عمن كتب هذا الشعر ؟ فقال : هذا ههنا من قبل أن يبعث نبيكم بخمسمائة عام ,ففزعوا من ذلك ورحلوا عن غير الجادة متنكبين طريق العام خوفاً من قبائل العرب أن يخرجوا عليهم ويأخذوا الرأس منهم .
وكلما مروا على حي من الأحياء طلبوا منهم العلوفة ويقولون معنا رأس خارجي , فلما وصلوا الى تكريت (1) كتبوا الى عامليها بأن يستقبلهم , فلما وصل الكتاب إليه فأمر بالبوقات فضربت والأعلام فنشرت والمدينة فزينت , ودعنى الناس من كل جانب ومكان من جميع القبائل , فخرجوا لاستقبالهم , وكان كل من سألهم يقولون : هذا رأس خارجي خرج علينا بأرض العراق في أرض يقال لها كربلاء , فقتله الأمير عبيدالله بن زياد (لعنه الله) وأنفذ برأسه معنا الى الشام . ثم رحلوا من تكريت وسارواعلى طريق البر حتى نزلوا بوادي النخلة , فلما كان الليل سمعوا بكاء نساء الجن على الحسين عليه السلام وهو يقلن
نسـاء الـجن يبـكين شجيات يسعدن بـنوح للـنساء الهاشميات
ويلطموا خدوداً كالدنانير نقيات ويندبن حسيناً عظمت تلك الرزيات

ثم رحلوا من وادي النخلة وساروا حتى وصلوا الى لينا (2) وكانت عامرة بالناس فخرجت المخدرات والكهول والشباب ينظرون الى رأس الحسين عليه السلام
(1) تكريت بلدة مشهورة بين بغداد والموصل , وهي الى بغداد أقرب , قيل سميت بتكريت بنت وائل , فتحها المسلمون في أيام عمر ابن الخطاب سنة 16 هـ .
(2) لينا , قال ياقوت : أكبر قرية من كورة بين النهرين التي بين الموصل ونصيبين .

السابق السابق الفهرس التالي التالي