ثمرات الاعواد ـ الجزء الثاني 25

ويصلون عليه وعلى جده وأبيه , ويلعنون من قتله ويقولون : يا قتلة أولاد الأنبياء اخرجوا من بلدنا , فخرجوا منها واجتازوها يجدون السير حتى وافوا عسقلان (1) وأمر أميرها فزينوها فرحاً وسروراً بقتل الحسين عليه السلام , ثم ساروا منها حتى وصلوا نصيبين (2) وكان الوالي عليها منصور بن الياس فزين البلدة , ونصبوا الرؤوس في الرحبة من الظهر الى العصر .
قال الراوي : وبات حاملي الرؤوس فيها تلك الليلة حتى الصباح ثم رحلوا منها الى قنسرين (3) وكانت عامرة بأهلها ثم غادروها جادين بالسير حتى وافوا كفر طاب (4) وكان حصناً صغيراً فلم يدخلوه لأن أهل الحصن منعوهم وسألوهم الماء فلم يسقوهم فرحلوا عنها وأتوا سيبور (5) ففعلوا كما فعل أهل كفر طاب وعمدوا الى قنطرة كانت قرب بلدهم فهدموها لأن لا يدخلها قتلة الحسين عليه السلام .
قال الراوي : وشهروا السلاح عليهم فقال لهم خولي : إليكم عنا , فحملوا عليه وعلى أصحابه وقاتلوهم قتالاً شديداً , فلما نظرت ام كلثوم ذلك قالت : ما
(1) عسقلان مدينة حسنة على ساحل بحر الشام من أعمال فلسطين يقال لها عروس الشام , ولها سوران , وهي ذات بساتين وثمار , بها مشهد رأس الحسين عليه السلام وهو مشهد عظيم وفيه ضريح الرأس والناس يتبركون به , بنيت في أيام عمر بن الخطاب وخربها السلطان صلاح الدين الأيوبي سنة 583 .
(2) نصيبين قرية من قرى حلب .
(3) قنسرين مدينة بينها وبين حلب مرحلة من جهة حمص بقرب بالعواصم وكانت عامرة بأهلها إلى أن كانت سنة 351 تفرق عنها أهلها خوفاً من الروم . قال ياقوت : فليس بها اليوم إلا 8 خان ينزله القوافل , وعشار السلطان وفريضة صغيرة .
(4) كفر طاب بلدة بين المعرة ومدينة حلب في برية معطشة ليس لهم شرب إلا ما يجمعونه من مياه الأمطار .
(5) سيبور موضع معروف .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الثاني 26

اسم هذه المدينة ؟ فقيل لها : سيبور , فقالت : أعذب الله شرابهم وأرخص أسعارهم ورفع أيدي الظلمة عنهم .
قال الراوي : فلو إن الدنيا كلها ظلماً وجوراً لما نالهم إلا قسط عدل , ثم ساروا الى أن وصلوا حماة (1) فغلق أهلها الأبواب في وجوههم وصعدوا على سورها , وقالوا : والله لا تدخلون بلدتنا ولو قتلنا عن آخرنا , فلما سمعوا ذلك ارتحلوا منها فوصلوا الى حمص (2) وكان الأمير خالد بن نشيط , فزين البلدة فرحاً وسروراً . .
قال الراوي : ووقعت حادثة بين أهل حمص وبين حاملي الرؤوس , فجعل أهل حمص يرمونهم بالحجارة حتى قتل في ذلك اليوم ستة وعشرون فارساً , ثم أغلقوا الباب في وجوههم , فقال بعضهم : يا قوم أكفر بعد إيمان , فخرجوا وتحالفوا أن يقتلوا خولي بن يزيد ويأخذوا منه الرأس ليكون فخر لهم الى يوم القيامة , فبلغهم ذلك فرحلوا عنهم خائفين وأتوا بعلبك (3) فأظهر أهلها الفرح
(1) حماة بالفتح مدينة كبيرة عظيمة كثيرة الخيرات رخيصة الأسعار وهي قديمة جاهلية ذكرها امرؤ القيس في شعره , كانت عمل حمص . (2) حمص بلد مشهور قديم مسور وفي طرفه القبلى قلعة حصينة على تل عال كبيرة , وهي بين دمشق وحلب في نصف الطريق , يذكر ويؤنث , وبحمص من المزارات والمشاهد : مشهد علي بن أبي طالب عليه السلام فيه موضع إصبعه , وقبر سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم واسم سفينة مهران ـ ويقال بها قبر قنبر مولى علي بن أبي طالب عليه السلام , ويقال أن قنبر قتله الحجاج وقتل إبنه ميثماً التمار بالكوفة , (أما قبر ميثم فهو الآن مشيد يزار بالكوفة ) وبحمص قبور لأولاد جعفر بن أبي طالب عليه السلام إلى غير ذلك من المشاهد .
(3) بعلبك مدينة قديمة فيها أبنية عجيبة وآثار عظيمة , وهو اسم مركب من بعل ا سم صنم وبك أصله عنقه أي دقها , وتباك القوم أي ازدحموا , قيل بعلبك كانت مهر بلقيس وبها قصر سليمان بن داود عليه السلام وهو مبني على أساطين الرخام , وبها قبر إلياس النبي عليه السلام وبقلعتها مقام إبراهيم الخليل عليه السلام وبها قبر أسباط .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الثاني 27

والسرور واستقبلوا حاملي الرؤوس بالماء والفقاع والسويق والسكر , وهم يغنون ويصفقون له فرحين بقتل الحسين عليه السلام , فلما نظر السجاد إلى ذلك أنشأ يقول :
هو الزمان فلا تفـنى عجائبه عن الكرام ولا تـفنى مصائبه
فليت شعري إلى كم ذا تجاذبنا صروفه وإلـى كـم ذا نجاذبه
يسيرونا على الأقـتاب عارية وسائق العيس يحمي عنه غاربه
كأننا من اسارى الـروم بينهم أو كلمـا قـاله الـمختار كاذبه

وقال الآخر :
فمن بلدة تسبى إلى شر بلدة ومن ظالم تهدي إلى شر ظالم (1)

(1) وهو المرحوم السيد صالح بن السيد مهدي القزويني البغدادي طاب ثراه المتوفى سنة 1306 والبيت من قصيدة ممتعة مطلعها :
طريق المعالي في شدوق الأراقم ونيل الأماني في بروق الصوارم
ثمرات الاعواد ـ الجزء الثاني 28



المطلب الثامن

في وصول السبايا والرؤوس إلى دمشق الشام

قال أرباب المقاتل في الحوادث التي جرت في طريق الشام على السبايا منها أنهم لما وصلوا الى جبل جوشن (1) بالسبي أسقطت زوجة الحسين عليه السلام ولداً كانت قد سمته محسنا , فدفنوه هناك , ولما وصلوا الى دمشق الشام وكان اليوم الأول من شهر صفر , ذكر البهائي في كتابه الكامل , قال : وأوقفوا أهل الشام الدفوف والطبول , فلما بلغ السبي جيرون (2) كان يزيد على سطح قصره فلاحت له الرؤوس والسبايا أنشأ قائلاً :
لما بدت تلك الـرؤوس وأشرقت تلك الشموس على ربى جيرون
نعب الغراب فقلت نح أو لا تنح فلقد قـضيت من النـبي ديون
(1) جوشن جبل مطل على حلب في غربها , وفي سفحه مقابر ومشاهد للشيعة . هكذا ذكر ياقوت في المعجم , قال : ومنه كان يحمل النحاس الأحمر وهو معدنه , ويقال إنه بطل منذ عبر عليه سبي الحسين بن علي رضي الله عنه ونساءه وكانت زوجة الحسين حاملاً , فأسقطت هناك , فطلبت من الصناع خبزاً أو ماء فشتموها ومنعوها , فدعت عليهم فمن ذلك اليوم من عمل فيه لا يربح , وذكرت هناك الخبر في كتابي ـ الدعوات المستجابة ـ وفي قبلى الجبل مشهد يعرف بمشهد السقط ويسمى مشهد الدكة والسقط يسمى محسن بن الحسين رضي الله عنه . (2) جيرون بناء عند باب دمشق من بناء سليمان بن داود عليه السلام , وقيل : إن من بنى دمشق جيرون بن عاد بن أروم بن سام بن نوح , وبه سمي باب جيرون , وقال أبو عبيدة : جيرون عمود عليه صومعة , «معجم البلدان» .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الثاني 29


و في البحار (1)قال السيد رحمه الله , فلما قربوا من دمشق الشام دنت ام كلثوم من الشمر , فقالت له : لي إليك حاجة , فقال لها : ما حاجتك ؟ فقالت : إذا دخلت بنا البلد فاحملنا في درب قليل نظاره , وتقدم إليهم أن يخرجوا هذه الرؤوس من بين المحامل فقد خزينا من كثرة النظر إلينا , ونحن في هذه الحالة , فأمر اللعين في جواب سؤالها بالعكس أن تجعل الرؤوس على الرماح ما بين المحامل بغياً منه وكفراً , وسلك بهم بين النظارة على تلك الصفقة , حتى أتى بهم باب دمشق فوقفوا على درج المسجد ـ الجامع ـ حيث يقام السبي.
قال سهل الساعدي (2) : دخلت الشام فرأيت الأسواق معطلة والدكاكين مقفلة والناس في فرح وسرور , فقلت في نفسي : الأهل الشام عيد لا أعرفه ؟ قال : فرأيت جماعة يتحدثون , فقلت : مالي أرى الناس في فرح وسرور ؟ فقالوا : كأنك غريب ؟ قلت : نعم , فقالوا : ما أعجبك أن السماء لا تمطر دماً والأرض لا تنخسف بأهلها ؟! قلت : ولم ذاك ؟ قالوا : هذا رأس الحسين عليه السلام يهدى من العراق . فقلت : وا عجباه يهدى رأس الحسين والناس يفرحون , ثم قلت لهم : من أي باب يدخل ؟ فأشاروا الى باب يقال له باب الساعات .
قال : فبينا أنا كذلك وإذا بالرايات يتلوا بعضها بعضها وإذا نحن بفارس يحمل سناناً عليه رأس من أشبه الناس وجها برسول الله صلى الله عليه واله وسلم ومن خلفه النساء على الجمال بغير غطاء ووطاء , فدنوت من إحدى النساء , وقلت لها : يا جارية من أنت ؟ فقالت : أنا سكينة ابنة الحسين عليه السلام . فقلت لها : ألك حاجة فأقضيها سيدتي ؟ أنا سهل الساعدي ممن رأى جدك رسول الله وسمع حديثه . قالت : يا سهل , قل لحامل هذا الرأس أن يقدم الرؤوس أمامنا حتى يشغل الناس بالنظر إليها
(1) انظر ج 45 ص 172 .
(2) سهل بن سعد الساعدي : كان من جملة الصحابة , من الحفاظ وكان آخر من مات بالمدينة من الصحابة رحمه الله .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الثاني 30


قال : فدنوت من حامل الرأس فقلت له : هل لك أن تقضي حاجتي وتأخذ مني أربعمائة دينار ؟ قال : وما هي ؟ قلت : تقدم الرأس أمام المحامل ففعل ذلك , ودفعت إليه ما وعدته .
قال الراوي : وجاء شيخ الى السجاد عليه السلام وقال : الحمد لله الذي قتلكم وأهلككم وأراح البلاد منكم وأمكن أمير المؤمنين يزيد منكم , فقال علي بن الحسين عليه السلام : يا شيخ هل قرأت القرآن ؟ قال : نعم , فقال عليه السلام : هل قرأت هذه الآية ««قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى »» ؟ قال الشيخ : قد قرأت ذلك , قال عليه السلام : فنحن ذوالقربى , فهل قرأت هذه الآية «إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً» ؟ قال الشيخ : قد قرأت ذلك , فقال السجاد عليه السلام , نحن أهل البيت الذي خصصنا بآية التطهير , فبقى الشيخ ساكتاً نادماً على ما تكلم به , ثم قال : بالله إنكم هم ؟ فقال علي بن الحسين عليه السلام : تالله أنا هم , فبكى الشيخ ورمى عمامته ورفع رأسه الى السماء وقال : اللهم إني أبرء إليك من عدو آل محمد من الجن والإنس . ثم قال : سيدي هل لي من توبة ؟ فقال علي السجاد عليه السلام : نعم إن تبت تاب الله عليك , وأنت معنا , قال : أنا تائب , ويروى أنه بلغ ذلك يزيد فأمر بقتله .
قال الراوي : وأنشأ السجاد عليه السلام يقول :
اقاد ذلـيلا في دمـشق كـأنني من الزنج عبد غاب عنه نصير
وجدي رسول الله في كل مشهد وشيخي أمير المؤمـنين أمـير
فياليتني أمي لم تلدني ولم أكن يراني يزيد فـي الـبلاد أسير

وقال الشاعر :
مالي أراك ودمع عيـني جامد أوما سـمعت بمحنة السجاد
ويصيح وا ذلاه أين عشيرتي وسراة قومي أين أهل ودادي
منهم خلت تلك الديار وبعدهم نعب الغـراب بفرقتي وبعاد
ثمرات الاعواد ـ الجزء الثاني 31



المطلب التاسع

في دخول السبايا والسجاد والرأس الشريف على يزيد

روى المجلسي رحمه الله (1) في البحار قال : ادخلوا السبايا على يزيد , وكان يزيد جالساً على السرير , وعلى رأسه تاج مكلل بالدرر والياقوت , وحوله كثير من مشايخ قريش , فلما دخل حامل الرأس أنشأ يقول :
أوقر ركابي فضة أو ذهبا إني قـتلت السيد المحجبا
قتلت خير الناس اماً وأبا وخيرهم إذ ينسبون النسبا

وذكر المفيد (2), وابن نما (3), روي عن عبدالله بن ربيع الحميري , قال : أنا لعند يزيد بن معاوية بدمشق , إذ أقبل زجر بن قيس حتى دخل عليه , فقال له يزيد : ويلك ما وراءك وما عندك ؟ قال : أبشر يا أمير المؤمنين بفتح الله ونصره , ورد علينا الحسين بن علي في ثمانية عشر من أهل بيته وستين من شيعته فسرنا إليهم فسألناهم أن يستسلموا , أو ينزلوا على حكم الأمير عبيدالله , أو القتال فاختاروا القتال على الإستسلام , فغدونا عليهم مع شروق الشمس وأحطنا بهم من
(1) انظر ج 45 ص 128 .
(2) في ج 2 ص 118 من إرشاده .
(3) في ص 98 من كتابه مثير الأحزان .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الثاني 32

كل ناحية , حتى إذا أخذت السيوف مأخذها من القوم جعلوا يهربون إلى غير وزر ويلوذون منا بالآكام والحفر لوذاًكما لاذ الحمام من الصقر , فوالله يا أمير المؤمنين , ما كان إلا جزرة جزور أو نومة قائل , حتى أتينا على آخرهم , فهاتيك أجسادهم مجردة وثيابهم مرملة , وخدودهم معفرة , وتصهرهم الشمس وتسفي عليهم الرياح زوارهم الرخم والعقبان , فأطرق يزيد هنيئة ,ثم رفع رأسه، وقال:قد كنت ارضى من طاعتكم بدون قتل الحسين ، اما اني لو كنت صاحبه لعفوت عنه .
وعن ربيعة بن عمرو الجرشي : قال : وكنت أنا عند يزيد إذ سمعت صوت مخفر يقول : هذا مخفر بن ثعلبة أتى باللئام الفجرة , فأجابه مجيب : ما ولدت أم مخفر شر والأم منه .
قال السيد رحمه الله (1): ادخل ثقل الحسين عليه السلام ونساءه ومن تخلف من أهله على يزيد وهم مقرنون بالحبال , فلما وقفوا بين يديه وهم على تلك الحالة , قال له علي بن الحسين عليه السلام : أنشدك الله يا يزيد ما ظنك برسول الله صلى الله عليه واله وسلم ولو يرانا على هذه الحالة ؟
قال : فأمر يزيد (لعنه الله) بالحبال فقطعت , ثم وضع رأس الحسين عليه السلام بين يديه وأجلس النساء خلفه لأن لا ينظرون إليه .
قالت فاطمة ابنة الحسين عليه السلام : وقام شامي أحمر , والتفت إلى يزيد وقال له : يا أمير هب لي هذه الجارية تكون خادمة لي , يعنيني بذلك , فأرعدت وظننت إن ذلك جايز لهم , فأخذت بثياب عمتي زينب , وقلت لها : عمة اوتمت على صغر سني واستخدم لأهل الشام ؟! وكانت تعلم إن ذلك لا يكون , فقالت له عمتي : ما كان ذلك لك ولا لأميرك . فقال يزيد : كذبت والله إن ذلك لي لو شئت أن أفعل
(1) ابن طاووس رحمه الله في ص 213 من كتابه الملهوف على قتلى الطفوف .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الثاني 33

لفعلت . قالت : كلا ما جعل الله لك ذلك إلا أن تخرج عن ملتنا وتدين بغير ديننا , فاستطار يزيد غضباً , وقال : تستقبليني بهذا الكلام , إنما خرج عن الدين أبوك وأخوك , قالت زينب عليها السلام : بدين الله وبدين جدي وأبي اهتديت أنت وأبوك إن كنت مسلماً . قال : كذبت يا عدوة الله , قالت عليها السلام له : أنت أمير تشتم ظالما , وتقهر بسلطانك , فكأنه استحى وسكت , فأعاد الشامي مقالته , هب لي هذه الجارية . فقال له يزيد : اعرب عن هذا وهب الله لك حتفاً قاضياً (1) , ثم إن يزيد جعل ينكث ثنايا الحسين عليه السلام وهو يقول :
نفلق هاماً من رجال أعزة علينا وهم كانوا أعق وأظلما
(1) انظر تاريخ الطبري : 4 / 353 .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الثاني 34



المطلب العاشر

في خطبة العقيلة زينب عليها السلام في مجلس يزيد

لما جيء بالسبايا والرؤوس الى يزيد (لعنه الله) جعل ينكث ثنايا الحسين عليه السلام بقضيب الخيزران (1) , وهو يتمثل بأبيات بن الزبعري , وزاد عليها قائلاً :
ليت أشياخي ببـدر شهدوا جزع الخزرج من وقع الأسل
لأهلوا واستـهلوا فــرحاً ثم قالوا يـا يـزيد لا تـشل
لعبت هاشم بالــملك فـلا خبر جـاء ولا وحـي نـزل
قد قتلنا القرم مـن ساداتهم وعدلـنا مـيل بـدر فاعتدل
وأخذنا مـن علــي ثارنا وقتلنا الـفارس الـشهم البطل
لست من خندف إن لم أنتقم من بني أحـمد مـا كان فعل

قال السيد رحمه الله (2) وغيره : فقامت زينب بنت علي بن أبي طالب عليهما السلام , وقالت : « الحمدلله رب العالمين وصلى الله على رسوله واله أجمعين , صدق الله
(1) انظر تأريخ الطبري : 4 / 356 , وتذكرة الخواص : 290 , ومقتل الحسين للخوارزمي : 2/ 57 , والفصول المهمة : 194 .
(2) في ص 215 من كتابه الملهوف على قتلى الطفوف .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الثاني 35

سبحانه حيث يقول :« ثم كان عاقبة الذين أساؤا السوءى أن كذبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزئون » (1) أظننت يا يزيد حيث اخذت عيلنا أقطار الأرض وآفاق السماء فأصبحنا نساق كما تساق الإماء أن بنا على الله هوانا وبك عليه كرامة , وإن ذلك لعظم خطرك عنده , فشمخت بأنفك ونظرت في عطفك , جذلان مسروراً حين رأيت الدنيا لك مستوسقة والامور متسقة وحين صفا لك ملكنا وسلطاننا , فمهلا مهلا لا تطش جهلا , أنسيت قول الله تعالى «ولا يحسبن الذين كفروا انما نملي لهم خيرا لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين » (2) أمن العدل يابن الطلقاء , تخديرك حرائرك وإماءك وسوقك بنات رسول الله سبايا , قد هتكت ستورهن , وأبديت وجوهن وصحلت أصواتهن , تحدوا بهن الأعداء من بلد الى بلد , ويستشرفهن أهل المناهل والمناقل , ويتصفح وجوههن القريب والبعيد , والشريف والدني ليس معهن من رجالهن ولي , ولا من حماتهن حمي , وكيف ترتجى مراقبة من لفظ فوه أكباد الأزكياء , ونبت لحمه من دماء الشهداء , وكيف يستبطأ في بعضنا أهل البيت من نظر إلينا بالشنف والشنآن والإحن والأضغان , ثم تقول غير متأثم ولا مستعظم , داعياً بأشياخك : ليت أشياخي ببدر شهدوا , منحنياً على ثنايا أبي عبدالله الحسين سيد شباب أهل الجنة , تنكتها بمخصرتك , وكيف لا تقول ذلك وقد نكأت القرحة , واستأصلت الشأفة بإراقتك دماء ذرية محمد صلى الله عليه واله وسلم ونجوم الأرض من آل عبدالمطلب , أتهتف بأشياخك زعمت أنك تناديهم , فلتردن وشيكا موردهم ولتودن انك شللت وبكمت ولم تكن قلت ما قلت وفعلت ما فعلت , اللهم خذ لنا بحقنا , وانتقم ممن ظلمنا , واحلل غضبك بمن
(1) سورة الروم 10 .
(2) سورة آل عمران 178 .
ثمرات الاعواد ـ الجزء الثاني 36

سفك دمائنا , وقتل حماتنا , فوالله يا يزيد ما فريت إلا جلدك , ولا حززت إلا لحمك , ولتردن على رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بما تحملت بسفك دماء ذريته , وانتهكت من حرمته , في عترته ولحمته , حيث يجمع الله شملهم ويلم شعثهم ويأخذ بحقهم «ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون » (1) وحسبك بالله حاكما وبمحمد خصيما , وبجبريل ظهيراً , وسيعلم من سول لك ومكنك من رقاب المسلمين بئس للظالمين بدلا , وأيكم شر مكاناً وأضعف جندا يزيد , ولئن جرت علي الدواهي مخاطبتك , إني لأستصغر قدرتك , واستعظم تقريعك واستكثر توبيخك , لكن العيون عبرى , والصدور حرى , إلا فالعجب كل العجب , لقتل حزب الله النجباء بحزب الشيطان الطلقاء , فهذه الأيدي تنطف من دمائنا والأفواه تتحلب من لحومنا وتلك الجثث الطواهر الزواكي , تنتابها العواسل , تعفرها امهات الفراعل , ولأن اتخذتنا مغنماً , ولتجدن وشيكاً مغرما , حين لا تجد إلا ما قدمت يداك , وما ربك بظلام للعبيد , فإلى الله المشتكى , وعليه المعول , فكد كيدك واسع سعيك , وناصب جهدك فوالله لا تمحوا ذكرنا ولا تميت وحينا , ولا تدرك أمدنا , ولا ترحض عنك عارها وهل رأيك إلا فند , وأيامك إلا عدد , وجمعك إلا بدد , يوم ينادي منادي ألا لعنة الله على الظالمين , فالحمدلله الذي ختم لأولنا بالسعادة والمغفرة , ولآخرنا بالشهادة والرحمة , ونسأل الله تعالى أن يكمل لهم الثواب , ويوجب لهم المزيد , ويحسن علينا الخلافة , إنه رحيم ودود , وحسبنا الله ونعم الوكيل »
(1) سورة آل عمران 169.
ثمرات الاعواد ـ الجزء الثاني 37

فقال يزيد في جوابها (1) :
يا صيحة تحمد من صوائح ما أهون النوح على النوائح

قال الشاعر :
وأعظم ما يشجي الغيور دخولها الى مجلس ما بارح اللهو والخمرا
يقـارضهـا فـيـه يزيد مسبة ويصرف عنها وجهه معرضا كبرا (2)
(1) كما في ج 2 ص 66 من كتاب مقتل الحسين للخوارزمي .
(2) من قصيدة عامرة للشاعر المحلق الشيخ محمد كمونة المتوفى سنة 1282 هـ استهلها بقوله :
عرا فاستمر الخطب واستوعب الدهرا مصاب أهاج الكرب واستأصل الصبرا

السابق السابق الفهرس التالي التالي