المجالس السنية ـ الجزء الخامس 644

المجلس الثالث

قال المفيد عليه الرحمة كان الامام بعد أبي جعفر الجواد ابنه أبو الحسن علي بن محمد الهادي لاجتماع خصال الامامة فيه وتكامل فضله وانه لا وارث لمقام ابيه سواه وثبوت النص عليه بالامامة والاشارة اليه من ابيه بالخلافة (فمن) النصوص على امامته (ما رواه الكليني) بسنده عن اسماعيل بن مهران قال لما استدعى المعتصم ابا جعفر من المدينة الى بغداد قلت له جعلت فداك انت خارج فألى من الامر من بعدك فبكى حتى اخضلت لحيته ثم التفت اليّ فقال الامر من بعدي الى ابني علي (وما رواه الصدوق) في اكمال الدين بسنده عن ابي جعفر محمد بن علي الرضا عليه السلام انه قال ان الامام بعدي ابني علي امره امري وقوله قولي وطاعته طاعتي والامامة بعده في ابنه الحسن (وروى) الحميري انه قيل لأبي جعفر عليه السلام ان حدث بك واعوذ بالله حادث فالى من قال الى ابني هذا يعني ابا الحسن عليه السلام (الحديث) الى غير ذلك من النصوص الكثيرة التي يضيق عنها المقام .
(وفي اعلام الورى) مسنداً عن محمد بن الحسن الأشتر العلوي قال كنت مع ابي على باب المتوكل وانا صبي في جمع من الناس ما بين طالبي الى عباسي وجعفري ونحن وقوف اذ جاء ابو الحسن

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 645

فترجل الناس كلهم حتى دخل فقال بعضهم لبعض لم نترجل لهذا الغلام وما هو بأشرفنا ولا باكبرنا سناً والله لا ترجلنا له فقال ابو هاشم الجعفري والله لتترجلن له صغرة اذا رايتموه فما هو الا ان اقبل وبصروا به حتى ترجل له الناس كلهم فقال لهم ابو هاشم اليس زعمتم انكم لا تترجلون له فقالوا له والله ما ملكنا انفسنا حتى ترجلنا (وروى) الكليني بسنده ان المتوكل قال ويحكم قد اعياني امر ابن الرضا (1) وجهدت ان يشرب معي وان ينادمني فامتنع وجهدت ان اجد فرصة في هذا المعنى فلم اجدها فقيل له ان لم تجد من ابن الرضا ما تريده فهذا اخوه موسى قصاف عزاف ياكل ويشرب ويعشق ويتخالع فأحضره وأشهره فيشيع الخبر عن ابن الرضا بذلك فلا يفرق الناس بينه وبين اخيه ومن عرفه اتهم اخاه بمثل فعاله فقال اكتبوا باشخاصه مكرما فأشخص مكرما فتقدم المتوكل ان يتلقاه جميع بني هاشم والقواد وسائر الناس وعزم على انه اذا وافى اقطعه قطيعة وبنى له فيها وحول اليها الخمارين والقيان وتقدم بصلته وبره وأفرد له منزلا سريا يصلح أن يزوره

(1) المراد به الهادي عليه السلام وعبر عنه بابن الرضا في هذا المقام وغيره بكثرة وذلك لشدة شهرة الرضا عليه السلام فنسب اليه وقال ابن شهر آشوب في المناقب والطبرسي في اعلام الورى في ترجمة الحسن العسكري عليه السلام كان هو وابوه وجده يعرف كل منهم في زمانه بابن الرضا
ـ المؤلف ـ
المجالس السنية ـ الجزء الخامس 646

هو فيه فلما وافى موسى تلقاه ابو الحسن عليه السلام الى الموضع الذي يتلقى فيه القادمون فسلم عليه ووفاه حقه ثم قال له ان هذا الرجل احضرك ليهتكك فلا تقر له انك شربت نبيذاً قط واتق الله يا اخي ان تركب محظوراً فقال له موسى انما دعاني لهذا فما حيلتي قال فلا تضع من قدرك ولا تعص ربك ولا تفعل ما يشينك فما غرضه الا هتكك فأبى عليه موسى فكرر عليه ابو الحسن القول والوعظ فلم يقبل فقال له اما ان الذي تريد الاجتماع معه عليه لا تجتمعان عليه ابدا فاقام ثلاث سنين يبكر كل يوم الى باب المتوكل فيقال له قد تشاغل اليوم فأئت عشية فيقال له قد سكر فبكر فيبكر فيقال قد شرب دواء فما زال كذلك حتى قتل المتوكل ولم يجتمع معه على الشراب .
مناقب آل المصطفى قدوة الورى بهم يبتغي مطلـوبه كل طالب
مناقب تـجلى سافرات وجـوهها و يجلو سناها مدلهم الغيـاهب


المجلس الرابع

مما جاء في سعة علم ابي الحسن علي بن محمد الهادي عليه السلام ما ذكره ابن شهر اشوب في المناقب وغيره قال لما سم المتوكل (وفي رواية) مرض نذر لله ان عوفي ان يتصدق بمال كثير فلما عوفي

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 647

سأل الفقهاء فاختلفوا في المال الكثير ولم يجد عندهم فرجا فقال له الحسن حاجبه ان اتيتك يا امير المؤمنين بالصواب فمالي عندك قال عشرة آلاف درهم والا ضربتك مئة مقرعة قال قد رضيت فأتى ابا الحسن علي بن محمد الهادي «ع» فسأله فقال قل له يتصدق بثمانين درهما (وفي رواية) بثلاثة وثمانين دينارا فأخبر المتوكل فسأله ما العلة ان الله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم لقد نصركم الله في مواطن كثيرة فعددنا مواطن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فبلغت ثمانين موطنا فرجع اليه فاخبره ففرح واعطاه عشرة الاف درهم . (وسال) المتوكل ابن الجهم من اشعر الناس فذكر شعراء الجاهلية والاسلام ثم انه سال ابا الحسن علي الهادي فقال الحماني حيث يقول :
لقـد فاخرتنـا من قريش عصابة بمط خـدود و امتـداد اصـابـع
فلـما تنازعنـا المقال قضى لنـا عليهم بما فاهوا (1) نداء الصوامع
ترانـا سكوتـا و الشهيد بفضلنـا عليهم جهير الصوت في كل جامع
فـان رسـول الله احـمد جدنـا و نحـن بنوه كالنـجوم الـطوالع

قال المتوكل وما نداء الصوامع يا ابا الحسن ؟ قال : أشهد أن لا اله الا الله وأشهد ان محمداً رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جدي أم جدك فضحك المتوكل ثم قال هو جدك لا ندفعك عنه (وقال) له المتوكل يوما : ما يقول ولد أبيك في العباس بن عبد المطلب قال ما يقول ولد أبي يا أمير المؤمنين في رجل فرض الله

(1) بما نهوى خ ل

ـ المؤلف ـ

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 648

تعالى طاعة نبيه على جميع خلقه وفرض طاعته على نبيه فسر المتوكل بذلك وانما أراد ابو الحسن أن طاعة الله مفروضة على نبيه
اليـكم كـل مكرمة تؤول اذا ما قيل جدكم الرسـول
كفاكم من مديح الناس مدحا اذا ما قيـل أمكم البتـول


المجلس الخامس

فيما جاء عن أبي الحسن علي بن محمد الهادي عليه السلام من المواعظ والحكم (قال ع) ان الله جعل الدنيا دار بلوى والآخرة دار عقبى وجعل بلوى الدنيا لثواب الآخرة سببا وثواب الآخرة من بلوى الدنيا عوضا (وقال ع) من جمع لك وده ورأيه فاجمع له طاعتك (وقال ع) من هانت عليه نفسه فلا تامن شره (وقال ع) من رضي عن نفسه كثر الساخطون عليه (وقال ع) الغناء قلة تمنيك والرضا بما يكفيك والفقر شره النفس وشدة القنوط (وقال ع) المصيبة للصابر واحدة وللجازع اثنتان (وقال ع) الحسد ماحي الحسنات والعجب صارف عن طلب العلم والبخل أذم الاخلاق والطمع سجية سيئة (وقال ع) السهر ألذ للمنام والجوع يزيد في طيب الطعام (يريد) به الحث على قيام الليل وصيام النهار (وقال ع) الغضب على من تملك لؤم (وقال ع)

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 649

الحكمة لا تنجع في الطباع الفاسدة (وقال ع) خير من الخير فاعله وأجمل من الجميل قائله وارجح من العلم حامله وشر من الشر جالبه وأهول من الهول راكبه (وقال ع) للمتوكل في كلام دار بينهما لا تطلب الصفا لمن كدرت عليه ولا الوفا ممن غدرت به ولا النصح ممن صرفت سوء ظنك اليه فانما قلب غيرك كقلبك له .
اذا ما بلغت الصادقين بني الرضا فحسبك من هاد يـشير الى هادي
ينابـيع عـلم الله أطـواد ديـنه فهل من نفاد ان عـلمت لاطـواد
نجوم مـتى نجـم خبـا مثله بدا فصلى على الخابي المهيمن والبادي


المجلس السادس

قال المفيد عليه الرحمة كان سبب شخوص أبي الحسن علي الهادي عليه السلام الى سر من رأى ان عبد الله بن محمد كان يتولى الحرب والصلاة بمدينة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فسعى بأبي الحسن عليه السلام وكان يقصده بالأذى (وقال) المرتضى في عيون المعجزات والمسعودي في اثبات الوصية أن بريحة العباسي صاحب الصلاة بالحرمين كتب الى المتوكل ان كان لك في الحرمين حاجة فاخرج ابن محمد منها فانه قد دعا الناس الى نفسه واتبعه خلق كثير وتابع بريحة الكتب في هذا المعنى (وقال) سبط بن الجوزي في

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 650

تذكرة الخواص قال علماء السير انما أشخصه المتوكل من المدينة الى بغداد لأن المتوكل كان يبغض علياً وذريته فبلغه مقام علي الهادي بالمدينة وميل الناس اليه فخاف منه فدعا يحيى بن هرثمة وقال اذهب الى المدينة وانظر في حاله وأشخصه الينا قال يحيى فذهبت الى المدينة فلما دخلتها ضج أهلها ضجيجاً عظيما ما سمع الناس بمثله خوفاً على علي وقامت الدنيا على ساق لأنه كان محسناً اليهم ملازماً للمسجد ولم يكن عنده ميل الى الدنيا فجعلت اسكنهم واحلف لهم اني لم اؤمر فيه بمكروه وانه لا بأس عليه ثم فتشت منزله فلم أجد فيه الا مصاحف وأدعية وكتب العلم فعظم في عيني وتوليت خدمته بنفسي وأحسنت عشرته (قال المفيد) وبلغ أبا الحسن عليه السلام سعاية عبد الله بن محمد به فكتب الى المتوكل يذكر تحامل عبد الله بن محمد عليه وكذبه فيما سعى به فتقدم المتوكل باجابته عن كتابه ودعاه فيه الى الحضور الى سر من رأى على جميل من الفعل والقول وهذه نسخة الكتاب .
بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فان أمير المؤمنين عارف بقدرك راع لقرابتك موجب لحقك مؤثر من الأمور فيك وفي أهل بيتك ما يصلح الله به حالك وحالهم ويثبت به عزك وعزهم ويدخل الأمن عليك وعليهم يبتغي بذلك رضا ربه واداء ما افترض عليه فيك وفيهم وقد رأي أمير المؤمنين صرف عبد الله ابن محمد عما كان يتولاه من الحرب والصلاة بمدينة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم اذ كان على ما ذكرت من جهالته بحقك واستخفافه بقدرك وعند

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 651

ما قرفك به ونسبك اليه من الأمر الذي قد علم أمير المؤمنين براءتك منه وصدق نيتك وقولك في ترك محاولته وانك لم تؤهل نفسك لما قرفت بطلبه وقد ولى أمير المؤمنين ما كان يلي من ذلك محمد بن الفضل وامره باكرامك وتبجيلك والانتهاء الى أمرك ورأيك والتقرب الى الله والى امير المؤمنين بذلك وأمير المؤمنين مشتاق اليك يحب احداث العهد بك والنظر اليك فان نشطت لزيارته والمقام قبله ما احببت شخصت ومن اخترت من أهل بيتك ومواليك وحشمك على مهلة وطمأنينة ترحل اذا شئت وتنزل اذا شئت وتسير كيف شئت وان احببت ان يكون يحيى بن هرثمة مولى أمير المؤمنين ومن معه من الجند يرحلون برحيلك ويسيرون بسيرك فالامر في ذلك اليك وقد تقدمنا اليه بطاعتك فإستخر الله حتى توافي امير المؤمنين فما أحد من اخوانه وولده وأهل بيته وخاصته الطف منك منزلة ولا أحمد له إثرة ولا هو لهم أنظر ولا عليهم اشفق وبهم ابر واليهم اسكن منه اليك والسلام عليك ورحمة الله وبركاته وكتب ابراهيم بن العباس في جمادي الآخرة سنة ثلاث وأربعين ومائتين (فلما) وصل الكتاب الى أبي الحسن «ع» تجهز للرحيل واستأجل ثلاثة ثم خرج متوجهاً نحو العراق (قال المسعودي) واتبعه بريحة مشيعاً فلما صار في بعض الطريق قال له بريحة قد علمت وقوفك على أني كنت السبب في حملك وعلي حلف بايمان مغلظة لئن شكوتني الى أمير المؤمنين أو أحد

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 652

من خاصته لأجمرن (1) نخلك ولأقتلن مواليك ولأغورن عيون ضيعتك ولأفعلن ولأصنعن فقال له أبو الحسين «ع» ان أقرب عرضي اياك على الله البارحة وما كنت لأعرضنك عليه ثم أشكوك الى غيره من خلقه فانكب عليه بريحة وضرع اليه واستعفاه فقال قد عفوت عنك (ولم يزل ع) سائراً ومعه يحيى بن هرثمة حتى وصل الى بغداد (قال المسعودي) فخرج اسحاق بن ابراهيم وجملة القواد فتلقوه (قال سبط بن الجوزي) قال يحيى لما قدمت به بغداد بدأت باسحاق بن ابراهيم الطاهري وكان والياً على بغداد فقال لي يا يحيى ان هذا الرجل قد ولده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والمتوكل من تعلم فان حرضته عليه قتله وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خصمك يوم القيامة فقلت له والله ما وقعت منه الا على كل أمر جميل ثم صرت الى سر من رأى فبدأت بوصيف التركي فاخبرته بوصوله فقال والله لئن سقط منه شعرة لا يطالب بها سواك فعجبت كيف وافق قوله قول اسحاق فلما دخلت على المتوكل سالني عنه فاخبرته بحسن سيرته وسلامة نيته وورعه وزهادته واني فتشت داره فلم أجد فيها غير المصاحف وكتب العلم وان أهل المدينة خافوا عليه فاكرمه المتوكل وأحسن جائزته (قال المسعودي) لما خرج الهادي

(1) جمرت النخلة قطعت جمارها بضم الجيم وتشديد الميم وهو شحمها الذي في جوفها واذا قطع ذلك يبست لا محالة .
- المؤلف -
المجالس السنية ـ الجزء الخامس 653

«ع» الى سر من رأى تلقاه جملة أصحاب المتوكل حتى دخل اليه فاعظمه وأكرمه ثم انصرف عنه الى دار قد اعدت له (وقال المفيد) لما وصل الى سامرا تقدم المتوكل بان يحجب عنه في يومه فنزل في خان يقال له خان الصعاليك وأقام فيه يومه ثم أمر المتوكل بافراد دار له فانتقل اليها . وأقام أبو الحسن «ع» مدة مقامه بسر من رأى مكرماً في ظاهر حاله ويبتغي له المتوكل الغوائل في باطن أمره وكان يجتهد في إيقاع حيلة به ويعمل على الوضع من قدره في عيون الناس فلا يتمكن من ذلك (وروى) صقر الكرخي قال لما حمل المتوكل سيدنا ابا الحسن الهادي عليه السلام الى سر من رأى احببت ان اسأل عن خبره فنظر الي الزرافي حاجب المتوكل ثم أمرني بالدخول فلما انفض الناس قال لعلك جئت تسأل عن خبر مولاك قلت ومن مولاي ؟ مولاي أميرالمؤمنين قال أسكت مولاك هو الحق فلا تحتشمني فاني على مذهبك فحمدت الله فقال أتحب ان تراه ؟ قلت نعم قال اجلس حتى يخرج صاحب البريد من عنده فلما خرج قال لغلام له خذ بيده وادخله الحجرة التي فيها العلوي المحبوس فدخلت فاذا مولاي جالس على صدر حصير وبحذائه قبر محفور فسلمت فرد علي السلام وأمرني بالجلوس فلما نظرت الى القبر بكيت فقال لا عليك لن يصلوا الينا بشيء الآن فحمد الله ثم قال ودع واخرج فلا آمن عليك أن تؤخذ (وروى) الراوندي في الخرائج عن ابن أرومة قال دخلت على سعيد الحاجب وكان المتوكل دفع اليه أبا الحسن

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 654

عليه السلام ليقتله فقال سعيد اتحب أن تنظر الى الهك قلت سبحان الله الذي لا تدركه الأبصار قال هو الذي تزعمون انه امامكم قلت ما أكره ذلك قال قد أمرت بقتله وأنا فاعله غداً وعنده صاحب البريد فاذا خرج فادخل اليه فلما خرج دخلت عليه واذا بحياله قبر محفور فلما رأيته بكيت بكاء شديداً فقال ما يبكيك قلت ما أراه قال لا تبك فانه لا يتم لهم ذلك فسكن ما بي. (قال المسعودي) واعتل أبو الحسن علي الهادي عليه السلام علته التي توفي فيها صلى الله عليه فأحضر أبا محمد ابنه وأوصى ثم توفي شهيداً مسموماً قال ابن بابويه سمه المعتمد وقال المسعودي في اثبات الوصية ولما توفي اجتمع في داره جملة بني هاشم من الطالبيين والعباسيين وخلق كثير من الشيعة ثم فتح من صدر الرواق باب وخرج خادم اسود ثم خرج بعده أبو محمد الحسن العسكري حاسراً مكشوف الرأس مشقوق الثياب وكأن وجهه وجه أبيه لا يخطي منه شيئاً وكان في الدار أولاد المتوكل وبعضهم ولاة العهود فلم يبق أحد الا قام على رجليه ووثب اليه أبو أحمد الموفق فقصده أبو محمد فعانقه ثم قال له مرحباً بابن العم وجلس بين بابي الرواق والناس كلهم بين يديه وكانت الدار كالسوق بالأحاديث فلما خرج وجلس أمسك الناس فما كنا نسمع الا العطسة والسعلة ثم خرج خادم فوقف بحذاء أبي محمد فنهض صلى الله عليه وأخرجت الجنازة وخرج يمشي حتى خرج بها الى الشارع وكان أبو محمد صلى عليه قبل ان يخرج الى الناس وصلى عليه لما اخرج المعتمد ثم دفن في دار من

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 655

دوره وصاحت سر من رأى يوم موته صيحة واحدة وقيل لابنه ابي محمد عليه السلام في شق ثيابه فقال للقائل يا أحمق ما يدريك ما هذا قد شق موسى على هارون عليهما السلام .
رزء لـه يبكي النبي وفاطم لا غرو فيه أن تشق جيوب
ما ان يفي شق الجيوب بحقه حـق علـيه أن تشق قلوب

مراثي علي الهادي عليه السلام

قال المؤلف تجاوز الله عنه وأنشأها في سنة 1327

يـا راكـب الشــدنية الـوجنـاء عرج عـلى قبــر بسـامـراء
قـبر تضمن بضـعة مـن أحـمد وحشـاشـة لـلبضعة الزهـراء
قبر تضمن مـن سـلالة حـيـدر بدراً يـشـق حنـادس الظلمـاء
قبر سما شرفـاً على هـام السـها و علا بساكنـه علـى الجـوزاء
بعلي الهادي الـى نهـج الـهـدى والديـن عـاد مـؤرج الأرجـاء
يا ابن النـبـي المصطفى ووصيه و ابن الهـداة الـسـادة الأمـناء
أناؤوك بغـياً عـن مرابع طيبـة و قلوبهـم مـلأى من الشحنـاء
كـم مـعجز لك قد رأوه و لم يكن يخفى على الأبصـار نور ذكاء
ان يجحـدوه فطالما شمس الضحى خفيت علـى ذي مقلـة عميـاء


المجالس السنية ـ الجزء الخامس 656

براً وتعظـيما أروك وفي الخفا يسعـون في التحقير والايـذاء
كم حاولوا انقاص قدرك فاعتلى رغمـا لأعلـى قنـة الـعلياء
فقضيت بيـنهم غريـباً نـائياً بأبي فديتك مـن غريب نائـي
قاسيت ما قـاسيت فيهم صابراً لعظيـم داهية و طـول بـلاء
فلأبكينك مـا تطاول بي المدى ولأمزجـن مدامعـي بدمـائي

وقال السيد صالح النجفي المعروف بالقزويني من قصيدة :
لقد منـي الهادي علـى ظلـم جعفر بـمـعتـمد فـي ظلـمه والـجرائـم
أتاحـت له غـدراً يـدا متـوكـل ومعـتمد فـي الـجور غـاش وغاشم
وأشخص رغـما عـن مدينة جـده الى الرجس اشخاص المعادي المخاصم
و لاقى كما لاقـى مـن القوم أهـله جـفاء وغـدراً و انـتـهاك محـارم
و عاش بسامـراء عشـرين حـجة يـجـرع مـن أعـداه سـم الأراقـم
بنفـسي مسجـونـا غـريباً مشاهداً ضـريحاً لـه شـقته أيـدي الـغواشم
بنفسي موتـوراً عن الـوتر مغضيا يـسـالـم أعـداء لـه لـم تسـالـم
بنفسي مسمومـاً قـضى وهو نازح عـن الأهـل الأوطـان جـم المهاضم
بنفسي من تخفي على القرب والنوى مواليه من ذكـر اسـمه فـي المواسم
فهل عـلم الهادي الى الدين والهدى بمـا لقـي الـهادي ابـنه من مـظالم
و هل علـم المولى علي قضى ابنه علـي بـسم بـعد هتـك الـمحـارم
و هل علمـت بنت النبـي مـحمد رمـتهـا الاعـادي في ابنها بالقواصم
سقى أرض سـامراء منهمر الحيـا وحيـا مغـانيـها هبـوب النـسـائم
معالـم قد ضـمن أعـلام حـكمة بنـور هـداهـا يـهتدي كـل عـالم


المجالس السنية ـ الجزء الخامس 657

لئن أظلـمت حـزنا لـكم فلقربما تضيء هنـا منكـم بـأكرم قائم
ومـنتـدب لله لـم يـثنه الـردى وفي الله لم تـأخذه لـومة لائـم
ويملأ رحب الأرض بالعدل بعدما قد امتلأت أقـطارهـا بالظـالم
امام هـدى تجـلو كـواكب عدله من الجور داجـي غيه الـمتراكم
به تدرك الأوتـار مـن كل واتر و ينتصف المظلوم من كـل ظالم

قال علي بن عيسى الاربلي في مدح الامام علي الهادي «ع»
يا ايـهذا الـرائـح الـغـادي عرج عـلى سيـدنا الـهادي
واخلع اذا شارفت ذاك الثـرى فعل كـليم الله فـي الـوادي
و قـبل الأرض وسـف تربة فيها العلى والـشرف الـعادي
وقـل سـلام الله وقـف على مستخرج مـن صلـب أجواد
مـؤيـد الأفـعال ذو نـائـل في المحل يروي غلة الصادي
يعفو عن الجاني ويعطي المنى في حـالتـي وعـد وايـعاد
مـبارك الطـلعة مـيمـونها ومـاجـد مـن نـسل امجاد
ولاهـم مـن خـير مـا نلته وخيـر مـا قـدمت من زاد

وقال أبو الغوث المنبجي أسلم بن مهوز شاعر آل محمد وكان معاصراً للبحتري فالبحتري يمدح الملوك وهو يمدح آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم وكان البحتري ينشد هذه القصيدة لأبي الغوث :
ولهت الى رؤياكم وله الصادي يذاد عن الورد الـروي بذواد


المجالس السنية ـ الجزء الخامس 658

محلـى عـن الورد اللذيذ مسـاغه اذا طـاف وراد بـه بـعـد وراد
فأعليت فـيكم كـل هوجاء جسرة ذمول السرى تقـتاد فـي كل مقتاد
أجوب بها بـيد الفـلا وتجوب بي اليك و مالـي غيـر ذكرك من زاد
فلما تراءت سـر مـن را تجشمت اليك تعـوم الـماء في مفعم الوادي
اذا ما بلغت الصادقيـن بني الرضا فحسبك من هاد يشـير الى هـادي
مقاويل ان قالـوا بهاليل ان دعـوا و فـاة بمـيعـاد كفـاة لـمرتـاد
اذا اوعدوا اعفوا وان وعـدوا وفوا فهم أهل فضل عـند وعـد و ايعاد
كرام اذا مـا أنفـقوا المـال أنفدوا ولـيس لعـلم انفـقـوه من انـفاد
ينـابيـع علـم الله أطـواد ديـنه فهل من نـفاد ان عـلمـت لأطواد
نجوم مـتى نجـم خبـا مثله بـدا فصلى على الخابي المهيمن و البادي
عبـاد لمـولاهـم مـوالي عـباده شهـود عـليهـم يوم حشر واشهاد
هم حجج الله اثـنتـا عشـرة متى عددت فثاني عشـرهم خلف الهادي
بميـلاده الأنـباء جاءت شهيـرة فأعظـم بـمولـود و أكـرم بميلاد

ابو محمد الحسن بن علي العسكري عليه السلام


المجلس الاول

الامام بعد أبي الحسن علي بن محمد الهادي «ع» وحادي عشر

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 659

أئمة المسلمين وخلفاء الله في العالمين وثاني الحسنين ولده الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالب عليهم السلام .
ولد الحسن العسكري «ع» بالمدينة يوم الجمعة أو الاثنين في ربيع الأول أو في العاشر أو الرابع أو الثامن من ربيع الآخر سنة اثنتين وثلاثين أو احدى وثلاثين ومائتين وشخص الى العراق بشخوص والده اليها وله أربع سنين وشهور (وتوفي) بسر من رأى يوم الجمعة مع صلاة الغداة أو الأحد أو الاربعاء لثمان ليال خلون من ربيع الأول على المشهور أو في أول يومه منه أو في الثاني عشر منه أو في ربيع الآخر سنة ستين ومائتين وله يومئذ ثمان وعشرون أو تسع وعشرون سنة ، أقام منها مع أبيه ثلاثا وعشرين سنة وأشهرا وبعد أبيه ست سنين أو خمس سنين وهي مدة امامته وخلافته وهي بقية ملك المعتز أشهراً ثم ملك المهتدي وتوفي في ملك المعتمد بعد مضي خمس سنين منه ودفن بسر من رأى في البيت الذي دفن فيه أبوه عليهما السلام بجانبه في دارهما (امه) أم ولد يقال لها حديث أو حديثة (وقيل) سوسن وقيل سليل ولعلها سميت بجميع ذلك على التعاقب .
(كنيته) أبو محمد (أشهر القابه) العسكري ويلقب بالتقي والخالص والزكي وغيرها وانما لقب هو وأبوه بالعسكري لأن المحلة التي سكناها بسامراء كانت تسمى عسكراً أو ان سامراء نفسها تسمى عسكراً لأن عسكر المعتصم نزلها وكان هو وأبوه

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 660

وجده يعرف كل واحد منهم بابن الرضا (نقش خاتمه) سبحان من له مقاليد السماوات والأرض (وقيل) انه لله شهيد (أو) ان الله شهيد (بوابه) عثمان بن سعيد العمري وابنه محمد بن عثمان (شاعره) ابن الرومي على ما في الفصول المهمة (له من الأولاد) ولده المسمى باسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المكنى بكنيته ليس له ولد غيره .
ابـكي وهل يشفي الغليل بكائي بـدرين قـد غربا بسامراء
علمين من رب البـرية للورى نصـبا باعـلى قـنة العلياء
نجمان يهدى السـالكون لربهم بهداهما في الـفتنة العـمياء
بعلي الهادي وبـالـحسن ابنه كشف الكروب ومدفع اللأواء
يا آل أحمد ما ببعض صفاتكم و لو اجتهدت يفي جميع ثنائي
انى وقد نطق الكتاب بمدحكم نصاً فأخرس ألسـن الـبلغاء
وعليكم الصلوات في صلواتنا تتلى بكل صـبيحة و مـساء


المجلس الثاني

(أما صفته في خلقه وحليته) ففي الفصول المهمة : صفته بين السمرة والبياض ووصفه أحمد بن عبيد الله بن خاقان بانه اسمر اعين حسن القامة جميل الوجه جيد البدن له جلالة وهيأة حسنة .
(وأما صفته في أخلاقه واطواره) فقال أحمد بن عبيد الله بن خاقان المذكور ايضا انه لم ير ولم يسمع بمثله في هديه وسكونه

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 661

وعفافه ونبله وكرمه وتقديم اهل بيته وغيرهم والسلطان وسائر الناس اياه على ذوي السن منهم والخطر وانه عندهم في غاية الاجلال والاعظام والمحل الرفيع والقول الجميل وانه لم ير له ولياً ولا عدواً الا وهو يحسن القول فيه والثناء عليه .
(واما صفته في لباسه) فيستفاد أنه كان يلبس الطيلسان ومما رواه الشيخ في كتاب الغيبة أنه كان يلبس الثياب البيض الناعمة ويلبس مسحاً اسود خشناً على جلده ويقول هذا لله وهذا لكم .
قوم لهم شرف العلياء من مضر والمرء يؤخذ فـي تحديده النسب


المجلس الثالث

قال المفيد عليه الرحمة كان الامام بعد أبي الحسن علي بن محمد الهادي إبنه أبو محمد الحسن بن علي عليهما السلام لاجتماع خلال الفضل فيه وتقدمه على كافة أهل عصره فيما يوجب له الامامة ويقتضي له الرياسة من العلم والزهد وكمال العقل والعصمة والشجاعة والكرم وكثرة الاعمال المقربة الى الله جل اسمه ثم لنص ابيه عليه واشارته بالخلافة اليه (ثم) أورد جملة من الاخبار الدالة على نص ابيه عليه بالامامة من بعده (منها) ما رواه الكليني بسنده عن يحيى بن يسار قال أوصى ابى الحسن علي بن محمد الى إبنه الحسن قبل مضيه باربعة أشهر وأشار اليه بالامر من بعده

السابق السابق الفهرس التالي التالي