المجالس السنية ـ الجزء الخامس 625

يساوه فيه احد من مشائخ اهل زمانه فزوجه ابنته ام الفضل وكان متوفراً على اكرامه وتعظيمه واجلال قدره (وروى) المفيد بسنده عن الريان بن شبيب قال لما اراد المأمون ان يزوج ابنته ام الفضل ابا جعفر محمد بن علي عليهما السلام بلغ ذلك العباسيين فغلظ عليهم واستكبروه وخافوا ان ينتهي الامر معه الى ما انتهى اليه مع الرضا عليه السلام فخاضوا في ذلك واجتمع منهم اهل بيته الادنون منه (فقالوا) ننشدك الله يا أمير المؤمنين ان تقيم على هذا الامر الذي قد عزمت عليه من تزويج ابن الرضا فانا نخاف ان تخرج به عنا امرا قد ملكناه الله وتنزع منا عزا قد البسناه الله وقد عرفت ما بيننا وبني هؤلاء القوم قديما وحديثا وما كان عليه الخلفاء الراشدون قبلك من تبعيدهم والتصغير بهم وقد كنا في وهلة (اي خوف) من عملك مع الرضا ما عملت حتى كفانا الله المهم من ذلك فالله الله ان تردنا الى غم قد انحسر عنا واصرف رأيك عن ابن الرضا واعدل الى من تراه من اهل بيتك يصلح لذلك دون غيرهم (فقال) لهم المأمون اما ما بينكم وبين آل ابي طالب فانتم السبب فيه ولو انصفتم القوم لكانوا اولى بكم واما ما كان يفعله من قبلي بهم فقد كان به قاطعاً للرحم واعوذ بالله من ذلك ووالله ما ندمت على ما كان مني من استخلاف الرضا ولقد سألته ان يقوم بالامر وانزعه عن نفسي فأبى وكان امر الله

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 626

قدراً مقدورا (واما) ابو جعفر محمد بن علي فقد اخترته لتبريزه على كافة اهل الفضل في العلم والفضل مع صغر سنه والاعجوبة فيه بذلك وانا ارجو ان يظهر للناس ما قد عرفته منه فيعلموا ان الرأي ما رأيت فيه (فقالوا) ان هذا الفتى وان راقك منه هديه فانه صبي لا معرفة له ولا فقه فأمهله ليتأدب ويتفقه في الدين ثم اصنع ما تراه بعد ذلك (فقال) لهم ويحكم اني اعرف بهذا الفتى منكم وان هذا من اهل بيت علمهم من الله تعالى ومواده (ومراده خ ل) والهامه لم يزل آباؤه اغنياء في علم الدين والادب عن الرعايا الناقصة عن حد الكمال فان شئتم فامتحنوا ابا جعفر بما يتبين لكم به ما وصفت من حاله (قالوا) له قد رضينا لك يا أمير المؤمنين ولانفسنا بامتحانه فخل بيننا وبينه لننصب من يسأله بحضرتك عن شيء من فقه الشريعة فان اصاب الجواب عنه لم يكن لنا اعتراض في امره وظهر للخاصة والعامة سديد رأي امير المؤمنين وان عجز عن ذلك فقد كفينا الخطب في معناه (فقال) لهم المأمون شأنكم وذاك متى اردتم فخرجوا من عنده واجمع رأيهم على مسألة يحيى بن اكثم وهو يومئذ قاضي الزمان (قاضي القضاء خ ل) على ان يسأله مسألة لا يعرف الجواب فيها ووعدوه باموال نفيسة على ذلك وعادوا الى المأمون فسألوه ان يختار لهم يوما للاجتماع فأجابهم الى ذلك فاجتمعوا في اليوم الذي اتفقوا عليه وحضر معهم يحيى بن اكثم فأمر المأمون ان يفرش لابي جعفر «ع» دست ويجعل له فيه مسورتان (اي وسادتان) ففعل ذلك وخرج ابو

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 627

جعفر عليه السلام وهو يومئذ ابن سبع سنين واشهر فجلس بين المسورتين وجلس يحيى بن اكثم بين يديه وقام الناس في مراتبهم والمأمون جالس في دست متصل بدست ابي جعفر عليه السلام فقال يحيى بن اكثم للمأمون اتأذن لي يا امير المؤمنين ان اسأل ابا جعفر «ع» فقال له المأمون استأذنه في ذلك فأقبل عليه يحيى بن اكثم فقال اتأذن لي جعلت فداك في مسألة قال له ابو جعفر «ع» سل ان شئت (قال يحيى) ما تقول جعلني الله فداك في محرم قتل صيدا (فقال) له ابو جعفر «ع» قتله في حل او حرم عالما كان المحرم ام جاهلاً قتله عمداً او خطأ حرا كان المحرم ام عبداً صغيراً كان او كبيراً مبتدئاً بالقتل ام معيداً من ذوات الطير كان الصيد ام من غيرها من صغار الصيد كان ام من كباره مصراً على ما فعل او نادما في الليل كان قتله للصيد ام نهاراً محرما كان بالعمرة اذ قتله او بالحج كان محرما فتحير يحيى بن اكثم وبان في وجهه العجز والانقطاع وتلجلج حتى عرف جماعة اهل المجلس امره (فقال) المأمون الحمد لله على هذه النعمة والتوفيق لي في الرأي ثم نظر الى اهل بيته وقال لهم اعرفتم الآن ما كنتم تنكرونه ثم قال المأمون لابي جعفر ان رأيت جعلت فداك ان تذكر الفقه فيما فصلته من وجوه قتل المحرم الصيد لنعلمه ونستفيده فقال «ع» ان المحرم اذا قتل صيداً في الحل وكان الصيد من ذوات الطير وكان من كبارها فعليه شاة فان اصابه في الحرم فعليه الجزاء مضاعفا فاذا قتل فرخا في الحل فعليه حمل قد فطم من اللبن واذا

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 628

قتله في الحرم فعليه الحمل وقيمة الفرخ وان كان من الوحش وكان حمار وحش فعليه بقرة وان كان نعامة فعليه بدنة (اي بعير او ناقة) وان كان ظبياً فعليه شاة فان قتل شيئاً من ذلك في الحرم فعليه الجزاء مضاعفا هديا بالغ الكعبة واذا اصاب المحرم ما يجب عليه الهدي فيه وكان احرامه بالحج نحره بمنى وان كان احرامه بالعمره نحره بمكة وجزاء الصيد على العالم والجاهل سواء وفي العمد له المأثم وهو موضوع عنه في الخطا والكفارة على الحر في نفسه وعلى السيد في عبده والصغير لا كفارة عليه وهي على الكبير واجبة والنادم يسقط بندمه عنه عقاب الاخرة والمصر يجب عليه العقاب في الآخرة فامر المأمون ان يكتب ذلك عنه وقال له احسنت يا ابا جعفر احسن الله اليك فان رأيت ان تسأل يحيى عن مسألة كما سألك (فقال) ابو جعفر «ع» ليحيى اسألك قال ذلك اليك جعلت فداك فان عرفت جواب ما تسألني عنه والا استفدته منك (فقال) له ابو جعفر «ع» اخبرني عن رجل نظر الى إمرأة في اول النهار فكان نظره اليها حراما عليه فلما ارتفع النهار حلت له فلما زالت الشمس حرمت عليه فلما كان وقت العصر حلت له فلما غربت الشمس حرمت عليه فلما دخل عليه وقت العشاء الآخرة حلت له فلما كان انتصاف الليل حرمت عليه فلما طلع الفجر حلت له ما حال هذه المرأة وبماذا حلت له وحرمت عليه (فقال) له يحيى بن اكثم والله ما اهتدي الى جواب هذا السؤال ولا اعرف الوجه فان رأيت ان تفيدناه (فقال) ابو جعفر

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 629

عليه السلام هذه امة لرجل من الناس نظر اليها اجنبي في اول النهار فكان نظره اليها حراما عليه فلما ارتفع النهار ابتاعها من مولاها فحلت له فلما كان عند الظهر اعتقها فحرمت عليه فلما كان وقت العصر تزوجها فحلت له فلما كان وقت المغرب ظاهر منها فحرمت عليه فلما كان وقت العشاء الآخرة كفر عن الظهار فحلت له فلما كان في نصف الليل طلقها واحدة فحرمت عليه فلما كان عند الفجر راجعها فحلت له (فاقبل) المأمون على من حضره من أهل بيته فقال لهم هل فيكم احد يجيب عن هذه المسألة بمثل هذا الجواب ويعرف القول فيما تقدم من السؤال قالوا لا والله ان امير المؤمنين اعلم بما رأى فقال لهم ويحكم ان اهل هذا البيت خصوا من الخلق بما ترون من الفضل وان صغر السن فيهم لا يمنعهم من الكمال اما علمتم ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم افتتح دعوته بدعاء امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام وهو ابن عشر سنين وقبل منه الاسلام وحكم له به ولم يدع احداً في سنه غيره وبايع الحسن والحسين عليهما السلام وهما ابنا دون ست سنين ولم يبايع صبياً غيرهما افلا تعلمون ما اختص الله به هؤلاء القوم وانهم ذرية يجري لآخرهم ما يجري لاولهم قالوا صدقت يا امير المؤمنين (قال) الخطيب في تاريخ بغداد ان المأمون خطب لما اراد ان يزوج الجواد ابنته ام الفضل فقال الحمد لله الذي تصاغرت الامور لمشيئته ولا إله الا الله اقراراً بربوبيته وصلى الله على محمد عبده وخيرته (اما بعد) فان الله جعل النكاح الذي رضيه لكمال سبب المناسبة الا واني قد

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 630

زوجت زينب (1) ابنتي من محمد بن علي بن موسى امهرناها عنه اربعمائة درهم (وقال المفيد في الارشاد) ثم اقبل على ابي جعفر فقال له اتخطب يا ابا جعفر قال نعم يا امير المؤمنين فقال له المأمون اخطب جعلت فداك لنفسك فقد رضيتك لنفسي وانا مزوجك ام الفضل ابنتي وان رغم قوم لذلك فقال ابو جعفر «ع» على رواية غير المفيد الحمد لله منعم النعم برحمته والهادي الى فضله بمنته وصلى الله على محمد خير خلقه الذي جمع فيه من الفضل ما فرقه في الرسل قبله وجعل تراثه الى من خصه بخلافته وسلم تسليما وهذا امير المؤمنين زوجني ابنته على ما جعل الله للمسلمات على المسلمين امساك بمعروف او تسريح باحسان وقد بذلت لها من الصداق ما بذله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لزواجه وهو خمسمائة درهم ونحلتها من مالي مائة الف درهم زوجتني يا امير المؤمنين (فوري) ان المأمون قال : الحمد لله اقراراً بنعمته ولا اله الا الله اخلاصاً لوحدانيته (لعظمته خ ل) وصلى الله على محمد سيد بريته (عبده وخيرته خ ل) والاصفياء من عترته (اما بعد) فقد كان من فضل الله على الانام ان اغناهم بالحلال عن الحرام فقال سبحانه وانكحوا الايامى منكم والصالحين من عبادكم وامائكم ان يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم ثم ان محمد بن علي بن موسى يخطب ام الفضل بنت عبد الله

(1) هذا يدل على ان اسمها زينب وام الفضل كنية لها ويدل بعض الاخبار على انها تكنى ام عيسى .
ـ مؤلف ـ
المجالس السنية ـ الجزء الخامس 631

المأمون وقد بذل لها من الصداق خمسمائة درهم وقد زوجته فهل قبلت يا ابا جعفر فقال ابو جعفر قد قبلت هذا التزويج بهذا المصداق (هذه) رواية المسعودي في اثبات الوصية اما المفيد فلم يذكر خطبة المأمون ونسب خطبته الى الجواد بتغيير يسير وفي آخرها وقد بذل لها من الصداق مهر جدته فاطمة بنت محمد عليهما السلام وهو خمسمائة درهم جياد فهل زوجته يا امير المؤمنين بها على هذا الصداق المذكور قال المأمون نعم قد زوجتك يا ابا جعفر ام الفضل ابنتي على الصداق المذكور فهل قبلت النكاح فقل ابو جعفر عليه السلام قد قبلت ذلك ورضيت به والله اعلم اي ذلك كان (واولم) عليه المأمون وأمر ان يقعد الناس على مراتبهم في الخاصة والعامة (قال الريان) ولم نلبث ان سمعنا اصواتا تشبه اصوات الملاحين في محاوراتهم فاذا الخدم يجرون سفينة مصنوعة من الفضة تشد بحبال من الابريسم على عجلة مملوءة من الغالية فامر المأمون ان تخضب لحى الخاصة من تلك الغالي ثم مدت الى دار العامة فطيبوا منها ووضعت الموائد فأكل الناس وخرجت الجوائز الى كل قوم على قدرهم (فلما) كان من الغد حضر الناس وحضر ابو جعفر عليه السلام وصار القواد والحجاب والخاصة والعمال لتهنئة المأمون وابي جعفر عليه السلام فاخرجت ثلاثة اطباق من الفضة فيها بنادق مسك وزعفران معجون ، في اجواف تلك البنادق رقاع مكتوبة باموال جزيلة وعطايا سنية واقطاعات فامر المأمون بنثرها على القوم من خاصته فكان كل من وقع في يده بندقة اخرج

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 632

الرقعة التي فيها والتسمه فاطلق له ووضعت البدر فنثر ما فيها على القواد وغيرهم وانصرف الناس وهم اغنياء بالجوائز والعطايا (وتقدم المأمون) بالصدقة على كافة المساكين ثم امر فنثر على ابي جعفر «ع» رقاع فيها ضياع وطعم وعمالات ولم يزل مكرما لابي جعفر «ع» معظما لقدره يؤثره على ولده وجماعة اهل بيته (ثم) ان الجواد «ع» استأذن المأمون في الحج وخرج من بغداد ومعه زوجته ام الفضل (قال المفيد) ولما توجه من بغداد منصرفا من عند المأمون ومعه ام الفضل قاصداً بها المدينة وصار الى شارع باب الكوفة ومعه الناس يشيعونه فانتهى الى دار المسيب عند مغيب الشمس نزل ودخل المسجد وكان في صحنه نبقة لم تحمل بعد فدعا بكوز فيه ماء فتوضأ في اصل النبقة وقام وصلى بالناس صلاة المغرب فقرأ في الاولى منها الحمد واذا جاء نصر الله وفي الثانية الحمد والتوحيد وقنت قبل ركوعه فيها وصلى الثالثة وتشهد وسلم ثم جلس هنيهة يذكر الله جل اسمه وقام من غير ان يعقب فصلى النوافل الاربع (اربع ركعات خ ل) وعقبها تعقيبها وسجد سجدتي الشكر ثم خرج فلما انتهى الى النبقة رآها الناس وقد حملت حملا حسنا فتعجبوا من ذلك واكلوا منها فوجدوا نبقاً حلوا لا عجم (1) له وودعوه ومضى من وقته الى المدينة (وفي البحار) قال الشيخ المفيد وقد اكلت من ثمرها وكان لا عجم له (وقال المفيد)

(1) العجم بالتحريك النوى .
ـ المؤلف ـ
المجالس السنية ـ الجزء الخامس 633

روى الناس ان ام الفضل كتبت الى ابيها من المدينة تشكوا ابا جعفر «ع» وتقول انه يتسرى علي ويغيرني فكتب اليها المأمون يا بنية انا لم نزوجك ابا جعفر لنحرم عليه حلالا فلا تعاودي لذكر ما ذكرت بعدها (ولم) يزل «ع» مقيما بالمدينة الى ان اشخصه المعتصم الى بغداد فاقام بها حتى توفي
حفر بطيـبة و الغري وكربلا وبطـوس والزورا وسامـراء
ما جئتها في حاجة الا انقضت وتبـدل الضـراء بـالسـراء


المجلس السابع

روى المرتضى في عيون المعجزات ان الرضا عليه السلام قال انما ارزق ولداً واحداً وهو يرثني فلما ولد ابو جعفر «ع» قال الرضا «ع» لاصحابه قد ولد لي شبيه موسى بن عمران وشبيه عيسى بن مريم عليهما السلام قدست أم ولدته قد خلقت طاهرة مطهرة ثم قال الرضا «ع» يقتل (اي الجواد) غصباً فيبكي له وعليه اهل السماء ويغضب الله على عدوه وظالمه فلا يلبث الا يسيراً حتى يعجل الله به (قال) ابن بابويه وغيره ان الجواد «ع» سمه المعتصم (وقال المفيد) قيل انه مضى مسموما ولم يثبت عندي بذلك خبر فأشهد به (واختلفت) الروايات والاقوال في كيفية سم المعتصم

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 634

له (فقيل) كان ابو جعفر محمد بن علي الجواد «ع» وفد على المأمون الى بغداد بعد وفاة ابيه الرضا «ع» وتزوج بام الفضل ابنة المأمون ثم رجع الى المدينة وهي معه فاقام بها حتى توفي المأمون في رجب سنة ثمان عشرة ومائتين وبويع اخوه المعتصم في شعبان من تلك السنة فجعل المعتصم يتفقد احوال الجواد «ع» فكتب الى محمد بن عبد الملك الزيات (1) ان ينفذ اليه محمداً التقي وزوجته ام الفضل بنت المأمون فانفذ ابن الزيات علي بن يقطين اليه فتجهز وخرج من المدينة الى بغداد وحمل معه زوجته ابنة المأمون (ويروى) انه لما خرج من المدينة خرج حاجا وابنه ابو الحسن علي صغير فخله في المدينة وسمل اليه المواريث والسلاح ونص عليه بمشهد ثقاته وأصحابه وانصرف الى العراق فورد بغداد لليلتين بقيتا من المحرم سنة عشرين ومائتين فلما وصل الى بغداد اكرمه المعتصم وعظمه وأنفذ اشناس احد عبيده بالتحف اليه والى ام الفضل ثم انفذ اليه شراب حماض الاترج تحت ختمه على يد اشناس فقال ان امير المؤمنين ذاقه ويامرك ان تشرب منه بماء الثلج في الحال فقال «ع» أشربها ليلا وكان صائماً فقال انها تنفع وقد ذاب الثلج وأصر على ذلك فشربها عند الافطار وكان فيها سم (وقال المسعودي) في اثبات الوصية لما انصرف ابو

(1) الذي في النسخة عبد الملك الزيات ولكن الذي كان وزيراً للمعتصم هو محمد بن عبد الملك الزيات .
ـ المؤلف ـ
المجالس السنية ـ الجزء الخامس 635

جعفر عليه السلام الى العراق لم يزل المعتصم وجعفر بن المأمون يدبران ويعملان الحيلة في قتله فقال جعفر لاخته ام الفضل وكانت لأمه وابيه في ذلك لانه وقف على انحرافها عنه وشدة غيرتها عليه لتفضيله ام ابي الحسن ابنه عليها مع شدة محبتها له ولأنها لم تزرق منه ولداً فاجابته الى ذلك (وقال) غير المسعودي ان المعتصم اشار عليها بان تسمه فجعلت له سماً في عنب رازقي ووضعته بين يديه فلما اكل منه ندمت وجعلت تبكي فقال ما بكاؤك والله ليضربنك الله بفقر لا ينجبر وبلاء لا ينستر فماتت بعلة في أغمض المواضع من جوارحها صارت ناسوراء فانفقت مالها وجميع ما مكلته على تلك العلة حتى احتاجت الى الاسترفاد وتردى جعفر ابن المأمون في بئر وهو سكران فاخرج ميتاً ولما توفي الجواد ادخلت زوجته ام الفضل الى قصر المعتصم فجعلت مع الحرم (وروى) العياشي في تفسيره عن زرقان صاحب احمد بن ابي دؤاد (قاضي المعتصم) قال رجع ابن ابي دؤاد ذات يوم من عند المعتصم وهو مغتم فسألته فقال وددت اليوم اني قدمت منذ عشرين سنة فقلت لم ذاك فقال لما كان من هذا الاسود ابي جعفر محمد بن علي بن موسى اليوم بين يدي امير المؤمنين فقلت وكيف كان ذلك قال ان سارقا أقر على نفسه بالسرقة وسأل الخليفة تطهيره باقامة الحد عليه فجمع لذلك الفقهاء وأحضر محمد بن علي فسألنا عن القطع في اي موضع يجب ان يقطع فقلت من الكرسوع (وهو طرف الزند الناتئ مما يلي الخنصر) فقال وما الحجة في

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 636

ذلك فقلت لان اليد هي الاصابع والكف الى الكرسوع يقول الله تعالى في التيمم «فامسحوا بوجوهكم وأيديكم» واتفق معي على ذلك قوم (وقال آخرون) بل يجب القطع من المرفق لان الله تعالى لما قال «وايديكم الى المرافق» دل على ان حد اليد هو المرفق فالتفت الى محمد بن علي فقال ما تقول في هذا يا ابا جعفر فقال قد تكلم القوم فيه يا امير المؤمنين قال دعني مما تكلموا به اي شيء عندك قال اعفني من هذا قال اقسمت عليك بالله لما اخبرت بما عندك فيه فقال اما اذا اقسمت علي بالله اني أقول انهم اخطأوا فيه السنة فان القطع يجب ان يكون من مفصل اصول الاصابع فيترك الكف قال وما الحجة في ذلك قال قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم السجود على سبعة اعضاء الوجه واليدين والركبتين والرجلين فاذا قطعت يده من الكرسوع او المرفق لم يبق له يد يسجد عليها وقال الله تعالى «وان المساجد لله» يعني به هذه الاعضاء السبعة التي يسجد عليها وما كان لله لم يقطع فأعجب المعتصم ذلك وأمر بقطع يد السارق من مفصل الأصابع دون الكف (قال) ابن أبي دؤاد قامت قيامتي وتمنيت أني لم أك حياً ثم صرت الى المعتصم بعد ثلاث فقلت ان نصيحة أمير المؤمنين علي واجبة وأنا أكلمه بما أعلم اني أدخل به النار قال وما هو قلت اذا جمع أمير المؤمنين في مجلسه فقهاء رعيته وعلماءهم لأمر واقع من أمور الدين فسألهم عن الحكم فيه فأخبروه بما عندهم وقد حضر مجلسه أهل بيته وقواده ووزراؤه وكتابه وقد تسامع الناس بذلك من وراء بابه ثم يترك

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 637

أقاويلهم لقول رجل يقول شطر هذه الأمة بامامته ويدعون انه أولى منه بمقامه ثم يحكم بحكمه دون حكم الفقهاء قال فتغير لونه وانتبه لما نبهته له وقال جزاك الله عن نصيحتك خيراً وأمر في اليوم الرابع فلانا من كتاب وزرائه بان يدعو الجواد الى منزله فدعاه فأبى أن يجيبه قال قد علمت اني لا أحضر مجالسكم فقال انما أعدوك الى الطعام وأحب ان تطأ ثيابي وتدخل منزلي فأتبرك بذلك فقد أحب فلان بن فلان من وزراء الخليفة لقاءك فصار اليه فلما طعم أحس بالسم فدعا بدابته فسأله رب المنزل أن يقيم فقال خروجي من دارك خير لك فلم يزل يومه ذلك وليلته في قلق حتى قبض عليه السلام مسموماً غريباً صابراً محتسباً ودفن في مقابر قريش في ظهر جده موسى بن جعفر عليهما السلام .
أتقتل يا ابـن الشـفيع المطاع ويا ابن المصابيح وابن الغرر
ويا ابن الشريعة وابـن الكتاب ويـا ابن الرواية وابـن الأثر
مناسـب ليـست بـمجهـولة ببدو البـلاد و لا بـالحـضر
مهذبـة من جـميع الجـهات ومـن كـل عائـبة أو كـدر

مراثي ابي جعفر محمد بن علي الجواد عليه السلام

قال السيد صالح النجفي المعروف بالقزويني من قصيدة :

ونص الرضا ان الجواد خليفتي عليكم بأمـر الله يقضي ويحكم


المجالس السنية ـ الجزء الخامس 638

هو ابـن ثلاث كـلم الـناس هاديا كـما كـان في المهد المسيح يكلم
سلوه يجـيبكم وانـظروا ختم كتفه ففي كـتفه خـتم الامـامة يـختم
وكم لك يا ابن المصطفى بان معجز به كل أنف مـن أعـاديك مرغم
و صاهـرك المأمـون لما بدت له معاجزك اللاتي بهـا الناس سلموا
أسـر امـتـحانا صـيـد باز بكفه فـأخبـرته عمـا يسـر ويـكتم
وأرشى الـعدى يحيى بن أكثم خفية و ظـنوا بـما يـأتيه أنـك تفحم
فاخجلت يحـيى فـي الجواب مبينا عن الصيد يريده امرؤ وهو محرم
وأنت أجـبـت الـسائلين مسائـلا ثـلاثيـن الـفاً عـالمـاً لا تعلم
أقمت وقومـت الـهدى بعد سـادة أقاموا الهدى من بعد زيغ و قوموا
فطوس لكم والكـرخ شجوا وكربلا وكـوفـان تـبكي والبقيع وزمزم
وكـم أبرموا أمراً وكـادوا فكدتهم بنقضك ما كـادوك فـيه وأبرموا
و كم قـد تعـطفتـم عليهم ترحما فلم يعطفوا يوماً علـيكم ويرحموا
فما مـنكم قـد حـرم الله حللـوا و مـا لكم قد حلـل الله حرمـوا
وجدهم لـو كان أوصـى بقـتلهم اليكم لما زدتـم علـى مـا فعلتم
فصمتم من الديـن الحنيفي حـبله و عروته الوثقى التي ليس تـفصم
وسمته أم الفضل عن أمـر عمها فويل لها مـن جـده يـوم تـقدم
قضى منكم كربـا وعاش مروعاً و لا جـازع مـنكم و لا مـترحم
على قلة الأيام و المـكث لم يزل بكم كـل يـوم يـستضام ويهضم
فيا لقصير الـعمـر طـال لموته على الدين و الدنيـا الـبكا والتألم
مضيت فلا قلب الـمكارم هـاجع علـيك ولا طـرف المعالي مهوم


المجالس السنية ـ الجزء الخامس 639

و لا مربع الايمان والهدي مربع ولا محكم الفرقان والوحي محكم
بفقـدك قـد أثكلت شرعة أحمد فـشرعـته الـغراء بـعدك أيم
عفا بعدك الاسلام حزنا واطفئت مصابيح ديـن الله فـالكون مظلم
فيا لك مفقوداً ذوت بهجة الهدى له وهوت مـن هـالة المجد انجم
يميـناً فـمـا لله الاك حـجـة يعـاقـب فيه مـن يشاء ويرحم
وليـس لأخـذ الثار الا محجب به كـل ركـن للـضلال يهـدم

وقال علي بن عيسى الاربلي صاحب كشف الغمة (1)
ضرام الوجد يـقدح في الـفؤاد لرزء المرتضى المولى الجواد
امام هـدى له شـرف ومـجد علا بهما على الـسبع الـشداد
امام هدى لـه شـرف ومـجد أقـر بـه الـموالـي والمعادي
تصوب يداه بالجـدوى فتـغني عن الأنواء فـي السـنة الجماد
يـبخل جـود كـفـيه اذا مـا جرى في الجود منـهل الغوادي
بنى فـي ذروة العـلياء بـيتاً بعيد الـصيت مرتـفع الـعماد
فمن يرجو اللحاق بـه اذا مـا أتـى بـطريف فـخر أو تلاد
من القوم الـذين أقر طـوعـاً بفضلهم الأصـادق والأعـادي
بهم عرف الورى سبل المعالي وهم دلوا الأنام عـلى الرشـاد
لهم أيد جبلـن علـى سمـاح وأفـعال طبـعن علـى سـداد
وهم من غير ما شك وخلـف اذا أنصـفت سـادات الـعبـاد


>
(1) بيت الأول ليس له بل للمؤلف .
ـ المؤلف ـ
المجالس السنية ـ الجزء الخامس 640

أيـا مولاي دعوة ذي ولاء اليكم ينتـمي وبـكم يـنادي
يقدم حبكم ذخـراً وكـنـزاً يعود الـيه فـي يـوم المعاد
ففيكم رغبتـي وعلى هداكم محافظتـي وحـبكم اعتقادي
وقـد قدمتكم زاداً لسيـري الى الأخرى ونعم الزاد زادي
فأنتم عدتي ان جـار دهـر وأنتم ان عرا خطب عتـادي


ابو الحسن علي بن محمد الهادي عليه السلام

المجلس الاول

الامام بعد أبي جعفر محمد الجواد وعاشر أئمة المسلمين وخلفاء الله في العالمين ورابع العليين ولده علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام .
ولد علي الهادي «ع» بقرية من نواحي المدينة (1) يوم الجمعة أو

(1) (قال) المفيد في الارشاد والطبرسي في اعلام الورى وابن شهر اشوب في المناقب وغيرهم ولد بصريا من نواحي المدينة ولم أجدها في معجم البلدان ولا في شيء من كتب اللغة ولذلك لم

=

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 641

الثلاثاء الثاني أو الخامس أو الثالث عشر من رجب أو للنصف من ذي الحجة أو السابع منه أو السابع والعشرين منه سنة اثنتي عشرة أو أربع عشرة ومائتين وتدل بعض الأدعية على ولادته هو وأبوه عليهما السلام في رجب (1) (قال المسعودي) في اثبات الوصية حمل الى المدينة وهو صغير في السنة التي حج فيها أبو جعفر بابنة المأمون (وتوفي) بسر من رأى يوم الثلاثاء أو الاثنين الثالث من رجب أو لثلاث أو أربع أو خمس بقين من جمادى الآخرة نصف النهار سنة أربع وخمسين ومائتين ودفن في داره بسامراء وكان المتوكل أشخصه من المدينة اليها (وكان) عمره يوم وفاته أربعين سنة أو الا أياماً أو احدى وأربعين سنة وأشهراً أو وسبعة أشهر أو اثنتين وأربعين سنة على حسب اختلاف الأقوال والروايات في تاريخ المولد والوفاة (أقام) منها مع أبيه ست سنين وأربعة أشهر أو خمسة أشهر أو ستة أشهر أو ثمان سنين الا نصف

= يتيسر لي ضبط اسمها هل هي بالصاد والراء المهملتين والياء المثناة من تحت كما في أكثر النسخ وهل الياء مشددة أو مخففة أو بالباء الموحدة أو بالقاف والنون كما يوجد ذلك كله في النسخ المختلفة فليضبط ، من وجده .
(1) وهو اللهم اني أسألك بالمولودين في رجب محمد بن علي الثاني وابنه علي بن محمد المنتجب الخ .
ـ المؤلف ـ
المجالس السنية ـ الجزء الخامس 642

شهر وبعد أبيه ثلاثا وثلاثين سنة أو وتسعة أشهر وهي مدة امامته وهي بقية ملك المعتصم ثم ملك الواثق والمتوكل والمنتصر والمستعين والمعتز وتوفي في آخر ملك المعتمد (وكانت) مدة اقامته بسر من رأى عشرين سنة أو عشرين وتسعة أشهر (وامه) أم ولد يقال لها سمانة المغربية (كنيته) أبو الحسن ويقال أبو الحسن الثالث (وأشهر القابه) الهادي ويلقب بالنجيب والمرتضى والنقي والمتوكل والعسكري وغيرها (قال) ابن الصباغ المالكي في الفصول المهمة : وكان ينهى أصحابه عن تلقيبه بالمتوكل لكونه يومئذ لقب الخليفة العباسي وسبب تسميته بالعسكري هو وابنه الحسن عليهما السلام ان المحلة التي سكناها بسامراء كانت تسمى عسكراً (وقال) سبط بن الجوزي انما نسب الى العسكر لأن المتوكل أشخصه الى سر من رأى فاقام بها اهـ . وكانت سامراء تسمى العسكر لأن عسكر المعتصم نزلها (نقش خاتمه) الله ربي وهو عصمتي من خلقه (بوابه) عثمان بن سعيد (شاعره) العوني والديلمي ومحمد بن اسماعيل الصيمري (له من الأولاد) أربعة ذكور وبنت واحدة وهم أبو محمد الحسن الامام بعده والحسين ومحمد توفي في حياة أبيه وجعفر وهو الذي ادعى الامامة بعد وفاة أخيه الحسن العسكري وعرف بجعفر الكذاب وعائشة .
قوم لهم في كل أرض مشهد لا بل لهم في كل قلب مشهد
قوم منـى والمـشعران لهم والمروتـان لهـم والـمسجد
قوم أتى في هل أتى مديحهم هـل شـك في ذلك الا ملحد


المجالس السنية ـ الجزء الخامس 643

المجلس الثاني

(أما صفته في خلقه وحليته) ففي الفصول المهمة صفته أسمر اللون (وأما صفته في أخلاقه وأطواره) ففي مناقب ابن شهر اشوب كان أطيب الناس مهجة وأصدقهم لهجة وأملحهم من قريب وأكملهم من بعيد اذا صمت علته هيبة الوقار واذا تكلم سماه البهاء وهو من بيت الرسالة والامامة ومقر الوصية والخلافة شعبة من دوحة النبوة منتضاة مرتضاة وثمرة من شجرة الرسالة مجتناة مجتباة وقال عبد الله بن يحيى بن خاقان لو رأيته لرأيت رجلا جليلا (جزلا ج ل) نبيلا خيراً فاضلا وفي شذرات الذهب كان فقيهاً اماماً متعبداً .
(وأما صفته في لباسه) فسيأتي في المجلس الرابع ان سعيد الحاجب وجد عليه جبة صوف وقلنسوة منها ولكن هذا لا يدل على ان ذلك كان لباسه دائماً بل الظاهر ان هذا كان لباسه حال الصلاة وانه حال مواجهة الناس كان يلبس لباساً نفيساً كآبائه .
هم آل ميراث النبي اذا اغتدوا وهم خير سادات وخير حماة
اذا لـم نـناج الله في صلواتنا بأسمائهم لم يقبل الصـلوات

* * *


السابق السابق الفهرس التالي التالي