المجالس السنية ـ الجزء الخامس 589

(وكان) ممن ورد على الرضا «ع» من الشعراء دعبل بن علي الخزاعي فقال اني قد قلت قصيدة وجعلت على نفسي ان لا انشدها أحداً قبلك فامره بالجلوس حتى خف مجلسه ثم قال هاتها فأنشده القصيدة المشهورة التي يقول فيها :
مدارس آيات خلت من تلاوة ومنزل وحي مقفر العرصات

فلما فرغ من انشادها دخل الرضا «ع» الى حجرته وأرسل اليه خادماً بخرقة خز فيها ستمائة دينار وقال قل له استعن بهذه على سفرك واعذرنا فقال دعبل لا والله ما هذا أردت وقال له البسني ثوباً من أثوابك وردها فردها الرضا «ع» وبعث اليه بجبة من ثيابه فخرج دعبل حتى ورد قما فلما رأوا الجبة معه أعطوه بها الف دينار فابى عليهم وقال لا والله ولا خرقة منها بالف دينار ثم خرج من قم فاتبعوه وقطعوا عليه الطريق وأخذوا الجبة فرجع الى قم وكلمهم فيها فقالوا ليس اليها سبيل ولكن ان شئت فهذه الف دينار خذها قال لهم وخرقة منها فاعطوه الف دينار وخرقة من الجبة (وروى) الصدوق في العيون ان المأمون بعد ما جعل الرضا «ع» ولي عهده زوجه ابنته ام حبيب (ام حبيبة خ ل) في أول سنة اثنتين ومائتين (وفي رواية) انه زوجه ابنته ام حبيبة وسمى للجواد ابنته ام الفضل وتزوج هو ببوران بنت الحسن بن سهل كل هذا في يوم واحد (وقال) علي بن الحسين المسعودي في كتاب اثبات الوصية لعلي بن ابي طالب : زوجه المأمون ابنته

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 590

وقيل اخته المكناة ام أبيها قال والرواية الصحيحة اخته أم حبيبة وسأله ان يخطب لنفسه فروى أحمد بن أبي نصر السكوني قال لما اجتمع الناس للاملاك خطب الرضا «ع» فقال :
الحمد لله الذي بيده مداد الأقدار وبمشيئته تتم الأمور وأشهد ان لا اله الا الله شهادة يواطئ القلب فيها اللسان والسر الاعلان وأشهد أن محمداً عبده ورسوله انتجبه نبياً فنطق البرهان بتحقيق نبوته . بعد أمراً لم ياذن الله فيه وقرب أمراً أومأت مشيئة الله اليه ونحن نتعرض ببركة الدعاء لخيرة القضاء والذي نذكر أم حبيبة أخت أمير المؤمنين عبد الله المأمون صلة للرحم وأمشاج الشبيكة وقد بذلت لها من الصداق خمسمائة درهم تزوجني يا أمير المؤمنين فقال المأمون نعم قد زوجتك فقال قد قبلت ورضيت ثم أدى الحال بالمأمون الى قتله بالسم فهدم ما بنى وأفسد ما أصلح فتوفي «ع» شهيداً غريباً ودفن بطوس .
وقبر بطوس يا لها من مصيبة الحت على الأحشـاء بالزفرات
علي بن موسى أرشد الله أمره و صلى عليه أفضـل الصلوات


المجلس الحادي عشر

لما بلغ بني العباس ببغداد بيعة المأمون للرضا «ع» ساءهم

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 591

ذلك وأخرجوا ابراهيم بن المهدي وكان مغنياً مشهوراً مولعاً بضرب العود منهمكا بالشراب فبايعوه بالخلافة وفيه يقول دعبل الخزاعي عليه الرحمة :
يا معشـر الأجناد لا تقنطوا خذوا عطاياكم ولا تسخطوا
فسـوف يعطيكـم حنينيـة (1) يلذهـا الأمـرد والأشمـط (2)
و المـعبديات (3) لقوادكـم لا تدخل الكيس ولا تربـط
وهكـذا يـرزق أصحـابه خليفة مصحفــه البربـط (4)

ووقعت الحرب بين الحسن بن سهل والي بغداد من قبل المأمون وبين ابراهيم بن المهدي واختل الأمر في عراق العرب والمأمون لا يعلم بذلك كان الفضل يخفي عنه الأخبار ولا يخبره أحد خوفاً من الفضل فاخبره الرضا «ع» بذلك وأشار عليه بالرحيل الى بغداد (وعن) ياسر الخادم ان الرضا «ع» كان اذا خلا جمع حشمه كلهم عنده ، الصغير والكبير فيحدثهم ويأنس بهم ويؤنسهم ويجلسهم معه على المائدة حتى السائس والحجام (قال) فبينما نحن

(1) أي نغمة من الأغاني منسوبة الى حنين المغني المشهور قال أبو الفرج في الأغاني كان من فحول المغنين .
(2) من في رأسه بياض يخالطه سواد .
(3) أي النغمات أو الأغاني المنسوبة الى معبد المغني المشهور .
(4) العود معرب بربط بفتح الباءين وكسر الراء أي صدر الأوز لأنه يشبهه .
ـ المؤلف ـ
المجالس السنية ـ الجزء الخامس 592

جلوس عنده اذ سمعنا وقع القفل الذي كان على باب المأمون الى دار الرضا «ع» فامرنا الرضا «ع» فتفرقنا فجاء المأمون فاراد الرضا «ع» القيام فاقسم عليه المأمون بحق المصطفى ان لا يقوم وانكب عليه وقبل وجهه وقعد بين يديه على وسادة وقرأ عليه كتابا فيه فتح لبعض قرى كابل فقال له الرضا «ع» وسرك ذلك قال أو ليس في ذلك سرور فقال يا أمير المؤمنين اتق الله في أمة محمد فانك قد ضيعت أمور المسلمين وفوضتها الى غيرك يحكم فيها بغير حكم الله وتركت بيت الهجرة وان أبناء المهاجرين والأنصار يظلمون دونك وياتي على المظلوم دهر لا يصل اليك قال يا سيدي فما ترى قال أرى ان تخرج الى موضع آبائك وأجدادك وتنظر في أمور المسلمين ولا تكلهم الى غيرك فقال نعم وبلغ ذلك ذا الرياستين فغمه وكان قد غلب على المأمون فجاء اليه وقال ما هذا بصواب قتلت بالأمس أخاك وأهل بيتك والعرب معادون لك ثم انك جعلت ولاية العهد لأبي الحسن والعامة والفقهاء وآل عباس لا يرضون بذلك والرأي ان تقيم بخراسان حتى ينسى ذلك وههنا مشايخ قد خدموا الرشيد فاستشرهم مثل علي بن عمران وابن مؤنس والجلودي وهؤلاء هم الذين نقموا بيعة الرضا «ع» فحبسهم المأمون وكانوا من القواد فلما كان من الغد دخل الرضا «ع» على المأمون وجيء بهؤلاء النفر من الحبس فاول من أدخل عليه علي بن عمران فقال أعيذك بالله يا أمير المؤمنين ان تخرج هذا الأمر وتجعله في أيدي أعدائكم ومن كان آباؤك يقتلونهم

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 593

ويشردونهم فقال المأمون يا ابن الزانية وأنت بعد على هذا ، قدمه يا حرسي فاضرب عنقه فضربت عنقه وادخل ابن مؤنس فقال يا أمير المؤمنين هذا الذي بجنبك يعني الرضا والله صنم يعبد من دون الله فقال له وفعل به كالأول ثم أدخل الجلودي وكان في خلافة الرشيد لما خرج محمد بن جعفر بالمدينة بعثه الرشيد وأمره إن ظفر به ان يضرب عنقه ويغير على دور آل أبي طالب ويسلب نساءهم ولا يدع على واحدة منهن الا ثوباً واحداً فبلغ ذلك الرضا «ع» فجعل النساء كلهن في بيت واحد ووقف على الباب فقال له الجلودي لا بد من دخول البيت وسلبهن فقال أنا اسلبهن لك ولم يزل يطلب اليه ويحلف له حتى سكن فلم يدع الرضا «ع» عليهن شيئاً حتى أقراطهن وخلاخيلهن وازرهن الا أخذه ، فلما أدخل الجلودي على المأمون استوهبه الرضا «ع» من المأمون فقال المأمون يا سيدي هذا الذي سلب بنات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فظن الجلودي إن الرضا عليه السلام يعين عليه لما كان سبق منه فقال يا أمير المؤمنين أسألك بالله ان لا تقبل قول هذا في فقال لا والله لا أقبل قوله فيك الحقه بصاحبيه فضربت عنقه وعلم ذو الرياستين حينئذ انه قد عزم على الخروج ثم ان المأمون خرج من مرو قاصداً الى بغداد ومعه الفضل ذو الرياستين وخرج معه الرضا عليه السلام قال ياسر الخادم فورد على الفضل بن سهل كتاب من أخيه الحسن بن سهل وهو وال على بغداد في ذلك الوقت ونحن في

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 594

بعض المنازل اني نظرت في تحويل السنة فوجدت فيه انك تذوق في شهر كذا وكذا يوم الاربعاء حر الحديد وحر النار وكان الحسن بن سهل عالماً بالنجوم وأرى أن تدخل أنت وأمير المؤمنين والرضا الحمام في هذا اليوم وتحتجم فيه وتصب على بدنك الدم ليزول عنك نحسه فكتب ذو الرياستين الى المأمون بذلك وسأله ان يسأل أبا الحسن الرضا عليه السلام ذلك فكتب المأمون الى أبي الحسن عليه السلام يسأله فيه فأجابه لست بداخل الحمام غداً فأعاد عليه الرقعة مرتين فكتب اليه لست بداخل الحمام غداً فاني رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في هذه الليلة فقال لي ياعلي لا تدخل الحمام غداً فلا أرى لك يا أمير المؤمنين ولا الفضل ان تدخلا الحمام غدا فكتب اليه المأمون صدقت يا أبا الحسن وصدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لست بداخل الحمام غداً والفضل أعلم بنفسه (قال ياسر) فلما أمسينا وغابت الشمس قال الرضا عليه السلام قولوا نعوذ بالله من شر ما ينزل في هذه الليلة فلم يزل يقول ذلك فلما صلى الرضا عليه السلام الصبح قال لي اصعد السطح فاستمع هل تجد شيئاً فلما صعدت سمعت الصيحة وكثرت وزادت فلم نشعر بشيء فاذا نحن بالمأمون قد دخل من الباب الذي كان من داره الى دار أبي الحسن عليه السلام وهو يقول يا سيدي يا أبا الحسن آجرك الله في الفضل فانه دخل الحمام ودخل عليه قوم بالسيوف فقتلوه (وأخذ) ممن دخل عليه ثلاثة نفر أحدهم ابن خالة الفضل فجيء بهم الى المأمون فقال لهم لم قتلتموه فقالوا اتق الله يا أمير المؤمنين قتلناه بامـرك فلم يلتفت

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 595

الى كلامهم وقتلهم وكان ذلك في شعبان سنة ثلاث ومئتين واجتمع الجند والقواد ومن كان من رجال الفضل على باب المأمون وقالوا هو اغتاله وشغبوا عليه وطلبوا بدمه وجاؤوا بالنيران ليحرقوا الباب فقال المأمون لأبي الحسن يا سيدي ترى ان تخرج اليهم وترفق بهم حتى يتفرقوا قال نعم وركب أبو الحسن وقال لي يا ياسر اركب فركبت فلما خرجنا من باب الدار نظر الى الناس وقد ازدحموا عليه فقال لهم بيده تفرقوا قال ياسر فاقبل الناس والله يقع بعضهم على بعض وما أشار الى أحد الا ركض ومضى لوجهه .
وقبض عليه السلام في ذلك السفر والمأمون متوجه الى بغداد شهيداً بالسم الذي دسه اليه المأمون ودفن بطوس في قرية يقال لها سناباد في القبة التي فيها قبر هارون الرشيد .
بـاءوا بـقتل الرضا من بعد بيعته وأبصـروا بعض يوم رشدهم فعموا
يا عصبة شقيت من بعد ما سعدت و معشراً هلكوا مـن بعد ما سـلموا
لا بـيعة ردعتـكم عـن دمـائهم و لا يميـن ولا قـربـى ولا ذمـم


المجلس الثاني عشر

روى علي بن أبراهيم عن ياسر الخادم و الريان بن الصلت قالوا

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 596

لما حضر العيد وكان المأمون قد عقد للرضا عليه السلام بولاية العهد بعث المأمون اليه في الركوب الى العيد والصلاة بالناس والخطبة فيهم فبعث اليه الرضا عليه السلام قد علمت ما كان بيني وبينك من الشروط فأعفني من الصلاة بالناس فقال له المأمون انما اريد بذلك ان تطمئن قلوب الناس ويعرفوا فضلك ولم تزل الرسل تتردد بينها في ذلك فلما ألح عليه المأمون أرسل اليه ان أعفيتني فهو أحب الي وان لم تعفني خرجت كما خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام فقال له المأمون اخرج كيف شئت وأمر القواد والحجاب والناس ان يبكروا الى باب الرضا عليه السلام فقعد الناس لابي الحسن عليه السلام في الطرقات والسطوح واجتمع النساء والصبيان ينتظرون خروجه وصار جميع القواد والجند الى بابه فوقفوا على دوابهم حتى طلعت الشمس فاغتسل ابو الحسن «ع» ولبس ثيابه وتعمم بعمامة بيضاء من قطن ألقى طرفا منها على صدره وطرفا بين كتفيه ومس شيئاً من الطيب وأخذ بيده عكازاً وقال لمواليه افعلوا مثلما فعلت فخرجوا بين يديه وهو حاف قد شمر سراويله الى نصف الساق وعليه ثياب مشمرة فمشى قليلا ورفع رأسه الى السماء وكبر وكبر مواليه معه ثم مشى حتى وقف على الباب فلما رآه القواد والجند على تلك الصورة سقطوا كلهم عن الدواب الى الارض وتحفوا وكان احسنهم حالا من كان معه سكين قطع بها شراك نعليه وكبر الرضا عليه السلام على الباب وكبر الناس معه فخيل لنا أن السماء

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 597

والحيطان تجاوبه وتزعزعت مرو بالبكاء والضجيج لما رأوا ابا الحسن «ع» وسمعوا تكبيره وبلغ المأمون ذلك فقال له الفضل ابن سهل ذو الرياستين يا امير المؤمنين ان بلغ الرضا المصلى على هذا السبيل افتتن به الناس وخفنا كلنا على دمائنا فابعث اليه أن يرجع فبعث اليه المأمون قد كلفناك شططا وأتعبناك ولسنا نحب أن تلحقك مشقة فارجع وليصل بالناس من كان يصلي بهم فدعا ابو الحسن «ع» بخفه فلبسه وركب ورجع «ثم» ان المأمون دس اليه السم (روى) الصدوق في العيون ان الرضا «ع» حم فعزم على الفصد فركب المأمون وقد كان قال لغلام له فت هذا بيدك لشيء أخرجه من برنية ففته في صينية ثم قال كن معي ولا تغسل يدك وركب الى الرضا «ع» وجلس حتى فصد بين يديه وقيل بل أخر فصده وقال المأمون لذلك الغلام هات من ذلك الرمان وكان الرمان في شجرة في بستان في دار الرضا «ع» فقطف منه ثم قال اجلس ففته ففت منه في جام فامر بغسله ثم قال للرضا «ع» مص منه شيئاً فقال حتى يخرج أمير المؤمنين فقال لا والله الا بحضرتي ولولا خوفي أن يرطب معدتي لمصصته معك فمص منه ملاعق وخرج المأمون قال الراوي فما صليت العصر حتى قام الرضا «ع» خمسين مجلساً وزاد الامر في الليل فاصبح «ع» ميتاً فكان آخر ما تكلم به قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل الى مضاجعهم وكان أمر الله قدراً مقدوراً وبكر المأمون من الغد فامر بغسله وتكفينه ومشى خلف جنازته حافياً

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 598

حاسراً يقول يا أخي لقد ثلم الاسلام بموتك وغلب القدر تقديري فيك وشق لحد الرشيد فدفنه معه وقال أرجو أن ينفعه الله تعالى بقربه (1) .
باءوا بقتـل الرضا من بعد بيعته وابصروا بعض يوم رشدهم فعموا


المجلس الثالث عشر

(قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) ستدفن بضعة مني بارض خراسان لا يزورها مؤمن الا اوجب الله عزوجل له الجنة وحرم جسده على النار (وفي رواية) ما زارها مكروب الا نفس الله كربته ولا مذنب الا غفر الله ذنوبه (وقال امير المؤمنين عليه السلام) سيقتل رجل من ولدي بارض خراسان بالسم ظلما اسمه اسمي واسم ابيه اسم ابن عمران موسى عليه السلام الا فمن زاره في غربته غفر الله له ذنوبه ما تقدم منها وما تاخر ولو كانت مثل عدد النجوم وقطر الامطار وورق الاشجار (وقال الكاظم عليه السلام) من زار قبر ولدي علي كان له عند الله عزوجل سبعون

(1) اكثر الروايات على انه دفن في لحد مستقل في قبة قبر الرشيد

ـ المؤلف ـ

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 599

حجة مبرورة قيل سبعون حجة مبرورة قال وسبعون الف حجة قيل سبعون الف حجة قال رب حجة لا تقبل . من زاره وبات عنده ليلة كان كمن زار الله في عرشه الحديث (وقال الرضا عليه السلام) اني ساقتل بالسم مظلوما وادفن الى جنب هارون الرشيد ويجعل الله عزوجل تربتي مختلف شيعتي واهل محبتي فمن زارني في غربتي وجبت له زيارتي (وقال) الرضا «ع» زيارتي تعدل عند الله عز وجل الف حجة (فقيل) للباقر «ع» الف حجة قال اي والله والف الف حجة لمن زاره عارفا بحقه وسئل الصادق «ع» ما عرفان حقه قال يعلم انه امام مفترض الطاعة (وفي رواية) عن الصادق «ع» اعطاه الله اجر من انفق من قبل الفتح وقاتل (وفي رواية) اجر سبعين شهيدا ممن استشهد بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (وقال) الرضا «ع» من زارني على بعد داري اتيته يوم القيامة في ثلاثة مواطن حتى اخلصه من اهوالها عند تطاير الكتب وعند الصراط وعند الميزان (وقال) خراساني للرضا «ع» رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المنام كأنه يقول لي كيف انتم اذا دفن في ارضكم بضعتي واستحفظتم وديعتي وغيب في ثراكم نجمي فقال له الرضا «ع» انا المدفون في ارضكم وانا بضعة من نبيكم وانا الوديعة والنجم الا فمن زارني وهو يعرف ما اوجب الله تبارك وتعالى من حقي وطاعتي فانا وآبائي شفعاؤه يوم القيامة ومن كنا شفعاؤه يوم القيامة نجا ولو كان عليه مثل وزر الثقلين (وقال) الرضا «ع» والله ما منا الا مقتول شهيد فقيل له فمن يقتلك يا ابن رسول الله

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 600

قال شر خلق الله في زماني يقتلني بالسم ثم يدفنني في دار مضيعة وبلاد غربة ألا فمن زارني في غربتي كتب الله عزوجل له اجر مائة الف شهيد ومائة الف صديق ومائة الف حاج ومعتمر ومائة الف مجاهد وحشر في زمرتنا وجعل في الدرجات العلى من الجنة رفيقنا (وعن) محول السبحستاني قال لما ورد البريد باشخاص الرضا «ع» الى خراسان كنت بالمدينة فدخل المسجد ليودع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فودعه مرارا كل ذلك يرجع الى القبر ويعلو صوته بالبكاء والنحيب فتقدمت اليه وسلمت عليه وهناته فقال ذرني فاني اخرج من جوار جدي صلى الله عليه وآله وسلم فاموت في غربة وادفن في جنب هارون فخرجت متبعا لطريقه حتى مات بطوس ودفن الى جنب هارون (وروى) فيه بسنده ان الرضا «ع» قال اني حيث ارادوا الخروج بي من المدينة جمعت عيالي فامرتهم ان يبكوا علي حتى اسمع ثم فرقت فيهم اثني عشر الف دينار ثم قلت اما اني لا ارجع الى عيالي ابدا (وعن) كتاب الدلائل للحميري عن امية بن علي قال كنت مع ابي الحسن الرضا عليه السلام بمكة في السنة التي حج فيها ثم صار الى خراسان ومعه ولده ابو جعفر الجواد وابو الحسن يودع البيت فلما قضى طوافه عدل الى المقام فصلى عنده فصار ابو جعفر على عنق موفق الخادم يطوف به فصار ابو جعفر الى الحجر فجلس فيه فطال فقال له موفق قم جعلت فداك فقال ما اريد ان ابرح من مكاني هذا الا ان يشاء الله واستبان في وجهه الغم فقال موفق لأبي الحسن جعلت فداك

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 601

قد جلس ابو جعفر في الحجر وهو يأبى ان يقوم فأتى ابو الحسن فقال قم يا حبيبي فقال ما أريد ان ابرح من مكاني هذا فقال بلى يا حبيبي ثم قال كيف اقوم وقد ودعت البيت وداعا لا ترجع اليه فقال له قم يا حبيبي فقام معه (وفي الخرائج) عن الحسن بن عباد كاتب الرضا عليه السلام انه قال دخلت عليه وقد عزم المأمون بالمسير الى بغداد فقال يا ابن عباد ما ندخل العراق ولا نراه فبكيت وقلت آيستني ان آتي اهلي وولدي قال اما انت فستدخلها وانما عنيت نفسي وتوفي الرضا عليه السلام شهيداً بالسم وهو خارج بصحبة المأمون والمأمون متوجه من مرو الى بغداد فاعتل الرضا عليه السلام في الطريق قبل طوس بسبعة منازل فدس اليه المأمون سما (1) وهو في اثناء علته فلما وصلوا الى طوس الى قرية يقال لها سناباد توفي

(1) تدل على سم المأمون للرضا عليه السلام روايات كثيرة وبه قال الصدوق وهو المشهور بين علماء الامامية على ما قاله الفاضل الصالح في حواشي الكافي ثم قال وقيل مات بأجله وروى سمه له المفيد في الارشاد وابو الفرج في المقاتل وجماعة آخرون ويدل على شهرته ذكر ابي فراس الحمداني له في قصيدته بقوله :
(باءوا بقتل الرضا من بعد بيعته) . ولم يذكر الكليني انه مات مسموما
(وفي كشف الغمة) بلغني ممن اثق به أن السيد رضي الدين علي بن طاوس كان لا يوافق على ان المأمون سمه ولا يعتقده وذكر في كشف الغمة وجوها تبعد كون المأمون سمه كلها ضعيفة واذا

=

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 602

الرضا «ع» في تلك القرية وكان السبب في سم المأمون للرضا «ع» امور قوى بعضها بعضا «روى» الصدوق بسنده ان المأمون لما اراد ان ياخذ البيعة لنفسه بامرة المؤمنين وللرضا «ع» بولاية العهد وللفضل بن سهل بالوزارة امر بثلاثة كراسي فنصب لهم فلما قعدوا عليها أذن للناس فدخلوا يبايعون فكانوا يصفقون بايمانهم على ايمان الثلاثة من اعلى الابهام الى الخنصر ويخرجون حتى بايع في آخر الناس فتى من الانصار فصفق بيمينه من الخنصر الى اعلى الابهام فتبسم ابو الحسن الرضا «ع» ثم قال كل من بايعنا بايع بفسخ البيعة غير هذا الفتى فانه بايعنا بعقدها فقال المأمون وما فسخ البيعة من عقدها قال ابو الحسن «ع» عقد البيعة هو من اعلى الخنصر الى اعلى الابهام وفسخها من اعلى الابهام الى اعلى الخنصر فماج الناس في ذلك وامر المأمون باعادة الناس الى البيعة على ما وصفه ابو الحسن «ع» وقال الناس كيف يستحق الامامة من لا يعرف عقد البيعة ان من علم لأولى بها ممن لا يعلم فحمله ذلك على ما فعله من سمه (وروى) الصدوق في العيون عن احمد بن علي

= صح النقل في ذلك فالروايات لا تدفع بالاستبعاد مع انه لا استبعاد فكم قتل الملوك آباءهم وابناءهم واخوانهم وقتلوا الانبياء والرسل والاولياء والصلحاء خوفا على الملك ولا يمتنع من المأمون ان ينقلب عما حصل منه من اكرام الرضا «ع» ومعرفة حقه مع تشيعه لحسد اوغاية من الغايات التي تعرض لامثاله والله اعلم
ـ المؤلف ـ
المجالس السنية ـ الجزء الخامس 603

الأنصاري قال سالت ابا الصلت الهروي فقلت كيف طابت نفس المأمون بقتل الرضا مع اكرامه ومحبته له وما جعل له من ولاية العهد بعده فقال ان المأمون انما كان يكرمه ويحبه لمعرفته بفضله وجعل له ولاية العهد من بعده ليري الناس انه راغب في الدنيا فيسقط محله من نفوسهم فلما لم يظهر منه في ذلك للناس الا ما زاد به فضلا عندهم ومحلا في نفوسهم جلب عليه المتكلمين من البلدان طمعا في ان يقطعه واحد منهم فيسقط محله عند العلماء وبسببهم يشتهر نقصه عند العامة فكان لا يكلمه خصم من اليهود والنصارى والمجوس والصابئين والبراهمة والملحدين والدهرية ولا خصم من فرق المسلمين المخالفين له الا قطعه والزمه الحجة وكان الناس يقولون والله انه اولى بالخلافة من المأمون فكان اصحاب الاخبار يرفعون ذلك اليه فيغتاظ من ذلك ويشتد حسده له (وروى) الصدوق ان الرضا «ع» كان لا يحابي المأمون في حق وكان يجيبه بما يكره في اكثر احواله فيغيظه ذلك ويحقده عليه ولا يظهره له فلما اعيته الحيلة في امره اغتاله فقتله بالسم (وقال) الصدوق كان متى ما ظهر للمامون من الرضا «ع» فضل علم وحسن تدبير حسده على ذلك وحقد عليه حتى ضاق صدره فقتله بالسم ومضى الى رضوان الله تعالى وكرامته (وقال المفيد) عليه الرحمة كان الرضا «ع» يكثر وعظ المأمون اذا خلا به ويخوفه الله ويقبح له ما يرتكبه من خلافه وكان المأمون يظهر قبول ذلك منه ويبطن كراهيته واستثقاله (ودخل) الرضا «ع» يوما عليه

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 604

فرآه يتوضا للصلاة والغلام يصب الماء على يديه فقال لا تشرك يا امير المؤمنين بعبادة ربك احدا فصرف المأمون الغلام وتولى تمام وضوئه بنفسه وزاد ذلك في غيظه ووجده (وكان) الرضا «ع» يزري على الحسن والفضل ابني سهل عند المأمون اذا ذكرهما ويصف له مساويهما وينهاه عن الاصغاء الى قولهما وعرفا ذلك منه فجعلا يحطبان عليه عند المأمون ويذكران له عنه ما يبعده منه ويخوفانه من حمل الناس عليه فلم يزالا كذلك حتى قلبا رأيه فيه وعمل على قتله فاتفق انه اكل هو والمأمون يوما طعاما فاعتل منه الرضا «ع» واظهر المأمون تمارضا (وقال ابو الفرج الاصبهاني) فلما ثقل تمارض المأمون واظهر انهما اكلا عنده جميعا طعاما ضارا فمرضا ولم يزل الرضا «ع» مريضا حتى توفي (وقد) اختلف في كيفية سم المأمون له (ففي رواية) انه سمه في العنب (وفي رواية) في الرمان ويمكن ان يكون سمه في كليهما (فعن) محمد بن الجهم انه قال كان الرضا«ع» يعجبه العنب فاخذ له منه شيء فجعل في اقماعه الابر المسمومة وتركت اياما وكان ذلك من لطيف السم ثم نزعت منه وجيء به اليه فاكل منه وهو في علته التي تقدم ذكرها فقتله (وعن) عبد الله بن بشير خادم المأمون قال امرني المأمون ان اطول اظفاري على العادة ولا اظهر ذلك لاحد ففعلت ثم استدعاني فاخرج الي شيئاً يشبه التمر الهندي وقال لي اعجن هذا بيديك جميعا ففعلت ثم دخل على الرضا «ع» فقال له المأمون ما خبرك قال ارجو ان اكون صالحا قال له انا اليوم بحمد الله

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 605

ايضا صالح فهل جاءك احد من المترفقين (يعني الأطباء) في هذا اليوم قال لا فغضب المأمون وصاح على غلمانه ثم قال للرضا «ع» خذ ماء الرمان الساعة فانه ما لا يستغنى عنه (قال) عبد الله بن بشير ثم دعاني فقال إئتنا برمان فاتيته به فقال لي اعصره بيديك ففعلت فسقاه المأمون الرضا «ع» بيده فكان ذلك سبب وفاته ولم يلبث الا يومين حتى توفي .
(وفي رواية) ان المأمون قال لبعض من في خدمته طوّل أظفارك ولا تقلمها قال فطولتها حتى استحييت من الناس من طولها فحضرته يوماً فدعا بمزود مختوم فامرني بفضه وادخال يدي فيه وتقليب الدواء الذي فيه ففعلت وكان فيه شيء مطحون مثل الذريرة البيضاء فامتلت أظفاري منه ثم قال قم بنا فلم أدر ما يريد فدخل من باب كان بينه وبين دار الرضا وكان قد أنزله في دار معه تلاصق داره وكان الرضا «ع» يحم فجلس عنده وسأله عن خبره ثم قال له الصواب ان تمص رماناً أو تشرب ماءه فقال ما بي اليه حاجة فاقسم عليه ليفعلن وكان في بستان الدار شجرة رمان حامل فامر الخادم فقطف منها رمانة ثم قال لي تقدم فقشرها وفتها فقلت في نفسي انا لله وانا اليه راجعون هذه والله المصيبة العظمى ففتت الرمانة في جام بلور أحضره الخادم ودعا بملعقة فناوله من يده ثلاث ملاعق فلما رفع اليه الرابعة قال له حسبك قد أتيت على ما احتجت اليه وبلغت مرادك فنهض المأمون فلم يمس يومنا حتى ارتفع الصراخ (وفي رواية) ان المأمون

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 606

قال لغلام له فت هذا بيدك لشيء أخرجه من برنية ففته في صينية ثم قال كن معي ولا تغسل يدك وركب الى الرضا «ع» وقال المأمون لذلك الغلام هات من ذلك الرمان وكان في شجرة في بستان في دار الرضا «ع» فقطف منه ثم قال اجلس ففته ففت منه في جام فامر بغسله ثم قال للرضا «ع» مص منه شيئاً فقال حتى يخرج أمير المؤمنين فقال لا والله الا بحضرتي ولولا خوفي ان يرطب معدتي لمصصته معك فمص منه ملاعق وخرج المأمون (قال الراوي) فما صليت العصر حتى قام الرضا «ع» خمسين مجلساً وزاد الأمر في الليل فاصبح «ع» ميتاً فكان آخر ما تكلم به قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل الى مضاجعهم وكان امر الله قدراً مقدوراً (وعن) أبي الصلت الهروي انه قال دخلت على الرضا «ع» وقد خرج المأمون من عنده فقال لي يا أبا الصلت قد فعلوها (أي سقوني السم) وجعل يوحد الله ويمجده (وعن) ياسر الخادم قال لما كان بيننا وبين طوس سبعة منازل اعتل ابو الحسن الرضا «ع» فدخلنا طوس وقد اشتدت به العلة فبقينا بطوس اياما فكان المأمون ياتيه في كل يوم مرتين فلما كان في آخر يومه الذي قبض فيه كان ضعيفاً في ذلك اليوم فقال لي بعد ما صلى الظهر يا ياسر أكل الناس شيئاً قلت يا سيدي من يأكل ها هنا مع ما أنت فيه فانتصب «ع» ثم قال هاتوا المائدة ولم يدع من حشمه أحداً الا أقعده معه على المائدة يتفقد واحداً واحداً فلما أكلوا قال ابعثوا الى النساء بالطعام فحمل الطعام

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 607

الى النساء فلما فرغوا من الأكل أغمي عليه وضعف فوقعت الصيحة وجاءت جواري المأمون ونساؤه حافيات حاسرات ووقعت الوجبة بطوس وجاء المأمون حافياً حاسراً يضرب على رأسه ويقبض على لحيته ويتاسف ويبكي وتسيل الدموع على خديه فوقف على الرضا «ع» وقد أفاق فقال يا سيدي والله ما أدري أي المصيبتين أعظم علي فقدي لك وفراقي اياك أو تهمة الناس لي اني اغتلتك وقتلتك فرفع الرضا «ع» طرفه اليه ثم قال احسن يا أمير المؤمنين معاشرة أبي جعفر فان عمرك وعمره هكذا وجمع بين سبابتيه فلما كانت تلك الليلة قضى بابي هو وأمي غريباً شهيداً مسموماً صابراً محتسباً بعد ما ذهب من الليل بعضه فلما أصبح الصباح اجتمع الخلق وقالوا هذا قتله واغتاله (أي المأمون) وقالوا قتل ابن رسول الله وأكثروا القول والجلبة وكان محمد بن جعفر عم الرضا «ع» استامن الى المأمون وجاء الى خراسان (وعلى رواية المفيد) ان المأمون استدعاه الى خراسان حين استدعى الرضا «ع» فقال له المأمون يا أبا جعفر اخرج الى الناس وأعلمهم ان أبا الحسن لا يخرج اليوم وكره ان يخرجه فتقع الفتنة فقال لهم محمد بن جعفر ذلك فتفرقوا وغسل ابو الحسن «ع» في الليل ودفن (وفي رواية) ان المأمون كتم موت الرضا «ع» يوماً وليلة ثم أنفذ الى محمد بن جعفر الصادق وجماعة آل أبي طالب الذين كانوا عنده فلما حضروا نعاه اليهم وبكى وأظهر حزنا شديداً وتوجداً وأراهم اياه صحيح البدن وقال يعز علي يا أخي ان أراك في هذه

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 608

الحال قد كنت أؤمل ان اقدم قبلك فابى الله الا ما أراد ثم أمر بتغسيله وتكفينه وتحنيطه وخرج مع جنازته يحملها (وفي رواية) مشى خلف جنازته حافياً حاسراً يقول يا أخي لقد ثلم الاسلام بموتك وغلب القدر تقديري فيك ، حتى انتهى الى الموضع الذي فيه قبره الآن فدفنه فيه في القبة التي فيها قبر أبيه الرشيد في قبلته (وفي رواية) انه شق لحد الرشيد فدفنه معه وقال أرجو ان ينفعه الله تعالى بقربه ولكن دعبل الخزاعي يقول :
قبـران فـي طوس خير الناس كلهم و قبـر شرهـم هـذا مـن العبـر
ما ينفع الرجس من قرب الزكي و ما على الزكي بقرب الرجس من ضرر
هيهات كـل امرئ رهن بما كسبـت لـه يـداه فخـذ ما شئـت أو فـذر

وتلك القبة في دار حميد بن قحطبة الطائي في قرية يقال لها سنااباد من قرى طوس .
الا ايها القبر الغريب محله بطوس عليك الساريات هتون

* * *

يا أرض طوس تجاوزت السماء علا اذ لابن موسى الرضا ضمنت جثمانا
سقـاك يا طوس وسمي الحيا وهمى فـي أجرعيـك و روى الرند والبانا


السابق السابق الفهرس التالي التالي