المجالس السنية ـ الجزء الخامس 571

عاتقه والناس كلهم قيام على طبقاتهم ينظرون اليه وهم ما بين صارخ وباك ومتمرغ في التراب ومقبل لحافر بغلته وعلا الضجيج فصاحت الائمة والعلماء والفقهاء معاشر الناس اسمعوا وعوا وانصتوا لسماع ما ينفعكم ولا تؤذونا بكثرة صراخكم وبكائكم وكان المستملي ابو زرعة ومحمد بن اسلم الطوسي فقال علي بن موسى الرضا عليه السلام : حدثني ابي موسى الكاظم عن ابيه جعفر الصادق عن ابيه محمد الباقر عن ابيه علي زين العابدين عن ابيه الحسين شهيد كربلاء عن ابيه علي بن ابي طالب انه قال حدثني حبيبي وقرة عيني رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال حدثني جبرئيل قال سمعت رب العزة سبحانه وتعالى يقول كلمة لا الله الا الله حصني فمن قالها دخل حصني ومن دخل حصني امن عذابي ، ثم ارخى الستر على القبة وسار فعدوا اهل المحابر والدوي (1) الذين كانوا يكتبون فانافوا على العشرين الفا (وفي رواية) عد من المحابر اربعة وعشرون الفا سوى الدوى (قال) الاستاذ ابو القاسم القشيري اتصل هذا الحديث بهذا السند ببعض الامراء السامانية فكتبه بالذهب واوصى ان يدفن معه في قبره فرؤي بالنوم بعد موته فقيل له ما فعل الله بك قال غفر الله لي بتلفظي بلا اله الا الله وتصديقي بان محمدا رسول الله صلى الله عليه واله وسلم (وروى) الصدوق في العيون بسنده انه لما

(1) الدوى بفتح الدال والواو جمع دواة كنواة ونوى والدوي على فعول جمع ايضا وقيل جمع الجمع .
ـ المؤلف ـ
المجالس السنية ـ الجزء الخامس 572

وافى ابو الحسن الرضا عليه السلام نيسابور واراد ان يرحل منها الى المأمون اجتمع اليه اصحاب الحديث فقالوا له يا ابن رسول الله ترحل عنا ولا تحدثنا بحديث فنستفيده منك وقد كان قعد في العمارية فاطلع راسه وقال سمعت ابي موسى بن جعفر يقول سمعت ابي جعفر بن محمد يقول سمعت ابي محمد بن علي يقول سمعت ابي علي بن الحسين يقول سمعت ابي الحسين بن علي يقول سمعت ابي امير المؤمنين علي بن ابي طالب يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقول سمعت جبريل عليه السلام يقول سمعت الله عز وجل يقول لا اله الا الله حصني فمن دخل حصني امن من عذابي فلما مرت الراحلة نادانا بشروطها وانا من شروطها (1) (اقول) وهذا هو الحديث

(1) وفي بعض الروايات انه كان في من خرج اليه من علماء نيسابور محمد بن رافع واحمد بن الحارث ويحيى بن يحيى واسحاق ابن راهويه وانه اخرج راسه من العمارية وعليه مطرف خز ذو وجهين ( وفي رواية) ان الذي رواه لهم اني انا الله لا اله الا انا وحدي عبادي فاعبدوني وليعلم من لقيني منكم بشهادة ان لا اله الا الله مخلصا بها انه قد دخل حصني ومن دخل حصني امن عذابي فقالوا يا ابن رسول الله وما اخلاص الشهادة لله قال طاعة الله وطاعة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وولاية اهل بيته (وفي رواية) اني انا الله لا اله الا انا فاعبدوني من جاء منكم بشهادة ان لا اله الا الله بالاخلاص دخل في حصني ومن دخل حصني امن عذابي .
المجالس السنية ـ الجزء الخامس 573

المشهور الذي يسمى بسلسة الذهب ويكتب مع سنده في اكفان الموتى تبركا به ويروى انه كان عند عبد الله بن طاهر ابو الصلت الهروي واسحاق بن راهويه واحمد بن محمد بن حنبل فقال ليحدثني كل رجل منكم بحديث فقال ابو الصلت حدثني علي بن موسى الرضا وكان والله رضا كما سمي عن أبيه موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي ابن الحسين عن ابيه الحسين عن ابيه علي عليهم السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الايمان قول وعمل فقال أحمد بن محمد بن حنبل ما هذا الاسناد فقال له عبد الله بن طاهر هذا سعوط المجانين اذا سعط به المجنون أفاق .
هم آل مـيراث النبي اذا اعتزوا وهم خير سـادات وخير حمـاة
اذا لم نـناج الله فـي صلواتـنا باسـمائهم لـم يقبل الصلـوات
مطاعيم في الأقتار في كل مشهد لقد شرفـوا بالفضل والبركـات


المجلس التاسع

كان الرشيد قد بايع لابنه محمد الأمين بن زبيدة وبعده لأخيه عبد الله المأمون وبعدهما لأخيهما القاسم المؤتمن وجعل أمر عزله وابقائه بيد المأمون وكتب بذلك صحيفة وأودعها في جوف

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 574

الكعبة وقسم البلاد بين الأمين والمأمون فجعل شرقيها للمأمون وأمره بسكنى مرو وغربيها للأمين وأمره بسكنى بغداد فكان المأمون في حياة أبيه في مرو ثم ان الأمين بعد موت أبيه في خراسان خلع أخاه المأمون من ولاية العهد وبايع لولد له صغير فوقع الحرب بينهما فنذر المأمون حين ضاق به الأمر ان أظفره الله بالأمين ان يجعل الخلافة في أفضل آل أبي طالب فلما قتل أخاه الأمين واستقل بالسلطنة وجرى حكمه في شرق الأرض وغربها كتب الى الرضا عليه السلام يستقدمه الى خراسان فاعتل عليه الرضا عليه السلام بعلل كثيرة فما زال المأمون يكاتبه ويسأله حتى علم الرضا عليه السلام انه لا يكف عنه فأجابه فبعث المأمون رجاء بن أبي الضحاك وياسر الخادم الى المدينة ليشخصا اليه الرضا ومحمد بن جعفر عم الرضا وجماعة من آل أبي طالب وذلك في سنة مائتين من الهجرة وكان عمر الجواد بن الرضا يومئذ سبع سنين (وروى) الكليني ان المأمون كتب الى الرضا عليه السلام لا تأخذ على طريق الجبل (1) وقم وخذ على طريق البصرة والأهواز وفارس (2) وفي رواية الصدوق لا تأخذ على طريق الكوفة وقم (3) وتدل بعض

(1) المراد بالجبل همدان ونهاوند وطبرستان وتسمى بلاد الجبل .
(2) فارس هي شيراز وما والاها .
(3) كأن علة النهي كثرة الشيعة في ذلك الطريق فخاف توازرهم واجتماعهم عليه .
ـ المؤلف ـ
المجالس السنية ـ الجزء الخامس 575

الروايات على انه عليه السلام جاء من البصرة الى الكوفة (قال المسعودي) في اثبات الوصية فروي ان المأمون استقبل الرضا عليه السلام واعظمه وأكرمه وأظهر فضله واجلاله (وقال المفيد) فلما وصلوا الى مرو أنزلهم المأمون داراً وأنزل الرضا عليه السلام داراً وأكرمه وعظم أمره ثم أنفذ اليه اني اريد ان أخلع نفسي من الخلافة واقلدك اياها فما رأيك في ذلك فانكر الرضا «ع» هذا الأمر وقال له اعيذك بالله يا أمير المؤمنين من هذا الكلام وان يسمع به أحد وجرت في ذلك مخاطبات كثيرة وبقوا في ذلك نحواً من شهر كل ذلك يأبى عليه الرضا «ع» (وقال المسعودي) في اثبات الوصية ان الرضا «ع» قال للمأمون ان هذا الأمر ليس بكائن فينا الا بعد يملك تلك أكثر من عشرين رجلا بعد خروج السفياني فألح عليه فامتنع ثم أقسم فأبر قسمه بان يعقد له الأمر بعده (وقال) المفيد فأرسل اليه المأمون فاذا أبيت ما عرضت عليك فلا بد من ولاية العهد من بعدي فأبى عليه الرضا إباء شديداً فاستدعاه اليه وخلا به ومعه وزيره الفضل بن سهل ذو الرياستين (1) ليس في المجلس غيرهم وقال اني قد رأيت ان اقلدك أمر المسلمين وأفسخ ما في رقبتي واضعه في رقبتك فقال له الرضا الله الله يا أمير المؤمنين انه لا طاقة لي بذلك ولا قوة لي عليه قال له فاني موليك العهد من بعدي فقال له اعفني من ذلك يا أمير المؤمنين فقال له المأمون

(1) الوزارة ورياسة الجند .
ـ المؤلف
المجالس السنية ـ الجزء الخامس 576

كلاماً فيه كالتهديد له على الامتناع عليه وقال في كلامه ان عمر بن الخطاب جعل الشورى في ستة أحدهم جدك أمير المؤمنين علي بن ابي طالب وشرط فيمن خالف منهم ان يضرب عنقه ولا بد من قبولك ما اريده منك فاني لا أجد محيصاً عنه فقال له الرضا «ع» فاني أجيبك الى ما تريد من ولاية العهد على أنني لا آمر ولا انهى ولا افتي ولا اقضي ولا اولي ولا اعزل ولا اغير شيئاً مما هو قائم فاجابه المأمون الى ذلك كله (فيحكى) عن ذي الرياستين انه قال ما رأيت خلافة أضيع منها أمير المؤمنين يقتصى منها ويعرضها على علي بن موسى وهو يرفضها ويأباها ويقول لا طاقة لي بها ولا قوة (ودعا) المأمون القواد والقضاة والشاكرية (1) وولد العباس الى ذلك فاضطربوا عليه فأخرج أموالا كثيرة وارضى القواد الا ثلاثة أبوا ذلك ، الجلودي وعلي بن عمران وابن مؤنس فحبسهم وأنفق المأمون على ذلك أموالا كثيرة (وفي رواية) ان المأمون قال للرضا «ع» يا ابن رسول الله قد عرفت فضلك وزهدك وعلمك وورعك وعبادتك وأراك أحق بالخلافة مني فقال «ع» بالعبودية لله عزوجل أفتخر وبالزهد في الدنيا أرجو النجاة من شر الدنيا وبالورع عن المحارم أرجو الفوز بالمغانم وبالتواضع في الدنيا ارجو الرفعة عند الله عزوجل (فقال المأمون) فاني قد

(1) الشاكري الاجير والمستخدم معرب جاكر .
ـ المؤلف ـ
المجالس السنية ـ الجزء الخامس 577

رأيت ان أعزل نفسي عن الخلافة وأجعلها لك وأبايعك (فقال) له الرضا «ع» ان كانت هذه الخلافة لك وجعلها الله لك فلا يجوز ان تخلع لباساً البسكه الله وتجعله لغيرك وان كانت الخلافة ليست لك فلا يجوز لك ان تجعل لي ما ليس لك (فقال) له المأمون يا ابن رسول الله لا بد لك من قبول هذا الامر فقال «ع» لست أفعل ذلك طائعاً أبداً فما زال يجهد به أياماً حتى يئس من قبوله (فقال) ان لم تقبل الخلافة فكن ولي عهدي (فقال ع) لقد حدثني أبي عن آبائه عن أمير المؤمنين «ع» عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اني أخرج من الدنيا قبلك مقتولا بالسم تبكي علي ملائكة السماء وملائكة الأرض وادفن في أرض غربة الى جنب هارون الرشيد فبكى المأمون ثم قال يا ابن رسول الله ومن الذي يقتلك أو يقدر على الاساءة اليك وانا حي فقال الرضا «ع» أما اني لو اشاء لقلت من الذي يقتلني فقال المأمون يا ابن رسول الله انما تريد بقولك هذا التخفيف عن نفسك الى ان قال له لئن قبلت ولاية العهد والا اجبرتك على ذلك فقال الرضا «ع» فان كان الأمر على هذا فانا أقبل على ان لا أولي أحداً ولا أعزل أحداً ولا انقض رسما ولا سنة واكون في الأمر من بعيد مشيراً فرضى منه بذلك (وفي رواية) انه لما الح عليه المأمون وتهدده قال اللهم انك قد نهيتني عن الالقاء بيدي الى التهلكة وقد اكرهت واضطررت كما اضطر يوسف

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 578

ودانيال اذا قبل كل واحد منهما الولاية من طاغية زمانه (1) اللهم لا عهد الا عهدك ولا ولاية الا من قبلك فوفقني لاقامة دينك واحياء سنة نبيك فانك انت المولى والنصير ونعم المولى انت ونعم النصير ثم قبل ولاية العهد من المأمون وهو باك حزين (وفي رواية) ان المأمون لما أراد العقد للرضا «ع» أحضر الفضل بن سهل فاعلمه بما قدم عزم عليه وأمره بالاجتماع مع أخيه الحسن بن سهل على ذلك ففعل واجتمعا بحضرته فجعل الحسن يعظم ذلك عليه ويعرفه ما في اخراج الأمر من أهله عليه فقال له المأمون اني عاهدت الله على اني ان ظفرت بالمخلوع (يعني الأمين) أخرجت الخلافة الى افضل آل ابي طالب وما اعلم احداً افضل من هذا الرجل على وجه الأرض فلما رأى الحسن والفضل عزيمته على ذلك امسكا عن معارضته فارسلهما الى الرضا «ع» فعرضا ذلك عليه فامتنع منه فلم يزالا به حتى أجاب ورجعا الى المأمون فعرفاه اجابته فسر بذلك واسقط بيعة اخيه المؤتمن وعزم على البيعة للرضا «ع» بولاية العهد وجلس للخاصة في يوم خميس وخرج الفضل بن سهل فاعلم الناس برأي المأمون في علي بن موسى وانه قد ولاه عهده وسماه الرضا وأمرهم بلبس الخضرة التي هي شعار

(1) لا ينافي ذلك كون ولاية يوسف بطلب منه حيث قال اجعلني على خزائن الأرض لأن المراد انه اضطر الى اظهار كون ولايته من قبل الجائر مع انها من قبله تعالى .
ـ المؤلف ـ
المجالس السنية ـ الجزء الخامس 579

العلويين بدل السواد الذي هو شعار العباسيين (1) والعود لبيعته في الخميس الآخر على ان ياخذوا رزق سنة فلما كان ذلك اليوم ركب الناس على طبقاتهم من القواد والحجاب والقضاة وغيرهم في الخضرة وجلس المأمون ووضع للرضا عليه السلام وسادتين عظيمتين حتى لحق بمجلسه وفرشه واجلس الرضا «ع» عليهما في الخضرة وعلى رأسه عمامة وهو متقلد سيفاً (فروي) ان المأمون صعد المنبر لما بايع الرضا «ع» فقال أيها الناس جاءتكم بيعة علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب والله لو قرئت هذه الأسماء على الصم البكم لبرئوا باذن الله عزوجل ثم أمر ابنه العباس بن المأمون ان يبايع له أول الناس فرفع الرضا «ع» يده فتلقى بظهرها وجه نفسه وببطنها وجوههم فقال له المأمون ابسط يدك للبيعة فقال الرضا «ع» ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هكذا كان يبايع فبايعه الناس ويده فوق أيديهم ووضعت البدر وقامت الخطباء والشعراء فجعلوا يذكرون فضل الرضا «ع» وما كان من المأمون في أمره (وروى) غير واحد ان المأمون لما بايع الرضا «ع» أجلسه الى جانبه فقام العباسي الخطيب فتكلم فأحسن وأنشد .
لا بد الناس من شمس ومن قمر فانـت شمس وهذا ذلك القمـر


(1) كما ان البياض شاعر بني امية قال الفخري في تاريخه وقالوا الخضرة لباس اهل الجنة .
ـ المؤلف ـ
المجالس السنية ـ الجزء الخامس 580

ثم دعا أبو عباد وهو أحد وزراء المأمون وكاتب سره (1) بالعباس بن المأمون فوثب فدنا من أبيه فقبل يده وأمره بالجلوس ثم نودي محمد بن جعفر بن محمد وقال له الفضل بن سهل قم فقام فمشى حتى قرب من المأمون فوقف ولم يقبل يده فقيل له امض فخذ جائزتك وناداه المأمون ارجع يا ابا جعفر الى مجلسك فرجع ثم جعل ابو عباد يدعو بعلوي وعباسي يقبضان جوائزهما وأعطى الجوائز الكثيرة وأمر للجنود برزق سنة حتى نفدت الأموال (ثم) قال المأمون للرضا «ع» اخطب الناس وتكلم فيهم فحمد الله وأثنى عليه وقال انا لنا عليكم حقاً برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولكم علينا حقاً به فاذا أنتم اديتم الينا ذلك وجب علينا الحق لكم (قال المفيد) ولم يذكر عنه غير هذا في ذلك المجلس (وروى) الصدوق في العيون ان البيعة للرضا «ع» كانت لخمس خلون من شهر رمضان سنة احدى ومائتين (ثم) ان المأمون زوجه ابنته ام حبيبة في

(1) وهو الذي يقول فيه دعبل الخزاعي :
اولى الأمور بضيعة وفساد أمـر يدبـره أبـو عبـاد
يسـطو على كتـابه بدواته فمضمخ بـدم و نضح مداد
و كأنه من دير هرقل مفلت حـرد يجـر سلاسل الاقياد
فاشدد أميـر المؤمنين وثاقه فاقـل مـن سـلامة الحداد

دير هرقل محل المجانين وسلامة الحداد مجنون مشهور .
ـ المؤلف ـ
المجالس السنية ـ الجزء الخامس 581

أول سنة اثنتين ومائتين وسمى للجواد ابنته ام الفضل (وزوج) اسحاق بن موسى بن جعفر بنت عمه اسحاق بن جعفر بن محمد وأمره فحج بالناس (وأمر) المأمون فضربت له الدراهم والدنانير وطبع عليها اسم الرضا «ع» وامر ان يخطب له على المنابر وكتب الى الآفاق بذلك وخطب للرضا «ع» في كل بلد بولاية العهد وسمع عبد الجبار بن سعيد بن سليمان المساحقي في تلك السنة يخطب على منبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالمدينة فقال في الدعاء اللهم وأصلح ولي عهد المسلمين علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي ابن الحسين بن علي بن ابي طالب .
ستة (سبعة خ ل) آباءهم ما هم افضل من يشرب صوب الغمام

(وروى) المدائني انه لما جلس الرضا «ع» في الخلع بولاية العهد قام بين يديه الخطباء والشعراء وخفقت الألوية على رأسه فذكر عن بعض من حضر ممن كان يختص بالرضا «ع» انه قال كنت بين يديه في ذلك اليوم فنظر الي وانا مستبشر بما جرى فاومأ الي ان ادن فدنوت منه فقال لي من حيث لا يسمعه غيري لا تشغل قلبك بهذا الأمر ولا تستبشر له فانه شيء لا يتم (وكتب) المأمون بخطه وانشائه عهدا للرضا «ع» بولاية العهد وأشهد عليه وكتب عليه الرضا عليه السلام أيضاً بخطه الشريف وهو

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 582

عهد طويل ذكره عامة المؤرخين (1) وهذه صورته مع بعض الاختصار .


عهد المأمون الى الرضا عليه السلام

بولاية العهد

بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب كتبه عبد الله بن هارون الرشيد امير المؤمنين لعلي بن موسى بن جعفر ولي عهده (اما بعد) فان الله عز وجل اصطفى الاسلام دينا واصطفى له من عباده رسلا حتى انتهت نبوة الله الى محمد صلى الله عليه وآله وسلم على فترة من الرسل فختم الله به النبيين وانزل عليه كتابه العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد بما احل وحرم ووعد واوعد وحذر وانذر وامر به ونهى عنه لتكون له الحجة البالغة على خلقه ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة وان الله لسميع عليم فبلغ عن الله رسالته ودعا الى سبيله بما امره به

(1) وقد اورده الاربلي في كشف الغمة بتمامه وقال انه رآه بخط المأمون وعليه خط الرضا عليه السلام على ظهره وبين سطوره واورد مختصره سبط بن الجوزي في تذكرة الخواص وابن الصباغ في الفصول المهمة ونحن ننقله عن كشف الغمة لانه اقرب الى الصحة باعتبار نقله عن نسخة الاصل
ـ المؤلف ـ
المجالس السنية ـ الجزء الخامس 583

من الحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي احسن ثم بالجهاد والغلظة فما انقضت النبوة وختم الله بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم الوحي والرسالة جعل قوام الدين ونظام امر المسلمين بالخلافة وعزها والقيام بحق الله فيها بالطاعة التي بها تقام فرائض الله وحدوده وشرائع الإسلام وسننه ويجاهد بها عدوه فعلى خلفاء الله طاعته فيما استحفظهم واسترعاهم من دينه وعباده وعلى المسلمين طاعة خلفائهم ومعاونتهم على اقامة حق الله وعدله وامن السبيل وحقن الدماء وصلاح ذات البين وجمع الالفة وفي خلاف ذلك اضطراب حبل المسلمين واختلالهم واستعلاء عدوهم وخسران الدنيا والآخرة فحق على من اسخلفه الله ان يجهد لله نفسه ويؤثر ما فيه رضا الله وطاعته ويحكم بالعدل فيما حمله الله وقلده فان الله عزوجل يقول لنبيه داود (ع) «يا داود انا جعلناك خليفة في الارض فاحكم بين الناس بالحق» (الآية) وقال الله عزوجل «فوربك لنسألنهم اجمعين عما كانوا يعلمون» وايم الله ان المسؤول عن خاصة نفسه ليعرض على امر كبير وخطر عظيم فكيف بالمسؤول عن رعاية الامة وبالله الثقة واليه المفزع والرغبة في التوفيق والعصمة والتسديد والهداية الى ما فيه ثبوت الحجة والفوز من الله بالرضوان والرحمة وانظر الأمة لنفسه وانصحهم لله في دينه وعباده من عمل بطاعة الله وكتابه وسنة نبيه عليه السلام واجهد رأيه ونظر فيمن يوليه عهده ولم يزل امير المؤمنين منذ افضت اليه الخلافة فاختبر ثقل محملها وما يجب على من تقلدها من مراقبة الله فيما حمله منها فانصب بدنه واسهر عينه

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 584

واطال فكره فيما فيه عز الدين وصلاح الامة واقامة الكتاب والسنة ومنعه ذلك من الخفض والدعة ومهنأ العيش علما بما الله سائله عنه ومحبة ان يلقى الله مناصحا له في دينه وعباده ومختاراً لولاية عهده افضل من يقدر عليه في ورعه ودينه وعلمه مناجيا لله تعالى بالاستخارة في ذلك معملا في التماسه في اهل بيته من ولد عبد الله بن العباس وعلي بن ابي طالب فكره حتى استقصى امورهم معرفة فكانت خيرته في البيتين جميعا علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب لما رأى من فضله البارع وعلمه الناصع وورعه الظاهر وزهده الخالص وتخليه من الدنيا وقد استبان له ما لم تزل الاخبار عليه متواطئة والالسن متفقة وما لم يزل يعرفه به من الفضل يافعا وناشئا وحدثا ومكتهلا فعقد له بالعهد والخلافة من بعده واثقا بخيرة الله في ذلك اذ علم الله انه فعله ايثار له وللدين ونظرا للاسلام والمسلمين والنجاة في اليوم الذي يقوم الناس فيه لرب العالمين ودعا امير المؤمنين ولده واهل بيته وخاصته وقواده فبايعوا مسرعين عالمين بايثار امير المؤمنين طاعة الله على الهوى في ولده وغيرهم ممن هو اقرب قرابة وسماه الرضا اذ كان رضا عند امير المؤمنين فبايعوا لأمير المؤمنين وللرضا من بعده على اسم الله وبركته شاكرين لله على ما ألهم أمير المؤمنين من قضاء حقه في رعايتكم وحرصه على رشدكم وصلاحكم وكتب بيده في يوم الاثنين لسبع خلون من شهر رمضان سنة احدى ومائتين .

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 585

وكتب الرضا عليه السلام بخطه الشريف على ظهر العهد ما صورته بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الفعال لما يشاء لا معقب لحكمه ولا راد لقضائه يعلم خائنة الاعين وما تخفي الصدور وصلاته على نبيه محمد خاتم النبيين وآله الطيبين الطاهرين اقول وانا علي بن موسى بن جعفر ان امير المؤمنين عضده الله بالسداد ووفقه للرشاد عرف من حقنا ما جهله غيره فوصل ارحاما قطعت وآمن نفوساً فزعت بل احياها وقد تلفت واغناها اذ افتقرت مبتغيا رضا رب العالمين لا يريد جزاء من غيره وسيجزي الله الشاكرين ولا يضيع اجر المحسنين وانه جعل الي عهده والامرة الكبرى ان بقيت بعده فمن حل عقدة امر الله بشدها وفصم عروة احب الله ايثاقها فقد اباح حريمه واحل محرمه اذ كان بذلك زاريا على الامام منتهكا حرمة الاسلام وقد جعلت لله على نفسي اذ استرعاني امر المسلمين وقلدني خلافته العمل فيهم عامة وفي بني العباس بن عبد المطلب خاصة بطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم وان لا أسفك دما حراما ولا ابيح فرجا ولا مالا الا ما سفكته حدود الله واباحته فرائضه وان أتخير الكفاءة جهدي وطاقتي وجعلت بذلك على نفسي عهدا مؤكدا يسألني الله عنه فانه عزوجل يقول «واوفوا بالعهد ان العهد كان مسؤولا» وان احدثت او غيرت او بدلت كنت للغير مستحقا وللنكال متعرضا واعوذ بالله من سخطه واليه ارغب في التوفيق لطاعته والحول بيني وبين معصيته في عافية لي وللمسلمين والجامعة والجفر يدلان على ضد ذلك وما ادري ما يفعل بي ولا بكم ان

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 586

الحكم الا لله يقضي بالحق وهو خير الفاصلين لكني امتثلت امر امير المؤمنين وآثرت رضاه والله يعصمني واياه واشهدت الله على نفسي بذلك وكفى بالله شهيدا وكتبت بخطي بحضرة امير المؤمنين اطال الله بقاءه والفضل بن سهل بن الفضل ويحيى بن اكثم وعبد الله بن طاهر وثمامة بن اشرس وبشر بن المعتمر وحماد بن النعمان (1) في شهر رمضان سنة احدى ومائتين . وشهد على ذلك العهد خواص المأمون واعيان العلماء وكتبوا شهادتهم هكذا : شهدت على امير المؤمنين عبد الله المأمون وعلى ابي الحسن علي بن موسى بن جعفر بما اوجبا به الحجة عليهما للمسلمين وابطلا به شبهة الجاهلين وكتب الفضل بن سهل في التاريخ المذكور ، شهد يحيى بن اكثم على مضمون هذا المكتوب ظهره وبطنه وهو يسأل الله ان يعرف امير المؤمنين وكافة المسلمين بركة هذا العهد والميثاق وكتب بخطه في التاريخ المبين فيه ، عبد الله بن طاهر ابن الحسين اثبت شهادته فيه بتاريخه ، شهد حماد بن النعمان بمضمونه ظهره وبطنه وكتب بيده في تاريخه ، بشر بن المعتمر يشهد بمثل ذلك ، وشهد ابو بكر الصولي والوزير المغربي وغيرهم «ثم» قرئ العهد في جميع الآفاق وعند الكعبة وبين قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومنبره .
وقد اجاب السيد المرتضى رضي الله عنه في كتاب تنزيه

(1) هو حماد بن ابي حنيفة
ـ المؤلف ـ
المجالس السنية ـ الجزء الخامس 587

الانبياء والأئمة عن قبول الرضا «ع» تولي العهد للمأمون مع انها جهة لا يستحق الامامة منها وفيها ايهام فيما يتعلق بالدين بان لذي الحق ان يتوصل اليه من كل جهة وسبب لا سيما اذا كان يتعلق بذلك الحق تكليف عليه فانه يجب عليه التوصل فهو كدخول أمير المؤمنين عليه السلام في الشورى وليس في هذا ايهام لأن الأدلة الدالة على استحقاقه للامامة بنفسه يمنع من دخول الشبهة ولو فرض ان فيه بعض الايهام فيحسنه دفع الضرورة كما أظهر هو وآباؤه مبايعة غيرهم والقول بامامتهم (وروي) انه قيل للرضا «ع» يا ابن رسول الله ما حملك على الدخول في ولاية العهد قال ما حمل جدي أمير المؤمنين عليه السلام على الدخول في الشورى .
يمـن عليكم بامـوالكم وتعطون من مائة واحدا


المجلس العاشر

لما بويع الرضا عليه السلام بولاية العهد وفد عليه الشعراء فممن وفد عليه منهم ابراهيم بن العباس الصولي (ففي الأغاني) انه دخل على الرضا عليه السلام لما عقد له المأمون بولاية العهد فأنشده قوله :
أزالت عزاء القلب بعد التجلد مصـارع أولاد النبي محمد


المجالس السنية ـ الجزء الخامس 588

فوهب له عشرة آلاف من الدراهم التي ضربت باسمه فجعل منها مهور نسائه وخلف بعضها لكفنه وجازه (وممن) ورد على الرضا «ع» من الشعراء أبو نواس فانشده :
مطـهرون نقيـات ثـيـابهم تتلى الصلاة عليهم أينما ذكروا
من لم يكن علويـا حين تنسبه فما له في قـديم الدهر مـفتخر
و الله لما بـرا خلـقـاً فاتقنه صفاكم و اصطفاكم أيها الـبشر
فـانتم الملأ الأعلـى وعندكم علم الكتاب وما جاءت به السور

فقال الرضا «ع» قد جئتنا بابيات ما سبقك اليها أحد يا غلام هل معك من نفقتنا شيء فقال ثلثمائة دينار فقال اعطها اياه ثم قال يا غلام سق اليه البغلة (ومما) قاله أبو نواس في الرضا «ع» وقد ليم على ترك مدحه :

قيل لي أنت أشعـر الناس طراً في فنـون مـن الـكلام النبيه
لك مـن جـوهر الكـلام بديع في المعاني وفـي الكلام البديه
فعلى ما تركت مدح ابن موسى و الخصال التـي تجـمعن فيه
قلت لا أهـتدي لمـدح إمـام كـان جـبـريل خادمـاً لأبيه

(وروى) الصدوق في العيون باسناده الى محمد بن يزيد المبرد ان أبا نواس خرج يوماً من داره فبصر براكب حاذاه فسأل عنه ولم ير وجهه فقيل انه علي بن موسى الرضا فانشأ يقول :
إذا أبصرتـك العين من بعد غاية وعـارض فيك الشك اثبتك القلب
و لـو ان قومـاً يمموك لـقادهم نسيمك حتى يستدل بـك الـركب


السابق السابق الفهرس التالي التالي