( اما صفته في خلقه وحليته ) ففي الفصول المهمة صفته معتدل القامة ( وأما صفته في أخلاقه وأطواره ) فيأتي جلها في المجالس الآتية : وعن تاريخ نيسابور للحاكم كان يفتي في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو ابن نيف وعشرين سنة وفي تهذيب التهذيب كان من اهل العلم والفضل مع شرف النسب ( وقال ) الرجاء بن ابي الضحاط وقد صحبه من المدينة الى خراسان كان اذا أقام في بلدة عشرة أيام كان صائماً لا يفطر فاذا جن الليل بدأ بالصلاة قبل الافطار وفي الطريق يصلي فرائضه ركعتين الا المغرب وكان يكثر في الليل
في فراشه من تلاوة القرآن فاذا مر بآية فيها ذكر جنة او نار بكى وسأل الله الجنة وتعوذ به من النار وكان لا ينزل بلداً الا قصده الناس يستفتونه في معالم دينهم فيجيبهم ويحدثهم الكثير عن أبيه عن آبائه عن علي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولما أخبرت المأمون بما شاهدت منه قال لي هذا خير أهل الارض وأعلمهم وأعبدهم . ( وأما صفته في لباسه ) فيأتي في المجلس السابع . أنه كان لبسه الغليظ من الثياب فاذا برز للناس تزين لهم وفي المجلس الخامس دخول قوم من الصوفية عليه بنيسابور وقولهم الامامة تحتاج الى من يأكل الجشب ويلبس الخشن ـ الدال على انه لم يكن كذلك ـ وقوله لهم ان يوسف عليه السلام لبس اقبية الديباج المزررة بالذهب الخ . واستشهاده بآية «قل من حرم زينة الله» .
قال المفيد عليه الرحمة في الارشاد كان الامام بعد ابي الحسن موسى بن جعفر ابنه ابو الحسن علي بن موسى الرضا عليهم السلام لفضله على جماعة اخوته وأهل بيته وظهور علمه وحلمه وورعه واجتماع الخاصة والعامة على ذلك فيه ومعرفتهم به منه ولنص أبيه عليه السلام على امامته من بعده واشارته اليه بذلك دون جماعة اخوته واهل بيته .
فممن روى النص على الرضا عليه السلام بالامامة من ابيه والاشارة اليه منه بذلك من خاصته وثقاته وأهل الورع والعلم والفقه من شيعته ، داود بن كثير الرقي ، محمد بن اسحاق بن عمار ، وعلي بن يقطين ، ونعيم القابوسي ، والحسين بن المختار ، وزياد بن مروان ، والمخزومي ، وداود بن سليمان ، ونصر بن قابوس وداود بن زربي ويزيد بن سليط ، ومحمد بن سنان ، ثم ذكر المفيد رواية كل واحد من هؤلاء باسنيدهم عن الكليني صاحب الكافي ونحن ننقلها بحذف الاسناد . ( قال داود الرقي ) قلت لأبي ابراهيم عليه السلام جعلت فداك اني قد كبرت سني فخذ بيدي وانقذني من النار من صاحبنا بعدك فأشار الى ابنه ابي الحسن فقال هذا صاحبكم من بعدي ( وقال محمد بن اسحاق بن عمار ) قلت لأبي الحسن الأول عليه السلام الا تدلني على من آخذ عنه ديني فقال هذا ابني علي ان أبي اخذ بيدي فادخلني الى قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال لي يابني ان الله جل اسمه قال اني جاعل في الأرض خليفة وان الله اذا قال قولا وفى به ( وقال علي بن يقطين ) كنت عند العبد الصالح عليه السلام فقال ياعلي ابن يقطين هذا علي سيد ولدي اما اني قد نحلته كنيتي ( وفي رواية ) فضرب هشام بن الحكم وكان حاضرا براحته جبهته ثم قال ويحك كيف قلت فقال سمعته والله منه كما قلت فقال ان الامر والله فيه من بعده ( قال نعيم القابوسي ) قال ابو الحسن موسى عليه السلام ان ابني علي اكبر ولدي او آثرهم عندي واحبهم الي ( وقال الحسين بن
المختار ) خرجت الينا الواح من ابي الحسن موسى عليه السلام وهو في الحبس عهدي الى اكبر ولدي ان يفعل كذا وان يفعل كذا ( وقال زياد بن مروان القندي ) دخلت على ابي ابراهيم وعنده ابو الحسن ابنه فقال لي يازياد هذا ابني كتابه كتابي وكلامه كلامي ورسوله رسولي وما قاله فالقول قوله ( وقال المخزومي ) وكانت امه من ولد جعفر بن ابي طالب بعث الينا ابو الحسن موسى (ع) فجمعنا ثم قال اتدرون لم جمعتكم فقلنا لا قال اشهدوا ان ابني هذا وصيي والقيم بأمري وخليفتي من بعدي من كان له عندي دين فليأخذه من ابني هذا ومن كانت له عندي عدة فليستنجزها منه ومن لم يكن له بد من لقائي فلا يلقني الا بكتابه ( وقال داود بن سليمان ) قلت لأبي ابراهم عليه السلام اني اخاف ان يحدث حدث ولا القاك فأخبرني من الامام بعدك فقال ابني فلان يعني ابا الحسن ( وقال نصر بن قابوس ) قلت لأبي ابراهيم عليه السلام اني سألت اباك من الذي يكون من بعدك فاخبرني انك انت هو فلما توفي ذهب الناس يمينا وشمالا وقلت بك انا واصحابي فأخبرني من الذي يكون بعدك من ولدك قال ابني فلان ( وقال داود بن زربي ) جئت الى ابي ابراهيم « ع » بمال فأخذ بعضه وترك بعضه فقلت اصلحك الله لأي شيء تركته عندي فقال ان صاحب هذا الامر يطلبه منك فلما جاء نعيه بعث الي ابو الحسن الرضا « ع » فسألني عن ذلك المال فدفعته اليه ( وقال يزيد بن سليط ) قال ابو ابراهيم عليه السلام في السنة التي قبض عليه فيها اني اؤخذ في هذه السنة
والأمر الى ابني علي سمي علي وعلي فاما علي الأول فعلي بن ابي طالب واما علي الآخر فعلي بن الحسين صلوات الله عليهم اعطي فهم الاول وورده وحلمه وعلمه ونصره ووده وورعه ودينه ومحنة الآخر وصبره على مايكره ( وقال الطبرسي ) في اعلام الورى اجمع اصحاب ابي الحسن موسى بن جعفر « ع » على انه نص على ابنه الرضا « ع » وأشار بالامامة اليه الا من شذ منهم من الواقفة والسبب الظاهر في ذلك طمعهم فيما كان في أيديهم من الاموال المجبوة اليهم في مدة حبس الكاظم « ع» وما كان عندهم من ودائعه فحملهم ذلك على انكار وفاته وانكار النص على خليفته ليذهبوا بما في ايديهم مما وجب عليهم دفعه اليه مع انهم قد انقرضوا ولم يبق منهم ديار .
مما جاء في سعة علم الرضا « ع » ما رواه الصدوق وغيره عن ابراهيم بن العباس انه قال ما رأيت الرضا عليه السلام سئل عن
شيء قط الاعلمه ولا رأيت اعلم منه بما كان في الزمان الى وقته وعصره وكان المأمون يمتحنه بالسؤال عن كل شيء فيجيب عنه وكان كلامه كله وجوابه وتمثله انتزاعات من القرآن وكان يختمه في كل ثلاث ويقول لو أني أردت ان اختمه في أقرب من ثلاث لختمت ولكني مامررت بآية قط الا فكرت فيها وفي أي شيء انزلت وفي أي وقت فلذلك صرت اختمه في كل ثلاث ( وعن ابي الصلت الهروي ) قال ما رأيت اعلم من علي بن موسى الرضا ولا رآه عالم الا شهد له بمثل شهادتي ولقد جمع المأمون في مجالس له عددا من علماء الاديان وفقهاء الشريعة والمتكلمين فغلبهم عن آخرهم حتى ما بقي احد منهم الا أقر له بالفضل وأقر على نفسه بالقصور ( ولقد ) سمعت علي بن موسى الرضا « ع » يقول كنت اجلس في الروضة والعلماء بالمدينة متوافرون فاذا اعيا الواحد منهم عن مسألة اشاروا الي باجمعهم وبعثوا الي بالمسائل فاجبت عنها ( قال ) ابو الصلت لقد حدثني محمد بن اسحاق بن موسى بن جعفر عن ابيه ان موسى بن جعفر عليه السلام كان يقول لبنيه هذا أخوكم علي بن موسى الرضا عالم آل محمد فاسألوه عن أديانكم واحفظوا ما يقول لكم ( وعن ) بعض اصحاب الرضا « ع » انه قال جمعت من مسائل ابي الحسن الرضا مما سئل عنه وأجاب عنه خمس عشرة الف مسألة ( وفي رواية ) ثمان عشرة الف مسألة (وقال) ابن شهر اشوب وقد روى عنه جماعة من المصنفين منهم أبو بكر الخطيب في تفسيره والسمعاني في رسالته وابن المعتز في كتابه
وغيرهم (وعن) كتاب نثر الدر قال سال الفضل بن سهل علي بن موسى الرضا عليه السلام في مجلس المأمون فقال يا ابا الحسن الناس مجبرون فقال الله اعدل من ان يجبر ثم يعذب قال فمطلقون قال الله احكم من ان يهمل عبده ويكله الى نفسه (وسئل) عن رجل قال كل مملوك قديم في ملكي فهو حر فقال يعتق من مضى له في ملكه ستة اشهر لقوله تعالى والقمر «قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم» وبين العرجون القديم والعرجون الحديث ستة اشهر وادخل رجل الى المأمون اراد ضرب رقبته والرضا عليه السلام حاضر فقال المأمون ما تقول فيه يا ابا الحسن فقال اقول ان الله لا يزيدك بحسن العفو الا عزاً فعفا عنه (ودخل) على الرضا عليه السلام وهو بنيسابور قوم من الصوفية فقالوا ان امير المؤمنين المأمون لما نظر فيما ولاه الله من الامور فرآكم اهل البيت اولى من قام بامر الناس ثم نظر في اهل البيت اولى بالناس من كل واحد فرد هذا الامر اليك والامامة تحتاج الى من ياكل الجشب ويلبس الخشن ويركب الحمار ويعود المريض ويشع الجنائز وكان الرضا «ع» متكئا فاستوى جالسا ثم قال كان يوسف بن يعقوب عليهما السلام نبيا فليس اقبية الديباج المزررة بالذهب والقباطي المنسوجة بالذهب وجلس على متكات ال فرعون وحكم وامر ونهى وانما يراد من الامام قسط عدل اذا قال صدق واذا حكم عدل واذا وعد انجز ان الله لم يحرم ملبوسا ولا مطعما وتلا قوله تعالى «قل من حرم زينة الله التي اخرج لعباده والطيبات من الرزق»
مما جاء في مكارم اخلاق الرضا عليه السلام وفضله وتواضعه ما رواه الصدوق وغيره عن ابراهيم بن العباس انه قال ما رايت ولا سمعت باحد افضل من ابي الحسن الرضا ومن زعم انه راى مثله في فضله فلا تصدقوه شاهدت منه ما لم اشاهد من احد وما رايته جفا احدا بكلامه ولا رايته قطع على احد كلامه حتى يفرغ منه وما رد احد عن حاجة يقدر عليها ولا مد رجله بين يدي جليس له قط ولا رايته يشتم احدا من مواليه ومماليكه وما رايته تفل ولا رايته يقهقه في ضحكه بل كان ضحكه التبسم وكان اذا خلا ونصب مائدته اجلس عليها مواليه ومماليكه حتى البواب والسائس (عن) ياسر الخادم قال كان الرضا «ع» اذا خلا جمع حشمه كلهم عنده الصغير و الكبير ويانس بهم ويؤنسهم (وفي رواية) انه دعا يوما بمائدة له فجمع عليها مواليه من السودان وغيرهم فقال له بعض اصحابه جعلت فداك لو عزلت لهؤلاء مائدة فقال «ع» ان الرب تبارك وتعالى واحد والام واحدة والاب واحد والجزاء بالاعمال ( وعن محمد بن ابي عباده) قال كان جلوس
الرضا عليه السلام على حصير بالصيف وعلى مسح في الشتاء ولبسه الغلظ من الثياب حتى اذا برز للناس تزين لهم (ونزل) بالرضا ضيف وكان جالسا عنده يحدثه في بعض الليل فتغير السراج فمد الرجل يده ليصلحه فزبره ابو الحسن «ع» ثم اصلحه بنفسه وقال انا قوم لا نستخدم اضيافنا (وعن) ياسر ونادر خادمي الرضا «ع» انهما قالا قال لنا ابو الحسن صلوات الله عليه ان قمت على رؤوسكم وانتم تاكلون فلا تقوموا حتى تفرغوا ولربما دعا بعضنا فيقال هم ياكلون فيقول دعوهم حتى يفرغوا
مما جاء في كرم الرضا «ع» وسخائه وكثرة صدقاته انه مر به رجل فقال له اعطني على قدر مروئتك قال لا يسعني ذلك فقال على قدر مروءتي قال اما هذا فنعم ثم قال يا غلام اعطه مائتي دينار وفرق بخراسان ماله كله في يوم عرفة فقال له الفضل ابن سهل ان هذا لمغرم فقال بل هو المغنم لا تعدن مغرما ما ابتعت به اجرا وكرما (وروى) الصدوق وغيره عن ابراهيم بن العباس قال كان الرضا عليه السلام كثير المعروف والصدقة في السر واكثر
ذلك يكون منه في الليالي المظلمة (وجاءه) خراساني صادر من الحج فقال قد افتقدت نفقتي وما معي ما ابلغ به مرحلة فدخل الحجرة ثم خرج ورد الباب واخرج يده من اعلى الباب واعطاه مئتي دينار فقيل له جعلت فداك لقد اجزلت ورحمت فلماذا سترت وجهك عنه فقال مخافة ان ارى ذل السؤال في وجهه اما سمعت حديث رسول الله صلى الله عليه واله وسلم المستتر بالحسنة تعدل سبعين حجة والمذيع بالسيئة مخذول والمستتر بها مغفور له اما سمعت قول الاول :
* * *
في ما جاء عن الرضا عليه السلام في المواعظ والاداب والحكم (قال عليه السلام) من رضي من الله عز وجل بالقليل من الرزق رضي الله منه بالقليل من العمل (وقال ع) لا يعدم المرء دائرة السوء مع نكث الصفقة ولا يعدم تعجيل العقوبة مع ادراع البغي (وقال ع)
ليس الحمية من الشيء تركه ولكن الاقلال منه وقال عليه السلام في قول الله تعالى «فاصفح الصفح الجميل» قال عفو بغير عتاب (وقال عليه السلام) اوحش ما يكون هذا الخلق في ثلاثة مواطن يوم يولد فيرى الدنيا ويوم يموت فيعاين الاخرة واهلها ويوم يبعث فيرى احكاما لم يرها في دار الدنيا وقد سلم الله على يحيى وعيسى عليهما السلام في هذه الثلاثة المواطن ، فقال في يحيى وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا ، وفي عيسى والسلام علي يوم ولدت ويوم اموت ويوم ابعث حيا (وقال ع) ان الله عز وجل امر بثلاثة مقرون بها ثلاثة امر بالصلاة والزكاة فمن صلى ولم يزك لم تقبل صلاته وامر بالشكر له وللوالدين فمن لم يشكر والديه لم يشكر الله وامر باتقاء الله وصلة الرحم فمن لم يصل رحمه لم يتق الله عز وجل (وقال ع) من علامات الفقه الحلم والعلم والصمت ان الصمت باب من ابواب الحكمة ان الصمت يكسب المحبة انه دليل على كل خير (وقال ع) صديق كل امرئ عقله وعدوه جهله (وقال ع) لا يجتمع المال الا بخصال خمس بخل شديد وامل طويل وحرص غالب وقطيعة الرحم وايثار الدنيا على الاخرة (وسئل ع) ما بال المتهجدين بالليل من احسن الناس وجها قال لانهم خلوا بالله فكساهم الله من نوره (وقال ع) لاينبغي للرجل ان يدع الطيب في كل يوم فان لم يقدر فيوم ويوم لا فان لـم يقدر ففي كل جمعة (وشكـا) رجل الى الرضا عليه السلام اخـاه فانشا الرضا عليه السلام يقـول :
وسمع «ع» وهو ينشد هذا الشعر وهو لابي العتاهية وكان قليلا ما ينشد شعرا :
وارسل اليه المأمون جارية فلما رات الشيب اشمأزت فردها الى المأمون وكتب اليه :
|
|
المجلس الثامن |
(1) بكسر السين والقاف وتشديد اللام شيء من الصوف يلقى على الهودج او ثياب كتان موشاة وكان وشيها خاتم .
ـ المؤلف ـ |
السابق | الفهرس | التالي |