المجالس السنية ـ الجزء الخامس 553

العالمين وثالث العليين امير المؤمنين وزين العابدين ولده علي الرضا ابن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام .
ولد الرضا عليه السلام بالمدينة يوم الجمعة أو يوم الخميس الحادي عشر من ذي القعدة أو ذي الحجة او ربيع الاول سنة ثمان واربعين ومائة وهي سنة وفاة جده الصادق عليه السلام وقيل سنة ثلاث وخمسون ومائة بعد وفاة الصادق عليه السلام بخمس سنين ( وقبض ) يوم الجمعة وقيل يوم الاثنين آخر صفر او في السابع عشر منه او في الحادي والعشرين من شهر رمضان او في الثالث والعشرين من ذي القعدة او آخر ذي الحجة بطوس من ارض خراسان في قرية يقال لها سنا آباد من رستاق نوقان (1) سنة ثلاث او اثنتين اوست ومئتين وهو ابن خمس وخمسين سنة او احدى وخمسين او اثنتين وخمسين او تسع واربعين او بزيادة ستة اشهر (2)

(1) قال الكليني من نوقان على دعوة اي بينها وبين نوقان قدر دعوة اي قدر مايدعو الرجل الآخر برفيع صوته فيسمعه.
(2) ذكر ذلك الصدوق في عيون الاخبار بعدما ذكر ان ولادته في 11 ربيع الاول سنة 153 ووفاته لتسع بقين من رمضان سنة 203 مع انه على هذا يكون عمره خمسين سنة وستة اشهر وعشرة ايام وانا اظن ان كثيرا من الاختلاف في تواريخ مواليد الائمة « ع » ووفاتهم منشأه قلة التدقيق في الحساب كما عثرنا عليه

=

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 554

او اربعة اشهر عليها او بنقيصة ثمانية ايام على حسب اختلاف الاقوال والروايات في تاريخ المولد والوفاة ( وكان ) المأمون اشخصه من المدينة الى مرو على طريق البصرة وفارس (1)فلما خرج المأمون من مرو متوجهاً الى بغداد اشخصه معه فتوفي في هذه القرية ودفن بها في القبة التي فيها قبر هارون الرشيد (2)الى جانبه مما يلي القبلة في دار حميد بن قحطبة الطائي ( وكان ) عمر الرضا عليه السلام يوم وفاة ابيه خمساً وثلاثين سنة او تسعاً وعشرين وشهرين ( وعاش ) بعد ابيه عشرين سنة او بنقيصة شهرين او ثلاثة او عشرين سنة وأربعة أشهر او اثنتين وعشرين سنة الا شهراً وهي مدة امامته وخلافته وكانت مدة امامته بقية ملك الرشيد وملك محمد الامين وأربعة عشر يوما ملكها ابراهيم بن المهدي اثناء ملك الامين وتوفي في مدة ملك

= في كلامهم واشرنا الى بعضه في بعض الحواشي السابقة في هذا الجزء.
(1) فارس هي شيراز وما والاها .
(2) كان السبب في موت الرشيد بخراسان انه خرج عليه رافع بن الليث بن نصر بن سيار واستولى على ما وراء النهر فبعث الرشيد هرثمة بن اعين لقتاله ونهض هو وراءه الى خراسان فلما بلغ هذا الموضوع مرض مرضا شديدا فجاءه الخبر بان هرئمة هزم رفعا واسر اخاه بشير او ارسله اليه فامر القصاب بقطع اعضاء بشير ومات الرشيد بعده بثلاثة ايام فدفن هناك ثم دفن معه الرضا (ع) بعد عشر سنين .

ـ المؤلف ـ

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 555

المأمون (وأمه) ام ولد اسمها سكن النوبية وسميت اروى وسميت نجمة وسميت سمان وسميت تكتم (1)وهو آخر أسمائها عليه استقر اسمها حين ملكها الكاظم « ع » ولما ولدت له الرضا « ع» سماها الطاهرة وكنيتها ام البنين ولقبها شقراء ويدل على تسميتها تكتم قول الشاعر (2)يمدح الرضا عليه السلام .
الا ان خير الناس نفسا ووالدا و رهطـا واجدادا علي المعظم
اتتنـا به للعلم و الحلم ثامنـا إمامـا يؤدي حجـة الله تكتـم

وكانت ام الرضا « ع » جارية مولدة اي ولدت بين العرب

(1) المراد انها سميت بجميع هذه الاسماء ، كما هو المتعارف من تغيير اسماء الجواري عند شرائها والمستحب في الشرع وزاد بعضهم في اسمائها خيزران المرسية وتكتم من الاسماء العربية قال الشاعر :
زار الخيالان فزادا سقما خيال تكنى وخيال تكتما
وتكنى وتكتم بصيغة المجهول امرأتان .
(2) قال ابو بكر الصولي نسب قوم هذا الشعر الى ابراهيم ابن العباس الصولي عم ابي ولم اروه له وما لم يقع لي رواية وسماعا فاني لا احققه ولا ابطله ( فانظر ) الى تشددهم وتثبتهم في الرواية حتى في الاشعار .

ـ المؤلف ـ

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 556

ونشأت مع اولادهم وتأدبت بآدابهم ( وكنية الرضا عليه السلام ) ابو الحسن ( واشهر القابه ) الرضا كان يسميه به ابوه عليهما السلام يقول ادعوا لي ولدي الرضا وقلت لولدي الرضا وقال لي ولدي الرضا واذا خاطبه قال له يا ابا الحسن ( نقش خاتمه ) حسبي الله ( او) ماشاء الله لا قوة الا بالله ( او) ولي الله ( شاعره ) دعبل الخزاعي ( بوابه ) محمد بن الفرات (له) من الاولاد ولد واحد على ما ذكره اكثر اصحابنا وهو الامام محمد الجواد ( قال المفيد ) مضى الرضا علي بن موسى عليهما السلام ولم يترك ولدا نعلمه الا ابنه الامام بعده ابا جعفر محمد بن علي وكانت سنه يوم وفاة أبيه سبع سنين وأشهرا ( وقال الطبرسي ) في اعلام الورى كان للرضا (ع) من الولد ابنه ابو جعفر محمد بن علي الجواد لاغير ( وعن ) العدد القوية كان له ولدان محمد وموسى لم يترك غيرهما ( اما ) ما ذكره غير اصحابنا ففي مطالب السؤول لمحمد بن طلحة الشافعي وعن ابن الخشاب في مواليد اهل البيت وعن الحافظ ابي نعيم في حلية الاولياء ان اولاده كانوا ستة خمسة ذكور وبنت واحدة وهم محمد القانع والحسن وجعفر وابراهيم والحسين وعائشة الا ان ابا نعيم قال محمد الامام وابو محمد الحسن وفي تذكرة الخواص اولاده محمد الامام ابو جعفر الثاني وجعفر وابو محمد الحسن وابراهيم وابنة واحدة (1).

(1) هذا الاختلاف غريب جداً ولو أريد الجمع بان مراد

=

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 557

شرف تتابع كابراً عن كابر كالرمح انبوبا على انبوب

* * *

من لم يكن علويا حين تنسبه فماله في قديم الدهر مفتخر


المجلس الثاني

( اما صفته في خلقه وحليته ) ففي الفصول المهمة صفته معتدل القامة ( وأما صفته في أخلاقه وأطواره ) فيأتي جلها في المجالس الآتية :
وعن تاريخ نيسابور للحاكم كان يفتي في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو ابن نيف وعشرين سنة وفي تهذيب التهذيب كان من اهل العلم والفضل مع شرف النسب ( وقال ) الرجاء بن ابي الضحاط وقد صحبه من المدينة الى خراسان كان اذا أقام في بلدة عشرة أيام كان صائماً لا يفطر فاذا جن الليل بدأ بالصلاة قبل الافطار وفي الطريق يصلي فرائضه ركعتين الا المغرب وكان يكثر في الليل

= اصحابنا انه لم يترك بعده الا ابنا واحداً ومراد غيرهم جميع من ولد له لنافاه رواية دلائل الحميري ويبقى مافي العدد مخالفا للكل .

ـ المؤلف ـ

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 558

في فراشه من تلاوة القرآن فاذا مر بآية فيها ذكر جنة او نار بكى وسأل الله الجنة وتعوذ به من النار وكان لا ينزل بلداً الا قصده الناس يستفتونه في معالم دينهم فيجيبهم ويحدثهم الكثير عن أبيه عن آبائه عن علي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولما أخبرت المأمون بما شاهدت منه قال لي هذا خير أهل الارض وأعلمهم وأعبدهم .
( وأما صفته في لباسه ) فيأتي في المجلس السابع . أنه كان لبسه الغليظ من الثياب فاذا برز للناس تزين لهم وفي المجلس الخامس دخول قوم من الصوفية عليه بنيسابور وقولهم الامامة تحتاج الى من يأكل الجشب ويلبس الخشن ـ الدال على انه لم يكن كذلك ـ وقوله لهم ان يوسف عليه السلام لبس اقبية الديباج المزررة بالذهب الخ . واستشهاده بآية «قل من حرم زينة الله» .
المجلس الثالث

قال المفيد عليه الرحمة في الارشاد كان الامام بعد ابي الحسن موسى بن جعفر ابنه ابو الحسن علي بن موسى الرضا عليهم السلام لفضله على جماعة اخوته وأهل بيته وظهور علمه وحلمه وورعه واجتماع الخاصة والعامة على ذلك فيه ومعرفتهم به منه ولنص أبيه عليه السلام على امامته من بعده واشارته اليه بذلك دون جماعة اخوته واهل بيته .

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 559

فممن روى النص على الرضا عليه السلام بالامامة من ابيه والاشارة اليه منه بذلك من خاصته وثقاته وأهل الورع والعلم والفقه من شيعته ، داود بن كثير الرقي ، محمد بن اسحاق بن عمار ، وعلي بن يقطين ، ونعيم القابوسي ، والحسين بن المختار ، وزياد بن مروان ، والمخزومي ، وداود بن سليمان ، ونصر بن قابوس وداود بن زربي ويزيد بن سليط ، ومحمد بن سنان ، ثم ذكر المفيد رواية كل واحد من هؤلاء باسنيدهم عن الكليني صاحب الكافي ونحن ننقلها بحذف الاسناد .
( قال داود الرقي ) قلت لأبي ابراهيم عليه السلام جعلت فداك اني قد كبرت سني فخذ بيدي وانقذني من النار من صاحبنا بعدك فأشار الى ابنه ابي الحسن فقال هذا صاحبكم من بعدي ( وقال محمد بن اسحاق بن عمار ) قلت لأبي الحسن الأول عليه السلام الا تدلني على من آخذ عنه ديني فقال هذا ابني علي ان أبي اخذ بيدي فادخلني الى قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال لي يابني ان الله جل اسمه قال اني جاعل في الأرض خليفة وان الله اذا قال قولا وفى به ( وقال علي بن يقطين ) كنت عند العبد الصالح عليه السلام فقال ياعلي ابن يقطين هذا علي سيد ولدي اما اني قد نحلته كنيتي ( وفي رواية ) فضرب هشام بن الحكم وكان حاضرا براحته جبهته ثم قال ويحك كيف قلت فقال سمعته والله منه كما قلت فقال ان الامر والله فيه من بعده ( قال نعيم القابوسي ) قال ابو الحسن موسى عليه السلام ان ابني علي اكبر ولدي او آثرهم عندي واحبهم الي ( وقال الحسين بن

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 560

المختار ) خرجت الينا الواح من ابي الحسن موسى عليه السلام وهو في الحبس عهدي الى اكبر ولدي ان يفعل كذا وان يفعل كذا ( وقال زياد بن مروان القندي ) دخلت على ابي ابراهيم وعنده ابو الحسن ابنه فقال لي يازياد هذا ابني كتابه كتابي وكلامه كلامي ورسوله رسولي وما قاله فالقول قوله ( وقال المخزومي ) وكانت امه من ولد جعفر بن ابي طالب بعث الينا ابو الحسن موسى (ع) فجمعنا ثم قال اتدرون لم جمعتكم فقلنا لا قال اشهدوا ان ابني هذا وصيي والقيم بأمري وخليفتي من بعدي من كان له عندي دين فليأخذه من ابني هذا ومن كانت له عندي عدة فليستنجزها منه ومن لم يكن له بد من لقائي فلا يلقني الا بكتابه ( وقال داود بن سليمان ) قلت لأبي ابراهم عليه السلام اني اخاف ان يحدث حدث ولا القاك فأخبرني من الامام بعدك فقال ابني فلان يعني ابا الحسن ( وقال نصر بن قابوس ) قلت لأبي ابراهيم عليه السلام اني سألت اباك من الذي يكون من بعدك فاخبرني انك انت هو فلما توفي ذهب الناس يمينا وشمالا وقلت بك انا واصحابي فأخبرني من الذي يكون بعدك من ولدك قال ابني فلان ( وقال داود بن زربي ) جئت الى ابي ابراهيم « ع » بمال فأخذ بعضه وترك بعضه فقلت اصلحك الله لأي شيء تركته عندي فقال ان صاحب هذا الامر يطلبه منك فلما جاء نعيه بعث الي ابو الحسن الرضا « ع » فسألني عن ذلك المال فدفعته اليه ( وقال يزيد بن سليط ) قال ابو ابراهيم عليه السلام في السنة التي قبض عليه فيها اني اؤخذ في هذه السنة

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 561

والأمر الى ابني علي سمي علي وعلي فاما علي الأول فعلي بن ابي طالب واما علي الآخر فعلي بن الحسين صلوات الله عليهم اعطي فهم الاول وورده وحلمه وعلمه ونصره ووده وورعه ودينه ومحنة الآخر وصبره على مايكره ( وقال الطبرسي ) في اعلام الورى اجمع اصحاب ابي الحسن موسى بن جعفر « ع » على انه نص على ابنه الرضا « ع » وأشار بالامامة اليه الا من شذ منهم من الواقفة والسبب الظاهر في ذلك طمعهم فيما كان في أيديهم من الاموال المجبوة اليهم في مدة حبس الكاظم « ع» وما كان عندهم من ودائعه فحملهم ذلك على انكار وفاته وانكار النص على خليفته ليذهبوا بما في ايديهم مما وجب عليهم دفعه اليه مع انهم قد انقرضوا ولم يبق منهم ديار .
ما عسى ان يقال في مدح قوم اسس الله مجـدهم تأسيسـا
ما عسى ان يقال في مدح قوم قـدس الله ذكـرهم تقـديسا
هم هداة الورى و هم اكرم النا س اصـولا شريفة ونفـوسا
ان عرت أزمة تنـدوا غيوثـا أو دجت شبهة تبـدوا شموسا


المجلس الرابع

مما جاء في سعة علم الرضا « ع » ما رواه الصدوق وغيره عن ابراهيم بن العباس انه قال ما رأيت الرضا عليه السلام سئل عن

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 562

شيء قط الاعلمه ولا رأيت اعلم منه بما كان في الزمان الى وقته وعصره وكان المأمون يمتحنه بالسؤال عن كل شيء فيجيب عنه وكان كلامه كله وجوابه وتمثله انتزاعات من القرآن وكان يختمه في كل ثلاث ويقول لو أني أردت ان اختمه في أقرب من ثلاث لختمت ولكني مامررت بآية قط الا فكرت فيها وفي أي شيء انزلت وفي أي وقت فلذلك صرت اختمه في كل ثلاث ( وعن ابي الصلت الهروي ) قال ما رأيت اعلم من علي بن موسى الرضا ولا رآه عالم الا شهد له بمثل شهادتي ولقد جمع المأمون في مجالس له عددا من علماء الاديان وفقهاء الشريعة والمتكلمين فغلبهم عن آخرهم حتى ما بقي احد منهم الا أقر له بالفضل وأقر على نفسه بالقصور ( ولقد ) سمعت علي بن موسى الرضا « ع » يقول كنت اجلس في الروضة والعلماء بالمدينة متوافرون فاذا اعيا الواحد منهم عن مسألة اشاروا الي باجمعهم وبعثوا الي بالمسائل فاجبت عنها ( قال ) ابو الصلت لقد حدثني محمد بن اسحاق بن موسى بن جعفر عن ابيه ان موسى بن جعفر عليه السلام كان يقول لبنيه هذا أخوكم علي بن موسى الرضا عالم آل محمد فاسألوه عن أديانكم واحفظوا ما يقول لكم ( وعن ) بعض اصحاب الرضا « ع » انه قال جمعت من مسائل ابي الحسن الرضا مما سئل عنه وأجاب عنه خمس عشرة الف مسألة ( وفي رواية ) ثمان عشرة الف مسألة (وقال) ابن شهر اشوب وقد روى عنه جماعة من المصنفين منهم أبو بكر الخطيب في تفسيره والسمعاني في رسالته وابن المعتز في كتابه

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 563

وغيرهم (وعن) كتاب نثر الدر قال سال الفضل بن سهل علي بن موسى الرضا عليه السلام في مجلس المأمون فقال يا ابا الحسن الناس مجبرون فقال الله اعدل من ان يجبر ثم يعذب قال فمطلقون قال الله احكم من ان يهمل عبده ويكله الى نفسه (وسئل) عن رجل قال كل مملوك قديم في ملكي فهو حر فقال يعتق من مضى له في ملكه ستة اشهر لقوله تعالى والقمر «قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم» وبين العرجون القديم والعرجون الحديث ستة اشهر وادخل رجل الى المأمون اراد ضرب رقبته والرضا عليه السلام حاضر فقال المأمون ما تقول فيه يا ابا الحسن فقال اقول ان الله لا يزيدك بحسن العفو الا عزاً فعفا عنه (ودخل) على الرضا عليه السلام وهو بنيسابور قوم من الصوفية فقالوا ان امير المؤمنين المأمون لما نظر فيما ولاه الله من الامور فرآكم اهل البيت اولى من قام بامر الناس ثم نظر في اهل البيت اولى بالناس من كل واحد فرد هذا الامر اليك والامامة تحتاج الى من ياكل الجشب ويلبس الخشن ويركب الحمار ويعود المريض ويشع الجنائز وكان الرضا «ع» متكئا فاستوى جالسا ثم قال كان يوسف بن يعقوب عليهما السلام نبيا فليس اقبية الديباج المزررة بالذهب والقباطي المنسوجة بالذهب وجلس على متكات ال فرعون وحكم وامر ونهى وانما يراد من الامام قسط عدل اذا قال صدق واذا حكم عدل واذا وعد انجز ان الله لم يحرم ملبوسا ولا مطعما وتلا قوله تعالى «قل من حرم زينة الله التي اخرج لعباده والطيبات من الرزق»

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 564

والله لمـا برى خلقـا فـاتقنه صفـاكم واصطفاكم ايها البشر
فانتم الملا الاعلـى وعنـدكم علم الكتاب وماجاءت به السور


المجلس الخامس

مما جاء في مكارم اخلاق الرضا عليه السلام وفضله وتواضعه ما رواه الصدوق وغيره عن ابراهيم بن العباس انه قال ما رايت ولا سمعت باحد افضل من ابي الحسن الرضا ومن زعم انه راى مثله في فضله فلا تصدقوه شاهدت منه ما لم اشاهد من احد وما رايته جفا احدا بكلامه ولا رايته قطع على احد كلامه حتى يفرغ منه وما رد احد عن حاجة يقدر عليها ولا مد رجله بين يدي جليس له قط ولا رايته يشتم احدا من مواليه ومماليكه وما رايته تفل ولا رايته يقهقه في ضحكه بل كان ضحكه التبسم وكان اذا خلا ونصب مائدته اجلس عليها مواليه ومماليكه حتى البواب والسائس (عن) ياسر الخادم قال كان الرضا «ع» اذا خلا جمع حشمه كلهم عنده الصغير و الكبير ويانس بهم ويؤنسهم (وفي رواية) انه دعا يوما بمائدة له فجمع عليها مواليه من السودان وغيرهم فقال له بعض اصحابه جعلت فداك لو عزلت لهؤلاء مائدة فقال «ع» ان الرب تبارك وتعالى واحد والام واحدة والاب واحد والجزاء بالاعمال ( وعن محمد بن ابي عباده) قال كان جلوس

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 565

الرضا عليه السلام على حصير بالصيف وعلى مسح في الشتاء ولبسه الغلظ من الثياب حتى اذا برز للناس تزين لهم (ونزل) بالرضا ضيف وكان جالسا عنده يحدثه في بعض الليل فتغير السراج فمد الرجل يده ليصلحه فزبره ابو الحسن «ع» ثم اصلحه بنفسه وقال انا قوم لا نستخدم اضيافنا (وعن) ياسر ونادر خادمي الرضا «ع» انهما قالا قال لنا ابو الحسن صلوات الله عليه ان قمت على رؤوسكم وانتم تاكلون فلا تقوموا حتى تفرغوا ولربما دعا بعضنا فيقال هم ياكلون فيقول دعوهم حتى يفرغوا
كرمت منكم وكابت فروع وزكت منكم وطابت اصول


المجلس السادس

مما جاء في كرم الرضا «ع» وسخائه وكثرة صدقاته انه مر به رجل فقال له اعطني على قدر مروئتك قال لا يسعني ذلك فقال على قدر مروءتي قال اما هذا فنعم ثم قال يا غلام اعطه مائتي دينار وفرق بخراسان ماله كله في يوم عرفة فقال له الفضل ابن سهل ان هذا لمغرم فقال بل هو المغنم لا تعدن مغرما ما ابتعت به اجرا وكرما (وروى) الصدوق وغيره عن ابراهيم بن العباس قال كان الرضا عليه السلام كثير المعروف والصدقة في السر واكثر

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 566

ذلك يكون منه في الليالي المظلمة (وجاءه) خراساني صادر من الحج فقال قد افتقدت نفقتي وما معي ما ابلغ به مرحلة فدخل الحجرة ثم خرج ورد الباب واخرج يده من اعلى الباب واعطاه مئتي دينار فقيل له جعلت فداك لقد اجزلت ورحمت فلماذا سترت وجهك عنه فقال مخافة ان ارى ذل السؤال في وجهه اما سمعت حديث رسول الله صلى الله عليه واله وسلم المستتر بالحسنة تعدل سبعين حجة والمذيع بالسيئة مخذول والمستتر بها مغفور له اما سمعت قول الاول :
متى اته يوما لا طلب حاجة رجعت الى اهلي ووجهي بمائه

* * *

بنـفسي انتـم مـن كهول وفتية لفـك عنـاة او لحـمل ديـات
مطاعيم في الاقتار في كل مشهد لقد شرفـوا بالفضـل والبركات


المجلس السابع

في ما جاء عن الرضا عليه السلام في المواعظ والاداب والحكم (قال عليه السلام) من رضي من الله عز وجل بالقليل من الرزق رضي الله منه بالقليل من العمل (وقال ع) لا يعدم المرء دائرة السوء مع نكث الصفقة ولا يعدم تعجيل العقوبة مع ادراع البغي (وقال ع)

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 567

ليس الحمية من الشيء تركه ولكن الاقلال منه وقال عليه السلام في قول الله تعالى «فاصفح الصفح الجميل» قال عفو بغير عتاب (وقال عليه السلام) اوحش ما يكون هذا الخلق في ثلاثة مواطن يوم يولد فيرى الدنيا ويوم يموت فيعاين الاخرة واهلها ويوم يبعث فيرى احكاما لم يرها في دار الدنيا وقد سلم الله على يحيى وعيسى عليهما السلام في هذه الثلاثة المواطن ، فقال في يحيى وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا ، وفي عيسى والسلام علي يوم ولدت ويوم اموت ويوم ابعث حيا (وقال ع) ان الله عز وجل امر بثلاثة مقرون بها ثلاثة امر بالصلاة والزكاة فمن صلى ولم يزك لم تقبل صلاته وامر بالشكر له وللوالدين فمن لم يشكر والديه لم يشكر الله وامر باتقاء الله وصلة الرحم فمن لم يصل رحمه لم يتق الله عز وجل (وقال ع) من علامات الفقه الحلم والعلم والصمت ان الصمت باب من ابواب الحكمة ان الصمت يكسب المحبة انه دليل على كل خير (وقال ع) صديق كل امرئ عقله وعدوه جهله (وقال ع) لا يجتمع المال الا بخصال خمس بخل شديد وامل طويل وحرص غالب وقطيعة الرحم وايثار الدنيا على الاخرة (وسئل ع) ما بال المتهجدين بالليل من احسن الناس وجها قال لانهم خلوا بالله فكساهم الله من نوره (وقال ع) لاينبغي للرجل ان يدع الطيب في كل يوم فان لم يقدر فيوم ويوم لا فان لـم يقدر ففي كل جمعة (وشكـا) رجل الى الرضا عليه السلام اخـاه فانشا الرضا عليه السلام يقـول :

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 568

اعذر اخاك على ذنـوبه واستر وغط علـى عيوبه
واصبر على بهت السفيـ ـه و للزمان على خطوبه
و دع الـجواب تـفضلا وكـل الظلوم الى حـسيبه

(وكان ع) ينشد كثيرا

اذا كنت في خير فلا تغترر به ولكـن قـل اللهم سلـم وتمـم

وله عليه السلام اورده ابن شهر اشوب في المناقب

لبسـت بالعـفة ثوب الغنى وصرت امشي شامخ الراس
لست الى الـنسناس مستانسا لكـننـي انـس بالـنـاس
اذا رايت التيه من ذي الغنى تهـت علـى التـائه بالباس
ما ان تفاخـرت على معدم و لا تـضـعضعت لافلاس

وكتب المأمون الى الرضا «ع» عظني فكتب «ع» اليه :

انك فـي دنـيا لـها مدة يقبل فيها عمـل الـعامل
اما ترى الموت محيطا بها يسلب (1)منها امل الامـل
تعجل الذنب بما تـشتـهي و تامل التوبة من قـابـل
والموت يـاتي اهـله بغتة مـاذاك فعل الحازم العاقل

وسمع «ع» وهو ينشد هذا الشعر وهو لابي العتاهية وكان قليلا ما ينشد شعرا :

(1) يكذب فيها خ ل .
المجالس السنية ـ الجزء الخامس 569

كلنا نامل مـدا في الاجـل و المـنايا هن افـات الامـل
لا يغرنـك ابـاطيل المنـى و الزم القصد ودع عنك العلل
انمـا الدنيـا كظـل زائـل حل فيـه راكـب ثـم رحـل

وانشد «ع» لاميرالمؤمنين «ع»

خلقت الخلائق في قدرة فمنهم سخي ومنهم بخيل
فـاما السخي ففي راحة واما البخيل فشؤم طويل

وارسل اليه المأمون جارية فلما رات الشيب اشمأزت فردها الى المأمون وكتب اليه :
نعى نفسي الى نـفسي المشيب و عنـد الشـيب يـتعظ اللبيب
فقد ولـى الشـبـاب الى مداه فلسـت ارى مواضعـه تؤوب
سـابـكيه وانـدبه طـويـلا وادعوه الـي عسـى يجـيب
وهيهات الـذي قـد فات مـنه تمنيني بـه النفــس الكذوب
و راع الغانيات بياض راسـي و من مد البـقاء لـه يـشيب
ارى البيض الحسان يحدن عني و في هجرانهن لنـا نـصيب
فان يكن الشباب مضى حبـيبا فان الشيـب لي ايضـا حبيب
ساصحـبه بـتقوى الله حـتى يـفرق بيننـا الاجـل القريب

* * *


المجالس السنية ـ الجزء الخامس 570

المجلس الثامن

في كتاب الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي قال حدث المولى السعيد امام الدنيا عماد الدين محمد بن ابي سعيد بن عبد الكريم الوزان في المحرم سنة ست وتسعين وخمسمائة اورد صاحب كتاب تاريخ نيسابور في كتابه ان علي بن موسى الرضا لما دخل الى نيسابور في السفرة التي خص فيها بفضيلة الشهادة كان في قبـة مستـورة بالسقـلاط (1) على بغلة شهباء وقد شق نيسابور فعرض له الامامان الحافظان للاحاديث النبوية والمثابران على السنة المحمدية ابو زرعة الرازي ومحمد بن اسلم الطوسي ومعهما خلائق لا يحصون من طلبة العلم واهل الاحاديث واهل الرواية والدراية فقالا ايها السيد الجليل ابن السادة الائمة بحق آبائك الاطهرين واسلافك الاكرمين الا ما اريتنا وجهك الميمون المبارك ورويت لنا حديثا عن آبائك عن جدك محمد صلى الله عليه واله وسلم نذكرك به فاستوقف البغلة وامر غلمانه بكشف المظلة عن القبة واقر عيون تلك الخلائق برؤية طلعته المباركة فكانت له ذؤابتان على

(1) بكسر السين والقاف وتشديد اللام شيء من الصوف يلقى على الهودج او ثياب كتان موشاة وكان وشيها خاتم .
ـ المؤلف ـ

السابق السابق الفهرس التالي التالي