فيما جاء عن الكاظم عليه السلام في المواعظ والآداب والحكم (قال) عليه السلام الجواد الذي يؤدي ما افترض الله عليه والبخيل من بخل بما افترض الله عليه ( وقال عليه السلام ) من تكلم في الله هلك ومن طلب الرياسة هلك ومن دخله العجب هلك ( وقال ع ) ثلاث يجلين البصر النظر الى الخضرة والنظر الى الماء الجاري والنظر الى الوجه الحسن ( وقال ع ) ليس حسن الجوار كف الأذى ولكن حسن الجوار الصبر على الأذى ( وقال ع ) لاتذهب الحشمة بينك وبين اخيك وابق منها فان ذهابها ذهاب الحياء ( وقال ع ) لبعض ولده يابني اياك ان يراك الله معصية نهاك عنها واياك ان يفقدك الله عند طاعة امرك بها وعليك بالجد ولاتخرجن نفسك من التقصير في عبادة الله وطاعته فان الله لا يعبد حق عبادته واياك والمزاح فانه يذهب بنور ايمانك ويستخف مروتك واياك والضجر والكسل فانهما يمنعان حظك من الدنيا والآخرة ( وقال ع ) اذا كان الجور أغلب من الحق لم يحل لاحد ان يظن بأحد خيرا حتى يعرف ذلك منه ( وقال ع ) اجتهدوا في ان يكون زمانكم اربع ساعات ساعة لمناجاة الله وساعة لامر المعاش وساعة لمعاشرة الاخوان والثقات الذين يعرفونكم عيوبكم ويخلصون لكم في الباطن وساعة تخلون فيها للذاتكم في غير محرم وبهذه الساعة تقدرون على الثلاث ساعات لاتحدثوا أنفسكم بفقر ولابطول
عمر فانه من حدث نفسه بالفقر بخل ومن حدثها بطول العمر يحرص اجعلوا لانفسكم حظا من الدنيا باعطائها ما تشتهي من الحلال وما لا يثلم المروءة وما لا سرف فيه واستعينوا بذلك على امور الدين فانه روي ليس منا من ترك دنياه لدينه او ترك دينه لدنياه تفقهوا في دين الله فان الفقه مفتاح البصيرة وتمام العبادة والسبب الى المنازل الرفيعة والرتب الجليلة في الدنيا وفضل الفقيه على العابد كفضل الشمس على الكواكب ومن لم يتفقه في دينه لم يرض الله له عملا ( وقال ع) لعلي بن يقطين كفارة عمل السلطان الاحسان الى الاخوان ( وقال ع ) كلما احدث الناس من الذنوب ما لم يكونوا يعلمون احدث الله لهم من البلاء ما لم يكونوا يعدون ( ورأى ) رجلين يتسابان فقال البادي اظلم ووزره ووزر صاحبه عليه ما لم يعتد المظلوم (وقال ع) ينادي مناد يوم القيامة الا من كان له على الله أجر فليقيم فلا يقوم الا من عفا وأصلح فأجره على الله ( وقال ع ) السخي الحسن الخلق في كنف الله لايتخلى الله عنه حتى يدخله الجنة وما بعث الله نبيا الا سخيا وما زال ابي يوصيني بالسخاء وحسن الخلق حتى مضى (وقال ع) للفضل ابلغ خيرا وقل خيرا ولا تكن امعة قلت وما الامعة قال لا تقل انا مع الناس وانا كواحد من الناس ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال يا أيها الناس انما هما نجدان نجد خير ونجد شر فلا يكن نجد الشر احب اليكم من نجد الخير ( وقال ع ) لا تصلح المسألة الا في ثلاثة في دم منقطع او غرم مثقل او حاجة مدقعة ( وقال ع ) عونك للضعيف من
افضل الصدقة ( وقال ع ) تعجب الجاهل من العاقل اكثر من تعجب العاقل من الجاهل (وقال ع ) المصيبة للصابر واحدة وللجازع اثنتان
كان السبب في اخذ موسى بن جعفر عليهما السلام وحبسه ان الرشيد كان له أربعة عشر ابنا فاختارمنهم ثلاثة محمد بن زبيدة الملقب بالامين وجعله ولي عهده وعبد الله المأمون وجعل له الامر بعد ابن زبيدة والقاسم المؤتمن وجعل له الامر بعد المأمون فأراد ان يحكم الامر في ذلك ويشهره عند الخاص والعام فحج في سنة تسع وسبعين ومائة وكتب الى جميع الآفاق يأمر الفقهاء والعلماء والقراء والامراء بحضور الموسم فاعلن ذلك في الموسم وكتب به كتابا وعلقه في جوف الكعبة ( وكان ) قد وضع ابنه محمد بن زبيدة في حجر جعفر بن محمد بن الاشعث فحسده يحيى بن خالد البرمكي على ذلك وقال اذا مات الرشيد وافضت الخلافة الى محمد زالت دولتي ودولة ولدي وتحول الامر الى جعفر ابن محمد بن الاشعث وولده ( كان ) جعفر المذكور يقول بالامامة فاحتال عليه يحيى وكان قد عرف مذهبه في التشيع فأظهر له
يحيى أنه على مذهبه فسر به جعفر وأنس به وأسر اليه وذكر له ماهو عليه في موسى بن جعفر فلما وقف على مذهبه سعى به الى الرشيد وكان يكثر غشيانه في منزله فيقف على أمره ويرفعه الى الرشيد ويزيد عليه فكان الرشيد يرعى لجعفر موضعه وموضع أبيه من نصرة الخلافة فكان يقدم في أمره ويؤخر ويحيى لا يألو ان يحطب عليه الى ان دخل جعفر يوما الى الرشيد فأظهر له اكراما وجرى بينهما كلام مت به جعفر بحرمته وحرمة أبيه فأمر له الرشيد بعشرين الف دينار فأمسك يحيى عن أن يقول فيه شيئا حتى أمسى ثم قال للرشيد قد كنت اخبرك عن جعفر ومذهبه فتكذب عنه وهاهنا أمر فيه الفيصل قال وما هو قال انه لا يصل اليه مال من جهة من الجهات الاوجه بخمسه الى موسى بن جعفر ولست أشك انه قد فعل ذلك في العشرين ألف دينار التي أمرت له بها فأرسل الرشيد الى جعفر ليلا وكان قد عرف سعاية يحيى به فلما جاءه الرسول خشي ان يكون قد سمع فيه قول يحيى وانه انما دعاه ليقتله فاغتسل وتحنط بمسك وكافور ولبس بردة فوق ثيابه وأقبل الى الرشيد فلما شم رائحة الكافور ورأى البردة قال ما هذا فقال ياأمير المؤمنين قد علمت انه سعي بي عندك فلم آمن ان يكون قد قدح في قلبك مايقال علي فأرسلت الي لتقتلني فقال كلا ولكن أخبرت أنك تبعث الى موسى بن جعفر من كل ما يصير اليك بخمسه وانك قد فعلت ذلك بالعشرين ألف دينار فقال جعفر الله أكبر تأمر بعض خدمك
يذهب فيأتيك بها بخواتيمها فأعطاه جعفر خاتمه وسمى له جاريته التي عندها المال فدفعت اليه البدر بخواتيمها فقال جعفر هذا أول ما تعرف به كذب من سعى بي اليك قال صدقت انصرف آمنا فلا أقبل بك قول أحد وجعل يحيى يحتال في اسقاط جعفر فقال يوما لبعض ثقاته أتعرفون لي رجلا من آل أبي طالب ليس بواسع الحال له رغبة في الدنيا فأوسع له منها فيعرفني ما أحتاج اليه من أخبار موسى بن جعفر (1) فدل على علي بن اسماعيل بن جعفر بن محمد فحمل اليه يحيى مالا وأرسل اليه يرغبه فيقصد الرشيد ويعده بالاحسان اليه فأجابه الى ذلك وعلم بذلك موسى بن جعفر « ع » وكان يأنس بعلي بن اسماعيل ويصله ويبره بالمال وربما أفضى اليه بأسراره وربما خرج الكتاب منه الى بعض شيعته بخط علي بن اسماعيل ثم استوحش منه فلما بلغه ذلك دعاه وقال الى أين يا ابن أخي قال إلى بغداد قال وما تصنع قال علي دين وأنا مملق قال فاني أقضي دينك وأفعل بك وأصنع قال فتدبير عيالي قال انا اكفيكهم فلم يلتفت الى ذلك وأبى الا الخروج فقال له أبو الحسن « ع » أنت خارج قال نعم لابد لي من ذلك فقال
انظر يا ابن أخي واتق الله لاتؤتم اولادي وأمر له بثلثمائة دينار وأربعة آلاف درهم فلما قام من بين يديه قال ابو الحسن موسى « ع » لمن حضره والله ليسعين في دمي وليؤتمن أولادي فقالوا له جعلنا الله فداك أنت تعلم هذا من حاله وتعطيه وتصله قال نعم حدثني أبي عن آبائه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ان الرحم اذا قطعت فوصلت فقطعت قطعها الله واني أردت ان أصله بعد قطعه لي حتى اذا قطعني قطعه الله فخرج علي بن اسماعيل حتى أتى يحيى بن خالد فتعرف منه خبر موسى بن جعفر فرفعه الى الرشيد وزاد فيه ثم أوصله يحيى الى الرشيد فسأله عن عمه موسى بن جعفر فسعى به اليه وقال له ان الأموال تحمل اليه من المشرق والمغرب وانه اشترى ضيعة بثلاثين الف دينار فسماها اليسيرة فقال له صاحبها وقد أحضر المال لا آخذ هذا النقد ولا آخذ الا نقد كذا وكذا فأمر بذلك المال فرد وأعطاه ثلاثين الف دينار من النقد الذي سأله بعينه فسمع ذلك منه الرشيد ( وفي رواية ) ان الذي وشى بالامام « ع » هو محمد بن اسماعيل بن جعفر وانه لما ورد بغداد أتى باب هارون بثياب السفر واستأذن فقال له الحاجب انزل أولا وغير ثيابك فقد نام امير المؤمنين فقال أعلمه اني حضرت ولم تأذن لي فدخل الحاجب وأعلم هارون فأمر بدخوله فقال يا أمير المؤمنين خليفتان في الأرض موسى بن جعفر بالمدينة يجبى له الخراج وأنت بالعراق يجبى لك الخراج فقال والله فقال والله . ( وفي رواية ) ان الذي سعى به أخوه محمد بن جعفر وانه دخل على
الرشيد فسلم عليه بالخلافة ثم قال ما ظننت ان في الأرض خليفتين حتى رأيت أخي موسى بن جعفر يسلم عليه بالخلافة ( ويمكن ) ان يكونوا كلهم سعوا به عليه السلام وممن سعى به أيضا يعقوب بن داود وكان يرى رأي الزيدية ( وحج ) الرشيد في تلك السنة فبدأ بالمدينة وصار الى قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال يارسول الله اني اعتذر اليك من شيء أريد أن أفعله أريد أن أحبس موسى بن جعفر فانه يريد التشتيت بين أمتك وسفك دمائها ثم أمر به فأخذ من المسجد ( وفي رواية ) أنه كان قائما يصلي عند رأس النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقطع عليه صلاته وأخذ وهو يقول : اليك أشكو يا رسول الله ما القى وأقبل الناس من كل جانب يبكون ويضجون فلما حمل الى بين يدي الرشيد شتمه وجفاه ثم قيده فلما جن الليل امر بقبتين فهيئتا له فوضعهما على بغلين فحمل موسى بن جعفر عليه السلام في احداهما في خفاء ودفعه الى حسان السروي وبعث مع خيلا وأمره أن يصير به الى البصرة فيسلمه الى عيسى بن جعفر بن المنصور وهو أميرها ووجه قبة اخرى علانية نهارا الى الكوفة ومعها خيل ليعمي على الناس أمر موسى بن جعفر وكان حمله من المدينة لعشر ليال بقين من شوال وقيل في السابع والعشرين من رجب سنة تسع وسبعين ومائة فقدم حسان البصرة قبل التروية بيوم فدفعه الى عيسى بن جعفر نهارا علانية حتى عرف ذلك وشاع أمره فحبسه عيسى في بيت من بيوت المحبس الذي كان يحبس فيه وأقفل عليه وشغله عنه العيد فكان لا يفتح عليه الباب الا في حالتين حال يخرج فيها
الى الطهور وحال يدخل اليه فيها الطعام ( قال ) الفيض بن أبي صالح وكان نصرانيا ثم أظهر الاسلام وكان يكتب لعيسى بن جعفر لقد سمع هذا الرجل الصالح في أيامه هذه في هذه الدار التي هو فيها من ضروب الفواحش والمناكير ما أعلم ولا اشك انه لم يخطر بباله ( فبقي ) محبوسا عنده سنة وكتب اليه الرشيد في دمه فاستدعي عيسى بعض خواصه وثقاته فاستشارهم فأشاروا عليه بالتوقف عن ذلك والاستعفاء منه فكتب عيسى الى الرشيد لقد طال أمر موسى بن جعفر ومقامه في حبسي وقد اختبرت حاله ووضعت عليه العيون طول هذه المدة فما وجدته يفتر عن العبادة ووضعت عليه من يسمع منه ما يقول في دعائه فما دعا عليك ولا علي ولا ذكرنا بسوء وما يدعو ال النفسه بالمغفرة والرحمة فان أنت أنفذت الي من يتسلمه مني والا خليت سبيله فاني متحرج من حبسه ( وروي ) ان بعض عيون عيسى بن جعفر رفع اليه انه يسمعه كثيرا يقول في دعائه اللهم انك تعلم اني كنت أسألك ان تفرغني لعبادتك اللهم وقد فعلت فلك الحمد فوجه الرشيد من تسلمه منه وصيره الى بغداد فسلم الى الفضل بن الربيع فبقي محبوسا عنده مدة طويلة ( روى ) الصدوق في العيون بسنده عن عبد الله القروي ( القزويني ) قال دخلت على الفضل بن الربيع وهو جالس على سطح فقال لي ادن مني فدنوت حتى حاذيته ثم قال لي اشرف الى البيت في الدار فاشرفت فقال لي ما ترى في البيت قلت ثوبا مطروحا فقال أنظر حسنا فتأملت ونظرت
فتيقنت فقلت رجل ساجد فقال لي تعرفه قلت لا قال هذا مولاك قلت ومن مولاي قال تتجاهل علي فقلت لا أتجاهل ولكني لا أعرف لي مولى فقال هذا أبو الحسن موسى بن جعفر اني اتفقده الليل والنهار فلم أجده في وقت من الاوقات الا على الحال التي أخبرك بها انه يصلي الفجر فيعقب ساعة في دبر صلاته الى ان تطلع الشمس ثم يسجد سجدة فلا يزال ساجدا حتى تزول الشمس وقد وكل من يترصد له الزوال فلست أدري متى يقول الغلام قد زالت الشمس اذ يثب فيبتدئ بالصلاة من غير ان يجدد وضوءا فاعلم انه لم ينم في سجوده ولا اغفى فلا يزال كذلك الى ان يفرغ من صلاة العصر فاذا صلى العصر سجد سجدة فلا يزال ساجدا الى ان تغيب الشمس فاذا غابت وثب من سجدته فصلى المغرب من غير ان يحدث حدثا ولا يزال في صلاته وتعقيبه الى ان يصلي العتمة فاذا صلى العتمة أفطر على شوي (1) يؤتى به ثم يجدد الوضوء ثم يسجد ثم يرفع رأسه فينام نومة خفيفة ثم يقوم فيجدد الوضوء ثم يقوم فلا يزال يصلي في جوف الليل حتى يطلع الفجر فلست ادري متى يقول الغلام ان الفجر قد طلع اذ قد وثب هو لصلاة الفجر فهذا دأبه منذ حول الي فقلت اتق الله ولا تحدث في أمره حدثا يكون منه زوال النعمة فقد تعلم انه لم يفعل أحد بأحد منهم سوءا الا كانت نعمته زائلة فقال قد ارسلوا الي في غير مرة
يأمرونني بقتله فلم أجبهم الى ذلك وأعلمتهم اني لا أفعل ذلك ولو قتلوني ما أجبتهم الى ما سألوني ( وعن الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد ) قال بعث موسى بن جعفر عليه السلام من الحبس رسالة الى هارون يقول له لن ينقضي عني يوم من البلاء حتى ينقضي عنك معه يوم من الرخاء حتى نفضي جميعا الى يوم ليس له انقضاء يخسر فيه المبطلون ( وطلب ) الرشيد من الفضل بن الربيع قتله فأبى فكتب اليه ان يسلمه الى الفضل بن يحيى البرمكي فتسلمه منه وجعله في بعض حجر دوره ووضع عليه الرصد وكان « ع » مشغولا بالعبادة يحيي الليل كله صلاة وقراءة للقرآن ودعاء واجتهادا ويصوم النهار في أكثر الأيام ولا يصرف وجهه عن المحراب فوسع عليه الفضل بن يحيى وأكرمه فبلغ ذلك الرشيد وهو بالرقة فكتب اليه ينكر عليه توسعته على موسى عليه السلام ويأمره بقتله فتوقف عن ذلك ولم يقدم عليه فاغتاظ الرشيد من ذلك وبعث مسرورا الخادم على البريد الى بغداد وقال له ادخل من فورك على موسى بن جعفر فان وجدته في سعة ورفاهية فاوصل هذا الكتاب الى العباس بن محمد ومره بامتثال ما فيه وسلم اليه كتابا آخر الى السندي بن شاهك يأمره فيه بطاع العباس بن محمد فقدم مسرور فنزل دار الفضل بن يحيى ل ايدري أحد ما يريد ثم دخل على موسى بن جعفر « ع » فوجده على ما بلغ الرشيد فمضى الى العباس بن محمد والسندي بن شاهك فأوصل الكتابين
اليهما فخرج الرسول من عند العباس يركض ركضا الى الفضل بن يحيى فركب معه وهو مدهوش حتى دخل على العباس بن محمد فدعا العباس بسياط وعقابين وأمر بالفضل فجرد من ثيابه وضربه السندي بين يديه مائة سوط وخرج متغير اللون خلاف ما دخل فجعل يسلم على الناس يمينا وشمالا وكتب مسرور بالخبر الى الرشيد فأمر بتسليم موسى عليه السلام الى السندي بن شاهك وجلس الرشيد مجلسا حافلا وقال أيها الناس ان الفضل بن يحيى قد عصاني وخالف طاعتي ورأيت ان العنه فالعنوه فلعنه الناس من كل ناحية حتى ارتج البيت والدار بلعنه فبلغ يحيى بن خالد الخبر فركب الى الرشيد ودخل من غير الباب الذي يدخل الناس منه حتى جاءه من خلفه وهو لايشعر به ثم قال التفت الي يا أمير المؤمنين فأصغى اليه فزعا فقال ان الفضل حدث وأنا أكفيك ما تريد فانطلق وجهه وسر فقال له يحيى يا أمير المؤمنين قد غضضت من الفضل بلعنك اياه فشرفه بازالة ذلك فأقبل على الناس فقال ان الفضل كان قد عصاني في شيء فلعنته وقد تاب وأناب الى طاعتي فتولوه فقالوا نحن أولياء من واليت واعداء من عاديت وقد توليناه ثم خرج يحيى على البريد حتى وافى بغداد فماج الناس وأرجفوا بكل شيء وأظهر انه ورد لتعديل السواد والنظر في أمر العمال وتشاغل ببعض ذلك أياما ثم دعا السندي بن شاهك فأمره بقتل موسى بن جعفر « ع » فقتله ( قبل ) جعل له سما في طعام وقدمه اليه ( وقيل ) جعله في رطب فأكل منه فأحس بالسم
( وفي مقاتل الطالبيين ) ان يحيى بن خالد امر السندي فلفه في بساط وقعد الفراشون النصارى على وجهه ( وعن عمدة الطالب ) قيل انه سم وقيل بل لف في بساط وغمز حتى مات (وروى) الكليني والصدوق بالاسناد عن شيخ من أهل قطيعة الربيع من العامة انه قال قد رأيت بعض من يقرون بفضله من أهل هذا البيت فما رأيت مثله قط في نسكه وفضله قلت كيف رأيته قال جمعنا أيام السندي بن شاهك ثمانين رجلا من الوجوه ممن ينسب الى الخير فأدخلنا على موسى بن جعفر فقال لنا السندي ياهؤلاء انظروا الى هذا الرجل هل حدث به حدث فان الناس يزعمون انه قد فعل به مكروه ويكثرون في ذلك وهذا منزله وفرشه موسع عليه غير مضيق ولم يرد به أمير المؤمنين سوءا وانما ينتظره ان يقدم فيناظره وها هو ذا صحيح موسع عليه في جميع أمره فاسألوه قال ونحن ليس لنا هم الا النظر الى الرجل والى فضله وسمته فقال أما ما ذكر من التوسعة فهو على ما ذكر غير اني أخبركم اني قد سقيت السم في تسع تمرات واني احتضر (أو اخضر) غدا وبعد غد أموت فنظرت الى السندي بن شاهك يرتعد ويضطرب مثل السعفة ( وروي ) انه « ع » لما حضرته الوفاة سأل السندي بن شاهك ان يحضر مولى له مدنيا ينزل عند دار العباس بن محمد في مشرعة القصب ليتولى غسله وتكفينه ففعل ذلك ( قال ) السندي فكنت سألته في الأذن لي في ان أكفنه فأبى وقال
إنا أهل بيت مهور نسائنا وحج صرورتنا (1)وأكفان موتانا من طاهر أموالنا وعندي كفن وأريد أن يتولى غسلي وجهازي مولاي فلان فتولى ذلك منه ( ولبث ) بعد ما سقاه السم ثلاثة ايام موعوكا منه ثم توفي في آخر اليوم الثاث كما أخبر عن نفسه صوات الله عليه غريبا مسموما شهيدا مظلوما صابرا محتسبا بعد ما حبس أربع سنوات أو سبع سنوات ( ولما ) توفي موسى بن جعفر عليهما السلام ادخل السندي بن شاهك عليه الفقهاء ووجوه أهل بغداد وفيهم الهيثم بن عدي وغيره فنظروا اليه لا أثر به من جرح ولا خنق واشهدهم على أنه مات حتف أنفه فشهدوا على ذلك ( وفي رواية ) ان السندي احضر نيفا وخمسين رجلا ممن يعرف موسى بن جعفر وقد صحبه منهم عمر بن واقد وخرج كاتبه ومعه طومار فكتب اسماءهم ومنازلهم وأعمالهم وحلاهم قال فقال لي يا أبا حفص اكشف الثوب عن وجهه فكشفته فرأيته ميتا فبكيت واسترجعت ثم قال للقوم انظروا اليه فدنا واحد بعد واحد فنظروا اليه ثم قال تشهدون كلكم ان هذا موسى بن جعفر ثم قال يا غلام اطرح على عورته منديلا واكشفه ففعل فقال أترون به أثرا تنكرونه فقلنا لا ما نرى به شيئا ولا نراه الا ميتا ( وفي رواية ) انه لما توفي جمع الرشيد شيوخ الطالبية وبني
العباس وسائر أهل المملكة والحكام وأحضره فقال هذا موسى بن جعفر قد مات حتف أنفه فانظروا اليه فدخل عليه سبعون رجلا من شيعته فنظروا اليه وليس به أثر جراحة ولا خنق وكان في رجله أثر الحناء وعن عمدة الطالب انه عمل محضر بأنه مات حتف أنفه وترك ثلاثة أيام على الطريق يأتي من يأتي فينظر اليه ثم يكتب في المحضر . وكانت وفاته في الحبس المعروف بدار المسيب بباب الكوفة وفيه السدرة ( واخرج ) « ع » ووضع على الجسر ببغداد ونودي هذا موسى بن جعفر قد مات فانظروا اليه فجعل الناس يتفرسون في وجهه وهو ميت ( وروى ) الصدوق عليه الرحمة انه حمل على نعش ونودي عليه هذا امام الرافضة فاعرفوه فلما أتي به مجلس الشرطة أقام السندي أربعة نفر فنادوا الا من أراد ان يرى الخبيث ابن الخبيث موسى بن جعفر فليخرج وخرج سليمان بن أبي جعفر المنصور من قصره الى الشط فسمع الصياح والضوضاء فقال لولده وغلمانه يوشك ان يفعل هذا به في الجانب الغربي فاذا عبر به فانزلوا فخذوه من أيديهم فان مانعوكم فاضربوهم واخرقوا ماعليهم من السواد فلما عبروا به نزلوا اليهم فأخذوه من أيديهم وضربوهم وخرقوا عليهم سوادهم ووضعوه في مفرق أربع طرق وأقام سليمان المنادين ينادون ألا من أراد ان يرى الطيب ابن الطيب موسى بن جعفر فليخرج وحضر الخلق وغسل وحنط بحنوط فاخر وكفنه سليمان بكفن فيه حبرة ثمنها خمسمائة دينار عليها القرآن كله واحتفى ومشى في جنارته
متسلبا مشقوق الجيب الى مقابر قريش فدفنه هناك وكتب بخبره الى الرشيد فكتب اليه وصلتك رحم ياعم وأحسن الله جزاءك والله ما فعل السندي بن شاهك ما فعله عن أمرنا .
قال السيد صالح النجفي المعروف بالقزويني رحمه الله تعالى من قصيدة :
|
خلهـا تطوي الفلا طيـا يداها | لاتعفهـا فلقـد طـاب سراهـا | |
قصدهـا الزوراء تنحـو تربة | طاب من مثوى الجوادين شذاها | |
باريج المسـك يزري نشـرها | وعلى شهب السما يسمو حصاها | |
فـاذا لاحـت لعينيـك فقـف | واخلع النعلين في وادي طواهـا | |
تـر أنـوارا لمـوسى لمعـت | نار موسى قبسـات من سناهـا | |
و اذا كـف الجـواد انبجسـت | لك كـان الغيث في فيض نداها | |
تفخـر الزوراء في موسى على | طور سيناء و تسمو فـي علاها | |
قف بهـا وقفـة عبد و أطـل | و قفة العيس بهـا و الثم ثراهـا | |
و اذر دمع العيـن في ساحاتها | فلمـن تدخـر العيـن بكـاهـا | |
وابك فيهـا كاظم الغيـظ الذي | مـات مسموما بايـدي أشقيـاها | |
بابـي مـن طـال ظلما حبسه | وهو للاعـداء لوشـاء محـاها |
ابو الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام |
المجلس الاول |
السابق | الفهرس | التالي |