المجالس السنية ـ الجزء الخامس 534

بيت كعب بن مالك اخي بني سلمة :
زعمت سخينة (1)ان ستغلب ربها فليغلبـن مغـالـب الغـلأب

ثم أقبل على من حضره من مواليه وأهل بيته فقال ليفرخ روعكم أنه لا يرد أول كتاب من العراق الا بموت موسى بن المهدي فقالوا وما ذاك أصلحك الله فقال سنح لي جدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في منامي فشكوت اليه موسى بن المهدي وذكرت ما جرى منه في أهل بيته وأنا مشفق من غوائله فقال لي لتطب نفسك ياموسى فما جعل الله لموسى عليك سبيلا فبينما هو يحدثني اذ أخذ بيدي وقال لي قد اهلك الله آنفا عدوك فليحسن لله شكرك ثم أستقبل ابو الحسن « ع » القبلة ورفع يديه الى السماء يدعو وكان خاصته من اهل بيته وشيعته يحضرون مجلسه ومعهم في اكمامهم الواح آبنوس لطاف وأميال فاذا نطق ابو الحسن «ع» بكلمة أو افتى في نازلة أثبت القوم ما سمعوا منه في ذلك فسمعناه وهو يقول في دعائه شكرا لله جلت عظمته : الهي كم من عدو انتضى علي سيف عداوته ( الى آخر الدعاء ) وهو دعاء طويل جليل المضامين وهو المسمى بدعاء الجوشن الصغير ثم أقبل علينا مولانا ابو الحسن « ع » وقال سمعت أبي يحدث عن ابيه عن أبيه عن جده انه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول اعترفوا بنعمة الله عليكم

(1) سخينة لقب لقريش وأصله اسم طعام كانت تأكله قريش وتعير به فلقبت به .

ـ المؤلف ـ

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 535

وتوبوا الى الله من جميع ذنوبكم فان الله يحب الشاكرين من عباده وتفرق القوم فما اجتمعوا الا لقراءة الكتاب الوارد بموت موسى ابن المهدي والبيعة لهارون الرشيد وفي ذلك يقول بعض من حضر موسى بن جعفر من أهل بيته يصف تلك الدعوة وسرعة اجابتها :
وسارية لم تسر في الأرض تبتغي محلا ولـم يقطع بها العبد قاطع
تمر وراء الليل و الليل ضـارب بجثمانه فيـه سميـر و هاجـع
تفتـح أبواب السمـاء و دونهـا اذا قرع الأبـواب منهن قـارع
اذا وردت لـم يردد الله وفدهـا علـى أهلهـا والله راء وسامـع
وانـي لأرجـو الله حتى كأنمـا أرى بجميل الظن مـا الله صانع

أمثل هذا الامام العظيم يظلم ويحبس وينقل من حبس الى حبس تارة في حبس عيسى بن جعفر وتارة في حبس الفضل بن الربيع وتارة في حبس السندي بن شاهك فلما حبس عند السندي ضيق عليه في حبسه حتى مضت عليه أربع سنوات وهو محبوس ثم سقي السم فمات غريبا مسموما شهيدا صابرا محتسبا كاظما لغيظه غير شاك الا الى ربه .
تركوهم شتى مصا رعهم وأجمعها فظيعه

* * *


المجالس السنية ـ الجزء الخامس 536

المجلس السادس

فيما جاء عن الكاظم عليه السلام في المواعظ والآداب والحكم (قال) عليه السلام الجواد الذي يؤدي ما افترض الله عليه والبخيل من بخل بما افترض الله عليه ( وقال عليه السلام ) من تكلم في الله هلك ومن طلب الرياسة هلك ومن دخله العجب هلك ( وقال ع ) ثلاث يجلين البصر النظر الى الخضرة والنظر الى الماء الجاري والنظر الى الوجه الحسن ( وقال ع ) ليس حسن الجوار كف الأذى ولكن حسن الجوار الصبر على الأذى ( وقال ع ) لاتذهب الحشمة بينك وبين اخيك وابق منها فان ذهابها ذهاب الحياء ( وقال ع ) لبعض ولده يابني اياك ان يراك الله معصية نهاك عنها واياك ان يفقدك الله عند طاعة امرك بها وعليك بالجد ولاتخرجن نفسك من التقصير في عبادة الله وطاعته فان الله لا يعبد حق عبادته واياك والمزاح فانه يذهب بنور ايمانك ويستخف مروتك واياك والضجر والكسل فانهما يمنعان حظك من الدنيا والآخرة ( وقال ع ) اذا كان الجور أغلب من الحق لم يحل لاحد ان يظن بأحد خيرا حتى يعرف ذلك منه ( وقال ع ) اجتهدوا في ان يكون زمانكم اربع ساعات ساعة لمناجاة الله وساعة لامر المعاش وساعة لمعاشرة الاخوان والثقات الذين يعرفونكم عيوبكم ويخلصون لكم في الباطن وساعة تخلون فيها للذاتكم في غير محرم وبهذه الساعة تقدرون على الثلاث ساعات لاتحدثوا أنفسكم بفقر ولابطول

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 537

عمر فانه من حدث نفسه بالفقر بخل ومن حدثها بطول العمر يحرص اجعلوا لانفسكم حظا من الدنيا باعطائها ما تشتهي من الحلال وما لا يثلم المروءة وما لا سرف فيه واستعينوا بذلك على امور الدين فانه روي ليس منا من ترك دنياه لدينه او ترك دينه لدنياه تفقهوا في دين الله فان الفقه مفتاح البصيرة وتمام العبادة والسبب الى المنازل الرفيعة والرتب الجليلة في الدنيا وفضل الفقيه على العابد كفضل الشمس على الكواكب ومن لم يتفقه في دينه لم يرض الله له عملا ( وقال ع) لعلي بن يقطين كفارة عمل السلطان الاحسان الى الاخوان ( وقال ع ) كلما احدث الناس من الذنوب ما لم يكونوا يعلمون احدث الله لهم من البلاء ما لم يكونوا يعدون ( ورأى ) رجلين يتسابان فقال البادي اظلم ووزره ووزر صاحبه عليه ما لم يعتد المظلوم (وقال ع) ينادي مناد يوم القيامة الا من كان له على الله أجر فليقيم فلا يقوم الا من عفا وأصلح فأجره على الله ( وقال ع ) السخي الحسن الخلق في كنف الله لايتخلى الله عنه حتى يدخله الجنة وما بعث الله نبيا الا سخيا وما زال ابي يوصيني بالسخاء وحسن الخلق حتى مضى (وقال ع) للفضل ابلغ خيرا وقل خيرا ولا تكن امعة قلت وما الامعة قال لا تقل انا مع الناس وانا كواحد من الناس ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال يا أيها الناس انما هما نجدان نجد خير ونجد شر فلا يكن نجد الشر احب اليكم من نجد الخير ( وقال ع ) لا تصلح المسألة الا في ثلاثة في دم منقطع او غرم مثقل او حاجة مدقعة ( وقال ع ) عونك للضعيف من

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 538

افضل الصدقة ( وقال ع ) تعجب الجاهل من العاقل اكثر من تعجب العاقل من الجاهل (وقال ع ) المصيبة للصابر واحدة وللجازع اثنتان

المجلس السابع

كان السبب في اخذ موسى بن جعفر عليهما السلام وحبسه ان الرشيد كان له أربعة عشر ابنا فاختارمنهم ثلاثة محمد بن زبيدة الملقب بالامين وجعله ولي عهده وعبد الله المأمون وجعل له الامر بعد ابن زبيدة والقاسم المؤتمن وجعل له الامر بعد المأمون فأراد ان يحكم الامر في ذلك ويشهره عند الخاص والعام فحج في سنة تسع وسبعين ومائة وكتب الى جميع الآفاق يأمر الفقهاء والعلماء والقراء والامراء بحضور الموسم فاعلن ذلك في الموسم وكتب به كتابا وعلقه في جوف الكعبة ( وكان ) قد وضع ابنه محمد بن زبيدة في حجر جعفر بن محمد بن الاشعث فحسده يحيى بن خالد البرمكي على ذلك وقال اذا مات الرشيد وافضت الخلافة الى محمد زالت دولتي ودولة ولدي وتحول الامر الى جعفر ابن محمد بن الاشعث وولده ( كان ) جعفر المذكور يقول بالامامة فاحتال عليه يحيى وكان قد عرف مذهبه في التشيع فأظهر له

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 539

يحيى أنه على مذهبه فسر به جعفر وأنس به وأسر اليه وذكر له ماهو عليه في موسى بن جعفر فلما وقف على مذهبه سعى به الى الرشيد وكان يكثر غشيانه في منزله فيقف على أمره ويرفعه الى الرشيد ويزيد عليه فكان الرشيد يرعى لجعفر موضعه وموضع أبيه من نصرة الخلافة فكان يقدم في أمره ويؤخر ويحيى لا يألو ان يحطب عليه الى ان دخل جعفر يوما الى الرشيد فأظهر له اكراما وجرى بينهما كلام مت به جعفر بحرمته وحرمة أبيه فأمر له الرشيد بعشرين الف دينار فأمسك يحيى عن أن يقول فيه شيئا حتى أمسى ثم قال للرشيد قد كنت اخبرك عن جعفر ومذهبه فتكذب عنه وهاهنا أمر فيه الفيصل قال وما هو قال انه لا يصل اليه مال من جهة من الجهات الاوجه بخمسه الى موسى بن جعفر ولست أشك انه قد فعل ذلك في العشرين ألف دينار التي أمرت له بها فأرسل الرشيد الى جعفر ليلا وكان قد عرف سعاية يحيى به فلما جاءه الرسول خشي ان يكون قد سمع فيه قول يحيى وانه انما دعاه ليقتله فاغتسل وتحنط بمسك وكافور ولبس بردة فوق ثيابه وأقبل الى الرشيد فلما شم رائحة الكافور ورأى البردة قال ما هذا فقال ياأمير المؤمنين قد علمت انه سعي بي عندك فلم آمن ان يكون قد قدح في قلبك مايقال علي فأرسلت الي لتقتلني فقال كلا ولكن أخبرت أنك تبعث الى موسى بن جعفر من كل ما يصير اليك بخمسه وانك قد فعلت ذلك بالعشرين ألف دينار فقال جعفر الله أكبر تأمر بعض خدمك

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 540

يذهب فيأتيك بها بخواتيمها فأعطاه جعفر خاتمه وسمى له جاريته التي عندها المال فدفعت اليه البدر بخواتيمها فقال جعفر هذا أول ما تعرف به كذب من سعى بي اليك قال صدقت انصرف آمنا فلا أقبل بك قول أحد وجعل يحيى يحتال في اسقاط جعفر فقال يوما لبعض ثقاته أتعرفون لي رجلا من آل أبي طالب ليس بواسع الحال له رغبة في الدنيا فأوسع له منها فيعرفني ما أحتاج اليه من أخبار موسى بن جعفر (1) فدل على علي بن اسماعيل بن جعفر بن محمد فحمل اليه يحيى مالا وأرسل اليه يرغبه فيقصد الرشيد ويعده بالاحسان اليه فأجابه الى ذلك وعلم بذلك موسى بن جعفر « ع » وكان يأنس بعلي بن اسماعيل ويصله ويبره بالمال وربما أفضى اليه بأسراره وربما خرج الكتاب منه الى بعض شيعته بخط علي بن اسماعيل ثم استوحش منه فلما بلغه ذلك دعاه وقال الى أين يا ابن أخي قال إلى بغداد قال وما تصنع قال علي دين وأنا مملق قال فاني أقضي دينك وأفعل بك وأصنع قال فتدبير عيالي قال انا اكفيكهم فلم يلتفت الى ذلك وأبى الا الخروج فقال له أبو الحسن « ع » أنت خارج قال نعم لابد لي من ذلك فقال

(1) كأنه أراد أن يتعرف منه خفايا أحوال موسى بن جعفر « ع » ليتوصل بذلك الى معرفة اتصال جعفر بن محمد بن الأشعث به فيجعل ذلك وسيلة الى الوشاية به عند الرشيد .

ـ المؤلف ـ

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 541

انظر يا ابن أخي واتق الله لاتؤتم اولادي وأمر له بثلثمائة دينار وأربعة آلاف درهم فلما قام من بين يديه قال ابو الحسن موسى « ع » لمن حضره والله ليسعين في دمي وليؤتمن أولادي فقالوا له جعلنا الله فداك أنت تعلم هذا من حاله وتعطيه وتصله قال نعم حدثني أبي عن آبائه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ان الرحم اذا قطعت فوصلت فقطعت قطعها الله واني أردت ان أصله بعد قطعه لي حتى اذا قطعني قطعه الله فخرج علي بن اسماعيل حتى أتى يحيى بن خالد فتعرف منه خبر موسى بن جعفر فرفعه الى الرشيد وزاد فيه ثم أوصله يحيى الى الرشيد فسأله عن عمه موسى بن جعفر فسعى به اليه وقال له ان الأموال تحمل اليه من المشرق والمغرب وانه اشترى ضيعة بثلاثين الف دينار فسماها اليسيرة فقال له صاحبها وقد أحضر المال لا آخذ هذا النقد ولا آخذ الا نقد كذا وكذا فأمر بذلك المال فرد وأعطاه ثلاثين الف دينار من النقد الذي سأله بعينه فسمع ذلك منه الرشيد ( وفي رواية ) ان الذي وشى بالامام « ع » هو محمد بن اسماعيل بن جعفر وانه لما ورد بغداد أتى باب هارون بثياب السفر واستأذن فقال له الحاجب انزل أولا وغير ثيابك فقد نام امير المؤمنين فقال أعلمه اني حضرت ولم تأذن لي فدخل الحاجب وأعلم هارون فأمر بدخوله فقال يا أمير المؤمنين خليفتان في الأرض موسى بن جعفر بالمدينة يجبى له الخراج وأنت بالعراق يجبى لك الخراج فقال والله فقال والله . ( وفي رواية ) ان الذي سعى به أخوه محمد بن جعفر وانه دخل على

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 542

الرشيد فسلم عليه بالخلافة ثم قال ما ظننت ان في الأرض خليفتين حتى رأيت أخي موسى بن جعفر يسلم عليه بالخلافة ( ويمكن ) ان يكونوا كلهم سعوا به عليه السلام وممن سعى به أيضا يعقوب بن داود وكان يرى رأي الزيدية ( وحج ) الرشيد في تلك السنة فبدأ بالمدينة وصار الى قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال يارسول الله اني اعتذر اليك من شيء أريد أن أفعله أريد أن أحبس موسى بن جعفر فانه يريد التشتيت بين أمتك وسفك دمائها ثم أمر به فأخذ من المسجد ( وفي رواية ) أنه كان قائما يصلي عند رأس النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقطع عليه صلاته وأخذ وهو يقول : اليك أشكو يا رسول الله ما القى وأقبل الناس من كل جانب يبكون ويضجون فلما حمل الى بين يدي الرشيد شتمه وجفاه ثم قيده فلما جن الليل امر بقبتين فهيئتا له فوضعهما على بغلين فحمل موسى بن جعفر عليه السلام في احداهما في خفاء ودفعه الى حسان السروي وبعث مع خيلا وأمره أن يصير به الى البصرة فيسلمه الى عيسى بن جعفر بن المنصور وهو أميرها ووجه قبة اخرى علانية نهارا الى الكوفة ومعها خيل ليعمي على الناس أمر موسى بن جعفر وكان حمله من المدينة لعشر ليال بقين من شوال وقيل في السابع والعشرين من رجب سنة تسع وسبعين ومائة فقدم حسان البصرة قبل التروية بيوم فدفعه الى عيسى بن جعفر نهارا علانية حتى عرف ذلك وشاع أمره فحبسه عيسى في بيت من بيوت المحبس الذي كان يحبس فيه وأقفل عليه وشغله عنه العيد فكان لا يفتح عليه الباب الا في حالتين حال يخرج فيها

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 543

الى الطهور وحال يدخل اليه فيها الطعام ( قال ) الفيض بن أبي صالح وكان نصرانيا ثم أظهر الاسلام وكان يكتب لعيسى بن جعفر لقد سمع هذا الرجل الصالح في أيامه هذه في هذه الدار التي هو فيها من ضروب الفواحش والمناكير ما أعلم ولا اشك انه لم يخطر بباله ( فبقي ) محبوسا عنده سنة وكتب اليه الرشيد في دمه فاستدعي عيسى بعض خواصه وثقاته فاستشارهم فأشاروا عليه بالتوقف عن ذلك والاستعفاء منه فكتب عيسى الى الرشيد لقد طال أمر موسى بن جعفر ومقامه في حبسي وقد اختبرت حاله ووضعت عليه العيون طول هذه المدة فما وجدته يفتر عن العبادة ووضعت عليه من يسمع منه ما يقول في دعائه فما دعا عليك ولا علي ولا ذكرنا بسوء وما يدعو ال النفسه بالمغفرة والرحمة فان أنت أنفذت الي من يتسلمه مني والا خليت سبيله فاني متحرج من حبسه ( وروي ) ان بعض عيون عيسى بن جعفر رفع اليه انه يسمعه كثيرا يقول في دعائه اللهم انك تعلم اني كنت أسألك ان تفرغني لعبادتك اللهم وقد فعلت فلك الحمد فوجه الرشيد من تسلمه منه وصيره الى بغداد فسلم الى الفضل بن الربيع فبقي محبوسا عنده مدة طويلة ( روى ) الصدوق في العيون بسنده عن عبد الله القروي ( القزويني ) قال دخلت على الفضل بن الربيع وهو جالس على سطح فقال لي ادن مني فدنوت حتى حاذيته ثم قال لي اشرف الى البيت في الدار فاشرفت فقال لي ما ترى في البيت قلت ثوبا مطروحا فقال أنظر حسنا فتأملت ونظرت

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 544

فتيقنت فقلت رجل ساجد فقال لي تعرفه قلت لا قال هذا مولاك قلت ومن مولاي قال تتجاهل علي فقلت لا أتجاهل ولكني لا أعرف لي مولى فقال هذا أبو الحسن موسى بن جعفر اني اتفقده الليل والنهار فلم أجده في وقت من الاوقات الا على الحال التي أخبرك بها انه يصلي الفجر فيعقب ساعة في دبر صلاته الى ان تطلع الشمس ثم يسجد سجدة فلا يزال ساجدا حتى تزول الشمس وقد وكل من يترصد له الزوال فلست أدري متى يقول الغلام قد زالت الشمس اذ يثب فيبتدئ بالصلاة من غير ان يجدد وضوءا فاعلم انه لم ينم في سجوده ولا اغفى فلا يزال كذلك الى ان يفرغ من صلاة العصر فاذا صلى العصر سجد سجدة فلا يزال ساجدا الى ان تغيب الشمس فاذا غابت وثب من سجدته فصلى المغرب من غير ان يحدث حدثا ولا يزال في صلاته وتعقيبه الى ان يصلي العتمة فاذا صلى العتمة أفطر على شوي (1) يؤتى به ثم يجدد الوضوء ثم يسجد ثم يرفع رأسه فينام نومة خفيفة ثم يقوم فيجدد الوضوء ثم يقوم فلا يزال يصلي في جوف الليل حتى يطلع الفجر فلست ادري متى يقول الغلام ان الفجر قد طلع اذ قد وثب هو لصلاة الفجر فهذا دأبه منذ حول الي فقلت اتق الله ولا تحدث في أمره حدثا يكون منه زوال النعمة فقد تعلم انه لم يفعل أحد بأحد منهم سوءا الا كانت نعمته زائلة فقال قد ارسلوا الي في غير مرة

(1) تصغير شواء اي شواء قليل .

ـ المؤلف ـ

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 545

يأمرونني بقتله فلم أجبهم الى ذلك وأعلمتهم اني لا أفعل ذلك ولو قتلوني ما أجبتهم الى ما سألوني ( وعن الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد ) قال بعث موسى بن جعفر عليه السلام من الحبس رسالة الى هارون يقول له لن ينقضي عني يوم من البلاء حتى ينقضي عنك معه يوم من الرخاء حتى نفضي جميعا الى يوم ليس له انقضاء يخسر فيه المبطلون ( وطلب ) الرشيد من الفضل بن الربيع قتله فأبى فكتب اليه ان يسلمه الى الفضل بن يحيى البرمكي فتسلمه منه وجعله في بعض حجر دوره ووضع عليه الرصد وكان « ع » مشغولا بالعبادة يحيي الليل كله صلاة وقراءة للقرآن ودعاء واجتهادا ويصوم النهار في أكثر الأيام ولا يصرف وجهه عن المحراب فوسع عليه الفضل بن يحيى وأكرمه فبلغ ذلك الرشيد وهو بالرقة فكتب اليه ينكر عليه توسعته على موسى عليه السلام ويأمره بقتله فتوقف عن ذلك ولم يقدم عليه فاغتاظ الرشيد من ذلك وبعث مسرورا الخادم على البريد الى بغداد وقال له ادخل من فورك على موسى بن جعفر فان وجدته في سعة ورفاهية فاوصل هذا الكتاب الى العباس بن محمد ومره بامتثال ما فيه وسلم اليه كتابا آخر الى السندي بن شاهك يأمره فيه بطاع العباس بن محمد فقدم مسرور فنزل دار الفضل بن يحيى ل ايدري أحد ما يريد ثم دخل على موسى بن جعفر « ع » فوجده على ما بلغ الرشيد فمضى الى العباس بن محمد والسندي بن شاهك فأوصل الكتابين

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 546

اليهما فخرج الرسول من عند العباس يركض ركضا الى الفضل بن يحيى فركب معه وهو مدهوش حتى دخل على العباس بن محمد فدعا العباس بسياط وعقابين وأمر بالفضل فجرد من ثيابه وضربه السندي بين يديه مائة سوط وخرج متغير اللون خلاف ما دخل فجعل يسلم على الناس يمينا وشمالا وكتب مسرور بالخبر الى الرشيد فأمر بتسليم موسى عليه السلام الى السندي بن شاهك وجلس الرشيد مجلسا حافلا وقال أيها الناس ان الفضل بن يحيى قد عصاني وخالف طاعتي ورأيت ان العنه فالعنوه فلعنه الناس من كل ناحية حتى ارتج البيت والدار بلعنه فبلغ يحيى بن خالد الخبر فركب الى الرشيد ودخل من غير الباب الذي يدخل الناس منه حتى جاءه من خلفه وهو لايشعر به ثم قال التفت الي يا أمير المؤمنين فأصغى اليه فزعا فقال ان الفضل حدث وأنا أكفيك ما تريد فانطلق وجهه وسر فقال له يحيى يا أمير المؤمنين قد غضضت من الفضل بلعنك اياه فشرفه بازالة ذلك فأقبل على الناس فقال ان الفضل كان قد عصاني في شيء فلعنته وقد تاب وأناب الى طاعتي فتولوه فقالوا نحن أولياء من واليت واعداء من عاديت وقد توليناه ثم خرج يحيى على البريد حتى وافى بغداد فماج الناس وأرجفوا بكل شيء وأظهر انه ورد لتعديل السواد والنظر في أمر العمال وتشاغل ببعض ذلك أياما ثم دعا السندي بن شاهك فأمره بقتل موسى بن جعفر « ع » فقتله ( قبل ) جعل له سما في طعام وقدمه اليه ( وقيل ) جعله في رطب فأكل منه فأحس بالسم

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 547

( وفي مقاتل الطالبيين ) ان يحيى بن خالد امر السندي فلفه في بساط وقعد الفراشون النصارى على وجهه ( وعن عمدة الطالب ) قيل انه سم وقيل بل لف في بساط وغمز حتى مات (وروى) الكليني والصدوق بالاسناد عن شيخ من أهل قطيعة الربيع من العامة انه قال قد رأيت بعض من يقرون بفضله من أهل هذا البيت فما رأيت مثله قط في نسكه وفضله قلت كيف رأيته قال جمعنا أيام السندي بن شاهك ثمانين رجلا من الوجوه ممن ينسب الى الخير فأدخلنا على موسى بن جعفر فقال لنا السندي ياهؤلاء انظروا الى هذا الرجل هل حدث به حدث فان الناس يزعمون انه قد فعل به مكروه ويكثرون في ذلك وهذا منزله وفرشه موسع عليه غير مضيق ولم يرد به أمير المؤمنين سوءا وانما ينتظره ان يقدم فيناظره وها هو ذا صحيح موسع عليه في جميع أمره فاسألوه قال ونحن ليس لنا هم الا النظر الى الرجل والى فضله وسمته فقال أما ما ذكر من التوسعة فهو على ما ذكر غير اني أخبركم اني قد سقيت السم في تسع تمرات واني احتضر (أو اخضر) غدا وبعد غد أموت فنظرت الى السندي بن شاهك يرتعد ويضطرب مثل السعفة ( وروي ) انه « ع » لما حضرته الوفاة سأل السندي بن شاهك ان يحضر مولى له مدنيا ينزل عند دار العباس بن محمد في مشرعة القصب ليتولى غسله وتكفينه ففعل ذلك ( قال ) السندي فكنت سألته في الأذن لي في ان أكفنه فأبى وقال

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 548

إنا أهل بيت مهور نسائنا وحج صرورتنا (1)وأكفان موتانا من طاهر أموالنا وعندي كفن وأريد أن يتولى غسلي وجهازي مولاي فلان فتولى ذلك منه ( ولبث ) بعد ما سقاه السم ثلاثة ايام موعوكا منه ثم توفي في آخر اليوم الثاث كما أخبر عن نفسه صوات الله عليه غريبا مسموما شهيدا مظلوما صابرا محتسبا بعد ما حبس أربع سنوات أو سبع سنوات ( ولما ) توفي موسى بن جعفر عليهما السلام ادخل السندي بن شاهك عليه الفقهاء ووجوه أهل بغداد وفيهم الهيثم بن عدي وغيره فنظروا اليه لا أثر به من جرح ولا خنق واشهدهم على أنه مات حتف أنفه فشهدوا على ذلك ( وفي رواية ) ان السندي احضر نيفا وخمسين رجلا ممن يعرف موسى بن جعفر وقد صحبه منهم عمر بن واقد وخرج كاتبه ومعه طومار فكتب اسماءهم ومنازلهم وأعمالهم وحلاهم قال فقال لي يا أبا حفص اكشف الثوب عن وجهه فكشفته فرأيته ميتا فبكيت واسترجعت ثم قال للقوم انظروا اليه فدنا واحد بعد واحد فنظروا اليه ثم قال تشهدون كلكم ان هذا موسى بن جعفر ثم قال يا غلام اطرح على عورته منديلا واكشفه ففعل فقال أترون به أثرا تنكرونه فقلنا لا ما نرى به شيئا ولا نراه الا ميتا ( وفي رواية ) انه لما توفي جمع الرشيد شيوخ الطالبية وبني

(1) الصرورة الذي هو في أول حجة لم يحج قبلها .

ـ المؤلف ـ

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 549

العباس وسائر أهل المملكة والحكام وأحضره فقال هذا موسى بن جعفر قد مات حتف أنفه فانظروا اليه فدخل عليه سبعون رجلا من شيعته فنظروا اليه وليس به أثر جراحة ولا خنق وكان في رجله أثر الحناء وعن عمدة الطالب انه عمل محضر بأنه مات حتف أنفه وترك ثلاثة أيام على الطريق يأتي من يأتي فينظر اليه ثم يكتب في المحضر . وكانت وفاته في الحبس المعروف بدار المسيب بباب الكوفة وفيه السدرة ( واخرج ) « ع » ووضع على الجسر ببغداد ونودي هذا موسى بن جعفر قد مات فانظروا اليه فجعل الناس يتفرسون في وجهه وهو ميت ( وروى ) الصدوق عليه الرحمة انه حمل على نعش ونودي عليه هذا امام الرافضة فاعرفوه فلما أتي به مجلس الشرطة أقام السندي أربعة نفر فنادوا الا من أراد ان يرى الخبيث ابن الخبيث موسى بن جعفر فليخرج وخرج سليمان بن أبي جعفر المنصور من قصره الى الشط فسمع الصياح والضوضاء فقال لولده وغلمانه يوشك ان يفعل هذا به في الجانب الغربي فاذا عبر به فانزلوا فخذوه من أيديهم فان مانعوكم فاضربوهم واخرقوا ماعليهم من السواد فلما عبروا به نزلوا اليهم فأخذوه من أيديهم وضربوهم وخرقوا عليهم سوادهم ووضعوه في مفرق أربع طرق وأقام سليمان المنادين ينادون ألا من أراد ان يرى الطيب ابن الطيب موسى بن جعفر فليخرج وحضر الخلق وغسل وحنط بحنوط فاخر وكفنه سليمان بكفن فيه حبرة ثمنها خمسمائة دينار عليها القرآن كله واحتفى ومشى في جنارته

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 550

متسلبا مشقوق الجيب الى مقابر قريش فدفنه هناك وكتب بخبره الى الرشيد فكتب اليه وصلتك رحم ياعم وأحسن الله جزاءك والله ما فعل السندي بن شاهك ما فعله عن أمرنا .
لهفـي لموسى بهم طالـت بليته و قد أقام بهم خمسـا وخمسينـا
يزيـدهم معجـزات كل آونـة و نائـلا ولـه ظلمـا يزيدونـا
في كل يوم يقاسي منهم حـزنا حتى قضى في سبيل الله محزونا

مراثي الكاظم عليه السلام

قال السيد صالح النجفي المعروف بالقزويني رحمه الله تعالى من قصيدة :
اعطف على الكرخ من بغداد وابك بها كنـزا لعلـم رسـول الله مخـزونـا
موسى بن جعفر سـر الله والعلم الـ ـمبين في الدين مفروضـا ومسنـونا
باب الحوائج عنـد الله والسبـب الـ ـموصـول بالله غـوث المستغيثينـا
الكاظم الغيـظ عمـن كان مقتـرفا ذنبا ومـن عـم بالحسنـى المسيئينـا
ياابن النبيين كـم أظهرت معجـزة في السجن أزعجت فيها الرجس هارونا


المجالس السنية ـ الجزء الخامس 551

وكم بـك الله عافـى مبتلـى ولكم شافى مريضا و أغنى فيك مسكينا
لم يلهك السجن عن هدي وعن نسك اذ لا تـزال بذكـر الله مفتـونـا
و كم أسروا بـزاد اطعمـوك بـه سمـا فأخبرتهـم عمـا يسرونـا
وللطبيـب بسطـت الكـف تخبره لمـا تمكـن منهـا السـم تمكينـا
بكـت على نعشك الأعـداء قاطبة ما حـال نعش له الأعداء باكـونا
راموا البـراءة عند الناس من دمه و الله يشهـد مـا كانـوا بريئينـا
كم جرعتك بنو العباس من غصص تذيـب أحشاءنـا ذكرا و تشجينـا
قاسيـت مالم تقـاس الأنبيـاء وقد لاقيت أضعاف ما كانـوا يلاقـونا
أبكيت جديك والزهراء امك و الـ ـأطهـار آباءك الغـر الميـامينـا
طالـت لطول سجـود منه ثفنتـه فقرحـت جبهـة منـه و عرنينـا
رأى فراغتـه فـي السجـن منيته ونعمـة شكـر البـاري بهـا حينا
ياويل هارون لـم تربح تجـارته بصفقة كـان فيهـا الدهر مغبـونا
ليـس الرشيد رشيداً في سيـاسته كلا ولا ابنـه المأمونن مأمـونـا
تالله ما كان من قـرب ولارحـم بين المصليـن ليـلا و المغنـينـا
لهفـي لمـوسى بهم طـالت بليته و قد أقـام بهم خمسـا و خمسينـا
يزيـدهم معجـزات كـل آونـة ونـائـلا ولـه ظلمـا يزيـدونـا
لم يحفظوا من رسـول الله منزله ولا لحسنـاه بالحسنـى يكـافـونا
باعـوا لعمري بدنيـا الغير دينهم جهلا فمـا ربحـوا دنيـا ولادينـا


المجالس السنية ـ الجزء الخامس 552

في كل يوم يقاسي منهم حزنا حتى قضى في سبيل الله محزونا

* * *

وقال المؤلف عفا الله عن جرائمه

خلهـا تطوي الفلا طيـا يداها لاتعفهـا فلقـد طـاب سراهـا
قصدهـا الزوراء تنحـو تربة طاب من مثوى الجوادين شذاها
باريج المسـك يزري نشـرها وعلى شهب السما يسمو حصاها
فـاذا لاحـت لعينيـك فقـف واخلع النعلين في وادي طواهـا
تـر أنـوارا لمـوسى لمعـت نار موسى قبسـات من سناهـا
و اذا كـف الجـواد انبجسـت لك كـان الغيث في فيض نداها
تفخـر الزوراء في موسى على طور سيناء و تسمو فـي علاها
قف بهـا وقفـة عبد و أطـل و قفة العيس بهـا و الثم ثراهـا
و اذر دمع العيـن في ساحاتها فلمـن تدخـر العيـن بكـاهـا
وابك فيهـا كاظم الغيـظ الذي مـات مسموما بايـدي أشقيـاها
بابـي مـن طـال ظلما حبسه وهو للاعـداء لوشـاء محـاها

ابو الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام


المجلس الاول

الامام بعد موسى الكاظم وثامن أئمة المسلمين وخلفاء الله في

السابق السابق الفهرس التالي التالي