المجالس السنية ـ الجزء الخامس 494

ايضا الفساد واسباب الانحراف العقائدي والتشريعي وان يواجه ايضا الفساد في شؤون الدولة والحكم فماذا فعل الصادق «ع» ؟.
وكيف نهض بهذه المسؤولية الضخمة ؟ .
لا شك ان امتلاك الاداة السياسية امر هام وازالة هذه الاجهزة الفاسدة المنحرفة امر يسهل انجاز الاهداف الاصلاحية التي يرمي اليها في جميع المجالات ويضع حدا لكل انواع الفساد التي ابتليت بها الامة باعتبار ان فساد السلطة وابتعادها عن الاسلام سبب مهم في وجودها واستمرارها بشكل مباشر او غير مباشر .
فهل خاض الصادق المعركة السياسية في هذا السبيل ؟ .
وهل استثمر ذلك الظرف في تحقيق هذه الغاية ؟ .
لا لم يفعل ذلك .
فقد ذكر المؤرخون انه رفض كل العروض التي جاءته من بعض الزعماء السياسيين رفضا باتا وشديدا فقد جاء رسول ابي سلمة الخلال يحمل منه كتابا يذكر فيه للصادق استعداده للدعوة اليه وتخليه عن بني العباس .
فقال الصادق : ما لي ولابي سلمة وهو شيعة لغيري فقال الرجل : اقرا الكتاب فقال عليه السلام ادن السراج مني فادناه فوضع

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 495

الكتاب على النار حتى احترق فقال الرسول : الا تجيبه قال قد رايت الجواب عرف صاحبك بما رايت ـ كما مر ـ .
ولم يستطع اصحابه ان يحولوا رايه الى دخول المعركة برغم رغبتهم والحاحهم فقد كانت الوضعية التي عليها الامة من الانقسام السياسي والمذهبي والاضطراب الفكري الذي يشملها بصورة عامة تجعل الصادق يجزم مقدما بان الدخول في معركة كهذه لا يعدو ان يكون مغامرة مؤكدة الفشل بالتالي فانه يعرض نفسه ومن معه والفكرة الاسلامية الصحيحة التي يمثلها الى خطر لا حد له ولهذا ابى ان يخوض المعركة بنفسه .
لقد كان الاسلوب والطريقة التي سلكها الصادق من ادق واحكم الطرائق الاصلاحية فالصادق ليس من بغاة المغامرة والظهور وانما هو مسؤول يحاول ان يقوم بالمسؤولية ومصلح يريد ان يصل الى الاصلاح ولهذا رأى ـ على ضوء الواقع ان الذي تحياه الامة ـ ان يصرف جهده بالدرجة الاولى في عملية ايجابية هامة راى ان ينصرف ليقيم الكيان الفكري للاسلام وليوضح اسس العقيدة الاسلامية واصول التشريع الاسلامي .
لقد بلغ تلامذة الصادق اربعة الاف بينهم ائمة المذاهب الاسلامية كمالك وسفيان الثوري وابي حنيفة ـ كما راينا ـ .
ان الصادق وهو يبني باحاديثه الشريعة الاسلامية في واقعها النقي الاصيل ويدلل على شملها واستيعابها ويحملها عددا وفيرا

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 496

من العلماء لم يكتف بذلك بل حرص ايضا على ان يجعل من شيعته في اقوالهم واعمالهم وتفكيرهم تجسيدا للفكرة الاسلامية .
قال يخاطبهم : كونوا لنا دعاة بغير السنتكم . (اي بافعالكم) .
وقال : (اوصيكم بتقوى الله واجتناب معاصيه واداء الامانة لمن ائتمنكم عليها وحسن الصحبة لمن صحبتموه وان تكونوا دعاة صامتين) .
فقالوا وكيف ندعو ونحن صامتون ؟
قال : تعملون بما امرناكم به من العمل بطاعة الله وتعاملون الناس بالصدق والعدل وتؤدون الامانة وتامرون بالمعروف وتنهون عن المنكر ولا يطلع الناس منكم الا على خير فاذا راوا ما انتم عليه علموا فضل ما عندنا فسارعوا إلينا .
ومن اعظم تعاليمه تحديده للتعصب فقد قال : ليس من العصبية ان تحب اخاك ولكن العصبية ان ترى شرار قومك خيرا من خيار الناس غيرهم .
لقد وقف الصادق موقفا شديدا وصارما وباشر بنفسه المعركة الفكرية وعبأ تلامذته وشيعته في هذا المجال لقد حارب الخطابية وغيرهم من فرق الغلاة حربا لا هوادة فيها وتبرا منهم ومن اتباعهم الغلاة .
وقد بدات في عصره تطغى الروح الانهزامية في المجتمع بدعوى

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 497

الزهد والإيغال في التصوف والاستغراق فيه استغراقا يخرجه عن حقيقته الخيرة .
لذلك كان الصادق يحث على الجدية في الحياة والكفاح من اجل العيش الكريم فكان من اقواله : (ان الله يحب الكمال والجمال والتجميل ويبغض البؤس والتباؤس فان الله اذا انعم على عبده نعمة احب ان يرى اثرها عليه) فقيل له كيف ذلك ؟ قال : ينظف ثوبه ويطيب ريحه ويجصص داره ويكنس افنيته .
وكان يقول لاصحابه : كونوا زينا لنا ولا تكونوا شينا علينا ليقول الناس : رحم الله جعفر بن محمد لنعم ما ادب اصحابه .
قال المفضل بن يزيد : قال لي الصادق وذكر اصحاب ابي الخطاب والغلاة : (يا مفضل لا تقاعدوا ولا تواكلوا ولا تشاربوهم ولا تصافحوهم ولا توارثوهم) .
كذلك حارب الملحدين امثال ابي العوجاء وابن طالوت وغيرهم وله معهم محاورات مثيرة احرجهم بها وقد كان هؤلاء يحترمون جانب الصادق ويقدرون سعة علمه وسمو شخصيته قال ابن المقفع لابن ابي العوجاء وكانا في المسجد الحرام ينظران الى الناس : (لا واحد من هؤلاء يستحق اسم الانسانية الا هذا الشيخ الجالس) (مشيرا الى جعفر الصادق) .

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 498

اما مقاومة الصادق للسلطة الحاكمة التي انحرفت عن الاسلام في سلوكها الشخصي وفي معاملتها للامة : حيث تلاعبت بمقدراتها .
وساستها بالجور والطغيان فهي مقاومة كان يقوم بها الصادق بشكل غير مباشر وغير ظاهر .
وذلك مثل عمله على بث الوعي الاسلامي في الامة ونشر المفاهيم الاسلامية وايحائه للامة بمظلوميته وبعدم شرعية الحكومة القائمة في كلمات كثيرة متناثرة .
وعدا ذلك فقد عمل على ان يربي جيلا صالحا اعده لتولي وظائف الدولة بحيث يكون منه وسيلة للتخفيف من ويلات الحكام علي الشعب ودفع عن المظلومين وخير مثل على ذلك عبد الله النجاشي المعروف بابي بجير الاسدي الذي كان من اخلص المخلصين للصادق واصبح واليا على الاهواز من قبل المنصور ولما تسلم عمله ارسل الى الصادق رسالة يطلب فيها اليه ان يضع له منهجا يسير عليه في ولايته فكان مما اجاب به الصادق : (ان خلاصك ونجاتك في حقن الدماء وكف الاذى والرفق بالرعية والتاني وحسن المعاشرة واتباع الحق والعدل اياك والسعادة واهل النمائم فلا يلتزمن بك منهم احد ولا تقبل منهم قولا واعن الفقراء (والمحتاجين) الى غير ذلك مما وضع له من التعاليم التي يسير

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 499

عليها والتي طبقها عبد الله وقد كان الصادق يكتب اليه في شان بعض الاشخاص والمظلومين فهو يرفع ظلامتهم في الحال .
هذا ومرد سلامة جعفر الصادق فيما نرى الى منهجه البعيد عن العنف في معارضة بني العباس ـ كما راينا ـ والى اخذ نفسه بالقصد والاحتياط التام يدل على ذلك رده للاموال ورفضه للرسائل التي امر بها المنصور بكتابتها اليه والى غيره من العلويين على لسان انصارهم واوليائهم لتكون حجة له عليهم فالصادق من هذه الناحية منقطع النظير من هذه الناحية بين العلويين وقد يتوهم متوهم ان منهجه والحالة هذه كان منهجا سلبيا بالنسبة الى منهج ابن عمه الحسن والواقع غير ذلك ومن يستبطن اسرار التاريخ ويقف على روح ذلك العصر يتضح له ان الصادق كان من رايه عقم تلك الثورة على الدولة العباسية في مرحلة شبابها وعنفوانها وعنفوان قوتها وغلبتها هذا مضافا الى ضعف العلويين وان كانت ثورتهم ثورة محلية في الحجاز وفي البصرة بعد ذلك وان ايدها اهل العلم والفتوى في العراق وفي الحجاز .
هذا وبالاضافة الى ما تقدم من توضيح موقف الصادق وشرح منهجه وانه لم يكن منهجا سلبيا انقطاع الصادق لبث العلم والاثر النبوي وتاسيس مدرسة اهل البيت في هذا الشأن .
هذا ويميل بعضهم الى تعليل تلك المبادرة بادرة المحاسنة من قبل المنصور للصادق وقلة اكتراثه بتلك السعادات بعلل لا يخلوا

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 500

بعضها من المبالغة وقد يستند بعض الرواة في ذلك الى روايات ضعيفة لا يصبر اكثرها على النقد والتمحيص .
كان الخطر محدقا بالصادق في عهد العباسيين ما في ذلك شك ولكنه على كل حال سلم وكانت سلامته وسلامة كثير من اصحابه واهل بيته اعجوبة في الواقع على انه لم يسلم الا بشق النفس وتوطينها على كثير من التحرز والتوفي يدل على ذلك حديثه المشهور بل كلمته البليغة الحكيمة التي قال فيها (عزت السلامة حتى لقد خفي مطلبها فان تكن في شيء فيوشك ان تكون في الخمول فلم توجد فبوشك ان تكون في الصمت والسعيد من وجد في نفسه خلوة يشتغل بها) .
ولما مات جعفر الصادق رثاه المنصور قائلا لبعض اهله وقد دخل عليه : اما علمت بما نزل باهلك ؟ فقلت وماذا ؟ قال : ان سيدهم وعالمهم وبقية الاخيار منهم توفاهم الله فقلت ومن هو ؟ قال جعفر بن محمد .
ومن اهم الانجازات التي حققها الصادق عليه السلام هو انه وضع اساس التأليف في الاسلام فانطلق الناس بعده يؤلفون ويدونون تبعا لتعليماته ولم يكن تأليف الصادق لكتبه معروفا من قبل الصادق بل كان نادر الوقوع فاذا بالصادق ينهض بهذا العبء ويحرض على التدوين والتأليف ويكون هو البادئ بذلك ثم يتداعى طلابه الى التدوين والتأليف ويكون هو البادئ بذلك ثم يتداعى طلابه الى التدوين والتأليف حتى يبلغ عدد ما الفوه كله

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 501

اربعمائة كتاب لاربعمائة مؤلف وتبرز دعوته الى التدوين بمثل قوله لتلاميذه : اكتبوا فانكم لا تحفظون حتى تكتبوا ومثل قوله للمفضل بن عمر : اكتب وبث علمك في اخوانك فان مت فورث كتبك بنيك .
وكان الصادق عليه السلام يقول الشعر احيانا فمما روي قوله:
لا اليسر يطرؤنـا يوما فيبطـرنا و لا لازمة دهـر نظـر الـجزعا
ان سرنا الدهر لم نبهـج لصحبته او ساءنا الدهر لـم نظهر له الهلعا
مثـل النجوم على مضمـار اولنا اذا تغـيـب نجـم آخـر طـلعـا

ويروى له .
لا تجزعن من المداد فانه عطر الرجال وحلية الاداب

ولقد مدح بشعر كثير فمن ذلك ما قاله فيه عبد الله بن المبارك
انت يا جـعفر فـوق المـدح والمدح عنـاء
انما الاشـراف ارض ولهـم انـت سـمـاء
جاز حد المدح من قبل ولـدتـه الانـبـيـاء

ولما توفي وحمل الى البقيع انشد ابو هريرة العجلي :
اقول وقـد راحـوا به يحملونه على كاهل من حامـليـه وعاتق
اتدرون ما تحملون الى الثرى ؟ تبيرا هوى من راس علياء شاهق
غداة حثا الحاثون فوق ضريحه ترابا و اولى كان فـوق المفارق

* * *


المجالس السنية ـ الجزء الخامس 502

المجلس السابع

مما جاء في عبادة الصادق (ع) وشدة خوفه من الله تعالى ما روي عن مالك بن انس احد ائمة المذاهب الاربعة انه قال كان جعفر الصادق لايخوا من احدى ثلاث خصال اما صائما واما قائما واما ذاكرا وكان من عظماء العباد واكابر الزهاد ولقد حججت معه سنة فلما استوت به راحلته عند الاحرام كان كلما هم بالتلبية انقط الصوت في حلقه وكاد ان يخر من راحلته فقلت يا ابن رسول الله ولابد لك ان تقول فقال يا ابن ابي عامر فكيف اجسر ان اقول لبيك واخشى ان يقول الله عز وجل لالبيك ولا سعديك .
مما جاء في كرم اخلاق الصادق عليه السلام ما عن الزمخشري في ربيع الابرار عن الشقراني مولى رسول الله (ص) قال خرج العطاء ايام المنصور ومالي شفيع فوقفت على الباب متحيرا واذا بجعفر بن محمد قد اقبل فذكرت له حاجتي فدخل وخرج واذا بعطائي في كمه فناولني اياه وقال ان الحسن من كل احد حسن وانه منك احسن لمكانك منا وان القبيح من كل احد قبيح وانه منك اقبح لمكانك منا (قال) سبط بن الجوزي وانما قال له ذلك لانه كان يشرب الشراب فوعظه على وجه التعريض وهذا من اخلاق الانبياء

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 503

ومما جاء في كرم الصادق «ع» وسخائه ما رواه الشيخ في الامالي بسنده انه دخل اشجع السلمي على الصادق (ع) يمدحه فوجده عليلا فجلس وامسك فقال له الصادق(ع) عد عن العلة واذكر ما جئت له فقال :
البـسك الله مـنه عـافـية في نومك المعتري وفي ارقك
يخرج من جسمك السقام كما يخرج ذل السؤال من عنـقك

فقال يا غلام ايش معك قال اربعمائة درهم قال اعطها لاشجع فاخذها وشكر وولى فقال ردوه فقال يا سيدي سألت فاعطيت واغنيت فلم رددتني قال حدثني ابي عن آبائه عن النبي صلى الله عليه واله وسلم انه قال خير العطاء ما ابقى نعمة باقية وان الذي اعطيتك لا يبقي لك نعمة باقية وهذا خاتمي فان اعطيت به عشرة الاف درهم والا فعد الي وقت كذا اوفك اياها
سماؤه بالجـود هـطالة وسيبه هامي الحيا دافق
وكل ذي فضل بافضاله وفضـله معترف ناطق

امثل هذا الامام العظيم في فضله وعبادته وشدة خوفه من الله تعالى وكرم اخلاقه وكرمه وسخائه يجحد حقه ويزال عن مقامه ويقدم عليه ابو الدوانيق ويحال بينه وبين حقه ومنصب ابيه وجده الى ان قضى صابرا محتسبا مغصوبا حقه مغلوبا على امره
لم يحفظوا المختار في اولاده وسواهم من احمد لم يولد


المجالس السنية ـ الجزء الخامس 504

المجلس الثامن

مما جاء عن الصادق عليه السلام من المواعظ والحكم انه قال اذا انعم الله عليك بنعمة فاحببت بقاءها فاكثر من الحمد والشكر فان الله تعالى يقول «ولئن شكرتم لازيدنكم» واذا استبطأت الرزق فاكثر من الاستغفار فان الله تعالى يقول استغفروا ربكم الاية ويجعل لكم جنات في الاخرة ويجعل لكم انهارا واذا احزنك امر فاكثر من قول لاحول ولا قوة الا بالله العلي العظيم فانها مفتاح الفرج وكنز من كنوز الجنة (وقال عليه السلام) لا يتم المعروف الا بثلاث تعجيله وتصغيره وستره (واوصى) ولده الكاظم عليهما السلام فقال يا بني من قنع بما قسم الله له استغنى ومن مد عينيه الى ما في يد غيره مات فقيرا ومن لم يرض بما قسم الله له اتهم ربه في قضائه ومن استصغر زلة نفسه استصغر (استعظم خ ل) زلة غيره يا بني من كشف حجاب غيره انكشفت عورته ومن سل سيف البغي قتل به ومن حفر لاخيه بئرا سقط فيها ومن داخل السفهاء حقر ومن خالط العلماء وقر ومن دخل مداخل السوء اتهم يا بني قل الحق وان كان مرا لك وعليك واياك والنميمة فانها تزرع الشحناء في قلوب الرجال واذا طلبت الجود فعليك بمعادنه ( ووقع الذباب على وجه المنصور فذبه فعاد ثم ذبه فعاد حتى

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 505

اضجره وكان عنده جعفر بن محمد فقال يا ابا عبد الله لم خلق الله الذباب قال ليذل به الجبابرة فسكت (وقال عليه السلام) من لم يغضب من الجفوة لم يشكر النعمة (وكان) يقعد عند الصادق عليه السلام رجل من اهل السواد ففقده في بعض الايام فسأل عنه فقال رجل يريد ان ينتقصه انه نبطي فقال الصادق عليه السلام اصل الرجل عقله وحسبه دينه وكرمه تقواه والناس في آدم مستوون فخجل الرجل (وقال عليه السلام) عزت السلامة فان تكن في شيء فيوشك ان تكون في الخمول فان لم يوجد الخمول ففي التخلي وليس كالخمول فان لم يوجد التخلي ففي الصمت والسعيد من وجد في نفسه خلوة يشتغل بها عن الناس (وقال عليه السلام) ان الرجل ليصل رحمه وقد بقي من عمره ثلاث سنين فيوصله الله تعالى الى ثلاث وثلاثين سنة وان الرجل ليقطع رحمه وقد بقي من عمره ثلاث وثلاثون سنة فيصيرها الله تعالى الى ثلاث سنين (وقال عليه السلام) ما كل من راى شيئا قدر عليه ولا كل من قدر على شيء وفق له ولا كل من وفق اصاب له موضعا فاذا اجتمعت النية والقدرة والتوفيق والاصابة فهناك السعادة (وقال عليه السلام) تاخير التوبة اغترار وطول التسويف حيرة والاعتداء على الله هلكة والاصرار على الذنب امن من مكر الله (وقال عليه السلام) اربعة اشياء القليل منها كثير النار والعداوة والفقر والمرض (وقال ع) صحبة عشرين يوما قرابة (وقال ع) كفارة عمل السلطان الاحسان الى الاخوان (وقال ع) اذا دخلت منزل اخيك فاقبل الكرامة ما عدا الجلوس في الصدر

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 506

(وقال ع) البنات حسنات والبنون نعم والحسنات يثاب عليهن والنعم مسؤول عنهن (وقال ع) من لم يستح من العيب ويرعوي عند الشيب ويخشى الله بظهر الغيب فلا خير فيه (وكان ع) يقول في دعائه اللهم انك بما انت اهله من العفو اولى مني بما انا اهله من العقوبة (وقال ع) من اكرمك فاكرمه ومن استخف بك فاكرم نفسك عنه (وقال ع) منع الجود سوء الظن بالمعبود (وقال ع) ان عيال المرء اسراؤه فمن انعم الله عليه بنعمة فليوسع على اسرائه فان لم يفعل اوشك ان تزول تلك النعمة عنه (وقال ع) ثلاثة لا يزيد الله بها الرجل المسلم الا عز الصفح عمن ظلمه والاعطاء لمن حرمه والصلة لمن قطعه (وقال ع) حفظ الرجل بعد وفاته في تركته كرم (وقال ع) المؤمن إذا غضب لم يخرجه غضبه عن حق واذا رضي لم يدخله رضاه في باطل (وقال ع) ما من مؤمن ادخل على قوم سرورا الا خلق الله من ذلك السرور ملكا يعبد الله تعالى ويحمده ويمجده فاذا صار المؤمن في لحده اتاه ذلك السرور الذي ادخله على اولئك فيقول انا اليوم اونس وحشتك والقنك حجتك واثبتك بالقول الثابت واشهد بك مشاهد القيامة واشفع بك الى ربك واريك منزلتك من الجنة (وكان) رجل تاحر يختلف الى الصادق (ع) فجاء بعد حين وقد ذهب ماله فجعل يشكوا اليه فانشده الصادق (ع) :
فلا تجزع اذا اعسرت يوما فقد ايسرت في الزمن الطويل
و لا تيأس فان اليأس كـفر لعل الله يغـني عـن قـليـل


المجالس السنية ـ الجزء الخامس 507

ولا تظن بربك ظن سوء فـان الله اولى بالجميل

وفي حلية الاولياء عنه عليه السلام : استنزلوا الرزق بالصدقة وحصنوا اموالكم بالزكاة . وما عال من اقتصد والتدبير نصف العيش والتودد نصف العقل وقلة العيال احد اليسارين ومن احزن والديه فقد عقهما . ومن قدر معيشته رزقه الله ومن بذر معيشته حرمه الله . لا زاد افضل من التقوى ولا شيء احسن من الصمت ولا عدو اضر من الجهل . ولا داء ادوى من الكذب . اذا بلغك عن اخيك شيء يسوؤك فلا تغتم فانه ان كان كما يقول كانت عقوبة عجلت وان كان على غير ما يقول كانت حسنة لم تعملها .
وفي تحف العقول ثلاثة من كن فيه فهو منافق وان صام وصلى : من اذا حدث كذب واذا وعد اخلف واذا ائتمن خان . احذر من الناس ثلاثة الخائن والظلوم والنمام لان من خان لك خانك ومن ظلم لك سيظلمك ومن نم اليك نم عليك . ثلاث يحجزن المرء عن طلب المعالي قصر الهمة وقلة الحياء وضعف الراي . ثلاثة لا يعذر المرء فيها مشاورة ناصح ومدارات حاسد والتحبب الى الناس . كل ذي صنعة مضطر الى ثلاث خلال يجتلب بها المكسب ان يكون حاذقا بعمله مؤديا للامانة فيه مستميلا لمن استعمله . ثلاثة تدل على عقل فاعلها الرسول والهدية والكتاب . من لم تكن فيه ثلاث خصال لم ينفعه الايمان حلم يرد به جهل الجاهل وورع يحجزه عن طلب المحارم وخلق يداري به الناس . ان شئت ان

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 508

تكرم فلن وان شئت ان تهان فاخشن . من فرط تورط . ومن خاف العاقبة تثبت فيما لايعلم . من هجم على امر بغير علم جدع انف نفسه . ان قدرت ان لا تعرف فافعل . ان قدرت ان لا تخرج من بيتك فافعل وان عليك في خروجك ان لا تغتاب ولا تكذب ولا تحسد ولا ترائي ولا تتصنع ولا تداهن . لا تثقن باخيك كل الثقة فان سرعة الاسترسال لا تستقال . فوت الحاجة خير من طلبها من غير اهلها . بروا آباءكم يبركم ابناؤكم . انظر من هو دونك في المقدرة ولا تنظر الى من هو فوقك فان ذلك اقنع لك . لا ورع انفع من تجنب محارم الله والكف عن اذى المؤمنين واغتيابهم ولا عيش اهنأ من حسن الخلق . ولا مال انفع من القناعة باليسير المجزي . ولا جهل اضر من العجب . تصافحوا فانها تذهب بالسخيمة (العداوة) . من ملك نفسه اذا غضب واذا رغب واذا رهب واذا اشتهى حرم الله جسده على النار . لا يتبع الرجل بعد موته الا ثلاث خصال صدقة اجراها لله في حياته فهي تجري بعد موته وسنة هدى يعمل بها . وولد صالح يدعو له . عالم افضل من الف عابد والف زاهد والف مجتهد . تدخل يدك في فم التنين الى المرفق خير لك من طلب الحوائج الى من لم تكن له . احب اخواني الي من اهدى الي عيوبي . ثلاث لم يجعل الله لاحد فيهن رخصة بر الوالدين برين كانا او فاجرين ووفاء بالعهد للبر والفاجر واداء الامانة الى البر والفاجر . لا خير في صحبة من لم ير لك مثل الذي يرى لنفسه . من غضب عليك من

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 509

اخوانك ثلاث مرات فلم يقل فيك مكروها فاعده لنفسك . من وقف نفسه مواقف التهمة فلا يلومن من اساء به الظن ومن كتم سره كانت الخيرة في يده وكل حديث جاوز اثنين فاش . ضع امر اخيك على احسنه ولا تظنن بكلمة خرجت من اخيك سوءا وانت تجد لها في الخير محملا وعليك باخوان الصدق فهم عدة عند الرجاء وجنة عند البلاء وشاور في حديثك الذين يخافون الله واحب الاخوان على قدر التقوى واتق شرار النساء وكن من خيارهن على حذر . لا يبلغ احدكم حقيقة الايمان حتى يحب ابعد الخلق منه في الله ويبغض اقرب الخلق منه في الله . لا تذهب الحشمة بينك وبين اخيك وابق منها فان ذهاب الحشمة ذهاب الحياء وبقاء الحشمة بقاء المودة . وقيل له خلوت بالعقيق وتعجلت الوحدة فقال لو ذقت حلاوة الوحدة لاستوحشت من نفسك ثم قال اقل ما يجد العبد في الوحدة الراحة من مدارات الناس .
وفي نثر الدرر للآبي قال «ع» لايزال العز قلقا حتى ياتي دارا قد استشعر اهلها اليأس مما في ايدي الناس فيوطنها .
امثل هذا الامام العظيم في علمه وفضلة وزهده وورعه ومواعظه وحكمه يحمل مرارا الى المنصور الدوانيقي من الحجاز الى العراق وفي كل مرة يتهدده ويروم قتله ولكن الله تعالى يدفعه عنه ولم يزل كذلك الى ان قضى نحبه ولقي ربه صابرا محتسبا مغصوبا حقه مغلوبا على امره .

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 510

بابي من اقـام حيا وميتا عمد الدين والهدى فاستقاما


المجلس التاسع

مما جاء في كيفية وفاة الصادق «ع» ما روي عن الكاظم «ع» انه قال لما حضرت ابي الوفاة قال لي يا بني انه لا ينال شفاعتنا من استخف بالصلاة (وعن) ابي بصير قال دخلت على ام حميدة اعزيها بابي عبد الله فبكت وبكيت لبكائها ثم قالت يا ابا محمد لو رايت ابا عبد الله عند الموت لرايت عجبا فتح عينيه ثم قال اجمعوا لي كل من بيني وبينه قرابة فلم نترك احدا الا جمعناه فنظر اليهم ثم قال ان شفاعتنا لا تنال مستخفا بالصلاة (وعن سالمة) مولاته قالت كنت عند ابي عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام حين حضرته الوفاة واغمي عليه فلما افاق قال اعطوا الحسن بن علي بن علي بن الحسين وهو الافطس (1) سبعين دينارا واعطوا فلانا كذا وفلانا كذا فقلت اتعطي رجلا حمل عليك بالشفرة يريد ان يقتلك قال تريدين ان لا اكون من الذين قال الله عز وجل « والذين

(1) الافطس لقب الحسن بن علي بن علي بن الحسين وهو مساو للصادق «ع» في تعدد النسب
ـ المؤلف ـ
المجالس السنية ـ الجزء الخامس 511

يصلون ما امر الله به ان يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب»
نعم يا سالمة ان الله خلق الجنة فطيبها وطيب ريحها ولا يجد ريحها عاق ولا قاطع رحم (وقال الكفعمي) انه عليه السلام توفي مسموما في عنب (وفي الفصول المهمة) يقال ان جعفر الصادق عليه السلام مات بالسم في ايام المنصور (وفي تذكرة الخواص ) قيل انه مات مسموما (وعن ابن بابويه) سمه المنصور (وعن ابن طاوس) في الاقبال في ادعية شهر رمضان وضاعف العذاب على من شرك في دمه وهو المنصور (فلما) توفي كفنه الكاظم عليه السلام في ثوبين شطويين نسبة الى شطـا قريـة بمصـر (1) كان يحرم فيهما وفي قميص من قمصه ويف عمامة كانت لعلي بن الحسين «ع» وفي برد اشتراه الكاظم «ع» باربعين دينارا (وروي) انه لما قبض الباقر امر الصادق بالسراج في البيت الذي كان يسكنه حتى قبض الصادق ثم امر الكاظم بمثل ذلك في بيت الصادق صلوات الله عليهم حتى خرج به الى العراق (قال الراوي) ثم لا ادري ما كان (وروى)

(1) تنسب اليها الثياب الشطوية وهي ضرب من الكتان سميت باسم شطا من قرابة المقوقس الذي كان ملكا على مصر عند الفتح الاسلامي اسلم شطا واستشهد فدفن بها ذكرها في الصحاح بدون هاء وقال في القاموس شطاة بالهاء ووهم الجوهري وفي تاج العروس المسموع على السنة اهلها خلفا عن سلف بغير هاء وهي احدى قرى دمياط .
ـ المؤلف ـ
المجالس السنية ـ الجزء الخامس 512

الكليني بسنده عن ابي ايوب قال بعث الي ابو جعفر المنصور في جوف الليل فدخلت عليه وهو جالس على كرسي وبين يديه شمعة وفي يده كتاب فلما سلمت عليه رمى الكتاب الي وهو يبكي وقال هذا كتاب محمد بن سليمان يخبرنا ان جعفر بن محمد قد مات فانا لله وانا اليه راجعون ثلاثا واين مثل جعفر ثم قال لي اكتب فكتبت صدر الكتاب ثم قال اكتب ان كان اوصى الى رجل بعينه فقدمه واضرب عنقه فرجع الجواب اليه انه اوصى الى خمسة احدهم ابو جعفر المنصور ومحمد بن سليمان وعبد الله وموسى ابني جعفر وحميدة فقال المنصور ليس الى قتل هؤلاء سبيل (وروي) انه اتى اعرابي الى ابي حمزة الثمالي فقال له توفي جعفر الصادق فشهق شهقة واغمي عليه فلما افاق قال هل اوصى الى احد قيل نعم اصى الى ابنيه عبد الله وموسى وابي جعفر المنصور فضحك وقال الحمد لله الذي هدانا الى الهدى وبين لنا عن الكبير ودلنا على الصغير واخفى عن امر عظيم فسئل عن قوله فقال بين لنا عيوب الكبير (1) ودل على الصغير (2) لاضافته اياه (3) وكتم

(1) يعني عبد الله الافطح فعلمنا انه ليس بامام لما نراه فيه من العيوب والامام لا عيوب فيه .
(2) يعني الكاظم (ع) .
(3) يعني اضافته الى الاوصياء وجعله من جملتهم فعلم انه هو الوصي الحقيقي لكمال فضله .
ـ المؤلف ـ
المجالس السنية ـ الجزء الخامس 513

الوصية للمنصور (1) لانه لو سأل المنصور عن الوصي لقيل انت .
بابي من بكى عليه المعادي و الموالي له بكـاء الايامى
بابي من اقـام حـيا وميتا عمد الدين و الهدى فاستقاما
بابي من عليه جبريل حزنا في السماوات مأتما قد اقاما

مراثي الصادق عليه السلام

قال السيد صالح النجفي المعروف بالقزويني في رثائه «ع» من قصيدة :
حي حيا بالابرقين اقاما وارع فيه للقاطنين الذماما

الى ان قال :
فـدع الغانيات فالعمـر ولى واله عنها واقر التصابي السلاما
وانـب صادقـا وقدم شفيعا جعفر الصادق الامـام الهـماما


(1) لا يخفى ما في العبارة ولعل الصواب وكتم الامر بالوصية للمنصور .
ـ المؤلف ـ
المجالس السنية ـ الجزء الخامس 514

مـن سـنا وجهـه امـد الـداري ونـدى كـفـه امـد الغمـامـا
مـصدر العلم منتهى الحلم باب الله و الـعروة التـي لا انـفصـاما
علـة الكون من به الارض قـامت و السموات والوجـود اسـتقامـا
شمس قدس بدت فجلت دجى الكفـ ـر ودلـت على الرشـاد الاناما
سـيـد جـده دنـى فـتـدلــى قاب قـوسين منـزلا لـن يراما
يا مقيما للـديـن اقـوى بـراهيـ ـن على الـحق مثلها لـن يقاما
يوم بغي المنصور اذا حضر النطـ ـع و قد ناول الربيـع الحسامـا
و لعـمري بـالصـل لو لم ترعه ولك لـم يـرع حـرمـة وذماما
و الـذي نـم رمـت مـنه يـمينا اوردتـه قـبل الحمـام الحمامـا

* * *

يا بـدورا قـد غـالها الخسف لكن لم تزل فـي الهدى بدورا تمـاما
حاولت نقصها العدى فابى الرحمـ ـن الا لـنـورهـا الاتـمـامـا
حـر قـلبي لـسـادة ازكـيـاء في الطـوامير خـلـدوا اعـواما
ارهقـوا الطـفل والمـراهق منهم بالـمـلمات يقـظة و مـنـامـا
ارضعـوا طـفلهم لبـان الرزايـا و اعـدوا له الـحسام فـطـامـا
قتـلوهم ومـا رعوا لرسول اللـ ـه الا فــي آلـه و ذمــامـا
يا جـبالا حـلما تـفوق الرواسي وسجالا نـعمـى تعـم الانـامـا
و لـيوثا غـلبا اذا طاشت الاحـ ـلام في الروع لم تطش احلامـا
لم يـمت حتـف انـفـه من امام منكم عـاش بينـهم مسـتضـاما

السابق السابق الفهرس التالي التالي