المجالس السنية ـ الجزء الخامس 453

وما زال النبي صلى الله عليه وآله وسلم واهل بيته يستنشدون الأشعار في مدائحهم ومراثيهم ويجيزون عليها ويدعون لقائلها ويبشرونه بثواب الآخرة ويبكون عند سماع مراثيهم من أوليائهم ومحبيهم (فمن) أولئك الشعراء السيد الحميري فانه استأذن على الصادق «ع» فأمر بايصاله وأقعد حرمه خلف ستر فاستنشده فأنشده قوله :
امرر على جدث الحسيـ ـن و قل لأعظمه الزكية
يـا اعـظما لا زلت من وطفـاء سـاكبة رويـة
واذا مـررت بـقـبـره فأطل بـه وقـف المطية
وابك المـطهر للـمطهـ ـر و المطهرة النقـيـة
كـبكاء معـولـة أتـت يوماً لواحدهـا المـنيـة

قال فرأيت دموع جعفر بن محمد تنحدر على خديه وارتفع الصراخ من داره حتى امره بالامساك فامسك .
اذا العين قرت في الحياة وانتم تخافون في الدنيا فاظلم نورها


المجلس السادس


مما جاء في كيفية وفاة الامام محمد الباقر «ع» ما روي (عن) الرضا عليه السلام قال قال ابو جعفر الباقر «ع» حين احتضر اذا

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 454

أنامت فاحفروا لي وشقوا لي شقاً فان قيل لكم ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لحد له فقد صدقوا (اقول) وذلك لأنه «ع» رأى ان الشق أصلح له من بعض الوجوه من اللحد فأمرهم به وان كان اللحد أفضل (وروى) الكليني بسنده عن الصادق «ع» انه قال ان ابي استودعني ما هنالك (يعني ما كان محفوظاً عنده من الكتب والسلاح وآثار الأنبياء وودائعهم) فلما حضرته الوفاة قال ادع لي شهوداً فدعوت أربعة من قريش فيهم نافع مولى عبد الله بن عمر فقال اكتب هذا ما اوصى به يعقوب بنيه يا بني ان الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن الا وأنتم مسلمون وأوصى محمد بن علي الى جعفر بن محمد وأمره ان يكفنه في برده الذي كان يصلي فيه يوم الجمعة وان يعممه بعمامته وأن يربع قبره ويرفعه أربع أصابع وان يحل عنه اطهاره عند دفنه ثم قال للشهود انصرفوا رحمكم الله فقلت له يا أبت ما كان في هذا بأن يشهد عليه فقال يا بني كرهت ان تغلب وان يقال انه لم يوص اليه فأردت ان تكون لك الحجة أراد ان يعلمهم انه وصيه وخليفته والامام من بعده (وفي رواية) ان الصادق عليه السلام قال ان أبي قال لي ذات يوم في مرضه يا بني ادخل اناساً من قريش من اهل المدينة حتى اشهدهم فادخلت عليه اناساً منهم فقال يا جعفر اذا أنامت فغسلني وكفني وارفع قبري أربع أصابع ورشه بالماء فلما خرجوا قلت يا أبت لو أمرتني بهذا صنعته ولم ترد ان ادخل عليك قوماً تشهدهم فقال يا بني أردت ان لا تنازع (وروي) انه «ع» اوصى بثمانمائة درهم لمأتمه وكان يرى

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 455

ذلك من السنة لأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال اتخذوا لآل جعفر طعاماً فقد شغلوا (وعن الصادق ع) قال كتب ابي في وصيته ان اكفنه في ثلاثة اثواب احدها رداء له حبرة كان يصلي فيه يوم الجمعة وثوب آخر وقميص فقلت لأبي لم تكتب هذا فقال اخاف ان يغلبك الناس وان قالوا كفنه في أربعة أو خمسة فلا تفعل وعممني بعمامة وليس تعد العمامة من الكفن انما يعد ما يلف به الجسد (وعن الصادق ع) أنه أتى أباه الباقر عليه السلام ليلة قبض وهو يناجي فأومأ اليه بيده ان تأخر فتأخر حتى فرغ من المناجاة ثم أتاه فقال يا بني ان هذه الليلة التي اقبض فيها وهي الليلة التي قبض فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال الصدوق وابن طاوس سمه ابراهيم بن الوليد ابن يزيد (1) وفي الفصول المهمة يقال انه مات بالسم في زمن ابراهيم ابن الوليد بن عبد الملك (وفي رواية) انه سم في سرج فركب عليه فنزل متورماً فأمر باكفان له وكان فيها ثوب ابيض احرم فيه فقال اجعلوه في اكفاني وعاش ثلاثا ثم مضى لسبيله صابراً محتسباً مظلوماً شهيداً مسموماً .
تقسمهم ريب المنون فلا تـرى لهم عقـوة مغشيـة الحجـرات
لهم كـل يوم تربة بمضاجـع ثوت في نواحي الأض مفترقات


(1) لا يخفى انه «ع» توفي في ملك هشام بن عبد الملك لا في ملك ابراهيم بن الوليد الا ان يكون المراد ان ابراهيم سمه في ملك هشام .
ـ المؤلف ـ
المجالس السنية ـ الجزء الخامس 456


مراثي الإمام محمد الباقر عليه السلام

قال السيد صالح النجفي الشهير بالقزويني رحمه الله من قصيدة :
يـا زعيمـا لكـل قـاص ودان وعليمـا بـكـل خـاف و بادي
طالمـا قـد أريتـهم معجـزات مرغمـات مـعاطـس الحسـاد
يـا امـامـاً آيـاتـه كرزايـا ه جسـام لا تـنـتهي بـعـداد
و فقيداً أجـرى العيـون وأورى أبداً فـي القلـوب قـدح زنـاد
ومقـيمـاً للعـلم سـوق رواج بان عنـه فـسوقه فـي كـساد
عجبـاً للـردى علـيك تعـدى بـعد مـا كـان ملقي الانـقياد
عجـبـا للبـلاد بعـدك قـرت وبـهـا انهـد شامـخ الأطـواد
عجبـا للبحـار فاضـت بمـد بعد مـا غـاض دائـم الامـداد
عجبـا للورى و قد غبـت عنها للهـدى تهتدي وانـت الـهـادي
عجبـا للـصبـاح اسفر لـم لا شـق وجـداً عمـوده بـسـواد
عجبـا للـوجـود بعـدك بـاق و لـه كنـت عــلة الايـجـاد
هـل درى هاشـم بابنـاه أودت بحـسـا السـم غيلـة والحـداد
ام درى احمـد تـذاد ذراريــ ـه و تدنى منـه ذراري المـذاد
ام درى حيـدر مـن الآل قادت آل مروان كـل صعـب القيـاد
ام درى المجتبى محمد أضحـى مـن هشام مشـرداً فـي البـلاد
ام درى المستضـام نـال هشام منـه مــا لـم تنلـه آل زيـاد
ام درى المبتلى العليـل بما قـا سى ابنه من مضاضات واضطهاد


المجالس السنية ـ الجزء الخامس 457

ام درى الدين ان ارجاس مروا ن أمـادوا لـلدين كـل عـماد
بابي مـن عليه اقلع غادي الـ ـمزن و جداً وجف زرع الوادي
من يفيـد الوفـاد رفداً وقد الـ ـويت عنـهم و اخيـبة الـوفاد
بأبي من عليه حـق لرسل الـ ـلـه عـط الأكـباد لا الأبـراد
بابي مـن عـليه اعولت الامـ ـلاك حـزناً فوق الطباق الشداد
بابي من تردت الشرعـة البيـ ـضـاء شجوا له ثـياب الحداد
بابي من عليه زهـر المعـالي آذنـت بالـخـمود بعـد اتـقاد
بابي من بكت علـيه بـنو الآ مال مـن رائـح الـيها و غادي
من عوادي الزمان كنت مجيرا كيف جارت عليك مـنه العوادي
محلـت بعـدك البلاد وكانت سحب جدواك خصب كـل بلاد
لم تجد بعـدك الـغوادي بقطر انـمـا مـنك تسـتمد الـغوادي
انت كهفي المنيع يوم التقاضي و إمامـي الشـفيع يـوم التنادي
و عصـامـي الذي اليه مآلي و عـمادي الذي علـيه اعتمادي

وقال علي بن عيسى بن ابي الفتح الاربلي صاحب كشف الغمة :
يا راكباً يقـطـع جوز الفلا علـى امـون جـسرة ضامر
عرج على طيـبة وانزل بها وقف مقام الضـارع الصاغر
وقبل الأرض وسـف تربها واسجد على ذاك الثرى الطاهر
وعج على ارض البقيع الذي ترابـه يـجلو قـذى النـاظر
وبـلـغـن عنـي سـكانه تـحـيـة كالمـثل الـسائـر
قوم هـم الـغاية في فضلهم فـالأول الـسابـق كـالآخـر


المجالس السنية ـ الجزء الخامس 458

وأشرقت في المجد احسابهم اشراق نور القمـر الباهر
و بخلوا الغيث ويوم الوغى راعوا جنان الأسد الخـادر
بدا بهم نور الهدى مشـرقا ومـيز الـبر من الفاجـر

وقال المؤلف عفا الله عن جرائمه مذيلا لها
واذر دموع العيـن فيها دمـا على ضـريح السـيد الـباقر
على إمـام مـا جرى ذكـره في خاطري الا جرى ناظري
على إمـام لـم يـدع رزؤه صبراً لجلد في الورى صابر
علـى إمام هد ركـن الهدى مصـابه بـالقاصـم الـفاقر
وبدر تـم في الثرى غائـب ونحـر علـم في الثرى غائر

وقال علي بن عيسى الاربلي رحمه الله :
إمام حق فاق في فضله الـ ـعـالم من باد ومن حاضر
ما ضر قوماً غصـبوا حقه والـظلم من شـنشنة الجائر
لو حكـوه فـقضى بـينهم ابلج مـثل القـمر الـزاهر
جـرى علـى سنـة آبائه جري الجواد السابق الضامر
وجـاء من بـعد بنوه على آثـاره الـوارد كالـصادر

وقال المؤلف عفا الله عن جرائمه
يا اقبراً منها البقـيع اغتـدى يسمو سنـام الفلـك الدائر
سقـاك يا اقـبر رب الـسما من الحيـا بالصيب الماطر
لا ينقضي وجدي ولا حسرتي لساكنـي مربعك الـعاطر


المجالس السنية ـ الجزء الخامس 459

وقال الشيخ ابراهيم بن يحيى العاملي الطيبي رحمه الله من قصيدة :
سرعـان مـا زال الشـباب و ظله عني وكـيف يـدوم ظل الطـائر
و اشـقوتاه لـقد ملأت صحيـفتي بـجـرائـر وصـغائر و كـبائر
لكـن رجائي بالمـهيمن مـحوهـا و وسيـلتي حـب الامـام البـاقر
الطاهر ابن الطاهر ابن الطاهر ابـ ـن الطاهر ابن الطاهر ابن الطاهر
خـير المـحاتد محـتد يفـتر عن سلـف تتـابع كـابـراً عـن كابر
هـو حـجة الله الامـام محـمـد وأبر بـاد فـي الأنـام و حاضـر
هو ذلك المولى الذي اهدى لـه الـ ـهادي شريـف سلامـه مع جابر
هـو ذلـك الـنـور الالهـي الذي يغنيـك عن نور الصبـاح السـافر
فـضـل كمنبلـج الصـباح وهمة اوفت على فلـك الـنجـوم الـدائر
ويد اذا انـتجع المـؤمـل رفـدها حشـدت عـليه بكـل نوء ماطـر
جـل الذي أولاه مـسـتن الـعلى فالنجم يرمـقه بـطـرف حاسـر
مولى أعاد الـعدل و هو مصـوع غضا على رغـم الزمـان الجـائر

وقال المؤلف عفا الله عن جرائمه مذيلا لها :
جلـت مصيبته على كل الورى فالكل بات لها بطرف سـاهر
يذرى الدموع على مصيبة سيد من آل أحمد بذ كـل مفاخـر
لله اي مـصيـبة جـلت فـلا يلفى لها في الكون بعض نظائر
ذهبت بركن الدين مصباح الهدى غوث المؤمل و الامـام الطاهر
الصبر عز لها فكم من جـازع تهفـو جوانحه ولا مـن صابر

* * *


المجالس السنية ـ الجزء الخامس 460


(ابو عبدا لله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام)

المجلس الاول


الامام بعد محمد الباقر وسادس أئمة المسلمين وخلفاء الله في العالمين ولده جعفر الصادق بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب عليهم السلام .
ولد جعفر الصادق «ع» بالمدينة يوم الجمعة او الاثنين عند طلوع الفجر سابع عشر ربيع الاول وقيل غرة رجب سنة ثلاث وثمانين من الهجرة وقيل سنة ثمانين وتوفي بها يوم الاثنين في شوال وقيل منتصف رجب سنة ثمان وأربعين ومائة وله خمس وستون سنة او ثمان وستون اقام مع جده علي بن الحسين اثنتي عشرة سنة وقيل خمس عشرة سنة ومع ابيه بعد جده تسع عشرة سنة وبعد ابيه أربعاً وثلاثين سنة وهي مدة امامته (وكانت) مدة امامته بقية ملك هشام بن عبد الملك وملك الوليد بن يزيد بن عبد الملك ويزيد بن الوليد بن عبد الملك الملقب بالناقص وابراهيم بن الوليد ومروان بن محمد الحمار والسفاح وتوفي بعد مضي عشرة سنين من ملك المنصور العباسي (ودفن) بالبقيع

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 461

مع ابيه وجده وعمه الحسن عليهم السلام (وامه) ام فروة بنت القاسم بن محمد بن ابي بكر اسمها فاطمة وقيل قريبة وام فروة كنيتها وامها اسماء بنت عبد الرحمن بن ابي بكر ولذلك قال الصادق عليه السلام لقد ولدني ابو بكر مرتين (وكنيته) ابو عبد الله (وله) القاب اشهرها الصادق قال بعض علماء العامة لقب به لصدق حديثه (وروي) في العلل ان رسول الله «ص» قال سموه الصادق فانه سيكون في ولده سمي له يدعي الامامة بغير حقها ويسمى كذابا (اقول) وهو اخو الحسن العسكري «ع» (ونقش خاتمه) الله خالق كل شيء (وروي) انت ثقتي فاعصمني من خلقك (وفي رواية) يا ثقتي قني شر جميع خلقك (وفي رواية) اللهم انت ثقتي فقني سر خلقك (وفي رواية) انت ثقتي فاعصمني من الناس وقيل الله عوني وعصمتي من الناس وقيل ربي عصمني من خلقه (وقيل) ما شاء الله لا قوة الا بالله استغفر الله (وشاعره) السيد الحميري واشجع السلمي والكميت وابو هريرة الأبار والعبدي وجعفر بن عفان (وبوابه) المفضل بن عمر كما في الفصول المهمة وفي المناقب بابه محمد بن سنان (وكان) له عشرة اولاد وقيل احد عشر «1» اسماعيل «2» عبد الله «3» ام فروة امهم فاطمة بنت الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب وقيل بنت الحسن الأثرم بن حسن بن علي «4» موسى «5» اسحـاق «6» محمـد (قيـل) «7» فاطمة الكبرى لأم ولد اسمها حميدة البربرية «8» العباس «9» علي «10» اسماء «11» فاطمة الصغرى لأمهات اولاد شتى

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 462

(امثل) هذا الامام العظيم امام اهل البيت عليهم السلام في عصره ووارث علوم آبائه وجده يتجرأ عليه المنصور الدوانيقي مع معرفته بعلمه وفضله وجلالة قدره ويسيره اليه من المدينة الى العراق مراراً عديدة يريد قتله فيدفعه الله عنه ويريه الآيات والمعجزات ولم يزل كذلك حتى توفي صلوات الله عليه صابراً محتسباً مظلوماً حقه مغلوبا على امره
يا مقيما لـلدين اقـوى بـراهيـ ـن على الحق مثلهـا لن يقـاما
يوم بغي المنصور اذا حضر النط ـع وقد ناول الربيـع الحسـاما
و لـعمري بالصـل لو لم ترعه لك لم يـرع حرمـة وذمـامـا


المجلس الثاني

ولد الصادق «ع» سنة 80 او 83 للهجرة وتوفي سنة 148 كما مر ومن مميزات هذا العصر انتشار العلوم الاسلامية فيه من التفسير والفقه والحديث وعلم الكلام والجدل والانساب واللغة والشعر والادب والكتابة والتاريخ والفلك وغيرها .
كان الصادق اشهر اهل زمانه علما وفضلا قال مالك بن انس المذهب : ما رات عين ولا سمعت اذن ولا خطر على قلب بشر افضل من جعفر بن محمد فضلا وعلما وعبادة وورعا وكان

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 463

كثير الحديث طيب المجالسة كثير الفوائد .
قال الحسن بن زياد : سمعت ابا حنيفة وقد سئل عن افقه من رايت قال جعفر بن محمد .
وبرز بتعاليمه من الفقهاء والافاضل جم غفير كزرارة بن اعين واخويه بكر وحمران وجميل بن صالح وجميل بن دراج ومحمد بن مسلم الطائي ويزيد بن معاوية وهشام بن الحكم وايضا هشام بن سالم وابي بصير وعبيد الله ومحمد وعمران الحلبيين وعبد الله ابن سنان وابي الصباح الكناني وغيرهم من اعيان الفلأ وقد جمع اصحاب الحديث اسماء الرواة عنه من الثقاة على اختلافهم في الاراء والمقالات فكانوا اربعة الاف رجل ذكرهم الحافظ بن عقدة الزيدي في كتاب له وذكر مصنفاتهم ونقل عنه الحديث واستفاد منه العلم جماعات غير هؤلاء الاربعة الاف من اعيان الأئمة واعلامهم مثل يحيى بن سعيد الانصاري وابن جريح ومالك بن انس والثوري وابن عيينة وابي حنيفة وشعبة وايوب السختياني وجابر بن حيان الكوفي وابان بن تغلب وابو عمرو بن دينار واخرين غيرهم وكان السبب في انتشار علومه وكثرة الاخذين عنه انه ادرك اواخر الدولة الاموية واوائل الدولة العباسية فهو قد ادرك الاولى في ايام ضعفها وكانت الثانية في اولها لم تنجم فيها ناجمة الحسد لآل ابي طالب وهي دولة هاشمية ترى ان مثل

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 464

جعفر الصادق من مفاخرها وقد روي عنه في التفسير الشيء الكثير وكذلك في علم الكلام ودون من (اسئلة) اجوبة مسائله في الفقه وغيره كتب جمة واخذت عنه مهمات علم اصول الفقه وكتب من اجوبة مسائله اربعمائة مصنف ايضاً لاربعمائه مصنف تعرف بالاصول الأربعمائة .
وممن اشتهر بالتفسير والنسب في ذلك العصر محمد بن السائب الكلبي والسدي الكبير اسماعيل بن عبد الرحمن وابو حمزة الثمالي .
وبالفقه والحديث في ذلك العصر غير الامام الصادق ابو حنيفة امام المذهب وتمليذه ابو يوسف ومالك بن انس امام المذهب ومحمد بن عبد الرحمن بن ابي ليلى وغيرهم وابن جريح وعروة بن الزبير وابن سيرين والحسن البصري والشعبي وفي علوم اللغة العربية معاذ بن مسلم الهراء الكوفي واضع علم الصرف وفي التاريخ والمغازى محمد بن اسحق بن يسار وفي الكتابة عبد الحميد كاتب مروان الحمار اخر ملوك بني امية .
من الكتاب من اصحاب الصادق عليه السلام ابو حامد اسماعيل الكاتب الكوفي ومن اشتهر من العلماء الشعراء في عصره وبعضهم كانوا من مادحيه السيد الحميرى واشجع السلمي والكميت وابنه المستهل واخوه الورد وابو هريرة الابار وابو هريرة العجلي

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 465

والعبدي وايضاً جعفر بن عفان وسليمان بن قتة العدوي وسديف وابراهيم بن هرمة ومنصور النمري .
(أما صفته في خلقه وحليته) ففي المناقب كان ربع القامة (1) أزهر الوجه (2) حالك (3) الشعر جعده (4) اشم (5) الأنف انزع (6) دقيق المسربة (7) على خده خال أسود . وفي الفصول المهمة : صفته معتدل آدم (8) اللون .
(واما صفته في اخلاقه واطواره) ففي مناقب ابن شهر اشوب قال مالك بن انس كان جعفر بن محمد لا يخلو من احدى ثلاث خصال اما صائماً واما قائماً واما ذاكراً وكان من عظماء العباد وأكابر الزهاد الذين يخشون ربهم وكان كثير الحديث طيب المجالسة كثير الفوائد ويقال الامام الصادق لم يكن عياب ولا سبابا ولا صخاباً ولا طماعاً ولا خداعاً ولا نماماً ولا ذماماً

(1) لا طويل ولا قصير .
(2) اي حسن الوجه يعلوه البهاء والجمال .
(3) الحالك الشديد السواد .
(4) الجعد ضد البسط .
(5) الشمم ارتفاع قصبة الانف وحسنها واستواء اعلاها وانتصاب الارنبة وهي طرف الانف
(6) ليس على مقدم رأسه شعر .
(7) بفتح الميم وضم الراء الشعر وسط الصدر الى البطن .
(8) اسمر .
ـ المؤلف ـ
المجالس السنية ـ الجزء الخامس 466

ولا اكولاً ولا عجولاً ولا ملولاً ولا مكثاراً ولا ثرثاراً ولا مهذاراً ولا طعاناً ولا لعاناً ولا همازاً ولا لمازاً ولا كنازاً (وروى) الكليني في الكافي انه كان اذا صلى العشاء وذهب من الليل شطره اخذ جراباً فيه خبز ولحم ودراهم فحمله على عنقه ثم ذهب به الى اهل الحاجة من اهل المدينة فقسمه فيهم ولا يعرفونه فلما مات وفقدوا ذلك عرفوه .
(واما صفته في لباسه) فكان يلبس جيد الثياب ويقول فيما رواه الكليني ان الله عزوجل يحب الجمال والتجمل ويبغض البؤس والتباؤس واذا انعم على عبده بنعمة احب ان يراها عليه لانه جميل يحب الجمال وقال اني لا كره للرجل ان يكون عليه من الله نعمة فلا يظهرها وقال البس وتجمل فان الله جميل يحب الجمال وليكن من حلال . وروى عنه الشيخ الطوسي في التهذيب انه قال ان الله اذا أنعم على عبد بنعمة أحب ان يرى عليه أثرها قيل كيف ذلك قال ينظف ثوبه ويطيب ريحه ويجصص داره ويكنس أفنيته . وروى الكليني ان عباد بن كثير البصري (وهو من زهاد البصرة) جذب ثوبه وهو في الطواف وقال يا جعفر تلبس مثل هذه الثياب وانت في هذا الموضع مع المكان الذي انت فيه من علي فقال له كان علي في زمان يستقيم له ما ليس فيه ولو لبست مثل ذلك اللباس في زماننا لقال الناس هذا مرائي مثل عباد . وان عباداً لقيه مرة وعلى الصادق ثياب حسان فقال ما لهذه الثياب عليك فلو لبست دونها فقال له ويلك يا عباد من

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 467

حرم زينة الله التي اخرج لعباده والطيبات من الرزق ان الله عزوجل اذا انعم على عبده نعمة احب ان يراها عليه . وان رجلا قال له اصلحك الله ذكرت ان علي بن ابي طالب كان يلبس الخشن يلبس القميص باربعة دراهم ونرى عليك اللباس الجيد فقال ان علياً صلوات الله عليه كان يلبس ذلك في زمان لا ينكر ولو لبس مثل ذلك اليوم لشهر به فخير لباس كل زمان لباس أهله وان سفيان الثوري رأى عليه ثياباً بيضاً رقاقاً فقال له ان هذا اللباس ليس من لباسك (وفي رواية) انه قال له والله ما لبس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مثل هذا اللباس ولا علي ولا احد من آبائك فقال له ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان في زمان مقفر جدب فاما اذا اقبلت الدنيا فأحق الناس بها ابرارها لا فجارها (وفي) حلية الأولياء ان سفيان الثوري رأى على الصادق عليه السلام جبة خز دكناء وكساء خز فجعل ينظر اليه معجباً وقال ليس هذا من لباسك ولا لباس آبائك فقال كان ذلك زمانا مقفراً مقتراً وكانوا يعملون على قدر اقفاره واقتاره ثم حسر عن ردن جبته فاذا تحتها جبة صوف بيضاء يقصر الذيل عن الذيل والردن عن الردن وقال هذا لله وهذا لكم فما كان لله أخفيناه وما كان لكم أبديناه .
ويستفاد مما مر ان لبس الجيد من الثياب واظهار النعمة أمر راجح ان لم يعارضه شيء آخر مثل كونه مستهجناً أو يعد من لباس الشهرة أو نحو ذلك وقد يكون لبسه مرجوحاً اذا خيف منه حصول الكبر أو شره النفس أو غير ذلك .

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 468


المجلس الثالث

من أدلة امامة الصادق عليه السلام تفوقه في العلم على جميع أهل عصره وانه وارث علوم جده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وآبائه عليهم السلام وان عنده سلاح رسول الله ومواريث الأنبياء صلوات الله عليه وعليهم .
قال المفيد عليه الرحمة : برز جعفر الصادق عليه السلام على جماعة اخوته بالفضل وكان أنبههم ذكراً وأعظمهم قدراً وأجلهم في الخاصة والعامة ونقل الناس عنه من العلوم ما سارت به الركبان وانتشر ذكره في البلدان ولم ينقل عن أحد من أهل بيته العلماء ما نقل عنه ولا روى أهل الآثار ونقلة الأخبار عن أحد منهم كما رووا عنه فان أصحاب الحديث قد جمعوا أسماء الرواة عنه من الثقات على اختلافهم في الآراء والمقالات فكانوا أربعة آلاف (أقول) وذلك ان الحافظ بن عقدة الزيدي جمع في كتاب رجاله أسماء الذين رووا عن الصادق عليه السلام من الثقاة خاصة فضلا عن غيرهم فكانوا أربعة آلاف رجل (وروى) عنه راو واحد وهو ابان بن تغلب ثلاثين الف حديث (قال) الحسن بن علي الوشا من أصحاب الرضا عليه السلام أدركت في هذا المسجد (يعني مسجد الكوفة) تسعمائة شيخ كل يقول حدثني جعفر بن محمد وغلبت

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 469

نسبة مذهب أهل البيت عليهم السلام اليه فقيل المذهب الجعفري (وعن) الحافظ أبي نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني في كتاب حلية الأولياء انه قال ان جعفر الصادق حدث عنه من الأئمة والأعلام مالك بن أنس وشعبة بن الحجاج وسفيان الثوري وابن جريج وسفيان بن عيينة وعد ثمانية غيرهم ثم قال في آخرين (قال) وأخرج عنه مسلم في صحيحه محتجاً بحديثه (وقال) ابن شهر اشوب في المناقب قال غير ابي نعيم روى عنه مالك والشافعي والحسن ابن صالح وأبو أيوب السجستاني (وأيوب السختياني خ ل) وعمرو ابن دينار وأحمد بن حنبل وقال مالك بن أنس ما رأت عين ولا سمعت اذن ولا خطر على قلب بشر أفضل من جعفر الصادق فضلاً وعلماً وعبادة وورعا (وكان) مالك اذا حدث عنه يقول حدثني الثقة بعينه (وحكى) ابن شهر اشوب في المناقب عن أبي عبد الله المحدث ان أبا حنيفة من تلامذته (قال) وكان محمد بن الحسن يعني الشيباني من تلامذته (قال) وكان أبو زيد البسطامي طيفور السقا من خدمه وسقاه ثلاث عشرة سنة (وقال) أبو جعفر الطوسي كان ابراهيم بن أدهم ومالك بن دينار من غلمانه ودخل اليه سفيان الثوري يوماً فسمع منه كلاماً أعجبه فقال هذا والله يا ابن رسول الله الجوهر فقال له بل هذا خير من الجوهر وهل الجوهر الا حجر (وقال) نوح بن دراج لابن أبي ليلى أكنت تاركا قولاً قلته أو قضاء قضيته لقول أحد قال لا الا رجل واحد قال من هو قال جعفر بن محمد (وعن) حلية الأولياء عن عمرو بن أبي

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 470

المقدام كنت اذا نظرت الى جعفر بن محمد علمت انه من سلالة النبيين (قال) ابن شهر اشوب في المناقب ولا تخلو كتب أحاديث وحكمة وزهد وموعظة من كلامه يقولون قال جعفر بن محمد قال جعفر بن محمد الصادق (وكان) عليه السلام يقول ان حديثي حديث أبي وحديث أبي حديث جدي وحديث جدي حديث علي بن أبي طالب أمير المؤمنين وحديث أمير المؤمنين حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قول الله عز وجل (وقال زيد ابن علي بن الحسين عليه السلام) في كل زمان رجل منا أهل البيت يحتج به الله على خلقه وحجة زماننا ابن أخي جعفر بن محمد لا يضل من اتبعه ولا يهتدي من خالفه .
ومن أدلة امامة الصادق عليه السلام ورود النص عليه فقد نص أبوه الباقر عليه السلام على امامته وجعله وصيه (روى) الكليني بسنده عن الصادق «ع» قال لما حضرت أبي الوفاة قال يا جعفر أوصيك باصحابي خيراً قلت جعلت فداك والله لأدعنهم والرجل منهم يكون في المصر فلا يسأل أحداً (يعني) لا يسأل أحداً عن شيء من أمر الدين لكمال معرفته أو من المال لغناه (وبسنده) عن الكناني قال نظر ابو جعفر إلى ابنه أبي عبد الله عليهما السلام فقال ترى من هذا ، هذا الذين قال الله عز وجل «ونريد ان نمن على الذين استضعفوا في الارض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين» (وبسنده) سئل ابو جعفر عن القائم بعده فضرب بيده على أبي عبد الله وقال هذا والله قائم آل محمد أي القائم بأمر الامامة

السابق السابق الفهرس التالي التالي