المجالس السنية ـ الجزء الخامس 414

المجلس الخامس

مما جاء في عبادة زين العابدين «ع» وشدة خوفه من الله تعالى وكثرة بكائه من خشية الله وانقطاعه عن الخلق وانصرافه بكله الى الله تعالى ما ذكره غير واحد من العلماء انه كان اذا توضا اصفر لونه (وفي رواية) كان اذا فرغ من وضوء الصلاة وصار بين وضوئه وصلاته اخذته رعدة ونفضة (وفي رواية) كان اذا قام الى الصلاة تغير لونه واصابته رعدة وتغير امره فقيل له في ذلك فقال ويحكم اتدرون الى من اقوم ومن اريد اناجي او من اريد اتاهب القيام بين يديه (وفي رواية) اني اريد الوقوف بين يدي ملك عظيم (وفي رواية) كان اذا قام في صلاته غشي لونه لون آخر (وفي رواية) كان اذا سجد لم يرفع رأسه حتى يرفض عرقا (وكان) اذا وقف في الصلاة لم يشتغل بغيرها ولم يسمع شيئا لشغله بالصلاة (وفي رواية) كان يقوم الى الصلاة كانه ساق شجرة لا يتحرك منه شيء الا ما حركت الريح منه (وفي الخصال) عن الباقر «ع» كان قيام علي بن الحسين «ع» في صلاته قيام العبد الذليل بين يدي الملك الجليل كانت اعضاؤه ترتعد من خشية الله عز وجل وكان يصلي صلاة مودع يرى انه لا يصلي بعدها ابدا ولقد صلى ذات يوم فسقط الرداء عن احد منكبيه فلم يسوه حتى فرغ من صلاته

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 415

فساله بعض اصحابه عن ذلك فقال ويحك اتدري بين يدي من كنت ان العبد لايقبل من صلاته الا ما اقبل منها عليه بقلبه (وفي كشف الغمة) كان لايحب ان يعينه على طهوره احد وكان يستقي الماء لطهوره ويخمره (اي يغطيه) قبل ان ينام فاذا قام من الليل بدا بالسواك ثم توضا ثم ياخذ في صلاته وكان لا يدع صلاة الليل في السفر والحضر (وقال الشيخ في المصباح ) كانت له خريطة فيها تربة الحسين «ع» وكان لايسجد الا على التراب (وروى) المفيد بسنده عن الصادق «ع» انه قال والله ما اكل علي بن ابي طالب من الدنيا حراما قط حتى مضى لسبيله وما عرض له امران قصدهما لله الا اخذ باشدهما عليه في دينه وما نزلت برسول الله صلى الله عليه واله وسلم نازلة قط الا دعه ثقة به وما اطاق عمل رسول الله صلى الله عليه واله وسلم من هذه الامة غيره وان كان ليعمل عمل رجل كان وجهه بين الجنة والنار يرجو ثواب هذه ويخاف عقاب الاخرة ولقد اعتنق من ماله الف مملوك في طلب وجه الله والنجاة من النار مما كد بيديه ورشح منه جبينه . وما اشبهه من ولده ولا اهل بيته احد اقرب شبها به في لباسه وفقهه من علي بن الحسين (وروى) المفيد بسنده انه «ع» حج ماشيا فسار عشرين يوما من المدينة الى مكة وانه حج مرة فالتاثت عليه الناقة في سيرها (اي ابطأت) فاشار اليها بالقضيب ثم قال آه لولا القصاص ورد يده عنها (وروي) انه «ع» حج على ناقته عشرين حجة فما قرعها بسوط . (وكفى) في عبادته وتذللك لله تعالى الادعية الماثورة عنه

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 416

فانها مع كثرتها وما هي عليه من بلوغ اقصى درجات الفصاحة والبلاغة فيها من انواع التعبد والخضوع والاستكانة لله تعالى وصنوف التوسل لبلوغ رضى الله تعالى ما يحير العقول ويذهل الالباب ويبين للناظر فيه امتناع صدور هذه المواهب الجليلة من غير اهل بيت النبوة وان هذه الجواهر لايمكن ان توجد في سوى هذه المعادن (وكفى) في ذلك الصحيفة الكاملة انجيل ال محمد وما جمع بعدها من الصحائف الاربع من ادعيته «ع» التي جمع مؤلف هذا الكتاب احدها .
ومما جاء في عبادة زين العابدين «ع» ما روي (عن طاوس) قال دخلت الحجر في الليل فاذا علي بن الحسين عليهما السلام قد دخل فقام يصلي ما شاء الله تعالى ثم سجد سجدة فاطال في ها فقلت رجل صالح من بيت النبوة لاصغين اليه فسمعته يقول :عبدك بفنائك مسكينك بفنائك سائلك بفنائك فقيرك بفنائك (قال طاوس) فوالله ما صليت ودعوت بهن في كرب الا فرج عني (وعن) طاوس ايضا قال رايت علي بن الحسين «ع» يطوف من العشاء الى السحر ويتعبد فلما لم ير احدا رمق السماء بطرفه وقال الهي غارت نجوم سماواتك وهجعت عيون انامك وابوابك مفتحات للسائلين جئتك لتغفر لي وترحمني وتربيني وجه جدي محمد صلى الله عليه واله وسلم في عرصات القيامة (ثم بكى وقال ) وعزتك وجلالك ما اردت بمعصيتي مخالفتك وما عصيتك اذ عصيتك وانا بك شاك ولابنكالك جاهل ولا لعقوبتك متعرض ولكن سولت لي نفسي

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 417

واعانني على ذلكم سترك المرخى علي فالان من عذابك من يستنقذني وبحبل من اعتصم ان قطعت حبلك عني فوا سواتاه غدا من الوقوف بين يديك اذا قيل للمخفين جوزوا وللمثقلين حطوا امع المخفين اجوز ام مع المثقلين احط ويلي كلما طال عمري كثرت خطاياي ولم اتب اما آن لي ان استحي من ربي ثم بكى وانشا يقول :
اتحرقني بالنار يا غاية المنى فايـن رجـائي ثـم اين محبتي
اتيـت باعـمال قباح رزية وما في الورى خلق جنى كجنايتي

وقال : سبحانك تعصى كانك لا ترى وتحلم كانك لم تعص تتودد الى خلقك بحسن الصنيع كان بك الحاجة اليهم وانت يا سيدي الغني عنهم فقال له طاوس يا بان رسول الله ما هذا الجزع والفزع ونحن يلزمنا ان نفعل مثل هذا ونحن عاصون جانون ابوك الحسن بن علي وامك فاطمة الزهراء وجدك رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فالتفت الي وقال هيهات هيهات يا طاوس دع عني حديث ابي وامي وجدي خلق الله الجنة لمن اطاعه واحسن ولو كان عبدا حبشيا وخلق النار لمن عصاه ولو كان ولدا قرشيا اما سمعت قوله تعالى : فاذا نفخ في الصور فلا انساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون . والله لا ينفعك غدا الا تقدمة تقدمها من عمل صالح .

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 418

المجلس السادس

مما جاء في حلم زين العابدين عليه السلام ما رواه المفيد بسنده انه وقف عليه رجل من اهل بيته فاسمعه وشتمه فلم يكلمه فلما انصرف قال لجلسائه احب ان تمضوا معي اليه فتسمعوا ردي عليه فمشي وهو يقول والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين فعلموا انه لايقول له شيئا فخرج اليه متوثبا للشر وهو لا يشك انه انما جاءه مكافيا له على شتمه فقال له علي بن الحسين يا اخي انك قد وقفت علي آنفا وقلت وقلت فان كنت قد قلت ما فيّ فانا استغفر الله منه وان كنت قلت ما ليس في فغفر الله لك فقبل الرجل بين عينيه وقال بل قلت فيك ما ليس فيك وانا احق به (وقال) له رجل ان فلانا قد وقع فيك بحضوري فقال انطلق بنا اليه فانطلق معه وهو يرى انه يستنصر لنفسه فلما اتاه قال يا هذا ان كان ما قلت في حقا فاسال الله ان يغفره لي وان كان باطلا اسال الله ان يغفره لك ثم ولى عنه (وانتهى) الى قوم يغتابونه فقال ان كنتم صادقين فغفر الله لي وان كنتم كاذبين فغفر الله لكم (وشتمه) رجل فقصده غلمانه فقال دعوه فان ما اخفي عنه منا اكثر (وفي رواية) اقبل عليه فقال ما ستر عنك من امرنا اكثر ثم قال الك حاجة نعيبك عليها فخجل

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 419

الرجل فاعطاه ثوبه وامر له بالف درهم فانصرف صارخا يقول اشهد انك ابن رسول الله (وفي رواية) اشهد انك من اولاد الرسل (وشتمه) آخر فقال له يا فتى ان بين ايدينا عقبة كؤوودا فان جزت منها فلا ابالي بما تقول وان اتحير فيها فانا شر مما تقول (وسبه) رجل فسكت عنه فقال اياك اعني فقال وعنك اغضي (وكسرت) جارية له قصعة فيها طعام فاصفر وجهها فقال له ااذهبي فانت حرة لوجه الله (وكان) عنده ضيوف فاستعجل خادما له بشواء كان في التنور فاقبل به الخادم مسرعا فسقط السفود (1) منه على راس بني كان لعلي بن الحسين «ع» تحت الدرجة فاصاب راسه فقتله فقال للغلام وقد تحير واضطرب انت حر فانك لم تعتمده واخذ في جهاز ابنه ودفنه (وجعلت) جارية تسكب عليه الماء ليتهيا للصلاة فسقط الابريق من يدها عليه فشجه فرفع راسه اليها فقالت له والكالظمين الغيظ قال قد كظمت غيظي قالت والعافين عن الناس قال لها عفا الله عنك قالت والله يحب المحسنين قال اذهبي فانت حرة لوجه الله (ودعا) مملوكا له مرتين فلم يجبه واجابه في الثالثة فقال له يا بني اما سمعت صوتي قال بلى قال فما بالك لم تجبني قال امنتك قال الحمد لله الذي جعل مملوكي يامنني (وكان) له ابن عم فكان علي بن الحسين عليه السلام ياتيه بالليل متنكرا فيناوله شيئا من الدنانير فيقول له لكن علي ابن الحسين لا يواصلني لاجزاه الله عني خيرا فيسمع ذلك ويحتمل

(1) كتنور حديدة يشوى بها .
المجالس السنية ـ الجزء الخامس 420

ويصبر ولايعرفه بنفسه فلما مات عليه السلام فقدها فعلم انه هو فجاء الى قبره وبكى عليه (وعن) تاريخ الطبري وغيره عن الواقدي ان هشام بن اسماعيل كان امير المدينة فلقى منه علي بن الحسين أذى شديداً فلما عزل امر به الوليد ان يوقف للناس فمر به علي بن الحسين وهو واقف عند دار مروان فسلم عليه وكان عليه السلام تقدم الى خاصته ان لايعرض احد له بكلمة (وفي الرواية) انه ارسل اليه انظر الى ما ما اعجزك من مال تؤخذ به فعندنا ما يسعك فطب نفسا منا ومن كل من يطيعنا فنادى هشام الله اعلم حيث يجعل رسالته (ومن) حلم زين العابدين «ع» العظيم ورزانته ورجاحة عقله انه لما اتي به وباخواته وعماته ومن تخلف من اهل بيته اسارى الى يزيد بالشام واتي بهم باب دمشق فاوقفوا على درج باب المسجد الجامع حيث يقام السبي جاء شيخ فدنا من نساء الحسين عليه السلام وعياله وقال الحمد لله الذي اهلككم وقتلكم واراح البلاد من رجالكم وامكن امير المؤمنين منكم فلم يقابله علي بن الحسين «ع» بمثل كلامه حلما منه ورزانة عقل بل قال له يا شيخ هل قرات القرآن قال نعم قال فهل عرفت هذه الاية : قل لا اسألكم عليه اجرا الا المودة في القربى قال قد قرات ذلك فقال له علي فنحن القربى يا شيخ فهل قرات هذه الاية : واعلموا انما غنمتم من شيء فان لله خمسه وللرسول ولذي القربى قال نعم فقال له علي فنحن القربى يا شيخ ولكن هل قرات انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا قال قد قرات

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 421

ذلك فقال علي فنحن اهل البيت الذين اختصنا الله باية الطهارة يا شيخ فبقي الشيخ ساكتا نادما على ما تكلم به وقال بالله انكم هم فقال علي بن الحسين «ع» تالله انا لنحن هم من غير شك وحق جدنا رسول الله صلى الله عليه واله وسلم انا لنحن هم فبكى الشيخ ورمى عمامته ثم رفع رأسه الى السماء وقال اللهم اني ابرأ اليك من عدو ال محمد من جن وانس ثم قال هل لي نم توبة فقال له نهم ان تبت تاب الله عليك وانت معنا فقال انا تائب فبلغ يزيد حديثه فامر به فقتل .
اترجوا الخير من دنيا اهانت حسين السبط واختارت يزيدا


المجلس السابع


مما جاء في سخاء زين العابدين «ع» وبره للفقراء وكثرة صدقاته وعتقه وبذله المال في سبيل الله تعالى ما رواه ابو نعيم في حلية الاولياء انه «ع» قاسم الله ماله مرتين (وروى) المفيد بسنده انه لما حضرت زيد بن اسامة بن زيد الوفاة (وفي رواية) محمد بن اسامة جعل يبكي فقال له علي بن الحسين «ع» ما يبكيك فقال علي خمسة عشر الف دينار ولم اترك لها وفاء فقال له علي «ع» لا تبك فهي علي وانت منها بريء فقضاها عنه (وفي الفصول المهمة ) كان علي «ع» يتصدق سرا ويقول صدقة السر تطفئ

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 422

غضب الرب (قال) وقال ابن عائشة سمعت اهل المدينة يقولون ما فقدنا صدقة السر حتى مات علي بن الحسين «ع» (وروى) المفيد بسنده وصاحب الفصول المهمة انه كان بالمدينة كذا وكذا اهل بيت ياتيهم رزقهم وما يحتاجون اليه لا يدرون من اين ياتيهم فلما مات علي بن الحسين «ع» فقدوا ما كانوا يؤتون به ليلا الى منازلهم (وعن الباقر «ع») ايضا انه كان يحمل الخبز على ظهره بالليل فيتصدق به (وعن) الباقر «ع» ايضا انه كان يخرج في الليلة الظلماء فيحمل الجراب على ظهره وفيه الصرر من الدنانير والدراهم وربما حمل على ظهره الطعام والحطب حتى ياتي باباً باباً فيقرعه ثم يناول من يخرج اليه وكان يغطي وجهه اذا ناول فقيرا لئلا يعرفه فلما توفي «ع» فقدوا ذلك فعلموا انه كان علي بن الحسين (وفي خبر) انه كان اذا جنه الليل وهدات العيون قام الى منزله فجمع ما يبقى فيه عن قوت اهله وجعله في جراب ورمى به على عاتقه وخرج الى دور الفقراء وهو متلثم ويفرق عليهم وكثيرا ما كانوا قياما على ابوابهم ينتظرونه فاذا راوه تباشروا به وقالوا جاء صاحب الجراب (وقال الزهري) لما مات زين العابدين «ع» فغسلوه وجد على ظهره محل فبلغني انه كان يستقي لضعفاء جيرانه بالليل (وفي رواية) انه لما مات «ع» فغسلوه جعلوا ينظرون الى اثار سواد في ظهره فقالوا ما هذا فقيل كان يحمل جرب الدقيق ليلا على ظهره يعطيها فقراء اهل المدينة (وعن الباقر «ع») انه لما وضع زين العابدين «ع» على المغتسل نظروا

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 423

الى ظهره وعليه مثل ركب الابل مما كان يحمل على ظهره الى منازل الفقراء والمساكين (وكان) يعجبه ان يحضر طعامه اليتامى والاضراء والزمنى والمساكين الذين لا حيلة لهم وكان يناولهم بيده ومن كان منهم له عيال حمل له الى عياله من طعامه (وكان) لا ياكل طعاما حتى يبدا فيتصدق بمثله (وكان) اذا تقضى الشتاء تصدق بكسوته واذا تقضى الصيف تصدق بكسوته وكان يلبس في الشتاء ثياب الخز فقيل له تعطيها من لا يعرف قيمتها ولا تليق به لباسا فلو بعتها فتصدقت بثمنها فقال اني اكره ان ابيع ثوبا صليت فيه (وفي رواية) انه كان يبيعها ويتصدق بثمنها ويقول اني لاستحي من ربي ان اكل ثمن ثوب قد عبدت الله فيه (وخرج) ذات يوم وعليه مطرف خز فتعرض له سائل فتعلق بالمطرف فمضى وتركه له (واراد) الحج فانفذت اليه اخته سكينة الف درهم فلحقوه بها بظهر الحرة فلما نزل فرقها على المساكين (واشترت) ام ولد له عنبا وكان يعجبه فقدمته اليه عند افطاره فجاء سائل قبل ان يمد يده اليه فقال احمليه اليه فقالت يكفيه بعضه قال لا والله وارسله اليه كله فاشترت له من الغد فوقف سائل ففعل مثل ذلك فاشترت في اليوم الثالث فلم يات سائل فاكل وقال ما فاتنا شيء والحمد لله (وكان) اذا اتاه سائل يقول مرحبا بمن يحمل زادي الى الاخرة (وكان) اذا دخل شهر رمضان لا يضرب عبدا ولا امة بل يكتب ذنوبهم عنده فاذا كان اخر ليلة منه جمعهم وقرا عليهم تلك الذنوب فيقرون بها ثم يطلب

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 424

منهم ان يسالوه العفو عنهم فيفعلون ثم يقول : رب انك امرتنا ان نعفو عمن ظلمنا وقد عفونا كما امرت فاعف عنا فانك اولى بذالك منا ثم يعتقهم فاذا كان يوم الفطر اجازهم يجوائز تغنيهم عما في ايدي الناس (وما) من سنة الا وكان يعتق في آخر ليلة من شهر رمضان ما بين العشرين الى اقل او اكثر مثل ما اعتق في جميعه وما استخدم خادما فوق حول حتى لحق بالله تعالى .
المجلس الثامن

مما جاء في جوامع مناقب زين العابدين «ع» وفضائله (ما رواه) المفيد في الارشاد بسنده قال سمع سائل في جوف الليل وهو يقول اين الزاهدون في الدنيا الراغبون في الاخرة فهتف به هاتف من ناحية البقيع يسمع صوته ولا يرى شخصه ذاك علي بن الحسين (ونظر) عليه السلام يوم عرفة الى قوم يسألون الناس فقال ويحكم اغير الله تسألون في مثل هذا اليوم انه ليرجى في هذا اليوم لما في بطون الحبالى ان يكون سعيدا (1) (وكان) عليه السلام يابى ان يواكل امه فقيل له يا ابن رسول الله انت ابر الناس واوصلهم للرحم فكيف لا تواكل امك فقال اني اكره ان تسبق يدي لما

(1) اي وان لم يكن له عمل ولا سؤال .
ـ المؤلف ـ
المجالس السنية ـ الجزء الخامس 425

سبقت عينها اليه (وقال) له رجل يا ابن رسول الله اني لاحبك في الله حبا شديدا فقال اللهم اني اعوذ بك ان احب فيك وانت لي مبغض (وكان) اذا جاءه طالب علم قال مرحبا بوصية رسول اله صلى الله عليه واله وسلم ثم يقول ان طالب العلم اذا خرج من منزله لم يضع رجله على رطب ولا يابس من الارض الا سبحت له (وقال) الباقر «ع» ان ابي ضرب غلاما له قرعة واحدة بسوط وكان بعثه في حاجة فابطا عليه فبكى الغلام وقال تبعثني في حاجتك ثم تضربني فبكى ابي وقال يا بني اذهب الى قبر رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فصل ركعتين ثم قل اللهم اغفر لعلي بن الحسين خطيئته يوم الدين ثم قال له اذهب فانت حر لوجه الله (وضرب ) مملوكنا له على ذنب ثم دخل منزله فاخرج السوط وتجرد له وقال اجلد علي بن الحسين فابى فاعطاه خمسين دينارا (وقال عليه السلام ما تجرعت جرعة احب الي من جرعة غيظ اعقبها صبرا وما احب الي بذلك حمر النعم (واي) صبر اعظم من صبره يوم بعثه ابن زياد اسيرا الى يزيد بالشام مع نساء ابيه وصبيانه وامر به فغل بغل الى عنقه (وفي رواية) في يديه ورقبته وسرح بهم مع محفر بن ثعلبة العائذي وشمر بن ذي الجوشن فكان من صبر زين العابدين «ع» انه لم يكلم احدا منهم في الطريق بكلمة حتى بلغوا الشام فلما انتهوا الى باب يزيد رفع محفر صوته فقال محفر بن ثعلبة اتى امير المؤمنين باللثام الفجرة فاجابه علي بن الحسين عليهما السلام ما ولدت ام محفر اشر والام .

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 426

قيوده من حلمه بقيود رب حلم يقيد الضرغاما


المجلس التاسع

قال ابن الصباغ المالكي في الفصول المهمة في معرفة الائمة : من كلام زين العابدين علي بن الحسين «ع» ضل من ليس له حكيم يرشده وذل من ليس له سفيه يعضده (وقال عليه السلام) عجبت لمن يحتمي من الطعام لمضرته كيف لا يحتمي من الذنب لمعرته (وقال عليه السلام) اياك والابتهاج بالذنب فان الابتهاج به اعظم من ركوبه (وقال عليه السلام) من ضحك ضحكة مج من عقله مجة علم (وقال عليه السلام) ان الجسد اذا لم يمرض أشر ولا خير في جسد يا شر وقال (عليه السلام) فقد الاحبة غربة وقال( عليه السلام) من قنع بما قسم الله له فهو من اغنى الناس (واوصى) ولده محمد الباقر «ع» فقال يا بني لا تصحب خمسة ولا تحادثهم ولا ترافقهم في طريق لا تصح بن الفاسق فانه يبيعك باكلة فما دونها قال يطمع فيها ولا ينالها والبخيل فانه يقطع بك احوج ما تكون اليه والكذاب فانه بمنزلة السراب يبعد منك القريب ويقرب اليك البعيد والاحمق فانه يريد ان ينفعك فيضرك وقاطع الرحم فاني رايته ملعونا في ثلاثة مواضع من كتاب الله تعالى (وعن ابي حمزة الثمالي عن زين العابدين عليه السلام قال اذا كان يوم القيامة

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 427

نادى مناد ليقم اهل الفضل فيقوم اناس فيقال انطلقوا الى الجنة قبل الحساب فتقول لهم الملائكة من انتم فيقولون نحن اهل الفضل فنقول وما كان فضلكم قالوا كنا اذا جهل علينا حلمنا واذا اسيء الينا غفرنا ثم ينادي ليقم اهل الصبر فيقوم اناس فتقول لهم الملائكة من انتم فيقولون نحن اهل الصبر فيقال لهم وما صبركم قالوا صبرنا انفسنا على طاعة الله وصبرنا انفسنا عن معصية الله ثم ينادي ليقم جيران الله في داره فيقوم اناس وهم قليل فتقول لهم الملائكة من انتم فيقولون جيران الله في داره فتقول وبما جاورتم الله في داره فيقولون كنا نتحاب في الله ونتزاور في الله فتقول لكل طائفة ادخلوا الجنة فنعم اجر العاملين (وروى) الشيخ في الامالي انه قيل لعلي بن الحسين «ع» كيف اصبحت يا ابن رسول الله قال اصبحت مطلوبا بثمان : الله تعالى يطلبني بالفرائض والنبي صلى الله عليه واله وسلم بالسنن والعيال بالقوت والنفس بالشهوة والشيطان باتباعه والحافظان بصدق العمل وملك الموت بالروح والقبر بالجسد فانا بين هذه الخصال مطلوب وقال لابنه الباقر «ع» اياك ومعاداة الرجال فانه لن يعدمك مكر حليم او مفاجأة لئيم وبلغه قول نافع بن جبير في معاوية : كان يسكته الحلم وينطقه العلم فقال كذب بل كان يسكته الحصر وينطقه البطر . وقيل له من اعظم الناس خطرا قال من لم ير الدنيا لنفسه خطرا (وفي) تحف العقول قال صلوات الله عليه من كرمت عليه نفسه هانت عليه الدنيا . وقال بحضرته رجل اللهم اغنني عن خلقك فقال

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 428

ليس هكذا انما الناس بالناس ولكن قل اللهم اغنني عن شرار خلقك . وقال عليه السلام اتقوا الكذب الصغير منه والكبير في كل جد وهزل فان الرجل اذا كذب في الصغير اجترا على الكبير . كفى بنصر الله لك ان ترى عدوك يعمل بمعاصي الله فيك . الزهد في آية من كتاب الله «لكيـلا تاسـوا على مـا فاتكم ولا تفرحوا بمـا آتاكم ». طلب الحوائج الى الناس مذلة للحياة ومذهبة للحياء وهو الفقر الحاضر وقلة طلب الحوائج الى الناس هو الغنى الحاضر ان احبكم الى الله احسنكم عملا وان انجاكم من عذاب الله اشدكم خشية لله . وان اقربكم من الله اوسعكم خلقا وان ارضاكم عند الله اسعاكم على عياله . ان المعرفة وكمال دين المسلم تركه الكلام فيما لا يعنيه وقلة مرائه وحلمه وصبره وحسن خلقه . ابن آدم لا تزال بخير ما كان لك واعظ من نفسك وما كانت المحاسبة من همك وما كان الخوف لك شعارا والحذر لك دثارا . يا ابن آدم انك ميت ومبعوث وموقوف بين يدي الله جل وعز فاعد له جوابا . لا حسب لقرشي ولا لعربي الا بتواضع ولا كرم الا بتقوى ولا عمل الا بنية ولا عبادة الا بالتفقه . خمس لو رحلتم فيهن لالفيتموهن وما قدرتم على مثلهن . لا يخاف عبد الاذنبه . ولا يرجو الا ربه . ولا يستحي الجاهل اذا سئل عما لايعلم ان يتعلم . والصبر من الايمان يمنزلة الراس من الجسد . ولا ايمان لمن لا صبر له . يا ابن ادم ارض بما اتيتك تكن من ازهد الناس . واعمل بما افترضت عليك تكن من اعبد الناس . واجتنب عما حرمت

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 429

عليك تكن من اورع الناس . كم من مفتون بحسن القول فيه وكم من مغرور بحسن الستر عليه . وكم من مستدرج بالاحسان اليه . يا سوأتاه لمن غلبت احداته عشراته يريد ان السيئة بواحدة والحسنة بعشرة . من اشتاق الى الجنة سارع الى الحسنات وسلا عن الشهوات ومن اشفق من النار بادر بالتوبة الى الله من ذنوبه ومن زهد في الدنيا هانت عليه مصائبها . ان الله ليبغض البخيل والسائل الملحف . ان من اخلاق المؤمن الانفاق على قدر الاقتار والتوسع على قدر التوسع وانصاف الناس من نفسه وابتداؤه اياهم بالسلام . ما من شيء احب الى الله بعد معرفته من عفة بطن وفرج . وقال لإبنه الباقر (ع) : افعل الخير الى كل من طلبه منك فان كان اهله فقد اصبت موضعه وان لم يكن باهل كنت انت اهله وان شتمك رجل عن يمينك ثم تحول الى يسارك واعتذر اليك فاقبل عذره . مجالسة الصاحين داعية الى الصلاح . وادب العلماء زيادة في العقل . واستنماء المال تمام المروءة وارشاد المستشير قضاء لحق النعمة وكف الاذى من كمال العقل وفيه راحة للبدن عاجلا واجلا . وفي تذكرة الخواص قال عليه السلام ان قوما عبدوا الله رهبة فتلك عبادة العبيد وان قوما عبدوه رغبة فتلك عبادة التجار وان قوما عبدوه شكراً فتلك عبادة الاحرار وكان يقول عجبت للمتكبر الفخور الذي كان بالامس نطفة وهو غدا جيفة وعجبت لمن شك في لله وهو يرى عجائب مخلوقاته وعجبت لمن يشك في النشاة الاخرى وهو يرى النشاة

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 430

الاولى وعجبت لمن عمل لدار الفناء وترك دار البقاء .
وفي كشف الغمة قال اياك والغيبة فانها ادام كلاب النار .
ومما نسب اليه من الشعر قوله :
اتحرقني بالنار يا غاية المنى ـ البيتين المتقدمين في المجلس الخامس
وقوله :
نحن بنو المصطفى ذوو غصص يجرعها فـي الانام كاظمنـا
عظـيمة فـي الانـام مـحنتنـا اولنـا مبـتلـى و آخـرنـا
يفرح هـذا الـورى بـعـيدهـم ونـحن اعيـادنـا مآتـمنـا
والنـاس في الامن والسرور وما يامن طـول زمان خائـفنـا
وما خصصنا به من الشرف الطا ئـل بيـن الانـام آفـتنــا
يحـكم فـينا والـحكم فـيه لـنا جاحدنا حـقنـا وغاصبـنـا

وقوله :
من عرف الرب فلم تغنه معرفة الرب فذاك الشقي
ما ضر ذا الطاعة ما ناله في طاعة الله وما ذا لقي
ما يصنع العبد بغير التقى و العز كـل العز للمتقي

وقال بعد خطبة خطبها بالكوفة :
لا غرو ان قتل الحسين فشيخه قد كان خيرا من حسين واكرما
فلا تفرحوا يا اهل كوفان بالذي اصاب حسينا كان ذلك اعظمـا


المجالس السنية ـ الجزء الخامس 431

قتيل بشط النهر روحي فداؤه جزاء الذي ارداه نار جهنما

ونسب اليه ابن شهر اشوب في المناقب قوله :
لكم مـا تدعون بغير حـق اذا ميز الصحاح من المراض
عرفتـم حقنـا فـجحدتمونا كما عرف السواد من البياض
كتـاب الله شاهـدنا عليكـم وقاضينا الاله فـنعـم قاضي

وينسب اليه كما في مجموعة الامثال الشعرية التي في الخزانة الرضوية :
واذا بليت بعسرة فاصبر لها صـبر الكـرام فان ذلك احزم
لا تشكون الى العـباد فانما تشكوا الرحيم الى الذي لا يرحم

وعن الصادق «ع» قال بكى علي بن الحسين على ابيه الحسين عليهما السلام عشرين سنة او اربعين سنة (1) وما وضع بين يديه طعام الا بكى حتى قال له مولى له جعلت فداك يا ابن رسول الله اني اخاف عليك ان تكون من الهالكين قال انما اشكو بثي وحزني الى الله واعلم من الله ما لا تعلمون اني لم اذكر مصرع بني فاطمة الا خنقتني لذلك عبرة .
لقد تحمل من ارزائها محنا لم يحتملها نبي او وصي نبي


(1) هذا ينافي ما تقدم في المجلس الاول من ان بقاءه بعد ابيه كان اربعا وثلاثين سنة او ثلاثا وثلاثين سنة والله اعلم .
ـ المؤلف ـ
المجالس السنية ـ الجزء الخامس 432

المجلس العاشر

في الفصول المهمة يروى ان علي بن الحسين عليهما السلام اعتل فدخل عليه جماعة من اصحاب رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يعودونه فقالوا كيف اصبحت يا ابن رسول الله فدتك انفسنا قال في عافية والله المحمود على ذلك كيف اصبحتم انتم جميعا قالوا اصبحنا لك والله يا ابن رسول الله محبين وادين فقال من احبنا لله ادخله الله ظلا ظليلا يوم لا ظل الا ظله ومن احبنا يريد مكافأتنا كافأه الله عنا الجنة ومن احبنا لعرض دنيا آتاه الله رزقه من حيث لا يحتسب (وعن) الباقر «ع» قال لما حضرت ابي علي بن الحسين الوفاة ضمني الى صدره وقال يا بني اوصيك بما اوصاني به ابي حين حضرته الوفاة وبما ذكر ان اباه اوصاه به قال يا بني اياك وظلم من لا يجد عليك ناصرا الا الله (وعن) ابي الحسن الرضا عليه السلام ان علي بن الحسين عليه السلام لما حضرته الوفاة اغمي عليه ثم فتح عينيه وقرأ اذا وقعت وانا فتحنا وقال الحمد لله الذي صدقنا وعده واورثنا الارض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم اجر العاملين ثم قبض من ساعته ولم يقل شيئا (وروى) الكليني انه لما حضرت علي بن الحسين عليه السلام الوفاة اغمي عليه فبقي ساعة ثم رفع عنه الثوب ثم قال الحمد لله الذي اورثنا الجنة نتبوأ منها حيث نشاء فنعم

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 433

اجر العاملين ثم قال احفروا لي وابلغوا الى الرشح (اي رشح الماء من الارض) ثم مد الثوب عليه فمات (وفي رواية) انه لما حضرته الوفاة اغمي عليه ثلاث مرات فقال في المرة الأخيرة الحمد لله الذي صدقنا وعده الى اخر الاية ثم قبض صلوات الله عليه (وفي الفصول المهمة) يقال انه مات مسموما سمه الوليد بن عبد الملك بن مروان (وقال الصدوق) وابن طاوس في الاقبال سمه الوليد بن عبد الملك (وقال) الكفعمي سمه هشام بن عبد الملك في ملك اخيه الوليد فلما توفي غسله ولده الامام محمد الباقر عليه السلام واعانته على غسله ام ولد له وحنطه وكفنه وصلى عليه ودفنه (قال) سعيد بن المسيب وشهد جنازته البر والفاجر واثنى عليه الصالح والطالح وانهال الناس يتبعونه حتى لم يبق احد ودفن في البقيع مع عمه الحسن في القبة التي فيها العباس عليهم السلام .
فيا لامام محكم الذكر بعده تداعت له اركـانه و الجوانب
ويا لفقيد قـد اقامت مآتما عليه المعالي فهي ثكلى نوادب


مراثي زين العابدين عليه السلام

قال الشاعر المجيد السيد صالح النجفي الشهير بالقزويني من قصيدة :

السابق السابق الفهرس التالي التالي