المجالس السنية ـ الجزء الخامس 393

56 او 57 او 58 او 59 واشهر وايام بحسب اختلاف الاقوال والروايات في تاريخ المولد والوفاة ، عاش منها مع جده امير المؤمنين «ع» سنتان او اكثر ومع عمه الحسن 12سنة او 10 سنين ومع ابيه الحسين 23 او 24 سنة ومع ابيه بعد عمه الحسن 10 سنين وبعد ابيه 34 او 33 او 35 سنة وهي مدة امامته وهي بقية ملك يزيد بن معاوية ومعاوية بن يزيد ومروان بن الحكم وعبد الملك بن مروان وتوفي في ملك الوليد بن عبد الملك ودفن بالبقيع مع عمه الحسن بن علي في القبة التي فيها قبر العباس بن عبد المطالب .
امه
قيل اسمها شهربانو او شهربانوية بنت يزدجرد اخر ملوك الفرس ، وقيل غير ذلك .
هو الاكبر ام الاصغر ؟
المشهور ان اخاه شهيد كربلا هو الاكبر وقيل انه الاصغر .
اولاده
تناسل ولد الحسين من زين العابدين عليهما السلام قال المفيد في الارشاد وابن الصباغ في الفصول المهمة : كان له من الاولاد خمسة عشر ، احد عشر ذكرا واربع بنات وهم : محمد الباقر امه فاطمة بنت الحسن السبط تكنى ام عبد الله . عبد الله . الحسن . الحسين الاكبر لم يعقبا. زيد . عمر . الحسين الاصغر .

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 394

عبيد الله . سليمان لم يعقب . محمد الاصغر . علي وهو اصغر ولده . فاطمة . علية . خديجة . ام كلثوم . وفي الطبقات الكبير لمحمد ابن سعد عد له عشرة ذكور وسبع بنات فقال : ولد علي الاصغر ابن حسين بن علي : الحسن بن علي درج (1) والحسين الاكبر درج ومحمد ابو جعفر الفقيه . وعبد الله وامهم ام عبد الله بنت الحسن ابن علي بن ابي طالب . وعمر . وزيد المقتول بالكوفة . وعلي ابن علي . وخديجة . وحسينا الاصغر بن علي . وام علي بنت علي وهي علية . وكلثوم بنت علي . وسليمان لا عقب له . والقاسم . وام الحسن وهي حسنة . وام الحسين . وفاطمة . وفي كشف الغمة : قيل كان له تسعة اولاد ذكور ولم يكن له انثى وقال ابن الخشاب النحوي في مواليد اهل البيت انه ولد له ثمان بنين ولم يكن له انثى ، وهم محمد الباقر ، وزيد الشهيد بالكوفة ، وعبد الله ، وعبيد الله ، والحسن ، والحسين ، وعلي ، وعمر . وقال ابن شهر اشوب في المناقب : ابناؤه ثلاثة عشر من امهات الاولاد الا اثنين ، محمد الباقر وعبد الله الباهر امهما ام عبد الله بنت الحسن ابن علي ، وابو الحسين زيد الشهيد بالكوفة وعمر توأم ، ومحمد الاصغر وعبد الرحمن وسليمان توأم ، والحسن والحسين وعبيد الله توأم ومحمد الاصغر فرد وعلي وهو اصغر ولده وخديجة فرد ويقال لم تكن له بنت ويقال ولدت له فاطمة وعلية وام كلثوم وفي عمدة الطالب : اعقب منهم ستة محمد الباقر وعبد الله الباهر وزيد

(1) درج لم يعقب .
المجالس السنية ـ الجزء الخامس 395

الشهيد وعمر الاشرف والحسين الاصغر وعلي الاصغر .
اخلاقه
كان يابى ان يواكل امه فقيل له يا ابن رسول الله انت ابر الناس واوصلهم للرحم فكيف لا تواكل امك ؟ فقال اني اكره ان تسبق يدي الى ما سبقت اليه عينها ، وقال له رجل يا ابن رسول الله اني لاحبك في الله حبا شديدا فقال الهم اني اعوذ بك ان احب فيك وانت لي مبغض وكان يعجبه ان يحضر طعامه اليتامى والاضراء والزمنى والمساكين الذين لا حيلة لهم ، وكان يناولهم بيده ومن كان منهم له عيال حمل له الى عياله من طعامه ، وكان لا ياكل طعاما حتى يهدا فيتصدق بمثله .
انسانيته
كان معظما مهيبا عند القريب والبعيد والولي والعدو ، حتى ان يزيد بن معاوية لما امر ان يبايعه اهل المدينة بعد وقعة الحرة على انهم عبيد رق له لم يستثن من ذلك الا علي بن الحسين وكان يحسن الى من يسيء اليه . كان هشام بن اسماعيل امير المدينة يسيء اليه ويؤذيه اذى شديدا فلما عزل امر به الوليد ان يشهر للناس فكان الناس يمرون به فيشتمونه فمر به علي وسلم عليه وامر خاصته ان لا يعرض له احد ، وكان له ابن عم يؤذيه فكان يجيئه ويعطيه الدنانير ليلا وهو متستر فيقول لكن علي بن الحسين لا يصلني لا جزاه الله خيرا ، فيسمع ويصبر فلما مات انقطع عنه

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 396

فعلم انه هو الذي كان يصله ، ولما طرد اهل المدينة بني امية في وقعة الحرة اراد مروان بن الحكم ان يستودع اهله فلم يقبل احد ان يكونوا عنده الا علي بن الحسين فوضعهم مع عياله واحسن اليهم مع عداوة مروان المعروفة له ولجميع بني هاشم وعال في وقعة الحرة اربعمائة إمرأة من بني عبد مناف الى ان تفرق جيش مسرف بن عقبة ، وكان يقول لمن يشتمه : ان كنت كما قلت فاسال الله ان يغفر لك .
وكان لا يسافر الا مع رفقة لا يعرفونه ويشترط عليهم ان يكون من خدم الرفقة فيما يحتاجونه .
المؤسس الثاني للثقافة الاسلامية

يعتبر علي بن الحسين المؤسس الثاني للمدرسة الاسلامية ، اذ ان جده علي بن ابي طالب هو المؤسس الاول .
وكما اتخذ جده من المسجد ومن بيته مكانا يلتف حوله فيه طلاب العلم الوافدون من كل مكان ، وكما كانت مجالس جده دروسا في شتى المعارف الاسلامية فكان بذلك المؤسس الاول للدراسات الاسلامية . كذلك كان حفيده زين العابدين علي بن الحسين ، فمنذ سنة 61 الى سنة 95 ، اي طيلة خمس وثلاثين سنة كان منزله وكان المسجد مدرسته يزدحم فيها الطلاب عليه . فبينما كانت الدولة مشغولة باستبدادها واستنزاف دماء الشعب وسلب امواله واضطهاد احراره . كان علي بن الحسين مشغولا بنشر العلم

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 397

وبعث الثقافة وانارة الافكار وتهذيب الاخلاق فكثر تلاميذه والاخذون عنه في انواع العلوم ، واصبح اولئك التلاميذ وتلاميذهم بناة الحضارة الاسلامية ورجال الفكر الاسلامي والتشريع الاسلامي والادب الاسلامي .
ولقد اخذ عنه علماء الحجاز ومن ياتي من البلاد البعيدة والقريبة في مواسم الحج ودونوا ما اخذوه عنه ورواه عنهم الناس .
فممن روى عنه : الزهري وسفيان بن عيينه . ونافع والاوزاعي ومقاتل والواقدي ومحمد بن اسحاق وغيرهم . وروى عمن روى عنه : الطبري وابن البيع واحمد بن حنبل وابن بطة وابو داود وصاحب الحلية وصاحب الاغاني وصاحب قوت القلوب وصاحب شرف المصطفى وصاحب اسباب النزول وصاحب الفائق وصاحب الترغيب والترهيب ، وغيرهم .
ومن رجاله من الصحابة : جابر بن عبد الله الانصاري وعامر ابن واثلة الكناني وسعيد بن المسيب بن حزن وسعيد بن جهان الكناني مولى ام هانيء . ومن التابعين ابو محمد سعيد بن جبير مولى بني اسد ومحمد بن جبير بن معطم والقاسم بن عوف واسماعيل بن عبد الله بن جعفر وابراهيم والحسن ابنا محمد بن الحنفية وحبيب بن ابي ثابت وابو يحيى الاسدي وابو حازم الاعرج وسلمة بن دينار المدني الاقرن القاص ومن اصحابه ابو حمزة الثمالي بقي الى ايام

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 398

موسى «ع» وفرات بن احنف بقي الى ايام ابي عبد الله «ع» وجابر ابن محمد بن ابي بكر وايوب بن الحسن وعلي بن رافع وابو محمد القرشي السدي الكوفي والضحاك بن مزاحم الخراساني وطاوس ابن كيسان ابو عبد الرحمن وحميد بن موسى الكوفي وابان بن تغلب بن رباح وابو الفضل سدير بن حكيم بن سهيب الصيرفي وقيس بن رمانة وعبد الله البرقي والفرزدق الشاعر وابو خالد الكابلي كنكر ويقال اسمه وردان ويحيى بن ام الطويل وسعيد ابن المسيب المخزومي وحكيم بن جبير وغيرهم .
مؤلفاته
ومن اثاره المدونة والتي تعتبر من اوائل التاليف في صدر الاسلام :
1ـ الصحيفة الكاملة وقد استنسخ الناس منها نسخا لا تعد ولا تحصى بالخطوط الجميلة النادرة المثيل والمزينة بجداول الذهب وطبعت في عصر الطباعة طبعات كثيرة وشرحها العلماء شروحا عديدة منها شرح الشيخ البهائي المسمى حدائق المقربين واحسن الشروح السيد علي خان الشيرازي .
وقد كانت منها نسخة عند ولده زيد الشهيد ثم انتلقت الى اولاده والى اولاده عبد الله بن الحسن ، مضافا الى ما كان عند الباقر .
وتعبر من اعلى درجات البيان العربي باسلوبها ومعانيها .

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 399

2ـ رسالة الحقوق وهي من الاعمال الفكرية السامية في الاسلام تحتوي على توجيهات وتعليمات وقواعد في السلوك العام والخاص من ادق ما يعرفه الفكر الانساني .
في كربلا
كان عمره «ع» يوم كربلاء 24 سنة على الاكثر و 22 سنة على الاقل . وقال محمد بن سعيد في الطبقات كان علي بن الحسين مع ابيه بطف كربلاء وعمره اذ ذاك ثلاث وعشرون سنة لكنه كان مريضا ملقى على فراشه وقد نهكته العلة والمرض (اهـ) وكان قد تزوج وولد له الباقر فقد كان عمر الباقر يومئذ اربع سنين او ثلاث سنين وجملة من العلماء منهم المفيد يقولون انه اكبر من اخيه علي شهيد كربلاء هو الاوسط وانما قيل له الاكبر بالنسبة الى اخيه الاصغر الذي هو اصغر منهما . وكان زين العابدين «ع» مريضا يوم كربلاء فلذلك لم يجاهد وسلم من القتل وانحصر نسل رسول الله صلى الله عليه واله وسلم من فاطمة «ع» من الحسينيين فيه وفي ذريته .
ولما قتل الحسين عليه السلام اراد شمر قتل زين العابدين عليه السلام وهو مريض فدفعه عنه حميد بن مسلم . وحمله عمر بن سعد مع من حمله من اهل البيت الى الكوفة وقد نهكته العلة .
احترام الشعب له
حج هشام بن عبد الملك فطاف بالبيت فجهد ان يصل الى الحجر فيستلمه فلم يقدر لشدة الازدحام فنصب له منبر وجلس

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 400

عليه ينظر الى الناس ومعه اهل الشام اذ اقبل علي بن الحسين فطاف بالبيت فلما بلغ الحجر تنحى له الناس حتى يستلمه فقال رجل من اهل الشام من هذا الذي قد هابه الناس هذه الهيبة فقال هشام لا اعرفه مخافة ان يرغب فيه اهل الشام وكان الشاعر الفرزدق حاضر فقال الفرزدق ولكني اعرفه قال الشامي من هو يا ابا فراس فقال الفرزدق قصيدته :
هذا الذي تعرف الـبطحاء وطأته والبـيت يعـرفـه والحـل والحرم
هذا ابـن خـير عبـاد الله كلهم هذا التـقي النـقـي الـطاهر الـعلم
يكاد يـمسكه عـرفـان راحـته ركن الحـطيـم اذا مـا جـاء يستلم
اذا راتـه قريـش قـال قائـلها الى مـكارم هـذا يـنتهي الـكـرم
ان عد اهل التقى كانوا ذوي عدد او قيل من خير اهل الارض قيل هم
هـذا ابن فـاطمة ان كنت جاهله بجـده انـبيـاء الله قـد ختـمـوا
ولـيس قـولك مـن هذا بضائره العرب تـعرف من انكـرت والعجم
يغضي حياء ويغضي من مهابته فـمـا يـكلم الا حـين يـبـتـسم
ينمى الى ذروة العز التي قصرت عنـها الأكـف وعـن ادراكها القدم
من جده دان فـضل الانـبياء له وفـضـل امـته دانـت لـه الامم
ينشق نور الهدى عن صبح غرته كالشمـس تـنجاب عن اشراقها الظلم


المجالس السنية ـ الجزء الخامس 401

مشتقة مـن رسول الله نـبـعته طابت عناصره والـخيم والشيم
الله شـرفـه قدمـا وفضـلـه جـرى بذاك له فـي لوحه القلم
كلتا يديـه غيـاث عم نفعـهما يسـتوكفان ولا يـعروهما العدم
سهل الخليقة لا تخشى بـوادره يزينه اثنان حسـن الخلق والكرم
حمال اثقال اقوام اذا فـدحـوا رحب الفناء اريـب حين يعتـزم
ما قال لا قـط الا في تشهـده لولا التـشهـد كـانت لاؤه نعم
عم البرية بالاحسان فانقشـعت عـنه الغيابـة لا هلق ولا كـهم
من معشر حبهم دين وبغضـهم كفر وقـربـهم مـلجا ومعتصم
لا يستطيع جواد بعد غايـتـهم ولا يدانـيهم قـوم وان كـرموا
هم الغيوث اذا ما ازمة ازمـت والاسد اسد الشرى والراي محتدم
لا ينقص العسر بسطا من اكفهم سيان ذلك ان اثـروا وان عدموا
يستدفع السوء و البلوى بـحبهم ويسترب به الاحسـان و النـعم
مقدم بعد ذكـر الله ذكـرهـم في كل بدء ومخـتوم به الـكلم
يابى لهم ان يحل الذم ساحـتهم خيم كريم و ايد بالـندى هـضم
اي الخلائق ليست في رقـابهم لأولـيـة هـذا اولــه نـعـم
من يعرف الله يعرف اولية ذا الديـن من بـيت هذا نـاله الامم

ثم قال هذا علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب فغضب هشام وامر بحبس الفرزدق بعسفان بين مكة والمدينة فبعث اليه علي

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 402

بالف دينار فردها وقال : انما قلت ما قلت غضبا لله ولرسوله فما آخذ عليه اجرا فقال علي : نحن اهل بيت لا يعود الينا ما اعطينا فقبلها الفرزدق وهجا هشاما فقال :
ايحـبسني بين المدينة والتي اليها قلوب الناس يهوي منيبها
يقلب راسا لم يكن راس سيد وعينـا له حـولاء باد عيوبها

محرر العبيد
كان زين العابدين علي بن الحسين يمثل الانسانية على اعلى مستوياتها ، ويطبق رسالة الاسلام كما ارادها النبي محمد تطبيقا عمليا مثمرا .
فالاسلام الذي وضع الاسس لالغاء الرقيق ، فالغى اول ما الغى معظم منابع الرقيق ، واوضح الطرق المؤدية في نهاية الامر الى انهاء الرق . الاسلام هذا كان علي بن الحسين يمثله تمثيلا كاملا . ففي الحين الذي كانت تمتلئ فيه قصور الحكام بالارقاء نساء ورجالا وكانت الدولة تسيء تطبيق قواعد الاسلام . كان علي ابن الحسين يقود حملة تحريرالرقيق ، ويجعل من نفسه قدوة للشعب في ذلك . وكانت خطته كما يلي :
1ـ عندما كان يصل الارقاء الى يده كان يعاملهم معاملة الانداد ، فاذا اخطأوا لم يعاقبهم بل يسجل اخطاءهم في دفتر عنده وينتظر حتى ياتي عيد الفطر فيجمعهم ويعرض عليهم

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 403

اخطاءهم ملاطفا لهم فيعترفوا بتلك الاخطاء ، فيقول لهم عفوت عنكم فهل عفوتم عني ما كان مني اليكم ، فيقولون قد عفونا عنك وما اسات . فيقول : قولوا اللهم اعف عن علي بن الحسين كما عفا عنا . ثم يحررهم ويعطيهم بعض المال ليبدأوا به حياتهم الجديدة .
2ـ لم يكن يبقي عنده عبداً سنة كاملة بل كان يشتريهم في الشهور التي تسبق رمضان ليسرع في تحريرهم وقت العيد .
3ـ وكذلك كان يفعل في عيد الاضحى ، فهو يشتري العبيد وليس له حاجة بهم فاذا جاء وقت الحج خرج بهم الى عرفات ، فاذا انتهى الحج حررهم وزودهم بالمال . ولم يكن ينقص عدد المحررين في كل عيد عن العشرين انسانا .
والذي يزيد في تقديرنا لهذا العمل العظيم هو ان علي بن الحسين لم يكن ذا ثروة تساعده على التوسع في هذه الخطة ، بل كانت موارد رزقه محدودة فكان ينفق كل ما يصل الى يده في هذا السبيل وفي مساعدة ذوي الحاجات كما سنذكر فيما يلي :
مساعدته للفقراء
كان يخرج في الليل حاملاً معه ما استطاع جمعه من المال ، وربما حمل الطعام والحطب ايضا ، حتى ياتي ابواب الفقراء فيقرعها بابا بابا ، ثم يناول من يخرج اليه . ويكون مغطيا وجهه

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 404

لئلا يعرفه احد ، فلما توفي انقطع عن الفقراء ما كان ياتيهم فعرفوا انه هو الفاعل .
المجلس الثاني

الامام بعد الحسين بن علي ورابع ائمة المسلمين وخلفاء الله في العالمين ابنه علي بن الحسين زين العابدين عليهم السلام (ولد ) بالمدينة يوم الجمعة او الخميس او الاحد لتسع او لخمس او لسبع او لثمان خلون من شعبان (وقيل) منتصف جمادي الاخرة وقيل الاولى سنة ثمان وثلاثين اوسبع وثلاثين او ست وثلاثين من الهجرة قبل وفاة جده امير المؤمنين «ع» بسنتين وقيل باكثر وقبل وفاة عمه الحسن «ع» باثنتي عشرة سنة وكان عمره يوم قتل ابيه «ع» ثلاثا وعشرين سنة وبقي بعد ابيه اربعا وثلاثين سنة او ثلاثا وثلاثين سنة او خمسا وثلاثين (وتوفي) بالمدينة يوم السبت في المحرم في الثاني عشر منه او في الثامن عشر او التاسع عشر او الثاني والعشرين او الخامس والعشرين سنة خمس وتسعين او اربع وتسعين من الهجرة وله خمس وخمسون سنة او ست وخمسون او سبع وخمسون او ثمان وخمسون واشهر وايام وذلك بحسب اختلاف الاقوال والروايات في تاريخ المولد

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 405

والوفاة ودفن بالبقيع مع عمه الحسن بن علي بن ابي طالب عليهم السلام (وكانت) امامته اربعا وثلاثين سنة او خمسا وثلاثين او ثلاثا وثلاثين وهي بقية ملك يزيد بن معاوية ومعاوية بن يزيد ومروان بن الحكم وعبد الملك بن مروان وتوفي في ملك الوليد بن عبد الميك (وامه) شاهزنان وقيل شهربانويه وقيل غير ذلك بنت يزد جرد بن شهريار اخر ملوك الفرس (قال المفيد) وكان امير المؤمنين «ع» ولى حريث بن جابر الحنفي جانبا من المشرق فبعث اليه ببنتي يزدجرد فنحل ابنه الحسين «ع» شاهزنان منهما (1) فاولدها زين العابدين ونحل الأخرى محمد بن ابي بكر فولدت له القاسم فهما ابنا خالة .
(وكنيته) ابو محمد وابو الحسن (ولقبه) زين العابدين وسيد العابدين والسجاد وذو الثفنات وغير ذلك (والسبب) في تسميته

(1) وقيل ان ذلك كان في خلافة عثمان بعث اليه عبد الله بن عامر بن كريز لما فتح خراسان بابنتين اصابهما ليزدجرد فوهب احداهما الحسن والأخرى الحسين فماتتا نفساوين (وقيل) كان ذلك في خلافة عمر واستبعده صاحب البحار لان تولد علي بن الحسين «ع» كان في خلافة امير المؤمنين «ع» وعدم تولد ولد منها الا بعد اكثر من عشرين سنة (ويمكن) تعدد هذه الواقعة ثلاث مرات وتكون ولادة زين العابدين من المأخذوة في زمن جده .
ـ المؤلف ـ
المجالس السنية ـ الجزء الخامس 406

بزين العابدين ما رواه الصدوق في العلل ان الزهري كان اذا حدث عنه يقول حدثني زين العابدين فساله سفيان بن عيينة لم تقول له ذلك قال لاني سمعت سعيد بن المسيب يحدث عن ابن عباس ان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال اذا كان يوم القيامة ينادي مناد اين زين العابدين فكاني انظر الى ولدي علي بن الحسين يخطر بين الصفوف (والسبب) في تسميته بسيد العابدين ما رواه ابو عمرو الزاهد في كتاب اليواقيت من ان الزهري راى في منامه كان يده مخضوبة فعبرها فقيل انك تبتلي بدم خطا وكان عاملا لبني امية فعاقب رجلا فمات في العقوبة فخرج هاربا وتوحش ودخل الى غار وطال شعره وحج علي بن الحسين «ع» فقيل له هل لك في الزهري فدخل عليه فقال له اني اخاف عليك من قنوطك ما لا اخاف عليك من ذنبك فابعث بدية الى اهله واخرج الى اهلك ومعالم دينك فقال فرجت عني يا سيدي والله اعلم حيث يجعل رسالته وكان الزهري بعد ذلك يقول ينادي مناد في القيامة ليقم سيد العابدين في زمانه فيقوم علي بن الحسين «ع» (والسبب) في تسميته بالسجاد ما رواه الصدوق في العلل عن الباقر عليه السلام انه ما ذكر لله عز وجل نعمة عليه الا سجد ولا قرأ آية من كتاب الله عز وجل فيها سجود الا سجد ولا دفع الله عز وجل عنه سوءاً يخشاه او كيد كائد الا سجد و لا فرغ من صلاة مفروضة الا سجد ولا وفق لاصلاح بين اثنين الا سجد وكان اثر السجود في جميع مواضع سجوده فسمي السجاد لذلك

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 407

(والسبب) في تسميته بذي الثفنات ان مواضع السجود منه كانت كثفنات البعير من طول السجود وكثرته وهي ما يقع على الارض من البعير اذا استناخ مما غلظ كالركبتين وغيرهما (وروى) الصدوق في العلل عن الباقر عليه السلام قال كان لابي في موضع سجوده اثار نابتة وكان يقطعها في السنة مرتين في كل مرة خمس ثفنات فسمي ذا الثفنات لذلك (ونقش خاتمه) الحمد لله العلي (قيل) ان الله بالغ امره (وقيل) لكل غم حسبي الله (وقيل) وما توفيقي الا بالله (وقيل) القوة لله جميعاً . (وقيل) العزة لله (وقيل) خزي وشقي قاتل الحسين بن علي (ولعله) كان له عدة خواتيم بعدة نقوش (وشاعره) الفرزدق وكثير عزة (وبوابه) ابو جبلة وقيل يحيى بن ام الطويل وقيل ابو خالد الكابلي (وملوك عصره) يزيد ابن معاوية ومعاوية بن يزيد ومروان بن الحكم وعبد الملك بن مروان والوليد بن عبد الملك (ومنه) تناسل ولد الحسين عليه السلام (وكان) له من الاولاد خمسة عشر 1ـ محمد الباقر عليه السلام امه فاطمة المكناة بام عبد الله بنت الحسن السبط 2ـ عبد الله 3ـ الحسن 4ـ الحسين الاكبر لم يعقبا امهم ام ولد 5ـ زيد 6ـ عمر امهما ام ولد 7ـ الحسين الاصغر 8ـ عبد الرحمن 9ـ سليمان امهم ام ولد 10ـ علي وهو اصغر ولده 11ـ خديجة امهما ام ولد 12ـ محمد الاصغر انه ام ولد 13ـ فاطمة 14ـ علية 15ـ ام كلثوم امهن ام ولد (وعن الصادق) ان زين العابدين «ع» بكى على ابيه اربعين سنة صائما نهاره قائما ليلة فاذا حضره الافطار

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 408

جاء غلامه بطعامه وشرابه فيضعه بين يديه فيقول كل يا مولاي فيقول قتل ابن رسول الله جائعا قتل ابن رسول الله عطشان فلا يزال يكرر ذلك ويبكي حتى يبل طعامه من دموعه ثم يمزج شرابه بدموعه فلم يزل كذلك حتى لحق بالله عز وجل (وفي كشف الغمة) عن الصادق «ع» سئل علي بن الحسين عليهما السلام عن كثرة بكائه فقال لا تلوموني فان يعقوب فقد سبطا من ولده فبكى حتى ابيضت عيناه ولم يعلم انه مات وقد نظرت الى اربعة عشر رجلا من اهل بيتي في غداة واحدة قتلى فترون حزنهم يذهب من قلبي .
لم ادر اي رزية ابكي لها ام اي نائبـة لها اتوجـع

* * *


المجلس الثالث

(اما) صفته في جسمه ولباسه ففي الفصول المهمة : كان اسمر قصير دقيقا (وروى) ابن سعد في الطبقات الكبير انه كان يخضب بالسواد . وفي رواية بالحناء والكتم . والصبغ بالحناء والكتم يكون اسود فلا منافاة وانه كان له جمة الى المنكب مفروقة وانه كان له كساء خز اصفر وانه رؤي عليه كساء خز

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 409

وجبة خز . والخز من افخر اللباس في ذلك العصر . وانه كان يشتري كساء الخز بخمسين دينارا فيشتو فيه ثم يبيعه ويتصدق بثمنه (وفي رواية) (كان يقول اني لاستحي من ربي ان اكل ثمن ثوب عبدت الله فيه) ويصيف في ثوبين من ثياب مصر اشمونيين بدينار (وفي رواية) يلبس في الصيف ثوبين بخمسمائة درهم ويلبس ما بين ذا وذا من اللبوس ويقول من حرم زينة الله التي اخرج لعباده وانه كان يلبس في الشتاء الجبة الخز بخمسمائة درهم والمطرف الخز بخمسين دينارا ويتلو قل من حرم زينة الله التي اخرج لعباده والطيبات من الرزق . وكان يلبس قلنسوة بيضاء لاطئة ويعتم بعمامة بيضاء ويرخي عمامته خلف ظهره شبرا او فويقه .
واما صفته في اخلاقه واطواره فالمستفاد من عدة روايات انه كان افضل اهل زمانه واعلمهم وافقههم واورعهم واعبدهم واكرمهم واحلمهم واصبرهم وافصحهم واحسنهم اخلاقا واكثرهم صدقة وارأفهم بالفقراء وانصحهم للمسلمين وكان معظما مهيبا عند القريب والبعيد والولي والعدو .وكان يشبه جده امير المؤمنين عليهما السلام في فقهه وعبادته عبد الله حتى اصفر لونه من السهر ورمصت عيناه من البكاء ودبرت جبهته وانخرم انفه من السجود وورمت ساقاه وقدماه من القيام في الصلاة وكان يحسن الى من يسيء اليه وكان يقول لمن يشتمه ان كنت صادقا فاسال الله ان يغفر لي وان كنت كاذبا فاسال الله ان يغفر لك .

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 410

ولما طرد اهل المدينة بني امية في وقعة الحرة اراد مروان بن الحكم ان يستودع اهله فلم يقبل احد ان يكونوا عنده الا علي ابن الحسين فوضعهم مع عياله واحسن اليهم مع عداوة مروان المعروفة له ولجميع بني هاشم وعال في وقعة الحرة اربعمائة إمرأة من بني عبد مناف الى ان تفرق جيش مسرف بن عقبة .
وقال ابن حجر في صواعقه : زين العابدين هو الذي خلف اباه علما وزهدا وعبادة وكان اذا توضا للصلاة اصفر لونه فقيل له في ذلك فقال لا تدرون بين يدي من اقف . وكان عظيم التجاوز والعفو والصفح حتى انه سبه رجل فتغافل عنه فقال له اياك اعني فقال وعنك اعرض . اشار الى آية «خذ العفو وامر بالمعروف واعرض عن الجاهلين » .
يا سيد العبـاد رزؤك فـادح جلل تكـاد له الجـبـال تصـدع
فابوك والاهلون والانصار قد امسوا وهم في الطف حولك صرّع
ما فقد يعقـوب ليـوسف بالغ معشاره بـل ما اصـابك اوجـع


المجلس الرابع

من ادلة امامة زين العابدين وصية ابيه الحسين عليهما السلام اليه (روى) الكليني عليه الرحمة بسنده عن الباقر عليه السلام قال ان

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 411

الحسين (ع) لما حضره الذي حضره دعا ابنته فاطمة الكبرى فدفع اليها كتابا ملفوفا ووصية ظاهرة (وفي رواية) فدفع اليها وصية ظاهرة ووصية باطنة وكان علي بن الحسين (ع) مريضا لا يرون ان يبقى بعده فلما قتل الحسين (ع) ورجع اهل بيته الى المدينة دفعت فاطمة الكتاب الى علي بن الحسين (ع) ثم صار ذلك الكتاب والله الينا (وروى) الكليني ايضا بسنده عن الصادق «ع» ان الحسين «ع» لما سار الى العراق استودع ام سلمة رضي الله عنها الكتب والوصية فلما رجع علي بن الحسين «ع» دفعتها اليه (وورد) النص على امامته في احاديث كثيرة روتها ثقات شيعته يضيق المقام عنها (ومن ادلة امامته عليه السلام) انه كان افضل اهل زمانه علما وعملا وزهدا وورعا وعبادة وحلما وسخاء فيكون احق بالخلافة والامامة (قال) المفيد في الارشاد كان علي ابن الحسين عليهما السلام افضل خلق الله بعد ابيه علما وعملا وقد روى عنه فقهاء العامة من العلوم ما لا يحصى كثرة وحفظ عنه من المواعظ والادعية وفضائل القرآن والحلال والحرام والمغازي والايام ما هو مشهور بين العلماء (وقال) ابن شهر اشوب في المناقب قلما يوجد كتاب زهد وموعظة ليس فيه قال علي بن الحسين او قال زين العابدين .
ومما جاء في علم زين العابدين «ع» وفضله ما رواه المفيد في الارشاد بسنده عن عبد الله بن الحسن بن الحسن قال كانت امي فاطمة بنت الحسين «ع» تامرني ان اجلس الى خالي علي بن الحسين

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 412

«ع» فما جلست اليه قط الا قمت بخير قد افدته اما خشية لله تحدث في قلبي لما ارى من خشيته لله او علم قد استفدته منه . (ومما) جاء في فضله ما رواه المفيد بسنده عن الزهري قال كان علي بن الحسين «ع» افضل هاشمي ادركناه (وفي رواية اخرى) عن الزهري لم ادرك احدا من اهل هذا البيت (يعني بيت النبي صلى الله عليه واله وسلم ) افضل من علي بن الحسين (وعن) ابي حازم وسفيان بن عيينة والزهري قال كل واحد منهم ما رايت هاشميا افضل من علي بن الحسين ولا افقه منه (وروى) المفيد ايضا بسنده انه لما ولي عبد الملك بن مروان الخلافة رد الى علي بن الحسين صدقات رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وصدقات علي بن ابي طالب (اي اوقافهما) وكانتا مضمومتين فخرج عمر بن علي الى عبد الملك يتظلم اليه من ابن اخيه فقال عبد الملك اقول كما قال ابن ابي الحقيق :
انـا اذا مـالت دواعي الهوى وانـصت السـامع للـقائل
و اصطرع الناس (1) بالبابهم نقضي بحـكم عادل فاصل
لا نـجعل البـاطل حـقا ولا نلـط (2) دون الحق بالباطل
نـخاف ان تسـفه احـلامنا فـنخمل الـدهر مع الخامل
(وبسنده) قال حج علي بن الحسين «ع» فاستجهر الناس من

(1) القوم خ ل .
(2) نستر ونحجب من باب فعل كضرب وافعل .
ـ المؤلف ـ
المجالس السنية ـ الجزء الخامس 413

جماله وتشوقوا له وجعلوا يقولون من هذا تعظيما له واجلالا لمرتبته وكان الفرزدق هناك فانشا يقول :
هذا الذي تعرف البطحاء وطأته و البيت يعرفه والحل والحرم
هذا ابن خـير عبـاد الله كـلهم هذا التقي النـقي الطاهر العلم
يكـاد يمـسكه عرفـان راحته ركن الحطيم اذا ما جاء يستلم
يغضي حياء ويغضى من مهابته فمـا يكـلم الا حـين يبتسم
اي الخلائـق ليسـت في رقابهم لأولـيـة هـذا اولـه نـعم
من يعرف الله يـعرف اولية ذا فالدين من بيت هذا ناله الامم
اذا راته قريـش قـال قائـلها الى مكارم هذا ينـتهي الكرم

امثل هذا الامام في علمه وفضله وجلالة قدره التي اعترف بها المؤالف والمخالف امام اهل البيت في عصره ووارث علوم ابيه وجده يقاد اسيرا الى اولاد البغايا تارة الى ابن مرجانه وسمية وتارة الى ابن هند والغل في عنقه كانما هو من اسارا الكفار او من قطاع الطرق وهو حجة الله على خلقه وخليفة جده في امته واحد الثقلين اللذين لا يضل من تمسك بهما وذلك بمرأى ومسمع من امة تدعي انها على دين الاسلام .
يعظمون له اعواد منبره وتحت ارجلهم اولاده وضعوا

* * *


السابق السابق الفهرس التالي التالي