المجالس السنية ـ الجزء الخامس 336

ولادتهما عشرة اشهر وعشرون يوما (وروي) عن الصادق (ع) ستة اشهر وعشرة ايام (وعن) قتادة سنة وعشرة اشهر والله اعلم (فلما) ولد الحسن (ع) قالت فاطمة لعلي عليهما السلام سمه فقال ما كنت لاسبق باسمه رسول الله (ص) فجاء النبي (ص) فاخرج اليه في خرقة صفراء فرمى بها وقال الم انهكم ان تلفوا المولود في خرقة صفراء وامر ان يلف في خرقة بيضاء وسره اي قطع سرته والباه بريقة (1) وقال اللهم اني اعيذه بك وولده من الشيطان الرجيم واذن في اذنه اليمنى واقام في اليسرى وقيل بل اوصى ام سلمة واسماء بنت عميس ان تفعلا به ذلك ساعة ولادته وقال لايفعل ذلك بمثله الا عصم من الشيطان الرجيم (2) ثم قال لعلي «ع» هل سميته فقال ما كنت لاسبقك باسمه فقال سمه الحسن (وفي الاستيعاب) بسنده عن علي «ع» انه لما ولد الحسن جاء رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فقال اروني ابني ما سميتموه قلت سميته حربا قال بل هو هو حسن فلما ولد الحسين جرى مثل ذلك قال بل هو حسين فلما ولد الثالث جرى مثل ذلك قال بل هو محسن (وروى) الكليني بسنده عن الصادق «ع» قال عق رسول الله صلى الله عليه واله وسلم عن الحسن بيده وقال بسم الله عقيقة عن الحسن وقال اللهم عظمها بعظمه ولحمها

(1) في النهاية في حديث ولادة الحسن بن علي والباه بريقه اي صبه في فيه كما يصب اللباء في فم الصبي .
(2) ويمكن وقوع الامرين معا .
المجالس السنية ـ الجزء الخامس 337

بلحمه ودمها بدمه وشعرها بشعره اللهم اجعلها وقاء لمحمد وآله (وفي رواية) عق عنه بكبشين املحين (1) وأعطى القابلة فخذا ودينارا وحلق رأسه وامر ان يتصدق بزنة شعره فضة فكان وزنه درهما وشيئا (وقيل) بل امر امه ان تفعل ذلك وطلى رأسه بالخلوق (2) وقال الدم فعل الجاهلية (وتوفي) بالمدينة يوم الخميس لليلتين بقيتا من صفر (وقيل) في السابع منه (وقيل) لخمسة بقين من ربيع الاول سنة خمسين من الهجرة اوتسع واربعين او احدى وخمسين او اربع واربعين او سبع واربعين او ثمان وخمسين .
وله سبع واربعون سنة وقيل خمس واربعون وقيل ست واربعون وقيل ثمان واربعون وقيل تسع واربعون وقيل خمسون (والاظهر ) ان يكون عمره الشريف سبعا واربعين او ستا واربعين سنة واربعة اشهر وثلاثة عشر يوما (3) وقبض رسول الله

(1) لعل الرواية انه عق عن الحسن والحسين «ع» بكبشين كما في بعض الروايات فوقع اشتباه في النقل .
(2) طيب مركب من زعفران وغيره .
(3) بناء على انه ولد في منتصف شهر رمضان سنة اثنتين او ثلاث وقبض في الثامن والعشرين من صفر سنة خمسين (وقال الكليني ) ولد سنة اثنتين وروي سنة ثلاث

=

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 338

صلى الله عليه واله وسلم وله سبع سنين وستة اشهر وبعضهم قال واشهر ولم يعين (وقيل) ثمان سنين وقام بالامر بعد ابيه وله سبع وثلاثون سنة واقام الى ان صالح معاوية ستة اشهر وخمسة ايام وقيل

= وقبض في صفرسنة تسع واربعين وهو ابن سبع واربعين واشهر مع انه على هذه يكون ابن ست واربعين واشهر لا ابن سبع واربعين (وتبعه) على هذا الوهم الطبرسي في اعلام الورى فقال ولد منتصف شهر رمضان سنة ثلاث وقبض في الثامن والعشرين من صفر سنة خمسين وله سبع واربعون سنة واشهر مع ان الصواب ست واربعون واشهر (والظاهر) ان سبب الوهم انهم يحسبون من سنة ثلاث مثلا الى سنة خمسين سبعا واربعين بانقاص ثلاث من خمسين ثم يضيفون اليها الاشهر الزائدة من شهر رمضان الى صفر مع ان الحساب يجب ان يكون من سنة ثلاث الى سنة تسع واربعين ثم يضاف اليها الاشهر الزائدة من شهر رمضان الى صفر وذلك لان سنة خمسين لم تكمل وانما مضى منها شهران فقط وهم يحسبونها كاملة (واغرب) من ذلك كله قول المفيد (ره) انه ولد منتصف شهر رمضان سنة ثلاث وقبض في صفر سنة خمسين وله ثمان واربعون سنة مع ان الصواب ايضا ست واربعون واشهر اذ بناء على هذا التوهم لو انقصنا ثلاثا من خمسين يبقى سبع واربعون لا ثمان واربعون .
ـ المؤلف ـ
المجالس السنية ـ الجزء الخامس 339

ثلاثة ايام (1) ثم صالحه لخمس بقين من ربيع الاول سنة احدى واربعين وخرج الى المدينة واقام بها عشرة سنين إلا اشهراً وكانت مدة امامته تسع سنين واربعة اشهر وثمانية ايام (2) (وكنيته) ابو محمد (واشهر القابه) التقي والزكي والسبط (ونقش خاتمه) العزة لله وحده او (العزة لله) او (الله اكبر وبه استعين) او (حسبي الله) ولعله كان له عدة خواتيم (وبوابه) سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وملك عصره معاوية (وكان) له خمسة عشر ولد ما بين ذكر وانثى (وهم) 1ـ زيد 2ـ ام الحسن 3ـ ام الحسين امهم ام بشير بنت ابي مسعود الخزرجية 4ـ الحسن امه خوله بنت منظور الفزارية 5ـ عمرو 6ـ القاسم 7ـ عبد الله امهم ام ولد 8ـ عبد الرحمن امه ام ولد 9ـ الحسن الملقب بالاثرم 10ـ طلحة 11ـ فاطمة امهم ام اسحاق بنت طلحة بن عبد الله التيمي 12ـ ام عبد الله 13ـ فاطمة 14ـ ام سلمة 15ـ رقية . لامهات شتى ولم يعقب منهم غير الحسن وزيد (وانما) صالح معاوية خوفا

(1) بناء على الخلاف في وفاة امير المؤمنين «ع» انها ليلة احدى وعشرين او ثلاث وعشرين من شهر رمضان .
(2) بناء على المشهور من ان امير المؤمنين «ع» قبض ليلة الحادي والعشرين من شهر رمضان سنة اربعين والحسن «ع» في الثامن والعشرين من صفر سنة خمسين .
ـ المؤلف ـ
المجالس السنية ـ الجزء الخامس 340

على نفسه اذ كتب جماعة من رؤساء اصحابه الى معاوية في السر بالطاعة وضمنوا له تسليمه اليه عند دنوهم من عسكره ولم يكن معه من يأمن غائلته الا عدد يسير من خواص شيعته وكتب اليه معاوية بالصلح وبعث بكتب اصحابه اليه فاجابه الى الصلح حقنا لدمه ودماء شيعته بعد ما شرط عليه شروطا كثيرة فاجابه معاوية الى ذلك وعاهده على الوفاء بها فلما استتمت الهدنة لم يف له بشيء منها ثم دس اليه معاوية السم على يد زوجته جعدة بنت الاشعث بن قيس لما اراد ان يعهد بالخلافة لولده يزيد وكان الحسن «ع» شرط عليه ان لا يعهد بها الى احد فبقي مريضا اربعين يوما ثم مضى لرحمة ربه وتولى اخوه الحسين «ع» غسله وتكفينه ودفنه عند جدته فاطمة بنت اسد بالبقيع .
تعز فكم لك مـن اسـوة تسكن عـنك غليل الحزن
بموت النبي وقتل الوصي وذبح الحسين وسم الحسن


المجلس الثاني

مما جاء في صفة الحسن بن علي عليهما السلام ما رواه غير واحد من العلماء قالوا كان الحسن بن علي عليهما السلام ابيض مشربا حمرة

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 341

ادعج (1) العينين سهل الخدين (2) دقيق المسربة (3) كث اللحية (4) ذا وفرة (5)وكان عنقه ابريق فضة عظيم الكراديس (6) بعيد ما بين المنكبين ربعة ليس بالطويل ولا بالقصير مليحا من احسن الناس وجها وكان يخضب بالسـواد وكـان جعـد الشعـر (7) حسن البدن (وقال) المفيد في الارشاد كان الحسن اشبه الناس برسول الله صلى الله عليه واله وسلم خلقا وهيئة وهديا وسؤددا (وجاءت) فاطمة عليها السلام بابنيها الحسن والحسين عليهما السلام الى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم في شكواه التي توفي فيها فقالت يا رسول الله هذان ابناك فورثهما شيئاً فقال اما الحسن فان له هيبتي وسؤددي واما الحسين فان له جودي وشجاعتي (قال الطبرسي) ويصدق هذا الخبر ما رواه محمد بن اسحاق قال ما بلغ احد من الشرف بعد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ما بلغ الحسن بن علي كان يبسط له على باب داره فاذا خرج وجلس انقطع الطريق فما يمر احد من خلق الله اجلالا له فاذا علم قام

(1) الدعج شدة سواد العين مع سعتها .
(2) صلتهما اي سائل الخدين غير مرتفع الوجنتين .
(3) بفتح الميم وضم الراء الشعر المستدق الذي ياخذ من الصدر الى السرة .
(4) كثير شعرها .
(5) الوفرة الشعر الى شحمة الاذن .
(6) كل عظمين التقيا في مفصل فهو كردوس مثل المنكبين والركبتين .
(7) الجعودة ضد السبوطة وتحمد الجعودة في الشعر لان السبوطة اكثرها في شعور العجم .
ـ المؤلف ـ
المجالس السنية ـ الجزء الخامس 342

ودخل بيته فيمر الناس (قال الراوي) ولقد رايته في طريق مكة نزل عن راحلته فمشى فما من خلق الله احد الا نزل ومشى حتى رايت سعد بن ابي وقاص قد نزل ومشى الى جنبه وعن واصل بن عطاء كان الحسن بن علي عليهما السلام عليه سيماء الانبياء وبهاء الملوك (وعن) انس بن مالك لم يكن احد اشبه برسول الله صلى الله عليه واله وسلم من حسن بن علي عليهما السلام (وقال) انس ايضا في حق اخيه الحسين «ع» كان اشبههم برسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال ذلك لما رأى رأس الحسين «ع» بين يدي ابن زياد (1) وعن الغزالي في الاحياء والمكي في قوت القلوب قال النبي صلى الله عليه واله وسلم للحسن «ع» اشبهت خلقي وخلقي (وعن) علي كان الحسن اشبه برسول الله صلى الله عليه واله وسلم ما بين الصدر الى الرأس والحسين اشبه به فيما كان اسفل من ذلك (وكانت) الزهراء عليها السلام ترقص الحسن «ع» وتقول :
اشبه ابـاك يـا حسن واخلع عن الحق الرسن (2)
و اعبد الهـا ذا منـن ولا تــوال ذا الاحـن


(1) الجمع بين هذين الحديثين يقتضي ان يكون الحسن اشبه الناس برسول الله صلى الله عليه واله وسلم ما عدا الحسين والحسين اشبه الناس به ما عدا الحسن ويمكن ان يكون وجه الجمع ما يأتي عن علي عليه السلام ولكن الابيات الاتية عن الزهراء «ع» قد تنافي ذلك والله اعلم .
(2) اجعله ظاهرا حرا مطلقا غير مأسور لاحد .
ـ المؤلف ـ
المجالس السنية ـ الجزء الخامس 343

وقالت للحسين «ع» :
انت شبيه بابي لست شبيها بعلي

(ومما جاء) في عبادة الحسن بن علي عليهما السلام وزهده وفضله وفصاحته وسخائه ما رواه الصدوق في الامالي باسناده عن الصادق «ع» قال حدثني ابي عن ابيه عليهما السلام ان الحسن ابن علي بن ابي طالب عليهما السلام . كان اعبد الناس في زمانه وازهدهم وافضلهم وكان «ع» اذا حج حج ماشيا وربما مشى حافيا وكان عليه السلام اذا ذكر الموت بكى واذا ذكر القبر بكى واذا ذكر البعث والنشور بكى واذا ذكر الممر على السراط بكى واذا ذكر العرض على الله تعالى ذكره شهق شهقة يغشي عليه منها واذا قام في صلاته ترتعد فرائصه بين يدي ربه عز وجل وكان عليه السلام اذا ذكر الجنة والنار اضطرب اضطراب السليم وسأل الله الجنة وتعوذ به من النار وكان لا يقرأ من كتاب الله عز وجل «ياايها الذين آمنوا» الا قال لبيك لبيك اللهم لبيك ولا يمر في شيء من احواله الا ذكر الله سبحانه (وكان) اصدق الناس لهجة وافصحهم منطقا (ولقد) قيل لمعاوية ذات يوم لو امرت الحسن بن علي فصعد المنبر فخطب ليتبين للناس نقصه فدعاه فقال له اصعد المنبر وتكلم بكلمات تعظنا بها فقام الحسن «ع» فصعد المنبر فحمد الله واثنى عليه ثم قال ايها الناس من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فانا الحسن بن علي بن ابي طالب

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 344

وابن سيدة النساء فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم انا ابن خير خلق الله انا ابن رسول الله انا ابن صاحب الفضائل انا ابن صاحب المعجزات والدلائل انا ابن امير المؤمنين انا المدفوع عن حقي انا واخي سيدا شباب اهل الجنة انا ابن الركن والمقام انا ابن مكة ومنى انا ابن المشعر وعرفات (فقال) له معاوية يا ابا محمد خذ في نعت الرطب ودع هذا فقال عليه السلام الريح تنفخه والحر ينضجه والبرد يطيبه ثم عاد في كلامه (فقال) انا ابن امام خلق الله وابن محمد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فخشي معاوية ان يتكلم بعد ذلك بما يفتتن به الناس فقال يا ابا محمد انزل فقد كفى ما جرى فنزل (وفي) امالي الصدوق ايضا باسناده عن الرضا عن آبائه عليهم السلام قال لما حضرت الحسن بن علي عليهما السلام الوفاة بكى فقيل له يا ابن رسول الله اتبكي ومكانك من رسول الله صلى الله عليه واله وسلم الذي انت فيه وقد قال فيك رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ما قال وقد حججت عشرين حجة ماشياً وقد قاسمت ربك ثلاث مرات حتى النعل والنعل فقال ابكي لخصلتين لهول المطلع وفراق الاحبة (وفي مطالب السؤول) انه قد صح النقل فيما رواه الحافظ ابو نعيم في حليته بسنده انه عليه السلام خرج من ماله مرتين وقاسم الله تعالى ماله ثلاث مرات وتصدق به حتى كان يعطي نعلا ويمسك نعلا (ونقل) الحافظ ابو نعيم المذكور في حلية الاولياء بسنده انه عليه السلام قال اني لاستحي من ربي ان القاه ولم امش الى بيته فمشى عشرين مرة من المدينة الى مكة على رجليه (وروى) صاحب كتاب الصفوة

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 345

بسنده ان الحسن عليه السلام حج خمسا وعشرين حجة ماشيا وان النجائب لتقاد معه (وعن) الصادق عليه السلام قريب منه (وفي روضة الواعظين) انه عليه السلام كان اذا توضأ ارتعدت مفاصله واصفر لونه فقيل له في ذلك فقال عليه السلام حق على كل من وقف بين يدي رب العرش ان يصفر لونه وترتعد مفاصله وكان اذا بلغ باب المسجد رفع راسه ويقول الهي ضيفك ببابك يا محسن قد اتاك المسيء فتجاوز عن قبيح ما عندي بجميل ما عندك يا كريم (وذكر) غير واحد من العلماء ان الحسن عليه السلام كان من اوسع الناس صدرا واسجحهم خلقا (وعن) صحيحي مسلم والبخاري عن البراء بن عازب قال رايت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم والحسن بن علي على عاتقه وهو يقول اللهم اني احبه فاحبه (وفي رواية) عن حلية الاولياء من احبني فاليحبه (وعن) كتاب بشارة المصطفى بسنده عن يعلى بن مرة قال خرجنا مع النبي صلى الله عليه واله وسلم وقد دعينا الى طعام فاذا الحسن عليه السلام يلعب في الطريق فاسرع النبي صلى الله عليه واله وسلم امام القوم ثم بسط يده فجعل يمر مرة ها هنا ومرة ها هنا يضاحكه حتى اخذه فجعل احدى يديه في رقبته والاخرى على رأسه ثم اعتنقه فقبله ثم قال حسن مني وانا منه احب الله من احبه (بابي) انت وامي يا ابا محمد يا حبيب رسول الله وريحانته وسبطه الذي كان يحملك على عاتقه وعلى ظهره ويلاطفك ويلاعبك ليته يرى ما فعله معك بنو امية اعداء الله واعداء رسوله واعداء الاسلام فجرعوك الغصص والغيظ حتى ازالوك عن مقامك الذي احلك الله فيه

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 346

ودسوا اليك السم حتى تقطعت منه كبدك ومنعوا هم واشياعهم من دفنك عند جدك الذي انت حبيبه وريحانته واولى بقربه حيا وميتا من كل احد .
بابي الذي قد عاش في غصص توهي الجبال وتوهن الجلدا
حتى قـضى بالـسم محـتسبا ومضى الى باريه مضطهدا
لم يكـفهم مـن قبل ما فـعلوا بغيا ومـا جـاؤا به حسدا
حتى ابـوا مـن دفـن جثـته عند الـنبي فـكان منفردا

* * *

المجلس الثالث

(في جملة من الحكم والاداب المنقولة عنه عليه السلام)

(في حلية الاولياء) بسنده سأل علي ابنه الحسن عن اشياء من امر المروءة فقال : يا بني ما السداد قال دفع المنكر بالمعروف . قال فما الشرف قال اصطناع العشيرة وحمل الجريرة . قال فما المروءة قال العفاف واصلاح المال . قال فما السماح قال البذل في العسر واليسر . قال فما الشح قال ان ترى ما في يديك شرفا وما انفقته تلفا . قال فما الاخاء قال المواساة في الشدة والرخاء . قال فما الجبن قال الجرأة على الصديق والنكول عن العدو . قال فما

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 347

الغنيمة قال الرغبة في التقوى والزهادة في الدنيا . قال فما الحلم قال كظم الغيظ وملك النفس . قال فما الغنى قال رضى النفس بما قسم الله وان قل وانما الغنى غنى النفس . قال فما الفقر قال شره النفس الى كل شيء . قال فما الكلفة قال كلامك فيما لا يعنيك قال فما المجد قال ان تعطي في الغرم وتعفو عن الجرم . قال فما السؤدد قال اتيان الجميل وترك القبيح . قال فما الحزم قال طول الاناة والرفق بالولاة . قال فما الحرمان قال تركك حقك وقد عرض عليك .
(وفي تحف العقول) روي عن الحسن في اجوبته عن مسائل سأله عنها امير المؤمنين عليهما السلام او غيره في معان مختلفة . قيل فما المروءة قال حفظ الدين واعزاز النفس ولين الكتف وتعهد الصنيعة واداء الحقوق والتحبب الى الناس (وفي رواية) : سئل عن المروءة فقال شح الرجل على دبنه واصلاحه ماله وقيامه بالحقوق قيل فما الكرم قال الابتداء بالعطاء قبل المسألة واطعام الطعام في المحل قيل فما الحزم قال طول الاناة والاحتراس من جميع الناس قيل فما الشرف قال موافقة الاخوان وحفظ الجيران
(وفي تحف العقول ايضا) قال عليه السلام : ما تشاور قوم الا هدوا الى رشدهم . اللؤم ان لا تشكر النعمة .
وقال لبعض ولده : يا بني لا تؤاخ احدا حتى تعرف موارده ومصادره . القريب من قربته المودة وان بعد نسبه والبعيد من

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 348

باعدته المودة وان قرب نسبه . الخير الذي لا شر فيه الشكر مع النعمة والصبر على النازلة . العار اهون من النار . وقال في وصف اخ صالح كان له : كان من اعظم الناس في عيني وكان وراس ما عظم به في عيني صغر الدنيا في عينه كان لا يشتكي ولا يسخط ولا يتبرم كان اكثر دهره صامتا فاذا قال بذ القائلين كان اذا جالس العلماء على ان يسمع احرص منه على ان يقول واذا غلب على الكلام لم يغلب على السكوت لايقول ما لا يفعل ويفعل ما لايقول واذا عرض له امران لايدري ايهما اقرب الى ربه نظر اقربهما من هواه فخالفه . لا يلوم احدا على ما قد يقع العذر في مثله . وقيل له فيك عظمة فقال في عزة ، قال الله تعالى : «ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين» وسأله رجل ان يجالسه فقال اياك ان تمدحني فانا اعلم بنفسي منك او تكذبني فانه لا رأي لمكذوب او تغتاب عندي احدا فقال له الرجل ائذن لي في الانصراف قال نعم اذا شئت .
(وفي الفصول المهمة) : هلاك المرء في ثلاث الكبر والحرص والحسد . فالكبر هلاك الدين وبه لعن ابليس . والحرص عدو النفس وبه اخرج آدم من الجنة . والحسد رائد السوء ومنه قتل قابيل هابيل .
(وفي كشف الغمة) : لا ادب لمن لا عقل له . ولا مروءة لمن لاهمة له . ولا حياء لمن لا دين له . ورأس العقل معاشرة الناس

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 349

بالجميل . وبالعقل تدرك الداران جميعا . ما رأيت ظالما اشبه بمظلوم من حاسد . يا ابن ادم عف عن محارم الله تكن عابدا وارض بما قسم الله تكن غنيا . واحسن جوار من جاورك تكن مسلما . وصاحب الناس بمثل ما تحب ان يصاحبوك به تكن عدلا . يا ابن ادم انك لم تزل في هدم عمرك منذ سقطت من بطن امك فخذ مما في يديك لما بين يديك وقال عليه السلام ما فتح الله عز وجل من احد باب مسالة فخزن عنه باب الاجابة . ولا فتح على رجل باب عمل فخزن عنه باب القبول ولا فتح لعبد باب شكر فخزن عند باب المزيد . وقال عليه السلام المعروف ما لم يتقدمه مطل ولا يتبعه من . والاعطاء قبل السؤال من اكبر السؤدد . وقال عليه السلام لا تعاجل الذنب بالعقوبة واجعل بينهما للاعتذار طريقا . المزاح ياكل الهيبة وقد اكثر من الهيبة الصامت . المسؤول حر حتى يعد ومسترق حتى ينجز . الفرصة سريعة الفوت بطيئة العود . تجهل النعم ما اقامت فاذا ولت عرفت .

المجلس الرابع

مما ينسب الى الحسن بن علي عليهما السلام من الشعر على ما اورده ابن شهراشرب في المناقب قوله :
ذري كدر الأيام ان صفاءها تولى بأيام السرور الذواهب


المجالس السنية ـ الجزء الخامس 350

وكيف يغر الدهر من كان بينه وبين الليالي محكمات التجارب

وقوله عليه السلام :
قـل لمقيم بغيـر دار اقـامة حان الرحيل فـودع الاحبـابا
ان الذيـن لقيتهـم وصحبتهم صاروا جميعا في القبور ترابا

وقوله عليه السلام :
يا اهل لذات دنيا لا بقاء لها ان المقام بظـل زائل حمـق

وقوله عليه السلام :
لكسرة من خسيس الخبز تشبعني وشربة من قراح الماء تكفيني
وطمرة من رقيق الثوب تسترني حيا وان مت تكفيني لتكفنـي

(ومما جاء) في سخاء الحسن عليه السلام ما ذكره ابن شهر اشوب في المناقب ان رجلا ساله فاعطاه خمسين الف درهم وخمسمائة دينار وقال ائت بحمال يحمل لك فأتى بحمال فأعطى طيلسانه وقال هذا كرى الحمال (وجاءه) بعض الاعراب فقال اعطوه ما في الخزانة فوجد فيها عشرون الف درهم فدفعها الى الاعرابي فقال الاعرابي يا مولاي الا تركتني ابوح بحاجتي وانشر مدحتي فانشا الحسن عليه السلام يقول :

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 351

نحـن أنـاس نوالنـا خضـل يرتـع فيه الرجـاء والأمـل
تجـود قبـل السـؤال أنفسنـا خوفاً على مـاء وجه من يسل
لـو علـم البحر فضـل نائلنـا لغـاض من بعد فيضه خجـل (1)

( وعن المدائني ) قال خرج الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر حجاجاً ففاتهم أثقالهم فجاعوا وعطشوا فرأوا عجوزاً في خباء فاستسقوها فقالت هذه الشويهة احلبوها وامتذقوا لبنها ففعلوا واستطعموها فقالت ليس الا هذه الشاة فليذبحها أحدكم فذبحها أحدهم وكشطها ثم شوت لهم من لحمها فأكلوا وقالوا عندها فلما نهضوا قالوا نحن نفر من قريش نريد هذا الوجه فاذا عندنا فالمي بنا فانا صانعون بك خيراً ثم رحلوا فلما جاء زوجها أخبرته فقال ويحك تذبحين شاتي لقوم لاتعرفينهم ثم تقولين نفر من قريش ثم مضت الأيام فأضرت بها الحال فرحلت حتى اجتازت بالمدينة فرآها الحسن عليه السلام فعرفها فقال لها اتعرفيني قالت لا قال أنا ضيفك يوم كذا وكذا فأمر لها بألف شاة والف دينار وبعث معها رسولا الى الحسين عليه السلام فاعطاها مثل ذلك ثم بعثها الى عبد الله بن جعفر فاعطاها مثل ذلك ( ومما جاء ) في تواضع الحسن عليه السلام ما ذكره ابن شهر اشوب في المناقب أيضاً عن كتاب الفنون وكتاب نزهة الأبصار انه مر على فقراء وقد وضعوا كسيرات على الأرض وهم قعود يلتقطونها ويأكلونها فقالوا له هلم يا ابن بنت رسول الله

(1) خبر مبتدأ محذوف أي وهو خجل

ـ المؤلف ـ

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 352

الى الغداء فنزل وقال فان الله لا يحب المستكبرين وجعل يأكل معهم حتى اكتفوا ثم دعاهم الى ضيافته وأطعمهم وكساهم ( أقول ) أمثل هذا الامام في سخائه وتواضعه وكرم أخلاقه وجليل صفاته يغصب حقه ويخان عهده وتنكث بيعته وينحى عن خلافة أبيه وجده ولم يكتفوا بذلك حتى دسوا اليه السم فلفظ كبده قطعة قطعة من شدة السم ولم يكتفوا بذلك حتى منعوا من دفنه عند جده ومن هو أولى بمجاورته وقربه واجلبوا في ذلك وأشهروا الحرب على بني هاشم حتى اضطروا الى دفنه بالبقيع .
و جاشت لتأبـى دفنه عنـد جده تثيـر على أشياعه رهـج الحرب
اتدني لها الويلات مستوجب النوى اليه و تقصي عنه مستوجب القرب

المجلس الخامس

قال المفيد في الارشاد كان الحسن بن علي وصي أبيه أمير المؤمنين عليهما السلام ووصاه بالنظر في وقوفه وصداقته وكتب اليه عهداً مشهوراً ووصية ظاهرة في معالم الدين وعيون الحكمة والآداب وقد نقل هذه الوصية جمهور العلماء واستبصر بها في دينه ودنياه كثير من الفقهاء ( وعن صحيح الترمذي ) عن ابن

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 353

عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حامل الحسن بن علي عليه السلام على عاتقه فقال رجل نعم المركب ركبت ياغلام فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم ونعم الراكب هو ( وعن صحيح مسلم والبخاري ) عن ابي هريرة ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال أثم لكع (1) أثم لكع يعني حسنا فظننا انما تحبسه امه لأن تغسله أو تلبسه سخاباً ( وهو خيط ينظم فيه خرز يلبسه الصبيان ) فلم يلبث ان جاء يسعى حتى اعتنق كل واحد منهما صاحبه فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اللهم اني احبه واحب من يحبه ( وفي رواية ) اللهم اني أحبه فأحبه واحب من يحبه ( وفي رواية عن أبي هريرة ) ادع لي لكع فاتى حسن يشتد حتى وقع في حجره فجعل يدخل يده في لحية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وجعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يفتح فمه ويدخل فمه في فمه ويقول اللهم اني احبه واحب من يحبه ثلاثا ( واتي ) النبي صلى الله عليه وآله وسلم بتمر من تمر الصدقة فأخذ الحسن عليه السلام تمرة فوضعها في فيه فادخل النبي صلى الله عليه وآله وسلم أصبعه في فمه وقال كخ كخ أي بني أما شعرت ان آل محمد لا يأكلون الصدقة

(1) قال ابن الأثير في النهاية اللكع قد يطلق على الصغير ومنه الحديث انه صلى الله عليه وآله وسلم جاء يطلب الحسن بن علي قال اثم لكع فان اطلق على الكبير أريد الصغير العلم والعقل انتهى والظاهر ان ذلك من النبي صلى الله عليه وآله وسلم من باب المداعبة كما يفعل مع الصبيان .

ـ المؤلف ـ

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 354

( وفي رواية ) انه جعل يدخل أصبعه ليخرجها كأنه يمتنع عليه ويكره ان يؤذيه ( بابي ) أنت وأمي يا رسول الله ليتك ترى ما صنع به بنو أمية وأشياعهم وأمتك من بعدك منعوه عن حقه ودسوا له الدسائس وبغوه الغوائل وجرعوه الغيظ وبايعوه وخذلوه وضربوه بمعول في فخذه انتهى الى العظم وقتلوا شيعته وشيعة أبيه وشردوهم وأخافوهم وسبوا أباه أمير المؤمنين على رؤوس المنابر وهو يسمع ولا يستطيع ان يدفع حتى ادى الحال ببني أمية الى ان دسوا له السم فمات منه بعد أربعين يوماً شهيداً مسموماً صابراً محتسباً فليتك تراه يا رسول الله وهو يقذف كبده قطعة قطعة من السم الذي دسه اليه معاوية وليتك تراه وقد منع من الدفن في جوارك وابعد عن قبرك ونحي عن قربك ظلماً وعدوانا وعداوة لله تعالى ولك يارسول الله .
ليـس هذا لرسول الله يـا أمة الطغيـان والغـي جزا
فعلتم بابناء النبي و رهطه أفاعيل أدناها الخيانة والغدر


المجلس السادس

مما جاء في كرم اخلاق الحسن والحسين عليهما السلام انهما مرا على شيخ يتوضأ ولا يحسن الوضوء فاظهرا تنازعا يقول كل منهما للآخر انت لا

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 355

تحسن الوضوء وقالا ايها الشيخ كن حكما بيننا فتوضآ وقالا اينا يحسن الوضوء فقال الشيخ كلاكما تحسنان الضوء ولكن هذا الشيخ الجاهل هو الذي لم يكن يحسن وقد تعلم الآن منكما وتاب على يديكما ببركتكما وشفقتكما على امة جدكما (ومما) جاء في فضلهما ماروي عن الصادق عليه السلام انه اصطرع الحسن والحسين بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ايها حسن خذ حسيناً فقالت فاطمة يارسول الله أتستنهض الكبير على الصغير فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هذا جبرئيل يقول ايهاً حسين خذ حسناً (ورؤي ) الحسن والحسين عليهما السلام يمشيان الى الحج فلم يمرا براكب الا نزل يمشي فثقل ذلك على بعضهم فقالوا لسعد بن أبي وقاص قد ثقل علينا المشي ولا نستحسن ان نركب وهذان السيدان يمشيان فقال سعد للحسن يا أبا محمد ان المشي قد ثقل على جماعة ممن معك والناس اذا رأوكما تمشيان لم تطب أنفسهم ان يركبوا فلو ركبتما فقال الحسن عليه السلام لا نركب قد جعلنا على انفسنا المشي الى بيت الله الحرام على اقدامنا ولكنا نتنكب الطريق فاخذا جانباً من الناس ( وقال ) مدرك بن أبي زياد لابن عباس وقد أمسك للحسن ثم للحسين بالركاب وسوى عليهما ثيابهما أنت أسن منهما تمسك لهما بالركاب فقال يالكع (1) وما تدري من هذان هذان ابنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو ليس مما أنعم الله علي به أن

(1) اللكع الصغير العلم والعقل .

ـ المؤلف ـ


السابق السابق الفهرس التالي التالي