المجالس السنية ـ الجزء الخامس 273

ولكن الخوارج لم يكونوا كذلك ، او لم يبدوا كذلك على الاقل ، بل كانوا فرقة تحوم حولها تهم العمالة للفكر الاستبدادي الذي تزعمه معاوية بن ابي سفيان ، وفي احسن الفروض ، فرقة مراجعة ، تميل الى السفسطة ، افسدت العمل الثوري العظيم الذي تزعمه الامام الشهيد علي بن ابي طالب «ع» .
يتحدث المستشرقون عن نشأة الخوارج فيزعم فيلهوزن انهم من جماعة الفقراء ـ اي الدعاة الاوائل للاسلام من حفظة القرآن والحديث والسنة ، اي اصلب العناصر الاسلامية . ذلك استنادا الى «عبارة جافة» لابي مخنف اوردهـا الطبـري . ويزعـم « بيرنوف » استنادا الى رواية اخرى لابي مخنف ايضا انه من البدو ، ويزعم مؤرخ عربي ان الخوارج عرب انضم اليهم مواليهم من غير العرب (كما انه كان لهؤلاء الموالي من المسيحيين والمجوس الذين اسلموا بعض التأثير على العقيدة الخارجية) .
ولو تتبعنا ما قيل من تكهنات حول قضية الخوارج لمؤرخين آخرين لاستغرقنا في بحث اشبه بعمل النسابين العرب القدامى ، هل هم من تميم او هم من القبائل الشمالية او هم من القبائل اليمانية الى غير ذلك من اسباب التفكير العنصري او القبلي .
والخوارج نشأوا حزبا سياسيا ، له مصالح سياسية واقتصادية وربما نتيجة مناورة من حزب معاوية ايضا .

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 274

فحين بدأت الثورة ضد عثمان تبدو في الافق ، وضح ان الطامعين في الخلافة من اعضاء الشورى يجمعون الانصار ويكتبون الكتب . وتكونت تقريبا ثلاث اتجاهات ، الاول من كبار الاثرياء في المجلس بزعامة طلحة يريد استبعاد علي بن ابي طالب «ع» ، والثاني الحزب الاموي ويريد استبعاد علي ايضا ، وانشا دولة بقيادة بني امية ، وهو الحزب الاكثر تمثيلا لمصالح الاثرياء لما يملكون من ثروة ، ومن مراكز السلطة التي اسندها اليهم عثمان بن عفان . والحزب الثالث حزب علي الذي يمثل الفقراء والمستضعفين والحالمين بالعدل الاجتماعي الذي نادى به الاسلام وهذه التيارات الثلاثة فعلا قد اصطدمت بعضها ببعض التيار الاول صفي في معركة (الجمل) بواسطة حزب علي بن ابي طالب «ع» ، والتيار الثاني استطاع ان يصفي عليا بن ابي طالب وحزبه .
وسنلاحظ تيارا رابعا قعد عن الاشتراك في الصراع كان على راسه عبد الله بن عمر ، الذي لاذ بالتقوى والورع ، وابتعد عن الصراع وحتى هذا التيار الذي كان له انصار لم يصدر عن التقوى والورع وحدهما ، بل عن ظروف سياسية قد تكون اقل بروزا ، ولكنها اساسية وموجهة للموقف الذي وقفه اصحابه . فنحن نعرف ان عليا بن ابي طالب كان يمثل المعارضة في حكم عمر بن الخطاب في السنوات الاولى من خلافته .

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 275

فعبد الله بن عمر وغيره من اتقياء قريش كانوا اميل الى الوسط وسنجد ان هذا الوسط كان اميل لتبرير فعل عثمان بن عفان والعطف عليه ، وان كان ينقده .
ولكن ما موقف الخوارج من هذه التيارات جميعا ؟
الواقع ان الصراع لم يكن قد تبلور تماما في حزبين اساسيين هما حزب علي وحزب معاوية حين بدات الثورة على عثمان بن عفان . ولكن بعد ان بويع علي «ع» بالخلافة بدت عناصر الصراع تستقطب بعضها ، بحيث تحدد الصراع بين حزب علي وحزب معاوية . فالمحاربون في معركة (الجمل) لم يلبثوا ان اسفروا عن ميلهم السياسي فانضموا الى معاوية كما انضم من صفوف علي الى معاوية بعض الذين خاضوا المعركة على اساس القرابة وصلة الدم ولم تكن تربطهم بالثورة العلوية مفاهيم اجتماعية .
والخوارج ليسوا بدعا في عميلة الاستقطاب ، فهم جماعة استدرجوا الى شرخ في جبهة علي ، ثم غدر بهم ولم ينالوا جزاءهم الحق ثمنا لهذا الشرخ الذي احدثوه من اصحاب المصلحة فيه ، فمضوا في موقفهم مستقطبين تلك العناصر الورعة التي لم تفهم من الصراع الدائر ، الا انه تنافس بين سلطات ، ولعلهم لم يلتفتوا الى الجانب الاجتماعي التفاتا واعيا .
وهناك مايدعو الى التشكك في اول الخراجسين يوم معركة صفين ، فلو تتبعنا انباء هذه المعركة من بدايتها لتكشف لنا كل

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 276

الاساليب التي اتبعها معاوية لاحداث الشرخ في جبهة علي .
معركة صفين هي معركة التحول في الصراع الدائر بين حزب العدل الاجتماعي ، وحزب راسمالية التجار وكبار الملاك ، فلقد استطاع معاوية ان يجمع جيشا كبيرا يقوده ويحرضه كبار الاثرياء واتجه لملاقات جيش علي ، بعد كتابات ورسائل متبادلة بينه وبين الخليفة ، اتسمت بالاقذاع من جانب معاوية وبالحلم والاسماح من جانب علي ، رغم ان معاوية لم يكن الا عاملا من عماله . وكانت حجة معاوية وانصاره طلب تسليم قتلة عثمان المنظوين تحت لواء الخليفة وفي جيشه ، لايقاع القصاص بهم . ولم يلبث ان رفع المصاحف وطلب الاحتكام الى القرآن .
وفيم الاحتكام الى القرآن . . ؟ في الصراع الدائر بين الطرفين . وما اساس الصراع الدائر ؟ انه فيما يبدو قضية عثمان والاقتصاص من قتلته . او هكذا كان موضوع المجادلة السائد بين الطرفين .
ولكن الهدف الاساسي الاكثر وضوحا من دراسة وتامل الكتب المتبادلة ، والمناقشة الدائرة بين الرسل والزعماء هو قلب نظام الحكم والاستيلاء عليه .
ولما كان معاوية يعلم ان قوته العسكرية وحدها لا تكفي لتحقيق النصر فقد لجا الى تفتيت وحدة قيادات جيش علي ، ضاغطا على الاسباب الحقيقية للصراع ، وهي الثورة والتسلط والتفرد من جانب ، والعدل الاجتماعي من الجانب الاخر . ومن

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 277

البديهي ان اتصالات رجاله برجال جيش علي كانت مدروسة ، وانتقى الرجال الذين يقبلون وجهة نظره ، بعد ان يعري الموقف من جانبه العاطفي والحماسي لتبقى المصلحة الاقتصادية متصدرة .
ولقد نجح معاوية في ذلك ، حتى اننا نستطيع القول بان رفع المصاحف كان توقيتا لاعلان التمرد . فكيف لجيش سينتصر انتصاره فجأة . بل كيف لجيش يقاتل وراء ابن ابي طالب وهو من هو في الاسلام ، ان يقتنع بحجة رفع المصاحف وهو يعلم عن معاوية ما يعلم ، ويزيد الامر وضوحا ان عليا رفض التحكيم الى المصحف كاشفا تلك الحيلة الخادعة من اللحظة الاولى ، فكيف لجيش علي وهو منتصر وتحت قيادة رفيعة المكانة في الاسلام ان يقبل وقف القتال ، بعد ان رفضه قائده الاعلى ، الا ان يكون وراء كل هذا تدبير ، ولقد يكفي ان يصرح قائد في فصيلة اوقفوا القتال ليقف القتال قبل ان يتبينوا جلية الامر . ان اتصالات رجال معاوية كانت بهذا الصنف الذي يملك ان يصيح بوقف القتال ، فيقف القتال .
ويزيد الموقف وضوحا ان عليا خطب واستعمل ما يملك من الحجج ، ولكن خطبه ذهبت هباء . لان الذين ارادوا ان يقف القتال لم يريدوه على اساس من القضية التي يحاربون من اجلها بل على اساس آخر تماما .

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 278

وهكذا وجد علي نفسه مضطرا لقبول التحكيم . فمن كان طلاب وقف القتال ؟
لقد كان اول الخوارج في طليعتهم . . وسنرى الان ذلك الجدل الذي نشب بين علي بن ابي طالب وبين اول فرقة للخوارج لنتبين اين موقفهم من قضية التحكيم . فبعد ان كشف التحكيم عن لعبة اشترك فيها الكثيرون ممن استقطبهم حزب معاوية من جيش علي ، كان من بينها تعمد اختيار ابي موسى الاشعري ، وهو رجل عثماني الميل ، يمثل ذلك التيار القديم الذي تزعمه عبد الله بن عمر وسعد بن ابي وقاص وغيرهما من القاعدين عن الاشتراك في الصراع . فلقد عارض ايضا علي بن ابي طالب «ع» في اختيار ابي موسى الاشعري ولكن من نادوا بوقف القتال ، نادوا باختيار ابي موسى ، وانتهت القضية الى خلع ابي موسى لعلي من الخلافة وترشيح عمر بن العاص لمعاوية ، الامر الذي لم يكن موضعا للتحكيم اصلا .
ان الجدل الذي دار بعد ذلك بين علي والخوارج يكشف عن دورهم في كل تلك المؤامرة المتعددة الجوانب .
علي بن ابي طالب : الا تعلمون ان هؤلاء القوم «حزب معاوية» لما رفعوا المصاحف قلت لكم ، ان هذه مكيدة ووهن ، وانهم لو قصدوا الى حكم المصاحف لم يأتوني بل سألوني التحكيم . أفعلمتم انه كان منكم احد اكره لذلك مني ؟

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 279

الخوارج : اللهم نعم .
علي : فهل علمتم انكم استكرهتموني على ذلك حتى اجبتكم اليه ، فاشترطت ان حكمهما نافذ ما حكما بحكم الله عز وجل ، فان خالفاه فانا وانتم من ذلك براء .
الخوارج : نعم ، ونحن مقرون بانا قد كفرنا ونحن تائبوون فاقرر بمثل ما اقررنا وتب . . ننهض معك الى الشام .
وبالطبع رفض علي «ع» هذا اللجاج الفج ، وانضم اليه منهم من انضم وابى الباقون فقاتلهم علي حتى هزمهم .
وفي الوقت الذي كان الخليفة يقاتل الخصوم ، كان الخوارج يهاجمونه ويقومون بالدعوة ضده ، ويتهمونه بالكفر لامرهم اصحابه الاولون .
وان لنا ان تستريب في هذه الفرقة وفي دوافعها . فهي اولا دعت الى وقف القتال ، وثانيا تحمست لاختيار ابي موسى الاشعري ممثلا لعلي ، وثالثا تراجعت عن هذا كله ، وناصبت حزب العدل الاجتماعي العداء حتى وصل الامر الى قتاله وتحريض الناس ضده وتقسيم وحدة الصف وراءه .
فهل نستطيع الزعم بان فكرة الخوارج من صنع صاحب المصلحة في الاثر الذي ستحدثه ؟
نستطيع ذلك ، على الرغم ان الخوارج ناصبوا معاوية العداء ،

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 280

ولكن بعد ان صفى حزب العدل الاجتماعي تماما .
ولكن نستغرب كثيرا حين نعلم ان جريمة قتل علي بن ابي طالب كان اداتها رجلا من الخوارج ، وانها نتيجة مؤامرة لم تحقق فصولها تماما ورائحة الخيانة تبدو فيها . فاغتيال الامام لم يتم الا بعد ان وحد جيشه واستعد لضرب الثورة المضادة الضربة النهائية والحاسمة .
وان القول بان خارجين ثلاثة وكل اليهم قتل علي ومعاوية وعمر بن العاص ، لم ينجحوا الا في قتل علي وحده ، وفي هذا الظرف بالذات ، لا يغير من الحقيقة في شيء فان حزب العدل الاجتماعي ضرب بقتل علي ضربة قاضية بعد ان كان على اعتاب نصر نهائي .
وان اصحاب الجريمة الاصليين يستطيعون ان يستتروا خلف اي لافتة ، او اي مظهر ، وهي سياسة تتبع حتى الان في المؤامرات التي يحوكها الاستعمار ونراها كل يوم وتحت لافتات تبدو محلية تماما .
تلك كانت بداية الخوارج ، وهي بداية تدين المؤسسين بالخيانة ، وتفتيت وحدة القوى الثورية ، بل وضربها مهما تكن الدعاوى التي استندت اليها .
اما بعد ذلك ، وقد بدا ان من مصلحة حزب معاوية الابقاء

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 281

عليهم حتى يضعفوا شيعة علي ، بل وان يناصبوهم العداء فيتساوى معاوية في نظر مؤيديهم والعاطفين عليهم مع الامام المقتول .
ولكن ما المبادئ الاساسية التي ساروا عليها ؟
لقد تورطوا في اثم لم يستطيعوا الرجوع منه ، وعلى ذلك فليفلسفوا موقفهم ، وليمضوا الى اقصى غاية للتطرف .
فقالوا بنظرية (لا حكم الا لله) وهو تقرير غامض ظهر بعد واقعة التحكيم وعلى اساس انه مضاد للتحكيم ، فهل يعني انه ليس للبشر ان يحكموا في قضية فصل فيها القرآن .
ان كان هذا المعنى هو المقصود ، فان فكرة التحكيم الغرض منها الاستناد الى القرآن وتحكيمه لا الى مخالفته .
وهم ينتقلون من هذه الفكرة الغامضة الى مسألة الامام فيقولون بحق الاختيار الحر لخليفة من جانب المسلمين بلا اي قيد ، كالنسبة الى قريش او الحرية ، او النسبة الى العرب ، الا ان يكون المختار مسلما نقيا . ولكن لما قامت لهم دولة في شمال افريقيا هي الدولة الرستمية اذا بهم يقيمون حكما فرديا استبداديا تتوارثه اسرة واحدة ويناقض كل المناقضة في اختيار الخليفة وكذلك الحال في كل ما قام لهم من دول .
ثم دخلوا في مسائل العقيدة ، فكفروا عليا لانه قبل التحكيم كفروا مسلمين كثيرا بخطأ في الرأي ، حتى ولو كان هذا الخطأ

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 282

من وجهة نظرهم وحدهم . وقتلوا مسلمين لهم ماض في الدعوة والجهاد بحجة الكفر لانهم لم يكفروا عليا ولم يجحدوا التحكيم .
وقد جعلوا اقناع الناس بآرائهم امراً جبريا ، ان لم يقتنعوا قتلوا . ومضوا على ذلك يسنون تشريعات بعضها يحرم التزاوج من فئات من المسلمين وبعضها يضع الصغائر في مقام الكبائر ، الى غير ذلك من النزعات التشددية التي لا تفسير لها ، الا تلك البداية المريبة التي بدأوا بها خروجهم .
ومع ذلك فأهم ما دعوا اليه هو انتخاب الامام انتخابا حرا .
اما التشدد في الدين فلم يكن بينهم من يستطيع الزعم بانه انصع اسلاما من علي بن ابي طالب «ع» او من زملاء كفاحه .
ونقطة غريبة اخرى ، هي انهم لو يولوا القضية الاجتماعية انتباها كبيرا ، وفيما عدا شذرات هنا وهناك لا نستطيع ان نجد منهجا واضحا في علاج المشكلة الاجتماعية هذا المنهج الذي كان اوضح ما يكون لدى الامام المقتول ، وكان اساس كفاحه .
ان الخوارج فرق دفعت الى التعصب الاعمى والانغلاق ولدت اول ما ولدت في ظروف الجمود ، وقد ولدت ولادة تدعو الى الريبة ، وتلصق برجالها تهم الخيانة او استبعدنا العمد لقضية العدل الاجتماعي حين خذلوا القيادة الثورية الحقة ، وقاتلوها وهي تقاتل قوى الثورة المضادة . (1)

(1) احمد عباس صالح .
المجالس السنية ـ الجزء الخامس 283

المجلس العشرون

لما توفي امير المؤمنين «ع» غسله الحسن والحسين عليهما السلام ومحمد يصب الماء ( وقال ابو الفرج غسله الحسن وعبد الله بن عباس ) ولما كان الغد من وفاة امير المؤمنين «ع» قام الحسن خطيبا فحمد الله واثنى عليه وصلى على رسول الله «ص» ثم قال :

« خطبة الحسن بعد وفاة ابيه امير المؤمنين »
« عليهما السلام »

ايها الناس في هذه الليلة نزل القرآن وفي هذه الليلة رفع عيسى ابن مريم وفي هذه الليلة قتل يوشع بن نون وصي موسى بن عمران «ع» وفي هذه الليلة مات امير المؤمنين «ع» ايها الناس لقد قبض في هذه الليلة رجل لم يسبقه الاولون بعمل ولا يدركه الاخرون بعمل ولقد كان يجاهد مع رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فيقيه بنفسه ولقد كان يوجهه برايته او يبعثه في السرية فيكتنفه (فيكنفه خ ل) جبرائيل عن يمينه و ميكائيل عن يساره (شماله خ ل) فلا يرجع حتى يفتح الله عليه (على يديه خ ل) وما خلف صفراء ولا بيضاء الا سبعمائة درهم فضلت من عطائه كان يجمعها ليشتري بها خادما لاهله ثم خنقته العبرة فبكى وبكى الناس معه ثم قال ايها الناس من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فانا الحسن بن محمد صلى الله عليه واله وسلم انـا

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 284

ابن البشير انا ابن النذير انا ابن الداعي الى الله عز وجل باذنه وانا ابن السراج المنير وانا من اهل البيت الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا والذين افترض الله مودتهم في كتابه اذ يقول« ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا» فاقتراف الحسنة مودتنا اهل البيت . (ولما) دفن امير المؤمنين «ع» جلس الحسن «ع» وامر ان يؤتى بابن ملجم فجيء به فلما وقف بين يديه قال له يا عدو الله قتلت امير المؤمنين واعظمت الفساد في الدين ثم امر به فضربت عنقه واستوهبت ام الهيثم بنت الاسود النخية جيفته منه لتتولى احراقها فوهبها لها فاحرقتها بالنار (وروى) الطبري وابن الاثير في تاريخهما وابو الفرج الاصبهاني في مقاتل الطالبيين بسنده وسبط بن الجوزي في تذكرة الخواص ناقلا له عن ابن جرير وابن سعد في الطبقات انه لما اتى عائشة نعي امير المؤمنين «ع» تمثلت
فالقت عصاها واستقرت بها النوى كمـا قـر عينا بالايـاب المسافر

ثم قالت من قتله قيل رجل من مراد فقالت :
فان يك نائيا (هالكا خ ل) فلقد نعاه نعـي ليـس فـي فيـه التـراب

فقالت لها زينب بنت ام سلمة (بنت ابي سلمة خ ل بنت سلمة بن ابي سلمة خ ل) ألعلي تقولين هذا فقالت اني انسى فاذا نسيت

المجالس السنية ـ الجزء الخامس 285

فذكروني (قال) سبط بن الجوزي فعابها الناس (وقال) ابو الفرج ثم تمثلت .
مـا زال اهـداء القصـائـد بيننـا شـتـم الـصـديق وكـثـرة الالقـاب
حتـى تركـت كـأن قولـك فيهـم في كل مجمعة (مجتمع خ ل) طنين ذباب

(وروى) ابو الفرج ايضا في المقاتل بسنده انه لما جاءها نعيه سجدت .

« مدائح امير المؤمنين علي عليه السلام »

اعلم ان كتابنا هذا لم يوضع لذكر المديح ولكننا احببنا ان لا نخليه من بركة مدائح مولانا امير المؤمنين «ع» فاوردنا شيئا من ذلك ولو اردنا التوسع لاحتجنا الى كتاب ضخم مفرد في ذلك (قال) الفضل بن عباس بن عتبة بن ابي لهب اورده في الاستيعاب وغيره .
مـا كنت احب ان الامر منصرف عـن هاشم ثم منها عن ابي حسن
اليـس اول مـن صلـى لقـبلته و اعلم الـنـاس بالقرآن والسـنن
وآخر الناس عهـدا بالنبـي ومن جبريل عونه له في الغسل و الكفن
من فيه ما فـيهم لا يـمترون به و ليس في القوم ما فيه من الحسن
مـاذا الذي صـدكم عنه فـنعلمه ها ان ذا غـبو مـن اعظـم الغبن


المجالس السنية ـ الجزء الخامس 286

وقال الكميت بن زيد الاسدي رحمه الله :

نفى عن عينـك الارق الهجوعا و هم يمـتري منـها الدموعـا
لفقدان الخـضارم مـن قـريش وخير الـشـافعين مـعا شفيعا
لدى الرحمن يـصـدع بالمثاني و كان لـه ابـو حسـن مطيعا
و اصفاه الـنبـي على اخـتيار بمـا اعيا الرفوض له المضيعا
و يوم الدوح دوح غـديـر خم ابـان له الـولاية لـو اطـيعا
ولكـن الرجـال تبـايـعـوها فلـم ار مثـلها خطـرا ابـيعا
و لم ار مثـل ذاك الـيوم يوما و لم ار مثـله حـقـا اضيعـا
فقـل لبنـي امية حـيث كانوا وان خفت المـهند والقطيعا (1)
اجـاع الله مـن اشـبعتمـوه و اشبع من بجـوركـم اجيعـا
بمـرضي السياسـة هاشمـي يكـون حيـا لامتـه مـريـعا
و ليثـا في المشاهد غير نكس لتقـويم البـريـة مسـتطيـعا
يقيم امورهـا و يـذب عنـها ويتـرك جـدبهـا ابـدا ربيعا

وقال الصاحب بن عباد رحمه الله من قصيدة طويلة اورد سبط بن الجوزي في تذكرة الخواص منها هذه الابيات :
حب النبي واهل البيت معتمدي اذا الخطوب اساءت رأيها فينا


(1) القطيع السوط .
ـ المؤلف ـ
المجالس السنية ـ الجزء الخامس 287

ايا ابن عم رسـول الله افـضل من سـاد الانـام و سـاس الهاشـمينا
يا ندرة الدين يا فرد الزمـان اصخ لمدح مولـى يرى تفضيلكـم ديـنا
هل مثل سبقك في الاسلام لو عرفوا و هذه الـخـصلة الغراء تـكفـينا
هل مثل علمك ان زالوا وان و هنوا وقد هديـت كما اصبـحت تـهدينا
هل مثل قولـك اذ قـالوا مجاهرة لولا عـلي هلكـنا في فـتـاويـنا
هل مثل جـمعك للقـرآن تـعرفه لفـظا ومـعنى وتـاويلا و تبييـنا
هل مثل صبرك اذ خانوا واذ فشلوا حتى جرى ما جرى في يوم صفينا
هل مثل بذلـك للعاني الاسير وللط ـفل الصغير و قد اعطيت مسكـينا
يـا رب سهل زياراتي مشـاهدهم فان روحـي تـهـوى ذلك الطـينا
يـا رب صير حياتي في مـحبتهم ومحـشـري معـهم آمـين آمـينا

* * *


المجالس السنية ـ الجزء الخامس 288

وقال السيد الحميري اسماعيل بن محمد من قصيدة اورد منها صاحب الاستيعاب هذه الابيات
سائـل قريشـا به ان كنت ذاعمه مـن كان اثبتها في الدين اوتادا
من كان اقـدم اسـلاما و اكثرها علمـا واطهرها اهـلا واولادا
من وحد الله اذ كـانت مكـذبـة تدعو مع الله اوثانـا و انـدادا
من كان يقدم في الهيجاء ان نكلوا عنها وان يبخلوا في ازمة جادا
مـن كان اعدلـها حكما وابسطها علما واصدقها وعـدا وايـعادا
ان يصدقوك فلـن يعدو ابا حسن ان انت لم تلق للابرار حسـادا
ان انت لم تلق اقواما ذوي صلف و ذا عنـاد لحـق الله جـحادا

وقال السيد الحميري ايضا اوردها المرزباني في اخبار شعراء الشيعة
اقـسـم بــالله وآلائــه والمـرء عما قال مـسؤول
ان علي بـن ابي طـالـب على الـتقى و الـبر مجبول
و انه الهـادي الامام الـذي لـه علـى الامـة تـفضيل
يقـول بالحق و يقضي بـه و ليـس تلـهيه الابـاطيـل
كـان اذا الحرب مرتها القنا و احـجمت عنـها البـهاليل
مشى الى القـرن وفـي كفه ابيـض ماضي الحد مصقول
مشـي العفرني بيـن اشباله ابـرزه لـلقنـص الـغيـل
ذاك الـذي سلـم فـي ليلـة علـيه مـيـكـال وجبريـل
ميكـال في الف وجبريل في الـف ويـتلـوهـم سرافـيل


المجالس السنية ـ الجزء الخامس 289

ليلة بدر مداد انزلوا كانهم طير ابابـيل
فسلموا لما اتوا نحوه وذاك اعظام وتبجيل

وقال السيد الحميري من قصيدة اوردها المرزباني ايضا
يا رهـط احمـد ان مـن اعطاكم ملـك الـورى وعطـاؤه اقسـام
رد الـوراثـة والـخلافـة فـيكم وبنـو اميـة صـاغـرن رغـام
لمتـمم لـكم الـذي اعـطـاكـم ولكـم لديـه زيــادة و تـمـام
انـتـم بنـو عـم النـبي علـيكم من ذي الجـلال تحيـة و سـلام
وورثـتمـوه وكنـتم اولـى بـه ان الـولاء تـحـوزه الارحــام
مـا زلت اعـرف فضلكم ويحبكم قـلبـي علـيـه و انـني لغـلام
اوذى واشـتم فـيكم و يصيبنـي مـن ذي القـرابة جفـوة ومـلام
حتى بلغت مدى المشيب واصبحت منـي الـقـرون كـإهـن ثغـام

وقال السيد الحميري من قصيدة اوردها المرزباني ايضا :
علي له عـندي علـى من يعيبه من الناس نصـر باليدين وبالفم
علـي احـب الناس الا مـحمدا الي فدعني مـن ملامـك او لم
علي وصي المصطفى وابن عمه واول من صلـى ووحد فـاعلم
علي هو الهـادي الامام الذي به انار لنـا من دينـنـا كل مظلم
علي ولي الحوض و الذائد الذي يذبب عـن اركانه كل مـجرم


المجالس السنية ـ الجزء الخامس 290

علـي قسيم الـنـار مـن قوله لها ذري ذا وهذا فاشربي منه واطعمي
علـي غـدا يدعـى فيكسوه ربـه ويدنيه حــقا مـن رفـيق مكرم
علـي اميـر المؤمـنيـن وحقـه من الله مـفروض على كـل مسلم
وزوجتـه صديـقة لـم يكن لهـا مـقارنة غـير البـتولة مـريـم
واوجـب يومـا بالغـديـر ولاءه عـلى كل بر من فـصيح و اعجم
لـدى دوح خـم آخـذ بـيـمينه ينادي مبـينـا باسـمه لم يـجمجم
امـا والـذي يهوي الى ركن بيته بشعث النواصي كل وجناء عيهم (1)
يـوافيـن بالركبان من كـل بلدة لقـد ضل يوم الـدوح من لم يسلم
واوصـى اليـه يوم ولـى بامره وميراث علم من عرى الدين محكم
فمـا زال يقضي دينـه وعـداته و يدعو الـيها مسمـعا كل مـسلم
فمـه لا تـلمنـي في علي فانـه جرى حبه ما بين جلـدي واعظمي
اليـس بسلع قنع المسرف الـذي طغى وبغى بالسيف فوق المعمم (2)
و بـدر واحد فيـهمـا من بلائه بـلاء بـحمـد الله غـير مـذمم
ولله جـل الله فـي فتـح خيبـر علـيه و مـنه نـعمة بعـد انعـم
مشـى بين جبريل وميكال حوله ملائكـة شبـه الـهـزبر المصمم
ليشهدهـم رب السمـاء جهـاده و يعـلمهم اقـدامه غـير محـجم
فـاعطـوا بايديهم صغـارا اذلة وقالـوا لـه نرضى بحكمك فاحكم
فيا رب انـي لم ارد بالـذي به مـدحت غيـر وجـهـك فارحـم


(1) سريعة .
(2) يريد عمرو بن عبد ود وسلع جبل بالمدينة .
ـ المؤلف ـ
المجالس السنية ـ الجزء الخامس 291

وقال السيد الحميري ايضا وهي القصيدة المشهورة المسماة بالمذهبة وقد شرحها السيد المرتضى (رض) والشرح مطبوع بمصر .
هـلا وقـفت علـى الـمكان المـعشب (1) بيـن الـطويـلع (2)فاللوى (3)من كبكب (4)
فنجاد (5)توضح (6)فالنضائد (7)فالشظى (8)

فرياض سنحة (9)فالنقى (10)من جونب (11)

طـال الـثواء علـى منـازل اقـفـرت مـن بعـد هـنـد والـربـاب وزيـنـب
ادم (12)حـلـلـن بـها وهـن اوانـس (13) كالعـيـن (14)ترعـى في مسالك اهضب (15)



(1) الكثير العشب .
(2) ماء لبني تميم .
(3) ما التوى من الرمل .
(4) جبل بعرفات .
(5) بالكسر جمع نجد وهو ما اشرف من الارض .
(6) بضم التاء وكسر الضاد اسم مكان .
(7) لم نجده فيما بيدنا من كتب اللغة .
(8) في القاموس الشظى جبل ووادي الشظى معروف .
(9) قال ياقوت سنحة الجر موضع بالمدينة ا هـ و في نسخة فرياض جلجل .
(10) قطعة من الرمل .
(11) قال ياقوت جونب موضع في شعر السيد الحميري .
(12) في القاموس : الادمة بالضم في الظباء لون مشرب بياضاً وفينا السمرة هو آدم وهي ادماء والجمع ادم بالضم ( فالسكون ) .
(13) ظباء انسية لا وحشية .
(14) العين بالكسر بقر الوحش .
(15) الهضبة الجبل المنبسط على الارض والاهضب لعله بفتح الضاد بمعنى الكثير الهضاب كالاشعر الكثير الشعر .
ـ المؤلف ـ

السابق السابق الفهرس التالي التالي