|
|
 |
|
المجالس السنية ـ الجزء الخامس |
|
251 |
|
 |
فاحبب لغيرك ما تحب لنفسك واكره له ما تكره لها ولا تظلم كما لاتحب ان تظلم) ولو اتبع البشر هاتين النصيحتين لامتنع الظلم والشر جميعا ، غير انه يمكن ان نلاحظ ملاحظة متواضعة على النصيحة الاولى تلك ان نظرة المجتمع قد تتغير نحو بعض الفضائل او الرذائل ، فاذا كان ما يستحى من عمله يعمل على رؤوس الاشهاد فهل الفضائل خالدة ، ام هي يجري عليها ناموس التطور ، وهل يطيع نصيحة الامام ام لا يطيعها رجل يحتسي الخمر على قارعة الطريق غير خجل لكثرة من يحتسونها ؟ اما انا فأميل الى القول بان الفضائل خالدة ، وان الكذب لن يكون فضيلة لان الناس يكذبون بل الفضيلة فضيلة والرذيلة رذيلة ولن يزال راكبها يشعر في نفسه بالتضاؤل وبنوع من الحياء لا حين يلقى امثاله ولكن حين يلقى الاخيار .
وما لي اذهب بعيدا ؟ ان الامام يفسر لنا ذلك في موضع آخر حيث يقول في بيان شاف : (ان المؤمن يستحل العام ما استحل عاما اول ويحرم العام ما حرم عاما اول وان ما احدث الناس لا يحل لكم شيئا مما حرم الله عليكم ، ولكن الحلال ما احل الله والحرام ما حرم الله) .
ب ـ واذا ذكرنا تطور الفضائل وخلودها فالنستعرض رأي الامام القائل : (اقدموا على الله مظلومين ولا تقدموا على الله ظالمين) . ان من الناس من لا يريد ان يسلم بان الانظلام فضيلة . ومن لم يذد عن حوضه بسلاحه يهدم ومن لم يظلم الناس يظلم
 |
|
المجالس السنية ـ الجزء الخامس |
|
252 |
|
 |
وربما مال الى ان يقول مع هيغل : (ان ظفر شعب هو البرهان القوي على حقوقه) غير ان عبارة الامام انما يراد بها مبالغة في التنفير من الظلم .
ج ـ ولقد دعا الامام الى التعاون دعوة صريحة في عبارة نبيلة حيث قال يودع جنودا ذاهبين للقتال : (وأي امرئ منكم احس من نفسه رباطة جأش عند اللقاء ورأى احدا من اخوانه فشلا ، فليذب عن اخيه بفضل نجدته التي فضل بها عليه كما يذب عن نفسه فلو شاء الله لجعله مثله) . وما اوصى به الامام جنود جيشه يصح ان يستوصى به جنود الحياة . ان الغني لو ذب عن الفقير بفضل ماله الذي فضل به عليه والعالم لو ذب عن الجاهل بفضل علمه والحكيم لو ارشد السفيه بفضل حكمته ، لو كان هذا سبيل الناس في الحياة ، لانتصر جيشهم على الام الحياة القابلة للانهزام . ان الامام لايزال يلح في دعوته الى التعاون ، وانه ليسوقها هنا في منطق واضح وحجة لازمة (ايها الناس لا يستغني الرجل وان كان ذا مال عن عشيرته ودفاعهم عنه بايديهم والسنتهم) . (الا لا يعدلن احدكم عن القرابة يرى بها الخصاصة ان يسدها بالذي لا يزيده ان امسكه ولا ينقصه ان اهلكه ، ومن يقبض يده عن عشيرته فانما تقبض منه عنهم يد واحدة . وتقبض منهم عنه ايد كثيرة) . ان الانسان مدني بالطبع او هو كما وصفه فيلسوف اليونان (حيوان اجتماعي) ولهذا دعا الامام دعوته .
د ـ وقد تكررت دعوة الامام هذه في صورة اخرى في
 |
|
المجالس السنية ـ الجزء الخامس |
|
253 |
|
 |
حثه على الصدقة بقوله البليغ : (واذا وجدت من اهل الفاقة من يحمل زادك الى يوم القيامة فيوافيك به غدا حين تحتاج اليه فاغتنمه وحمله اياه) . وبوصيته : (ان اللسان الصالح ـ اي الذكرى الطيبة ـ يجعله الله للمرء في الناس خيرا له من المال يورثه من لا يحمده . وفي تذكيره بفريضة الزكاة في قوله : (ان الله سبحانه فرض في اموال الاغنياء اقوات الفقراء فما جاع فقير الا بما متع به غني والله تعالى سائلهم عن ذلك) . وقد بلغ من تقديره للتعاون ولاثر الزكاة والاحسان في اسعاد افراد المجتمع جميعا انه استن تشريعا طريفا بقوله : (ان الرجل اذا كان له الدين الظنون يجب عليه ان يزكيه لما مضى اذا قبضه) اي ان من كان له دين ولم يكن واثقا ان مدينه سيرده اليه سالما ، ثم رده اليه بعد عامين مثلا ، وجب عليه اي على صاحب المال الدائن ان يدفع للفقراء زكاة هذا المال للسنتين الماضيتين . ولست اعرض لكم حكم الشريعة الاسلامية في هذا ولكني الاحظ ان رأي الامام وجيه اذا اعتبرنا ان المال صار بالنسبة للدائن مفقودا بوجوده عند من لا يثق به . فاذا عاد اليه فكأنما عثر على كنز غير منتظر . واذا فليس كثيرا ان يدفع منه شيئا للفقراء ان لم يكن زكاة عنه فشكرا لله عليه . (ومن كثرت نعم الله عليه كثرت حوائج الناس اليه) كما قال الامام وكما قال شكسبير (ان التشاريف العظيمة احمال عظيمة) .
هـ ـ لقد زهد الامام بهذه الدنيا واهاب بها ان تغر غيره . بل لقد زمجر منها في صرخته : (والله لو كنت شخصا مرئيا
 |
|
المجالس السنية ـ الجزء الخامس |
|
254 |
|
 |
وقالبا حسيا عليك حدود الله في عباد غررتهم باماني والقيتهم في المهاوي) هكذا كانت نظرته الصادقة الى الحياة فلا عجب ان يمتلئ قلبه بالعطف على الناس وان يدعو الى انقاذ الضعفاء وعدم خزن المال بكلمته الرهيبة : (يا ابن آدم ما كسبت فوق قوتك فأنت فيه خازن لغيرك) .
ان الشعور السائد على نهج البلاغة كله هو شعور التنديد بالتهالك على الدنيا (وحفظ ما في يديك احب الي من طلب ما في يد غيرك . فخفض في الطلب واجعل في المكتسب فانه رب طلب قد جر الى حرب . فليس كل طالب بمرزوق ولا كل محمل بمحروم) . هذه وصاياه ولكنه لا يدعو الى الزهد الذي ينافي الدين والحياة . فهو يعمل ويحارب . ولكن على ارض الشرف ولغاية نبيلة .
و ـ ان ما مر بنا من دعوته الى التعاون والاحسان ووفاء الزكاة ليس الا بعض دعوته الى «الحب العام» . فان قلبه النبيل قد غمر بهذه العاطفة الشريفة وثبتها ايمانه القوي المنقطع النظير وليس غريبا ممن صادق النبي والاصدقاء قليل ، وشاطره الامه وجهاده ، فشعر بحلاوة الصداقة . ومن عانى الحسد والحقد اللذين دفعا معاوية وغيره لمناوأته . ومن خبر تاثير التخاذل والتباغض حين خرج الخوارج وتخاذل قومه ، ليس غريبا على من هذا شأنه ان يهيب بنا (ولا تحاسدوا فان الحسد ياكل الايمان كما تاكل النار الحطب ولا تباغضوا فانها الحالقة) . وان يقول :
 |
|
المجالس السنية ـ الجزء الخامس |
|
255 |
|
 |
(صحة الجسد من قلة الحسد) ذلك القول الذي تؤيده ملاحظاتنا اصفرار الوجه ونحوله فيمن عرفوا بالحقد . وان يقسم لنا : (والذي وسع سمعه الاصوات ما من احد اودع قلبا سرورا الا وخلق الله من ذلك السرور لطفا فاذا نزلت به نائبة جرى اليها كالماء في انحداره حتى يطردها عنه كما تطرد غريبة الابل) وان يوصينا خير بجيراننا قائلا :
(الله الله في جيرانكم فانها وصية نبيكم ، ما زال يوصي بهم حتى ظننا انه سيورثهم) .
ز ـ قلت انه قد عرف الصداقة في نفسه وخبرها فلنستمع الى وصاياه بصددها : لقد بالغ في طلب الحرص على الصديق الوفي حتى قال : (ولا يكن على مقاطعتك اقدر منك على صلته) واوصى بالبحث عن الرفيق قبل الطريق . وحمد الذين (يتواصلون بالولاية ويتلاقون بالمحبة) ودعا الى عدم الكلفة بين الاصدقاء بقوله : (احبب حبيبك هونا ما ، عسى ان يكون بغيضك يوما ما ، وابغض بغيضك هوانا ما ، على ان يكون حبيبك يوما ما) ولقد نتساءل كيف يشك الانسان في صديق وفي خبره فيحطاط في صداقته وكيف تستقيم صداقة مع تحوط . ولكنا لا يصعب علينا ان نعرف ما حمل الامام على قول ذلك فقد عانى من تقلب الاصحاب وانشقاق الاخوان ما عانى . ولعل هذا العناء هو ما دفعه ـ ولنقل ذلك ونحن بمعرض آرائه في الصداقة ـ الى ان يقول : (الوفاء لاهل الغدر غدر عند الله والغدر باهل الغدر وفاء
 |
|
المجالس السنية ـ الجزء الخامس |
|
256 |
|
 |
عند الله) ان هذه الكلمة القوية ما كانت لتصدر من ذلك القلب الوادع المسالم لولا ان اصابته شظايا الغدر فثار .
ح ـ دعا الامام الى القصد في الحب والبغض وهذه الدعوة تذكرنا بدعوات له اخر تحث كلها على الاعتدال وعدم الاندفاع وليس ابلغ من قوله في الحدة انها (ضرب من الجنون لان صاحبها يندم ، فان لم يندم فجنونه مستحكم) وقوله : (اليمين والشمال مضلة ، والطريق الوسطى هي الجادة) ، وقد انذر بانه سيهلك فيه صنفان : (محب مفرط يذهب به الحب الى غير الحق ومبغض مفرط يذهب به البغض إلى غير الحق) ، وهذه الكلمات هي ، بجانب دعوتها إلى القصد ، دعوة إلى الخصومة الشريفة ونزع الهوى الشخصي عند مناقشة اعمال الحكام والسواس .
ط ـ ما كان نهج البلاغة وقد ضم بين دفتيه هذه الاراء الاجتماعية الكثيرة ليغفل (المرأة) وشأنها في المجتمع . ولقد عبر الامام عن رأيه فيها بوضوح ، فاذا به رأى قاس لا يقل قسوة وعنفا عن رأي (شوبنهور) فيها وذلك الرأي يتلخص في قوله : (المرأة شر كلها وشر ما فيها انه لا بد منها) وهكذا ذهب في موضوع آخر الى ان (خيار خصال النساء شرار خصال الرجال) وهذا القول قد يحمل على ان ما يستحب في النساء لا يستحب في الرجال ولكن هذا الاحتمال لا يؤثر في الموضوع فرأي الامام في المرأة واضح وقد نعتها في موضوع ثالث بانها (عقرب حلوة
 |
|
المجالس السنية ـ الجزء الخامس |
|
257 |
|
 |
اللبسة) . ثم دعا الناس الى ان يتقوا شرار النساء ويكونوا من خيارهن على حذر والا يطيعوهن في المعروف حتى ولا يطمعن في المنكر ، وبمثل هذا نهى في موضع آخر عن التمكين لهن والسماح لهن بالتشفع والرجاء في امور الناس . والذي نلاحظه انه عليه السلام قد سلم ان بين النساء خيارا بدليل قوله : (وكونوا من خيارهن على حذر) فهويتم الطبيعة النسوية على العموم ويخشى ان تغلب على خيار النساء فيصبحن شريرات .
ي ـ لم يكن رأي الامام في النساء صادرا عن تعصب جنسي ، فان المعركة لم تكن قد نشبت بعد بين النساء والرجال ، وما كان علي ليتعصب وهو الذي ذم العصبية في الخطبة (القاصعة) ورد اصلها الى تعصب ابليس للنور ضد الطين : (اما ابليس فتعصب على آدم لاصله وطعن عليه في خلقته فقال : (انا ناري وانت طيني) واما الاغنياء من مترفة الامم فتعصبوا لاثار مواقع النعم فقالوا : « نحن اكثر اموالا واولادا وما نحن بمعذبين » فان كان لابد من العصبية فليكن تعصبكم لمكارم الخصال ومحامد الفعال (وليست الدعوة ضد العصبية دعوة هينة فالعصبية سبب لمصائب كثيرة كان منها حروب كثيرة اثارها التعصب للجنس او الدين او اللون او المذهب او الوطن . ولعل مما يبين كراهته «ع» للتعصب ، وهو حقيق ان يكره التعصب لما ذاق من التعصب قوله : (ليس بلد باحق من بلد ، خير البلاد ما حملك) .
 |
|
المجالس السنية ـ الجزء الخامس |
|
258 |
|
 |
ك ـ وقد نهى «ع» عن الغش في المكاييل ، وعن احتكار التجارة وقبح الغيبة بتحليل بديع قائلا : (وانما ينبغي لاهل العصمة والمصنوع اليهم في السلامة ان يرحموا اهل الذنوب والمعصية ويكون الشكر هو الغالب عليهم والحاجز لهم عنهم ، فكيف بالعائب الذي عاب اخا وعيره ببلواه . . وايم الله لئن لم يكن عصاه (عصى الله) في الكبير وعصاه في الصغير لجرأته على عيب الناس اكبر . . فليكفف من علم منكم عيب غيره لما يعلم من عيب نفسه وليكن الشكر شاغلا له على معافاته مما ابتلي به غيره) .
وكذلك دعا الى الاتحاد قائلا : (واياكم والتفرقة فان الشاذ من الناس للشيطان كما ان الشاذ من الغنم للذئب) ، ونهى عن البدعة في قوله (وما احدثت بدعة الا ترك بها السنة اتقوا البدع والزموا المهيع . وحذر من تعلم النجوم الا ما يهتدى به في بر او بحر فانها تدعو الى الكهانة ، والمنجم كالكاهن والكاهن كالساحر والساحر كالكافر والكافر في النار) .
ل ـ ان من تحصيل الحاصل ان تقول ان الامام دعا الى اتباع الحق ، وانما الذي نريد هو ان نرى فهمه للحق كيف كان ، وان نرى نسبة هذا الفهم الى نظريات اخرى في الحق .
يقول (اهرنج) وغيره من متشرعي الالمان الذين تأثروا بمبدأ فناء الفرد في الدولة ان الحق هو ما جعلته الدولة حقا ، ويقول
 |
|
المجالس السنية ـ الجزء الخامس |
|
259 |
|
 |
الواقعيون ان الحق ليس الا من وضع الانسان ولم يخرج تكييفه من ارادته وهواه ويقول اهرنج ايضا (ان اساس الحق ليس فكرة منطقية وانما هو القوة) ويقول هيجل (ان ظفر شعب هو البرهان القوي على حقوقه) .
هذا هو راي فريق من العلماء في الحق ومقياسه وهو رأي خطر وقد اتهمه الفرنسيون بانه سبب الحرب العالمية ، واتهموا الالمان لانهم انصاره ومروجوه . وهو رأي يعارضه فريق كبر من العلماء والناس ، وقد كان (قوبيه) لسان هذه المعارضة في قوله : (الحق فكرة تتوجه نحو المستقبل واساسها الضمير الانساني والشعور بالمساواة والحرية للجميع) ورأي (باسكال) ان القوة يجب ألا تستعمل إلا في خدمة الحق : ( علينا ان نحمل العدالة والقوة معا وانما لا نقصد الا ما كان حقا ، ولا نستعمل القوة الا لتوطيد الحق) .
هذان هما الرأيان المتعارضان فالى ايهما ينتمي رأي الامام علي ؟ لسنا محتاجين الى اقل تفكير للقول ان رأيه هو الثاني ، قال الامام علي : (حق وباطل ولكل اهل ، فلئن امر الحق لقديما فعل ، ولئن كثر الباطل فربما ولعل ، ولعل ما ادبر شيء فأقبل) وهذا النص واضح وصريح في ان الامام لايرى كثرة الباطل تجعله حقا ، بل ينتظر ان تزول دولته ، قائلا ان الشيء قد يدبر فيقبل ، اي انه مؤمن بخلود الحق وهو القائل في غير نهج البلاغة :
 |
|
المجالس السنية ـ الجزء الخامس |
|
260 |
|
 |
(دولة الظلم ساعة ودولة العدل الى قيام الساعة) وقد تروى (دولة الباطل ودولة الحق) لانهم لم يفرقوا كثيرا بين العدل والحق .
اما نظرية الحق والدولة فهي منافية لرأي الامام بالطبع ما دام يعتبر الحق خالدا ، وهو لا يفتأ ينهي الولاة عن ظلم الرعية ويدعو الى المساواة والشورى والتمسك بكتاب الله وسنة رسوله . اي انه لا يرى للحاكم حق اختراع الحقوق ولا يرى الحق كما رآه الواقعيون من وضع الانسان . ولا يرى انتصار شعب برهانا على حقوقه بل يقول : (ان الله لم يقصم جباري دهر قط الا بعد تمهيل ورخاء . ولم يجبر عظم احد من الامم الا بعد ذل وبلاء) .
واذا كان اتفق مع القائلين بان الحق ازلي وبأنه تراعى فيه مصلحة الفرد ومصلحة الجماعة . فانه اتفق مع رأي باسكال القائل باستعمال القوة لتوطيد الحق فالامام يقول : (واني لراض بحجة الله عليهم وعلمه فيهم فان أبوا اعطيتهم حد السيف وكفى به شافيا من الباطل وناصرا للحق) . وخاطبه قوم في عقاب قاتلي عثمان . فقال ان الحكمة تقضي بالتريث حتى يستتب الامر (واذا لم اجد بدا فآخر الدواء الكي) اي القتل والحرب يستعملهما حين تفشل وسائل السلم ، وحين يرفض خصومه الاحتكام الى الله ، وهذا دستور هيئة الامم حيال الدول التي تأبى التحكيم .
يقول فريق من الناس ان الحق قد يتعدد ، فانا اظن الامر وانت تظن نقيضه ، ولكني محق وانت مثلي محق ، ويقول
 |
|
المجالس السنية ـ الجزء الخامس |
|
261 |
|
 |
آخرون ان الحق واحد لا يتعدد ، وقد اخذ الامام بهذا الرأي الاخير فقال : ( ما اختلفت دعوتان الا كانت احداهما ضلالة (1) .
ان للامام آراء قيمة محكمة في طبيعة الحكم وسياسته ومهمة الحاكم وكيفية انتقاء القضاة وتقسيم العمل ومهمة العلماء الى غير ذلك ، وقد جمعت رسالته الى الاشتر النخي كثيرا من هذه الامور ، ولكنها ليست الوعاء الوحيد الذي ننشد فيه تلك الحكم فنقصر بحثنا عليها .
أ ـ قال : (لابد للناس من امير بر او فاجر يعمل في امرته المؤمنون ، ويستمتع فيها الكافر ويبلغ الله فيها الاجل ويجمع به الفيء ويقاتل به العدو وتؤمن به السبل ويؤخذ به للضعيف من القوي حتى يستريح بر ويستراح به من فاجر) وهذا كما نرى رأي يعاكسه الفوضويون اليوم وقد عاكسه الخوارج بالامس ، ولكن ما كان لعلي الحكيم الذي اعتنق دين النظام صبيا ان
|
(1) عبده حسن الزيات .
(2) من المجالس التي اضفناها على الطبعة السابقة . |
 |
|
المجالس السنية ـ الجزء الخامس |
|
262 |
|
 |
يدعوا بدعوتهم لقد عرف ان النظام هو كفيل النجاح ، وتألم وشكا قومه لان : (المعروف عندهم ما عرفوا والمنكر عندهم ما انكروا ، مفزعهم في المعضلات الى انفسهم وتعويلهم في المهمات على آرائهم كان كل امرء منهم امام نفسه قد اخذ منها فيما يرى بعرى ثقات واسباب محكمات) .
واذا كان قد مقت الخروج عما يمكن ان نسميه (الشرعية) فانه كذلك قد مقت ايضا الاختلاف بين القفهاء والمفسرين في الفتيا قائلا : (ترد على احدهم القضية في حكم من الاحكام فيحكم فيها برأيه ، ثم ترد تلك القضية بعينها على غيره فيحكم فيها بخلافه ثم يجتمع القضاة بذلك عند الامام الذي استقضاههم فيصوب آراءهم جميعا والههم واحد ونبيهم واحد وكتابهم واحد) .
وليس يصعب علينا ان نلمح ان الذي استفزه الى هذا الانتقاد هو رغبته في النظام وفي توحيد القضاء .
ج ـ واذا كان قد دعا الى (الشرعية) وعدم تشعب الاراء واستقلال كل برأيه ، فليس معنى هذا انه دعا الى الاستبداد والحكم المطلق ، بل على العكس لا نزال نسمعه يلح بالدعوة الى الشورى فيقول لنا : (من استبد برأيه هلك ومن شاور الرجال شاركها في عقولها) ويكرر ذلك في اماكن اخرى وبالفاظ كثيرة .
وقال في كتاب لاحد ولاته : (وان ظنت الرعية بك حيفا
 |
|
المجالس السنية ـ الجزء الخامس |
|
263 |
|
 |
فاصحر لهم بعذرك واعدل عنك ظنونهم باصحارك فان في ذلك رياضة منك لنفسك ورفقا برعيتك واعذارا تبلغ به حاجتك من تقويمهم على الحق) وهذه الكلمات كبيرة حكيمة ، فيها نوع من المسؤولية الوزارية كما نعرفها ونسميها وفيها ايضا بيان لحكمتها فهي تزيل شكوك الرعية ثم هي رياضة للنفس على تقبل النقد وعدم الازورار منه ، وعلى التدقيق في الاعمال علما بان هناك من سيحاسب عنها .
ان النزعة الديمقراطية في نهج البلاغة ابين من ان تحتاج الى بيان :
فها هو يأمر الوالي بان يجلس لذوي الحاجات دون جند او حرس لكيلا يتعتعوا في توضيح مسائلهم .
بل قد فضل العامة على الخاصة وان سخط الخاصة فقال : (ان سخط العامة يجحف برضى الخاصة ، وان سخط الخاصة يفتقر مع رضا العامة ، وليس احد اثقل على الوالي من الرعية مؤونة في الرخاء واقل معونة له في البلاء ، واكره للانصاف واسأل بالالحاف واقل شكرا على الاعطاء ، وابطأ عذرا عند المنع ، واضعف صبرا عند ملمات الدهر من اهل الخاصة وانما عماد الدين وجماع المسلمين والعدة للاعداء : العامة من الامة فليكن صفوك لهم وميلك معهم) . وهذا كلام صريح في تفضيلهم والاعتماد عليهم . وانا شخصيا اميل الى الظن بان هذا الكلام
 |
|
المجالس السنية ـ الجزء الخامس |
|
264 |
|
 |
كان له تأثير في سلوك بعض زعمائنا الذين عرفوا بميلهم الى الامام علي والتشبه بكلامه في اكثر من موضع . ولن اطيل في تفصيل هذه الديمقراطية ، ولنردد في سرور قول الامام الجامع : (ان اعظم الخيانة خيانة الامة وافضع الغش غش الائمة) ، وقوله الذي يذكرنا بالقول السائر : صوت الشعب من صوت الله (انما يستدل على الصالحين بما يجري الله لهم على السن عباده) .
د ـ واذا كان الامام قد اخذ بالديمقراطية كما وضح فمن الطبيعي ان نراه نصير الحرية يهيب بابنه (ولا تكن عبد غيرك وقد خلقك الله حرا) وان نراه رافع لواء المساواة لا يزال يذكرها ويوصي بها ويقول لمن يوليه (وآس ـ وساو ـ بينهم في اللحظة والنظر حتى لايطمع العظماء في حيفك لهم ولا ييأس الضعفاء من عدلك عليهم) . ويقول في موضع آخر : ان المال لو كان ماله لساوى بين الناس فكيف والمال مال الامة ؟
هـ ـ ولكن للجمهور سيئاته كما ان له حسناته فلنسمع كلمة الامام علي في الغوغاء . قال : (الناس ثلاثة فعالم رباني ، ومتعلم على سبيل نجاة ، وهمج رعاع اتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح ، لم يستضيئوا بنور العلم ولم يلجأوا الى ركن وثيق) ووصف الغوغاء في موضع آخر من انهم اذا اجتمعوا غلبوا واذا تفرقوا لم يعرفوا ، وقبل وصفهم بانهم اذا اجتمعوا ضروا واذا تفرقوا نفعوا لان كل صانع ينصرف الى عمله فيحصل النفع ، وقد وضع
 |
|
المجالس السنية ـ الجزء الخامس |
|
265 |
|
 |
الامام اصبعه على آفة وطبيعة من آفات وطبائع الجماهير هي سرعة التقلب ، تلك الخاصة الجماهيرية التي وضحها شكسبير ابلغ ايضاح في (يوليوس قيصر) وكذلك اصاب في ان اجتماعها غلبة وتفرقها ضياع وفي ان اجتماعها قد يكون في بعض الاحايين مجلبة للضرر ، كما ان تفرقها مجلبة للنفع لانصراف كل عامل الى عمله وهذه النظرة الى الجماهير قد تبدوا متعارضة بعض التعارض مع سبق من رأيه فيهم ولكن بيان نقص الغوغاء لا يستلزم استبعاد رأيهم .
و ـ عرض عليه السلام الصفات الواجب توفرها في الامام فقال : (من نصب نفسه للناس اماما فليبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره وليكن تأديبه بسيرته قبل تأديبه بلسانه) وذم العلماء الذين لا يعملون بعلمهم في اكثر من موضع . وحدد العلاقة بين الراعي والرعية فقال : (ايها الناس ان لكم علي حقا ولي عليكم حق ، فاما حقكم علي فالنصيحة لكم وتوفير فيئكم عليكم وتعليمكم كيلا تجهلوا وتأديبكم كيما تعلموا واما حقي عليكم فالوفاء بالبيعة والنصيحة في المشهد والمغيب والاجابة حين ادعوكم والطاعة حين آمركم) . ولنلاحظ هنا انه يجعل من حقه على الشعب ان ينصحه الشعب وهذا مبالغة في السعي وراء الكمال . وكم هو نبيل قوله لقومه ردا على من اثنى عليه : (فلا تكلموني بما تكلمون به الجبابرة ، ولا تتحفظوا مني بما يتحفظ به عند اهل البادرة ولا تخالطوني بالمصانعة ولا تظنوا بي استثقالا في حق قيل
 |
|
المجالس السنية ـ الجزء الخامس |
|
266 |
|
 |
لي ولا التماس اعظام لنفسي فانه من استثقل الحق ان يقال له والعدل ان يعرض عليه كان العمل بهما اثقل عليه ، فلا تكفوا عن مقالة بحق او مشورة بعدل فاني لست بنفسي يفوق ان اخطئ) .
وذم خلة الغدر فقال : (والله ما معاوية بادهى مني ولكنه يغدر ويفجر ولولا كراهية الغدر لكنت من ادهى الناس ، ولكن لكل غدرة فجرة ولكل فجرة كفرة ولكل غادر لواء يعرف به يوم القيامة) . فأمير المؤمنين اذن على خلاف مع (امير) مكيافلي .
وادلى علي بآراء قيمة فيما يجب في الولاة فقال انهم ملزمون بأن يعيشوا عيشة جمهور الشعب لكيلا (يتبيغ بالفقير فقره) اي لكيلا يسخط الفقير لفقره وليتعزى بحال اميره : (أأقنع من نفسي بان يقال امير المؤمنين ولا اشاركهم في مكاره الدهر او اكون اسوة لهم في جشوبة العيش ؟) .
ونصح علي الولاة بقوله مؤكدا لاحدهم : (ولا يطولن احتجاجك عن رعيتك) وتلك نصيحة حق فان كثرة ظهور الحاكم بين الرعية استئلاف لقلوبها واشعار بها ان الحاكم مهتم بمصاحلها ، ثم هو منير للحاكم سبيل حكمه ومعطيه الصورة الواضحة لحال شعبه فيعمل على نورها .
وقال : (انه ليس شيء ادعى الى حسن ظن راع برعيته من
 |
|
المجالس السنية ـ الجزء الخامس |
|
267 |
|
 |
احسانه اليهم) اي ان الراعي حين يحسن لرعيته يطمئن قلبه ويأمن خيانتهم .
وامر باحترام التقاليد الشعبية فكان حكيما بعيد النظر (ولا تنقض سنة صالحة عمل بها صدور هذه الأمة واجتمعت بها الالفة وصلحت عليها الرعية) .
ووجه علي نصيحة غالية كل الغلو صادقة كل الصدق في قوله : (ان شر وزرائك من كان للاشرار قبلك وزيراً ومن شاركهم في الآثام فلا يكونن لك بطانة فانهم أعوان الاثمة واخوان الظلمة وأنت واجد منهم خير الخلف ممن له مثل آرائهم ونفاذهم وليس عليه مثل اصارهم وأوزارهم . ثم ليكن عندك آثارهم أقولهم بمر الحق لك) ونظرية علي صحيحة تماماً فان من أثم فيما مضى لا يؤمن أثمه فيما حضر ، ومن اتصل بالظلمة بالأمس لا يؤمن اتصاله بهم اليوم واعانتهم على كيدهم بماله من سلطة الوزارة . وكان حكيما في قوله : (فالبس لهم جلبابا من اللين تشوبه بطرف من الشدة وداولهم بين القسوة والرأفة) .
وأمر الوالي ان لا يرغب عن رعيته وتفضيلا بالامارة عليهم فانهم الاخوان في الدين والأعوان على استخراج الحقوق ثم قال له : وإنا موفوك حقك فوفهم حقوقهم والا فانك من أكثر الناس خصوماً يوم القيامة بؤساً لمن خصمه عند الله الفقراء والمساكين) . ودعاه إلى ان يساوي نفسه بهم فيما الناس فيه سواء وهذا القيد
 |
|
المجالس السنية ـ الجزء الخامس |
|
268 |
|
 |
يظهر بعد نظره وفهمه لحقيقة المساواة الممكنة .
ودعا الى تشجيع المحسن وعقاب المسيء قائلا : (ولا يكونن المحسن والمسيء عندك بمنزلة سواء) . ولفت نظر جباة الضرائب الى الرفق بالاهلين وعدم بيع شيء ضروري ـ وهذا ما فعلته القوانين الحديثة اذ منعت الحجز على الملابس ومرتبات الموظفين ـ وبالغ في الرفق الحكيم فقال : (فان شكوا ثقلا او علة او انقطاع شرب او بالة او احالة ارض اغتمرها غرق او اجحف بها عطش خففت عنهم بما ترجو ان يصلح به امرهم ، ولا يثقلن عليك شيء خففت به المؤونة عنهم فانه ذخر يعودون به عليك في عمارة بلادك وتزيين ولايتك مع استجلابك حسن ثنائهم) وهذا بعد نظر حكيم وسياسة مالية محكمة تزيد وضوحا في قوله : (وليكن نظرك في عمارة الارض ابلغ من نظرك في استجلاب الخراج لان ذلك لا يدرك الا بالعمارة ومن طالب الخراج بغير عمارة اخرب البلاد واهلك العباد) ، واذا تذكرنا ما جر التعسف في جبي الضرائب في فرنسا وولايات تركيا وغيرها عرفنا قيمة هذه النصيحة التي يؤيدها المنطق ويسندها التاريخ .
ز ـ وقد ادى بعد نظر الامام به الى ان يدعو الى تقسيم العمل ذلك المبدأ الذي لم نعرفه الا حديثا فقد قال ناصحا : (واجعل لكل انسان من خدمك عملا تأخذه به فانه احرى الا يتواكلوا في خدمتك) وقال من رسالة الى الاشتر النخي ايضا : (واعلم ان الرعية طبقات لا يصلح بعضها الا ببعض ولا غنى ببعضها الا من
 |
|
المجالس السنية ـ الجزء الخامس |
|
269 |
|
 |
بعض فمنها جنود الله ومنها كتاب العامة والخاصة ومنها قضاة العدل ومنها عمال الانصاف والرفق ومنها اهل الجزية والخراج من اهل الذمة ومسلمة الناس ومنها التجار واهل الصناعات ومنها طبقة السفلى من ذوي الحاجة والمسكنة وكلا قد سعى الله سهمه) ثم فصل بعد ذلك وضيفة كل فرقة
.
وتمشيا مع قاعدته في تقسيم العمل واختصاص كل بما يحسنه رد على من قال له : انك تامرنا بالسير الى القتال فلم لا تسير معنا ؟ انه لا يجوز ان يترك مهماته من قضاء وادارة وجباية ضرائب ، وكذلك نصح عمر بالا يخرج للقاء الفرس بنفسه (لان الامير كالنظام من الخرز يجمعه) ولانه ان خرج انتقض عليه العرب من اطرافها .
ح ـ ان هذا الامام المجرب ما كان ليغفل الدعوة الى الاتعاظ بالتجارب في الحكم فها هو اذا يقول (ان الامور اذا اشتبهت اعتبر آخرها اولها) ويقول في مكان آخر (استدل على ما لم يكن بما كان) ثم يقول ايضا (العقل حفظ التجارب) ولست ساحمل هذا القول الاخير اكثر مما يحتمل اذا قلت انه هو الراي الفلسفي المعارض للراي القائل بان العقل يتفاوت عند الاشخاص بطبيتعه . والذاهب على العكس الى ان العقل ليس الا عمل التجارب والتهذيب . والدافع لحجة الراي الاول القائلة بانا لو ربينا اشخاصا ذوي اعمار واحدة تربية واحدة في بيئة واحدة
 |
|
المجالس السنية ـ الجزء الخامس |
|
270 |
|
 |
لنشأوا رغم ذلك مختلفي العقليات ، بانهم انما يختلفون لسبق تأثرهم بمزاح ورائي مختلف .
ط ـ وتكلم الامام في رسالته الى الاشتر عن القضاة كلاما قال عنه الاستاذ العشماوي استاذ القانون الدستوري بكلية حقوق القاهرة ان كلاما غيره في اي دستور من دساتير العالم لم يفصل مهمة القضاة وطرق اختيارهم مثل ما فعل . قال الامام (ثم اختر للحكم بين الناس افضل رعيتك في نفسك ممن لا تضيق به الامور ولا تمحكه الخصوم ولا يتمادى في الزلة ولا يحصر في الفيء الى الحق اذا عرفه ولا تشرف نفسه على طمع ولا يكتفي بادنى فهم دون اقصاه ، اوقفهم في الشبهات وآخذهم بالحجج واقلهم تبرما بمراجعة الخصم واصبرهم على تكشف الامور واصرمهم عند اتضاح الحكم ، من لا يزدهيه اطراء ولا يستميله اغراء ، واولئك قليل . ثم اكثر تعاهد قضائه وافسح له في البذل ما يزيل علته وتقل معه حاجته الى الناس ، واعطه من المنزلة لديك ما لا يطمع فيه غيره من خاصتك ليأمن بذلك اغتياب الرجال له عندك) . وهذا دستور حكيم بل هو احكم ما نعرفه وحسبه انه انتبه الى وجوب اجزال العطاء المالي للقضاة ليستغنوا بذلك عن الارتشاء وانه شدد في اعطائهم منزلة قريبة من الوالي ليقطع بذلك الطريق على الوشاة وليعمل القضاء في جو هادئ .
وفي غير هذه الرسالة ذم من يتصدى للحكم وليس اهلا له
 |
|
المجالس السنية ـ الجزء الخامس |
|
271 |
|
 |
قائلا (جلس بين الناس قاضيا ضامنا لتخليص ما التبس على غيره فان نزلت به احدى المبهمات هيأ لها حشوا من رأيه ثم قطع به ، جاهل خباط جهالات عاش ركاب عشوات تصرخ من جور قضائه الدماء وتعج منه المواريث الى الله) وفي موضع اخر يقول : (لولا حضور الحاضر وقيام الحجة بوجود الناصر وما اخذ الله على العلماء الا يقاروا على كظة ظالم ولا سغب مظلوم لالقيت حبلها على غاربها) ومعنى هذا ان على الخواص مهمة هي عدم الصبر على الظلم بل مجاهدته ولو لم يقع عليهم .
ك ـ وتكلم في سياسة الجند وامر جيشه الا يتتبع عند الفوز فارا ولا يهين إمرأة وان سبته فان النساء ضعيفات . وهذا دليل الخصومة الشريفة ونبل الخلق . وقال في عهده الى الاشتر (وليكن آثر رؤوس جندك عندك من واساهم في معونته وافضل عليهم من جدته بما يسعهم ويسع من ورائهم من خلوف اهليهم حتى يكون همهم هما واحدا في جهاد العدو فان عطفك عليهم يعطف قلوبهم عليك ، وان افضل قرة عين الولاة استقامة العدل في البلاد وظهور مودة الرعية . وانه لا تظهر مودتهم الا بسلامة صدورهم ولا تصح نصيحتهم الا بحيطتهم على ولاة امورهم وقلة استثقال دولهم وترك استبطاء انقطاع مودتهم فافسح في امالهم وواصل في حسن الثناء عليهم وتعديد ما ابلى ذوو البلاء منهم ، فان كثرة الذكر تحسن افعالهم تهز الشجاع وتحرض الناكل ان شاء الله ثم اعرف لكل امرئ منهم ما ابلى ولا تضيفن بلاء امرئ
 |
|
المجالس السنية ـ الجزء الخامس |
|
272 |
|
 |
الى ان تعظم من بلائه ما كان ضعيفا ولا ضعة امرئ الى ان تستصغر من بلائه ما كان عظيما) .
والان وقد سرنا في نهج البلاغة شوطا يغرينا بالاتزادة فلنقف ، واذا كان امير المؤمنين علي قد نهى قومه عن ان يمدحوه فلا يخافن اليوم اغترارا وهو بعيد عن حياة الغرور ، ان نحن انحنينا امام عبقريته . لقد حبانا نهج البلاغة فاحسن ما حبانا ، فلنطبق عليه قوله : (قيمة كل امرئ ما يحسنه) (1) .
كان مقتل امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام بيد الخارجي عبد الرحمن بن ملجم ، فمن هؤلاء الخوارج الذين ينتمي اليهم هذا المجرم الذي لا يعرف تاريخ الاسلام اكثر منه ايغالا في الاجرام ؟
من الاخطاء الشائعة في فكر المستشرقين وبعض الذين نقلوا عنهم من العرب ، تقدير فرق الخوارج ، باعتبارها تمثل الديمقراطية العربية ، والمعارضة للحكم الاستبدادي في التاريخ العربي القديم .
|
(1) عبده حسن الزيات .
(2) من المجالس التي اضفناها الى الطبعة السابقة .
|
| |