(روي) ان امير المؤمنين «ع» لما احتضر جمع بنيه حسنا وحسينا ومحمد بن الحنفية والاصاغر من ولده فوصاهم وكان في آخر وصيته يا بني عاشروا الناس عشرة ان غبتم حنوا اليكم وان فقدتم بكوا عليكم (وروى) المفيد في المجالس والشيخ في الامالي بسندها عن الحسن بن علي عليهما السلام قال لما حضرت والدي الوفاة اقبل يوصي (فقال) هذا ما اوصى به علي بن ابي طالب اخو محمد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وابن عمه وصاحبه .
اول وصيتي اني اشهد ان لا اله الا الله وان محمدا رسوله وخيرته اختاره بعلمه وارتضاه لخيرته وان الله باعث من في القبور وسائل الناس عن اعمالهم عالم بما في الصدور . ثم اني اوصيك يا حسن وكفى بك وصيا بما اوصاني به رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فاذا كان ذلك يا بني الزم بيتك وابك على خطيئتك ولا تكن الدنيا اكبر همك واوصيك يا بني بالصلاة عند وقتها والزكاة في اهلها عند محلها والصمت عند الشبهة والاقتصاد والعدل والصمت في الرضا والغضب وحسن الجوار واكرم الضيف ورحمة المجهود واصحاب البلاء وصلة الرحم وحب المساكين ومجالستهم والتواضع فانه من
افضل العبادة وقصر الامل واذكر الموت وازهد في الدنيا فانك رهن موت وعرض بلاء وصريع سقم واوصيك بخشية الله في سر امرك وعلانيتك وانهاك عن التسرع بالقول والفعل واذا عرض شيء من امر الاخرة فابدأ به واذا عرض شيء من امر الدنيا فتأنه حتى تصيب رشدك فيه واياك ومواطن التهمة والمجلس المظنون به السوء فان قرين السوء يغير جليسه وكن لله يا بني عاملا وعن الخنا زجورا وبالمعروف آمرا وعن المنكر ناهيا وواخ الاخوان في الله واحب الصالح لصلاحه ودار الفاسق عن دينك وابغضه بقلبك وزايله بأعمالك لئلا تكون مثله وإياك والجلوس في الطرقات ودع المماراة ومجاراة من لا عقل له ولا علم واقتصد يا بني في معيشتك واقتصد في عبادتك وعليك فيها بالامر الدائم الذي تطيقه والزم الصمت تسلم وقدم لنفسك تغنم وتعلم الخير تعلم وكن لله ذاكرا على كل حال وارحم من اهلك الصغير ووقر منهم الكبير ولا تأكلن طعاما حتاى تصدق منه قبل اكله وعليك بالصوم فانه زكاة البدن وجنة لاهله وجاهد نفسك واحذر جليسك واجتنب عدوك وعليك بمجالس الذكر واكثر من الدعاء فاني لم آ لك يا بني نصحا وهذا فراق بيني وبينك واوصيك بأخيك محمدا خيرا فانه شقيقك وابن ابيك وقد تعلم حبي له واما اخوك الحسين فهو ابن امك ولا اريد الوصاة بذلك والله الخليفة عليكم واياه اسأل ان يصلحكم وان يكف الطغاى والبغضاء عنكم والصبر الصبر حتاى ينزل الله الامر ولا قوة الا بالله
العلي العظيم (ثم) قال للحسن ابصروا ضاربي اطعموه من طعامي واسقوه من شرابي يا حسن ان انا مت فلا تغال في كفني فاني سمعت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقول لا تغالوا في الاكفان واوصاهم ان يحنطون بفاضل حنوط رسول الله صلى الله عليه واله وسلم .
روى الشيخ الطوسي عليه الرحمة في اماليه باسناده الى الاصبغ بن نباتة قال لما ضرب ابن ملجم لعنة الله امير المؤمنين علي بن ابي طالب «ع» غدونا عليه نفر من اصحابنا انا والحارث وسويد به غفلة وجماعة معنا فقعدنا على الباب فسمعنا البكاء من الدار فبكينا فخرج الينا الحسن بن علي عليهما السلام فقال يقول لكم امير المؤمنين انصرفوا الى منازلكم فانصرف القوم غيري واشتد البكاء في منزله فبكيت وخرج الحسن فقال الم اقل لكم انصوفوا فقلت لا والله يا ابن رسول الله ما تتابعني نفسي ولا تحملني رجلاي ان انصرف حتى أرى امير المؤمنين قال وبكيت
فدخل الدار ولم يلبث ان خرج فقال لي ادخل فدخلت على امير المؤمنين «ع» فاذا هو مستند معصوب الرأس بعمامة صفراء قد نزف دمه واصفر وجهه فما ادري وجهه اشد صفرة ام العمامة فأكببت عليه فقبلته وبكيت فقال لي لا تبك يا اصبغ فانها والله الجنة فقلت له جعلت فداك اني اعلم والله انك تصير الى الجنة وانما ابكي لفقداني اياك يا امير المؤمنين (وروى) الراوندي في الخرائج عن عمرو بن الحمق قال دخلت على علي «ع» حين ضرب الضربة بالكوفة فقلت ليس عليك بأس انما هو خدش قال لعمري اني لمفارقكم ثم اغمي عليه فبكت ام كلثوم فلما افاق قال لا تؤذيني يا ام كلثوم فانك لو ترين ما ارى ان الملائكة من السماوات السبع بعضهم خلف بعض والنبيين يقولون انطلق يا علي فما امامك خير لك مما انت فيه (وروى) ابو الفرج الاصبهاني في المقاتل باسناده ان صعصعة بن صوحان استأذن على علي «ع» وقد اتاه عائدا لا ضربه ابن ملجم فلم يكن عليه اذن فقال صعصة للاذن قل له يرحمك الله يا امير المؤمنين حيا وميتا فلقد كان الله في صدرك عظيما ولقد كنت بذات الله عليما فابلغه الاذن اليه فقال قل له وانت يرحمك الله فلقد كنت خفيف المؤونة كثير المعونة (ولما) ادخل ابن ملجم على امير المؤمنين صلوات اله عليه نظر اليه ثم قال اي عدو الله الم احسن اليك قال بلى قال فما حملك على هذا (وفي رواية)انه قال لقد كنت اعلم انك قاتلي وانما احسنت اليك لاستظهر بالله عليك (ثم قال) النفس بالنفس فان انا مت
فاقتلوه كما قتلني وان سلمت رايت فيه رأيي فقالابن ملجم والله لقد ابتعته بالف وسمعته بالف فان خانني فابعده الله (ونادته) ام كلثوم يا عدو الله قتلت امير المؤمنين قال انما قتلت اباك قالت يا عدو الله اني لارجو ان لا يكون عليه بأس قال لها فاراكي انما تبكين علي اذا والله لقد ضربته ضربة لو قسمت بين اهل الارض لا هلكتهم (ثم) اخرج من بين يديه وان الناس لينهشون لحمه بأسنانهم كأنهم سباع وهم يقولون يا عدو الله ماذ فعلت اهلكت امة محمد صلى الله عليه واله وسلم وقتلت خير الناس وانه لصامت لم ينطق فذهب به الى الحبس وجاء الناس الى امير المؤمنين «ع» فقالوا مرنا بامرك في عدو الله لقد اهلك الامة وافسد الملة فقال لهم ان انا عشت رايت فيه رأيي وان هلكت فاصنعوا به كما يصنع بقاتل النبي اقتلوه ثم حرقوه بعد ذلك بالنار (1) (وفي رواية) انه قال احبسوا
هذا الاسير واطعموه واسقوه واحسنوا اساره (ثم) جمع له اطباء الكوفة فلم يكن اعلم بجرحه من أثير بن عمرو بن هاني السكوني وكان ابصرهم بالطب وكان متطببا صاحب كرسي يعالج الجراحات (قال) ابو الفرج وكان من الاربعين غلاما الذين سباهم خالد بن الوليد في عين التمر (وفي الاستيعاب) وهو الذي تنسب اليه صحراء اثير فلما نظر الى جرح امير المؤمنين «ع» دعا برئة شاة حارة وتتبع عرقا منها فاستخرجه فادخله في الجرح ثم نفخه ثم استخرجه فاذا عليه بياض الدماغ واذا الضربة قد وصلت الى ام رأسه فقال يا امير المؤمنين اعهد عهدك فان عدو الله قد وصلت ضربته الى ام رأسك فيئس الناس عند ذلك من امير المؤمنين «ع» . وماذا كانت حالة اهل البيت عليهم السلام حين سمعوا هذا الكلام من أثير وما جرى على الحسن والحسين وزينب وام كلثوم ولبابة وسائر اولاد امير المؤمنين «ع» حين تيقنوا ان امير المؤمنين مفارقهم عاجلا وميت من ضربته تلك . لا شك انهم اجروا العيون بالدموع والتهبت نار الوجد والحزن
منهم بين الضلوع فمن قائل وا أباه وا علياه وا امير المؤمنينا ه وا شهيداه وا مقتولاه ومن قائلة وا ابتاه وا سيداه وا جداه وا محمداه وا فاطمتاه وا حمزتاه وا جعفراه . ولا بأس على المؤمن اذا واسى ساداته واهل بيت نبيه في مصابهم فبكى طويلا ونادى وا سيداه واماماه وا علياه وا شهيداه وا مظلوماه .
* * *
روى الشيخ في الامالي بسنده عن حبيب بن عمرو قال
دخلت على امير المؤمنين علي بن ابي طالب «ع» بعد ما ضربه ابن ملجم فحل عن جراحته فقلت يا امير المؤمنين ما جرحك هذا بشيء وما بك من بأس فقال لي يا حبيب انا والله مفارقكم الساعة قال فبكيت عند ذلك وبكت ام كلثوم وكانت قاعدة عنده فقال لها ما يبكيك يا بنية فقالت ذكرت يا ابه انك تفارقنا الساعة فبكيت فقال لها يا بنية لاتبكي فوالله لو ترين ما يرى ابوك ما بكيت قال حبيب فقلت ما الذي ترى يا امير المؤمنين فقال يا حبيب ارى ملائكة السماوات والنبيين بعضهم في اثر بعض وقوفا الى ان يتلقوني وهذا اخي محمد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم جالس عندي يقول اقدم فان امامك خيرا مما انت فيه (وفي البحار عن بعض الكتب) ثم تزايد ولوج السم في جسده الشريف حتى نظرنا الى قدميه وقد احمرتا جميعا فكبر ذلك علينا وأيسنا منه ثم عرضنا عليه المأكول والمشروب فابى ونظرنا الى شفتيه وهما يختلجان بذكر الله وجعل جبينه يرشح عرقا وهو يمسحه فقال له ابن الحنفية اراك تمسح جبينك فقال يا بني اني سمعت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقول ان المؤمن اذا نزل به الموت عرق جبينه وسكن أنينه ثم نادى اولاده كلهم باسمائهم صغيرا وكبيرا واحدا بعد واحد وجعل يودعهم ويقول الله خليفتي عليكم استودعكم الله وهم يبكون فقال له الحسن «ع» يا أبه ما دعاك الى هذا فقال له يا بني اني رايت جدك رسول الله صلى الله عليه واله وسلم في منامي قبل هذه الكائنة بليلة فشكوت اليه ما انا فيه من التذلل والاذى من هذه الامة
فقال لي ادع عليهم فقلت اللهم ابدلهم بي شرا مني وابدلني بهم خيرا منهم فقال لي قد استجاب الله دعاءك وسينقلك الينا بعد ثلاث وقد مضت الثلاث يا ابا محمد اوصيك بابي عبد الله خيرا فنتما مني وانا منكما ثم التفت الى اولاده الذين من غير فاطمة «ع» واوصاهم ان لا يخالفوا اولاد فاطمة يعني الحسن والحسين عليهما السلام ثم قال احسن الله لكم العزاء الا واني منصرف عنكم في ليلتي هذه ولاحق بحبيبي محمد صلى الله عليه واله وسلم كما وعدني ثم اغمي عليه ساعة وافاق وقال هذا رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وعمي حمزة واخي جعفر واصحاب رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وكلهم يقولون عجل قدومك علينا فانا اليك مشتاقون ثم ادار عينيه في اهل بيته كلهم وقال استودعكم الله جميعا سددكم الله جميعا حفظكم الله جميعا الله خليفتي عليكم وكفى بالله خليفة ثم قال وعليكم السلام يا رسل ربي ثم قال لمثل هذا فليعمل العاملون ان الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون وعرق جبينه وهو يذكر الله كثيرا وما زال يذكر الله كثيرا ويتشهد الشهادتين ثم ياشتقبل القبلة وغمض عينيه ومد رجليه ويديه وقال اشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له واشهد ان محمدا عبده ورسوله ثم قضى نحبه (اي واماماه وا سيداه وا شهيداه وا مظلوماه) فعند ذلك صرخت زينب بنت علي «ع» وام كلثوم وجميع نسائه وقد شقوا الجيوب ولطموا الخدود وارتفعت الصيحة في القصر فعلم اهل الكوفة ان امير المؤمنين «ع» قد قبض فاقبل الرجال والنساء يهرعون افواجا افواجا
وصاحوا صيحة عظيمة فارتجت الكوفة باهلها وكثر البكاء والنحيب وكثر الضجيج بالكوفة وقبائلها ودورها وجميع اقطارها فكان ذلك كيوم مات فيه رسول الله صلى الله عليه واله وسلم .
|
| لقد مـات خيـر الخلق بعد محمد | و اكرمهم فضـلا واوفاهم عهدا | |
| واضربهم بالسيف في مهج العدى | واصدقهم قيلا و انجـزهم وعدا |
| المجلس السادس عشر(1) |
ان شخصية امير المؤمنين علي «ع» من اقوى الشخصيات التي عرفها التاريخ ، ولست بسبيل ان افصل ما فيها من نبل وقوة وخصائص تستهوي الافئدة ، وانما سبيلي ان ابحث جانبا من
| (1) من المجالس التي اضفناها الى الطبعة السابقة . |
|
غير ان هذه الاراء كثيرة مبعثرة وكثيرا ما يتكرر الرأي الواحد اكثر من مرة ، وليس «نهج البلاغة» بمقسم تقسيما يفصل كل مجموعة متشابهة من الاراء عما عداها ، وهذا هو موطن الصعوبة ولكنه ايضا مهمة الباحث ، وعلى هذا فسنقسم الاراء الى :
1ـ علاقة الانسان بربه ،
2ـ علاقة الانسان بنفسه ،
3ـ علاقة الانسان بغيره ،
4ـ ثم سياسة الدولة وهو باب متشعب كما سنرى .
وقد يعترض معترض بان القسمين الاولين الباحثين في علاقة الانسان بربه وعلاقته بنفسه يجب ان يستبعدا من بحث مقصور على الاغراض الاجتماعية اي على ما يقوم بين الناس من معاملات ليس منها ، معاملات الفرد للخالق ولا لنفسه التي بين جنبيه ولكن هذا الاعتراض غير وجيه ، الا بالنسبة للاراء الميتافيزيقية البحتة التي بحث فيها الامام بحثا مطولا عن منشأ الكون وعلاقة الاجرام بعضها ببعض وكيفية خلق الملائكة والبشر ، تلك الاراء التي وجدها خرجة عن مرضوعنا فاسبعدناها انا علاقة
|
هذا الا ان هذين القسمين شيء قليل بالنسبة للقسمين الاخرين .
اما عن علاقة الفرد بربه فقد ضم نهج البلاغة بين دفتيه صفحات نادرة في تمجيد الله وتحليل صفاته ، وكثر فيه النصح بالقاء النفس الى الله كما جاء في وصة الامام لابنه وبشكره على نعمائه وعدم الاغترار بما يوفق اليه من النجاح (واذا انت هديت لقصدك ، فكن اخشع ما تكون لربك) . واوصى ابن ابي بكر بقوله : (. . ولا تسخط الله برضا احد من خلقه فإن في الله خلفا من غيره ، وليس من الله خلف في غيره) . وبمثل هذا كان يفتتح خطاباته الى ولائه وقضائه ؟ ولنستمع الى قوله حين بعث بعض
|
وقد ظهرت عقيدته الراسخة في الله ودعوته الى نصرة دينه في قوله : (لا تجعلن اكثر شغلك باهلك وولدك واولياء الله فان الله لا يضيع اولياءه وان يكونوا اعداء لله فما همك وشغلك باعداء الله) .
على ان نغمته الزاهدة لا تفتأ تتكرر فهو يقول لنا هنا : (من رضي برزق الله لم يحزن على ما فاته) ويقول لنا هناك ان (الرزق رزقان ، رزق تسعى اليه ورزق يسعى اليك) وهذا قول حكيم لانه لا يدعو الى الكسل وانتظار الرزق من الله ، بل يقول ان السعي يزيد الرزق ولكن يجب على المرء الا يشغل بجميع جوارحه بالسعي وراء الدنيا فيغفل عن العمل الصالح .
سبق ايراد قوله «ع» : (من اصبح يشكو مصيبة نزلت به فقد اصبح يشكو ربه) .
|
والان نضم الى ذلك قوله : (ولا يحمد حامد الا ربه ، ولا يلم لائم الا نفسه) . ان النص الاول يدعونا الى عدم شكوى الزمان ، لان الزمان يجري كما قضى الله وقدر فثورتنا عليه ليست الا ثورة على قضاء الله وقدره ، اما النص الثاني فانه يدعونا الى ان نعتقد ان الخير من الله ، وان الشر من انفسنا اي ان الله اعطانا عقلا نميز به بين الطريقين كما قال تعالى « انا هديناه النجدين » فان سلكنا طريق الشر فلا نلم الا انفسنا . وان سلكنا طريق الخير فلا نحمد الا الله لانه هو الذي ارشدنا .
أ ـ واما عن علاقة الفرد مع نفسه فقد قال «ع» في وصيته الى ابن ابي بكر : (. . فانت محقوق ان تخالف على نفسك) اي ان تخالف هواك وتحكم عقلك . ثم قال في موضع آخر : (من كان له من نفسه واعظا ، كان عليه من الله حافظا) . وأوضح ذلك الرأي بموضع ثالث بقوله : (من لم يعن نفسه حتى يكون له منها واعظ وزاجر ، لم يكن له من غيرها زاجر ولا واعظ) .
لقد عرف الامام علي ان بالنفس نوازع شر ونوازع خير فدعا الى التشديد عليها حين تأمر بالسوء واستعان عليها بالله في قوله : (والله المستعان على نفسي وانفسكم) ثم اعتمد على الضمير اليقظ واهاب بنا ان نقويه فانه عاصمنا ومنه المزدجر . وقد زاد من عنايته بالتدريب النفسي انه اعتقد ان الطباع كسبية فقال : (ان لم تكن حليما فتحلم فانه قل من تشبه بقوم الا اوشك ان يكون منهم) وانه اعتقد ان الانسان مفطور على الخير وان الخير في
|
ب ـ ونلاحظ انه اكثر من النهي عن (الامل) لا الامل الذي نعرفه والذي حث الله عليه بل اوجبه في ذكر اقواله تعالى «ولا ييأس من روح الله الا القوم الكافرون» وانما الامل بمعنى الاعتماد على طول الاجل ، وارتكاب المحرمات ، وارجاء الفرائض اعتماداً على ذلك وهذا رأي نشاركه كلنا فيه فان كل ما بالعالم يمر في سرعة وثابة وما انصف ولا اصاب من يبذر في صحته او ماله اعتمادا على وفرة صحته او ماله ولا من يؤجل العمل انتظاراً للغد . فان الغد يمر ونمر معه ، واذن فما احرانا ان نعمل بنصيحة الامام القائلة (وبادروا اجالكم باعمالكم) وان نتدبر قوله : (ان اخوف ما اخاف عليكم اتباع الهوى وطول الامل) .
ج ـ لم اكد أبدأ بالكتابة عن علاقة الانسان بربه حتى شعرت بنحولة الفاصل بين هذا القسم والقسمين الاخرين ، وها انذا الان اشعر بهذه النحولة ايضا : فها هي حكم ووصايا تدخل في سلوك المرء مع نفسه ، وتدخل في سلوكه مع غيره كقوله (قرنت الهيبة بالخيبة والحياء بالحرمان والفرصة تمر مر السحاب فانتهزوا فرص الخير) ومثل قوله : (الصبر صبران : صبر على ما تكره وصبر على ما تحب) وقوله البليغ : (افضل الزهد اخفاء الزهد) ونهيه : (واياك والاعجاب بنفسك والثقة بما يعجبك منها
|
| المجلس السابع عشر(2) |
اذا كان علي «ع» قد وضع لنا هذه القاعدة النبيلة في قياس الفضيلة والخير وهي الا نعمل في السر ما نخجل من عمله في العلن حيث قال ؛ (واحذر كل عمل يعمل به في السر ويستحى منه في العلانية) فانه قد حبانا ايضا بمقياس نبيل لاعمالنا تجاه الاخرين في قوله الخالد : (يا بني اجعل نفسك ميزانا فيما بينك وبين غيرك
|
(1) عبده حسن الزيات . (2) من المجالس التي اضفناها على الطبعة السابقة . |
| السابق |
الفهرس |
التالي |