المجالس السنية ـ الجزء الثاني 199

المجلس الحادي عشر بعد المائة

في امالي الشيخ الطوسي عليه الرحمة انه لما هاجر النبي «ص» الى المدينة نزل في بني عمرو بن عوف بقبا فأراه صاحبه على دخول المدينة فقال ما أنا بداخلها حتى يقدم ابن عمي وابنتي يعني علياً وفاطمة عليهما السلام ثم كتب رسول الله «ص» الى علي «ع» مع ابي واقد الليثي يأمره بالمسير اليه فلما اتاه الكتاب تهيأ للخروج وأمر من كان معه من ضعفاء المؤمنين أن يتسللوا ليلا الى ذي طوى وخرج علي «ع» بالفواطم وهن فاطمة بنت رسول الله «ص» وامه فاطمة بنت اسد بن هاشم وفاطمة بنت الزبير بن عبد المطلب وتبعهم ايمن بن ام ايمن مولى رسول الله «ص» وابو واقد الذي جاء بالكتاب فجعل ابو واقد يسوق بالرواحل سوقا حثيثا فقال علي «ع» ارفق بالنسوة يا أبا واقد انهن من الضعائف قال اني اخاف ان يدركنا الطلب فقال علي «ع» اربع عليك «اي لا تخف» ثم جعل علي «ع» يسوق بهن سوقا رفيقا وهو يرتجز ويقول :
ليس الا الله فارفع ظنكا يكفيك رب الناس ما اهمكا

ما رضي امير المؤمنين «ع» ان يسوق ابو واقد بالفواطم سوقا عنيفا لأنهن من الضعفاء «فياليت» امير المؤمنين لا غاب عن بنات الفواطم يوم حملن من كربلاء الى ابن زياد بالكوفة ومن الكوفة الى يزيد بالشام على اقتاب الجمال كأنهن من سبايا الترك او الديلم وليس معهن من ولاتهن ولي ولا من حماتهن حمي غير العليل زين العابدين وقد امر به ابن زياد فغل بغل الى عنقه حتى ادخلوا على يزيد وهم مقرنون في الحبال وزين العابدين «ع» مغلول فلما وقفوا بين يديه على

المجالس السنية ـ الجزء الثاني 200

تلك الحال قال له علي بن الحسين «ع»انشدك الله يا يزيد ما ظنك برسول الله «ص» لو رآنا على هذه الصفة فلم يبق في القوم احد الا وبكى فأمر يزيد بالحبال فقطعت وامر بفك الغل عن زين العابدين «ع» .
يسار بها عنفا بلا رفـق محرم بها غير مغلول يحـن على صعـب
ويحضرها الطاغي بناديه شامتا بما نال اهل البيت من فادح الخطب

وسار علي «ع» فلما قارب ضجنان (1) ادكه الطلب وهم ثمانية فرسان ملثمون ومعهم مولى لحرب بن امية اسمه جناح فقال علي «ع» لأيمن وأبي واقد انيخا الابل واعقلاها وتقدم فأنزل النسوة ودنا القوم فاستقبلهم علي «ع» منتضيا سيفه فقالوا ظننت انك يا غدار ناج بالنسوة ارجع لا ابالك قال فان لم افعل قالوا لترجعن راغما او لنرجعن بأكثرك شعرا «اي برأسك» واهون بك من هالك ودنا الفوارس من المطايا ليثوروها فحال علي «ع» بينهم وبينها فأهوى له جناح بسيفه فراغ علي «ع» عن ضربته وضربه على عاتقه فقتله وشد على اصحابه وهو على قدميه شدة ضيغم وهو يرتجز ويقول :
خلوا سبيل الجاهد المجاهد آليت لا اعبد غير الواحد

فتفرق القوم عنه وقالوا احبس نفسك عنا يا ابن ابي طالب قال فاني منطلق الى اخي وابن عمي رسول الله «ص» فمن سره ان افري لحمه واريق دمه فليدن مني ثم اقبل على ايمن وابي واقد وقال اطلقا مطاياكما ثم سار ظافرا قاهرا حتى نزل ضجنان فلبت بها يومه وليلته ولحق به نفر من المستضعفين من المؤمنين فيهم ام ايمن مولاة رسول الله «ع» وبات ليلته تلك هو والفواطم طورا يصلون

(1) مكان بين مكة والمدينة .
المجالس السنية ـ الجزء الثاني 201

وطورا يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم حتى طلع الفجر فصلى بهم صلاة الفجر ثم سار لا يفتر عن ذكر الله هو ومن معه حتى قدموا المدينة .
«ذكرني» دخول علي «ع» المدينة مع الفواطم ظافرا قاهرا لم يصب بسوء دخول ولده زين العابدين «ع» المدينة مع بنات الفواطم لكن شتان ما بين الدخولين فأمير المؤمنين «ع» قد دخل المدينة ظافرا منصورا على اعدائه وولده زين العابدين دخل المدينة بنساء اهل بيته بعد رجوعه من كربلاء وقد قتل ابوه الحسين وقتلت جميع أنصاره وأهل بيته وذبحت اطفاله وسبيت عياله فدخل «ع» إلى المدينة فرآها موحشة باكية ووجد ديار اهله خالية تنعى اهلها وتندب سكانها
مررت على ابيات آل محمد فلم ارها امثـالها يـوم حلـت
فلا يبعـد الله الديار واهلهـا وان اصبحت منهم برغم تخلت

المجلس الثاني عشر بعد المائة

لما هاجر النبي (ص) من مكة إلى المدينة هو وصاحبه ومولى صاحبه عامر بن فهيرة ودليلهم عبد الله بن أريقط الليثي مروا على خيمة ام معبد الخزاعية ، ثم جاء زوجها ابو معبد فقالت له مر بنا رجل مبارك من حاله كذا وكذا قال صفيه لي يا ام معبد قالت رأيت رجلاً طاهر الوضاءة (1) ابلج الوجه (2) حسن

(1) ظاهر الحسن .
(2) طلق الوجه .
المجالس السنية ـ الجزء الثاني 202

الخلق لم تعبه ثجله (1) ولم تزر به صقله (2) وسيما (3) قسيما (4) في عينيه دعـج (5) وفي اشفاره وطف (6) وفي عنقه صطع (7) وفي صوته صحل (8) وفي لحيته كثاثة (9) أزج (10) أقرن (11) أحور (12) اكحل (13) اذا صمت فعليه الوقار وان تكلم سما وعلاه البهاء (14) اجمل الناس وابهاه من بعيد وأحسنه وأجمله من قريب حلو المنطق فصل (15) لا نزر و لا هذر (16) كأن منطقه خرزات نظم يتحدرن ربعة لا ييأس من طول ولا تقحمه (17) عين من قصـر غصن بين غصنين فهو أنضر (18) الثلاثة منظراً واحسنهم قداً له رفقاء يحفون به ان قال أنصتوا لقوله وان امر تبادروا الى امره محفود (19) محشود (20) لا عابس ولا مفند (21) قال ابو معبد هو والله صاحب قريش الذي ذكر لنا من امره بمكة ما ذكر ولقد هممت بأن اصحبه ولأفعلن ان وجدت الى ذلك سبيلا (وقيل) لأمير المؤمنين علي بن ابي طالب «ع» كيف لم يصف احد النبي (ص) كما وصفته ام معبد فقال لأن النساء يصفن الرجال بأهوائهن فيجدن في صفاتهن (وكان) اشبه الناس برسول الله (ص)

(1) الثلجة بضم الثاء عظم البطن .
(2) لم تعبه دقة ونحول .
(3) حسن الوجه .
(4) اعطي كل شيء منه قسمه من الحسن .
(5) سواد مع سعة .
(6) كثرة شعر اشفار العين .
(7) طول .
(8) بحوحة .
(9) كثرة الشعر .
(10) دقيق الحاجبين طويلهما .
(11) مقرون الحاجبين متصل احدهما بالآخر .
(12) الحور اشتداد بياض العين وساد سوادها .
(13) يعلو جفون عينيه سواد مثل الكحل .
(14) الحسن والجمال .
(15) يفصل بين الحق والباطل .
(16) لا قليل ولا كثير .
(17) تحتقره .
(18) اجمل .
(19) مخدوم .
(20) يتبعه حشد لخدمته .
(21) لا يجرأ احد على تخطئته وتنفيد رأيه .
المجالس السنية ـ الجزء الثاني 203

ولده الحسين وعلي بن الحسين الاكبر وكانت الزهراء عليها السلام تقول للحسين «ع» وهي ترقصه :
أنت شبيه بأبي لست شبيهاً بعلي

وترقص الحسن «ع» وتقول :
اشبه اباك يا حسن واخلع عن الحق الرسن
واعبد الهاً ذا منن ولا تـوال ذا الاحـن

ولذلك لما حضر رأس الحسين «ع» بين يدي ابن زياد فجعل ينظر اليه ويبتسم وكان في يده قضيب فجعل يضرب به ثنياه ويقول انه كان حسن الثغر وكان عنده انس بن مالك بكى انس وقال كان أشبههم برسول الله (ص) ولما برز علي الأكبر يوم كربلاء نظر اليه الحسين «ع» نظرة آيس منه وارخى عينيه فبكى ثم رفع سبابتيه نحو السماء وقال اللهم كن أنت الشهيد عليهم فقد برز اليهم غلام أشبه الناس خلقا وخلقا ومنطقا برسولك وكنا اذا اشتقنا الى نبيك نظرنا اليه (الا) لعن الله أهل الكوفة فما رقت قلوبهم لشبيه رسول الله (ص) علي الأكبر حتى قطعوه بأسيافهم ووقف عليه الحسين «ع» وقال قتل الله قوماً قتلوك يا بني ما اجرأهم على الرحمن وعلى انتهاك حرمة الرسول على الدنيا بعدك العفا :
يا كوكبا ما كان أقصر عمره وكذا تكون كواكب الاسحار
جاورت اعـدائي وجاور ربه شتان بين جـواره وجواري

المجلس الثالث عشر بعد المائة

لما كانت غزوة بدر وهي أول غزوات رسول الله (ص) وأشدهما نكاية في

المجالس السنية ـ الجزء الثاني 204

المشركين وبها أذل الله جبابرة قريش وبها تمهدت قواعد الدين وثبت أساس الاسلام كان علي «ع» قطب رحاها وليث وغاها وكان عمره يومئذ خمساً وعشرين أو سبعاً وعشرين سنة وكان المشركون فيها نحواً من الف ومعهم مائتا فرس يقودونها والمسلمون ثلاثمائة وثلاثة عشر أو أزيد بقليل ومعهم ثمانون بعيرا وفرس واحد للمقداد فأول من برز من المشركين عتبة بن ربيعة وكان رئيس القوم وأخوه شيبة وابنه الوليد بن عتبة فدعوا الى المبارزة فخرج اليهم ثلاثة من الأنصار فقالوا لهم ارجعوا فما لنا بكم من حاجة ثم نادوا يا محمد اخرج الينا اكفاءنا من قومنا فقال النبي (ص) يا بني هاشم قوموا فقاتلوا بحقكم الذي بعث الله به نبيكم فقام حمزة بن عبد المطلب وعلي بن ابي طالب وعبيدة بن الحارث بن عبد المطلب بن عبد مناف فبرزوا وهم مقنعون في الحديد فلم يعرفهم عتبة فسألهم من انتم فانتسبوا له فقال اكفاء كرام فبارز حمزة عتبة فقتله وبارز علي وكان اصغر القوم سنا الوليد فقتله وبارز عبيدة وكان أسن القوم شيبة فجرحه وضربه شيبة على ساقه فقطعها وكر حمزة وعلي على شيبه فقتلاه واحتملا عبيدة (ولما) جيء بعبيدة وان مخ ساقه ليسيل قال يا رسول الله ألست شهيداً قال بلى قان أما والله لو كان ابو طالب حيا لعلم اني احق بقوله :
كذبتم وبيت الله نخلي محمدا ولمن نطاعن دونه ونناضل
ننصره حتى نصرع حـوله ونذهل عن أبنائنا والحلائل

وحمل عبيدة من مكانه فمات بالصفراء وجميع من قتل في هذه الوقعة من المشركين سبعون رجلا واسر منهم نحو من سبعين رجلا قتل المسلمون النصف وقتل علي «ع» باتفاق الرواة منهم خمسة وثلاثين بقدر النصف وقيل ستة وثلاثين أكثر من النصف بواحد فعدوا معهم عيسى بن عثمان وشرك في قتل شيبة وكان فيمن قتله علي «ع» العاص بن سعيد بن العاص بن امية قتله مبارزة بعد ان احجم عنه غيره وطعيمة بن عدي وكان من رؤوس أهل الضلال ونوفل بن خويلد وكان

المجالس السنية ـ الجزء الثاني 205

من شياطين قريش وأشد الناس عداوة لرسول الله (ص) وحنظلة بن ابي سفيان وقتل في هذه الوقعة ابو جهل عدو رسول الله (ص) الألد وقد زرعت هذه الوقعة الاضغان في قلب يزيد بن معاوية بقتل جد ابيه عتبة وأخيه شيبة وخال أبيه الوليد وأخيه حنظلة حتى اظهرها حين جيء اليه برأس الحسين عليه السلام فجعل يقول :
ليـت اشيـاخي ببدر شهدوا جزع الخزرج من وقع الاسل
لأهـلـوا واستهلـوا فـرحا ثم قالوا يـا يزيـد لا تشـل
قد قتلنا القرم من سـاداتهم وعدلنـاه بـبـدر فاعتـدل
لعبـت هاشـم بالملك فـلا خبر جاء ولا وحـي نـزل
لست من خندف إن لم انتقم من بني احمد ما كـان فعل

فقامت زينب بنت علي «ع» وخطبت خطبتها العظيمة المشهورة وقالت من جملتها . وتهتف بأشياخك زعمت انك تناديهم فلتردن وشيكا موردهم ولتودن انك شللت وبكمت ولم تكن قلت ما قلت وفعلت ما فعلت ثم قالت اللهم خذ لنا بحقنا وانتقم ممن ظلمنا واحلل غضبك بمن سفك دماءنا وقتل حماتنا .
ثـارات بـدر أدركـت في كربلا لبني امية من بنـي الزهراء
وهذا ابن هند من بني الطهر فاطم بثارات بدر أصبح اليوم يثأر

المجلس الرابع عشر بعد المائة

كان رجل يسمى ابا العاص بن الربيع وكان من رجال مكة المعدودين مالاً

المجالس السنية ـ الجزء الثاني 206

وأمانة وتجارة وكان ابن اخت خديجة ام المؤمنين وزوجه النبي (ص) ابنته زينب قبل النبوة وولد له منها بنت اسمها امامة وهي التي اوصت الزهراء امير المؤمنين «ع» ان يتزوج بها بعدها فقالت في جملة ما اوصته به وان تتزوج بعدي بابنة اختي امامة فانها تكون لولدي مثلي فتزوج بها امير المؤمنين «ع» بعد وفاة الزهراء عليها السلام فلما اكرم الله رسوله (ص) بالنبوة آمنت به خديجة وبناته ومنهن زينب وبقي ابو العاص مشركا وكان الاسلام قد فرق بينه وبين زينب إلا ان رسول الله (ص) كان لا يقدر وهو بمكة ان يفرق بينهما فلما دعا النبي (ص) قومه إلى الاسلام باعدوه وقالوا انكم قد فرغتم محمد من همه اخذتم عنه بناته فردوهن عليه يشتغل بهن فقالوا لأبي العاص فارق بنت محمد ونحن نزوجك أي امرأة شئت من قريش فقال لا افارقها وما احب ان لي بها امرأة من قريش فكان رسول الله (ص) إذا ذكره يثني عليه خيرا في صهره فلما هاجر رسول الله (ص) إلى المدينة بقيت زينب بنت رسول الله (ص) بمكة مع ابي العاص فلما سارت قريش إلى بدر سار ابو العاص معهم فأسر فلما بعثت اهل مكة في فداء اساراهم بعثت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في فداء زوجها ابي العاص بمال وكان فيما بعثت به قلادة كانت خديجة امها ادخلتها بها على ابي العاص ليلة زفافها عليه فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قلادة ابنته زينب رق لها رقة شديدة وقال للمسلمين ان رأيتم ان تطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها ما بعثت به من الفداء فافعلوا فقالوا نعم يا رسول الله نفديك بأنفسنا وأموالنا فردوا عليها ما بعثت به واطلقوا لها ابا العاص بغير فداء (اقول) إذا كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما نظر إلى قلادة ابنته زينب رق لها رقة شديدة وهي لم تسلب منها ولم تؤخذ قهرا بل ارسلتها طوعاً لفداء زوجها الذي هو اسير عند ابيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد خرج لمحاربته فما كان يجري على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لو نظر إلى قلادة ابنته زينب بنت علي وفاطمة وقلادة ابنته وبضعته فاطمة الزهراء وقلائد سائر بناته بين يدي عمر بن سعد ويزيد وابن زياد وذلك لما قتل الحسين «ع» واقبل القوم على نهب بيوت آل الرسول واقتحموا

المجالس السنية ـ الجزء الثاني 207

على النساء يسلبونهن ولذلك لما وعد يزيد علي بن الحسين «ع» ان يقضي له ثلاث حاجات كانت احدى الحاجات ان يرد عليهم ما اخذ منهم فقال يزيد انا اعوضكم عنه اضعاف قيمته فقال «ع» اما مالك فلا نريده وهو موفر عليك وإنما طلبت ما أخذ منا لأن فيه مغزل فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله وسلم ومقنعتها وقلادتها فامر برد ذلك .
سلبت وما سلبت محا مد عزها الغر البديعة

«وهل» كانت زينب تعدل عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعند المسلمين اختها فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين وهل كان ابو العاص يعدل امير المؤمنين «ع» لا والله .
فعلتم بأبناء النبي ورهطه افاعيل ادناها الخيانة والغدر

المجلس الخامس عشر بعد المائة

لما اطلق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ابا العاص زوج ابنته زينب الذي اسر يوم بدر شرط عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ان يبعث اليه زينب الى المدينة فلما خرج ابو العاص الى مكة بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زيد بن حارثة ورجلا من الأنصار فقال كونا بمكان كذا حتى تمر بكما زينب فتأتياني بها وقدم ابو العاص الى مكة فأرسلها مع اخيه كنانة بن الربيع واركبها في هودج وخرج بها نهاراً فقالت قريش لا تخرج ابنة محمد من بيننا على تلك الحال فخرجوا في طلبها حتى ادركوها بذي طوى فروعها هبار بن الأسود بالرمح وهي في الهودج وكانت حاملاً فلما رجعت اسقطت ولما رأى كنانة القوم قد اقبلوا برك ونثل كنانته واخذ منها سهما ووضعه في قوسه وقال والله لا يدنو منها رجل الا وضعت فيه سهما فجاء رؤساء قريش وفيهم

المجالس السنية ـ الجزء الثاني 208

ابو سفيان فقالوا انك لم تصب خرجت بها علانية وقد عرفت مصيبتنا ببدر فيظن الناس اذا خرجت بها جهاراً ان ذلك عن ذل ووهن اصابنا ولكن ارجع فاذا هدأت الاصوات وتحدث الناس بردها فاخرج بها سراً فرجع كنانة ثم خرج بها ليلا حتى سلمها الى زيد بن حارثة وصاحبه فقدما بها على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأهدر دم هبار لما بلغه ذلك فلما كان يوم فتح مكة اتاه هبار مسلما فقبل اسلامه وعفا عنه . (بأبي) انت وأمي يا رسول الله اهدرت دم هبار لأنه روع ابنتك زينب حتى اسقطت فما كنت صانعاً لو نظرت الى من روع بناتك يوم كربلا بعد قتل ولدك الحسين حين هجم القوم على خيام بناتك وعيالاتك وانتهبوا ما فيها واضرموا فيها النار (قال) حميد بن مسلم رأيت امرأة من بكر بن وائل كانت مع زوجها في اصحاب عمر بن سعيد فلما رأت القوم قد اقتحموا على نساء الحسين «ع» في فسطاطهن وهم يسلبونهن أخذت سيفا واقبلت نحو الفسطاط وقالت يا آل بكر بن وائل أتسلب بنات رسول الله لا حكم الا لله يا لثارات رسول الله فاخذها زوجها وردها الى رحله .
وحائـرات اطـار القـوم اعينها رعبا غداة عليها خدرها هجموا
كانت بحيث عليها قومها ضربت سرادقا ارضه من عزمهم حرم
فغودرت بين ايـدي القوم حاسرة تسبى وليس لها من فيه تعتصم

واقام ابو العاص بمكة على شركه وزينب عند ابيها صلى الله عليه وآله وسلم فخرج ابو العاص قبل فتح مكة بيسير تاجراً الى الشام بمال له ولقريش فلما رجع لقيته سرية لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخذوا ما معه وهرب فجاءت السرية بما أخذت منه الى رسول الله (ص) وخرج ابو العاص حتى دخل ليلا على زينب في طلب ماله فاستجار بها فأجارته فلما كبر رسول الله (ص) في صلاة الصبح صرخت زينب من صفة النساء ايها الناس قد اجرت ابا العاص بن الربيع فلما فرغ النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الصلاة دخل

المجالس السنية ـ الجزء الثاني 209

عليها وقال لها اكرمي مثواه واحسني قراه ثم قال للسرية الذين اصابوا مال أبي العاص ان هذا الرجل منا بحيث علمتهم فان تحسنوا وتردوا عليه الذي له فانا نحب ذلك وإن أبيتم فهو فيء الله الذي افاءه عليكم وأنتم احق به فقالوا بل نرده فردوه عليه ثم ذهب إلى مكة فرد إلى الناس أموالهم ثم أسلم ورجع إلى المدينة فرد النبي صلى الله عليه وآله وسلم عليه زينب «قال» أبو العاص كنت مستأسراً مع رهط من الأنصار جزاهم الله خيراً فكانوا يؤثرونني بالخبز ويأكلون التمر والخبز عندهم قليل حتى ان الرجل لتقع في يده الكسرة فيدفعها الي «وقال» الوليد بن المغيرة كانوا يركبوننا ويمشون «وهذه ، سنة الاسلام في الأسير من اكرامه والرفق به وان كان كافرا «ألا» قاتل الله عبيد الله بن زياد فانه لم يرفق بأسارى كربلا ولم يكرمهم وهم عترة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسادات المسلمين وأهل البيت الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا فأمر بزين العابدين امام اهل البيت ووارث علوم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فغل بغل الى عنقه وبعثه كذلك مع عماته واخواته الى يزيد بالشام .
ليـس هـذا لـرسول الله يا امة الطغيان والبغي جزا
جزروا جزر الاضاحي نسله ثم ساقوا اهله سوق الاما

المجلس السادس عشر بعد المائة

لما كانت وقعة احد جاءت قريش ومن طاعها من القبائل وخرجوا معهم بالنساء يضربن بالطبول والدفوف ويحرضن على الحرب فيهن هند زوجة ابي

المجالس السنية ـ الجزء الثاني 210

سفيان وكان رئيس القوم وكان المشركون ثلاثة آلاف فيهم سبعمائة درع ومائتا فرس والمسلمون الفا وفيهم مائة درع والخيل فرسان فرجع منهم ثلاثمائة من المنافقين فبقوا سبعمائة وكان الفتح في هذه الوقعة وانهزام المشركين على يد أمير المؤمنين «ع» كما في وقعة بدر وقتل بسيفه صناديد المشركين ورؤوس الضلال وفرج الله به الكرب عن وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وجعل المشركون على ميمنتهم خالد بن الوليد وعلى ميسرتهم عكرمة بن ابي جهل ولواؤهم مع بني عبد الدار وكان لواء النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع علي بن ابي طالب فلما علم ان لواء المشركين مع بني عبد الدار اعطى لواءه رجلا منهم يسمى مصعب بن عمير فلما قتل رده الى علي «ع» واستقبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المدينة وجعل احدا ظهره وجعل وراءه الرماة وكانوا خمسين رجلا وامر عليهم عبد الله بن جبير وقال له اثبت مكانك ان كانت لنا او علينا ولبس صلى الله عليه وآله وسلم درعين . وقتل علي «ع» اصحاب اللواء فيما رواه ابن الأثير عن ابي رافع وكانوا سبعة منهم طلحة وكان يسمى كبش الكتيبة وابنه ابو سعيد واخوه خالد وعبد لهم يسمى صوباً اخذ اللواء لما قتل مواليه فقتله علي «ع» وانهزم المشركون ودخل المسلمون عسكرهم ينهبون فلما رأى ذلك بعض الرماة اقبلوا يريدون النهب وثبتت طائفة مع أميرهم فنزلت « منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة» فرأى خالد بن الوليد قلة من بقي من الرماة فحمل عليهم فقتلهم وحمل على اصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم من خلفهم فلما رأى المشركون خيلهم تقاتل حملوا على المسلمين فهزموهم (قال) ابن الأثير ورجع رجل من الصحابة وجماعة من هزيمتهم بعد ثلاثة ايام فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لقد ذهبتم فيها عريضة وباشر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الحرب بنفسه وجرح وسقط لوجهه وكسرت رباعيته (اي سنه) وثبت معه علي يذب عنه ويقاتل بين يديه وكان رجوع الناس من هزيمتهم الى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بثبات علي ومقامه وتوجه العتاب من الله تعالى الى عامتهم لهزيمتهم سوى علي «ع» وذلك قوله تعالى « اذ تصعدون ولا تلوون على أحد والرسول يدعوكم في اخراكم فأثابكم غما بغم لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما

المجالس السنية ـ الجزء الثاني 211

اصابكم والله خبير بما تعملون»
وقوله تعالى «ان الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان انما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفى الله عنهم ان الله غفور حليم» قال ابن الأثير فأبصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم جماعة من المشركين فقال لعلي احمل عليهم فحمل عليهم وفرقهم ، قتل فيهم ثم رأى جماعة أخرى فقال له احمل عليهم فحمل عليهم وفرقهم وقتل فيهم هذه هي المواساة ولا تقصر عنها مواساة ابي الفضل العباس يوم كربلاء لأخيه الحسين «ع» وكان صاحب لواء الحسين «ع» كما كان أميرالمؤمنين «ع» صاحب لواء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فخرج العباس يطلب الماء وحمل على القوم وهو يقول :
لا ارهب الموت اذا المـوت رقى حتى اوارى في المصاليت لقا
نفسي لسبط المصطفى الطهر وقا اني أنا العباس اغـدو بالسقا
ولا اخاف الشر يوم الملتقى

فضربه زيد بن ورقاء على يمينه فقطعها فأخذ السيف بشماله فضربه حكيم بن الطفيل على شماله فقطعها وضربه آخر بعمود من حديد فقتله فبكى الحسين «ع» لقتله بكاء شديداً .
واذكر أبا الفضل هل تنسى فضائله في كربلا حيـن جد الأمـر والتبسا
واسـى أخـاه وفـاداه بمهجـتـه وخاض في غمرات الموت منغمسـا

المجلس السابع عشر بعد المائة

في الكامل لابن الأثير لما كان يوم احد وانهزم المسلمون بمخالفة الرماة امر

المجالس السنية ـ الجزء الثاني 212

رسول الله (ص) ، كسرت رباعية رسول الله (ص) السفلى (والرباعية هي السن) وشقت شفته وجرح في وجنته «ولما» جرح رسول الله (ص) جعل الدم يسيل على وجهه وهو يمسحه ويقول كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم بالدم وهو يدعوهم الى الله وترس ابو دجانة رسول الله (ص) بنفسه «يعني جعل نفسه كالترس له» فكان يقع النبل في ظهره وهو منحن عليه ، كما ترس سعيد بن عبد الله الحنفي الحسين «ع» يوم عاشوراء ووقف يقيه من النبال بنفسه ما زال ولا تخطى فما زال يرمى بالنبل حتى سقط الى الأرض وهو يقول اللهم العنهم لعن عاد وثمود اللهم ابلغ نبيك عني السلام وابلغه ما لقيت من ألم الجراح فاني اردت ثوابك في نصر ذرية نبيك ثم قضى نحبه رضوان الله عليه فوجد فيه ثلاثة عشر سهما سوى ما به من ضرب السيوف وطعن الرماح «وكذلك» فعل عمرو بن قرظة الانصاري فانه كان لا يأتي الى الحسين «ع» سهم الا اتقاه بيديه ولا سيف الا تلقاه بمهجته فلم يكن يصل الى الحسين «ع» سوء حتى اثخن بالجراح فالتفت الى الحسين «ع» وقال يا ابن رسول الله اوفيت قال نعم أنت امامي في الجنة فاقرأ رسول الله (ص) عني السلام واعلمه اني في الاثر فقاتل حتى قتل رضوان الله عليه «واقتدى» بهما في ذلك حنظلة بن اسعد الشبامي فانه جاء فوقف بين يدي الحسين «ع» يقيه السهام والرماح والسيوف بوجهه ونحره ثم تقدم فقاتل حتى قتل . وقاتل رسول الله (ص) يوم احد قتالاً شديداً فرمى بالنبل حتى فني نبله وانكسرت سية قوسه وانقطع وتره (ولما) جرح رسول الله (ص) جعل علي ينقل له الماء في درقته من المهراس (والمهراس اسم عين باحد) ويغسل الدم فلم ينقطع فاتت فاطمة عليها السلام تعانقه وتبكي «فياليت» علياً «ع» لاغاب عن ولده الحسين «ع» يوم كربلاء ليدفع عنه عسكر ابن سعد وينقل له الماء بدرقته من الفرات حين حال الأعداء بينه وبين الماء كما نقل الماء بدرقته الى رسول الله (ص) من المهراس (وياليت) فاطمة الزهراء «ع» التي بكت من جرح واحد أصاب أباها رسول الله (ص) نظرت الى ولدها ولفذة كبدها الحسين «ع» حين

المجالس السنية ـ الجزء الثاني 213

أصابه اثنان وسبعون جراحة ما بين رمية وطعنة وضربة فكانت تضمد جراحاته كما ضمدت جرح أبيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وما أدري ما كان يجري على فاطمة لو نظرت إلى الجرح الذي في صدر ولدها الحسين وذلك حين رماه خولي بن يزيد بسهم محدد مسموم له ثلاث شعب فوقع على صدره فقال بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم أخذ السهم فأخرجه فانبعث الدم كأنه ميزاب .
أفاطـم لو خلـت الحسين مجدلاً وقد مات عطشاناً بشـط فـرات
إذا للطمت الخـد فاطـم عنـده وأجريت دمع العين في الوجنات
أفاطم قومي يا ابنة الخير و اندبي نجـوم سمـاوات بـأرض فلاة

ولما ارجع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة استقبلته فاطمه عليها السلام ومعها إناء فيه ماء فغسل وجهه (1) ولحقه أمير المؤمنين «ع» وقد خضب الدم يده الى كتفه ومعه ذو الفقار فناوله فاطمة عليها السلام وقال لها خذي هذا السيف فقد صدقني اليوم وأنشأ يقول :
افاطـم هاك السيـف غيـر ذميـم فلست بـرعديـد ولا بمليـم
لعمري لقـد اعذرت في نصر أحمد وطاعـة رب بالعبـاد عليـم
اميطـي دمـاء القـوم عنـه فانـه سقى آل عبد الدار كأس حميم


(1) هذه رواية المفيد وهي تدل على ان فاطمة كانت باقية بالمدينة لم تخرج الى أحد وهي الأقرب الى الاعتبار وما تقدم من انها اتت وجعلت تعانقه وتبكي واحرقت حصيرا الى آخره يدل على انها كانت بأحد وهي رواية ابن الأثير ويجوز ان تكون خرجت الى أحد ثم رجعت واستقبلت اباها حين رجوعه والله اعلم .
المجالس السنية ـ الجزء الثاني 214

وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خذيه يا فاطمة فقد أدى بعلك ما عليه وقد قتل الله بسيفه صناديد قريش (كأني) بفاطمة عليها السلام لما أعطاها أمير المؤمنين «ع» سيفه ذا الفقار وهو مخضب بالدماء تناولته وجعلت تغسل الدماء عنه وهي فرحة مسرورة حين رأت ابن عمها قد أقبل سالماً ظافراً منصوراً على أعدائه يحمل اللواء بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والجيش من خلفه وقد قتل الله بسيفه صناديد المشركين(ولكن) اين رجوع امير المؤمنين(ع) من حرب احد الى المدينة بتلك الحالة وخطابه لفاطمة عليها السلام من رجوع ولده الحسين يوم كربلاء من حرب الأعداء الى الخيمة وقد خضب الدم سيفه ويده وخطابه لزينب بنت فاطمة وذلك لما قتلت أنصاره وأهل بيته وبقي وحيدا فريدا لا ناصر له ولا معين فجعل ينادي هل من ذاب يذب عن حرم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هل من موحد يخاف الله فينا هل من مغيث يرجو الله في اغاثتنا ثم تقدم الى باب الخيمة وقال لأخته زينب ناوليني ولدي الصغير فناولته ابنه عبد الله فأومئ اليه ليقبله فرماه حرملة ابن كاهل بسهم فوقع في نحره فذبحه فقال لزينب خذيه (وفاطمة) عليها السلام وان قتل يوم احد عم ابيها حمزة بن عبد المطلب لكن هون عليها مصاب حمزة سلامة أبيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبعلها علي أما زينب فقد شاهدت قتل أخيها الحسين «ع» وباقي اخوتها الى تمام سبعة عشر رجلا من أهل بيتها ما بين كهول وشبان ما لهم على وجه الأرض شبيه ولم يبقى عندها غير العليل زين العابدين أسير ابن سعد وابن مرجانة وابن هند .
مصيبة بكت السبع الشداد لها دما ورزء عظيم غير محتمل

المجلس الثامن عشر بعد المائة

لما كان يوم أحد دعا جبير بن مطعم غلامه وحشي بن حرب وكان حبشياً

المجالس السنية ـ الجزء الثاني 215

يقذف بالحربة قلما يخطئ فقال له اخرج مع الناس فان قتلت عم محمد يعني حمزة بعمي طعيمة بن عدي فأنت عتيق (وكانت) هند جعلت لوحشي جعلا على ان يقتل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو أمير المؤمنين او حمزة فقال اما محمد فلا حيلة لي فيه لأن اصحابه يطيفون به واما علي فانه إذ قاتل كان أحذر من الذئب واما حمزة فاني اطمع فيه لأنه اذا غضب لم يبصر بين يديه (وكانت) هند كلما مرت بوحشي أو مر بها قالت له إشف واشتف (قال) وحشي اني والله لأنظر الى حمزة وهو يهد الناس بسيفه ما يلقى شيئاً يمر به الا قتله قال فهززت حربتي ودفعتها عليه فوقعت في اسفل بطنه حتى خرجت من بين رجليه واقبل نحوي فغلب فوقع فأمهلته حتى مات فأخذت حربتي ثم تنحيت الى العسكر (قال ابن الأثير) ووقعت هند وصواحباتها على القتلى يمثلن بهم واتخذت هند من آذان الرجال وآنافهم خلاخل وقلائد واعطت خلاخلها وقلائدها وحشياً وبقرت عن كبد حمزة فلاكتها فلم تستطع ان تسيغها فلفظتها وجدعت انفه واذنيه ومثلت به ووجد حمزة ببطن الوادي قد بقر بطنه عن كبده ومثل به فحين رآه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم ير منظرا كان أوجع لقلبه منه فقال لولا ان تحزن صفية (وهي اخت حمزة) او تكون سنة بعدي لتركته حتى يكون في أجواف السباع وحواصل الطير ولئن اظهرني الله على قريش لأمثلن بثلاثين رجلا منهم وقال المسلمون لنمثلن بهم ممثلة لم يمثلها أحد من العرب فأنزل الله في ذلك«وان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به» (الآية) فعفا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصبر ونهى عن المثلة ولو بالكلب العقور (ألا) قاتل الله اهل الكوفة فانه لم يكفهم قتل ابي عبد الله الحسين «ع» بن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى مثلوا به وبأصحابه قطعوا الرؤوس وشالوها على رؤوس الرماح من بلد الى بلد وداسوا بحوافر خيلهم جسد الحسين «ع» حتى هشمت الخيل ضلاعه وطحنت جناجن صدره .
لم يكف اعداه مثل القتل فابتدرت تجري على جسمه الجرد المحاضيرا


المجالس السنية ـ الجزء الثاني 216

واقبلت صفية بنت عبد المطلب اخت حمزة فأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ابنها الزبير ان يردها لئلا ترى ما بأخيها حمزة (بأبي) صاحب الشفقة والرأفة ما احب ان تنظر صفية الى اخيها حمزة وهو مقتول وقد مثل به خوفاً ان يشتد حزنها وبكاؤها لأنها امرأة ومن شأن النساء الجزع ورقة القلب واهل الكوفة مروا ببنات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على مصرع الحسين «ع» واصحابه فلما نظر النسوة الى القتلى وهم جثث بلا رؤوس صحن وضربن وجوههن وجعلت زينب تنادي يا محمداه هذا حسين مرمل بالدماء مقطع الأعضاء وبناتك سبايا فأبكت كل عدو وصديق .
لو ان رسول الله يبعـث نظـرة لردت الى انسان عين مؤرق
وهان عليـه يـوم حمزة عمـه بيوم حسين وهو اعظم ما لقي
ونال شجى من زينب لم ينله من صفية اذ جادت بدمع مرقرق
فكم بين من للخدر عادت مصونة ومن سيروها في السبايا الجلق

وامر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بدفن الشهداء فكان كلما اتي اليه بشهيد جعل حمزة معه وصلى عليهما (وفي رواية) ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خصه بسبعين تكبيرة (فياليت) رسول الله (ص) كان حاضراً يوم استشهد ولده الحسين «ع» واصحابه فيصلي علي وعلى اصحابه ويأمر بدفنهم حتى لا يبقوا ثلاثة أيام بلا دفن وهم مطروحون على الرمضاء مجزرون كالأضاحي جثث بلا رؤوس حتى جاء بنو أسد وصلوا عليهم ودفنوهم .
مجردين على الرمضاء قد لبسوا من المهـابة ابـراداً لهـا قشبا
مضرجين بمحمر النجبـيـع بنى نبل العدى والقنا من فوقهم قببا

ولما رجع رسول الله (ص) الى المدينة مر بدار من دور الأنصار فسمع البكاء والنوائح فذرفت عيناه بالبكاء وقال لكن حمزة لا بواكي له فرجع سعد بن معاذ الى دار بني عبد الأشهل فأمر نساءهم ان يذهبن فيبكين على حمزة ويقال ان اهل

السابق السابق الفهرس التالي التالي