لما جاء اخوة يوسف بأخيهم بنيامين إلى يوسف قال له يوسف انا احب ان تكون عندي فقال لا يدعني اخوتي فان أباهم قد اخذ عليهم عهد الله وميثاقه ان يردوني اليه قال فانا احتال بحيلة فلا تنكر اذا رأيت شيئاً ولا تخبرهم «فلما جهزهم بجهازهم» اي اعطاهم ما جاءوا لطلبه من الميرة امر فجعل الصاع في متاع اخيه وكان من ذهب وقيل من فضة فلما ارتحلوا بعث اليهم وحسبهم ثم امر مناديا ينادي «ايتها العير انكم لسارقون» فقال اصحاب العير «ماذا تفقدن قالوا نفقد صواع الملك» وقال المنادي من جاء بالصاع فله حمل بعير من الطعام «انا به زعيم» كفيل ضامن فقال اخوة يوسف «تالله لقد علمتم ما جئنا لنفسد في الأرض وما كنا سارقين» وكان حين دخلوا مصر وجدهم قد شدوا افواه دوابهم لئلا تأكل من الزرع «قالوا فما جزاؤه ان كنتم كاذبين قالوا جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤهم» وكان جزاء السارق عند آل يعقوب ان يستخدم ويسترق «فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء اخيه ثم استخرجها من وعاء اخيه قالوا ان يسرق فقد سرق اخ له من قبل» وكانت سرقة يوسف ان عمته كانت تحضنه بعد وفاة امه وتحبه حب شديدا فلما كبر اراد يعقوب ان يأخذه منها وكانت اكبر ولد اسحاق وكانت عندها منطقة اسحاق وكانوا يتوارثونها بالكبر فاحتالت وشدت المنطقة على وسط يوسف وادعت انه سرقها وكان من سنتهم استرقاق السارق فحبسته عندها بذلك السبب قالوا يا ايها العزيز ان له اباً شيخاً كبيراً فخذ احدنا مكانه انا نراك من المحسنين قال معاذ الله ان نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده انا اذاً لظالمون فرجع اخوة يوسف إلى ابيهم فأخبروه بحبس بنيامين فهاج ذلك وجده بيوسف لأنه كان يتسلى به «وقال يا اسفا على يوسف وابيضت عيناه من
الحزن» والبكاء «فهو كظيم» مملوء من الهم والحزن فقال له اولاده «تالله تفتؤ تذكر يوسف حتى تكون حرضاً او تكون من الهالكين قال إنما اشكو بثي وحزني إلى الله واعلم من الله ما لا تعلمون» هذا يعقوب عليه السلام وهو نبي ابن نبي قد بكى على فراق ولده يوسف وهو حي في دار الدنيا حتى ابيضت عيناه وذهب بصره وحتى قيل له تالله تفتؤ تذكر يوسف حتى تكون حرضاً او تكون من الهالكين (ساعد) الله قلب ابي عبد الله الحسين الذي نظر إلى ولده وقرة عينه علي الأكبر شبيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في خلقه وخلقه مقطعاً بالسيوف إربا إربا (وكان) علي بن الحسين زين العابدين «ع» شديد الحزن والبكاء على مصيبة ابيه الحسين «ع» فقال له بعض مواليه يا سيدي اما آن لحزنك ان ينقضي ولبكائك ان يقل فقال له ويحك ان يعقوب بن اسحاق بن ابراهيم كان نبياً ابن نبي له اثنا عشر ابنا فغيب الله واحداً منهم فشاب رأسه من الحزن واحدودب ظهره من الغم وذهب بصره من البكاء وابنه حي في دار الدنيا وانا رأيت ابي واخي وسبعة عشر من أهل بيتي صرعى مقتولين فكيف ينقضي حزني ويقل بكائي .
كان هاشم بن عبد المناف جد النبي صلى الله عليه وآله وسلم جواداً كريماً عظيماً في قومه واسمه عمرو وإنما هاشماً لأنه أول من هشم الثريد وأطعمه الناس وفيه يقول الشاعر :
وكان قد تزوج سلمى بنت عمرو من بني النجار من اهل المدينة فلما حملت بعبد المطلب سافر هاشم تاجرا إلى غزة من بلاد الشام واستخلف عنه اخاه المطلب ومات هاشم في سفره ذلك ودفن بغزة فولدت سلمى عبد المطلب واسمه شيبة الحمد وإنما سمي عبد المطلب لأن عمه المطلب لما كبر اراد اخذه إلى مكة فامتنعت امه واخواله من تسليمه فواعده مكانا واخذه خفية واركبه خلفه فكان إذا سئل عنه يقول هذا عبدي فسمي عبد المطلب (ولما) حضرت هاشما الوفاة قال لعبيده سندوني وائتوني بدواة وقرطاس فأتوه بما طلب وجعل يكتب وأصابعه ترتعد فقال باسمك اللهم هذا كتاب كتبه عبد ذليل جاءه امر مولاه بالرحيل اما بعد فاني كتبت اليكم هذا الكتاب وروحي بالموت تجاذب لأنه ما لأحد من الموت مهرب واني قد انفذت اليكم اموالي فتقاسموها بينكم بالسوية ولا تنسوا البعيدة عنكم التي أخذت نوركم وحوت عزكم سلمى واوصيكم بولدي الذي منها وقولوا لخلادة وصفية ورقية يبكين علي ويندبنني ندب الثاكلات ثم بلغوا سلمى عني السلام والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته إلى يوم النشور ثم لما مات جهزوه ودفنوه في غزة وفيه يقول الشاعر :
ثم عزم عبيد هاشم وغلمانه على الرحيل بامواله فلما اشرفوا على يثرب بكوا بكاء شديدا ونادوا واهاشماه واعزاه وخرج الناس وخرجت سلمى وأبوها وعشيرتها واذا بخيل هاشم قد جزوا نواصيها وشعورها وعبيد هاشم يبكون فلما سمعت سلمى بموت هاشم مزقت أثوابها ولطمت خدها وقالت واهاشماه مات
والله لفقدك الكرم والعز واهاشماه يا نور عيني من لولدك الذي لم تره عيناك فضج الناس بالبكاء والنحيب ثم ان سلمى اخذت سيفاً من سيوف هاشم وعطفت به على ركابه وعقرتها عن آخرها وقالت لوصي هاشم اقرأ المطلب عني السلام وقل له اني على عهد اخيه وان الرجال بعده علي حرام (هكذا) فعلت سلمى بعد موت بعلها هاشم ويحق لها ان تفعل ذلك على موت من خرج من صلبه سيد ولد آدم اتدرون ما فعلت رباب زوجة ابي عبد الله الحسين «ع» بعد رجوعها إلى المدينة فانها آلت على نفسها ان لا تستظل تحت سقف وعاشت بعد الحسين «ع» سنة ثم ماتت كمداً وحزناً على الحسين «ع» وخطبها الاشراف من قريش فقالت والله لا كان لي حمو بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولما ادخلت مع النساء على يزيد بن معاوية ورأت الرأس الشريف بين يديه اخذت الرأس ووضعته في حجرها وقبلته وقالت :
ومما قالته في رثاء الحسين «ع» (كما عن الاغاني) :
لما بعث الله تعالى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم بالرسالة وذلك يوم الاثنين في السابع والعشرين من شهر رجب وكان عمره اربعين سنة انزل الله تعالى عليه«وانذر عشيرتك
الأقربين» فجمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بني هاشم وهم نحو اربعين رجلا ثم قال لهم اني بعثت إلى الاسود والأبيض والاحمر وان الله عزوجل امرني ان انذر عشيرتي الأقربين وإني لا املك لكم من الله حظا الا أن تقولوا لا اله الا الله فقال له ابو لهب لهذا دعوتنا ثم تفرقوا عنه فأنزل الله عليه «تبت يدا ابي لهب وتب» الى آخر السورة ثم دعاهم دفعة ثانية ثم قال لهم أيكم يكن اخي ووزيري ووصيي ووارثي وقاضي ديني فقال أمير المؤمنين «ع» وهو أصغر القوم سناً أنا يا رسول الله (وفي رواية) انه قال فمن يجيبني الى هذا الامر ويوازرني على القيام به يكن اخي ووصيي ووزيري ووارثي وخليفتي من بعدي فلم يجبه أحد منهم فقام أمير المؤمنين «ع» وهو أصغرهم وقال أنا يا رسول الله أوازرك على هذا الامر فقال اجلس حتى قال ذلك ثلاثا وفي كل مرة يقوم أمير المؤمنين «ع» وهم سكوت فقال اجلس فأنت اخي ووصيي ووزيري ووارثي وخليفتي من بعدي فنهض القوم وهم يقولون لابي طالب مستهزئين ليهنك اليوم أن دخلت في دين ابن اخيك فقد جعل ابنك اميراً عليك (وروي) انه جمعهم مرة خمسة واربعين رجلا وفيهم ابو لهب فظن ابو لهب انه يريد ان ينزع عما دعاهم اليه فقام اليه فقال له يا محمد هؤلاء عمومتك وبنو عمك قد اجتمعوا فتكلم واعلم ان قومك ليست لهم بالعرب طاقة فقام صلى الله عليه وآله وسلم خطيباً فحمد الله واثنى عليه ثم قال ان الرائد لا يكذب اهله والله الذي لا اله الا هو اني رسول الله اليكم حقا خاصة والى الناس عامة والله لتموتن كما تنامون ولو لتبعثن كما تستيقضون ولتحاسبن كما تعلمون ولتجزون بالاحسان احسانا وبالسوء سوءا وانها الجنة ابدا والنار أبداً انكم اول من انذرتم فآمن به قوم من عشيرته (وكان) أول من آمن به علي بن ابي طالب «ع» بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم الاثنين واسلم علي «ع» يوم الثلاثاء ثم اسلمت خديجة بنت خويلد ام المؤمنين (روى) ابن عبد البر في الاستيعاب بسنده عن عفيف الكندي قال كنت امرءاً تاجراً فقدمت الحج فأتيت العباس بن عبد المطلب لأبتاع منه بعض التجارة وكان امرءاً تاجراً فوالله اني لعنده بمنى اذ خرج رجل من خباء قريب منه فنظر الى الشمس
فلما رآها قد مالت قام يصلي ثم خرجت امرأة من ذلك الخباء الذي خرج منه ذلك الرجل فقامت خلفه تصلي ثم خرج غلام حين راهق الحلم من ذلك الخباء فقام معه يصلي فقلت للعباس من هذا يا عباس قال هذا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ابن اخي قلت من هذه المرأة قال امراته خديجة بنت خويلد قلت ما هذا الفتى قال علي بن ابي طالب (ع) ابن عمه قلت ما هذا الذي يصنع قال يصلي وهو يزعم انه نبي ولم يتبعه على امره الا امرأته وابن عمه هذا الغلام وهو يزعم انه سيفتح على امته كنوز كسرى وقيصر قال فكان عفيف الكندي يقول وقد اسلم بعد ذلك وحسن اسلامه لو كان الله رزقني الاسلام يومئذ كنت اكون ثانياً مع علي (وما) زال علي (ع) مع كونه اول من آمن برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصدقه ملازما له باذلا في نصره مهجته وبسيفه قامت دعائم الاسلام وهدت أركان الشرك وحسبك انه في يوم بدر قتل نصف من قتل من المشركين وقتل الملائكة وسائر المسلمين الباقي وثبت في يوم احد بعد ما انهزم الناس عن رسول الله يذب عنه ويقاتل بين يديه بعد ما قتل اصحاب اللواء كلهم وكلما اقبل جماعة من المشركين الى رسول الله يقول لعلي احمل عليهم فيشد عليهم بسيفه ويفرقهم ويقتل فيهم ونادى جبرائيل في ذلك اليوم (لا سيف الا ذو الفقار ولا فتى الا علي) وبرز الى عمرو بن عبد ود يوم الخندق فقتله بعد ما جبن عنه الناس كلهم والنبي يدعوهم الى مبارزته وهم مطرقون كأنما على رؤوسهم الطير وفتح حصن خيبر وقتل مرحباً وقلع الباب الذي عجز الجم الغفير عن قلعه ولذلك لما قال يزيد لعلي بن الحسين «ع» لما اتي به الى الشام بعد قتل ابيه الحسين (ع) يا ابن الحسين ابوك قطع رحمي وجهل حقي ونازعني سلطاني فصنع الله به ما قد رأيت قال له علي بن الحسين «ع» بعد كلام : يا ابن معاوية وهند وصخر لقد كان جدي علي بن ابي طالب في يوم بدر وأحد والاحزاب في يده راية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وابوك وجدك في ايديهما رايات الكفار ثم قال علي بن الحسين «ع» ويلك يا يزيد انك لو تدري ماذا صنعت وما الذي ارتكبت من ابي واهل بيتي واخي وعمومتي اذا لهربت في الجبال
وافترشت الرماد ودعوت بالويل والثبور أن يكون رأس ابي الحسين بن فاطمة وعلي منصوباً على باب مدينتكم وهو وديعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيكم .
روى الكليني في الكافي بسنده عن الصادق «ع» قال بينا النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المسجد الحرام وعليه ثياب له جدد القى المشركون عليه سلا ناقة فملأوا ثيابه بها فدخله من ذلك ما شاء الله فذهب الى أبي طالب فقال له يا عم كيف ترى حسبي فيكم فقال له وما ذاك يا ابن أخي فأخبره فدعا أبو طالب حمزة وأخذ السيف وقال لحمزة خذ السلا ثم توجه الى القوم والنبي صلى الله عليه وآله وسلم معه فأتى قريشاً وهم حول الكعبة فلما رأوه عرفوا الشر في وجهه ثم قال لحمزة أمر السلا على سبالهم (أي شواربهم) ففعل ذلك حتى أتى على آخرهم ثم التفت أبو طالب الى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال يا ابن اخي هذا حسبك فينا ، ولم يزل أبو طالب محامياً عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وناصرا له ودافعاً عنه أذى قريش وجبابرتهم حتى توفاه الله وهو القائل للنبي صلى الله عليه وآله وسلم .
فأين كان أبو طالب وأخوه حمزة بن عبد المطلب عن حفيدهما الحسين بن علي ابن أبي طالب حين تألب عليه أحفاد أولئك المشركين فأزعجوه عن حرم جده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى حرم الله وأزعجوه عن حرم الله حتى احلوه بالعراء في غير
حصن وعلى غير ماء وحالوا بينه وبين ماء الفرات وأرادوا أن يحولوا بينه وبين رحله الذي فيه حرمه حتى قال لهم يا شيعة آل أبي سفيان ان لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون المعاد فكونوا احرارا في دنياكم هذه وارجعوا الى أحسابكم ان كنتم عربا كما تزعمون وما كان وضع السلا على ثياب رسول الله (ص) بأوجع لقلب رسول الله (ص) وأبي طالب وحمزة من اجراء الخيل على جسد ريحانة رسول الله (ص) حتى هشمت الخيل بسناكبها أضلاعها وطحنت جنان صدره .
لما بعث النبي (ص) بالرسالة وصدع بما أمره الله تعالى اجتمعت قريش الى دار الندوة وتعاقدوا بينهم على أن لا يكلموا بني هاشم وبني المطلب ولا يبايعوهم او يسلمو اليهم رسول الله (ص) ليقتلوه وكتبوا في ذلك صحيفة وعلقوها في جوف الكعبة واخرجوا بني هاشم من بيوتهم حتى نزلوا شعب أبي طالب ووضعوا عليهم الحرس فدخل الشعب مؤمن بني الهاشم وبني المطلب وكافرهم عدا أبي لهب وأبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب . فبقوا في الشعب ثلاث سنين حتى قامت جماعة من قريش ونقضت الصحيفة وسلط الله الأرضة على الصحيفة فأكلتها ولم يبق منها الا (باسمك اللهم) فكان رسول الله (ص) وهم بالشعب اذا اخذ مضجعه ونامت العيون جاءه أبو طالب فأنهضه عن مضجعه
وأنام علياً في مضجعه فقال علي ذات ليلة يا ابتى اني مقتول فقال أبو طالب :
ولما حضرت أبا طالب الوفاة جمع بني أبيه واحلافهم من قريش ووصاهم برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأمرهم بنصرته والذب عنه وقال ان ابن أخي محمداً نبي صادق وأنشأ يقول :
وكما حث أبو طالب ولده عليا «ع» وحضه على نصرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أوصى عبد الله بن جعفر بن ابي طالب ولديه محمدا وعوناً وحضهما على نصرة الحسين بن علي بن ابي طالب وذلك انه لما خرج الحسين «ع» من مكة الى كربلاء ألحقه عبد الله بن جعفر بابنيه محمد وعون وكتب له على أيديهما كتاباً بالرجوع ويقول له اني مشفق عليك من الوجه الذي توجهت له أن يكون فيه هلاكك واستئصال أهل بيتك وان هلكت اليوم طفئ نور الأرض فانك علم المهتدين ورجاء المؤمنين فلا تعجل بالمسير فاني في أثر كتابي والسلام وصار عبد الله الى عمرو بن سعيد أمير المدينة فسأله ان يكتب للحسين «ع» أمانا ويمينه البر والصلة فكتب له وانفذه مع أخيه يحيى بن سعيد فلحقه يحيى وعبد الله بن جعفر بعد نفوذ ابنيه وجهدا
به في الرجوع فقال اني رأيت رسول الله (ص) في المنام وأمرني بما أنا ماض له فقالا له فما تلك الرؤيا قال ما حدثت بها أحدا حتى القى ربي عزوجل فلما أيس منه عبد الله بن جعفر أمر ابنيه عونا ومحمدا بلزومه والمسير معه والجهاد دونه ورجع هو الى مكة ولما كان يوم عاشورا خرج محمد بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب وهو يقول :
ثم قاتل حتى قتل عشرة أنفس فحمل عليه عامر بن نهشل التميمي فقتله (وخرج) أخوه عون بن عبد الله بن جعفر «ع» وأمه زينب بنت أمير المؤمنين «ع» وهو يقول :
ثم قالت حتى قتل على رواية ابن شهر آشوب ثلاثة فوارس وثمانية عشر راجلا فحمل عليه عبد الله بن قطبة الطائي فقتله (ولما) رجع أهل البيت الى المدينة دخل بعض موالي عبد الله بن جعفر فنعى اليه ابنيه فاسترجع وجعل الناس يعزونه فقال مولى له يسمى ابو اللسلاس هذا ما لقينا من الحسين فحذفه عبد الله ابن جعفر بنعله ثم قال يا ابن اللخناء أللحسين تقول هذا والله لو شهدته لأحببت أن لا افارقه حتى اقتل معه والله انه لما يسخي نفسي عنهما ويهون علي المصائب بهما انهما اصيبا مع أخي وابن عمي مواسيين له صابرين معه (ثم) أقبل على جلسائه فقال الحمد لله عز علي مصرع الحسين ان لا اكن آسيت حسينا بيدي فقد آساه ولداي وفي عون ومحمد يقول سليمان بن قتة العدوي :
لما اشتدت قريش في أذى رسول الله (ص) وأصحابه الذين آمنوا به بمكة قبل الهجرة أمر رسول الله (ص) أصحابه ان يخرجوا الى الحبشة وأمر جعفر بن أبي طالب ان يخرج معهم فخرج جعفر ومعه سبعون رجلا من المسلمين حتى ركبوا البحر فلما بلغ قريشاً خروجهم بعثوا عمرو بن العاص وعمارة بن الوليد الى النجاشي ليردهم اليهم وقال عمرو بن العاص للنجاشي أيها الملك ان قوما منا خالفونا في ديننا وسبوا آلهتنا وصاروا اليك فردهم الينا فبعث النجاشي الى جعفر فجاءوا فقال يا جعفر ما يقول هؤلاء فقال جعفر أيها الملك وما يقولون قال يسألون أن أردكم اليهم قال أيها الملك سلهم أعبيد نحن لهم أم أحرار فقال عمرو لا بل أحرار كرام قال فسلهم ألهم علينا ديون يطالبوننا بها فقال لا ما لنا عليكم ديون قال فلكم في اعناقنا دماء تطالبوننا بها فقال عمرو لا فقال فما تريدون منا آذيتمونا فخرجنا من بلادكم فقال عمرو بن العاص أيها الملك خالفونا في ديننا وسبوا آلهتنا وأفسدوا شبابنا وفرقوا جماعتنا فردهم الينا لنجمع امرنا فقال جعفر نعم أيها الملك خالفناهم بعث الله فينا نبيا أمرنا بخلع الأنداد وترك
الاستسقام بالأزلام وأمرنا بالصلاة والزكاة وحرم الظلم والجور وسفك الدماء بغير حقها والزنا والربا والميتة والدم ولحم الخنزير وأمرنا بالعدل والاحسان وايتاء ذي القربى ونهى عن الفحشاء والمنكر والبغي فقال النجاشي بهذا بعث الله عيسى بن مريم ثم قال النجاشي يا جعفر هل تحفظ مما أنزل الله على نبيك شيئاً قال نعم فقرأ عليه سورة مريم حتى بلغ إلى قوله تعالى «وهزي اليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا فكلي واشربي وقري عينا» فلما سمع النجاشي بهذا بكى بكاء شديدا وقال هذا والله هو الحق فقال عمرو بن العاص أيها الملك ان هذا مخالف لنا فردهم الينا فرفع النجاشي يده وضرب بها وجه عمرو ثم قال اسكت والله لئن ذكرته بسوء لأفقدنك نفسك فقام عمرو بن العاص من عنده والدماء تسيل على وجهه وهو يقول ان كان هذا كما تقول أيها الملك فانا لا نتعرض لهم (أقول) ليتها كانت القاضية فان عمراً هو الذي دبر حرب صفين وافسد الأمر على أمير المؤمنين «ع» وهو الذي أشار برفع المصاحف حيلة ومكرا وكان يوم رفع المصاحف على رؤوس الرماح يوما عظيما على أمير المؤمنين «ع» واعظم منه على أمير المؤمنين يوم رفع رأس ولده الحسين ورؤوس اصحابه على رؤوس الرماح بكربلا تهدى من كربلا إلى الكوفة ومن الكوفة إلى الشام (يقول) سهل بن سعد بينا أنا واقف بباب الساعات إذا بالريات يتلو بعضها بعضا وإذا نحن بفارس بيده لواء منزوع السنان عليه رأس من أشبه الناس وجها برسول الله (ص) فاذا من ورائه نسوة على جمال بغير وطاء فدنوت من اولهن فقلت يا جارية من انت فقالت أنا سكينة بنت الحسين فقلت لها ألك حاجة إلي فأنا سهل بن سعد ممن رأى جدك وسمعت حديثه قالت يا سهل قل لصاحب هذا الرأس ان يقدم الرأس أمامنا حتى يشتغل الناس بالنظر اليه ولا ينظروا إلى حرم رسول الله (ص) قال سهل فدنوت من صاحب الرأس فقلت له هل لك أن تقضي حاجتي وتأخذ مني أربعمائة دينار قال ما هي قلت تقدم الرأس امام الحرم ففعل ذلك ودفعت اليه ما وعدته .
روى الشيخ رحمه الله في الأمالي بسنده قال كان الله عزوجل قد منع نبيه (ص) بعمه ابي طالب فما كان يخلص اليه من قومه امر يسوءه مدة حياته فلما مات أبو طالب نالت قريش من رسول الله (ص) بغيتها واصابته بعظيم من الأذى فقال (ص) لأسرع ما وجدنا فقدك يا عم وصلتك رحم وجزيت خيرا يا عم ثم ماتت خديجة بعد ابي طالب بشهر فاجتمع بذلك على رسول الله (ص) حزنان حتى عرف ذلك فيه (ثم) انطلق ذوو الطول والشرف من قريش إلى دار الندوة ليأتمروا في رسول الله (ص) واسروا ذلك بينهم (فقال) العاص بن وائل وامية بن خلف نبني له بنيانا نستودعه فيه فلا يخلص اليه احد ولا يزال في رنق من العيش حتى يذوق طعم المنون (فقال قائل) بئس الرأي ما رأيتم ولئن صنعتم ذلك ليسمعن هذا الحديث الحميم والمولى الحليف ثم لتأتين المواسم والأشهر الحرم بالأمن فلينتزعن من ايديكم (فقال) عتبة وابو سفيان نرحل بعيرا صعبا ونوثق محمدا عليه ثم نقصع البعير بأطراف الرماح فيقطعه اربا اربا (فقال) صاحب رأيهم أرأيتم ان خلص به البعير سالماً الى بعض الأفاريق فأخذ بقلوبهم بسحره وبيانه وطلاقة لسانه فصبا القوم اليه واستجابت القبائل له فيسيرون اليكم بالكتائب والمقانب فلتهلكن كما هلكت أياد (فقال) ابو جهل لكني ارى لكم
رأياً سديداً وهو ان تعمدوا الى قبائلكم العشر فتنتدبوا من كل قبيلة رجلا بحداً ثم تسلحوه حساما عضبا حتى اذا غسق الليل اتوا ابن ابي كبشة فقتلوه فيذهب دمه في قبائل قريش فلا يستطيع بنو هاشم وبنو المطلب مناهضة قريش فيرضون بالدية (فقال) صاحب رأيهم أصبت يا ابا الحكم هذا هو الرأي فلا تعدلوا به رايا وكموا في ذلك افواهكم فخرجوا متفرقين وهو قوله تعالى «واذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك او يقتلوك او يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين» فدعا رسول الله (ص) عليا «ع» واخبره بذلك وقال له اوحى الي ربي ان اهجر دار قومي وانطلق الى غار ثور تحت ليلتي وان آمرك بالمبيت على مضجعي ليخفى بمبيتك عليهم امري فما انت قائل فقال علي (ع) او تسلمن بمبيتي هناك يا نبي الله قال نعم فتبسم علي «ع» ضاحكا واهوى الى الارض ساجدا شكرا لله لما بشره (ص) بسلامته فلما رفع رأسه قال له امض فيما امرت ومرني بما شئت وما توفيقي الا بالله قال فارقد على فراشي واشتمل ببردي الحضرمي ثم ضمه النبي (ص) الى صدره وبكى وجدا به وبكى علي «ع» جزعا لفراق رسول الله (ص) هذا رسول الله (ص) لما اراد مفارقة اخيه و ابن عمه علي بن ابي طالب ضمه الى صدره وبكى وجدا به مع علمه بسلامته وبكى علي (ع) جزعا لفراق رسول الله (ص) ساعد الله قلب ابي عبد الله الحسين حين استأذنه اخوه وصاحب لوائه ابو الفضل العباس بن امير المؤمنين في المبارزة وهو يعلم انه مقتول لا محالة فبرز العباس وهو يقول :
ولم يزل يقاتل حتى قتل بعد ان اثخن بالجراح فلم يستطع حراكا فبكى الحسين «ع» لقتله بكاء شديدا .
ويشبه ايثار امير المؤمنين لرسول الله (ص) بالحياة ايثار ولده ابي الفضل العباس لأخيه الحسين «ع» (يوم طف كربلا حين فداه بروحه ووقاه بمهجته وذلك لما ركب الحسين «ع» المسناة يريد الفرات وقد اشتد به العطش وبين يديه اخوه العباس فاحاط القوم بالعباس فاقتطعوه عن اخيه الحسين فجعل العباس يقاتلهم وحده حتى قتل .
في امالي الشيخ الطوسي عليه الرحمة انه لما امر الله تعالى نبيه بالخروج من مكة ليلة الغار وان يبيت علياً على فراشه امر رسول الله (ص) ابا بكر وهنداً ان ابي هالة ان يقعدا له بمكان ذكره لهما في طريقه الى الغار ولبث رسول الله (ص) مع علي يوصيه ويأمره بالصبر حتى صلى العشاءين ثم خرج رسول الله (ص) في فحمة العشاء الآخرة ومضى حتى اتى الى هند وابي بكر فنهضا معه حتى وصلوا الى الغار ثم رجع هند الى مكة لما امره به رسول الله (ص) ودخل رسول الله (ص) وصاحبه الغار فلما غلق الليل ابوابه وانقطع الاثر اقبل القوم
على علي «ع» يقذفونه بالحجارة ولا يشكون انه رسول الله (ص) حتى إذا قرب الفجر هجموا عليه وكانت دور مكة يومئذ لا أبواب لها فلما بصر بهم علي «ع» قد انتظوا السيوف وأقبلوا عليه بها وكان قد تقدمهم خالد بن الوليد بن المغيرة وثب علي «ع» فهمز يده فجعل خالد يقمص قماص البكر ويرغو رغاء الجمل واخذ سيف خالد وشد عليهم به فاجفلوا امامه اجفال النعم الى ظاهر الدار وبصروه فاذا هو علي(ع) فقالوا انك لعلي قال أنا علي قالوا فانا لم نردك فما فعل صاحبك قال لا علم لي به فأذكت قريش عليه العيون وركبت في طلبه الصعب والذلول وامهل علي صلوات الله عليه حتى إذا اعتم من الليلة القابلة انطلق هو وهند بن ابي هالة حتى دخلا على رسول الله (ص) في الغار فأمر رسول الله (ص) هنداً ان يبتاع له ولصاحبه بعيرين فقال صاحبه قد اعددت لي ولك يا نبي الله راحلتين فقال اني لا آخذهما ولا احدهما الا بالثمن قال فما لك بذلك فأمر (ص) علياً «ع» فأقبضه الثمن «يقول راوي الحديث» سئل ابن أبي رافع اكان رسول الله (ص) يجد ما ينفقه هكذا فقال اين يذهب بك عن مال خديجة وإن رسول اله (ص) قال ما نفعني مال قط مثل مال خديجة وكان (ص) يفك من مالها الغارم والاسير ويحمل العاجز ويعطي في النائبة ويعطي فقراء أصحابه إذ كان بمكة ويحمل من اراد منهم الهجرة (وكانت) قريش ذا رحلت رحلتي الشتاء والصيف كانت طائفة من العير لخديجة وكانت أكثر قريش مالا وكان (ص) ينفق منه ما شاء في حياتها وورثها هو وولدها بعد مماتها (ثم) انه صلى الله عليه وآله وصى علياً بحفظ ذمته واداء أمانته وكانت قريش تدعو محمدا في الجاهلية الأمين وكانت تودعه أموالها وكذلك من يقدم مكة من العرب في الموسم وجاءته النبوة والأمر كذلك فأمر عليا «ع» ان يقيم مناديا بالأبطح غدوة وعشية ألا من كان له قبل محمد أمانة فليأت لتؤدى اليه أمانته وأمره أن يبتاع رواحل له وللفواطم ومن أراد الهجرة معه من بني هاشم وقال له إذا قضيت ما امرتك فكن على إهبة الهجرة
إلى الله ورسوله وانتظر قدوم كتابي اليك ولا تلبث بعده وانطلق رسول الله (ص) إلى المدينة بعد ان بقي في الغار ثلاثة أيام وقال علي «ع» يذكر ذلك :
ذكرني هجوم قريش على علي «ع» بمكة حين أباته ابن عمه رسول الله (ص) على فراشه هجوم أصحاب ابن زياد على مسلم بن عقيل بالكوفة حين أرسله ابن عمه الحسين «ع» ليأخذ له البيعة على أهلها لكن هجوم قريش انتهى بخيبتهم وانتصار علي «ع» عليهم وطردهم عن الدار وسلامة رسول الله «ص» وهجوم اصحاب ابن زياد انتهى بأخذ مسلم أسيرا وقتله فانهم لما اقتحموا عليه الدار شد عليهم يضربهم بسيفه حتى أخرجهم من الدار ثم عادوا عليه فشد عليهم كذلك فاخرجهم مرارا وقتل منهم وضربه بكر بن حمران على فمه فقطع شفته العليا وأسرع السيف في السفلى وفصلت لها ثنيتاه وضربه مسلم في رأسه ضربة منكرة وثناه بأخرى على حبل العاتق كادت تطلع إلى جوفه فلما رأوا ذلك اشرفوا عليه من فوق البيت وأخذوا يرمونه بالحجارة ويلهبون النار في القصب ويرمونها عليه فخرج عليهم مصلطا سيفه في السكة وتكاثروا عليه بعد ان اثخن بالجراح فطعنه رجل من خلفه فخر إلى الأرض فأخذ أسير وأدخل على ابن زياد فقال اصعدوا به فوق القصر واضربوا عنقه ثم اتبعوه جسده ففعل به ذلك .
* * *
|