المجالس السنية ـ الجزء الثاني 165


المجالس السنية

في

مناقب ومصائب العترة النبوية


تأليف
المجتهد الاكبر

السيد محسن الامين


رضوان الله عليه

الجزء الثاني

الطبعة الخامسة


1394هـ _ 1974م


المجالس السنية ـ الجزء الثاني 166

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين (وبعد) فهذا هو الجزء الثاني من كتاب (المجالس السنية) في مناقب ومصائب العترة النبوية تأليف أفقر العباد إلى عفو ربه الغني محسن بن المرحوم السيد عبد الكريم الأمين الحسيني العاملي نزيل دمشق الشام عفا الله تعالى عن سيئاته وحشره مع محمد وآله الطاهرين صلوات الله وسلامه عليهم . وحيث قد نفدت الطبعة الأولى من هذا الجزء فها نحن نمثله للطبع ثانياً مع زيادات في هذه الطبعة وتغيير في الترتيب إلى ما هو أحسن وأنسب والله المسؤول أن يكون عملنا هذا خالصاً لوجهه الكريم وعليه نتوكل وبه نستعين .

* * *



المجالس السنية ـ الجزء الثاني 167

المجلس السادس والتسعون

قال الله تعالى في سورة الشورى « قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى» أي قل لهم يا محمد لا أسألكم على تبليغ الرسالة وتعليم الشريعة أجراً إلا أن تودوا قرابتي وعترتي وتحفظوني فيهم (وعن) ابن عباس قال لما نزلت قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى قال الناس يا رسول الله من هؤلاء الذين امرنا الله بمودتهم قال (ص) علي وفاطمة وولدهما قال علي (ع) فينا في آل حم ~ آية لا يحفظ مودتنا إلا كل مؤمن ثم قرأ هذه الآية وإلى هذا أشار الكميت رحمه الله في قوله .
وجدنا لكم في آل حم ~ آية تأولها منا تقي ومعرب

وقال الأعسم رحمه الله :
لهفي لمن ودهم اجر الرسالة لم يروا سرى علم الشحناء منشورا

وقال المؤلف :
انتم ولاة الورى حقاً وحبكم فرض أكيد بنص الذكر قد وجبا

وقال بعض الشعراء :
أيهـا المؤمن الذي طاب فرعا وزكـا منـه أصلـه وتمسـك
طب بدين النبي نفساً وان خفـ ـت من النار في غد أن تمسك
فاستجـر من لظـى بعـلـي وبنيـه وبالبـتـول تمـسـك

(خطب) النبي (ص) يوماً فقال ايها الناس اني خلفت فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي وأرومتي ومزاج مائي وثمرتي لن يفترقا حتى يردا علي

المجالس السنية ـ الجزء الثاني 168

الحوض واني لا أسألكم في ذلك إلا ما امرني ربي ان اسألكم المودة في القربى فانظروا أن لا تلقوني غداً على الحوض وقد ابغضتم عترتي وظلمتموهم (فليتك) يا رسول الله تنظر إلى آلك وعترتك الذين جعل الله ودهم اجر رسالتك ما جرى عليهم من بعدك أما اخوك وابن عمك امير المؤمنين فقد نازعوه حقه وحاربوه وكانت خاتمة عملهم ان قتلوه وهو يصلي في محرابه واما بضعتك الزهراء فقد خرجت من الدنيا وهي ناحلة الجسم معصبة الرأس حزينة باكية وأما ولدك الحسن فقد جرعوه الغصص ونازعوه حقه كما نازعوا اباه من قبله وتتبعوا شيعته ومحبيه تاره يقتلونهم وتارة ينفونهم من الأرض وتارة ينهبون اموالهم ويهدمون دورهم حتى قتلوه مسموماً ومنعوا من دفنه عندك واما ولدك الحسين فقد دعاه اهل الكوفة لينصروه ثم خذلوه وحاربوه بأمر يزيد وابن زياد حتى قتلوه ومن شرب الماء منعوه وبجرد الخيل داسوا جسمه ورضوه وعلى سنان الرمح رفعوا رأسه وحملوه وأصبح جميع أهل بيتك يا رسول الله الذين اكدت الوصاية بهم مقهورين مغصوبين حقوقهم مقتولين مشردين عن اوطانهم .
تركـوهم شـتـى مصـا ئبهـم واجمعهـم فظيعه
فمغيـب كـالـبـدر تـر تقب الورى شوقا طلوعه
ومـكـابـد للـسـم قـد سقيـت حشاشتـه نقيعه
ومضـرج بـالسـيـف آ ثر عزه وابى خضـوعه
فقضى كما اشتهت الحميـ ـة تشكر الهيجا صنيعه
ومـصـفــد لله سـلـ ـم امر ما قاسى جميعه
وسبـيـة باتـت بـأفـ ـعى الهم مهجتها لسيعه
سلبـت وما سلـبت محا مد عزها الغر البديعـه

وتركوهم يا رسول الله شتى مصارعهم :
بعض بطيبـة مدفـون وبعضهـم بكربلاء وبعـض بالغـريين
وارض طوس وسامرا وقد ضمنت بغداد بدرين حلا وسط قبرين


المجالس السنية ـ الجزء الثاني 169

ولله در القائل :
حفر بطيبـة والغـري وكربلا وبطوس والـزورا وسامراء
ما جئتهم في حاجة الا انقضت وتبدل الضـراء بـالسـراء

وقال دعبل الخراعي رحمه الله تعالى :
قبور بكـوفـان وأخـرى بطيبـة واخـرى بفخ نالها صلواتي
قبور بجنب النهر من ارض كربلا معرسهـم فيهـا بشط فرات
توفوا عطاشـى بالفـرات فليتني توفيت فيهم قبـل حين وفاتي
وقبـر ببغـداد لنفـس زكـيـة تضمنها الرحمن في الغرفات

المؤلف :
لئن تكن أصبحـت شتـى قبورهم فكلها في سواد القلـب مجموع
كم حاولت طمسها الأعـداء جاهدة وقدرها فوق هام النجم مرفوع

المجلس السابع والتسعون

كان نوح عليه السلام أول أولي العزم من الرسل وهم خمسة نوح وابراهيم وموسى وعيسى ومحمد (ص) ومعنى اولي العزم اولو القوة لأنهم أمروا باظهار دعوتهم واعلانها للناس كافة قال الله تعالى «واصبر كما صبر اولوا العزم من الرسل» وروى المسعودي في كتاب اثبات الوصية ان نوح لبث في قومه يدعوهم إلى الله فلا يزيدهم دعاؤه الا فراراً منه وطغياناً وأوحى الله الى نوح ان احمل في السفينة «من كل زوجين اثنين» اي من كل جنس من الحيوانات زوجين ذكراً وانثى «وأهلك الا من سبق عليه القول» وهي امرأته «ومن آمن» بك من غير اهلك

المجالس السنية ـ الجزء الثاني 170

«وما آمن معه الا قليل» قيل كانوا ثمانين وقيل ثمانية وسبعين وقيل ثمانية وقيل سبعة من رجال ونساء وفيهم ابناؤه الثلاثة سام وحام ويافث وثلاث زوجات لهم «ونادى نوح ابنه» كنعان (وكان في معزل) عن السفينة «يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء قال لا عاصم اليوم من امر الله إلا من رحم وحال بينهما الموج فكان من المغرقين » ونادى نوح ربه فقال رب ان ابني من اهلي وان وعدك الحق وانت احكم الحاكمين قال يا نوح انه ليس من اهلك الذين وعدتك بنجاتهم لكونه على غير دينك (انه عمل غير صالح) اي صاحب عمل غير صالح قال ابو فراس :
كانت مودة سلمان لهم رحما ولم يكن بين نوح وابنه رحم

وشرف مقام النبوة يوجب تنزيه نساء الأنبياء عن الزنا فيجوز في زوجة النبي ان تكون كافرة كزوجة نوح وزوجة لوط ولا يجوز ان تكون زانية واما قوله تعالى «ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما» فخيانة امرأة نوح انها كانت تنسبه الى الجنون وخيانة امرأة لوط انها كانت تدل على اضيافه ، وبقي نوح ومن معه في السفينة سبعة أيام واستوت على الجودي في اليوم السابع وأغرق الله كل حي غير نوح وأصحاب السفينة ولذلك سمي نوح (ع) آدم الثاني ولو لا ان رفع الله انواع العذاب في الدنيا عن الأئمة المحمدية كرامة لرسوله محمد (ص) لما كانت امة نوح عليه السلام احق بالعذاب منها بما فعلته بعترة رسول الله (ص) من تسليطه عليها يزيد شارب الخمور والملعن بالكفر والفجور واللاعب بالقرود والفهود فأخاف ريحانة رسول الله (ص) و احد سبطيه حتى اضطره الى الخروج من حرم رسول الله (ص) إلى حرم الله خائفاً يترقب ومن حرم الله الذي يأمن فيه كل خائف حتى الطير والوحش وانزله الدعي ابن الدعي عبيد الله بن زياد بأمر يزيد مع عياله واطفاله بالعراء في غير حصن وعلى غير ماء ومنعه من ماء الفرات المباح يشربه البر والفاجر وتتمرغ فيه خنازير السواد وكلابه ، وآل بيت رسول الله عطاشى ظمايا

المجالس السنية ـ الجزء الثاني 171

لا يسمح لهم منه بقطرة واحدة وسبط رسول الله (ص) وريحانته يتلظى عطشاً ويطلب شربة من الماء فيجاب : يا حسين اما تنظر الى ماء الفرات كأنه بطون الحيات والله لا تذوق منه قطرة حتى تذوق الموت عطشاً هذا وأمة جده رسول الله (ص) ما بين خاذل ومحارب له ومساعد عليه غير فئة قليلة لا تتجاوز النيف والسبعين انساناً ولم يكفهم ذلك حتى داسوا جسده الشريف بحوفر الخيل وداروا برأسه ورووس اصحابه في البلدان وحملوا نساءه واطفاله على اقتاب الجمال كالسبي المجلوب أفلا تستحق هذه الأمة بفعلها هذا أن ينزل بها من العذاب أكثر مما نزل بقوم نوح بلى والله .
فلأيهـم تنعى الملائك من له عقد الآله ولاءهم وولاءهـا
ألآدم تنعـى وأيـن خليفة الر حمن آدم كـي يقيم عزاءها
أم هل الى نـوح وأيـن نبيه نوح فيسعـد نوحها وبكاءها
ولقد ثوى بثراك والسبب الذي عصم السفينة مغرقاً أعداءها

المجلس الثامن والتسعون

قال الله تعالى«واذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا واتخذوا من مقام ابراهيم مصلى وعهدنا الى ابراهيم واسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع والسجود وإذ قال ابراهيم رب اجعل هذا بلداً آمناً وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر قال ومن كفر فأمتعه قليلا ثم اضطره الى عذاب النار وبئس المصير وإذ يرفع ابراهيم القواعد من البيت واسماعيل ربنا تقبل منا إنك انت السميع العليم» فبنى ابراهيم «ع» البيت ونقل اسماعيل «ع» الحجر من ذي طوى فقال ابراهيم «ع» لما فرغ من بناء البيت «رب اجعل هذا بلداً آمنا»

المجالس السنية ـ الجزء الثاني 172

روي عن الصادق «ع» من دخل الحرم مستجيراً به فهو آمن من سخط الله عزوجل ومن دخله من الوحش والطير كان آمناً من ان يهاج أو يؤذى حتى يخرج من الحرم وذلك قوله تعالى «وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا»بأن حكم أن من عاذ به والتجأ اليه لا يخاف على نفسه ما دام فيه (وكان) العرب لا يتعرضون من فيه فهو آمن على نفسه وماله وان كانوا يخطفون الناس من حوله وكان قبل الاسلام يرى الرجل قاتل أبيه في الحرم فلا يتعرض له .
(الا) قاتل الله بني أمية فانهم ما راعوا حرمة الله فأخافوا سبط رسول الله (ص) وريحانته الحسين وهو في الحرم وذلك لما أنفذ يزيد عمرو بن سعيد بن العاص من المدينة الى مكة في عسكر عظيم وولاه أمر الموسم وأمره على الحاج كلهم واوصاه بقبض الحسين «ع» سرا وإن لم يتمكن منه يقتله غيلة ثم ان يزيد دس له مع الحاج في تلك السنة ثلاثين رجلا من شياطين بني أمية وأمرهم بقتل الحسين «ع» على أي حال اتفق فلما علم الحسين «ع» بذلك عزم على التوجه إلى العراق وكان قد احرم بالحج فطاف بالبيت وسعى بين الصفى والمروة وقصر من شعره واحل من احرام الحج وجعلها عمرة مفردة لأنه لم يتمكن من اتمام الحج مخافة ان يقبض عليه (وجاءه) محمد بن الحنفية في الليلة التي اراد الحسين «ع» الخروج في صبيحتها عن مكة فقال له يا اخي ان اهل الكوفة قد عرفت غدرهم بأبيك و اخيك وقد خفت ان يكون حالك كحال من مضى فان رايت ان تقيم فانك اعز من بالحرم وامنعه فقال يا اخي قد خفت ان يغتالني يزيد بن معاوية في الحرم فأكون الذي يستباح به حرمة هذا البيت فقال له ابن الحنفية فان خفت ذلك فصر الى اليمن او بعض نواحي البر فانك امنع الناس به ولا يقدر عليك احد فقال انظر فيما قلت فلما كان السحر ارتحل الحسين «ع» فبلغ ذلك ابن الحنفية فأخذ بزمام ناقته وقد ركبها فقال يا اخي الم تعدني النظر فيما سألتك قال بلى قال فما حداك على الخروج عاجلا قال اتاني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد ما فارقتك فقال يا حسين اخرج فان الله شاء ان يراك قتيلا فقال محمد بن الحنفية إنا لله وإنا

المجالس السنية ـ الجزء الثاني 173

اليه راجعون فما معنى حملك هؤلاء النسوة معك وانت تخرج على مثل هذا الحال فقال إن الله شاء ان يراهن سبايا (ولذلك) كتب ابن عباس إلى يزيد بعد قتل الحسين «ع» وما انس من الاشياء فلست بناس طرك حسينا من حرم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى حرم الله وتسييرك اليه الرجال لقتله في الحرم فما زلت بذلك وعلى ذلك حتى اشخصته من مكة إلى العراق فخرج خائفاً يترقب فزلزلت به خيلك عداوة منك لله ولرسوله ولأهل بيته الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا .
وقد انجلى عن مكة وهو ابنها وبه تشرفت الحطيم وزمزم
لم يدر أيـن يريح بدن ركابه فكأنما المـأوى عليه محرم

وما اكتفى يزيد بهذا كله بل انه هتك حرمة الله تعالى في الحرم وهدم الكعبة المشرفة أيام حربه مع ابن الزبير على يد الحصين بن نمير فنصب على الكعبة العرادات والمجانيق وفرض على أصحابه عشرة آلاف صخرة كل يوم يرمون بها الكعبة حتى هدمها بغياً منه وعتواً على الله تعالى حتى أخذه الله أخذ عزيز مقتدر
الا يا ابـن هنـد لا سقـى الله تربة ثويت بمثواها ولا اخضر عـودها
أتسلـب أثـواب الخلافـة هاشمـاً وتطردها عنهـا وانـت طـريدها
وما ان ارى يشفي الجرى غير دولة تدين لها في الشرق والغرب صيدها

المجلس التاسع والتسعون

روي انه كان السبب في ابتلاء الله يعقوب «ع» بفراق ولده يوسف «ع» ما رواه ان يعقوب «ع» ذبح كبشاً وان سائلا مؤمناً صواماً غريباً اجتاز على

المجالس السنية ـ الجزء الثاني 174

بابه عشية جمعة فاستطعمهم وهم يسمعون فلم يصدقوا قوله فلما يئس ان يطعموه وغشيه الليل استرجع واستعبر وشكا جوعه الى الله تعالى وبات طاوياً وبات يعقوب وآله بطانا فكان يعقوب بعد ذلك إذا أراد الغداء أمر مناديا فنادى ألا من أراد الغداء من المساكين فليتغد مع يعقوب وإذا كان صائماً أمر مناديا فنادى ألا من كان صائماً فليفطر مع يعقوب (ولما) كان مقام النبوة أعلى المقامات عند الله تعالى فقد يبتلي الله الأنبياء بالشدائد في الدنيا لأجل تركهم للأولى ويعاتبهم على ذلك .
ولكن انظر لترى الفرق بين ما جرى ليعقوب وولده وما جرى لأمير المؤمنين علي وزوجته البضعة الزهراء وولديه الحسنين عليهم السلام حين تصدقوا بزادهم على المسكين واليتيم والأسير وطووا ثلاثة أيام صائمين .
(روى) صاحب الكشاف في تفسير قوله تعالى «يوفون بالنذر ويخافون يوماً كان شره مستطيرا ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً واسيرا إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا» عن ابن عباس رضي الله عنه ان الحسن والحسين «ع» مرضا فعادهما رسول الله (ص) في ناس معه فقالوا يا ابا الحسن لو نذرت على ولديك فنذر علي وفاطمة وفضة جارية لهما ان برءا مما بهما ان يصوموا ثلاثة ايام فشفيا وما معهم شيء فاستقرض علي من شمعون الخيبري ثلاثة اصوع من شعير فطحنت فاطمة صاعاً واختبزت خمسة اقراص على عددهم فوضعوها بين ايديهم ليفطروا فوقف عليهم سائل فقال السلام عليكم أهل بيت محمد مسكين من مساكين المسلمين اطعموني اطعمكم الله من موائد الجنة فآثرون وباتوا لم يذوقوا إلا الماء واصبحوا صياماً فلما امسوا ووضعوا الطعام بين ايديهم وقف عليهم يتيم فآثروه ووقف عليهم أسير في الثالثة ففعلوا مثل ذلك .
(فليت) امير المؤمنين والزهراء اللذين تصدقا بقوتهما وقوت ولديهما على المسكين واليتيم والأسير لا غابا عن يتامى ولدهما الحسين «ع» يوم كربلاء وقد

المجالس السنية ـ الجزء الثاني 175

باتوا ليلة الحادي عشر من المحرم وهم جياعى عطاشى بلا محام ولا كفيل غير زينب والعليل .
ليت الأولى اطعموا المسكين قوتهم وتالييه وهم في غـاية السغب
يـرون بالطـف ابناء لهم اسرت يستصرخون من الآباء كل ابي

المجلس المائة

قال الله تعالى«إذ قال يوسف لأبيه يا أبت إني رأيت احد عشر كوكباً والشمس والقمر لي ساجدين قال يا بني لا تقصص رؤياك على اخوتك فيكيدوا لك كيدا ان الشيطان للانسان عدو مبين» إلى قوله «لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين إذ قالوا ليوسف وأخوه أحب إلى ابينا منا ونحن عصبة إن أبانا لفي ضلال مبين» (روي) انه لما ولد يوسف احبه يعقوب حبا شديدا فلما رأى اخوة يوسف محبة ابيهم له واقباله عليه حسدوه ثم ان يوسف رأى في منامه احد عشر كوكباً والشمس والقمر تسجد له فقصها على أبيه فقال له أبوه «يا بني لا تقصص رؤياك على اخوتك فيكيدوا لك كيداً» فسمعت امرأة يعقوب ذلك فلما اقبل أولاد يعقوب اخبرتهم بالرؤيا فازدادوا حسداً وقالوا ما عني بالشمس غير ابينا ولا بالقمر غيرك ولا بالكواكب غيرنا ان ابن راحيل يريد أن يتملك علينا فتآمروا بينهم ان يفرقوا بينه وبين ابيه وقالوا «اقتلوا يوسف او اطرحوه ارضاً» اي في ارض بعيدة عن ابيه فلا يهتدي اليه «يخل لكم وجه ابيكمً» تنصرف محبته لكم ويحن عليكم « وتكونوا من بعده قوم صالحين قال قائل منهم» وهو يهوذا وكان أفضلهم وأعقلهم«لا تقتلوا يوسف والقوه في غيابة الجب » أي في قعر البئر «يلتقطه بعض السيارة» يأخذه بعض مارة الطريق

المجالس السنية ـ الجزء الثاني 176

المسافرين «إن كنتم فاعلين» وأخذ عليهم العهود انهم لا يقتلونه فأجمعوا عند ذلك أن يدخلوا على يعقوب ويكلموه في ارسال يوسف معهم إلى البرية «قالوا يا أبانا مالك لا تأمنا على يوسف وإنا له لناصحون ارسله معنا غداً» الى الصحراء «يرتع ويلعب وإنا له لحافظون قال اني ليحزنني ان تذهبوا به وإخاف ان يأكله الذئب وانتم عنه غافلون»«قالوا لئن اكله الذئب ونحن عصبة»جماعة «إنا إذا لخاسرون»فاطمأن يعقوب اليهم فأرسله معهم فأخرجوه وهم يكرمونه فلما وصلوا إلى الصحراء اظهروا له العداوة وجعل يضربه بعض اخوته فيستغيث بالآخر فيضربه فضربوه حتى كادوا يقتلونه وجعل يصيح يا ابتاه يا يعقوب لو تعلم ما يصنع بابنك بنو الاماء فقال لهم يهوذا اليس قد اعطيتموني موثقاً أن لا تقتلوه فانطلقوا به إلى الجب «فلما ذهبوا به واجمعوا ان يجعلوه في غيابة الجب» ادنوه من راس الجب فقالوا له انزع قميصك فبكى وقال يا اخوتي لا تجردوني فسل واحد منهم عليه السكين وقال لئن لم تنزعه لأقتلنك فنزعه فجعلوا يدلونه في البئر وهو يتعلق بشفير البئر فربطوا يديه وهو يقول يا اخوتاه لا تفعلوا ردوا علي قميصي اتوارى به في الجب فيقولون ادع الشمس والقمر والاحد عشر كوكبا تؤنسك فدلوه في الجب فلما بلغ نصفه القوه ارادة ان يموت وكان في البئر ماء فسقط فيه ثم اوى الى صخرة فقام عليها فنادوه فظن انهم رحموه فأجابهم فأرادوا ان يرضخوه بالحجارة فمنعهم يهوذا «واوحينا اليه» «لتنبئنهم بأمرهم هذا»لتخبرنهم بفعلهم بعد هذا الوقت وهو قوله هل علمتم ما فعلتم بيوسف واخيه «وهم لا يشعرون»انك يوسف «وجاؤا أباهم»عادوا الى ابيهم (عشاء يبكون) فلما سمع بكاءهم فزع وقال ما بالكم «قالوا يا ابانا إنا ذهبنا نستبق»نتراكض ونترامى بالسهام لنعرف اينا السابق «وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب وما انت بمؤمن لنا»بمصدق لنا «ولو كنا صادقين»«وجاؤا على قميصه بدم كذب قال بل سولت لكم انفسكم امرا فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون»قيل انهم ذبحوا سخلة وجعلوا دمها على قميصه ولم

المجالس السنية ـ الجزء الثاني 177

يمزقوه ولم يخطر ببالهم أن الذئب إذا أكل انساناً مزق ثوبه فقال لهم اروني القميص فلما رأى القميص صحيحاً قال يا بني والله ما عهدت كاليوم ذئباً احلم من هذا أكل ابني ولم يمزق ثوبه ثم بكى بكاء طويلاً ثم اخذ القميص يقبله ويشمه (هذا) يعقوب مع انه نبي ابن انبياء بكى لما رأى قميص ولده حتى غشي عليه وهو لم يتحقق موته ساعد الله قلب ابي عبد الله الحسين «ع» الذي رأى ولده علياً الأكبر شبيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بخلقه وخلقه مقطعاً بالسيوف مجرحاً بالرماح والسهام نادى قتل الله قوماً قتلوك يا بني ما اجرأهم على الرحمن وعلى انتهاك حرمة الرسول على الدنيا بعدك العفا :
كنت السواد لناظري فعليك يبكي الناظر
من شاء بعدك فليمت فعليك كنت احاذر

المجلس الواحد بعد المائة

لما اذن الله تعالى بخروج يوسف «ع» من السجن رأى الملك رؤيا هالته وذلك انه رأى «سبع بقرات سمان يأكلهن سبع»بقرات «عجاف» مهازيل فدخلت السمان في بطون المهازيل ورأى «سبع سنبلات خضر» قد انعقد حبها (و) وسبع «اخر يابسات»فالتوت اليابسات على الخضر حتى غلبت عليها فقص الملك رؤياه على قومه فأشكل عليهم تعبيرها وتذكر الذي كان على شراب الملك رؤيا التي رآها في السجن وعبرها له يوسف فأخبرهم بها وطلب ان يرسلوه إلى يوسف فأرسلوه فسأله عن الرؤيا فقال أما البقرات السبع العجاف والسنابل السبع اليابسات فالسنون المجدبة وأما السبع السمان والسنابل السبع الخضر فانهن سبع

المجالس السنية ـ الجزء الثاني 178

سنين مخصبات فرجع الرجل إلى الملك فأخبره بما قال يوسف «فقال الملك ائتوني به استخلصه لنفسي» اجعله خالصاً لنفسي فأرجع اليه في تدبير مملكتي فلما أخرجوه من السجن كتب على بابه هذا قبر الأحياء وبيت الأحزان وتجربة الأصدقاء وشماتة الأعداء ثم ان يوسف اغتسل ولبس ثيابه وقصد الملك فلما دخل عليه وكلمه عرف الملك فضله وأمانته وعقله «قال انك اليوم لدينا مكين» ذو مكانة وقدر عظيم «أمين» مأمون ثقة ، فقال الملك فما ترى من رؤياي أيها الصديق فقال ارى ان تزرع زرعاً كثيراً في السنين المخصبة وتخزن الطعام بقصبه وسنبله لئلا يفسد وليكون قصبه وسنبله علفاً للدواب فتدفع إلى كل انسان حصته وتترك الباقي فقال الملك سل حاجتك «قال اجعلني على خزائن الأرض» يعني على الأنابير التي فيها الطعام «اني حفيظ عليم» كاتب حاسب فأقبل يوسف على جمع الطعام فكبسه في الخزائن فلما مضت السنون المخصبة وأقبلت المجدبة أقبل يوسف على بيع الطعام فباعهم في السنة الأولى بالدنانير والدراهم حتى لم يبق معهم شيء منها ثم في السنة الثانية بالحلي والجواهر ثم في السنة الثالثة بالدواب والمواشي ثم في السنة الرابعة بالعبيد والاماء ثم في السنة الخامسة بالدور والعقار ثم في السنة السادسة بالمزارع والأنهار ثم في السنة السابعة برقابهم حتى استرقهم جميعاً وكان الملك قد فوض اليه أمر الملك فقال للملك كيف رأيت صنع الله بي فيما خولني فما ترى قال الرأي رأيك قال اني اشهد الله واشهدك اني اعتقتهم عن آخرهم ورددت عليهم املاكهم وكان لا يبيع لأحدهم أكثر من حمل بعير عدلا بين الناس وكان لا يمتلي شبعاً من الطعام في تلك الأيام المجدبة فقيل له تجوع وبيدك خزائن الأرض فقال أخاف ان اشبع فأنسى الجياع (وهذا) نظير قول أمير المؤمنين علي (ع) ولو شئت لاهتديت الطريق إلى مصفى هذا العسل ولباب هذا القمح ونسائج هذا القز ولعل بالحجاز أو اليمامة من لا طمع له في القرص ولا عهد له بالشبع أو أبيت مبطاناً وحولي بطون غرثى وأكباد حرى او أكون لا قال القائل :

المجالس السنية ـ الجزء الثاني 179

وحسبك داءاً ان تبيت ببطنة وحولك أكباد تحن إلى القد

أأقنع من نفسي بأن يقال أمير المؤمنين ولا اشاركهم في مكاره الدهر أو اكون اسوة لهم في جشوبة العيش (واقتدى) به في ذلك ولده الحسين (ع) فقد وجد على ظهره يوم الطف أثر فسئل علي بن الحسين عن ذلك فقال هذا مما كان يحمل الجراب على ظهره إلى بيوت الأرامل واليتامى (ووجد) على ظهر الحسين «ع» يوم الطف أثر آخر هو أوجع القلوب من هذا الأثر وهو اثر حوافر الخيل التي داست بحوافرها صدره الشريف وظهره وذلك حين أمر ابن سعد عشرة فوارس ان يدوسوا بحوافر خيولهم صدره وظهره تنفيذاً لما أمر به ابن زياد وهم يقولون :
نحن رضضنا الصدر بعد الظهر بكل يعبوب شديد الاسر

فقال ابن زياد من أنتم قالوا نحن الذين وطأنا بخيولنا جسد الحسين حتى طحنا جناجن صدره .
تطأ الصواهل صدره وجبينه والأرض ترجف خيفة وتضعضع

المجلس الثاني بعد المائة

لما تمكن يوسف بمصر وأصاب الناس ما اصابهم من القحط نزل بآل يعقوب ما نزل بالناس فقال يعقوب لبنيه بلغني انه يباع الطعام بمصر وان صاحبه رجل صالح فاذهبوا اليه فانه سيحسن اليكم إن شاء الله فجهزهم وامسك عنده بنيامين اخا يوسف لأمه فساروا حتى وردوا مصر فدخلوا على يوسف فعرفهم ولم يعرفوه لتغير لبسه وبعد عهدهم منه لانه كان بين قذفهم له في الجب ودخولهم عليه اربعون

المجالس السنية ـ الجزء الثاني 180

سنة فكلمهم بالعبرانية فقال لهم من انتم فقالوا نحن من ارض الشام أصابنا الجهد فجئنا نمتار فقال لعلكم جواسيس فقالوا لا والله وإنما نحن اخوة بنو أب واحد وهو يعقوب بن اسحاق بن ابراهيم خليل الرحمن ولو تعلم بأبينا لكرمنا عليك فانه نبي الله وابن انبيائه وإنه لمحزون قال وما الذي احزنه قالوا كان له ابن كان أصغرنا سناً خرج معنا إلى الصيد فأكله الذئب فقال يوسف كلكم من أب وأم قالوا أبونا واحد وامهاتنا شتى قال فما حمل اباكم على ان حبس منكم واحداً قالوا لأنه اخو الذي هلك من امه فأبونا يتسلى به قال فمن يعلم أن قولكم حق قالوا إنا ببلاد لا يعرفنا احد قال فائتوني بأخيكم الذي من ابيكم وأنا ارضى بذلك قالوا ان ابانا يحزن على فراقه وسنراوده عنه قال فدعوا عندي رهينة فاقترعوا بينهم فأصابت القرعة شمعون فتركوه عنده وقال لفتيانه اجعلو بضاعتهم التي جاؤا لها ثمن الطعام في اوعيتهم وإنما فعل ذلك إكراماً لهم ليرجعوا اليه فلما دخلوا على يعقوب قال مالي لا اسمع فيكم صوت شمعون فقالوا يا أبانا جئناك من عند أعظم الناس ملكاً ولم ير الناس مثله حكماً وعلماً وخشوعاً وسكينة و وقارا ولئن كان لك شبيه فانه يشبهك ولقد أكرمنا كرامة لو أنه بعض أولاد يعقوب ما زاد على كرامته ولكنا أهل بيت خلقنا للبلاء إنه اتهمنا وزعم انه لا يصدقنا حتى ترسل معنا بنيامين وانه ارتهن شمعون وقال ائتوني بأخيكم «فان لم تأتوني به فلا كيل لكم عندي ولا تقربون فأرسل معنا أخانا نكتل وإنا له لحافظون قال هل آمنكم عليه إلا كما أمنتكم على أخيه من قبل فالله خير حافظاً وهو أرحم الراحمين وقال لن أرسله معكم حتى تؤتوني موثقاً من الله لتأتنني به إلا ان يحاط بكم فلما آتوه موثقهم قال الله على ما نقول وكيل» فأرسله معهم وفعلوا كما قال فلما دخلوا على يوسف قالوا هذا أخونا الذي أمرتنا أن نأتيك به فأكرمهم وأضافهم وقال ليجلس كل بني ام على مائدة فجلسوا وبقي بنيامين قائماً وحده فبكى فقال له يوسف ما لك لا تجلس قال انك قلت ليجلس كل بني ام على مائدة وليس لي فيهم ابن أم قال يوسف فما كان لك ابن أم قال بلى قال فما فعل قال زعم هؤلاء ان الذئب

السابق السابق الفهرس التالي التالي