المجالس السنية ـ الجزء الاول 148

احمر الى فاطمة بنت الحسين عليهما السلام فقال يا أمير المؤمنين هب لي هذه الجارية قالت فاطمة فارتعدت وظننت أن ذلك جائز عندهم فأخذت بثياب عمتي زينب وقلت يا عمتاه أوتمت وأستخدم وكانت عمتي تعلم أن ذلك لا يكون فقالت عمتي لا حبا ولا كرامة لهذا الفاسق وقالت للشامي كذبت والله ولؤمت والله ما ذاك لك ولا له فغضب يزيد وقال كذبت ان ذلك لي ولو شئت أن أفعل لفعلت قالت زينب كلا والله ما جعل الله لك ذلك الا أن تخرج من ملتنا وتدين بغيرها فاستطار يزيد غضبا وقال اياي تستقبلين بهذا انما خرج من الدين أبوك واخوك قالت زينب بدين الله ودين ابي ودين اخي اهتديت انت وجدك وابوك ان كنت مسلما قال كذبت يا عدوة الله قالت له أنت أمير تشتم ظالما وتقهر بسلطانك فكأنه استحيا وسكت فعاد الشامي فقال هب لي هذه الجارية فقال له يزيد اعزب وهب الله لك حتفا قاضيا (وفي رواية) فقال الشامي من هذه الجارية فقال هذه فاطمة بنت الحسين وتلك زينب بنت علي فقال الشامي الحسين بن فاطمة وعلي بن أبي طالب فقال نعم فقال الشامي لعنك الله يا يزيد تقتل عتره نبيك وتسبي ذرية والله ما توهمت الا انهم من سبي الروم فقال يزيد والله لألحقنك بهم ثم امر به فضربت عنقه .
أفتدعي الاسلام قوم حاربت آل الـنبي ولم تـراع وصاتا
وسبت ذراري أحمد ونساءه أسرى تجوب بها ربى وفلاتا

المجلس السابع والثمانون

لما جيء بسبايا أهل البيت «ع» الى يزيد بالشام أمر يزيد بمنبر وخطيب وأمر وأمر الخطيب ان يصعد المنبر فيذم الحسين وأباه صلوات الله عليهما فصعد

المجالس السنية ـ الجزء الاول 149

الخطيب المنبر فحمد الله واثنى عليه ثم بالغ في ذم أمير المؤمنين والحسين الشهيد واطنب في مدح معاوية ويزيد فذكرهما بكل جميل فصاح به علي بن الحسين «ع» ويلك ايها الخاطب اشتريت مرضاة المخلوق بسخط الخالق فتبوأ مقعدك من النار (ثم) قال علي بن الحسين عليهما السلام يا يزيد اتأذن لي حتى أصعد هذه الأعواد فأتكلم بكلمات لله فيهن رضا ولهؤلاء الجلساء فيهن أجر وثواب فأبى يزيد عليه ذلك فقال الناس يا أمير المؤمنين ائذن له فليصعد المنبر فلعلنا نسمع منه شيئاً فقال انه ان صعد لم ينزل الا بفضيحتي وبفضيحة آل أبي سفيان فقيل له وما قدر ما يحسن هذا فقال انه من أهل بيت زقوا العلم زقاً فلم يزالوا به حتى أذن له فصعد المنبر فحمد الله واثنى عليه ثم خطب خطبة أبكى فيها العيون وأوجل منها القلوب (ثم قال) ايها الناس أعطينا ستاً وفضلنا بسبع أعطينا العلم والحلم والسماحة و الفصاحة والشجاعة والمحبة في قلوب المؤمنين وفضلنا بأن منا النبي المختار محمداً صلى الله عليه وآله وسلم ومنا الصديق ومنا الطيار ومنا أسد الله وأسد رسوله ومنا سيدة نساء العالمين ومنا سبطا هذه الأمة من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني انبأته بحسبي ونسبي (فلم) يزل يقول أنا أنا حتى ضج الناس بالبكاء والنحيب وخشي يزيد أن تكون فتنة فأمر المؤذن فقطع عليه الكلام فلما قال المؤذن الله اكبر الله اكبر قال علي بن الحسين عليهما السلام لا شيء اكبر من الله فلما قال أشهد أن لا اله الا الله قال علي بن الحسين (ع) شهد بها شعري وبشري ولحمي ودمي فلما قال المؤذن اشهد ان محمدا رسول الله التفت (ع) من فوق المنبر الى يزيد فقال محمد هذا جدي أم جدك يا يزيد فان زعمت انه جدك فقد كذبت وكفرت وان زعمت انه جدي فلم قتلت عترته ولقد احسن ابن سنان الخفاجي حيث يقول :
يا امة كفـرت وفي افـواهها الـ ـقرآن فيه ضـلالها ورشاها
اعـلى المـنابـر تعـلنون بسـبه وبسيفه نصـبت لكم اعـوادها
تلك الخـلائـق بينـكم بـدريـة قتل الحسين وما خبت احقادها
يصلي على المبعوث من آل هاشم ويغزى بنـوه ان ذا لعجـيب


المجالس السنية ـ الجزء الاول 150

المجلس الثامن والثمانون

دعا يزيد يوماً بعلي بن الحسين عليهما السلام وعمرو بن الحسن «ع» وكان عمرو غلاماً صغيراً يقال ان عمره احدى عشرة سنة فقال له اتصارع هذا يعني ابنه خالداً فقال له عمرو لا ولكن اعطني سكيناً واعطه سكيناً ثم أقاتله فقال يزيد (شنشنة أعرفها من أخزم . هل تلد الحية الا الحية) (وخرج) زين العابدين «ع» يوماً يمشي في أسواق دمشق فاستقبله المنهال بن عمرو فقال له كيف أمسيت يا ابن رسول الله قال أمسينا كمثل بني إسرائيل في آل فرعون يذبحون أبناءهم ويستحيون نساءهم يا منهال أمست العرب تفتخر على العجم بأن محمداً عربي وأمست قريش تفتخر على سائر العرب بأن محمداً منها وامسينا معشر أهل بيته ونحن مغضوبون مقتولون مشردون انا لله وانا اليه راجعون مما امسينا فيه يا منهال
يعظمـون له أعواد منبره وتحت أرجلهم أولاده وضعوا
بأي حـكم بنوه يتبعونكم وفخركـم أنكم صحب له تبع

وكان يزيد وعد علي بن الحسين عليهما السلام يوم دخولهم عليه ان يقضي له ثلاث حاجات فقال له اذكر حاجاتك الثلاث اللاتي وعدتك بقضائهن فقال له (الأولى) ان تريني وجه سيدي ومولاي وأبي الحسين «ع» فأتزود منه وأنظر اليه وأودعه (والثانية) ان ترد علينا ما أخذ منا (والثالثة) ان كنت عزمت على قتلي ان توجه مع هؤلاء النساء من يردهن الى حرم جدهن صلى الله عليه وآله وسلم فقال اما وجه ابيك فلن تراه أبداً وأما قتلك فقد عفوت عنك وأما النساء فما يردهن غيرك الى المدينة وأما ما أخذ منكم فأنا أعوضكم عنه اضعاف قيمته فقال «ع» أما مالك فلا نريده وهو موفر عليك وانما طلبت ما أخذ منا لأن فيه مغزل فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله وسلم ومقنعتها وقلادتها وقميصها .

المجالس السنية ـ الجزء الاول 151

لقد تحمل مـن أرزائها محـنا لم يحتـملها نبي أو وصـي نبي
وان اعـظم ما لاقاه محتـسبا عند الاله فـسامى كـل محتسب
حمل الفواطم اسرى للشام على عجف النياق تقاسي نهسة القتب

المجلس التاسع والثمانون

لما رجع أهل البيت عليهم السلام من الشام الى المدينة قالوا للدليل مر بنا على طريق كربلاء فلما وصلوا الى موضع المصرع وجدوا جابر بن عبد الله الأنصاري وجماعة من بني هاشم ورجالا من آل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قد وردوا لزيارة قبر الحسين «ع» فتوافوا في وقت واحد وتلاقوا بالبكاء والحزن واللطم وأقاموا المآتم واجتمع عليهم أهل ذلك السواد واقاموا على ذلك اياما . وعن الأعمش عن عطية العوفي قال خرجت مع جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه زائراً قبر الحسين «ع» فلما وردنا كربلاء دنا جابر من شاطئ الفرات فاغتسل ثم اتزر بازار وارتدى بآخر ثم فتح صرة فيها سعد فنثرها على بدنه ثم لم يخط خطوة الا ذكر الله تعالى حتى اذا دنا من القبر قال المسنيه يا عطية فألمسته اياه فخر على القبر مغشياً عليه فرششت عليه شيئاً من الماء فلما افاق قال يا حسين ثلاثا ثم قال حبيب لا يجيب حبيبه ثم قال وأنى لك بالجواب وقد شخبت أوداجك على أثباجك وفرق بين بدنك ورأسك أشهد أنك ابن خير النبيين وابن سيد المؤمنين وابن حليف التقوى وسليل الهدى وخامس اصحاب الكسا وابن سيد النقبا وابن فاطمة سيدة النسا وما لك لا تكون هكذا وقد غذتك كف سيد المرسلين وربيت في حجر المتقين ورضعت من ثدي الايمان وفطمت بالاسلام فطبت حيا وطبت ميتا غير ان قلوب المؤمنين غير طيبة بفراقك ولا شاكة في حياتك فعليك سلام الله ورضوانه واشهد انك مضيت على ما مضى عليه اخوك يحيى بن زكريا (ع) ثم جال ببصره

المجالس السنية ـ الجزء الاول 152

حول القبر وقال السلام عليكم ايتها الارواح التي حلت بفناء الحسين «ع» واناخت برحله اشهد انكم اقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وامرتم بالمعروف ونهيتم عن المنكر وجاهدتم الملحدين وعبدتم الله حتى اتاكم اليقين والذي بعث محمداً بالحق لقد شاركناكم فيما دخلتم فيه قال عطية فقلت لجابر فكيف ولم نهبط واديا ولم نعل جبلا ولم نضرب بسيف والقوم قد فرق بين رؤؤسهم وابدانهم وأوتمت أولادهم وارملت الازواج فقال لي يا عطية سمعت حبيبي رسول الله (ص) يقول من احب قوماً حشر معهم ومن احب عمل قوم اشرك في عملهم والذي بعث محمداً (ص) بالحق ان نيتي ونية اصحابي على ما مضى عليه الحسين «ع» واصحابه قال عطية فبينما نحن كذلك واذا بسواد قد طلع من ناحية الشام فقلت يا جابر هذا سواد قد طلع من ناحية الشام فقال جابر لعبده انطلق الى هذا السواد وائتنا بخبره فان كانوا من اصحاب عمر بن سعد فارجع الينا لعلنا نلجأ الى ملجأ وان كان زين العابدين فأنت حر لوجه الله تعالى قال فمضى العبد فما كان بأسرع من ان رجع وهو يقول يا جابر قم واستقبل حرم رسول الله (ص) هذا زين العابدين (ع) قد جاء بعماته واخواته فقام جابر يمشي حافي الأقدام مكشوف الرأس الى ان دنا من زين العابدين «ع» فقال الامام انت جابر قال نعم يا ابن رسول الله فقال يا جابر ههنا والله قتلت رجالنا وذبحت اطفالنا وسبيت نساؤنا وحرقت خيامنا .
ولكـم مررت بكـربلا متمثلا شهداءها ضرعى على ربواتها
فوقفت واستوقفت فيها عصبة وقفوا نواظرهم عـلى عبراتها

المجلس التسعون

لما رجع علي بن الحسين عليهما السلام بعماته وأخواته من الشام مروا على كربلاء ثم انفصلوا عنها طالبين المدينة قال بشير بن جذلم فلما قربنا منها نزل علي بن

المجالس السنية ـ الجزء الاول 153

الحسين عليهما السلام فحط رحله وضرب فسطاطه وانزل نساءه وقال يا بشير رحم الله أباك لقد كان شاعراً فهل تقدر على شيء منه قلت بلى يا ابن رسول الله اني لشاعر قال فأدخل المدينة وانع ابا عبد الله قال بشير فركبت فرسي وركضت حتى دخلت المدينة فلما بلغت مسجد النبي (ص) رفعت صوتي بالبكاء وأنشأت أقول :
يا أهل يثرب لا مقام لكم بها قتل الحسين فأدمعي مدرار
الجسم منه بكربلاء مضرج والرأس منه على القناة يدار

ثم قلت يا أهل المدينة هذا علي بن الحسين مع عماته واخواته قد حلوا بساحتكم ونزلوا بفنائكم وانا رسوله اليكم اعرفكم مكانه قال فما بقيت بالمدينة مخدرة ولا محجبة الا برزن من خدورهن مكشوفة شعورهن مخمشة وجوههن ضاربات خدودهن يدعين بالويل والثبور ولم يبق بالمدينة أحد الا خرج وهم يضجون بالبكاء فلم أر باكياً أكثر من ذلك اليوم ولا يوماً أمر على المسلمين منه بعد وفاة رسول الله (ص) وسمعت جارية تنوح على الحسين «ع» وتقول :
نعى سـيدي نـاع نعـاه فـأوجعا وأمرضـني نـاع نـعاه فأفجعـا
فعيـني جـودا بالـدموع وأسكـبا وجودا بدمـع بعد دمعـكما مـعا
على من دهى عرش الجليل فزعزعا فأصبح هـذا المجد والدين أجدعا
عـلى ابـن نبي الله وابـن وصيـه وان كـان عنا شاحط الدار أشسعا

ثم قالت أيها الناعي جددت حزننا بأبي عبد الله «ع» وخدشت منا قروحا لما تندمل فمن أنت رحمك الله فقلت أنا بشير بن جذلم وجهني مولاي علي بن الحسين عليهما السلام وهو نازل بموضع كذا وكذا مع عيال ابي عبد الله الحسين عليه السلام نسائه قال فتركوني مكاني وبادروني فضربت فرسي حتى رجعت اليهم فوجدت الناس قد أخذوا الطريق والمواضع فنزلت عن فرسي وتخطأت رقاب الناس حتى قربت من باب الفسطاط وكان علي بن الحسين عليهما السلام داخلاً

المجالس السنية ـ الجزء الاول 154

فخرج ومعه خرقة يمسح بها دموعه وخلفه خادم معه كرسي فوضعه له وجلس عليه وهو لا يتمالك من العبرة وارتفعت اصوات الناس بالبكاء من كل ناحية يعزونه فضجت تلك البقعة ضجة شديدة فأومأ بيده ان اسكتوا فسكنت فورتهم فقال :
الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين بارئ الخلائق أجمعين الذي بعد فارتفع في السماوات العلى وقرب فشهد النجوى نحمده على عظائم الأمور وفجائع الدهور والم الفجائع ومضاضة اللواذع وجليل الرزء وعظيم المصائب الفاظعة الكاظة الفادحة الجائحة ايها القوم ان الله وله الحمد ابتلانا بمصائب جليلة وثلمة في الاسلام عظيمة قتل ابو عبد الله وعترته وسبي نسائه وصبيته وداروا برأسه في البلدان من فوق عامل السنان وهذه الرزية التي لا مثلها رزية ايها الناس فأي رجالات منكم يسرون بعد قتله أم أي فؤاد لا يحزن من اجله أم أي عين منكم تحبس دمعها وتضن عن انهمالهما فلقد بكت السبع الشداد لقتله وبكت البحار بأمواجها والسماوات بأركانها والأرض بأرجائها والأشجار بأغصانها والحيتان في لجج البحار والملائكة المقربون وأهل السماوات اجمعون يا ايها الناس أي قلب لا ينصدع لقتله ام اي فؤاد لا يحن اليه ام اي سمع يسمع هذه الثلمة التي ثلمت في الاسلام ولا يصم ايها الناس أصبحنا مطرودين مشردين مذودين شاسعين عن الامصار من غير جرم اجترمناه ولا مكروه ارتكبناه ولا ثلمة في الاسلام ثلمناها ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين ان هذا الا اختلاق والله لو ان النبي (ص) تقدم اليهم في قتالنا كما تقدم اليهم في الوصاية بنا لما زادوا على ما فعلوا بنا فانا لله وانا اليه راجعون من مصيبة ما اعظمها واوجعها واكظها وافظعها وامرها وافدحها فعند الله نحتسب فيما اصابنا وما بلغ بنا انه عزيز ذو انتقام (ثم) دخل زين العابدين «ع» المدينة فرآها موحشة باكية ووجد ديار اهله خالية تنعي اهلها وتندب سكانها .

المجالس السنية ـ الجزء الاول 155

مررت علـى ابيات آل محمد فلم ارها امثالـها يـوم حـلت
فـلا يبعد الله الـديار واهلها وان اصبحت منهم برغم تحلت

المجلس الواحد والتسعون

قال الصادق «ع» البكاؤون خمسة آدم ويعقوب ويوسف وفاطمة بنت محمد وعلي بن الحسين «ع» فأما آدم «ع» فبكى على الجنة أما يعقوب فبكى على يوسف «ع» حتى ذهب بصره وحتى قيل له تالله تفتؤ تذكر يوسف حتى تكون حرضاً أو تكون من الهالكين وأما يوسف فبكى على يعقوب «ع» حتى تأذى به أهل السجن فقالوا أما ان تبكي بالنهار وتسكت بالليل واما ان تبكي بالليل وتسكت بالنهار فصالحهم على واحد منهما وأما فاطمة بنت محمد (ص) فبكت على رسول الله (ص) حتى تأذى بها أهل المدينة وقالوا لها قد آذيتنا بكثرة بكائك فكانت تخرج الى المقابر مقابر الشهداء فتبكي حتى تقضي حاجتها ثم تنصرف وأما علي بن الحسين «ع» فبكى على أبيه الحسين أربعين سنة وما وضع بين يديه طعام الا بكى حتى قال له مولى له جعلت فداك يا ابن رسول الله اني أخاف عليك ان تكون من الهالكين قال انما اشكو بثي وحزني الى الله واعلم من ما لا تعلمون اني لم اذكر مصرع بني فاطمة الا خنقتني العبرة .
وعن الصادق «ع» انه بكى على ابيه الحسين «ع» اربعين سنة صائماً نهاره قائماً ليله فإذا حضره الافطار جاء غلامه بطعامه وشرابه فيضعه بين يديه فيقول قتل ابن رسول الله جائعاً قتل ابن رسول الله عطشان فلا يزال يكرر ذلك ويبكي حتى يبل طعامه من دموعه ثم يمزج شرابه بدموعه فلم يزل كذلك حتى لحق بالله عزوجل

المجالس السنية ـ الجزء الاول 156

(وفي رواية) انه كان اذا حضر الطعام لافطاره ذكر قتلاه وقال واكربلاء يكرر ذلك ويقول قتل ابن رسول الله جائعاً قتل ابن رسول الله عطشان حتى يبل بالدموع ثيابه (وحدت) مولى له انه برز يوما الى الصحراء قال فتبعته فوجدته قد سجد على حجارة خشنة فوقفت وأنا اسمع شهيقه وبكاءه وأحصيت عليه الف مرة هو يقول (لا اله الا الله حقا حقا لا اله الا الله تعبدا ورقا لا اله الا الله ايمانا وصدقا) ثم رفع رأسه من سجوده واذا لحيته ووجهه قد غمرا بالماء من دموع عينيه فقلت يا سيدي أما آن لحزنك أن ينقضي ولبكائك أن يقل فقال لي ويحك ان يعقوب بن اسحاق بن ابراهيم كان نبيا ابن نبي له اثنا عشر ابنا فغيب الله واحدا منهم فشاب رأسه من الحزن واحدودب ظهره من الغم وذهب بصره من البكاء وابنه حي في دار الدنيا وأنا رأيت أبي وأخي وسبعة عشر من أهل بيتي صرعى مقتولين فكيف ينقضي حزني ويقل بكائي .
هذي المصائب لا مصائب آل يعـ ـقوب وان صدع الهوى المامها
لقد تحـمل مـن أرزائـها محـنا لم يحتملها نـبي أو وصـي نبي

المجلس الثاني والتسعون

لما قتل الحسين «ع» اتى عبد الله بن الزبير فدعا ابن عباس الى بيعته فامتنع ابن عباس وظن يزيد ان امتناع ابن عباس تمسك منه ببيعته فكتب اليه (أما بعد) فقد بلغني ان الملحد ابن الزبير دعاك الى بيعته والدخول في طاعته لتكون له على الباطل ظهيرا وفي المآثم شريكا وانك اعتصمت ببيعتنا وفاء منك لنا وطاعة الله لما عرفك من حقنا فجزاك الله عن ذي رحم خير ما يجزي الواصلين لارحامهم الموفين بعهودهم فما انس من الاشياء فلست بناس برك وتعجيل صلتك بالذي

المجالس السنية ـ الجزء الاول 157

انت له اهل من القرابة من الرسول فانظر من طلع عليك من الآفاق ممن سحرهم ابن الزبير بلسانه وزخرف قوله فأعلمهم برأيك فانهم منك اسمع ولك اطوع والسلام (فكتب) اليه ابن عباس اما بعد فقد جاءني كتابك تذكر فيه دعاء ابن الزبير اياي الى بيعته والدخول في طاعته فان يكن ذلك كذلك فاني والله ما أرجو بذلك برك ولا حمدك ولكن الله بالذي أنوي به عليم وزعمت أنك غير ناس بري وتعجيل صلتي فاحبس أيها الانسان برك وتعجيل صلتك فاني حابس عنك ودي فلعمري ما تؤتينا مما لنا قبلك من حقنا الا اليسير وانك لتحبس عنا منه العريض الطويل وسألت ان احث الناس اليك وان اخذلهم عن ابن الزبير فلا ولاء و لا سرور ولا حباء انك تسألني نصرتك وتحثني على ودك وقد قتلت حسينا (ع) وفتيان عبد المطلب مصابيح الهدى ونجوم الاعلام غادرتهم خيولك بامرك في صعيد واحد مرملين بالدماء مسلوبين بالعراء لا مكفنين ولا موسدين تسفي عليهم الرياح وتنتابهم عرج الضباع حتى أتاح الله بقوم لم يشركوا في دمائهم كفنوهم واجنوهم وجلست مجلسك الذي جلست فما انس من الأشياء فلست بناس طردك حسينا من حرم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الى حرم الله وتسييرك اليه الرجال لتقتله في الحرم فما زلت بذلك وعلى ذلك حتى اشخصته من مكة الى العراق فخرج خائفاً يترقب فزلزلت به خيلك عداوة منك لله ولرسوله ولاهل بيته الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا اولئك لا كآبائك الجلاف الجفاة اشباه الحمير فطلب اليكم الحسين الموادعة وسألكم الرجعة فاغتنتم قلة انصاره واستئصال اهل بيته تعاونتم عليه كأنكم قتلتم اهل بيت من الترك فلا شيء أعجب عندي من طلبتك ودي وقد قتلت ولد أبي وسيفك يقطر من دمي وأنت أحد ثاري وانشاء الله لا يطل لديك دمي ولا تسبقني بثاري وان سبقتني في الدنيا فقبل ذلك ما قتل النبيون وآل النبيين فيطلب الله بدمائهم فكفى بالله للمظلومين ناصراً ومن الظالمين منتقما الا وان من اعجب الاعاجيب وما عسى ان اعجب حملك بنات عبد المطلب وأطفالا صغاراً من ولده اليك بالشام كالسبى المجلوبين تري الناس أنك

المجالس السنية ـ الجزء الاول 158

قهرتنا وأنت تمن وبنا من الله عليك ولعمر الله فلئن كنت تصبح آمنا من جراحة يدي اني لأرجو ان يعظم الله جرحك من لساني ونقضي وابرامي والله ما أنا بآيس من بعد قتلك ولد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يأخذك أخذاً اليما ويخرجك من الدنيا مذموماً مدحورا فعش لا أبا لك ما استطعت فقد والله أرداك ما اقترفت والسلام على من اتبع الهدى .
فلما وصل الكتاب الى يزيد غضب غضباً شديداً وهم أن يقتل ابن عباس ولكن شغلته عنه قضية ابن الزبير ثم أخذه الله أخذ عزيز مقتدر .
نصرت ابن عباس حسين بن فاطم بحد لسان ما عن السيف ينقص
دعـتك اليه شيـمة هـاشـمـية فحقاً لأنت الهاشمي المخـلص

المجلس الثالث والتسعون

روى الشيخ الطوسي رحمه الله في الامالي قال بلغ المتوكل جعفر بن المعتصم ان أهل السواد يجتمعون بأرض نينوى لزيارة قبر الحسين «ع» فيصير الى قبره منهم خلق كثير فأنفذ قائداً من قواده وضم اليه جندا كثيفاً ليحرث قبر الحسين «ع» ويمنع الناس من زيارته والاجتماع الى قبره فخرج القائد الى الطف وعمل بما أمر وذلك في سنة سبع وثلاثين ومائتين فثار أهل السواد به واجتمعوا عليه وقالوا لو قتلنا عن آخرنا لما امسك من بقي منا عن زيارته ورأوا من الدلائل ما حملهم على ما صنعوا فكتب بالامر الى الحضرة فورد كتاب المتوكل الى القائد بالكف عنهم والمسير الى الكوفة مظهراً ان ذلك في مصالح أهلها فمضى الأمر على ذلك حتى كانت سنة مائتين وسبع وأربعين فبلغ المتوكل أيضاً مصير الناس من أهل السواد والكوفة الى كربلاء لزيارة قبر الحسين (ع) وانه قد كثر جمعهم

المجالس السنية ـ الجزء الاول 159

لذلك وصار لهم شوق كثير فأنفذ قائداً في جمع كثير من الجند وأمر مناديا ينادي ان برئت الذمة ممن زار قبر الحسين «ع» وأمر بنبش القبر وحرث أرضه وانقطع الناس عن الزيارة .
ما كفى ما فعلته بنو أمية من قتل الحسين «ع» وأهل بيته وأنصاره ورض جسده الشريف وسبي نسائه وذراريه من بلد الى بلد وحمل رأسه ورؤوس أصحابه فوق الرماح حتى جاءت بنو العباس فبنت على ما اسسته بنو أمية وزادت عليه ورامت ان تدرس قبر الحسين «ع» وتعفي أثره وتمنع الناس من زيارته « يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الا أن يتم نوره» .
بنى لهم الماضون آساس هذه فعلوا على آساس تلك القواعد
ألا ليس فعل الأولين وان علا على قبح فعل الآخرين بزائد

وكان بعض المحبين قد حضر لزيارة الحسين «ع» حين أمر المتوكل بحرث القبر الشريف فلم تمكنه الزيارة فتوجه نحو بغداد وهو يقول :
تالله ان كانـت أمـية قـد أتـت قتل ابن بـنت نبيها مظـلوما
فلـقد أتـاك بنـو أبـيه بمـثلها هـذا لعمرك قبـره مهـدوما
أسفوا على أن لا يـكونوا شايعوا فـي قتـله فتـتبعوه رمـيما
تتبعـوكم ورامـوا مـحو فضلكم وخيب الله من في ذلكم طمعا
انى وفي الصلوات الخمس ذكركم لدى التشهد للتوحـيد قد شفعا

المجلس الرابع والتسعون

روي عن الصادق (ع) أنه قال ما اكتحلت هاشمية ولا اختضبت ولا رئي في دار هاشمي دخان خمس سنين حتى قتل عبيد الله بن زياد (وعن) فاطمة بنت

المجالس السنية ـ الجزء الاول 160

علي أمير المؤمنين عليها وعلى أبيها السلام انها قالت ما تحنأت امرأة منا ولا اجالت في عينها مرودا ولا امتشطت حتى بعث المختار برأس عبيد الله بن زياد ولما قتل ابراهيم بن مالك الأشتر عبيد الله بن زياد بعث برأسه ورؤوس قواده وفيها رأس الحصين بن تميم الى المختار بالكوفة فقدموا عليه وهو يتغدى فحمد الله على الظفر فلما فرغ من الغداء قام فوطئ وجه ابن زياد بنعله ثم رمى بها الى غلامه وقال اغسلها فاني وضعتها على وجه بحس كافر ووضعت الرؤوس في المكان الذي وضع فيه رأس الحسين «ع» ورؤوس أصحابه ونصب المختار رأس ابن زياد في المكان الذي نصب فيه رأس الحسين «ع» وروى ابن الأثير في الكامل عن الترمذي في جامعه انه لما وضع رأس ابن زياد امام المختار جاءت حية دقيقة فتخللت الرؤوس حتى دخلت في فم عبيد الله بن زياد ثم خرجت من منخره ودخلت في منخره وخرجت من فيه فعلت هذا مراراً ثم بعث المختار برأس عبيد الله بن زياد الى علي بن الحسين «ع» وكان يومئذ بمكة فأدخل عليه وهو يتغدى فسجد شكراً لله وقال الحمد لله الذي ادرك لي ثاري من عدوي وجزى لله المختار خيراً أدخلت على ابن زياد وهو يتغدى ورأس ابي بين يديه فقلت اللهم لا تمتني حتى تريني رأس ابن زياد وكان قتل ابن زياد واشياعه في يوم عاشوراء في اليوم الذي قتل فيه الحسين «ع» ولم يقتل من اهل الشام بعد وقعة صفين مثلما قتل في هذه الوقعة قتل منهم سبعون الفاً .
ايا ابن زياد بـؤ بما قد جنيته وذق حد ماضي الشفرتين صقيل
جزى الله خيراً شرطة الله انهم شفـوا بعـبـيد الله كـل غلـيل

المجلس الخامس والتسعون

روى الشيخ الطوسي في الأمالي باسناده عن المنهال بن عمرو قال دخلت على

المجالس السنية ـ الجزء الاول 161

علي بن الحسين عليهما السلام منصرفي في مكة فقال يا منهال ما صنع حرملة بن كاهلة فقلت تركته حياً بالكوفة فرفع يديه جميعاً ثم قال : اللهم أذقه حر الحديد اللهم أذقه حر النار ، فقدمت الكوفة وقد ظهر المختار بن عبيدة الثقفي وكان لي صديقاً فكنت في منزلي أياماً حتى انقطع الناس عني وركبت اليه فلقيته خارجاً من داره فقال يا منهال لم تأتنا في ولايتنا هذه ولم تهنئناها ولم تشركنا فيها فاعلمته اني كنت بمكة واني قد جئت الآن وسايرته ونحن نتحدث حتى أتى الكناس (وهي الساحة التي يجتمع فيها الناس بالكوفة) فوقف كأنه ينتظر شيئاً وقد كان أخبر بمكان حرملة بن كاهلة فوجه في طلبه فلم يلبث ان جاء قوم يركضون وقوم يشتدون حتى قالوا ايها الأمير البشارة قد أخذ حرملة بن كاهلة فما لبثنا أن جيء به فلما نظر اليه قال لحرملة الحمد لله الذي امكنني منك ثم قال : الجزار الجزار فأتي بجزار فقال له اقطع يديه فقطعتا ثم قال النار النار فأتي بنار وقصب فالقي اليه فاشعل فيه النار فقلت سبحان الله فقال لي يا منهال ان التسبيح لحسن ففيم سبحت فقلت أيها الأمير دخلت في سفرتي هذه منصرفي من مكة على علي بن الحسين عليهما السلام فقال لي يا منهال ما فعل حرملة بن كاهلة الأسدي فقلت تركته حياً بالكوفة فرفع يديه جميعاً فقال : اللهم أذقه حر الحديد اللهم أذقه حر النار فقال لي اسمعت علي بن الحسين يقول هذا فقلت والله لقد سمعته قال فنزل عن دابته وصلى ركعتين فأطال السجود ثم قام فركب وقد احترق حرملة وركبت معه وسرنا فحاذيت داري فقلت أيها الأمير ان رأيت ان تشرفني وتكرمني وتنزل عندي وتتحرم بطعامي فقال يا منهال تعلمني ان علي بن الحسين دعا بأربع دعوات فأجابه الله على يدي ثم تأمرني أن آكل هذا يوم صوم شكراً لله عزوجل على ما فعلته بتوفيقه (وحرملة) هذا رمى يوما الطف ثلاثة من آل بيت الرسول (ص) (احدهم) ابو بكر بن الحسن فانه خرج الى الحرب وقاتل حتى قتل رماه حرملة هذا بسهم فقتله (والثاني) عبد الله الرضيع وذلك لما

المجالس السنية ـ الجزء الاول 162

اخذه أبوه الحسين «ع» وأجلسه في حجره وأومأ اليه ليقبله فرماه حرملة بن كاهلة بسهم فوقع في نحره فذبحه فقال لزينب خذيه ثم تلقى الدم بكفيه فلما امتلأتا رمى بالدم نحو السماء ثم قال هون علي ما نزل بي انه بعين الله (والثالث) عبد الله بن الحسن فانه خرج من عند النساء وهو غلام فلحقته زينب وامتنع امتناعاً شديداً وجاء يشتد الى عمه الحسين (ع) حتى وقف الى جنبه وقال لا افارق عمي فاهوى بحر بن كعب الى الحسين (ع) بالسيف فقال الغلام ويلك يا ابن الخبيثة اتقتل عمي فضربه بحر بالسيف فاتقاها الغلام بيده فاطنها الى الجلد فاذا هي معلقة فنادى الغلام يا عماه او يا اماه فأخذه الحسين (ع) فضمه الى صدره وقال يا ابن اخي اصبر على ما نزل بك واحتسب في ذلك الخير فان الله يلحقك بآبائك الصالحين برسول الله وعلي وحمزة وجعفر والحسن صلى الله عليهم أجمعين فرماه حرملة بسهم فذبحه وهو في حجر عمه فرفع الحسين (ع) يديه وقال اللهم امسك عنهم قطر السماء وامنعهم بركات الأرض اللهم فان متعتهم الى حين ففرقهم فرقاً واجعلهم طرائق قددا ولا ترض الولاة منهم ابداً فانهم دعونا لينصرونا ثم عدوا علينا فقتلونا .
هبوا انكم قاتلتم فقتلتمو فما بال أطفال تقاسي نبالها


المجالس السنية ـ الجزء الاول 163

وليكن هذا آخر الجزء الأول من كتاب المجالس السنية في ذكرى مناقب ومصائب العترة النبوية ويليه الجزء الثاني .
ووافق الفراغ منه اولا ضحى يوم السبت الثاني عشر من شهر ذي القعدة الحرام عام الف وثلثمائة واثنين وأربعين من الهجرة بمدينة دمشق الشام صانها الله تعالى عن طوارق الحدثان ووافق الفراغ من اعادة النظر فيه ثانياً عند ارادة تمثيله للطبع للمرة الثانية وتغيير بعض ترتيبه والزيادة عليه والانقاص منه ضحى يوم الجمعة الخامس عشر من شهر ذي الحجة الحرام عام الف وثلثمائة وخمسين من الهجرة بقرية شقراء من جبل عامل حماه الله من الغوائل ووافق الفراغ من اعادة النظر فيه ثالثاً عند ارادة تمثيله للطبع هذه المرة في اليوم الرابع عشر من شهر رمضان المبارك عام 1364 من الهجرة بمنزلي في دمشق الشام وقاها الله من حوادث الأيام في شارع الأمين حماه الله من كل ما يضر ويشين . وكتب بيده الفانية مؤلفه الفقير الى عفو ربه الغني محسم بن المرحوم السيد عبد الكريم الأمين الحسيني العاملي نزيل دمشق تجاوز الله عن سيئاته حامداً مصلياً مسلماً .
وكان الفراغ من تجديده واعادة طبعه للمرة الخامسة على يد حسن الأمين ولد المؤلف في الثامن من ذي الحجة عام 1382 في بيروت .

المجالس السنية ـ الجزء الاول 164




السابق السابق الفهرس التالي التالي