المجالس السنية ـ الجزء الاول 134

يا ليت شعري ما اعتذارهم الى الز هراء في ابنائـها وبناتـها
علقـتمـوها بالنـبي خـصومـة سترون في عقباكم تبعاتها

المجلس السابع والسبعون

لما جيء بالسبايا والرؤوس الى ابن زياد في الكوفة جلس في قصر الأمارة واذن للناس اذنا عاما وامر باحضار رأس الحسين «ع» فوضع بين يديه فجعل ينظر اليه ويبتسم وكان في يده قضيب فجعل يضرب به ثناياه ويقول انه كان حسن الثغر (وفي رواية) انه قال لقد اسرع الشيب اليك يا ابا عبد الله ثم قال يوم بيوم بدر (وكان) عنده انس بن مالك فبكى وقال كان اشبههم برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكان مخضوباً بالوسمة (وكان) الى جانبه زيد بن ارقم صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو شيخ كبير فلما رآه يضرب بالقضيب ثناياه قال له ارفع قضيبك عن هاتين الشفتين فو الله الذي لا إله غيره لقد رأيت شفتي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما لا أحصيه كثرة يقبلهما ثم انتحب باكيا فقال له ابن زياد ابكى الله عينيك أتبكي لفتح الله والله لولا انك شيخ قد خرفت وذهب عقلك لضربت عنقك ، فنهض زيد بن ارقم من بين يديه وسار الى منزله (وفي رواية) انه نهض وهو يقول ايها الناس انتم العبيد بعد اليوم قتلتم ابن فاطمة وامرتم ابن مرجانة والله ليقتلن خياركم وليستعبدن شراركم فبعدا لمن رضي بالذل والعار ثم قال يا ابن زياد لأحدثنك حديثاً اغلظ عليك من هذا ، رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اقعد حسناً على فخذه اليمنى وحسيناً على فخذه اليسرى ثم وضع يده على يافوخيهما ثم قال اللهم اني استودعك اياهما وصالح المؤمنين ، فكيف كانت وديعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عندك يا ابن زياد .
فعلتم بأبناء النبي ورهطه افاعيل ادناها الخيانة والغدر


المجالس السنية ـ الجزء الاول 135

المجلس الثامن والسبعون

لما أدخل نساء الحسين «ع» وصبيانه على ابن زياد بالكوفة لبست زينب «ع» ارذل ثيابها وتنكرت ومضت حتى جلست ناحة من القصر وحف بها اماؤها فقال ابن زياد من هذه فلم تجبه فاعاد الكلام ثانيا وثالثا يسأل عنها فلم تجبه فقال له بعض امائها هذه زينب بنت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاقبل عليها ابن زياد فقال لها الحمد لله الذي فضحكم وقتلكم واكذب احدوثتكم فقالت زينب الحمد لله الذي اكرمنا بنبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم وطهرنا من الرجس تطهيرا انما يفتضح الفاسق ويكذب الفاجر وهو غيرنا فقال كيف رأيت فعل الله بأخيك واهل بيتك فقالت ما رأيت الا جميلا هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل فبرزوا الى مضاجعهم وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاج وتخاصم فانظر لمن الفلج يومئذ هبلتك امك يا ابن مرجانة فغضب ابن زياد واستشاط وكأنه هم بها فقال له عمرو بن حريث ايها الأمير انها امرأة لا تؤاخذ بشيء من منطقها ولا تذم على خطئها فقال لها ابن زياد لقد شفى الله قلبي من طاغيتك الحسين والعصاة المردة من اهل بيتك . فرقت زينب وبكت وقالت له لعمري لقد قتلت كهلي وابرزت اهلي وقطعت فرعي واجتثثت اصلي فان كان هذا شفاؤك فقد اشتفيت فقال ابن زياد هذه سجاعة ولعمري لقد كان ابوها سجاعا شاعرا فقالت ما للمرأة والسجاعة ان لي عن السجاعة لشغلا ولكن صدري نفث بما قلت .
فقل لسرايا شيبة الحمد مـا لكم قعدتـم وقد ساروا بنسـوتكم أسرى
واعظم ما يشجي الغيور دخولها الى مـجلس ما بارح اللهو والخمرا
يقارضها فـيه الـدعي مـسبة ويصرف عنها وجهه معرضا كبرا


المجالس السنية ـ الجزء الاول 136

وعرض عليه علي بن الحسين عليهما السلام فقال له من انت فقال انا علي بن الحسين فقال اليس قد قتل الله علي بن الحسين فقال له علي قد كان لي اخ يسمى عليا قتله الناس قال بل الله قتله فقال علي بن الحسين : الله يتوفى الانفس حين موتها فغضب ابن زياد وقال وبك جرأة الجوابي وفيك بقية للرد علي اذهبوا به واضربوا عنقه فتعلقت به عمته زينب وقالت يا ابن زياد حسبك من دمائنا واعتنقته وقالت لا والله لا افارقه فان قتلته فاقتلني معه فنظر ابن زياد اليها واليه ساعة ثم قال عجبا للرحم والله اني لاظنها ودت ان قتلتها معه دعوه فاني اراه لما به (وفي رواية) ان علي بن الحسين عليهما السلام قال لعمته اسكتي يا عمة حتى اكلمه ثم اقبل عليه فقال ابا لقتل تهددني يا ابن زياد أما علمت أن القتل لنا عادة وكرامتنا الشهادة . ثم امر ابن زياد بعلي بن الحسين عليهما السلام وهل بيته فحملوا الى دار بجنب المسجد الاعظم .
ومـخـدرات ما اذيـع حـديثـها اضحت احاديثا لمن يتحدث
سبيت على عجف تعثر في السرى يحدو بها مستـعجل لـيلبث
تعـسا لمن تسبـي بـنات نبـيها فـبأي عـذر عـنده تتثبث

المجلس التاسع والسبعون

لما قتل الحسين «ع» صعد ابن زياد المنبر فقال الحمد لله الذي اظهر الحق واهله ونصر امير المؤمنين يزيد وحزبه وقتل الكذاب ابن الكذاب وشيعته فما زاد على هذا الكلام شيئاً حتى قام اليه عبد الله بن عفيف الازدي وكان من خيار الشيعة وزهادها وكانت عينه اليسرى ذهبت في حرب الجمل والاخرى في يوم صفين وكان يلازم المسجد الاعظم يصلي فيه الى الليل ثم ينصرف فقال يا ابن

المجالس السنية ـ الجزء الاول 137

مرجانة ان الكذاب ابن الكذاب انت وابوك ومن استعملك وابوه يا عدو الله اتقتلون ابناء النبيين وتتكلمون بهذا الكلام على منابر المسلمين ، (فغضب) ابن زياد وقال من هذا المتكلم ، فقال انا المتكلم يا عدو الله اتقتل الذرية الطاهرة التي قد اذهب الله عنها الرجس وطهرها تطهيرا وتزعم انك على دين الاسلام واغوثاه أين اولاد المهاجرين والانصار ينتقمون منك ومن طاغيتك اللعين ابن اللعين على لسان محمد رسول رب العالمين (فازداد) غضب ابن زياد حتى انتفخت اوداجه وقال علي به ، فتبارت اليه الجلاوزة من كل ناحية ليأخذوه فقامت الاشراف من الازد من بني عمه فخلصوه منهم وأخرجوه من باب المسجد وانطلقوا به الى منزله ، (فقال) ابن زياد : اذهبوا الى هذا الاعمى اعمى الازد اعمى الله قلبه كما أعمى عينيه فائتوني به ، فلما بلغ ذلك الازد اجتمعوا واجتمعت معهم قبائل اليمن ليمنعوا صاحبهم وبلغ ذلك ابن زياد فجمع قبائل مضر وضمهم الى محمد بن الاشعث وامره بقتال القوم فاقتتلوا قتالا شديدا حى قتل بينهم جماعة من العرب ووصل اصحاب ابن زياد الى دار عبد الله بن عفيف فكسروا الباب واقتحموا عليه فصاحت ابنته اتاك القوم من حيث تحذر فقال لا عليك ناوليني سيفي فناولته اياه فجعل يذب عن نفسه ويقل :
أنا ابن ذي الفضل عفيف الطاهر عفيف شيخـي وابن ام عامر
كـم دارع مـن قـومكم وحاسر وبطـل جـدلـتـه مـغاور

وجعلت ابنته تقول يا ابت ليتني كنت رجلا اخاصم بين يديك اليوم هؤلاء الفجرة قاتلي العترة البررة وجعل القوم يدورون عليه من كل جهة وهو يذب عن نفسه فليس يقدم عليه واحد وكلما جاؤه من جهة قالت ابنته يا ابت جاؤك من جهة كذا حتى تكاثروا عليه واحاطوا به فقالت ابنته واذلاه يحاط بابي وليس له ناصر يستعين به فجعل يدير سيفه ويقول :
اقسم لو يفسح لي عن بصري ضاق عليكم موردي ومصدري


المجالس السنية ـ الجزء الاول 138

قال فما زالوا به حتى اخذوه ثم حمل فادخل على ابن زياد فلما رآه قال الحمد لله الذي اخزاك فقال له عبد الله يا عدو الله وبماذا اخزاني .
اقسم لو يفسح لي عن بصري ضاق عليكم موردي ومصدري

فقال له ابن زياد يا عدو الله ما تقول في عثمان بن عفان قال يا عبد بني علاج يا ابن مرجانة و شتمه ما انت وعثمان اساء ام احسن واصلح ام افسد والله تبارك وتعالى ولي خلقه يقضي بينهم وبين عثمان بالعدل والحق ولكن سلني عن ابيك وعنك وعن يزيد وابيه فقال ابن زياد والله لا أسألك عن شيء او تذوق الموت غصة بعد غصة فقال عبد الله بن عفيف الحمد لله رب العالمين اما اني قد كنت اسأل الله ربي ان يرزقني الشهادة من قبل ان تلدك امك وسألت الله ان يجعل ذلك على يد ألعن خلقه وابغضهم اليه فلما كف بصري يئست من الشهادة الى الآن فالحمد لله الذي رزقنيها بعد اليأس ومنها وعرفني الاجابة منه في قديم دعائي فقال ابن زياد اضربوا عنقه فضربت عنقه وصلب في السبخة .
ابـت الحمية ان تفارق اهلها وابى العزيز بان يعيش ذليلا
فيا وقعة لم يوقع الدهر مثلها وفادحة تنسى لديها فوادحه

المجلس الثمانون

لما جيء برأس الحسين «ع» الى ابن زياد بالكوفة امر ابن زياد فطيف به في سكك الكوفة كلها وقبائلها ولما فرغ القوم من التطواف به في الكوفة ردوه الى باب القصر وكتب ابن زياد الى يزيد يخبره بقتل الحسين «ع» وخبر اهل بيته (وتقدم) الى عبد الملك بن الحارث السلمي فقال انطلق حتى تأتي عمرو بن

المجالس السنية ـ الجزء الاول 139

سعيد بن العاص بالمدينة (وكان اميرا عليها وهو من بني امية) فتبشره بقتل الحسين «ع» وقال لا يسبقنك الخبر اليه قال عبد الملك فركبت راحلتي وسرت نحو المدينة فلقيني رجل من قريش فقال ما الخبر قلت عند الأمير تسمعه قال انا لله وانا اليه راجعون قتل والله الحسين (ولما) دخلت على عمرو بن سعيد قال ما وراءك قلت ما يسر الامير قتل الحسين بن علي فقال اخرج فناد بقتله فناديت فلم اسمع واعية قط مثل واعية بني هاشم في دورهم على الحسين بن علي حين سمعوا النداء بقتله فدخلت على عمرو بن سعيد فلما رآني تبسم الي ضاحكا ثم تمثل بقول عمرو بن معد يكرب الزبيدي (وقيل) انه لما سمع اصوات نساء بني هاشم ضحك وتمثل بذلك فقال :
عجت نساء بني زياد عجة كعجيج نسوتنا غداة الارنب

ثم قال عمرو هذه واعية بواعية عثمان ثم صعد المنبر وخطب الناس واعلمهم قتل الحسين «ع‌» وقال في خطبته انها لدمة بلدمة وصدمة بصدمة كم خطبة بعد خطبة وموعظة بعد موعظة حكمة بالغة فما تغني النذر والله لوددت ان رأسه في بدنه وروحه في جسده احيانا كان يسبنا ونمدحه ويقطعنا ونصله كعادتنا وعادته ولم يكن من امره ما كان ولكن كيف نصنع بمن سل سيفه يريد قتلنا الا ان ندفعه عن انفسنا (فقام) عبد الله بن الصائب فقال لو كانت فاطمة حية فرأت رأس الحسين «ع» لبكت عليه فجبهه عمرو بن سعيد وقال نحن احق بفاطمة منك ابوها عمنا وزوجها اخونا وابنها ابننا لو كانت فاطمة حية لبكت عينها وحرت كبدها وما لامت من قتله ودفعه عن نفسه (وخرجت) ام لقمان بنت عقيل بن ابي طالب حين سمعت نعي الحسين «ع» حاسرة ومعها اخوتها ام هانئ واسماء ورملة وزينب بنات عقيل بن ابي طالب تبكي قتلاها بالطف وهي تقول :
ماذا تقولون ان قال النبي لكم ماذا فعلـتم وانـتم آخـر الامم
بعترتي وبأهـلي بعد مفتقدي منهم اسارى وقتلى ضرجوا بدم


المجالس السنية ـ الجزء الاول 140

المجلس الواحد والثمانون

كان ابن زياد كتب الى يزيد كتابا يخبره فيه بقتل الحسين (ع) فلما وصل اليه الكتاب أجابه يأمره بحمل رأس الحسين (ع) ورؤوس من قتل معه وحمل اثقاله ونسائه وعياله الى الشام (فأرسل) ابن زياد الرؤوس مع زحر بن قيس ثم امر بنساء الحسين عليه السلام وصبيانه فجهزوا وأمر بعلي بن الحسين عليهما السلام فغل الى عنقه (وفي رواية) في يديه ورقبته ثم سرح بهم في اثر الرؤوس مع محفر بن ثعلبه العائدي وشمر بن ذي الجوشن وحملهم على الاقتاب وساروا بهم كما يسار بسبايا الكفار فانطلق بهم حتى لحقوا بالقوم الذين معهم الرؤوس فلم يكلم علي بن الحسين (ع) احدا منهم في الطريق بكلمة حتى بلغوا دمشق فلما انتهوا الى باب يزيد رفع محفر صوته فقال هذا محفر بن ثعلبة اتى امير المؤمنين باللئام الفجرة فأجابه علي بن الحسين عليهما السلام ما ولدت ام محفر أشر وسمع يزيد غرابا ينعب فانشد .
لما بـدت تلك الحـمول واشـرقت تلك الشموس على ربى جيرون
نعب الغراب فقلت صح أو لا تصح فلقد قضيت من الغـريم ديوني

ولما قربوا من دمشق دنت ام كلثوم من شمر فقالت له لي اليك حاجة فقال ما حاجتك قالت اذا دخلت بنا البلد فاحملنا في درب قليل النظارة وتقدم اليهم أن يخرجوا هذه الرؤوس من بين المحامل وينحونا عنها فقد خزينا من كثيرة النظر الينا ونحن في هذه الحال فأمر في جواب سؤالها ان تجعل الرؤوس على الرماح في أوساط المحامل بغيا منه وكفرا وسلك بهم بين النظارة على تلك الصفة حتى أتى بهم باب دمشق (فوقفوا) على درج باب المسجد الجامع حيث يقام

المجالس السنية ـ الجزء الاول 141

السبي (وجاء) شيخ فدنا من نساء الحسين عليه السلام وعياله وقال الحمد لله الذي اهلككم وقتلكم وأراح البلاد من رجالكم وامكن أمير المؤمنين منكم فقال له علي بن الحسين (ع) يا شيخ هل قرأت القرآن قال نعم قال فهل عرفت هذه الآية :« قل لا أسألكم عليه اجرا الا المودة في القربى » قال قد قرأت ذلك فقال له علي (ع) فنحن القربى يا شيخ فهل قرأت في سورة بني اسرائيل«وآت ذا القربى حقه» . فقال قد قرأت ذلك فقال علي (ع) فنحن القربى يا شيخ . فهل قرات الاية: «واعلموا ان ما غنمت من شيء فان لله خمسه وللرسول ولذي القربى» قال نعم فقال علي (ع) فنحن القربى يا شيخ ولكن هل قرأت « انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا» قال قد قرأت ذلك فقال علي (ع) فنحن اهل البيت الذين خصنا الله بآية الطهارة يا شيخ (قال) فبقي الشيخ ساكتا نادما على ما تكلم به وقال بالله انكم هم فقال علي بن الحسين عليهما السلام تالله انا لنحن هم من غير شك وحق جدنا رسول الله (ص) انا لنحن هم فبكى الشيخ ورمى عمامته ثم رفع رأسه الى السماء وقال اللهم اني ابرأ اليك من عدو آل محمد ثم قال هل لي من توبه فقال لهم نعم ان تبت تاب الله عليك وأنت معنا فقال اني تائب فبلغ يزيد بن معاوية حديث الشيخ فأمر به فقتل .
وأجل يوم بعـد يومـك حل في الا سلام منه يشيب كل جنين
يوم سرت اسرى كـمـا شاء العدى فيه الفواطم من بني ياسين
لا طاب عيشك يا زمـان ولا جرت انهار مائك للورى بمعيـن

المجلس الثاني والثمانون

عن سهل بن سعد انه قال خرجت الى بيت المقدس حتى توسطت الشام فاذا أنا بمدينة مطردة الانهار كثيرة الاشجار وقد علقوا الستور والحجب والديباج

المجالس السنية ـ الجزء الاول 142

وهم فرحون مستبشرون وعندهم نساء يلعبن بالدفوف والطبول فقلت في نفسي ترى لأهل الشام عيد لا نعرفه نحن فرايت قوما يتحدثون فقلت يا قوم لكم بالشام عيد لانعرفه نحن قالوا يا شيخ نراك غريبا فقلت انا سهل بن سعد قد رأيت محمدا قالوا يا سهل ما اعجب السماء لا تمطر دما والأرض لا تنخسف بأهلها قلت ولم ذاك قالوا هذا رأس الحسين عترة محمد صلى الله عليه وآله وسلم يهدى من أرض العراق فقلت واعجبا يهدى رأس الحسين «ع» والناس يفرحون وقلت من أي باب يدخل فأشاروا الى باب يقال له باب الساعات فبينا انا كذلك حتى رأيت الرايات يتلو بعضها بعضا فاذا نحن بفارس بيده لواء منزوع السنان عليه رأس من اشبه الناس وجها برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاذا من ورائه نسوة على جمال بغير وطاء فدنوت من اولاهن فقلت يا جارية من انت فقالت انا سكينة بنت الحسين فقلت لها ألك حاجة الي فأنا سهل بن سعد ممن رأى جدك وسمعت حديثه قالت يا سهل قل لصاحب هذا الرأس ان يقدم الرأس أمامنا حتى يشتغل الناس بالنظر اليه ولا ينظروا الى حرم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال سهل فدنوت من صاحب الرأس فقلت له هل لك ان تقضي حاجتي وتأخذ مني أربعمائة دينار قال ما هي قلت تقدم الرأس امام الحرم ففعل ذلك ودفعت اليه ما وعدته (وروي) ان بعض فضلاء التابعين وهو خالد بن معدان لما شاهد رأس الحسين «ع» بالشام اخفى نفسه شهرا من جميع أصحابه فلما وجدوه بعد اذ فقدوه وسألوه عن سبب ذلك فقال الا ترون ما نزل بنا ثم انشأ يقول :
جاؤوا برأسك يا ابن بنت محمد مـترملا بدمائـه ترمـيلا
وكأنـما بك يا ابـن بنت محمد قتلوا جهارا عامدين رسولا
قتـلوك عطـشانا ولما يـرقبوا فـي قتلك التأويل والتنزيلا
ويكـبرون بـأن قتـلت وانـما قـتلوا بك التكبير والتهليلا

* * *



المجالس السنية ـ الجزء الاول 143

المجلس الثالث والثمانون

لما ادخل ثقل الحسين «ع» ونساؤه ومن تخلف من اهله على يزيد وهم مقرونون في الحبال وزين العابدين «ع» مغلول ووقفوا بين يديه وهم على تلك الحال قال له علي بن الحسين عليهما السلام انشدك الله يا يزيد ما ظنك برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لو رآنا على هذه الصفة فلم يبق في القوم أحد الا وبكى فأمر يزيد بالحبال فقطعت وأمر بفك الغل عن زين العابدين «ع» (ثم) وضع رأس الحسين «ع» بين يديه واجلس النساء خلفه لئلا ينظرون اليه فجعلت فاطمة وسكينة يتطاولان لينظرا الى الرأس وجعل يزيد يتطاول ليستر عنهما الرأس فلما رأين الرأس صحن فصاح نساء يزيد وولولت بنات معاوية فقالت فاطمة بنت الحسين «ع» ابنات رسول الله سبايا يا يزيد فبكى الناس وبكى اهل داره حتى علت الأصوات (واما) زينب عليها السلام فانها لما رأته أهوت الى جيبها فشقته ثم نادت بصوت حزين يقرح القلوب يا حسيناه يا حبيب رسول الله يا ابن مكة ومنى يا ابن فاطمة الزهراء سيدة النساء يا ابن بنت المصطفى (قال الراوي) فابكت والله كل من كان حاضراً في المجلس ويزيد ساكت ثم جعلت امراءة من بني هاشم كانت في دار يزيد تندب الحسين(ع) وتنادي يا حبيباه يا سيد اهل بيتاه يا ابن محمداه يا ربيع الارامل واليتامى يا قتيل أولاد الأدعياء فأبكت كل من سمعها (وكان) في السبايا الرباب بنت امرئ القيس زوجة الحسين «ع» وهي ام سكينة بنت الحسين «ع» وام عبد الله الرضيع المقتول بكربلاء وهي التي يقول فيها الحسين «ع»
لعمـرك انـني لأحـب دارا تحل بها سكينـة والرباب
احبـهما وابذل فـوق جهدي وليس لعاذل عندي عتاب
ولست لهم وان عتبوا مطيعا حياتي أو يغيبني التـراب


المجالس السنية ـ الجزء الاول 144

(فقيل) ان الرباب اخذت الرأس ووضعته في حجرها وقبلته وقالت :
واحسيناه فلا نسيت حسينا اقصدتـه اسنـة الأعـداء
غـادروه بكربلاء صريعا لا سقى الله جانبـي كربلاء

المجلس الرابع والثمانون

لما وضعت الرؤوس بين يدي يزيد وفيها رأس الحسين «ع» جعل يتمثل بقول الحصين بن الحمام المري :
صبرنا وكـان الصبر منا سجية بأسيافنا تفرين هامـا ومعصما
ابى قومنا أن ينصفونا فأنصفت قواضب في ايماننا تقطر الدما
نفـلق هاما من رجـال أعزة علينا وهم كانوا اعـق واظلما

(ودعا) بقضيب خيزران وجعل ينكت به ثنايا الحسين «ع» ثم قال يوم بيوم بدر (وكان) عنده ابو برزة الاسلمي فقال ويحك يا يزيد اتنكت بقضيبك ثغر الحسين بن فاطمة اشهد لقد رأيت النبي (ص) يرشف ثناياه وثنايا أخيه الحسن ويقول انتما سيدا شباب اهل الجنة فقتل الله قاتلكما ولعنه وأعدله جهنم وساءت مصيرا فغضب يزيد وامر باخراجه فأخرج سحباً (وفي رواية) ان يزيد دعا أشراف أهل الشام فأجلسهم حوله ثم دعا بعلي بن الحسين «ع» وصبيان الحسين «ع» ونساؤه فأدخلوا عليه والناس ينظرون ثم قال يزيد لعلي بن الحسين عليهما السلام يا ابن الحسين ابوك قطع رحمي وجهل حقي ونازعني سلطاني فصنع الله به ما قد رأيت فقال علي بن الحسين عليهما السلام ما أصابكم من مصيبة في الأرض ولا في انفسكم الا في كتاب من قبل أن نبرأها ان ذلك على الله يسير لكيلاً تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل محتال فخور . وقال علي بن الحسين «ع»

المجالس السنية ـ الجزء الاول 145

يا ابن معاوية وهند وصخر لقد كان جدي علي بن ابي طالب في يوم بدر و احد و الأحزاب في يده راية رسول الله (ص) وأبوك وجدك في أيديهما رايات الكفار ثم قال علي بن الحسين عليهما السلام ويلك يا يزيد انك لو تدري ماذا صنعت وما الذي ارتكبت من أبي وأهل بيتي وأخي وعموتي اذا لهربت في الجبال وافترشت الرماد ودعوت بالويل والثبور ان يكون رأس ابي الحسين بن فاطمة وعلي منصوبا على باب مدينتكم وهو وديعة رسول الله (ص) فيكم .
وما رأت أنبيـاء الله من محن وأوصياؤهم فـي سالف الحقب
كمحنة السيد السجاد حين اتت يزيد نسوته اسـرى على النجب
أمامها رفعت فوق الأسنة من حماتها ارؤس فاقت سنا الشهب

المجلس الخامس والثمانون

لما جيء برأس الحسين عليه السلام الى يزيد بالشام دعا بقضيب خيزران وجعل ينكت به ثنايا الحسين «ع» ويقول :
ليـت اشياخي ببدر شهدوا جزع الخزرج من وقع الأسل
لأهـلوا واستـهلوا فـرحاً ثـم قالوا يا يـزيد لا تـشل
قد قتلنا القـرم من ساداتهم وعـدلـنـاه ببـدر فاعـتدل
لعـبت هاشم بالـملك فلا خبر جـاء ولا وحـي نـزل
لست من خندف ان لم انتقم من بني أحـمد ما كان فـعل


المجالس السنية ـ الجزء الاول 146

فقامت زينب بنت علي عليهما السلام فقالت :
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على رسوله وآله أجمعين صدق الله كذلك حيث يقول « ثم كان عاقبة الذين اساؤا السوءى أن كذبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزئون » اظننت يا يزيد حيث أخذت علينا اقطار الأرض وآفاق السماء فأصبحنا نساق كما تساق الاماء ان بنا هوانا على الله وبك كرامة وأن ذلك لعظم خطرك عنده فشمخت بأنفك ونظرت في عطفك جذلان مسرورا حيث رأيت الدنيا لك مستوسقة والامور متسقة وحين صفا لك ملكنا وسلطاننا فمهلا مهلا انسيت قول الله تعالى« ولا يحسبن الذين كفروا انما نملي لهم خير لانفسهم انما نملي لهم ليزدادوا اثماً ولهم عذاب مهين» أمن العدل يا ابن الطلقاء تخديرك حرائرك واماءك وسوقك بنات رسول الله (ص) سبايا قد هتكت ستورهن وابديت وجوههن تحدوا بهن الاعداء من بلد الى بلد ويستشرفهن اهل المناهل والمناقل ويتصفح وجوههن القريب والبعيد والدنيء والشريف ليس معهن من حماتهن حمي ولا من رجالهن ولي وكيف ترتجى مراقبة ابن من لفط فوه اكباد الازكياء ونبت لحمه بدماء الشهداء وكيف يستبطأ في بغضنا أهل البيت من نظر الينا بالشنف والشنآن والاحن والاضغان ثم تقول غير متأثم ولا مستعظم :
لأهلوا واستهلوا فرحا ثم قالوا يا يزيد لا تشل

منحنيا على ثنايا ابي عبد الله سيد شباب أهل الجنة تنكتها بمخصرتك وكيف لا تقول ذلك وقد نكأت القرحة واستأصلت الشأفة باراقتك دماء ذرية محمد صلى الله عليه وآله وسلم ونجوم الأرض من آل عبد المطلب وتهتف بأشياخك زعمت انك تناديهم فلتردن وشيكا موردهم ولتودن انك شللت وبكمت ولم تكن قلت ما قلت وفعلت ما فعلت اللهم خذ لنا بحقنا وانتقم ممن ظلمنا واحلل غضبك بمن سفك دماءنا وقتل حماتنا فو الله ما فريت الا جلدك ولا حززت الا لحمك ولتردن على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بما تحملت من سفك دماء ذريته وانتهكت من حرمته في عترته ولحمته « ولا

المجالس السنية ـ الجزء الاول 147

تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله امواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون »
وحسبك بالله حاكما وبمحمد (ص) خصيما وسيعلم من سول لك ومكنك من رقاب المسلمين بئس للظالمين بدلا وايكم شر مكانا وأضعف جندا ولئن جرت علي الدواهي مخاطبتك اني لأستصغر قدرك وأستعظم تقريعك واستكبر توبيخك لكن العيون عبرى والصدور حرى ألا فالعجب كل العجب لقتل حزب الله النجباء بحزب الشيطان الطلقاء فهذه الأيدي تنظف من دمائنا والأفواه تتحلب من لحومنا وتلك الجثث الطواهر الزواكي تنتابها العواسل وتعقرها امهات الفراعل (1) ولئن اتخذتنا مغنما لتجدننا وشيكا مغرما حين لا تجد الا ما قدمت يداك وما ربك بظلام للعبيد فالى الله المشتكى وعليه المعول فكد كيدك واسع سعيك وناصب جهدك فوالله لا تمحو ذكرنا ولا تميت وحينا ولا تدرك أمدنا ولا ترخص عنك عارها وهل رأيك الا فند وأيامك الا عدد وجمعك الا بدد يوم ينادي المنادي الا لعنة الله على الظالمين فالحمد لله الذي ختم لأولنا بالسعادة والمغفرة لآخرنا بالشهادة والرحمة ونسأل الله أن يكمل لهم الثواب ويوجب لهم المزيد ويحسن علينا الخلافة انه رحيم ودود وحسبنا الله ونعم الوكيل فقال يزيد مجيباً لها :
يا صيحة تحـمد من صـوائح ما أهون الـنوح عـلى الـنوائـح
فقل لسرايا شيبة الحـمد ما لكم قعدتم وقـد ساروا بنسوتكـم اسرى
واعظم ما يشجي الغيور دخولها الى مجـلس ما بارح اللهو والخمرا
يقـارضها فـيه يـزيد مسـبة ويصرف عنها وجهه معرضا كبرا

المجلس السادس والثمانون

لما أدخل عيال الحسين «ع» وبناته على يزيد بالشام نظر رجل من أهل الشام

(1) العواسل جمع عاسل يقال عسل الذئب اذا اضطرب في عدوه وهز رأسه والفرعل كقنفذ ولد الضبع جمعه فراعل وأمهات الفراعل الضباع
ـ المؤلف ـ

السابق السابق الفهرس التالي التالي