المجالس السنية ـ الجزء الاول 118

يرجو الله في اغاثتنا هل من معين يرجو ما عند الله في اعانتنا (وتقدم) الى باب الخيمة وقال لزينب ناوليني ولدي الصغير حتى أودعه فأتي بابنه عبد الله وأمه الرباب بنت امرئ القيس فأخذه وأجلسه في حجره وأومأ اليه ليقبله فرماه حرملة بن كاهل أو كاهن الأسدي بسهم فوقع في نحره فذبحه فقال لزينب خذيه ثم تلقى الدم بكفيه فلما امتلأتا رمى بالدم نحو السماء ثم قال هون علي ما نزل به انه بعين الله (وفي رواية) انه صبه في الأرض ثم قال يا رب ان حبست عنا النصر من السماء فاجعل ذلك لما هو خير منه ثم حمله حتى وضعه مع قتلى أهل بيته (وفي رواية) انه حفر له بجفن سيفه ورمله بدمه فدفنه .
ومنعـطفاً أهـوى لتقـبيل طفله فقبل منه قبله السهم منحرا
لقد ولدا في ساعة هوى والردى ومن في نحره السهم كبرا

* * *


صبي وهو بين يدي ابيه اصيب فأي ذنب للصبي

المجلس السادس والستون

لما قتل انصار الحسين «ع» وأهل بيته وبقي وحيدا فريدا وقد أحاط به القوم خرج من عند النساء عبد الله بن الحسن بن علي عليهما السلام وهو غلام لم يراهق فلحقته زينب بنت علي عليهما السلام لتحبسه فقال لها الحسين «ع» أحبسيه يا اختي فابى وامتنع عليها امتناعاً شديدا وجاء يشتد الى عمه الحسين «ع» حتى وقف الى جنبه وقال لا افارق عمي فاهوى بحر بن كعب الى الحسين «ع»

المجالس السنية ـ الجزء الاول 119

بالسيف فقال له الغلام ويلك يا ابن الخبيثة أتقتل عمي فضربه بحر بالسيف فاتقاها الغلام بيده فأطنها الى الجلد فاذا هي معلقة فنادى الغلام يا عماه أو يا أماه فأخذه الحسين «ع» فضمه الى صدره وقال يا ابن أخي اصبر على ما نزل بك واحتسب في ذلك الخير فان الله يلحقك بآبائك الصالحين برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلي وحمزة وجعفر والحسن صلى الله عليهم أجمعين فرماه حرملة بسهم فذبحه وهو في حجر عمه .
لم ينج الكهول سن ولا الشبـ ـان زهد ولا نجا الأطفال

* * *


هبوا انكم قاتلتم فقتلتم فما بال أطفال تقاسي نبالها

المجلس السابع والستون

لما قتل انصار الحسين «ع» وأهل بيته دعا الناس الى البراز فلم يزل يقتل كل من برز اليه حتى قتل مقتلة عظيمة ثم حمل على الميمنة وهو يقول :
القتل أولى من ركوب العار والعار أولى من دخول النار
والله من هذا وهذا جاري

ثم حمل على الميسرة وهو يقول :
أنا الحسين بن علي آلـيت ان لا انـثنـي
أحمي عيالات أبي أمضي على دين النبي

ولما بقي في ثلاثة من أهله قال ابغوني ثوباً لا يرغب فيه أحد اجعله تحت

المجالس السنية ـ الجزء الاول 120

ثيابي لئلا اجرد منه بعد قتلي فاني مقتول مسلوب فأتي بتبّان (1) قال لا ذاك لباس من ضربت عليه الذلة ولا ينبغي لي أن البسه فأخذ ثوبا خلقاً فخرقه وجعله تحت ثيابه فلما قتل جردوه منه ثم استدعى بسراويل من حبرة يمانية يلمع فيها البصر ففزرها ولبسها وانما فزرها لئلا يسلبها بعد قتله فلما قتل «ع» سلبها منه بحر بن كعب وتركه مجردا (وأقبل) الحسين «ع» على القوم يدفعهم عن نفسه والثلاثة الذين معه يحمونه حتى قتل الثلاثة وبقي وحده وقد اثخن بالجراح في رأسه وبدنه فجعل يضاربهم بسيفه وحمل الناس عليه عن يمينه وشماله فحمل على الذين عن يمينه فتفرقوا ثم حمل على الذين عن يساره فتفرقوا «قال» بعض الرواة فوالله ما رأيت مكثوراً «أي مغلوبا» قط قد قتل ولده وأهل بيتيه واصحابه أربط جأشا ولا أمضى جنانا ولا أجرأ مقدما منه والله ما رأيت قبله ولا بعده مثله وان كانت الرجالة لتشد عليه فيشد عليها بسيفه فتنكشف عن يمينه وعن شماله انكشاف المعزى ان شد فيها الذئب ولقد كان يحمل فيهم وقد تكملوا ثلاثين الفا فينهزمون من بين يديه كأنهم الجراد المنتشر ثم يرجع الى مركزه وهو يقول لا حول ولا قوة الا بالله «فلما» رأى شمر ذلك استدعى الفرسان فصاروا في ظهور الرجالة وأمر الرماة ان يرموه فرشقوه بالسهام حتى صار كالقنفذ فاحجم عنهم فوقفوا بازائه «وجاء» شمر في جماعة من أصحابه فحالو بينه وبين رحله الذي فيه ثقله وعياله (فصاح) الحسين (ع) ويلكم يا شيعة آل ابي سفيان ان لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون يوم المعاد فكونوا أحرار في دنياكم هذه وارجعوا الى أحسابكم ان كنتم عربا كما تزعمون فناداه شمر ما تقول يا ابن فاطمة فقال أقول اني أقاتلكم وتقاتلونني والنساء ليس عليهن جناح فامنعوا عتاتكم وجهالكم وطغاتكم من التعرض لحرمي ما دمت حياً فقال شمر لك ذلك يا ابن فاطمة ثم صاح اليكم عن حرم الرجل واقصدوه بنفسه فلعمري هو كفؤ

(1) بوزن رمان سروال صغير يستر العورة .
ـ المؤلف ـ
المجالس السنية ـ الجزء الاول 121

كريم فقصدوه بالحرب وجعل شمر يحرضهم على الحسين (ع) فجعلوا يحملون على الحسين (ع) والحسين يحمل عليهم فينكشفون عنه وهو في ذلك يطلب شربة من الماء فلا يجد وكلما حمل بفرسه على الفرات حملوا عليه باجمعهم حتى أجلوه عنه .
يرى الفرات ولا يحظى بمورده ليت الفرات غدا من بعده يبسا

المجلس الثامن والستون

لما اثخن الحسين (ع) بالجراح وبقي كالقنفذ طعنه صالح بن وهب المزني على خاصرته طعنة فسقط (ع) عن فرسه الى الأرض على خده الأيمن ثم قام (وخرجت) أخته زينب الى باب الفسطاط وهي تنادي واخاه واسيداه وا اهل بيتاه ليت السماء أطبقت على الأرض وليت الجبال تدكدكت على السهل ودنا عمر بن سعد فقالت يا عمر أيقتل ابو عبد الله وانت تنظر اليه فدمعت عيناه حتى سالت دموعه على خديه ولحيته وصرف وجهه عنها ولم يجبها بشيء فنادت ويلكم أما فيكم مسلم فلم يجبها أحد بشيء (وقاتل) (ع) راجلا قتال الفارس الشجاع يتقي الرمية ويفترص العورة ويشد على الخيل وهو يقول أعلى قتلي تجتمعون اما والله لا تقتلون بعدي عبداً من عباد الله ، الله اسخط عليكم لقتله مني وايم الله اني لأرجو ان يكرمني الله بهوانكم ثم ينتقم لي منكم من حيث لا تشعرون اما والله لو قتلتموني لألقى الله بأسكم بينكم وسفك دماءكم ثم لا يرضى لكم بذلك حتى يضاعف لكم العذاب الأليم ولم يزل يقاتل حتى أصابته عشرات الجراحات فوقف يستريح ساعة وقد ضعف عن القتال فبينا هو واقف اذا اتاه حجر فوقع على جبهته فأخذ الثوب ليمسح الدم عن جبهته فأتاه سهم مسموم له ثلاث شعب فوقع على قلبه فقال (ع) بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم رفع رأسه الى السماء

المجالس السنية ـ الجزء الاول 122

وقال الهي تعلم انهم يقتلون رجلاً ليس على وجه الأرض ابن بنت نبي غيره ثم أخذ السهم فأخرجه من وراء ظهره فأنبعث الدم كأنه ميزاب فضعف ووقف .
سهم أصاب حشاك يا ابن المصطفى سهم به كبدا الهداية قد رمي

المجلس التاسع والستون

لما قتل جميع أنصار الحسين (ع) وأهل بيته ولم يبق معه أحد أقبل شمر في جماعة من أصحابه فأحاطوا بالحسين (ع) فضربه مالك بن النسر الكندي على رأسه الشريف بالسيف وكان على رأسه برنس فقطع البرنس ووصل السيف الى رأسه فامتلأ البرنس دماً ثم القى البرنس ودعا بخرقة فشد بها رأسه واستدعى بقلنسوة اخرى فلبسها واعتم عليها (ورجع) شمر ومن معه عن الحسين (ع) الى مواضعهم فمكثوا هنيهة ثم عادوا اليه فأخذ الحسين (ع) يشد عليه فينكشفون عنه ثم أنهم أحاطوا به ثم ضارب الرجالة حتى انكشفوا عنه وكان قد ضعف عن القتال (وتحاماه) الناس فمكث طويلا من النهار وكلما جاءه أحد انصرف عنه كراهية ان يلقى الله بدمه (فصاح) شمر بالفرسان والرجالة : ويحكم ما تنتظرون بالرجل اقتلوه ثكلتكم أمهاتكم فحملوا عليه من كل جانب فضربه زرعة ابن شريك على كتفه اليسرى وضرب الحسين (ع) زرعة فصرعه وضربه آخر على عاتقه بالسيف ضربة كبا بها لوجهه وكان قد اعيا وجعل يقوم ويكبو وطعنه سنان بن انس النخعي في ترقوته ثم انتزع الرمح فطعنه في بواني (1) صدره ورماه بسهم فوقع في نحره فسقط وجلس قاعداً فنزع السهم من نحره وقرن كفيه جميعاً

(1) البواني الأضلاع المقدمة في الصدر .
ـ المؤلف ـ
المجالس السنية ـ الجزء الاول 123

فكلما أمتلأتا من دمائه خضب بها رأسه ولحيته وهو يقول : هكذا ألقى الله مخضباً بدمي مغصوباً علي حقي (قال) هلال بن نافع اني لواقف مع اصحاب عمر بن سعد اذ صرخ صارخ ابشر أيها ألأمير فهذا شمر قد قتل الحسين فخرجت بين الصفين فوقفت عليه وانه ليجود بنفسه فو الله ما رأيت قتيلاً مضمخاً بدمه أحسن منه ولا أنور وجها ، ولقد شغلني نور وجهه وجمال هيئته عن الفكرة في قتله فاستسقى في تلك الحال ماء فسمعت رجلا يقول والله لا تذوق الماء حتى ترد الحامية فتشرب من حميمها فسمعته يقول أنا أرد الحامية فأشرب من حميمها لا والله بل أرد على جدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأسكن معه في داره في مقعد صدق عند مليك مقتدر واشرب من ماء غير آسن وأشكو اليه ما ارتكبتم مني وفعلتم بي ، فغضبوا بأجمعهم حتى كأن الله لم يجعل في قلب أحد منهم من الرحمة شيئاً (وقال) سنان لخولي (1) بن زيد اختز رأسه فبدر خولي ليحتز رأسه فضعف وأرعد فقال له سنان وقيل شمر فت الله في عضدك ما لك ترعد ونزل سنان وقيل شمر اليه فذبحه ثم احتز رأسه الشريف وهو يقول والله اني لأحتز رأسك واعلم انك السيد المقدم وابن رسول الله وخير الناس أباً وأماً ثم دفع الرأس الشريف الى خولي فقال احمله الى الأمير عمر بن سعد .
رأس ابن بنت محمد ووصيه للناظرين عـلى قناة يـرفع
والمسـلمون بمنظر وبمسـمع لا منكر منهـم ولا متوجـع
كحلت بمنظرك العيون عماية واصم رزؤك كل اذن تسمع

* * *



(1) خولي بخاء معجمة مفتوحة و واو ساكنة ولام مكسورة وياء بهيئة للنسوب .
ـ المؤلف ـ

المجالس السنية ـ الجزء الاول 124

المجلس السبعون

لما قتل الحسين عليه السلام أقبل القوم على سلبه (فأخذ) قميصه اسحاق بن حوية الحضرمي (ووجد) في قميصه عليه السلام مائة وبضع عشرة ما بين رمية وطعنة وضربة (وقيل) وجد في ثيابه مائة وعشرون رمية بسهم وفي جسده الشريف ثلاث وثلاثون طعنة برمح واربع وثلاثون ضربة بسيف (وعن الصادق عليه السلام) انه وجد بالحسين عليه السلام ثلاث وثلاثون طعنة واربع وثلاثون ضربة (وعن) الباقر (ع) انه وجد به ثلاثمائة وبضعة وعشرون جراحة (وفي رواية) ثلاثمائة وستون جراحة (وأخذ) سراويله بحر بن كعب التميمي (واخذ) ثوبه أخ لإسحاق بن حوية (وأخذ) قطيفة له كانت من خز قيس بن الاشعث بن قيس (واخذ) عمامته الاخنس (واخذ) برنسه مالك بن النسر وكان من خز فلما قدم على اهله أخذ يغسل عنه الدم فقالت له امرأته اسلب ابن رسول الله تدخل بيتي اخرجه عني (واخذ) نعليه الاسود بن خالد (واخذ) درعه البتراء عمر بن سعد فلما قتل عمر أعطاها المختار لقاتله (واخذ) سيفه الفلافس النهشلي (واخذ) القوس الرجيل بن خيثمة الجعفي (واخذ) خاتمه بجدل بن سليم الكلبي (ومال) الناس على الفراش والحلل والإبل فانتهبوها وانتهبوا رحله وثقله وسلبوا نساءه .
وصيح في رحله نهباً وما تركوا على عقائل بيت الوحي من حجب

* * *


لم يسلبوه الدرع الا بعدما تركته أسهم بغيهم كالقنفذ


المجالس السنية ـ الجزء الاول 125

المجلس الواحد والسبعون

لما قتل الحسين «ع» وضعت أم كلثوم يدها على أم رأسها ونادت وا محمداه وا جعفراه وا حمزتاه وا حسناه هذا حسين بالعرا صريع بكربلا محزوز الرأس من القفا مسلوب العمامة والردا (وأقبل) القوم على نهب بيوت آل بيت الرسول وقرة عين الزهراء البتول (قال) حميد بن مسلم : رأيت امرأة من بكر بن وائل كانت مع زوجها في أصحاب عمر بن سعد فلما رأت القوم قد اقتحموا على نساء الحسين «ع» في فسطاطهن وهم يسلبونهن أخذت سيفاً وأقبلت نحو الفسطاط وقالت يا آل بكر بن وائل أتسلب بنات رسول الله لا حكم الا لله يا لثارات رسول الله فأخذها زوجها وردها الى رحله (وانتهوا) الى علي بن الحسين زين العابدين «ع» وهو منبسط على فراش وهو شديد المرض وكان مريضاً بالذرب (أي الاسهال) وقد أشرف على الموت ومع شمر جماعة من الرجالة فقالوا له ألا نقتل هذا العليل فأراد شمر قتله فقال له حميد بن مسلم سبحان الله أتقتل الصبيان انما هو صبي وانه لما به فلم يزل يدفعهم عنه حتى جاء عمر بن سعد فصاح النساء في وجهه وبكين فقال لأصحابه لا يدخل أحد منكم بيوت هؤلاء ولا تتعرضوا لهذا الغلام المريض ومن أخذ من متاعهن شيئاً فليرده فلم يرد أحد شيئاً (وفي رواية) انهم أشعلوا النار في الفسطاط فخرجن منه النساء باكيات مسلبات (ونادى) عمر بن سعد في أصحابه من ينتدب للحسين فيوطئ الخيل ظهره وصدره فانتدب منهم عشرة فداسوا الحسين عليه السلام بحوافر خيولهم حتى رضوا ظهره وصدره (وجاء) هؤلاء العشرة حتى وقفوا على ابن زياد فقال أحدهم :
نحن رضضنا الصدر بعد الظهر بكل يعبوب شديد الأسر


المجالس السنية ـ الجزء الاول 126

فقال ابن زياد من أنتم قالوا نحن الذين وطأنا بخيولنا ظهر الحسين حتى طحنا جناجن صدره ، فأمر لهم بجائزة يسيرة وهؤلاء أخذهم المختار فشد أيديهم وأرجلهم بسكك الحديد وأوطأ الخيل ظهورهم حتى هلكوا .
ما شفى داء ضغنها القتل حتى بالعوادي عـادت ترض قراها
وأباحـت بيت النـبوة للـنهـ ـب وللأمر في يدي لعناهـا

المجلس الثاني والسبعون

لما كان يوم عاشوراء سرح عمر بن سعد ذلك اليوم برأس الحسين «ع» مع خولي بن يزيد الى عبيد الله بن زياد (قال) الطبري وابن الأثير وغيرهما : فوجد القصر مغلقاً فأتى بالرأس الى منزله فوضعه تحت إجّانة ودخل فراشه وقال لامرأته جئتك بغنى الدهر هذا رأس الحسين معك في الدار ، فقالت ويلك جاء الناس بالذهب والفضة وجئت برأس ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والله لا يجمع رأسي ورأسك بيت وقامت من الفراش فخرجت الى الدار (وامر) ابن سعد برؤوس الباقين من اصحاب الحسين «ع» واهل بيته فقطعت وكانت اثنين وسبعين رأساً وسرح بها الى ابن زياد وأقام بقية اليوم العاشر واليوم الحادي عشر الى الزوال ثم توجه الى الكوفة وحمل معه نساء الحسين «ع» وبناته وأخواته ومن كان معه من الصبيان وفيهم علي بن الحسين عليهما السلام قد نهكته العلة فقال النسوة بحق الله الا ما مررتم بنا على مصرع الحسين «ع» فمروا بهم على الحسين «ع» واصحابه وهم صرعى فلما نظر النسوة الى القتلى صحن وضربن وجوههن (قال) الراوي فوالله لا أنسى زينب بنت علي وهي تندب الحسين «ع» وتنادي بصوت حزين وقلب كئيب : يا محمداه صلى عليك مليك السما هذا حسينك مرمل بالدما مقطع الأعضا

المجالس السنية ـ الجزء الاول 127

وبناتك سبايا الى الله المشتكى والى محمد المصطفى والى علي المرتضى والى فاطمة الزهراء والى حمزة سيد الشهداء يا محمداه هذا حسين بالعرا تسفي عليه ريح الصبا واحزناه واكرباه عليك يا أبا عبد الله اليوم مات جدي رسول الله يا أصحاب محمد هؤلاء ذرية المصطفى يساقون سوق السبايا (وفي) بعض الروايات : وامحمداه بناتك سبايا وذريتك مقتلة تسفي عليهم ريح الصبا وهذا حسين محزوز الرأس من القفا مسلوب العمامة والردا بأبي من اضحى عسكره يوم الاثنين نهباً بابي من فسطاطه مقطع العرى بأبي من لا غائب فيرتجى ولا جريح فيداوى بابي من نفسي له الفدا بابي المهموم حتى قضى بابي العطشان حتى مضى بابي من شيبته تقطر بالدما بابي من جده رسول إله السما بابي من هو سبط نبي الهدى بابي محمد المصطفى بابي خديجة الكبرى بابي علي المرتضى بابي فاطمة الزهرا قال فأبكت والله كل عدو وصديق ، ثم ان سكينة بنت الحسين (ع) اعتنقت جسد أبيها فاجتمع عدة من الأعراب حتى جروها عنه .
ونواع خرجت من خدرها تلزم الأيـدي اكباد وجـالا
كم على النعي لها من حنة كحنين النيب فارقن الفصالا
كبنات الدوح تبكي شجوها وغوادي الدمع تنهل انهلالا

المجلس الثالث والسبعون

لما كان يوم عاشوراء وبعث ابن سعد بالرؤوس الى الكوفة قام فصلى على القتلى من اصحابه ودفنهم وترك الحسين (ع) واصحابه بغير دفن منبوذين بالعراء تسفي عليهم ريح الصبا .
إن يبق ملقى بلا دفن فان له قبراً باحشاء من والاه محفورا


المجالس السنية ـ الجزء الاول 128

فبقيت جثة الحسين (ع) وجثث أصحابه بلا دفن ثلاثة أيام .

تهابه الوحش أن تدنو لمصرعه وقد أقام ثلاثاً غير مقبور

* * *


ما ان بقيت من الهوان على الثرى ملقى ثلاثا في ربى ووهـاد
لكـن لكي تقضي عليـك صلاتها زمر الملائك فوق سبع شداد

فلما رحل ابن سعد عن كربلاء خرج قوم من بني أسد كانوا نزولا بالغاضرية الى الحسين «ع» وأصحابه فصلوا على تلك الجثث الطواهر ودفنوها فدفنوا الحسين «ع» حيث قبره الآن ودفنوا ابنه علياً الأكبر عند رجليه وحفروا للشهداء من أهل بيته ولأصحابه الذين صرعوا حوله مما يلي رجلي الحسين «ع» فجمعوهم فدفنوهم جميعاً في حفيرة واحدة وسووا عليهم التراب ولذلك يمتنع أهل المعرفة من المرور من جهة رجلي الحسين «ع» خوفاً من المشي فوق قبورهم الشريفة (وقال) ان أقربهم دفناً الى الحسين «ع» ولده علي الأكبر ودفنوا العباس بن علي عليهما السلام في موضعه الذي قتل فيه على المسناة بطريق الغاضرية حيث قبره الآن ودفنوا بقية الشهداء حول الحسين «ع» في الحائر ودفنت بنو أسد حبيب بن مظاهر الأسدي عند رأس الحسين «ع» حيث قبره الآن اعتناء بشأنه ودفنت بنو تميم الحر بن يزيد الرياحي التميمي على نحو ميل من مدفن الحسين «ع» حيث قبره الآن اعتناء به (ويقال) انهم منعوا من قطع رأسه وحملوه من مصرعه ودفنوه هناك :
يا اقبرا بعراص الطف هجت لنا حزنا يؤجـج في احـشائنا نارا
مازرت أرضك الا هيجت شجنا ومدمعا فاض من عيني مدرارا

(وسار) ابن سعد بسبايا أهل بيت الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ومن تخلف من عيال الحسين «ع» وحمل نساؤه على أحلاس الأقتاب بغير وطاء وهن ودائع خير

المجالس السنية ـ الجزء الاول 129

الانبياء فلما قاربوا الكوفة اجتمع اهلها للنظر اليهن فأشرفت امرأة من الكوفيات وقالت من أي الأسارى انتن فقلن لها نحن أسارى آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم فنزلت من سطحها فجمعت لهن ملاء وازرا ومقانع :
لهف نفسي يا آل طه عليكم لهفة كسـبها جـوى وخبال
قطعت وصلة النبي بان تقـ ـطع من أهل بيته الأوصال

المجلس الرابع والسبعون

لما جيء بسبايا أهل البيت الى الكوفة جعل أهل الكوفة ينوحون ويبكون قال بشر بن خزيم الأسدي ونظرت الى زينب بنت علي عليهما السلام يومئذ فلم أر خفرة أنطق منها كأنها تفرع عن لسان أمير المؤمنين «ع» وقد أو مأت الى الناس أن اسكتوا فارتدت الأنفاس وسكنت الأجراس (ثم قالت) الحمد لله والصلاة على محمد وآله الطاهرين .
(أما بعد) أتبكون فلا رقأت الدمعة ولا قطعت الرنة انما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة انكاثا تتخذون ايمانكم دخلا بينكم الا وهل فيكم الا الصلف النظف والصدر الشنف وملق الاماء وغمز الأعداء أو كمرعى على دمنة أو كفضة على ملحودة ألا ساء ما قدمت لكم أنفسكم ان سخط الله عليكم وفي العذاب أنتم خالدون أتبكون وتنحبون إي والله فابكوا كثيراً واضحكوا قليلاً فلقد ذهبتم بعارها وشنارها ولن ترحضوها بغسل بعدها أبداً وأنى ترحضون قتل سليل خاتم النبوة ومعدن الرسالة وسيد شباب أهل الجنة وملاذ

المجالس السنية ـ الجزء الاول 130

حيرتكم ومفزع نازلتكم ومنار حجتكم ومدره (1) سنتكم ألا ساء ما تزرون وبعداً لكم وسحقاً فلقد خاب السعي وتبت الايدي وخسرت الصفقة وبؤتم بغضب من الله وضربت عليكم الذلة والمسكنة ويلكم أتدرون أي كبد لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فريتم وأي كريمة له أبرزتم وأي دم سفكتم واي حرمة له انتهكتم لقد جئتم بها صلعاء عنقاء سوداء فقماء نأناء خرقاء شوهاء كطلاع الأرض أو ملء السماء افعجبتم ان مطرت السماء دماً فلعذاب الآخرة وانتم لا تنصرون فلا يستخفنكم المهل فانه لا يحفزه البدار ولا يخاف فوت الثار وان ربكم لبالمرصاد (قال) فوالله لقد رأيت الناس يومئذ حيارى يبكون وقد وضعوا أيديهم في أفواههم ورأيت شيخا واقفاً الى جنبي يبكي حتى اخضلت لحيته وهو يقول بابي انتم وأمي كهولكم خير الكهول وشبابكم خير الشباب ونساؤكم خير النساء ونسلكم خير نسل لا يخزى ولا يبزى .
آل الرسول وتعم آكـ ـفاء العلى آل الرسـول
خير الفروع فروعهم وأصولهـم خير الأصول

المجلس الخامس والسبعون

لما جيء بسبايا أهل البيت عليهم السلام الى الكوفة خطبت فاطمة الصغرى «ع» فقالت : الحمد لله عدد الرمل والحصى وزنة العرش الى الثرى أحمده واومن به وأتوكل عليه وأشهد أن لا إله الا الله وان محمداً عبده ورسوله وان

(1) المدره كمنبر السيد الشريف والمقدم في اللسان واليد عند الخصومة والقتال (قاموس) .
المجالس السنية ـ الجزء الاول 131

أولاده ذبحوا بشط الفرات بغير ذحل ولا ترات اللهم اني اعوذ بك ان افتري عليك الكذب او ان أقول عليك خلاف ما انزلت عليه من اخذ العهود لوصية علي بن أبي طالب «ع» المسلوب حقه المقتول من غير ذنب كما قتل ولده بالأمس في بيت من بيوت الله فيه معشر مسلمة بألسنتهم تعساً لرؤوسهم ما دفعت عنه ضيما في حياته ولا عند مماته حتى قبضته اليك محمود النقيبة طيب العريكة معروف المناقب مشهور المذاهب لم تأخذه فيك اللهم لومة لائم ولا عذل عاذل هديته اللهم للاسلام صغيرا وحمدت مناقبه كبيرا ولم يزل ناصحا لك ولرسولك حتى قبضته اليك زاهدا في الدنيا غير حريص عليها راغبا في الآخرة مجاهدا لك في سبيلك رضيته فهديته الى صراط مستقيم (اما بعد) يا اهل المكر والغدر والخيلاء فإنا اهل بيت ابتلانا الله بكم وابتلاكم بنا فجعل بلاءنا حسنا وجعل علمه عندنا وفهمه لدينا فنحن عيبة علمه ووعاء فهمه وحكمته وحجته على الأرض في بلاده لعباده اكرمنا الله بكرامته وفضلنا بنبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم على كثير ممن خلق تفضيلاً بيناً فكذبتمونا وكفرتمونا ورأيتم قتالنا حلالا واموالنا نهبا كما قتلتم جدنا بالأمس وسيوفكم تقطر من دمائنا اهل البيت لحقد متقدم قرت لذلك عيونكم وفرحت قلوبكم افتراء على الله ومكرا مكرتم والله خير الماكرين فلا تدعونكم انفسكم الى الجذل بما أصبتم من دمائنا ونالت ايديكم من اموالنا فان ما اصابنا من المصائب الجليلة والرزء العظيم في كتاب من قبل ان نبرأها ان ذلك على الله يسير لكيلا تأسوا على مافاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختال فخور تبا لكم فانتظروا اللعنة والعذاب فكأن قد حل بكم وتواترت من السماء نقمات فتستحكم بما كسبتم ويذيق بعضكم بأس بعض ثم تخلدون في العذاب الأليم يوم القيامة بما ظلمتمونا ألا لعنة الله على الظالمين ويلكم أتدرون أي يد طاعنتنا منكم وأية نفس نزعت الى قتالنا أم بأية رجل مشيتم الينا تبغون محاربتنا والله قست قلوبكم وغلظت اكبادكم وطبع على أفئدتكم وختم على سمعكم وعلى بصركم غشاوة فأنتم لا تهتدون فتباً لكم أي ترات لرسول الله

المجالس السنية ـ الجزء الاول 132

صلى الله عليه وآله وسلم قبلكم وذحول له لديكم بما غدرتم بأخيه علي بن أبي طالب جدي وبنيه وعترته الطيبين الأخيار وافتخر بذلك مفتخر من الظالمين فقال :
نحن قتلنا علياً وبني علي بسيوف هندية ورماح
وسبينا نساءهم سبي ترك ونطحناهم فأي نطاح

بفيك أيها القاتل الكثكث والأفلب افتخرت بقتل قوم زكاهم الله وطهرهم وأذهب عنهم الرجس فاكظم واقع كما اقعى ابوك فانما لكل امرئ ما اكتسب وما قدمت يداه احسدتمونا ويلكم على ما فضلنا الله .
فما ذنبنا ان جاش دهرا بحورنا وبحرك ساج ما يواري الدمامصا

ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور (فارتفعت) الأصوات بالبكاء والنحيب وقال حسبك يا ابنة الطيبين فقد احرقت قلوبنا وانضجت نحورنا واضرمت اجوافنا فسكتت .
لقد قطع الأكباد حزناً مصابها وقد غادر الأحشاء تهفو وترتجف
فلله من خطب له كل مهجة يحـق من الوجـد الـمبرح تتلف

المجلس السادس والسبعون

لما جيء بسبايا اهل البيت عليهم السلام الى الكوفة خطبت ام كلثوم بنت علي «ع» في ذلك اليوم من وراء كلتها رافعة صوتها بالبكاء (فقالت) : يا أهل الكوفة سوأة لكم ما لكم خذلتم حسينا وقتلتموه وانتهبتم امواله وورثتموه وسبيتم نساءه ونكبتموه فتباً لكم وسحقاً لكم اي دواه دهتكم واي وزر على

المجالس السنية ـ الجزء الاول 133

ظهوركم حملتم واي دماء سفكتموها واي كريمة أصبتموها واي صبية سلبتموها واي اموال انتهبتموها قتلتم خير رجالات بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ونزعت الرحمة من قلوبكم الا ان حزب الله هم المفلحون وحزب الشيطان هم الخاسرون ثم قالت :
قتلتم أخي ظلماً فويل لأمكم ستجزون نارا حرها يتوقد
سفكتم دماء حرم الله سفكها وحرمها القرآن ثم محـمد

فضج الناس بالبكاء والنحيب ونشر النساء شعورهن ووضعن التراب على رؤوسهن وخمشن وجوههن ولطمن خدودهن ودعون بالويل والثبور وبكى الرجال فلم ير باك وباكية اكثر من ذلك اليوم ،
ثم ان زين العابدين «ع» أومأ الى الناس ان اسكتوا فسكتوا فقام قائماً فحمد الله واثنى عليه وذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بما هو اهله فصلى عليه (ثم قال) : ايها الناس من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا اعرفه بنفسي ، انا علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، أنا ابن من انتهك حريمه وسلب نعيمه وانتهب ماله وسبي عياله ، انا ابن المذبوح بشط الفرات من غير ذحل ولا ترات ، أنا ابن من قتل صبراً وكفى بذلك فخرا ، ايها الناس ناشدتكم بالله هل تعلمون انكم كتبتم الى ابي وخدعتموه واعطيتموه من انفسكم العهد والميثاق والبيعة وقاتلتموه وخذلتموه فتبا لما قدمتم لأنفسكم وسوأة لرأيكم بأية عين تنظرون الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اذ يقول لكم قتلتم عترتي وانتهكتم حرمتي فلستم من امتي (فأرتفعت) أصوات الناس بالبكاء من كل ناحية وقال بعضهم لبعض هلكتم وما تعلمون ، فقال «ع» رحم الله امرءاً قبل نصيحتي وحفظ وصيتي في الله ورسوله واهل بيته فان لنا في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اسوة حسنة .
لا غرو ان قتل الحسين فشيخه قد كان خيرا من حسين واكرما
قتيـل بشط النهر روحي فداؤه جزاء الذي أراده نـار جهـنما

* * *



السابق السابق الفهرس التالي التالي