المجالس السنية ـ الجزء الاول 104

المجلس السابع والخمسون

لما كان يوم عاشوراء برز مسلم بن عوسجة الاسدي وهو صحابي رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكان شريفاً سرياً عابداً متنسكاً فارساً شجاعاً وكان ممن كاتب الحسين «ع» من الكوفة ووفى له واخذ البيعة له عند مجيء مسلم بن عقيل الى الكوفة ولما خرج مسلم لحرب ابن زياد عقد له على ربع مذحج واسد فلما قتل مسلم وهانئ اختفى مدة ثم اتى سراً الى الحسين «ع» مع حبيب بن مظاهر فكانا يسيران الليل ويكمنان النهار حتى وصلا اليه بكربلاء واستشهدا بين يديه ولما خطب الحسين «ع» أصحابه ليلة العاشر من المحرم وقال لهم قد اذنت لكم فانطلقوا جميعاً في حل ليس عليكم مني ذمام وهذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا وليأخذ كل واحد منكم بيد رجل من اهل بيتي وتفرقوا في سواد هذا الليل وذروني وهؤلاء القوم فانهم لا يريدون غيري وتكلم اخوته وأبناؤه وبنو اخيه وسائر بني هاشم واصحابه بما شكرهم الله تعالى عليه ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم وشكرهم الدين وأهله وابقى لهم مجداً وفخراً وثناء وذكراً لا يبليه مرور الليالي والايام وكانوا قدوة الرجال في الوفاء والاباء وكرم النفوس وعلو الهمم ، كان من جملة من تكلم مسلم بن عوسجة فقال أنحن نخلي عنك وقد احاط بك هذا العدو ولم نعذر الى الله في اداء حقك لا والله لا يراني الله ابداً وانا افعل ذلك حتى اكسر في صدورهم رمحي واضاربهم بسيفي ما ثبت قائمه بيدي ولو لم يكن معي سلاح لقذفتهم بالحجارة ولم افارقك او اموت معك ولما اشتد القتال يوم عاشوراء لم يزد مسلم بن عوسجة الا جرأة وثباتاً وصبراً ووفاء فكان يحمل على القوم وهو يرتجز ويقول :
ان تسألوا عني فاني ذو لبد من فرع قوم من ذرى بني اسد
فمن بغانا حائداً عن الرشد وكـافـر بدين جبـار صـمد


المجالس السنية ـ الجزء الاول 105

فقاتل قتالاً شديداً (ثم) حمل عمرو بن الحجاج في اصحابه على ميسرة الحسين (ع) من نحو الفرات وكان مسلم بن عوسجة في الميسرة فاضطربوا ساعة (فصرع) مسلم وبقي به رمق وانصرف عمرو بن الحجاج واصحابه وانقطعت الغبرة فاذا مسلم صريع فمشى اليه الحسين (ع) ومعه حبيب بن مظاهر فقال الحسين (ع) رحمك الله يا مسلم فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ودنا منه حبيب فقال عز علي مصرعك يا مسلم ابشر بالجنة فقال له مسلم قولا ضعيفاً بشرك الله بخير ثم قال له حبيب : لو لا اني اعلم اني في الأثر من ساعتي هذه لأحببت ان توصيني بكل ما اهمك فقال له مسلم : فاني اوصيك بهذا واشار الى الحسين (ع) فقاتل دونه حتى تموت فقال له حبيب لأنعمنك عينا ثم مات رضوان الله عليه .
صالوا وجالوا وادوا حق سيدهم في موقف عق فيه الوالد الولد
وشاقـهم ثمر العقبى فاصبح في صدورهم شجر الخطي يختضد

المجلس الثامن والخمسون

لما كان يوم عاشوراء خرج زهير بن القين البجلي وهو من اهل الكوفة وكان شريفاً في قومه وكان في اول امره عثمانياً فحج في تلك السنة التي توجه الحسين (ع) فيها الى العراق فلما رجع من الحج جمعه الطريق مع الحسين (ع) فصار من اوليائه بعد ما كان من اعدائه وهكذا تكون الاعمال بخواتيمها لا بمبادئها فكم من رجل كان اول اعماله خيرا ثم ختم له بسوء وكم من رجل كان اول اعماله سيئاً ثم ختم له بخير كما جرى لزهير بن القين والحر بن يزيد فزهير كان من اعداء الحسين (ع) والحر خرج لحربه ومنعه عن الرجوع وجعجع به ثم صار من اوليائه وانصاره وفدياه بانفسهما حتى قتلا بين يديه ونالا كرامة الشهادة وأعظم السعادة

المجالس السنية ـ الجزء الاول 106

(ولما) خطب الحسين «ع» اصحابه عند ملاقاة الحر قام زهير فقام : قد سمعنا هداك الله يا ابن رسول الله مقالتك والله لو كانت الدنيا لنا باقية وكنا فيها مخلدين لآثرنا النهوض معك على الاقامة فيها (ولما) خطبهم الحسين (ع) ليلة العاشر من المحرم وآذن لهم في التفرق عنه قام في جملة من قام زهير بن القين وقال: والله يا ابن رسول الله لوددت اني قتلت ثم نشرت الف مرة وان الله يدفع بذلك القتل عنك وعن هؤلاء الفتية من أهل بيتك (ولما) صف الحسين (ع) اصحابه للقتال يوم عاشوراء جعل زهيرا على الميمنة فبرز راكباً على فرس ذنوب وهو شاك في السلاح وجعل يرتجز ويقول :
أنا زهيـر وانا ابن القين أذودكم بالسيف عن حسين
ان حسيناً أحد السبطـين من عترة البر التقي الزين
ذاك رسول الله غير المين اضربكم ولا أرى من شين
يا ليت نفسي قسمت قسمين

فقاتل قتالا شديداً حتى قتل تسعة عشر رجلاً ثم قتل رضوان الله عليه فقال الحسين «ع» حين صرع زهير لا يبعدك الله يا زهير .
وبرز حبيب بن مظاهر أو مظهر الأسدي وكان صحابياً رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وصحب امير المؤمنين عليه السلام وشهد معه حروبه كلها وكان من خاصته وحملة علومه وكان حبيب ممن كاتب الحسين «ع» ولما ورد مسلم بن عقيل الكوفة وأخذت الانصار تختلف اليه كان ممن خطب فيهم حبيب بن مظاهر وجعل هو ومسلم بن عوسجة يأخذان البيعة للحسين عليه السلام في الكوفة فلما خذل الخائنون مسلم بن عقيل اختفى حبيب ومسلم بن عوسجة ، فلما ورد الحسين «ع» كربلاء خرجا اليه يسيران الليل ويكمنان النهار حتى وصلا اليه ، فلما كان القتال برز حبيب وهو يرتجز ويقول :

المجالس السنية ـ الجزء الاول 107

أنا حبيـب وأبي مظهر فارس هيجـاء وحرب تسعر
أنتم اعـد عدة وأكثـر ونحن أعلى حجـة وأظهـر
وأنتم عند الوفاء أغـدر ونحن أوفى منكـم وأصبـر
حقاً وأتقى منكم وأعذر

فقاتل قتالا شديداً وقتل جمعا كثيرا فحمل عليه رجل من بني تميم فطعنه فذهب ليقوم فضربه الحصين بن تميم على رأسه بالسيف فوقع ونزل اليه التميمي فاحتز رأسه فهد مقتله الحسين «ع» وقال عند الله احتسب نفسي وحماة اصحابي .
جادوا بأنفسهم عن نفس سيدهم وقد رأوا لبثهم من بعده عارا
سبعون مولى كريماً ما بكى لهم باك ولا أحد يوماً لهم وارى

المجلس التاسع والخمسون

لما لم يبق مع الحسين «ع» سوى أهل بيته خرج علي بن الحسين الأكبر وكان من أصبح الناس وجهاً واحسنهم خلقاً وكان عمره تسع عشرة سنة وقيل خمسا وعشرين سنة وفيه يقول الشاعر :
لم تر عين نظرت مثله من محتـف يمشي ومن ناعل
لا يؤثر الدنيا على دينه ولا يبـيع الـحـق بالباطـل

وهو اول قتيل يوم كربلاء من آل ابي طالب ، فاستأذن أباه في القتال فأذن له ثم نظر اليه نظرة آيس منه وارخى عينيه فبكى ثم رفع سبابتيه نحو السماء وقال : اللهم كن انت الشهيد عليهم فقد برز اليهم غلام اشبه الناس خلقاً وخلقاً ومنطقاً برسولك وكنا اذا اشتقنا الى نبيك نظرنا اليه ، ثم رفع صوته

المجالس السنية ـ الجزء الاول 108

وتلا : ان الله اصطفى آدم و نوحاً وآل ابراهيم وآل عمران على العالمين ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم ، فشد علي على الناس وهو يقول :
أنا علي بن الحسين بن علي نحن وبـيت الله أولـى بالنـبي
تالله لا يحكم فينا ابن الدعى اضرب بالسيف احامي عن ابي
ضرب غلام هاشمي علوي

فجعل يشد عليهم ثم يرجع الى ابيه فيقول يا أباه العطش فيقول له الحسين «ع» اصبر حبيبي فانك لا تمسي حتى يسقيك رسول الله صلى الله عليه وآله و سلم بكأسه (وفي رواية) انه قال يا أبة العطش قتلني وثقل الحديد اجهدني فهل الى شربة من الماء سبيل فبكى الحسين «ع» وقال يا غوثاه يا بني من أين آتي لك بالماء قاتل قليلا فما اسرع ما تلقى جدك محمد صلى الله عليه واله وسلم فيسقيك بكأسه الأوفى شربة لا تظمأ بعدها ابدا ، فجعل يكر كرة بعد كرة والأعداء يتقون قتله ، فنظر اليه مرة بن منقذ العبدي فقال علي آثام العرب ان هو فعل مثل ما اراه يفعل ومر بي ان لم اثكله أمه فمر يشد على الناس كما كان يفعل فاعترضه مرة بن منقذ وطعنه بالرمح وقيل بل رماه بسهم فصرعه فنادى يا ابتاه عليك السلام هذا جدي يقرئك السلام ويقول لك عجل القدوم علينا ، واعتوره الناس فقطعوه بأسيافهم فجاء الحسين «ع» حتى وقف عليه وقال قتل الله قوماً قتلوك يا بني ما أجرأهم على الرحمن وعلى انتهاك حرمة الرسول على الدنيا بعدك العفا (وخرجت) زينب بنت علي عليهما السلام وهي تنادي يا حبيباه ويا ابن أخاه وجاءت فأكبت عليه فجاء الحسين «ع» فأخذ بيدها وردها الى الفسطاط واقبل بفتيانه وقال احملوا أخاكم فحملوه من مصرعه حتى وضعوه بين يدي الفسطاط الذي كانوا يقاتلون أمامه .
يا كوكباً ما كان اقصر عمره وكذا تكون كواكب الاسحار
جاورت اعدائـي وجاور ربه شتان بين جـواره وجواري


المجالس السنية ـ الجزء الاول 109

المجلس الستون

لما كان يوم عاشوراء ولم يبق مع الحسين «ع» سوى أهل بيته خرج القاسم بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام وهو غلام لم يبلغ الحلم فلما نظر الحسين «ع» اليه قد برز اعتنقه وجعلا يبكيان ثم استأذن عمه في المبارزة فأبى ان يأذن له فلم يزل الغلام يقبل يديه ورجليه حتى اذن له فخرج ودموعه تسيل على خديه وهو يقول :
ان تنكروني فأنا ابن الحسن سبط النبي المصطفى والمؤتمن
هذا حسين كالأسير المرتهن بين اناس لا سقوا صوب المزن

فقاتل قتالاً شديداً (قال) حميد بن مسلم خرج علينا غلام كأن وجهه شقة قمر وفي يده سيف وعليه قميص و ازار وفي رجليه نعلان فمشى يضرب بسيفه فانقطع شسع احدى نعليه ولا انسى انها كانت اليسرى فوقف ليشدها (فقال) لي عمرو بن سعد بن نفيل الأزدي والله لأشدن عليه فقلت سبحان الله وما تريد بذلك والله لو ضربني ما بسطت اليه يدي يكفيك هؤلاء الذين تراهم قد احتوشوه فقال والله لأشدن عليه فشد عليه فما ولى حتى ضرب رأسه بالسيف ففلقه ووقع الغلام الى الأرض لوجهه ونادى يا عماه فجلى الحسين «ع» كما يجلي الصقر ثم شد شدة ليث اغضب فضرب عمرو بن سعد بن نفيل بالسيف فأتقاها بالساعد فقطعها من لدن المرفق فصاح صيحة سمعها أهل العسكر ثم تنحى عنه الحسين «ع» وحمل أهل الكوفة ليستنقذوه فوطئت الخيل عمراً حتى مات (وانجلت) الغبرة فإذا بالحسين «ع» قائم على رأس الغلام وهو يفحص برجليه والحسين «ع» يقول بعداً لقوم قتلوك ومن خصمهم يوم القيامة فيك جدك وأبوك ،

المجالس السنية ـ الجزء الاول 110

ثم قال «ع» عز والله على عمك ان تدعوه فلا يجيبك او يجيبك فلا ينفعك صوت والله كثر واتره وقل ناصره ثم حمله ووضع صدره على صدره وكأني أنظر الى رجلي الغلام يخطان الارض فجاء به حتى القاه مع ابنه علي والقتلى من أهل بيته فسألت عنه فقيل لي هو القاسم بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام (وصاح) الحسين «ع» في تلك الحال صبراً يا بني عمومتي صبراً يا أهل بيتي فوالله لا رأيتم هوانً بعد هذا اليوم أبداً .
تحوطه من بني عـدنان أغلمة بيـض الوجوه كرام سادة رؤسا
وكل ذي طلعة غـراء مشرقة من نور طلعته بدر السما اقتبسا
يلقى السيوف بوجه شان طلعته وقع السيوف ونحر بالقنا غرسا

المجلس الواحد والستون

ولد العباس بن امير المؤمنين «ع» سنة ست وعشرين من الهجرة وعاش مع أبيه أمير المؤمنين «ع» أربع عشرة سنة وحضر بعض الحروب فلم يأذن له أبوه في النزال وقتل مع أخيه الحسين «ع» بكربلاء وعمره أربعة وثلاثون سنة ، ويكنى ابا الفضل ويلقب بالسقاء وقمر بني هاشم وقتل معه بكربلاء ثلاثة أخوة لأمه وأبيه وكانت له يوم كربلاء مقامات مشهودة ومواقف عظيمة وكانت له صفات عالية وأعمال جليلة امتاز بها (منها) انه كان صاحب لواء الحسين «ع» واللواء هو العلم الأكبر ولا يحمله الا الشجاع الشريف في العسكر (ومنها) انه كان ايدا (قويا) شجاعا فارسا وسيما جسيما يركب الفرس المطهم ورجلاه تخطان في الأرض (ومنها) انه لما جمع الحسين «ع» أهل بيته وأصحابه ليلة العاشر من المحرم وخطبهم فقال في خطبته (أما بعد) فاني لا أعلم اصحاباً

المجالس السنية ـ الجزء الاول 111

اوفى ولا خيراً من أصحابي ، ولا اهل بيت أبر ولا أوصل من أهل بيتي وهذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا وليأخذ كل واحد منكم بيد رجل من أهل بيتي وتفرقوا في سواد هذا الليل وذروني وهؤلاء القوم فانهم لا يريدون غيري ، قام اليه العباس «ع» فقال ولم نفعل ذلك لنبقى بعدك لا ارانا الله ذلك ابداً ، ثم تكلم أهل بيته واصحابه بمثل هذا ونحوه (منها) انه لما أخذ عبد الله بن حرام ابن خال العباس أماناً من ابن زياد للعباس وأخوته من أمه قالوا لا حاجة لنا في الأمان أمان الله خير من أمان ابن سمية (ومنها) انه نادى شمر اين بنو اختنا أين العباس واخوته فلم يجبه احد فقال لهم الحسين «ع» اجيبوه وان كان فاسقا فانه بعض اخوالكم قال له العباس ما تريد فقال انتم يا بني اختي آمنون فقال له العباس لعنك الله ولعن أمانك أتؤمننا وابن رسول الله لا أمان له وتكلم اخوته بنحو كلامه ثم رجعوا (ومنها) انه لما اشتد العطش بالحسين «ع» واصحابه أمر أخاه العباس فسار في عشرين راجلاً يحملون القرب وثلاثين فارسا فجاؤوا ليلا حتى دنوا من الماء وأمامهم نافع بن هلال الجملي يحمل اللواء فقال عمرو بن الحجاج من الرجل ؟ قال نافع قال ما جاء بك قال جئنا نشرب من هذا الماء الذي حلأتمونا عنه قال فاشرب هنيئاً قال لا والله لا اشرب منه قطرة والحسين عطشان هو واصحابه فقالوا لا سبيل الى سقي هؤلاء انما وضعنا في هذا المكان لنمنعهم الماء فقال نافع لرجاله املؤوا قربكم فملؤوها وثار اليهم عمرو بن الحجاج واصحابه فحمل عليهم العباس ونافع بن هلال فكشفوهم واقبلوا بالماء ثم عاد عمرو بن الحجاج واصحابه وارادوا ان يقطعوا عليهم الطريق فقاتلهم العباس واصحابه حتى ردوهم وجاؤوا بالماء الى الحسين «ع» (ومنها) انه لما نشبت الحرب تقدم أربعة من أصحاب الحسين «ع» وهم الذين جاؤوا من الكوفة ومعهم فرس نافع بن هلال فشدوا على الناس بأسيافهم فلما وغلوا فيها عطف عليهم الناس واقتطعوهم عن اصحابهم فندب الحسين «ع» لهم اخاهم العباس فحمل على القوم وحده فضرب فيهم بسيفه حتى فرقهم عن أصحابه ووصل اليهم فسلموا عليه

المجالس السنية ـ الجزء الاول 112

وأتى بهم ولكنهم كانوا جرحى فأبوا عليه أن يستنقذهم سالمين فعاودوا القتال وهو يدفع عنهم حتى قتلوا في مكان واحد فعاد العباس الى أخيه وأخبره بخبرهم (ومنها) انه شبه عمه جعفر الطيار الذي قطعت يمينه ويساره في حرب مؤتة مجاهدا في سبيل الله وكذلك العباس قطعت يمينه ويساره مجاهداً في سبيل الله في نصرة أخيه الحسين «ع» يوم عاشوراء :
لا تنـس للعـباس حـسن مقامـه في الروع عند الغارة الشعواء
وأسـى أخـاه بها وجـاد بنفـسه في سقي أطفال لـه ونسـاء
رد الألوف على الألوف معـارضاً حد السيوف بجـبهة غـراء

المجلس الثاني والستون

قال أمير المؤمنين عليه السلام لأخيه عقيل وكان نسابة عالما باخبار العرب وانسابهم ابغني امرأة قد ولدتها الشجعان من العرب لأتزوجها فتلد لي غلاماً فارساً فقال له اين انت عن فاطمة بنت حزام الكلابية (وهي المكناة ام البنين) فانه ليس في العرب اشجع من آبائها ولا افرس فتزوجها أمير المؤمنين «ع» فولدت له العباس ثم عبد الله ثم جعفر ثم عثمان وحضر هؤلاء الاخوة الاربعة مع اخيهم الحسين «ع» يوم كربلاء وابلوا في نصرته بلاء حسنا وجاهدوا امامه حتى قتلوا جميعهم وكان أحسنهم بلاء وأعظمهم جهادا ومواساة لأخيه الحسين «ع» ابو الفضل العباس وهو أكبرهم وكان عمره يومئذ اربعاً وثلاثين سنة
ولما رأى العباس «ع» كثرة القتلى من أهله قال لاخوته الثلاثة هؤلاء : يا بني أمي تقدموا لأحتسبكم عند الله (وفي رواية) حتى أراكم قد نصحتم لله ورسوله فتقدم عبد الله بن علي وعمره خمس وعشرون سنة فقاتل قتالاً شديداً حتى قتل فتقدم بعده

المجالس السنية ـ الجزء الاول 113

اخوه جعفر بن علي وعمره تسع عشرة سنة فقاتل حتى قتل فبرز بعده اخوهما عثمان بن علي وعمره احدى وعشرون سنة فقام مقام اخوته وقاتل حتى قتل وبرز من بعدهم اخوهم ابو الفضل العباس وقاتل قتالاً شديداً واشتد العطش بالحسين «ع» فركب المسناة يريد الفرات وبين يديه أخوه العباس فأحاط القوم بالعباس فاقتطعوه فجعل العباس «ع» يقاتلهم وحده فضربه زيد بن ورقاء الحنفي على يمينه فقطعها فأخذ السيف بشماله وهو يرتجز ويقول :
والله ان قطعتموا يميني اني أحامي أبدا عن ديني
وعن امام صادق اليقين نجل النبي الطاهر الأمين

فضربه حكيم بن الطفيل على شماله فقطعها فقال :
يا نفس لا تخشي من الكفار وابشري برحمة الجبار
مـع النـبي السيد المخـتار قد قطعوا ببغيهم يساري
فأصلهم يا رب حر النار

فضربه آخر بعمود من حديد فقتله فبكى الحسين «ع» لقتله بكاء شديداً ولنعم ما قال القائل :
احق الناس ان يبكى عليه فتى ابكى الحسـين بكربلاء
اخـوه وابـن والده علي ابو الفضل المضرج بالدماء
ومن واساه لا يثنيه شيء وجاد له على عطـش بماء

وكانت ام البنين ام هؤلاء الأخوة الأربعة بعد قتلهم تخرج كل يوم الى البقيع وتحمل معها عبيد الله بن ولدها العباس فتندب أولادها الأربعة خصوصاً العباس اشجى ندبة وأحرقها فيجتمع الناس و يستمعون بكاءها وندبتها فكان مروان

المجالس السنية ـ الجزء الاول 114

ابن الحكم على شدة عداوته لبني هاشم يجئ فيمن يجئ فلا يزال يسمع ندبتها ويبكي .
رق لها الشامت مما بها ما حال من رق له الشامت

فمما كانت ترثي به ولدها العباس قولها :
يا من رأى العـباس كر على جماهـير النقـد (1)
ووراه مـن أبنـاء حيـ ـدر كل ليث ذي لبـد
أنبئت أن ابـني أصـيـ ـب برأسه مقطوع يد
ويلي عـلى شبـلي أما ل برأسه ضرب العمد
لوكان سيفك في يديـ ـك لما دنا منه أحـد

ومن رثائها في أولادها الأربعة قولها :
لا تدعوني ويك ام البنـين تـذكـريني بليـوث العـرين
كانت بنون لي أدعى بـهم واليوم أصبحت ولا من بنـين
أربعة مثل نسـور الـربي قد واصلوا الموت بقطع الوتين
تنازع الخرصان أشـلاءهم وكـلهم امسى صريعـاً طعين
يا ليت شعري أكما أخبروا بـأن عـباساً قطـيع اليمـين

* * *



(1) النقد جنس من الغنم قصار الأرجل قباح الوجوه وزاد البيت حسناً ان العباس من أسماء الأسد .
ـ المؤلف ـ
المجالس السنية ـ الجزء الاول 115

المجلس الثالث والستون (1)

لما رأى العباس بن علي (ع) وحدة اخيه الحسين (ع) بعد قتل اصحابه وجملة من اهل بيته قال لاخوته الثلاثة من امه و ابيه عبد الله وجعفر وعثمان تقدموا لاحتسبكم عند الله تعالى فتقدموا حتى قتلوا فجاء الى اخيه الحسين (ع) واستاذن في القتال فقال له انت حامل لوائي فقال له ضاق صدري وسئمت الحياة فقال له الحسين (ع) ان عزمت فاستسق لنا ماء فاخذ قربته وحمل على القوم حتى ملأ القربة واغترف من الماء غرفة ثم ذكر عطش اخيه الحسين (ع) فرمى بها وقال :
يانفس من بعد الحسين هوني وبعده لا كنت ان تكوني
هــذا حسيـن وارد المنون وتشربين بـارد المعـين

ثم عاد فاخذوا عليه الطريق فجعل يضربهم بسيفه وهو يقول :
لا أرهب الموت اذا الموت رقى حتى اوارى في المصاليت لقى
انـي أنا العباس اغـدو بالـسقا ولا أهـاب الموت يـوم الملتقى

ففرقهم فضربه حكيم بن الطفيل على يمينه فبراها فاخذ اللواء بشماله وهو يقول :
والله ان قطعتموا يميني اني احامي ابداً عن ديني


(1) هذه رواية ثانية في مقتل العباس عليه السلام واخوته غير الرواية السابقة في المجلس السابق .
ـ المؤلف ـ
المجالس السنية ـ الجزء الاول 116

فضربه زيد بن ورقاء على شماله فبراها فضم اللواء الى صدره وهو يقول :
الا ترون معشر الفجار قد قطعوا ببغيهم يساري

فضربه رجل بعمود على رأسه فخر صريعاً الى الأرض ونادى باعلى صوته ادركني يا اخي فانقض عليه ابو عبد الله عليه السلام كالصقر فرآه مقطوع اليمين واليسار مرضوخ الجبين مشكوك العين بسهم مثخناً بالجراحة فوقف عليه منحنياً وجلس عند رأسه يبكي حتى فاضت نفسه الزكية ثم حمل على القوم فجعل يضرب فيهم يميناً وشمالاً فيفرون منه كما تفر المعزى اذا شد فيها الذئب .
عباس كبش كتـيبتي وكـنانتي وسري قومي بل اعز حصـوني
يا ساعـدي في كل معترك به اسطو وسيف حـمايتي بيمـيني
لمن اللوا اعطي ومن هو جامع شملي وفي ضنك الزحـام يقيني

المجلس الرابع والستون

روي عن ابي عبد الله الصادق عليه السلام انه قال كان عمنا العباس بن علي نافذ البصيرة صلب الايمان جاهد مع ابي عبد الله الحسين «ع» وابلى بلاء حسنا ومضى شهيدا (وروي) عن علي بن الحسين «ع» انه نظر يوماً الى عبيد الله بن العباس بن علي «ع» فاستعبر ثم قال ما من يوم اشد على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من يوم احد قتل فيه عمه حمزة ابن عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله وبعده يوم مؤته قتل فيه ابن عمه جعفر بن ابي طالب ولا يوم كيوم الحسين «ع» ازدلف اليه ثلاثون الف رجل يزعمون انهم من هذه الامة كل يقترب الى الله عزوجل بدمه وهو يذكرهم بالله فلا يتعظون حتى قتلوه بغياً وظلماً وعدواناً ثم قال رحم الله

المجالس السنية ـ الجزء الاول 117

العباس فلقد آثر وابلى وفدى اخاه بنفسه حتى قطعت يداه وان للعباس عند الله تبارك وتعالى منزلة يغبطه بها جميع الشهداء يوم القيامة ، ولنعم ما قال حفيده الفضل بن محمد بن الفضل بن الحسن بن عبيد الله بن العباس :
إنـي لأذكـر للعـباس مـوقفه بكربلاء وهـام القـوم تختـطف
يحمي الحسين ويحميه على ظمأ ولا يـولي ولا يثـنى فيخـتلف
ولا ارى مشهداً يـوماً كـمشهده مع الحسين عليه الفضل والشرف
اكرم به مشـهدا بانت فضيـلته ومـا اضاع لـه افعالـه خلـف

* * *


واذكر ابا الفضل هل تنسى فضائله في كربلا حين جـد الأمر والتبسا
واسـى اخـاه وفـاداه بمهـجتـه وخاض في غمرات الموت منغمسا
ففز ابا الفضل بالفضل العظيم بـما اسديته فعلـيك الفـضل قد حبسا
قضيت حق الاخـا والدين مبـتذلا للنفس في سقي أطـفال له ونـسا

المجلس الخامس والستون

لما قتل جميع انصار الحسين عليه السلام واهل بيته خرج غلام من خباء من اخبية الحسين «ع» وهو محمد بن ابي سعيد بن عقيل بن ابي طالب وفي اذنيه درتان فأخذ بعود من عيدان الخباء وهو مذعور فجعل يلتفت يمينا وشمالا وقرطاه يتذبذبان فحمل عليه هانئ بن ثبيت الحضرمي فضربه بالسيف فقتله فصارت أمه شهربانوية تنظر اليه ولا تتكلم كالمدهوشة (ونادى) الحسين «ع» هل من ذاب يذب عن حرم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هل من موحد يخاف الله فينا هل من مغيث

السابق السابق الفهرس التالي التالي