المجالس السنية ـ الجزء الاول 86

يدك ليكونن أولى بالقوة والعزة ولتكونن أولى بالضعف والعجز ولكن لينزل على حكمك هو واصحابه فان عاقبت فانت اولى بالعقوبة وان عفوت كان ذلك لك ، فقال له ابن زياد نعم ما رأيت الرأي رأيك أخرج بهذا الكتاب الى عمر بن سعد فليعرض على الحسين واصحابه النزول على حكمي فاذا فعلوا فليبعث بهم الي سلماً وان ابوا فليقاتلهم فان فعل فاسمع له واطع وان ابى فأنت اميرالجيش فاضرب عنقه وابعث الي برأسه وكتب الى ابن سعد اني لم ابعثك الى الحسين لتكف عنه ولا لتطاوله ولا لتمنيه السلامة والبقاء ولا لتعتذر عنه ولا لتكون له عندي شافعاً أنظر فان نزل الحسين واصحابه على حكمي واستسلموا فابعث بهم الي سلماً وان ابوا فازحف اليهم حتى تقتلهم وتمثل بهم فانهم لذلك مستحقون فان قتلت الحسين فأوطئ الخيل صدره وظهره فانه عاق شاق ظلوم ولست أرى ان هذا يضر بعد الموت شيئاً ولكن على قول قد قلته لو قد قتلته لفعلت هذا به فان أنت مضيت لأمرنا جزيناك جزاء السامع المطيع وان أبيت فاعتزل عملنا وجندنا وخل بين شمر بن ذي الجوشن وبين العسكر فانا قد امرناه بأمرنا والسلام . (فلما) قرأ ابن سعد الكتاب قال له ما لك ويلك لا قرب الله دارك وقبح الله ما قدمت به علي والله اني لأظنك أنت الذي نهيته ان يقبل ما كتبت به اليه وافسدت علينا امراً كنا قد رجونا ان يصلح ، لا يستسلم والله حسين ان نفس أبيه لبين جنبيه فقال له شمر اخبرني بما انت صانع أتمضي لأمر اميرك وتقاتل عدوه وإلا فخل بيني وبين الجند والعسكر ، قال لا ولا كرامة لك ولكن أنا اتولى ذلك فدونك فكن انت على الرجالة .
سأمه أن يرد الهوان أو المنيـ ـة والمسود لا يكون مسوداً
فانصاع لا يعـبابهم عن عدة كثرت عليه ولا يخاف عديداً

* * *



المجالس السنية ـ الجزء الاول 87

المجلس السابع والاربعون

لما كان اليوم التاسع من المحرم جاء شمر حتى وقف على اصحاب الحسين (ع) فقال اين بنو اختنا يعني العباس وجعفر وعبد الله وعثمان ابناء علي عليه السلام فقال الحسين (ع) أجيبوه وان كان فاسقاً فانه بعض أخوالكم وذلك ان امهم كانت من عشيرته فقالوا له ما تريد فقال لهم انتم يا بني اختي آمنون فلا تقتلوا انفسكم مع اخيكم الحسين والزموا طاعة يزيد فقالوا له لعنك الله ولعن امانك اتؤمننا وابن رسول الله لا امان له (وفي رواية) فناداه العباس بن امير المؤمنين عليهما السلام تبت يداك ولعن ما جئتنا به من امانك يا عدو الله اتأمرنا ان نترك أخانا وسيدنا الحسين بن فاطمة وندخل في طاعة اللعناء واولاد اللعناء فرجع شمر الى عسكره مغضباً (ثم) نادى عمر بن سعد يا خيل الله اركبي وبالجنة ابشري فركب الناس خيولهم ثم زحف نحوهم بعد العصر والحسين (ع) جالس اما بيته محتب بسيفه اذ خفق برأسه على ركبته فسمعت اخته زينب الضجة فدنت من اخيها فقالت يا أخي أما تسمع هذه الاصوات قد اقتربت فرفع الحسين (ع) رأسه فقال اني رأيت الساعة جدي محمداً وأبي علياً وامي فاطمة واخي الحسن وهم يقولون يا حسين انك رائح الينا عن قريب وقال له العباس يا أخي أتاك القوم فانهض ثم قال يا عباس اركب بنفسك أنت حتى تلقاهم وتقول لهم ما بالكم وما بدا لكم فأتاهم في نحو عشرين فارساً فيهم زهير بن القين وحبيب بن مظاهر فسألهم فقالوا قد جاء امر الأمير أن نعرض عليكم ان تنزلوا على حكمه او نناجزكم ، قال فلا تعجلوا حتى ارجع الى ابي عبد الله فأعرض عليه ما ذكرتم ، فلما اخبره العباس بقولهم قال له ارجع اليهم فان استطعت ان تؤخرهم الى غدوة وتدفعهم عنا العشية لعلنا نصلي لربنا الليلة وندعوه ونستغفره فهو يعلم اني كنت احب الصلاة له وتلاوة كتابه وكثرة

المجالس السنية ـ الجزء الاول 88

الدعاء والاستغفار فسألهم العباس ذلك فتوقف ابن سعد فقال له عمر بن الحجاج الزبيدي سبحان الله والله لو انهم من الترك او الديلم وسألونا مثل ذلك لأجبناهم فكيف وهم آل محمد فأجابوهم لذلك .
وفتية من رجال الله قد صبروا على الجلاد وعانوا كل محذور
حتى تـراءت لهم عدن بزينتها مآتما كـن عرس الخرد الحور

المجلس الثامن والاربعون

لما كانت ليلة العاشر من المحرم جمع الحسين اصحابه عند قرب المساء قال علي ابن الحسين عليهما السلام فدنوت منه لأسمع ما يقول لهم وانا اذ ذاك مريض فسمعت ابي يقول لأصحابه : اثني على الله أحسن الثناء واحمده على السراء والضراء اللهم اني احمدك على ان اكرمتنا بالنبوة وعلمتنا القرآن وفقهتنا في الدين وجعلت لنا اسماعاً وابصاراً وافئدة فاجعلنا لك من الشاكرين (اما بعد) فاني لا أعلم اصحاباً أوفى ولا خيراً من أصحابي ولا أهل بيت ابر ولا أوصل من أهل بيتي فجزاكم الله عني خيراً ألا واني لأظن يوماً لنا من هؤلاء القوم ألا واني قد أذنت لكم فانطلقوا جميعاً في حل ليس عليكم مني ذمام وهذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملاً وليأخذ كل واحد منكم بيد رجل من أهل بيتي وتفرقوا في سواد الليل وذروني وهؤلاء القوم فانهم لا يريدون غيري (فقال) له اخوته وابناؤه وبنو أخيه وأبناء عبد الله بن جعفر ولم نفعل ذلك لنبقى بعدك لا أرانا الله ذلك أبداً بدأهم بهذا القول العباس بن أمير المؤمنين واتبعه الجماعة عليه فتكلموا بمثله ونحوه (ثم) نظر إلى بني عقيل فقال حسبكم من القتل بصاحبكم مسلم اذهبوا فقد اذنت لكم قالوا سبحان الله فما يقول الناس لنا وماذا نقول لهم انا تركنا شيخنا وسيدنا وبني عموتنا خير الأعمام ولم نرم معهم بسهم ولم نطعن

المجالس السنية ـ الجزء الاول 89

معهم برمح ولم نضرب معهم بسيف ولا ندري ما صنعوا لا والله ما نفعل ولكنا نفديك بانفسنا واموالنا وأهلينا ونقاتل معك حتى نرد موردك فقبح الله العيش بعدك (وقام) اليه مسلم بن عوسجة الأسدي فقال أنحن نخلي عنك وقد احاط بك هذا العدو وبم نعتذر الى الله في اداء حقك لا والله لا يراني الله أبداً وأنا افعل ذلك حتى أكسر في صدورهم رمحي وأضاربهم بسيفي ما ثبت قائمة بيدي ولو لم يكن معي سلاح اقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة ولم افارقك او اموت معك (وقام) سعيد بن عبد الله الحنفي فقال لا والله يا ابن رسول الله لانخليك أبداً حتى يعلم الله انا حفظنا فيك وصية رسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم والله لو علمت اني اقتل فيك ثم احيا ثم احرق حياً ثم اذري يفعل في ذلك سبعين مرة ما فارقتك حتى القى حمامي دونك وكيف لا افعل ذلك وانما هي قتلة واحدة ثم انال الكرامة التي لا انقضاء لها أبداً (وقام) زهير بن القين وقال والله يا ابن رسول الله لوددت أني قتلت ثم نشرت الف مرة وان الله تعالى يدفع بذلك القتل عن نفسك وعن انفس هولاء الفتيان من اخوانك وولدك واهل بيتك (وتكلم) جماعة اصحابه بكلام يشبه بعضه بعضاً وقالوا انفسنا لك الفداء نقيك بايدينا ووجوهنا فاذا نحن قتلنا بين يديك نكون قد وفينا لربنا وقضينا ما علينا (ووصل) الخبر الى محمد بن بشير الحضرمي في تلك الحال بان ابنه قد اسر بثغر الري فقال عند الله أحتسبه ونفسي ما كنت أحب أن يؤسر وأبقى بعده فسمع الحسين «ع» قوله فقال رحمك الله أنت في حل من بيعتي فاعمل في فكاك ابنك فقال اكلتني السباع حياً ان فارقتك قال فاعط ابنك هذا هذه الأثواب البرود يستعين بها في فداء أخيه فأعطاه خمسة أثواب برود قيمتها الف دينار فحملها مع ولده .
ابت الحمية ان تفارق أهلها وابى العزيز بان يعيش ذليلا

وأقام الحسين عليه السلام واصحابه الليل كله وهم يصلون ويستغفرون ويدعون ويتضرعون وباتوا ولهم دوي كدوي النحل ما بين راكع وساجد وقائم وقاعد .

المجالس السنية ـ الجزء الاول 90

سمـة العبيد من الخشوع عليهم لله ان ضمـتهم الأسـحار
فاذا ترجلت الضحى شهدت لهم بيض القواضب انهم احرار

فعبر اليهم في تلك الليلة من عسكر ابن سعد اثنان وثلاثون رجلاً فلما كان وقت السحر خفق الحسين عليه السلام برأسه خفقة ثم استيقظ فقال رأيت كان كلابا قد شهدت لتنهشني وفيها كلب أبقع رأيته أشدها علي وأظن ان الذي يتولى قتلي رجل أبرص ثم اني رأيت جدي رسول الله (ص) ومعه جماعة من أصحابه وهو يقول يا بني أنت شهيد آل محمد وقد استبشر بك أهل السماوات وأهل الصفح الأعلى (1) .
ايه مصارع كربلا كم غصة جرعـت آل محـمد كرباتـها
وافـتك راية سبطه منشورة فطويتها وحطمت صدر قناتها

المجلس التاسع والاربعون

لما أصبح الحسين عليه السلام يوم عاشوراء عباً أصحابه للقتال وكانوا اثنين وثلاثين فارساً واربعين راجلا فجعل زهير بن القين في الميمنة وحبيب بن مظاهر في الميسرة وأعطى الراية العباس أخاه وامر الحسين عليه السلام بفسطاط فضرب وامر بجفنة في فيها مسك كثير وجعل عندها نورة ثم دخل ليطلي فروي أن برير ابن خضير الهمداني وعبد الرحمن ابن عبد ربه الأنصاري وقفا على باب

(1) اذا وجد القارئ المجال متسعاً واراد أن يضم الى هذا المجلس ما تقدم في المجلس الثالث والأربعين من قوله قال علي بن الحسين «ع» اني لجالس الى آخره فلا مانع واذا وصل الى قوله وأبي ينشد تلك الأبيات فليقل بدله وابي يقول (يا دهر اف لك من خليل) الى آخر الأبيات والحديث .
ـ المؤلف ـ
المجالس السنية ـ الجزء الاول 91

الفسطاط ليطليا بعده فجعل برير يضاحك عبد الرحمن فقال له عبد الرحمن يا برير ما هذه ساعة باطل فقال برير لقد علم قومي أني ما احببت الباطل كهلا ولا شابا وانما افعل ذلك استبشاراً بما نصير اليه ، قال علي بن الحسين «ع» لما صبحت الخيل الحسين «ع» رفع يديه وقال : اللهم أنت ثقتي في كل كرب وأنت رجائي في كل شدة وأنت لي في كل أمر نزل بي وثقة وعدة كم من كرب يضعف فيه الفؤاد وتقل فيه الحيلة ويخذل فيه الصديق ويشمت فيه العدو انزلته بك وشكوته اليك رغبة مني اليك عمن سواك ففرجته عني و كشفته فأنت ولي كل نعمة وصاحب كل حسنة ومنتهى كل رغبة (وقرب) الى الحسين عليه السلام فرسه فاستوى عليه وتقدم نحو القوم في نفر من أصحابه وبين يديه برير بن خضير فقال له الحسين «ع» كلم القوم فتقدم برير (فقال) يا قوم اتقوا الله فان ثقل محمد «ص» قد اصبح بين أظهركم هؤلاء ذريته وعترته وبناته وحرمه فهاتوا ما عندكم وما الذي تريدون ان تصنعوه بهم فقالوا نريد ان نمكن منهم الأمير ابن زياد فيرى رأيه فيهم فقال لهم برير أنسيتم كتبكم وعهودكم التي أعطيتموها وأشهدتم الله عليها يا ويلكم أدعوتم أهل بيت نبيكم وزعمتم انكم تقتلون أنفسكم دونهم حتى اذا اتوكم اسلمتموهم وحلأتموهم عن ماء الفرات بئس ما خلفتم نبيكم في ذريته ما لكم لا سقاكم الله يوم القيامة فبئس القوم أنتم (فقال) له نفر منهم يا هذا ما ندري ما تقول ، وقال برير الحمد لله الذي زادني فيكم بصيرة اللهم إني أبرأ اليك من فعال هؤلاء القوم اللهم الق باسهم بينهم حتى يلقوك وأنت عليهم غضبان فجعل القوم يرمونه بالسهام فرجع الى ورائه .
قست القلوب فلم تمل لهداية تبأ لهاتيك القلوب القاسية

* * *



المجالس السنية ـ الجزء الاول 92

المجلس الخمسون

لما كان يوم عاشوراء وزحف اهل الكوفة لقتال الحسين (ع) تقدم الحسين (ع) حتى وقف بازاء القوم فجعل ينظر الى صفوفهم كأنهم السيل ونظر إلى ابن سعد واقفاً في صناديد الكوفة فحمد الله واثنى عليه وذكره بما هو اهله وصلى على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعلى ملائكته وانبيائه وقال ما لا يحصى كثرة فلم يسمع متكلم قط قبله ولا بعده ابلغ في المنطق منه .
له من علي في الحروب شجاعة ومن احمد عند الخطابة قيل

فكان مما قال الحمد لله الذي خلق الدنيا فجعلها دار فناء وزوال متصرفة بأهلها حالاً بعد حال فالمغرور من غرته والشقي من فتنته فلا تغرنكم هذه الدنيا فانها تقطع رجاء من ركن اليها وتخيب طمع من طمع فيها وأراكم قد اجتمعتم على امر قد أسخطتم الله فيه عليكم واعرض بوجهه الكريم عنكم وأحل بكم نقمتة وجنبكم رحمته فنعم الرب ربنا وبئس العبيد انتم أقررتم بالطاعة وآمنتم بالرسول محمد (ص) ثم إنكم زحفتم الى ذريته وعترته تريدون قتلهم لقد استحوذ عليكم الشيطان فأنساكم ذكر الله العظيم فتباً لكم ولما تريدون انا لله وانا اليه راجعون هؤلاء قوم كفروا بعد ايمانهم فبعداً للقوم الظالمين (فقال) ابن سعد ويلكم كلموه فانه ابن ابيه ، والله لو وقف فيكم هكذا يوماً جديداً لما انقطع ولما حصر (فتقدم) شمر فقال يا حسين ما هذا الذي تقول أفهمنا حتى نفهم ، فقال اقول اتقوا الله ربكم ولا تقتلوني فانه لا يحل لكم قتلي ولا انتهاك حرمتي فاني ابن بنت نبيكم وجدتي خديجة زوجة نبيكم ولعله بلغكم قول نبيكم : الحسن والحسين سيدا شباب اهل الجنة (ثم قال) اما بعد فانسبوني وانظروا من أنا ثم ارجعوا الى انفسكم وعاتبوها فانظروا هل يصلح ويحل لكم قتلي وانتهاك

المجالس السنية ـ الجزء الاول 93

حرمتي ألست ابن بنت نبيكم وابن وصيه وابن عمه واول المؤمنين بالله والمصدق برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبما جاء من عند ربه او ليس حمزة سيد الشهداء عم أبي أو ليس جعفر الطيار في الجنة بجناحين عمي او لم يبلغكم ما قال رسول الله «ص» لي ولأخي هذان سيدا شباب أهل الجنة فان صدقتموني بما اقول وهو الحق والله ما تعمدت كذبا مذ علمت ان الله يمقت عليه أهله وان كذبتموني فان فيكم من اذا سألتموه عن ذلك أخبركم ، سلوا جابر بن عبد الله الأنصاري وأبا سعيد الخدري وسهل بن سعد الساعدي والبراء بن عازب وزيد بن أرقم وأنس بن مالك يخبرونكم انهم سمعوا هذه المقالة من رسول الله «ص» لي ولأخي ، اما في هذا حاجز لكم عن سفك دمي (فقال) له شمر بن ذي الجوشن هو يعبد الله على حرف ان كان يدري ما تقول (فقال) له حبيب بن مظاهر والله اني لأراك تعبد الله على سبعين حرفاً وانا أشهد أنك صادق ما تدري ما يقول قد طبع الله على قلبك (ثم قال) لهم الحسين «ع» فان كنتم في شك من هذا أفتشكون في أني ابن بنت نبيكم فوالله ما بين المشرق والمغرب ابن بنت نبي غيري فيكم ولا في غيركم ، ويحكم أتطلبونني بقتيل منكم قتلته او مال لك استهلكته او بقصاص من جراحة . فأخذوا لا يكلمونه (فنادى) يا شبث بن ربعي ويا حجار بن أبجر ويا قيس بن الأشعث ويا يزيد بن الحارث ألم تكتبوا الي أن قد أينعت الثمار واخضرت الجنان وانما تقدم على جند لك مجندة فقال له قيس بن الأشعث ما ندري ما تقول ولكن انزل على حكم بني عمك فانهم لن يروك الا ما تحب (فقال) له الحسين عليه السلام لا والله لا اعطيكم بيدي اعطاء الذليل ولا اقر لكم اقرار العبيد .
بأبي أبي الضيم لا يعطي العدى حذر المنية منه فضل قـياد
بابي فـريداً أسلمته يـد الردى في دار غربته لجمع اعادي

* * *



المجالس السنية ـ الجزء الاول 94

المجلس الواحد والخمسون

لما كان يوم عاشوراء ركب الحسين (ع) ناقته وقيل فرسه وخرج الى الناس فاستنصتهم فأبوا ان ينصتوا له حتى قال لهم ويلكم ما علكم ان تنصوا لي فتسمعوا قولي وانما ادعوكم الى سبيل الرشاد فمن اطاعني كان من المرشدين ومن عصاني كان من المهلكين وكلكم عاص لامري غير مستمع قولي فقد ملئت بطونكم من الحرام وطبع على قلوبكم ويلكم ألا تنصتون ألا تسمعون فتلاوم اصحاب عمر بن سعد بينهم وقالوا انصتوا له فحمد الله واثنى عليه وذكره بما هو أهله وصلى على محمد (ص) وعلى الملائكة والأنبياء والرسل وابلغ في المقال (ثم قال) تبأ لكم أيتها الجماعة وترحاً أحين استصرختمونا والهين فأصرخناكم موجفين مؤدين مستعدين سللتم علينا سيفاً لنا في أيمانكم وحششتم علينا ناراً قد حناها على عدوكم وعدونا فأصبحتم الباً على أوليائكم ويداً عليهم لأعدائكم بغير عدل أفشوه فيكم ولا أمل أصبح لكم فيهم الا الحرام من الدنيا أنالوكم وخسيس عيش طمعتم فيه من غير حدث كان منا ولا رأي تفيل (1) لنا فهلا لكم الويلات اذ كرهتمونا وتركتمونا تجهزتموها والسيف مشيم (2) والجأش (3) طامن (4) والرأي لما يستحصف (5) ولكن أسرعتم اليها كطيرة الدبا (6) وتداعيتم اليها كتداعي الفراش فسحقاً لكم يا عبيد الأمة وشذاذ الأحزاب ونبذة الكتاب ونفثة الشيطان وعصبة الآثام ومحرفي الكتاب ومطفئي السنة وقتلة أولاد الأنبياء ومبيدي عترة الأوصياء وملحقي العهار بالنسب ومؤذي المؤمنين وصراخ أئمة المستهزئين الذين جعلوا

(1) تفيل الرأي أخطأ أضعف .
(2) مغمد .
(3) الجأش القلب والفكر .
(4) ساكن مطمئن .
(5) يستحكم .
(6) الدبا بفتح الدال وتخفيف الباء الجراد الصغير .
ـ المؤلف ـ
المجالس السنية ـ الجزء الاول 95

القرآن عضين ولبئس ما قدمت لهم أنفسهم وفي العذاب هم خالدون وأنتم ابن حرب وأشياعه تعضدون وعنا تخاذلون اجل والله الخذل فيكم معروف وشجت عليه أصولكم وتازرت عليه فروعكم وثبتت عليه قلوبكم وغشيت صدوركم فكنتم أخبث ثمر شجي للناظر وأكلة للغاصب الا لعنة الله على الناكثين الذين ينقضون الايمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلاً فأنتم والله هم ألا ان الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة والذلة وهيهات منا الذلة يأبى الله ذلك لنا ورسوله والمؤمنون وجدد طابت وحجور طهرت وأنوف حمية ونفوس أبية لا تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام الا قد اعذرت وأنذرت الا واني زاحف بهذه الأسرة مع قلة العدد وكثرة العدو وخذلان الناصر . ثم وصل عليه السلام كلامه بابيات فروة بن مسيك المرادي فقال :
فان نهـزم فهزامون قـدماً وان نغلب فغير مغلـبيا
وما ان طـبنا جبن ولـكن منايانا ودولـة آخـرينا
اذا ما الموت رفع عن اناس كلا كله أنـاخ بآخريـنا
فأفـنى ذلكم سروات قومي كما أفنى القرون الأولينا
فلو خلـد الملوك اذن خلدنا ولو بقي الكرام اذن بقينا
فقل للشـامتين بنا أفيقـوا سيلقى الشامتون كما لقينا

ثم قال أما والله لا تلبثون بعدها الا كريث ما يركب الفرس حتى تدور بكم دور الرحى وتقلق بكم قلق المحور فأجمعوا أمركم وشركاءكم ثم لا يكن عليكم غمة ثم اقضوا الي ولا تنظرون اني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة الا هو آخذ بناصيتها ان ربي على صراط مستقيم .
(ثم قال) ادعوا لي عمر بن سعد فدعي له وكان كارهاً لا يحب ان يأتيه فقال يا عمر أنت تقتلني وتزعم ان يوليك الدعي ابن الدعي بلاد الري وجرجان والله لا تتهنأ بذلك أبداً فاصنع ما أنت صانع فانك لا تفرح بعدي بدنياً ولا آخرة فاغتاظ ابن سعد من كلامه ثم صرف بوجهه عنه ونادى باصحابه ما

المجالس السنية ـ الجزء الاول 96

تنظرون به احملوا باجمعكم انما هي أكلة واحدة ثم وضع سهما في كبد قوسه فرمى به نحو عسكر الحسين عليه السلام وقال اشهدوا لي عند الأمير أني أول من رمى وأقلت السهام من القوم كانها القطر فلم يبق من أصحاب الحسين (ع) أحد الا اصابه من سهامهم فقال الحسين (ع) لأصحابه قوموا رحمكم الله الى الموت الذي لا بد منه فان السهام رسل القوم اليكم فاقتتلوا ساعة من النهار حملة وحملة حتى قتل من أصحاب الحسين (ع) جماعة .
فأبى ان يعيش الا عزيزا او تجلى الكفاح وهو صريع

المجلس الثاني والخمسون

لما رأى الحر بن يزيد أن القوم قد صمموا على قتال الحسين (ع) قال لعمر ابن سعد أمقاتل أنت هذا الرجل قال اي والله قتالاً أيسره ان تسقط الرؤوس وتطيح الايدي قال فما لكم فيما عرضه عليكم رضى قال اما لو كان الامر الي لفعلت ولكن أميرك قد أبى ، فأقبل الحر حتى وقف من الناس موقفاً ومعه رجل من قومه يقال له قرة بن قيس فقال له يا قرة هل سقيت فرسك اليوم قال لا ، قال فما تريد ان تسقيه قال قرة فظننت والله انه يريد ان يتنحى فلا يشهد القتال فكره ان اراه حين يصنع ذلك فقلت له لم اسقه وانا منطلق فأسقيه فاعتزل ذلك المكان الذي كان فيه فوالله لو اطلعني على الذي يريد لخرجت معه الى الحسين (ع) فأخذ الحر يدنو من الحسين (ع) قليلاً قليلاً فقال له المهاجر بن أوس ما تريد يا ابن يزيد أتريد ان تحمل فلم يجبه وأخذه مثل الافكل وهي الرعدة فقال له المهاجر ان امرك لمريب والله ما رأيت منك في موقف قط مثل هذا ولو قيل لي من اشجع اهل الكوفة ما عدوتك فما هذا الذي أرى منك ، فقال الحر اني والله أخير نفسي بين الجنة والنار فوالله لا أختار على الجنة شيئاً ولو قطعت

المجالس السنية ـ الجزء الاول 97

وحرقت ، ثم ضرب فرسه قاصداً الى الحسين «ع» ويده على رأسه وهو يقول اللهم اليك انيب فتب علي فقد ارعبت قلوب أوليائك وأولاد بنت نبيك وقال الحسين (ع) جعلت فداك يا ابن رسول الله انا صاحبك الذي حبستك عن الرجوع وسايرتك في الطريق وجعجعت بك في هذا المكان وما ظننت أن القوم يردون عليك ما عرضته عليهم ولا يبلغون منك هذه المنزلة والله لو علمت انهم ينتهون بك إلى ما أرى ما ركبت مثل الذي ركبت ، واني قد جئتك تائباً مما كان مني الى ربي مواسياً لك بنفسي حتى أموت بين يديك فهل ترى لي من توبة فقال له الحسين «ع» نعم يتوب الله عليك فانزل قال أنا فارساً خير مني راجلاً أقاتلهم على فرسي ساعة والى النزول يصير آخر أمري ، فقال له الحسين «ع» فاصنع يرحمك الله ما بدا لك ، فاستقدم أمام الحسين «ع»
فقال يا اهل الكوفة لأمكم الهبل والعبر (1) أدعوتم هذا العبد الصالح حتى إذا جاءكم أسلمتموه وزعمتم انكم قاتلوا انفسكم دونه ثم عدوتم عليه لتقتلوه وأمسكتم بنفسه وأخذتم بكظمه وأحطتم به من كل جانب لتمنعوه التوجه في بلاد الله العريضة فصار كالأسير في أيديكم لا يملك لنفسه نفعاً ولا يدفع عنها ضراً وحلأتموه ونساءه وصبيته وأهله عن ماء الفرات الجاري فهاهم قد صرعهم العطش بئسما خلفتم محمداً في ذريته لا سقاكم الله يوم الظمأ ، فحمل عليه رجال يرمونه بالنبل فرجع حتى وقف أمام الحسين «ع» وقال الحسين «ع» فاذا كنت أول من خرج عليك فائذن لي ان اكون اول قتيل بين يديك لعلي اكون ممن يصافح جدك محمداً صلى الله عليه وآله وسلم غدا في يوم القيامة فحمل على اصحاب عمر بن سعد وهو يتمثل بقول عنترة :
ما زلت أرميهم بغرة وجهه ولبانه حتى تسربل بالدم

ثم جعل يرتجز ويقول :
اني أنا الحر ومأوى الضيف أضرب في اعناقكم بالسيف


(1) العبر بكسر العين وفتح الباء جمع عبرة بفتح العين وسكون الباء وهي الحزن قبل خروج الدمع .
ـ المؤلف ـ
المجالس السنية ـ الجزء الاول 98

عن خير من حل بأرض الخيف أضربكم ولا أرى من حيف

وقاتل قتالاً شديدا وهو يرتجز ويقول :
اني انا الحر ونجل الحر اشجـع من ذي لبد هزبر
ولست بالجبان عند الكر لكنني الوقاف عـند الفر

حتى قتل ثمانية عشر رجلاً (وفي رواية) نيفاً واربعين رجلا ، وكان يحمل هو وزهير بن القين فاذا حمل احدهما وغاص فيهم حمل الآخر حتى يخلصه ثم حملت الرجالة على الحر وتكاثروا عليه حتى قتلوه فاحتمله اصحاب الحسين «ع» حتى وضعوه بين يدي الحسين «ع» وبه رمق فجعل يمسح التراب عن وجهه ويقول أنت الحر كما سمتك أمك حر في الدنيا والآخرة ، وروي انه أتاه الحسين «ع» ودمه يشخب فقال بخ بخ لك يا حر انت حر كما سميت في الدنيا والآخرة .
نصروا ابن بنت نبيهم طوبى لهم نالـوا بنصرته مـراتب ساميه
قـد جـاوروه ههـنا بقبورهـم وقصورهم يوم الجزاء متحاذيه

المجلس الثالث والخمسون

لما كان اليوم العاشر من المحرم جعل اصحاب الحسين «ع» يبرز الواحد منهم بعد الواحد فكانوا كما قيل فيهم :
قـوم اذا نـودوا لدفـع مـلمـة والخيل بين مدعس ومكردس
لبسوا القلوب على الدروع واقبلوا يتهافتون على ذهاب الأنفـس

فممن برز وهب بن حباب الكلبي وكانت معه أمه وزوجته فقالت امه قم يا بني فانصر ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال افعل يا اماه ولا اقصر ، فبرز وهو يقول :

المجالس السنية ـ الجزء الاول 99

سوف تروني وترون ضربي وحملتي وصولتي في الحرب
ادرك ثاري بعد ثار صحبي وادفع الـكرب امـام الكرب
ليس جهادي في الوغى باللعب

ثم حمل ولم يزل يقاتل حتى قتل جماعة ثم رجع الى امرأته وامه وقال يا اماه ارضيت قالت ما رضيت حتى تقتل بين يدي الحسين «ع» ، فقالت امرأته بالله عليك لا تفجعني بنفسك ، فقالت امه يا بني اعزب عن قولها وارجع فقاتل بين يدي ابن بنت نبيك تنل شفاعة جده يوم القيامة ، فرجع فلم يزل يقاتل حتى قطعت يداه واخذت امرأته عمودا ًوأقبلت نحوه وهي تقول فداك ابي وامي قاتل دون الطيبين حرم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأقبل كي يردها الى النساء فأخذت بجانب ثوبه وقالت لن اعود دون ان اموت معك فقال الحسين «ع» جزيتم من أهل بيت خير ارجعي الى النساء رحمك الله فانصرفت اليهن ، ولم يزل الكلبي يقاتل حتى قتل رضوان الله عليه (وخرج) عمرو بن قرظة الأنصاري وكان له أخ اسمه علي مع عمر بن سعد في غاية العناد والشقاق عكس اخيه هذا ، فاستأذن عمرو الحسين «ع» فأذن له فبرز وهو يرتجز ويقول :
قـد علمت كتـيبة الأنـصار اني سأحمي حوزة الـذمار
ضرب غلام غير نكس شاري دون حسين مهجتي وداري

فقاتل قتال المشتاقين الى الجزاء وبالغ في خدمة سلطان السماء حتى قتل جمعاً كثيراً من حزب ابن زياد وجمع بين سداد وجهاد وكان لا يأتي الى الحسين «ع» سهم إلا اتقاه بيده ولا سيف الا تلقاه بمهجته فلم يكن يصل الى الحسين «ع» سوء حتى اثخن بالجراح ، فالتفت الى الحسين «ع» وقال يا ابن رسول الله أوفيت قال نعم أنت أمامي في الجنة فأقرئ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عني السلام واعلمه اني في الأثر ، فقاتل حتى قتل رضوان الله عليه :
سطوا وأنابيب الرماح كأنها إجام وهم تحت الرماح اسود
ترى لهم عند القراع تباشراً كأن لـهم يوم الكـريهة عيد


المجالس السنية ـ الجزء الاول 100

المجلس الرابع والخمسون

لما كان اليوم العاشر من المحرم برز جون مولى أبي ذر الغفاري وكان بعد موت ابي ذر عند الحسن ثم صار عند الحسين عليهما السلام فصحبه في سفره من المدينة الى مكة ثم الى العراق وكان عبداً أسود : فقال له الحسين «ع» انت في اذن مني فانما تبعتنا للعافية فلا تبتل بطريقتنا ، فقال يا ابن رسول الله انا في الرخاء ألحس قصاعكم وفي الشدة اخذلكم ، لا والله لا افارقكم حتى يختلط هذا الدم الأسود مع دمائكم ، ثم برز وهو يقول :
كيف ترى الكفار ضرب الأسود بالسيف ضربا عن بني محمد
أذب عنـهم باللـسـان والـيد ارجو به الجنة يـوم الـمورد

ثم قاتل حتى قتل ، فوقف عليه الحسين «ع» فقال اللهم بيض وجهه وطيبه ريحه واحشره مع الأبرار وعرف بينه وبين محمد وآل محمد .
(وخرج) شاب قتل ابوه في المعركة وكانت امه معه فقالت له اخرج يا بني وقاتل بين يدي ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فخرج فقال الحسين «ع» هذا شاب قتل ابوه في المعركة ولعل امه تكره خروجه فقال الشاب امي امرتني بذلك ، فبرز وهو يقول :
اميري حسـين ونعـم الأمير سرور فؤاد البشير النذير
عـلي وفـاطـمـة والـداه فهل تعلمون له من نظير
له طلعة مثـل شمس الضحى له غرة مثل بدر منـير

وقاتل حتى قتل وحز رأسه ورمي به الى عسكر الحسين «ع» فحملت امه رأسه وقالت احسنت يا بني يا سرور قلبي ويا قرة عيني ثم رمت برأس ابنها

المجالس السنية ـ الجزء الاول 101

رجلا فقتلته واخذت عمود خيمة وحملت عليهم وهي تقول :
انا عجوز سيدي ضعيفة خـاويـة باليـة نحـيفة
اضربكم بضربة عنيفة دون بني فاطمة الشريفة

وضربت رجلين فأمر الحسين «ع» بصرفها ودعا لها .
يتسابقون الى المنية بينهم فكأنما هي غادة معطار

المجلس الخامس والخمسون

لما كان يوم عاشوراء واشتد القتال صاح عمرو بن الحجاج بالناس : يا حمقاء اتدرون من تقاتلون ، تقاتلون فرسان اهل المصر واهل البصائر وقوماً مستميتين لا يبرز اليهم منكم احد والله لو لم ترموهم إلا بالحجارة لقتلتموهم فقال ابن سعد صدقت ثم ارسل الى الناس من يعزم عليهم ان لا يبارز رجل منكم رجلا منهم (وحمل) شمر في الميسرة على ميسرة اصحاب الحسين «ع» فثبتوا له وطاعنوه وحملوا على الحسين «ع» واصحابه من كل جانب وقاتلهم اصحاب الحسين «ع» قتالاً شديداً فأخذت خيلهم تحمل وانما هي اثنان وثلاثون فارساً فلا تحمل على جانب من خيل الأعداء الا كشفته فلما رأى ذلك عزرة بن قيس وهو على خيل الأعداء بعث الى ابن سعد اما ترى ما تلقى خيلي هذا اليوم من هذه العدة اليسيرة ابعث اليهم الرجال والرماة وقاتل اصحاب الحسين «ع» القوم اشد قتال خلقه الله حتى انتصف النهار فبعث ابن سعد الحصين بن تميم في خمسمائة من الرماة فاقتتلوا حتى دنوا من الحسين «ع» واصحابه فلما رأوا صبر اصحاب الحسين «ع» تقدم الحصين الى اصحابه ان يرشقوا اصحاب الحسين «ع» بالنبل فرشقوهم فلم يلبثوا ان عقروا خيولهم وجرحوا الرجال وبقي الحسين «ع» وليس معه فارس

المجالس السنية ـ الجزء الاول 102

وحمل شمر حتى بلغ فسطاط الحسين «ع» فطعنه بالرمح ونادى علي بالنار حتى احرق هذا البيت على اهله ، فصاحت النساء وخرجن وصاح به الحسين «ع» انت تحرق بيتي على اهلي احرقك الله بالنار ، فقال حمد بن مسلم اتقتل الولدان والنساء والله ان في قتل الرجال لما يرضى به اميرك فلم يقبل فأتاه شبث بن ربعي فقال افزعن النساء ثكلتك امك فاستحيا وانصرف (وكان) يقتل من اصحاب الحسين «ع» الواحد والاثنان فيبين ذلك فيهم لقلتهم ويقتل من اصحاب ابن سعد العشرة فلا يبين ذلك فيهم لكثرتهم .
قـل الصحابـة غـير أن قليلـهم غـير القلـيل
من كل انيض واضح الـ ـحسبين معدوم المثيل

المجلس السادس والخمسون

لما كان يوم عاشوراء وحضر وقت صلاة الظهر قال ابو ثمامة الصيداوي للحسين «ع» يا ابا عبد الله نفسي لنفسك الفداء هؤلاء قد اقتربوا منك ولا والله لا تقتل حتى اقتل دونك واحب ان القى الله ربي وقد صليت هذه الصلاة فرفع الحسين «ع» رأسه الى السماء وقال ذكرت الصلاة جعلك الله من المصلين الذاكرين نعم هذا اول وقتها ثم قال سلوهم ان يكفوا عنا حتى نصلي ففعلوا فقال لهم الحصين بن تميم انها لا تقبل فقال له حبيب بن مظاهر زعمت لا تقبل الصلاة من آل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وانصارهم وتقبل منك يا خمار (وقال) الحسين «ع» لزهير بن القين وسعيد بن عبد الله الحنفي تقدما امامي حتى اصلي فتقدما امامه في نحو نصف من اصحابه حتى صلى بهم صلاة الخوف فوصل الى الحسين «ع» سهم فتقدم سعيد بن عبد الله ووقف يقيه من النبال بنفسه ما زال ولا تخطى فما زال يرمى

المجالس السنية ـ الجزء الاول 103

بالنبل حتى سقط الى الارض وهو يقول اللهم العنهم لعن عاد وثمود اللهم بلغ نبيك عني السلام وابلغه ما لقيت من ألم الجراح فاني اردت ثوابك في نصر ذرية نبيك (وفي رواية) انه قال اللهم لا يعجزك شيء تريده فابلغ محمدا صلى الله عليه وآله وسلم نصرتي ودفعي عن الحسين «ع» وارزقني مرافقته في دار الخلود ثم قضى نحبه رضوان الله عليه فوجد فيه ثلاثة عشر سهما سوى ما به من ضرب السيوف وطعن الرماح وفيه وفي الحر وزهير يقول الشاعر :
سعيد بن عـبد الله لا تنسـينه ولا الحر اذ آسى زهيراً على قصر
فلـو وقفت صم الجبال مكانهم لمادت على سهل ودكت على وعر
فمن قائم يستعرض النبل وجهه ومن مقـدم يلقى الاسـنة بالصدر

(وتقدم) سويد بن عمرو بن ابي المطاع وكان شريفاً كثير الصلاة شجاعاً مجرباً في الحروب فجعل يرتجز ويقول :
إقدم حسين اليوم تلقى احمدا وشيخك الحبر علياً ذا الندى
وحسناً كالبدر وافى الأسعدا وعمك القرم الهمام الأرشدا
حمزة ليث الله يـدعى اسدا وذا الجناحين تـبوا مقـعدا
في جنة الفردوس يعلوا صعدا

فقاتل قتال الاسد الباسل وبالغ في الصبر على الخطب النازل حتى سقط بين القتلى وقد اثخن بالجراح فلم يزل كذلك وليس به حراك حتى سمعهم يقولون قتل الحسين فتحامل واخرج سكيناً من خفه وجعل يقاتل حتى قتل رضوان الله عليه فكان آخر من قتل من اصحاب الحسين عليه السلام .
وعانقـوا شغـفاً بيض الظبا فكأن قد عانقـوا ثـم بيضا خـردا عـربا
ثووا عطاشى على البوغاء تحسبهم تحت الدجى في الفيافي الانجم الشهبا


السابق السابق الفهرس التالي التالي