المجالس السنية ـ الجزء الاول 69

لنساله فان عنده خبر الكوفة فمضينا اليه فقلنا السلام عليكم فقال وعليكما السلام . قلنا ممن الرجال قال أسدي قلنا له ونحن أسديان فمن أنت قال أنا بكر ابن فلان وانتسبنا له ثم قلنا أخبرنا عن الناس من ورائك قال لم اخرج من الكوفة حتى قتل مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة ورأيتهما يجران بأرجلهما في السوق ، فاقبلنا حتى لحقنا الحسين «ع» فسايرناه حتى نزل الثعلبية ممسياً فجئنا حين نزل فسلمنا عليه فرد علينا السلام فقلنا رحمك الله ان عندنا خبراً إن شئت حدثناك علانية وإن شئت سراً فنظر الينا وإلى أصحابه ثم قال ما دون هؤلاء سر فقلنا له رأيت الراكب الذي أستقبلته عشية أمس قال نعم وقد أردت مسالته فقلنا قد والله استبرأنا لك خبره وكفيناك مسالته وهو أمرؤ منا ذو رأي وصدق وعقل وإنه حدثنا انه لم يخرج من الكوفة حتى قتل مسلم وهانئ ورآهما يجران في السوق بارجلهما ، فقال إنا لله وإنا إليه راجعون رحمة الله عليهما يردد ذلك مراراً فقلنا له ننشدك الله في نفسك وأهل بيتك الا انصرفت من مكانك هذا فانه ليس لك بالكوفة ناصر ولا شيعة بل نتخوف أن يكونوا عليك ، فنظر إلى بني عقيل فقال ما ترون فقد قتل مسلم فقالوا والله لا نرجع حتى نصيب ثارنا أو نذوق ما ذاق فاقبل علينا الحسين «ع» وقال لا خير في العيش بعد هؤلاء فعلمنا انه قد عزم رأيه على المسير فقلنا له خار الله لك فقال رحمكما الله فقال له أصحابه انك والله ما أنت مثل مسلم ولو قدمت الكوفة لكان الناس اليك اسرع فسكت وارتج الموضع بالبكاء لقتل مسلم بن عقيل وسالت الدموع عليه كل مسيل . ولا باس أن يرتج هذا الموضع بالبكاء حزناً لقتل مسلم بن عقيل فمسلم هو الذي وصفه الحسين «ع» في كتابه إلى أهل الكوفة بقوله اني باعث اليكم أخي وابن عمي وثقتي من أهل بيتي مسلم بن عقيل وكفى بهذه الشهادة من الحسين «ع» في جلالة قدر مسلم ان يكون ثقة الحسين «ع» من أهل بيته ومسلم رضوان الله عليه اول قتيل من أهل البيت في نصرة الحسين عليه السلام وجثته أول جثة صلبت ورأسه أول رأس حمل منهم

المجالس السنية ـ الجزء الاول 70

وأول رجل قتل عطشان منهم .
يا مسلم بن عقيل لا اغب ثرى ضريحك المزن هطالا وهـتانا
ولو تكون بسقياه السما بخلـت سقيته من دموع العين غـدرانا
بذلت نفسك في مرضاة خالقها حتى قضيت بسيف البغي ظمآنا

المجلس الثامن والثلاثون

لما نزل الحسين عليه السلام زبالة وهو متوجه إلى الكوفة أتاه بها مقتل عبد الله بن يقطر وهو أخو الحسين «ع» من الرضاعة وقيل كانت أم عبد الله هذا مربية للحسين «ع» فكان عبد الله من لدات الحسين «ع» وأقرانه في السن ولذلك اطلق عليه انه أخوه من الرضاعة وان الحسين «ع» لم يرضع من غير ثدي امه فاطمة«ع» وكان الحسين «ع» أرسله مع مسلم بن عقيل إلى الكوفة فلما رأى مسلم الخذلان بعث عبد الله بن يقطر الى الحسين «ع» يخبره بذلك له ، وكان ابن زياد قد نظم الخيل مع الحصين بن تميم صاحب شرطته على الطرقات بين البصرة والقادسية فلا يدعون أحداً يلج ولا أحداً يخرج فقبض الحصين على عبد الله بن يقطر وأرسله إلى ابن زياد فقال له ابن زياد اصعد فوق القصر والعن الكذاب ابن الكذاب ثم انزل حتى أرى فيك رأيي فصعد فوق القصر فلما أشرف على الناس لعن عبيد الله بن زياد وأباه ودعا إلى نصر الحسين عليه السلام فالقاه بن زياد من أعلى القصر فمات (1) وكان قتل مسلم بن عقيل

(1) وقع اشتباه هنا من بعض المؤرخين بين قصة قيس بن مسهر الصيداوي رسول حسين «ع» إلى أهل الكوفة الذي قبض عليه الحصين بن تميم وارسله الى ابن زياد فامره ان يسب الحسين وأباه ففعل ضد ذلك فالقاه من اعلى القصر وبين قصة عبد الله بن يقطر الذي أرسله ابن عقيل الى الحسين فقبض عليه الحصين أيضاً وجرى له نظير ما جرى لقيس .
ـ المؤلف ـ
المجالس السنية ـ الجزء الاول 71

وهانيء fبن عروة بلغ الحسين «ع» وهو بزرود وقيل بلغه أيضاً بزبالة فلما بلغ الحسين «ع» خبر عبد الله بن يقطر أخرج إلى الناس كتاباً فقرأه عليهم .
وفيه : بسم الله الرحمن الرحيم «أما بعد» فانه قد أتاني خبر فظيع قتل مسلم بن عقيل وهانئ بن عروة وعبد الله بن يقطر وقد خذلنا شيعتنا فمن أحب منكم الانصراف فلينصرف في غير حرج ليس عليه ذمام . فتفرق الناس عنه واخذوا يميناً وشمالاً حتى بقي في أصحابه الذين جاءوا معه من المدينة ونفر يسير ممن انضموا اليه من أهل البصائر والنيات الصادقة وانما فعل ذلك لئلا يتبعه من ليس له بصيرة نافذة ولا نية صادقة ولا يريد مواساته والقتال معه فان هؤلاء لا فائدة في صحبتهم . ولقيه الفرزدق الشاعر عائداً من الحج فقال يا ابن رسول الله كيف تركن إلى أهل الكوفة وهم الذين قتلوا ابن عمك مسلم بن عقيل وشيعته فاستعبر الحسن عليه السلام ثم قال رحم الله مسلماً فلقد صار إلى روح الله وريحانه وتحياته ورضوانه أما انه قد قضى ما عليه وبقي ما علينا ثم أنشأ يقول :
فـان تـكن الـدنيا تعد نفيسـة فـان ثـواب الله أعـلى وأنـبـل
وان تكن الابدان للموت انشـئت فقـتل امرئ بالسيف في الله افضل
وان تـكن الأرزاق قسماً مقدراً فقلة حرص المرء في السعي أجمل
وان تكن الأموال للترك جمعها فما بـال متروك به الـمرء يبخل

* * *


يا ابن النبي كم احتملت فجائعاً من هولها شم الجبال تصدع

المجلس التاسع والثلاثون

لما نزل الحسين «ع» ببطن العقبة لقيه شيخ من بني عكرمة يقال له عمرو بن

المجالس السنية ـ الجزء الاول 72

يؤذان فسأله اين تريد فقال الحسين عليه السلام الكوفة فقال الشيخ أنشدك الله لما انصرفت فوالله ما تقدم الا على الاسنة وحد السيوف وان هؤلاء الذين بعثوا اليك لو كانوا كفوك مؤونة القتال ووطأوا لك الأشياء فقدمت عليهم كان ذلك رأيا فاما على هذه الحال التي تذكر فاني لا أرى لك ان تفعل فقال له الحسين عليه السلام يا عبد الله ليس يخفى علي الرأي ولكن الله تعالى لا يغلب على امره ثم قال عليه السلام والله لا يدعوني حتى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي فاذا فعلوا سلط الله عليهم من يذلهم حتى يكونوا أذل فرق الأمم (ثم) سار عليه السلام من بطن العقبة حتى نزل شراف فلما كان في السحر أمر فتيانه فاستقوا من الماء فاكثروا ثم سار منها حتى انتصف النهار فبينا هو يسير اذ كبر رجل من اصحابه فقال الحسين عليه السلام الله اكبر لم كبرت قال رأيت النخل فقال له جماعة من اصحابه والله ان هذا المكان ما رأينا به نخلة قط فقال لهم الحسين عليه السلام فما ترونه قالوا نراه والله اسنة الرماح وآذان الخيل قال وانا والله ارى ذلك ثم قال «ع» ما لنا ملجأ نلجأ اليه فنجعله في ظهورنا ونستقبل القوم بوجه واحد فقالوا له بلى هذا هو ذو حسم (1) (وهو جبل) الى جنبك فمل اليه عن يسارك فإن سبقت اليه فهو كما تريد فأخذ اليه ذات اليسار وملنا معه فما كان باسرع من ان طلعت علينا هوادي (2) الخيل فتبيناها وعدلنا فلما رأونا عدلنا عن الطريق عدلوا الينا كأن أسنتهم اليعاسيب (3) وكأن راياتهم

(1) بحاء وسين مهملتين مضمومتين وميم جبل كان النعمان يصطاد فيه وفيه يقول مهلهل :
أليلتنا بذي حسم انيري اذا انت انقضيت فلا تحوري

(2) جمع هادي وهو العنق
(3) جمع يعسوب وهو امير النحل وذكرها وضرب من الحجلان وطائر صغير .

ـالمؤلف ـ

المجالس السنية ـ الجزء الاول 73

اجنحة الطير فاستبقنا الى ذي حسم فسبقناهم اليه وامر الحسين عليه السلام بأبنيته فضربت وجاء القوم زهاء (1) الف فارس مع الحر بن يزيد التميمي حتى وقف هو وخيله مقابل الحسين «ع» في حر الظهيرة والحسين «ع» واصحابه معتمون متقلدو اسيافهم فقال الحسين «ع» لفتيانه أسقوا القوم وأرووهم من الماء وارشفوا الخيل ترشيفا اي اسقوها قليلاً فاقبلوا يملأوون القصاع والطساس من الماء ثم يدنونها من الفرس فاذا عب فيها ثلاثاً أو اربعاً او خمساً عزلت عنه وسقوا آخر حتى سقوها عن آخرها قال علي بن الطعان المحاربي كنت مع الحر يؤمئذ فجئت في آخر من جاء من اصحابه فلما رأى الحسين «ع» ما بي وبفرسي من العطش قال انخ الراوية والراوية عندي السقاء ثم قال يا ابن الأخ انخ الجمل فانخته (2) فقال اشرب فجعلت كلما شربت سال الماء من السقاء فقال الحسين «ع» اخنث السقاء اي اعطفه فلم ادر كيف افعل فقام فخنثه بيده فشربت وسقيت فرسي (اقول) ان هذا لهو غاية الجود ونهاية الكرم ان يسقي الحسين «ع» اعداءه الذين جاؤوا لمحاربته وهم مقدار الف فارس فسقاهم الماء مع خيولهم في تلك الأرض القفراء التي لا ماء فيها ولا كلأ ولا عجب اذا صدر مثل هذا الجود من الحسين «ع» وهو معدن الجود والكرم
هو البحر من اي النواحي اتيته فلجته المعروف والجود ساحله
ولو لم يكن في كفه غير نفسه لجـاد بها فليتـق الله سائلـه

ولكن بئسما جزى هؤلاء القوم الحسين عليه السلام عن سقيه إياهم الماء وإيثارهم على نفسه فقد كان جزاؤهم منهم ان حالوا بينه وبين الماء ووضعوا اربعة

(1) اي قدر .
(2) الراوية في لسان اهل الحجاز اسم للجمل الذي يستقى عليه وفي لسان العراق اسم للسقاء الذي فيه الماء لذلك لم يفهم مراد الحسين عليه السلام حتى قال انخ الجمل .
ـ المؤلف ـ
المجالس السنية ـ الجزء الاول 74

آلاف على المشرعة ومنعوه واصحابه وعياله واطفاله ان يستقوا من الماء قطرة واحدة وذلك قبل قتله «ع» بثلاثة ايام
بأبي وغـير ابي اميراً ظامـيا منعته حرب من ورود فراتها
حتى قضـى عطشاً قتيل اراذل تستحقر الشفتان ذم صفاتهـا

المجلس الاربعون

لما التقى الحر مع الحسين «ع» قال له الحسين «ع» ألنا أم علينا فقال بل عليك يا أبا عبد الله فقال الحسين «ع» لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم فلم يزل الحر مواقفاً للحسين «ع» حتى حضرت صلاة الظهر فأمر الحسين «ع» الحجاج بن مسروق ان يؤذن فلما حضرت الاقامة خرج الحسين «ع» في إزار ورداء ونعلين فحمد الله وأثنى عليه ثم قال ايها الناس انها معذرة الى الله واليكم اني لم آتكم حتى أتتني كتبكم وقدمت علي رسلكم ان اقدم علينا فانه ليس لنا إمام لعل الله يجمعنا بك على الهدى والحق فان كنتم على ذلك فقد جئتكم فاعطوني ما اطمئن اليه من عهودكم ومواثيقكم وان لم تفعلوا وكنتم لقدومي كارهين انصرفت عنكم الى المكان الذي جئت منه اليكم ، فسكتوا فقال للمؤذن أقم فاقام الصلاة فقال للحر اتريد ان تصلي بأصحابك قال لا بل تصلي انت ونصلي بصلاتك فصلى بهم الحسين «ع» فلما كان وقت العصر امر الحسين «ع» ان يتهئيوا للرحيل ففعلوا ثم امر مناديه فنادى بالعصر واقام فاستخدم الحسين«ع» وقام فصلى ثم سلم وانصرف اليهم بوجهه فحمد الله وأثنى عليه ثم قال اما بعد ايها الناس فانكم ان تتقوا وتعرفوا الحق لأهله يكن ارضى لله عنكم ونحن اهل بيت محمد اولى بولاية هذا الأمر عليكم من هؤلاء المدعين ما ليس لهم والسائرين فيكم بالجور والعدوان وان أبيتم إلا الكراهية لنا والجهل بحقنا وكان رأيكم

المجالس السنية ـ الجزء الاول 75

الآن غير ما أتتني به كتبكم وقدمت علي رسلكم انصرفت عنكم ، فقال له الحر انا والله ما أدري ما هذه الكتب والرسل التي تذكر ، فقال الحسين «ع» لبعض اصحابه يا عقبة بن سمعان (1) أخرج الخرجين اللذين فيهما كتبهم الي فأخرج خرجين مملوءين صحفاً فنثرت بين يديه فقال له الحر إنا لسنا من هؤلاء الذين كتبوا اليك وقد امرنا اذا نحن لقيناك لا نفارقك حتى نقدمك الكوفة على عبيد الله ، فقال له الحسين «ع» الموت أدنى اليك من ذلك ثم قال لأصحابه قوموا فاركبوا فركبوا وانتظر هو حتى ركبت نساؤه .
بأبي أنت وأمي يا أبا عبد الله لم ترض ان تركب ولا ان تسير قدماً واحداً قبل ركوب النساء مع ان الذين يركبونهن مثل علي الأكبر والعباس بن أمير المؤمنين وسائر بني هاشم فياليتك لاغبت عن نسائك واخواتك وبناتك يوم الحادي عشر من المحرم حين جاؤوا اليهن بالجمال وليس معهن ولي ولا كافل غير ولدك زين العابدين وهو مريض لا يستطيع النهوض وابن أخيك الحسن بن الحسن الذي كان مثخناً بالجراح واطفال صغار وأظن ان المتولية لذلك كانت اختك زينب فهى التي ركبت العليل والجريح والنساء والاطفال وقامت في ذلك مقام الرجال حتى لم يبق من يركبها فركبت بنفسها ،
لمن السبايا المعجلات ضجرن من ادلاج عـجف تشتكي عثراتها
الله اكـبر يـا لها مـن وقـعـة ذابت لها الأحشاء في حرقاتها


(1) هو مولى الرباب ابنة امرئ القيس الكلبية زوجة الحسين «ع» ولما قتل الحسين «ع» اخذه عمر بن سعد فقال ما انت فقال انا عبد مملوك فخلى سبيله ، ولم ينج من اصحاب الحسين عليه السلام غيره وغير رجل آخر ولذلك كان كثير من روايات الطف منقولاً عنه .
ـ المؤلف ـ
المجالس السنية ـ الجزء الاول 76

المجلس الواحد والاربعون

لما التقى الحسين عليه السلام مع الحر واصحابه ومنعه الحر من الرجوع قال الحر اني لم أؤمر بقتالك إنما أمرت ان لا أفارقك حتى اقدمك الكوفة فاذا ابيت فخذ طريقاً لا يدخلك الكوفة ولا يردك الى المدينة حتى اكتب إلى الأمير عبيد الله بن زياد فتياسر الحسين «ع» وسار والحر يسايره فقال له الحر اني أذكرك الله في نفسك فاني أشهد لئن قاتلت لتقتلن فقال الحسين (ع) أفبالموت تخوفني وهل يعدو بكم الخطب ان تقتلوني وسأقول كما قال أخو الأوس لأبن عمه وهو يريد نصرة رسول الله (ص) فخوفه ابن عمه وقال اين تذهب فانك مقتول فقال :
سأمضي وما بالموت عار على الفتى إذا ما نوى حقاً وجـاهد مسلـما
وواسـى الرجال الصالحـين بنفسه وفارق مثـبوراً وودع مـحرمـا
اقـدم نـفـسي لا اريـد بقـاءهـا لتلقى خمسياً في الوغى وعرمرما
فان عشت لم انـدم وان مت لـم الم كفى بـك ذلا ان تعـيش وترغما

ولم يزل الحسين (ع) سائراً حتى انتهوا إلى العذيب فاذا هم بأربعة نفر قد اقبلوا من الكوفة لنصرة الحسين (ع) على رواحلهم وهم عمرو بن خالد الصيداوي ومجمع العائذي وابنه عبد الله وجنادة بن الحارث السلماني ويجنبون فرساً لنافع ابن هلال الجملي يقال له الكامل قد ارسل معهم وقيل أن نافعاً كان معهم ومعه فرسه ومعهم موليان لعمرو والحارث ودليل يقال له الطرماح بن عدي كان قد جاء إلى الكوفة يمتار لأهله طعاماً فسار بهم على غير الجادة فأراد الحر ان يعارضهم فمنعه الحسين (ع) من ذلك وقال لهم الحسين (ع) هل لكم علم برسولي قيس بن مسهر قالوا نعم قتله ابن زياد فترقرقت عينا الحسين (ع) ولم يملك دمعته ثم قال «منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً»

المجالس السنية ـ الجزء الاول 77

اللهم اجعل لنا ولهم الجنة نزلاً واجمع بيننا وبينهم في مستقر من رحمتك ورغائب مذخور ثوابك وقال الحسين عليه السلام لأصحابه هل فيكم احد يعرف الطريق على غير الجادة فقال الطرماح نعم يا ابن رسول الله انا اخبر الطريق قال سر بين أيدينا فسار الطرماح امامهم وجعل يرتجز ويقول (1) :
يا ناقتي لا تذعري من زجري وامضي بنا قبل طلوع الفجر
بخـير فتـيان وخـير سفـر آل رسـول الله آل الـفـخر
السادة البيض الوجوه الـزهر الطاعنـين بالرمـاح السمـر
الضاربـين بالسـيوف البـتر حـتى تحـلي بكريـم النـجر
الماجد الـجد الرحيب الصدر صـابـه الله بخـيــر أمـر
عـمـره الله بقـاء الـدهـر يا مالك النفـع مـعاً والـضر
أيـد حسيناً سيـدي بالنـصر عـلى الطـغاة من بقايا الكفر

ولم يزل الحسين (ع) سائراً حتى أنتهى إلى قصر بني مقاتل فنزل به ثم

(1) في بعض الروايات انه لما قارب الحسين (ع) مع اصحابه الأربعة جعل يحدو بهم ويقول :
يا ناقتي لا تذعري من زجري وشمري قبل طلـوع الفجر
بخيـر ركبـان وخيـر سفر حتى تحلي بكريـم النجـر
الماجد الحر الرحيـب الصدر أتى بـه الله لخـيـر أمر
ثمة ابقاه بقاء الدهر

وقوله حتى تحلي بكريم النجر يدل على انه قالها قبل ملاقاة الحسين (ع) فيمكن ان يكون اعادها ثانياً او عاد بعضها وزاد عليها ووقع اشتباه من الرواة فيها ويمكن ان يكون قد زيد فيها من غيره والله اعلم .
ـ المؤلف ـ
المجالس السنية ـ الجزء الاول 78

ارتحل منه ليلاً ، قال عقبة بن سمعان فخفق وهو على ظهر فرسه خفقة ثم انتبه وهو يقول إنا لله وإنا إليه راجعون والحمد لله رب العالمين ففعل ذلك مرتين أو ثلاثاً فأقبل اليه ابنه علي بن الحسين عليهما السلام فقال يا أبه جعلت فداك مم حمدت واسترجعت قال يا بني إني خفقت خفقة فعن لي فارس على فرس وهو يقول القوم يسيرون والمنايا تسير اليهم فعلمت انها أنفسنا نعيت الينا فقال له يا أبه لا أراك الله سوء ألسنا على الحق قال بلى والذي اليه مرجع العباد قال اذاً لا نبالي ان نموت محقين فقال له الحسين (ع) جزاك الله من ولد خير ما جزى ولداً عن والده .
افدي القـروم الأولى سارت ركائبهم والموت خلفهم يسري على الأثر
سل كربلاء كم حوت منهم بدور دجى كـأنـهـا فلك للأنجـم الزهـر

المجلس الثاني والاربعون

لما كان الحر يساير الحسين (ع) لم يزل يسايره حتى انتهوا إلى نينوى فجاء كتاب عبيد الله بن زياد إلى الحر أما بعد فجعجع بالحسين (أي ضيق عليه) ولا تنزله إلا بالعراء في غير حصن وعلى غير ماء فمنعهم الحر وأصحابه من المسير وأخذهم بالنزول في ذلك المكان على غير ماء ولا قرية فقال الحسين (ع) ألم تأمرنا بالعدول عن الطريق قال بلى ولكن كتاب الأمير عبيد الله قد وصل يأمرني فيه بالتضييق عليك وقد جعل علي عيناً يطالبني بذلك ، فقال له الحسين (ع) دعنا ويحك ننزل في هذه القرية أو هذه يعني نينوى والغاضرية فقال لا أستطيع هذا رجل قد بعث علي عيناً فقال زهير بن القين للحسين (ع) اني والله لا ارى ان يكون بعد الذي ترون إلا أشد مما ترون يا ابن رسول الله إن قتال هؤلاء الساعة أهون علينا من قتال من يأتينا بعدهم فلعمري ليأتينا من

المجالس السنية ـ الجزء الاول 79

بعدهم ما لا قبل لنا به فقال الحسين (ع) ما كنت . لأبدأهم بالقتال فقال له زهير فسر بنا يا ابن رسول الله حتى ننزل كربلاء فانها على شاطئ الفرات فنكون هناك فان قاتلونا قاتلناهم واستعنا الله عليهم قال فدمعت عينا الحسين (ع) ثم قال اللهم اني أعوذ بك من الكرب والبلاء (ثم) قام الحسين (ع) خطيباً في أصحابه فحمد الله واثنى عليه ثم قال انه قد نزل بنا من الأمر ما قد ترون وان الدنيا تغيرت وتنكرت وادبر معروفها واستمرت حذاءً (1) ولم يبق منها إلا صبابة كصبابة الاناء وخسيس عيش كالمرعى الوبيل ألا ترون إلى الحق لا يعمل به وإلى الباطل لا يتناهى عنه ليرغب المؤمن في لقاء ربه محقاً فاني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما (فقام) زهير بن القين فقال قد سمعنا هداك الله يا ابن رسول الله مقالتك ولو كانت الدنيا لنا باقية وكنا فيها مخلدين لآثرنا النهوض معك على الاقامة فيها (ووثب) نافع بن الهلال الجملي فقال من نكث عهده وخلع بيعته فلن يضر إلا نفسه والله مغن عنه فسر بنا راشداً معافى مشرقاً إن شئت وإن شئت مغرباً فوالله ما اشفقنا من قدر الله ولا كرهنا لقاء ربنا وانا على نياتنا وبصائرنا نوالي من والاك ونعادي من عاداك (وقام) برير بن خضير فقال والله يا ابن رسول الله لقد من الله بك علينا أن نقاتل بين يديك وتقطع فيك اعضاؤنا ثم يكون جدك شفيعنا يوم القيامة (ثم) ان الحسين «ع» قام وركب وكلما أراد المسير يمنعونه تارة ويسايرونه اخرى حتى بلغ كربلاء في اليوم الثاني من المحرم فلما وصلها قال ما اسم هذه الأرض فقيل كربلاء فقال اللهم اني اعوذ بك من الكرب والبلاء (ثم) اقبل على أصحابه

(1) الحذاء بالحاء المهملة والذال المعجمة المشددة الناقة الخفيفة الذنب أو السريعة الخفيفة اوالسريعة الماضية التي لا يتعلق بها شيء او الرحم التي لم توصل فمعنى استمرت حذاء اي لم يبق منها الا مثل ذنب الأحذ أو حذاء سريعة الادبار أو سريعة خفيفة أو قد انقطع آخرها كالرحم المقطوعة .
ـ المؤلف ـ
المجالس السنية ـ الجزء الاول 80

فقال : الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درت معايشهم فاذا محصوا بالبلاء قل الديانون (ثم) قال أهذه كربلاء قالوا نعم يا ابن رسول الله فقال هذا موضع كرب وبلاء انزلوا ههنا مناخ ركابنا ومحط رحالنا ومقتل رجالنا ومسفك دمائنا فنزلوا جميعاً ونزل الحر وأصحابه ناحية (ثم) ان الحسين «ع» جمع ولده وأخوته واهل بيته فنظر اليهم ساعة ثم قال اللهم انا عترة نبيك محمد (ص) وقد ازعجنا وطردنا وأخرجنا عن حرم جدنا وتعدت بنو أمية علينا اللهم فخذ لنا بحقنا وانصرنا على القوم الظالمين
هي كربلاء فقف على عرصاتها ودع الجفون تسح في عبراتها
سلـها بأي قرى تعاجلت الأولى نزلوا ضيوفاً عنـد قفر فلاتها
ما بالها لـم تـروهم مـن مائها حتى تروت من دمـا رقباتها

المجلس الثالث والأربعون

لما نزل الحسين بأرض كربلاء دعا جوناً مولى أبي ذر الغفاري فجعل جون يصلح له سيفه استعداداً للحرب والحسين «ع» يقول (1) .
يا دهر أف لك من خليل كم لك بالاشراق والأصيل
من طالب وصاحب قتيل والدهـر لا يقـنع بالبديل


(1) في بعض الروايات ان الحسين «ع» جلس يصلح سيفه ويقول هذه الأبيات ، وفي رواية اخرى ان المصلح للسيف هو جون وهو الأقرب إلى الاعتبار فان موالي الحسين «ع» وخدمه لم يكونوا ليدعوه يصلح سيفه ويعالجه بيده وهم ينظرون والرواية الأولى اشتباه من قول الراوي وعنده جون وهو يصلح سيفه فلذاك اعتمدنا على الرواية الثانية .
ـ المؤلف ـ
المجالس السنية ـ الجزء الاول 81

وكل حي سالك سبيلي ما أقرب الوعد من الرحيل
وإنما الأمر إلى الجليل

فسمعت أخته زينب بنت فاطمة عليهما السلام ذلك فقالت يا أخي هذا كلام من أيقن بالقتل ، فقال نعم يا أختاه ، فقالت زينب واثكلاه ينعى الحسين إلي نفسه وبكى النسوة وجعلت أم كلثوم تنادي وامحمداه واعلياه واأماه واأخاه واحسيناه واضيعتنا بعدك يا أبا عبد الله ، فعزاها الحسين «ع» ثم قال يا أختاه يا أم كلثوم وأنت يا زينب وأنت يا فاطمة وأنت يا رباب انظرن إذا أنا قتلت فلا تشققن علي جيباً ولا تخمشن علي وجهاً ولا تقلن هجراً (وفي رواية) عن زين العابدين «ع» ان الحسين «ع» قال هذه الأبيات عشية اليوم التاسع من المحرم ، قال علي بن الحسين عليهما السلام : إني جالس في تلك الليلة التي قتل أبي في صبيحتها وعندي عمتي زينب تمرضني اذ اعتزل أبي في خباء له وعنده جون مولى أبي ذر الغفاري وهو يعالج سيفه ويصلحه وأبي ينشد تلك الأبيات فأعادها مرتين أو ثلاثا حتى فهمتها وعرفت ما أراد فخنقتني العبرة فرددتها ولزمت السكوت وعلمت أن البلاء قد نزل ، واما عمتي فانها لما سمعت ما سمعت وهي امرأة ومن شان النساء الرقة والجزع لم تملك نفسها ان وثبت تجر ثوبها حتى انتهت اليه و نادت واثكلاه ليت الموت أعدمني الحياة اليوم ماتت أمي فاطمة وأبي علي وأخي الحسن يا خليفة الماضي وثمال الباقي فنظر اليها الحسين «ع» وقال يا أخيه لا يذهبن حلمك الشيطان فقالت بأبي وأمي أتستقل نفسي لك الفداء فردت عليه غصته وترقرقت عيناه بالدموع ثم قال (لو ترك القطا ليلاً لنام) فقالت يا ويلتاه أفتغتصب نفسك إغتصاباً فذلك اقرح لقلبي وأشد على نفسي وخرت مغشية عليها فقام اليها الحسين «ع» فصب على وجهها الماء حتى أفاقت فقال لها الحسين يا أختاه تعزي بعزاء الله فكان سكان السموات يفنون وأهل الأرض كلهم يموتون وجميع البرية يهلكون وكل شيء هالك الاوجهه الذي خلق بقدرته ويبعث

المجالس السنية ـ الجزء الاول 82

الخلق ويعيدهم وهو فرد وحده جدي خير مني وأبي خير مني وأمي خير مني وأخي خير مني ولي ولكل مسلم برسول الله «ص» اسوة ثم قال لها يا أختاه اني أقسمت عليك فأبري قسمي لا تشقي علي جيباً ولا تخمشي علي وجها ولا تدعي علي بالويل والثبور اذا أنا هلكت .
اخت يـا زينـب او صيك وصايا فاسمعي
انني فـي هـذه الـ أرض ملاق مصرعي
فانظمي حال اليتامى بعـد فقـدي واجمعي
واصبري فالصبر من خـيم كـرام المنـزع
كـل حـي سيـنحـ ـيه عن الأحياء حين
واجمعي شمل اليتامى بعـد فقـدي وأنظمي
أطعمي من جاع منهم ثم روي مـن ظـمي
واعلـمي انـي فـي حفـظهم طـل دمـي
لـيتـني بـينـهـم كالأنـف بين الحاجبين

المجلس الرابع والاربعون

لما بلغ عبيد الله بن زياد نزول الحسين عليه السلام بكربلاء ندب عمر بن سعد ابن أبي وقاص لقتاله وكان قد ولاه الري فاستعفاه من قتال الحسين عليه السلام فقال نعم على ان ترد علينا عهدنا بولاية الري فشاور عمر نصحاءه فنهوه عن ذلك فلم يقبل واختار الدنيا على الآخرة . (وسار) ابن سعد لقتال الحسين «ع» ومعه أربعة آلاف وما زال ابن زياد يمده بالعساكر حتى تكمل عنده عشرون الف فارس لست ليال خلون من المحرم واتبعه ببقية العسكر فكمل عنده ثلاثون ألفاً وأرسل بن سعد إلى الحسين «ع» رسولاً يسأله ما الذي جاء به فقال

المجالس السنية ـ الجزء الاول 83

له الحسين «ع» كتب إلي أهل مصركم هذا أن اقدم فاما إذا كرهتموني فإني انصرف عنكم فانصرف إلى ابن سعد فأخبره فقال أرجو ان يعافيني الله من أمره وكتب إلى ابن زياد بذلك فلما قرأ الكتاب قال :
الآن اذ علقت مخالبنا به يرجو النجاة ولات حين مناص

ثم كتب إلى ابن سعد ان أعرض على الحسين ان يبايع ليزيد هو وجميع أصحابه فاذا هو فعل ذلك رأينا رأينا ، فقال ابن سعد قد خشيت ان لا يقبل ابن زياد العافية وورد كتاب ابن زياد في الأثر إلى ابن سعد ان حل بين الحسين واصحابه وبين الماء فلا يذوقوا منه قطرة كما صنع بالتقي الزكي عثمان ابن عفان ، فبعث عمر في الوقت عمرو ابن الحجاج الزبيدي في خمسمائة فارس فنزلوا على الشريعة وحالوا بين الحسين عليه السلام واصحابه وبين الماء فمنعوهم ان يستقوا منه قطرة وذلك قبل قتل الحسين عليه السلام بثلاثة أيام (وجاء) تميم بن الحصين الفزاري فناد يا حسين ويا أصحاب حسين أماترون ماء الفرات يلوح كأنه بطون الحيات والله لا ذقتم منه قطرة حتى تذوقوا الموت جرعاً .
منعـوه مـن مـاء الفـرات وورده وأبوه ساقي الحوض يوم جزاء
حتى قضى عطشاً كما اشتهت العدى بأكـف لا صيـد ولا أكـفاء

المجلس الخامس والأربعون

لما ضيق القوم على الحسين «ع» حتى نال منه العطش ومن اصحابه قال له برير ابن خضير الهمداني يا ابن رسول الله أتأذن لي ان اخرج إلى القوم فأذن له فخرج اليهم فقال يا معشر الناس ان الله عزوجل بعث محمداً بالحق بشيراً ونذيراً وداعياً الى الله باذنه وسراجاً منيراً ، وهذا ماء الفرات تقع فيه الخنازير السواد وكلابه وقد حيل بينه وبين إبنه فقالوا يا برير قد اكثرت الكلام فاكفف والله

المجالس السنية ـ الجزء الاول 84

ليعطش الحسين كما عطش من كان قبله ، فقال الحسين «ع» اقعد يا برير ثم وثب الحسين «ع» متوكئاً على قائم سيفه ونادى بأعلى صوته فقال : أنشدكم الله هل تعرفونني قالوا نعم انت ابن رسول الله (ص) وسبطه ، قال أنشدكم الله هل تعلمون أن جدي رسول الله (ص) قالوا اللهم نعم ، قال انشدكم الله هل تعلمون ان امي فاطمة بنت محمد«ص» قالوا اللهم نعم ، قال انشدكم الله هل تعلمون ان أبي علي بن أبي طالب «ع» قالوا اللهم نعم ، قال انشدكم الله هل تعلمون ان جدتي خديجة بنت خويلد اول نساء هذه الأمة إسلاماً قالوا اللهم نعم ، قال انشدكم الله هل تعلمون ان سيد الشهداء حمزة عم ابي قالوا اللهم نعم، قال انشدكم الله هل تعلمون ان الطيار في الجنة عمي قالوا اللهم نعم قال فانشدكم الله هل تعلمون ان هذا سيف رسول الله (ص) انا متقلده قالوا اللهم نعم،قال انشدكم الله هل تعلمون ان هذه عمامة رسول الله انا لابسها قالوا اللهم نعم قال انشدكم الله هل تعلمون ان علياً اول القوم اسلاماً واعلمهم علماً واعظمهم حلماً وانه ولي كل مؤمن ومؤمنة قالوا الله نعم قال فبما تستحلون دمي وابي الذائد عن الحوض يذود عنه رجالاً كما يذاد البعير الصاد (1) عن الماء ولواء الحمد في يد ابي

(1) قال الزمخشري في الفائق : قال صلى الله عليه وآله وسلم لعلي (ع) انت الذائد عن حوضي يوم القيامة تذود عنه الرجال كما يذاد البعير الصاد . الصاد بلفظ حرف الهجاء اصله الصيد بكسر الياء فقلبت ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها وهو الذي به داء الصيد وهو داء يأخذ في رأس البعير لا يقدر منه أن يلوي عنقه وبه شبه المتكبر فقيل أصيد كذا يفهم من الفائق (قال) ويجوز أن يروى بكسر الدال ويكون فاعلاً من الصدى وهو العطش ـ اهـ ـ وفيه ان الصادي لا يذاد عن الماء عادة بل يسقى وفي القاموس الصاد والصيد بالكسر ويحرك داء يصيب الأبل فتسيل انوفها فتسمو برأسها وبعير صاد اي ذو صاد والصاد عرق بين عيني البعير ومنه يصيبه الصيد ـ اه ـ وانما يذاد لئلا يعدي غيره او لأن الماء يضره وبعض يقولها الصادر وهو خطأ مخالف للرواية مع ان الصادر لا يحتاج الى الذياد .
ـ المؤلف ـ
المجالس السنية ـ الجزء الاول 85

يوم القيامة قالوا علمنا ذلك كله ونحن غير تاركيك حتى تذوق الموت عطشاً (فلما) خطب هذه الخطبة وسمع بناته واخته زينب كلامه بكين وارتفعت اصواتهن فوجه اليهن اخاه العباس وعلياً ابنه وقال لهما سكتاهن فلعمري ليكثرن بكاؤهن .
يرى الفرات ولا يحظى بمورده ليت الفرات غدا من بعده يبسا
تحوطه من بني عدنان أغلمة بيض الوجوه كرام سادة رؤسا

المجلس السادس والاربعون

لما رأى الحسين عليه السلام نزول العسكر مع عمر بن سعد بنينوى ومددهم لقتاله انفذ الى عمر بن سعد أني اريد أن القاك ليلاً فاجتمعا ليلاً بين العسكرين وتناجيا طويلا ثم كتب عمر الى ابن زياد (اما بعد) فان الله تعالى قد أطفأ النائرة وجمع الكلمة وأصلح امر الأمة هذا الحسين قد اعطاني أن يرجع الى المكان الذي منه أتى وان يسير الى ثغر من الثغور فيكون رجلا من المسلمين له ما لهم وعليه ما عليهم او ان يأتي امير المؤمنين يزيد فيضع يده في يده فيرى فيما بينه وبينه رأيه وفي هذا لك رضا وللأمة صلاح (وعن) عقبة بن سمعان انه قال والله ما أعطاهم الحسين (ع) ان يضع يده في يد يزيد ولا أن يسير الى ثغر من الثغور ولكنه قال دعوني ارجع الى المكان الذي اقبلت منه او اذهب في هذه الأرض العريضة . فلما قرأ ابن زياد الكتاب قال هذا كتاب ناصح لاميره مشفق على قومه فقام شمر (1) بن ذي الجوشن وقال اتقبل هذا منه وقد نزل بارضك والى جنبك والله لئن رحل من بلادك ولم يضع يده في

(1) شمر ككتف والعامة تلفظ بالكسر فالسكون والظاهر انه غلط
ـ المؤلف ـ

السابق السابق الفهرس التالي التالي