المجالس السنية ـ الجزء الاول 51

طاعته منهم يزيد بن مسعود النهشلي والمنذر بن الجارود العبدي والاحنف بن قيس وغيرهم فاما الاحنف فكتب إلى الحسين (ع) يصبره ويرجيه وقال في كتابه اما بعد فاستقم كما أمرت ولا يستخفنك الذين لا يؤقنون واما المنذر فاتى بالرسول والكتاب الى ابن زياد في الليلة التي كان ابن زياد يريد السفر صبيحتها الى الكوفة لأن المنذر خاف ان يكون الكتاب دسيساً من عبيد الله وكان ابن زياد متزوجاً بنته فصلب الرسول واما يزيد بن مسعود فجمع بني تميم وبني حنظلة وبني سعد وبني عامر فلما حضروا قال يا بني تميم كيف ترون موضعي فيكم وحسبي منكم قالوا بخ بخ أنت والله فقرة الظهر ورأس الفخر حللت في الشرف وسطاً وتقدمت فيه فرطاً قال فأني قد جمعتكم لأمر اريد ان اشاوركم فيه واستعين بكم عليه قالوا إنا والله نمنحك النصيحة ونجهد لك الرأي فقل نسمع فقال ان معاوية قد مات فاهون به والله هالكاً ومفقوداً الا وانه قد انكسر باب الجور والاثم وتضعضعت أركان الظلم وقد كان احدث بيعة عقد بها امراً اظن ان قد أحكمه وهيهات الذي اراد اجتهد والله ففشل وشاور فخذل وقد قام أبنه يزيد شارب الخمور ورأس الفجور يدعي الخلافة على المسلمين ويتأمر عليهم بغير رضا منهم مع قصر حلم وقلة علم لا يعرف من الحق موطيء قدمه فأقسم بالله قسماً مبروراً لجهاده على الدين افضل من جهاد المشركين وهذا الحسين ابن علي ابن بنت رسول الله (ص) ذو الشرف الأصيل والرأى الأثيل له فضل لا يوصف وعلم لا ينزف وهو أولى بهذا الأمر لسابقته وسنه وقدمه وقرابته يعطف على الصغير ويحنو على الكبير فأكرم به راعي رعية وإمام قوم وجبت لله به الحجة وبلغت به الموعظة فلا تعشوا عن نور الحق ولا تسكعوا (1) في وهد الباطل فقد كان صخر بن قيس (وهو الأحنف) انخذل بكم يوم الجمل فاغسلوها بخروجكم الى ابن رسول الله (ص) ونصرته والله لا يقصر احد عن نصرته إلا

(1) التسكع التمادي في الباطل .
المجالس السنية ـ الجزء الاول 52

أورثه الله الذل في ولده والقلة في عشيرته وها أنذا قد لبست للحرب لامتها وادرعت لها بدرعها من لم يقتل يمت ومن يهرب لم يفت فاحسنوا رحمكم الله رد الجواب (فتكلمت) بنو حنظلة فقالوا أبا خالد نحن نبل كنانتك وفرسان عشيرتك ان رميت بنا أصبت وان غزوت بنا فتحت لا تخوض والله غمرة إلا خضناها ولا تلقى والله شدة إلا لقيناها ننصرك بأسيافنا ونقيك بأبداننا إذا شئت فقم ، (وتكلمت) بنو سعد بن زيد فقالوا أبا خالد إن أبغض الاشياء الينا خلافك والخروج من رأيك وقد كان صخر بن قيس امرنا بترك القتال فحمدنا امرنا وبقي عزنا فينا فأمهلنا نراجع المشورة ويأتيك رأينا ، (وتكلمت) بنو عامر بن تميم فقالوا يا أبا خالد نحن بنو أبيك وحلفاؤك لا نرضى ان غضبت ولا نقطن ان ظعنت والأمر اليك فادعنا نجبك ومرنا نطعك والأمر لك اذا شئت (فالتفت) إلى بني سعد وقال والله يا بني سعد لئن فعلمتموها لا رفع الله السيف عنكم ابداً ولا زال سيفكم فيكم (ثم) كتب إلى الحسين «ع» مع الحجاج بن بدر السعدي وكان متهيئاً للمسير إلى الحسين «ع» بعد ما سار اليه جماعة من العبديين من أهل البصرة : بسم الله الرحمن الرحيم اما بعد فقد وصل إلي كتابك وفهمت ما ندبتني له ودعوتني اليه من الأخذ بحظي من طاعتك والفوز بنصيبي من نصرتك وإن الله لم يخل الارض من عامل عليها بخير او دليل على سبيل نجاة وأنتم حجة الله على خلقه ووديعته في أرضه تفرعتم من زيتونة احمدية هو أصلها وأنتم فرعها فاقدم سعد بأسعد طائر فقد ذللت لك أعناق بني تميم وتركتهم أشد تتابعاً في طاعتك من الإبل الظماء لورود الماء يوم خمسها ، وقد ذللت لك رقاب بني سعد وغسلت درن صدورها بماء سحابة مزن حين استهل برقها فلمع . فلما قرأ الحسين «ع» الكتاب قال ما لك آمنك الله يوم الخوف وأعزك وارواك يوم العطش الأكبر فلما تجهز المشار اليه للخروج إلى الحسين «ع» بلغه قتله قبل ان يسير فجزع من انقطاعه عنه وبقي الحجاج معه حتى قتل بين يديه .
أسفا وهل يجدي الكئيب تأسف ان لم اكن يوم الطفوف لك الفدا


المجالس السنية ـ الجزء الاول 53

المجلس الثامن والعشرون

لما كتب أهل الكوفة الى الحسين «ع» بالقدوم عليهم وألحوا عليه أجابهم بأني باعث اليكم أخي وابن عمي وثقتي من اهل بيتي مسلم بن عقيل وأنه ان كتب اليه باجتماع رأيهم على مثل ما كتبوا به قدم اليهم عن قريب ودعا بمسلم فأرسله مع قيس بن مسهر الصيداوي ورجلين آخرين وأمره بالتقوى وكتمان أمره واللطف فان رأى الناس مجتمعين مستقيمين عجل اليه بذلك فأتى مسلم المدينة فصلى في مسجد النبي (ص) وودع من أحب من أهله واستأجر دليلين فسارا به على غير الطريق فضل الدليلان وأصابهما عطش شديد فماتا بعد ان أشارا له الى الطريق وانتهى مسلم الى الماء في موضع يعرف بالمضيق وكتب الى الحسين «ع» (اما بعد) فاني أقبلت من المدينة مع دليلين لي فجارا عن الطريق فضلاً واشتد عليهما العطش فلم يلبثا أن ماتا وأقبلنا حتى انتهينا الى الماء فلم ننج إلا بحشاشة انفسنا وذلك الماء بمكان يدعى المضيق من بطن الخبت وقد تطيرت من توجهي هذا فان رأيت أعفيتني وبعثت غيري والسلام (فأجابه) الحسين عليه السلام اما بعد فقد خشيت ان لا يكون حملك على الكتابة إلي في الاستعفاء
إلا الجبن فامض لوجهك الذي وجهتك فيه والسلام (فقال) مسلم اما هذا (يعني الجبن) فلست أتخوفه على نفسي ثم اقبل حتى دخل الكوفة فنزل في دار المختار وأقبل الناس يختلفون اليه فكلما اجتمع منهم جماعة قرأ عليهم كتاب الحسين «ع» وهم يبكون حتى بايعه منهم ثمانية عشر الفاً فكتب الى الحسين «ع» يخبره بذلك ويأمره بالقدوم (وبلغ) ذلك النعمان بن بشير الانصاري وكان والياً على الكوفة فصعد المنبر وخطب الناس وحذرهم فقال له عبد الله بن مسلم الحضرمي حليف بني أمية انه لا يصلح ما ترى ايها الأمير الا الغشم وان هذا الذي انت عليه رأي المستضعفين فقال ان اكون من المستضعفين في طاعة الله احب الي من

المجالس السنية ـ الجزء الاول 54

ان اكون من الأعزين في معصية الله فكتب عبد الله بن مسلم هذا وعمارة بن عقبة وعمر بن سعد بن ابي وقاص الى يزيد يخبرونه بأمر مسلم ويشيرون عليه بعزل النعمان وتولية غيره فدعا يزيد سرجون (الرومي) مولى معاوية وكان مستولياً على معاوية في حياته فاستشاره يزيد فقال لو نشر لك معاوية ما كنت آخذاً برأيه قال بلى فاخرج عهد عبيد الله بن زياد على الكوفة وقال هذا رأي معاوية فدعا يزيد مسلم بن عمرو الباهلي وارسله الى عبيد الله بن زياد وكان والياً على البصرة فضم اليه البصرة والكوفة وأمره ان يسير الى الكوفة فتجهز عبيد الله من وقته وسار الى الكوفة من الغد ومعه مسلم بن عمرو الباهلي رسول يزيد والحصين بن تميم التميمي صاحب شرطته وشريك بن الحارث الاعور الهمداني وهو من الشيعة فتمارض شريك رجاء ان يتأخر ابن زياد في السير فيدخل الحسين الكوفة قبله فتركه ابن زياد في الطريق وتقدم فدخل الكوفة ليلاً وكان الناس قد بلغهم اقبال الحسين «ع» فظنوا حين رأوا عبيد الله انه الحسين (ع) فكلما مر على جماعة سلموا عليه وقالوا مرحباً بك يا ابن رسول الله قدمت خير مقدم فرأى من تباشرهم بالحسين عليه السلام ما ساءه . فقال بعض من معه لما كثروا تأخروا هذا الامير عبيد الله بن زياد (واصبح) ابن زياد فنادى الصلاة جامعة فاجتمع الناس فخرج اليهم وخطبهم ووعد المحسن بالاحسان وتوعد المسيء بأشد العقاب فبلغ ذلك مسلم بن عقيل فاتنقل من دار المختار الى دار هاني بن عروة وجعلت اصحابه تختلف اليه على تستر واستخفاء (فدعا) ابن زياد مولى له اسمه معقل واعطاه ثلاثة آلاف درهم وأوصاه ان يلتمس مسلم بن عقيل واصحابه ويظهر لهم انه منهم ويدفع اليهم المال فجاء معقل الى مسلم بن عوسجة وهو يصلي في المسجد فقال له انا رجل من اهل الشام انعم الله علي بحب أهل هذا البيت وتباكى له وقال معي ثلاثة آلاف درهم احب دفعها للذي يبايع لأبن بنت رسول الله (ص) فاغتر مسلم بن عوسجة بذلك وادخله على مسلم بن عقيل بعد ان اخذ عليه المواثيق المغلظة فجعل معقل يختلف اليهم ويخبر ابن زياد بما

المجالس السنية ـ الجزء الاول 55

يريده وبلغ الذين بايعوا مسلم بن عقيل خمسة وعشرين الف رجل فعزم على الخروج فقال هاني لا تعجل
هم بايعوك وخانـوا العهد وانخذلوا من بعد ما اوثقوا عهداً وايماناً
ما يومكم من بني كوفان اذ نكثـوا بواحد لا سقى الرحمن كوفانا

المجلس التاسع والعشرون

لما جاء ابن زياد الى الكوفة وتهدد الناس وتوعدهم خاف هاني على نفسه من ابن زياد فانقطع عنه وتمارض فسأل عنه ابن زياد جلساءه فقيل انه مريض فقال لو علمت بمرضه لعدته ودعا بجماعة فقال لهم ما يمنع هاني من اتياننا قالوا ما ندري وقد قيل انه مريض قال بلغني انه قد برئ فالقوه ومروه ان لا يدع ما عليه من حقنا فاتوا الى هاني واخبروه ان ابن زياد قد سأل عنه واقسموا عليه ان يذهب معهم فلبس هاني ثيابه وركب بغلته واقبل معهم فلما رآه ابن زياد قال : (اتتك بخائن رجلاه تسعى) ثم قال : ايه يا هاني جئت بمسلم بن عقيل فادخلته دارك وجمعت له الجموع والسلاح في الدور حولك وظننت ان ذلك يخفى علي فانكر هاني ذلك فدعا ابن زياد معقلا فلما رآه هاني اسقط في يده ساعة (أي بهت وتحير) ثم راجعته نفسه وجعل يعتذر الى ابن زياد بأنه ما دعا مسلماً الى داره لكن جاءه يطلب منه النزول فاستحيا من رده وقال ان شئت ان انطلق اليه فآمره ان يخرج من داري فقال له ابن زياد والله لا تفارقني ابداً حتى تأتيني به قال لا والله لا اجيئك به ابداً اجيئك بضيفي تقتله فلما كثر الكلام بينهما قام مسلم بن عمرو الباهلي فخلا بهاني وجعل يناشده ان يدفع مسلم بن عقيل الى ابن زياد ويقول انه ابن عم القوم وليسوا بقاتليه ولا ضائريه وليس عليك بذلك مخزاة ولا منقصة انما تدفعه إلى السلطان فقال هاني ان علي

المجالس السنية ـ الجزء الاول 56

في ذلك الخزي والعار ان ادفع جاري و ضيفي وانا حي صحيح شديد الساعدين كثير الاعوان والله لو لم يكن لي ناصر لم ادفعه حتى أموت دونه فسمع ابن زياد ذلك فقال أدنوه مني فادنوه منه فقال والله لتأتيني به أو لأضربن عنقك فقال هاني اذاً والله تكثر البارقة (يعني السيوف) حول دارك فقال ابن زياد والهفاه عليك أبالبارقة تخوفني وهاني يظن أن عشيرته سيمنعونه ثم قال ادنوه مني فادني منه فاستعرض وجهه بالقضيب فلم يزل يضرب به أنفه وجبينه وخده حتى كسر أنفه وسالت الدماء على ثيابه ووجهه ولحيته ونثر لحم جبينه وخده على لحيته حتى كسر القضيب وضرب هاني يده على قائم سيف شرطي وجاذبه الشرطي ومنعه فقال عبيد الله احروري سائر اليوم (1) قد حل دمك جروه فجروه فالقوه في بيت من بيوت الدار وجعلوا عليه حرساً وبلغ الخبر الى مذحج عشيرة هاني فاقبلوا مع ابن الحجاج حتى أحاطوا بالقصر فامر ابن زياد شريحاً القاضي ان يدخل على هاني فينظر اليه ثم يخبر عشيرته بأنه حي ففعل ذلك فقال له عمرو بن الحجاج واصحابه اما اذا لم يقتل فالحمد لله ثم انصرفوا .
اذا ما سقى الله البلاد فلا سقى معاهد كوفان بنو المرازم
أتت كتبهم في طيهن كتائـب وما رقمت الابسم الأراقم

المجلس الثلاثون

لما بلغ مسلم بن عقيل ما فعله عبيد الله بن زياد بهاني بن عروة نادى في

(1) الحرور الخارجي لأن الخوارج اجتمعوا في اول أمرهم في موضع يقال له حروراء فسموا الحرورية أأنت تفعل فعل الخوارج في هذا اليوم .
ـ المؤلف ـ
المجالس السنية ـ الجزء الاول 57

اصحابه وكانوا أربعة آلاف رجل فاجتمعوا عليه فخرج بهم لحرب ابن زياد وتداعى الناس واجتمعوا حتى امتلأ المسجد والسوق ودخل عبيد الله القصر وأغلق أبوابه فضاق به امره واقام الناس مع مسلم يكثرون حتى المساء وأمرهم شديد ، وبعث عبيد الله الى اشراف الناس فجمعهم عنده ثم اشرفوا على الناس يرغبونهم ويرهبونهم ويخوفونهم بأجناد الشام فأخذوا يتفرقون
وكانت المرأة تأتي ابنها وأخاها فتقول انصرف ، الناس يكفونك ويجيء الرجل الى أبنه وأخيه ويقول غداً يأتيك أهل الشام فما تصنع بالحرب والشر ، انصرف فما زالوا يتفرقون حتى أمسى ابن عقيل وصلى المغرب ومع معه الا ثلاثون نفساً في المسجد فخرج متوجهاً الى ابواب كندة فلم يبلغها الا ومعه عشرة ثم خرج من الباب فاذا ليس معه احد فمضى على وجهه لا يدري اين يذهب حتى أتى الى باب امرأة يقال لها طوعة فسلم عليها فردت عليه السلام وطلب منها ماء فسقته وجلس ودخلت ثم خرجت فقالت يا عبد الله ألم تشرب قال بلى قالت فاذهب الى أهلك فسكت ثم اعادت القول فسكت ثم اعادت القول فسكت فقالت في الثالثة سبحان الله يا عبد الله قم عافاك الله الى أهلك فانه لا يصح لك الجلوس على بابي ولا أحله لك فقام وقال يا أمة الله ما لي في هذا المصر اهل ولا عشيرة فهل لك في اجر معروف ولعلي مكافيك بعد هذا اليوم قالت وما ذاك قال أنا مسلم بن عقيل كذبني هؤلاء القوم وغروني وأخرجوني قالت انت مسلم قال نعم قالت أدخل فدخل إلى بيت في دارها غير الذي تكون فيه وفرشت له وعرضت عليه العشاء فلم يتعش وجاء ابنها فرآها تكثر الدخول في البيت والخروج منه فقال والله انه ليريبني كثرة دخولك الى هذا البيت وخروجك منه منذ الليلة ان لك لشأنا ، قالت له يا بني إله عن هذا فقال والله لتخبريني قالت له أقبل على شأنك ولا تسألني عن شيء فألح عليها فقالت يا بني لا تخبرن احداً من الناس بشيء مما أخبرك به قال نعم فأخذت عليه الأيمان فحلف لها فأخبرته فاضطجع وسكت فلما اصبح غداً الى عبد الرحمن بن محمد

المجالس السنية ـ الجزء الاول 58

بن الاشعث فأخبره فأقبل عبد الرحمن حتى أتى اباه وهو عند ابن زياد فساره فعرف ابن زياد سراره فقال قم فأتي به الساعة وبعث معه عبيد الله بن العباس السلمي في سبعين رجلا من قيس حتى أتوا الدار التي فيها مسلم فلما سمع مسلم وقع حوافر الخيل وأصوات الرجال علم أنه قد أتي فخرج اليهم بسيفه واقتحموا عليه الدار فشد عليهم يضربهم بسيفه حتى اخرجهم من الدار ثم عادوا اليه فشد عليهم كذلك فاختلف هو وبكر بن حمران الأحمري ضربتين فضرب بكر فم مسلم فقطع شفته العليا واسرع السيف في السفلى وفصلت له ثنيتاه وضربه مسلم في رأسه ضربة منكرة وثناه باخرى على حبل العاتق كادت تطلع الى جوفه فلما رأوا ذلك اشرفوا عليه من فوق البيت واخذوا يرمونه بالحجارة ويلهبون النار في اطنان القصب ثم يرمونها عليه من فوق البيت فلما راى ذلك خرج مصلتا سيفه في السكة فقال محمد بن الاشعث لك الأمان لا تقتل نفسك فقال مسلم وأي امان للغدرة ثم اقبل يقاتلهم وهو يرتجز ويقول :
>
اقسمت لا أقتـل إلا حرا وان شربت الموت شيئاً نكراً
اكره ان اخـدع او أغرا او خلـط البـارد سخناً مرا
رد شعاع النفس فاستقرا كل امرئ يـوما يلاقي شرا
اضربكم ولا اخاف ضرا

فنادوه إنك لا تكذب ولا تغر فلم يلتفت الى ذلك الى ان قتل منهم واحداً واربعين رجلا على ما رواه ابن شهر اشوب وتكاثروا عليه بعد ان اثخن بالجراح فطعنه رجل من خلفه فخر الى الأرض فأخذ اسيراً (وفي رواية المفيد) انه اخذ بالامان بعد ان عجز عن القتال فأتي ببغله فحمل عليها واجتمعوا حوله وانتزعوا سيفه فكأنه عند ذلك يئس من نفسه فدمعت عيناه ثم قال هذا أول الغدر فقال له محمد بن الاشعث أرجو ان لا يكون عليك بأس فقال وما هو الا الرجاء اين أمانكم إنا لله وانا اليه راجعون وبكى فقال له عبيد الله بن العباس السلمي ان من يطلب مثل الذي تطلب اذا نزل به مثل ما نزل بك لم يبك ، فقال والله

المجالس السنية ـ الجزء الاول 59

ما لنفسي بكيت ولا لها من القتل أرثي وان كنت لم احب لها طرفة عين تلفا ولكني أبكي لأهلي المقبلين أبكي الحسين و آل حسين ثم اقبل على محمد ابن الاشعث فقال يا عبد الله اني اراك والله ستعجز عن أماني فهل عندك خير تستطيع ان تبعث من عندك رجلا على لساني ان يبلغ حسيناً فاني لا اراه إلا وقد خرج اليوم او هو خارج غداً واهل بيته ويقول له ان ابن عقيل بعثني اليك وهو اسير في ايدي القوم لا يرى انه يمسي حتى يقتل وهو يقول لك ارجع فداك أبي وأمي بأهل بيتك ولا يغررك اهل الكوفة فانهم اصحاب أبيك الذي كان يتمنى فراقهم بالموت او القتل ان اهل الكوفة قد كذبوك وليس لمكذوب رأي ، فقال ابن الاشعث والله لأفعلن ولأعلمن ابن زياد اني قد آمنتك
لاقاك جمعهم في الدار منفرداً كما تلاقي بغاث الطير عقبانا
فعـدت تنثر بالهندي هامهـم والرمح ينظمهم مثنى ووحدانا
حتى غدوت أسيراً في أكفهـم وكان من نوب الأيام ما كانا

المجلس الواحد والثلاثون

لما أسر محمد بن الأشعث مسلم بن عقيل اقبل به حتى انتهى الى باب قصر الأمارة وقد اشتد بمسلم العطش وعلى باب القصر ناس جلوس ينتظرون الاذن فيهم عمرو بن حريث ومسلم بن عمرو الباهلي وإذا قلة ماء باردة موضوعة على الباب فقال مسلم اسقوني من هذا الماء فقال له مسلم بن عمرو الباهلي أتراها ما أبردها لا والله لا تذوق منها قطرة حتى تذوق الحميم في نار جهنم فقال له ابن عقيل لأمك الثكل ما اجفاك وأفظك وأقسى قلبك انت يا ابن باهلة أولى بالحميم والخلود في نار جهنم مني ثم جلس فتساند الى الحائط وبعث عمرو بن حريث غلاماً له فأتاه بقلة عليها منديل وقدح فصب فيه ماء فقال له اشرب فأخذ كلما شرب امتلأ القدح دماً من فمه ولا يقدر ان يشرب ففعل ذلك مرة او مرتين فلما ذهب في الثالثة

المجالس السنية ـ الجزء الاول 60

ليشرب سقطت ثناياه في القدح فقال الحمد لله لوكان لي من الرزق مقسوم لشربته
كأنما نفـسك اختارت لها عطشاً لما درت ان سيقضي السبط عطشانا
فلم تطق ان تسيغ الماء عن ظمأ من ضربة ساقهـا بكر بن حمرانـا

وخرج رسول ابن زياد وأمر بادخاله اليه فلما دخل لم يسلم عليه بالامرة فقال له الحرسي لم لا تسلم على الامير قال اسكت ويحك والله ما هو لي بأمير فقال ابن زياد لا عليك سلمت ام لم تسلم فإنك مقتول فقال له مسلم إن قتلتني فلقد قتل من هو شر منك من هو خير مني ، فقال له ابن زياد قتلني الله ان لم اقتلك قتلة لم يقتلها احد في الاسلام ، فقال مسلم أما إنك احق من احدث في الاسلام ما لم يكن وانك لا تدع سوء القتلة وقبح المثلة وخبث السريرة ولؤم الغلبة لاحد أولى بها منك فقال ابن زياد يا عاق يا شاق خرجت على امامك وشققت عصا المسلمين وألقحت الفتنة فقال مسلم كذبت انما شق عصا المسلمين معاوية وابنه يزيد ، وأما الفتنة فانما ألقحتها انت وابوك زياد بن عبيد عبد بني علاج من ثقيف وانا ارجو ان يرزقني الله الشهادة على يدي شر بريته ، فقال له ابن زياد منتك نفسك امراً حال الله دونه وجعله لأهله ، فقال له مسلم ومن اهله يا ابن مرجانة اذا لم نكن نحن اهله ، فقال له ابن زياد اهله امير المؤمنين يزيد فقال مسلم الحمد لله على كل حال رضينا حكماً بيننا وبينكم فقال له ابن زياد أتظن ان ان لك في الامر شيئاً ، فقال له مسلم والله ما هو الظن ولكنه اليقين ، وقال له ابن زياد اية ابن عقيل أتيت الناس وهم جميع امرهم ملتئم فشتت امرهم بينهم وفرقت كلمتهم وحملت بعضهم على بعض ، قال كلا لست لذلك أتيت ولكنكم أظهرتم المنكر ودفنتم المعروف وتأمرتم على الناس بغير رضا منهم وحملتموهم على غير ما امركم الله به وعملتم فيهم بأعمال كسرى وقيصر فأتيناهم لنأمر فيهم بالمعروف وننهى عن المنكر وندعوهم الى حكم الكتاب والسنة وكنا اهل ذلك ، فقال له ابن زياد وما انت وذاك يا فاسق لم لم تعمل بذلك اذ انت بالمدينة تشرب الخمر ، قال مسلم انا اشرب الخمر اما والله ان الله

المجالس السنية ـ الجزء الاول 61

ليعلم انك تعلم أنك غير صادق وان احق بشرب الخمر مني واولى من يلغ في دماء المسلمين ولغا فيقتل النفس التي حرم الله قتلها ويسفك الدم الذي حرم الله على الغضب والعداوة وسوء الظن وهو يلهو ويلعب كأن لم يصنع شيئاً ،
فأخذ ابن زياد يشتمه ويشتم علياً وعقيلاً والحسن والحسين عليهم السلام وأخذ مسلم لا يكلمه (وفي رواية) انه قال له انت وابوك أحق بالشتيمة فاقض ما انت قاض يا عدو الله ، ثم قال ابن زياد اصعدوا به فوق القصر فاضربوا عنقه ثم اتبعوه جسده ثم قال اين هذا الذي ضرب ابن عقيل راسه بالسيف فدعي بكر بن حمران فقال له اصعد فلتكن انت الذي تضرب عنقه فصعد بمسلم وهو يكبر ويستغفر الله ويصلي على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويقول اللهم احكم بيننا وبين قوم غرونا وكذبونا وخذلونا ، وأشرفوا به على موضع من القصر فضربت عنقه واتبع رأسه جثته .
يا مسلم بن عقيل لا اغب ثـرى ضريحك المزن هطالا وهتانا
نصرت سبط رسول الله مجتهدا وذقت في نصره للضر الوانا
ورام تقريعك الرجس الدعي بما قد كان لفقـه زوراً وبهـتانا
ألقمتـه بجواب قـاطع حجـراً وللجهول به أوضحت برهانا

المجلس الثاني والثلاثون

لما قتل ابن عقيل قام محمد بن الأشعث الى عبيد الله بن زياد فكلمه في هانيء ابن عروه وكان محمد بن الاشعث واسماء بن خارجة هما اللذان أتيا بهانيء الى ابن زياد وقالا له انه قد ذكرك واقسما عليه ان يركب معهما ولم يكن اسماء يعلم بشيء مما كان وكان ابن الاشعث عالماً به فقال ابن الاشعث لابن زياد انك قد عرفت منزلة هانيء في المصر وبيته في العشيرة وقد علم قومه اني وصاحبي اتينا به اليك وانشدك الله لما وهبته لي فاني اكره عداوة المصر واهله

المجالس السنية ـ الجزء الاول 62

فوعده ان يفعل ثم بدا له وامر بهانيء في الحال فقال اخرجوه الى السوق فاضربوا عنقه فأتي به الى مكان من السوق كان يباع فيه الغنم وهو مكتوف فجعل يقول وامذحجاه ولا مذحج لي اليوم يا مذحجاه اين مذحج فلما رأى أن احداً لا ينصره جذب يده فنزعها من الكتف ثم قال أما من عصا او سكين او حجارة او عظم يحاجز بها رجل عن نفسه ووثبوا اليه فشدوه وثاقا ثم قيل له امدد عنقك فقال ما أنا بها سخي وما أنا بمعينكم على نفسي فضربه مولى لعببد الله اسمه رشيد فلم يصنع شيئاً فقال له هانيء الى الله المعاد اللهم الى رحمتك ورضوانك ثم ضربه اخرى فقتله ، وامر ابن زياد بجثتي مسلم وهانيء فصلبتا في الكناسة (1) وبعث برأسيهما الى يزيد بن معاوية (قال) سبط ابن الجوزي كان رأس مسلم اول رأس حمل من رؤوس بني هاشم وجثته اول جثة صلبت
فان كنت ما تدرين ما الموت فانظري الى هانيء في السوق وابن عقيل
الى بطـل قـد هشم السيـف وجهـه وآخر يهوي مـن طمـار قتـيل
اصـابهـما فـرخ البغـي فأصبـحا أحاديث مـن يسري بكل سبـيل
تري جسداً قـد غـير المـوت لونه ونضح دم قـد سال كل مسـيل
فتـى كـان احيا مـن فتـاة حيـية واقطع من ذي شفـرتين صقيل

المجلس الثالث والثلاثون

لما قتل مسلم بن عقيل وهانيء بن عروة رضوان الله عليهما أمر ابن زياد كاتبه عمرو بن نافع ان يكتب الى يزيد ما كان من امر مسلم وهانيء فكتب الكاتب فأطال وكان اول من اطال في الكتب فلما نظر فيه عبيد الله كرهه وقال ما هذا التطويل وما هذا الفضول اكتب اما بعد فالحمد لله الذي اخذ لأمير

(1) موضع بالكوفة يظهر أنه كان محل اجتماع الناس . ـ المؤلف ـ
المجالس السنية ـ الجزء الاول 63

المؤمنين حقه وكفاه مؤونة عدوه اخبر امير المؤمنين ان مسلم بن عقيل لجأ الى دار هانيء بن عروة المرادي واني جعلت عليهما المراصد والعيون ودسست اليهما الرجال وكدتهما حتى اخرجتهما وامكن الله منهما فقدمتهما
وضربت اعناقهما وقد بعثت اليك برأسيهما مع هانيء بن ابي حية الوداعي والزبير بن الاروح التميمي وهما من اهل السمع والطاعة والنصيحة فليسألهما امير المؤمنين عما احب من امرهما فان عندهما علما وصدقا وورعا والسلام . (فكتب) اليه يزيد اما بعد فانك لم تعد ان كنت كما احب عملت عمل الحازم وصلت صولة الشجاع الرابط الجأش وقد أغنيت وكفيت وصدقت ظني بك ورأيي فيك وقد دعوت رسوليك فسألتهما وناجيتهما فوجدتهما في رأيهما وفضلهما كما ذكرت فاستوص بهما خيرا وانه قد بلغني ان حسينا قد توجه الى العراق فضع المناظر والمسالح واحترس واحبس على الظنة واقتل على التهمة واكتب الي فيما يحدث من خير ان شاء الله . (ولما) بلغ الحسين عليه السلام مقتل مسلم وهانيء قال انا لله وانا اليه راجعون رحمة الله عليهما يردد ذلك مرارا (ولقيه) الفرزدق الشاعر فسلم عليه وقال يا ابن رسول الله كيف تركن الى اهل الكوفة وهم الذين قتلوا ابن عمك مسلم بن عقيل وشيعته فاستعبر الحسين عليه السلام ثم قال رحم الله مسلماً فلقد صار الى روح الله وريحانه وتحياته ورضوانه اما انه قد قضى ما عليه وبقي ما علينا ثم انشأ يقول :
فـان تـكن الدنيا تعد نفـيسة فـان ثـواب الله أعـلى وأنـبـل
وان تكن الابدان للموت انشئت فقـتل امرئ بالسيف في الله افضل
وإن تكن الارزاق قسما مقدرا فقلة حرص المرء في السعي أجمل
وإن تكن الاموال للترك جمعها فما بال متروك بـه المرء يبخـل

* * *



المجالس السنية ـ الجزء الاول 64

المجلس الرابع والثلاثون

لما عزم الحسين عليه السلام على الخروج من مكة الى العراق قام خطيبا في اصحابه فقال : الحمد وما شاء الله ولا قوة إلا بالله وصلى الله على رسوله خط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة وما اولهني الى اسلافي اشتياق يعقوب الى يوسف وخير لي مصرع انا لاقيه كأني بأوصالي تقطعها عسلان (1) الفلوات فيملأن مني اكراشاً جوفاً واجربة سغبا لا محيص عن يوم خط بالقلم رضا الله رضانا اهل البيت نصبر على بلائه ويوفينا اجور الصابرين لن تشذ عن رسول الله لحمته بل هي مجموعة له في حظيرة القدس تقر بهم عينه وينجز بهم وعده من كان باذلاً فينا مهجته ومواطناً على لقاء الله نفسه فليرحل معنا فانني راحل مصبحاً ان شاء الله تعالى ثم ارتحل (ولحقه) عبد الله بن جعفر بابنه عون ومحمد وكتب على ايديهما اليه كتاباً يقول فيه اما بعد فأني اسألك بالله لما انصرفت حين تنظر في كتابي فاني مشفق عليك من الوجه الذي توجهت له ان يكون فيه هلاكك واستئصال اهل بيتك وان هلكت اليوم اطفئ نور الارض فانك علم المهتدين ورجاء المؤمنين فلا تعجل بالمسير فاني في اثر كتابي والسلام (وصار) عبد الله الى عمرو بن

(1) في ابصار العين عسلان بضم العين وسكون السين جمع عاسل وهو المهتز المضطرب يقال للرمح والذئب والمراد الثاني اهـ (اقول) لم يذكر احد من أهل اللغة ان عاسلا يجمع على عسلان والظاهر ان عسلان بالتحريك مصدر عسل الذئب اذا أضطرب في عدوه وهز رأسه ونسبة التقطيع الى العسلان مجاز عقلي من باب الاسناد إلى السبب على حذف مضاف أي يقطعها عسلان ذئاب الفلوات .
ـ المؤلف ـ
المجالس السنية ـ الجزء الاول 65

سعيد فسأله ان يكتب للحسين عليه السلام أمانا ويمنيه البر والصلة فكتب له وانفذه مع اخيه يحيى بن سعيد فلحقه يحيى وعبد الله بن جعفر بعد نفوذ ابنيه وجهدا به في الرجوع فقال اني رأيت رسول الله (ص) في المنام وأمرني بما أنا ماض له فقالا له فما تلك الرؤيا فقال ما حدثت بها احداً حتى ألقى ربي عزوجل ، فلما آيس منه عبد الله بن جعفر امر ابنيه عونا ومحمداً بلزومه والمسير معه والجهاد دونه ورجع هو الى مكة (قال علي بن الحسين عليهما السلام) : خرجنا مع ابي فما نزل منزلاً ولا ارتحل منه الا ذكر يحيى بن زكريا وقال يوما من هوان الدنيا على الله ان رأس يحيى بن زكريا أهدي الى بغي من بغايا بني اسرائيل .
ركبـوا إلى العـز المنـو ن وجانبوا عيش الذليل
وردوا الوغى فقضوا وليـ س تعاب شمس بالأفول

المجلس الخامس والثلاثون

لما بلغ الحسين عليه السلام إلى الحاجر (1) من بطن الرمة (2) كتب كتاباً إلى جماعة من أهل الكوفة منهم سليمان بن صرد الخزاعي والمسيب بن نجبة ورفاعة بن شداد وغيرهم وأرسله مع قيس بن مسهر الصيداوي وذلك قبل ان يعلم بقتل مسلم يقول فيه : بسم الله الرحمن الرحيم من الحسين بن علي إلى اخوانه من المؤمنين والمسلمين سلام عليكم فإني احمد اليكم الله الذي لا إله إلا هو (أما بعد) فإن كتاب مسلم بن عقيل جاءني يخبرني فيه بحسن رأيكم واجتماع

(1) بحاء مهملة وجيم وراء مهملة اسم مكان بطريق الحاج العراقي .
(2) الرمة بضم الراء المهملة وتشديد الميم وقد تخفف قاع عظيم بنجد .
ـ المؤلف ـ
المجالس السنية ـ الجزء الاول 66

ملئكم على نصرنا والطلب بحقنا فسألت الله ان يحسن لنا الصنيع وان يثيبكم على ذلك اعظم الاجر وقد شخصت اليكم من مكة يوم الثلاثاء لثمان مضين من ذي الحجة يوم التروية فاذا قدم عليكم رسولي فانكمشوا في أمركم وجدوا فإني قادم عليكم في ايامي هذه ان شاء الله تعالى والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته (وكان) مسلم بن عقيل قد كتب اليه قبل ان يقتل بسبع وعشرين ليلة فأقبل قيس بكتاب الحسين عليه السلام إلى الكوفة (وكان) ابن زياد لما بلغه مسير الحسين عليه السلام من مكة الى الكوفة بعث الحصين بن تميم صاحب شرطته حتى نزل القادسية فلما انتهى قيس الى القادسية اعترضه الحصين بن تميم ليفتشه فأخرج قيس الكتاب وخرقه فحمله الحصين الى ابن زياد فلما مثل بين يديه قال له من انت قال أنا رجل من شيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وابنه الحسين قال فلماذا خرقت الكتاب قال لئلا تعلم ما فيه قال وممن الكتاب والى من قال من الحسين عليه السلام الى جماعة من اهل الكوفة لا أعرف اسماءهم فغضب ابن زياد وقال والله لا تفارقني حتى تخبرني بأسماء هؤلاء القوم او تصعد المنبر فتسب الحسين بن علي وأباه وأخاه وإلا قطعتك إرباً إربا ، فقال قيس اما القوم فلا أخبرك باسمائهم واما السب فافعل فصعد قيس فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي صلى الله عليه وآله وسلم واكثر من الترحم على علي والحسن والحسين ولعن عبيد الله بن زياد وأباه ولعن عتاة بني أمية ثم قال : ايها الناس ان هذا الحسين بن علي خير خلق الله ابن فاطمة بنت رسول الله (ص) وأنا رسوله اليكم وقد خلفته بالحاجر فاجيبوه ، فامر به ابن زياد فرمي من أعلى القصر فتكسرت عظامه وبقى به رمق فاتاه رجل يقال له عبد الملك بن عمير اللخمي فذبحه فعيب عليه فقال اردت ان اريحه ، ويقال ان عبد الملك هذا كان قاضي الكوفة وفقيهها وما ينفعه فقهه مع شنيع فعله ، فبلغ الحسين عليه السلام قتله فاسترجع واستعبر ولم يملك دمعته ثم قرأ«فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا» ثم قال جعل الله له الجنة ثوابا ً اللهم اجعل لنا ولشيعتنا منزلاً كريماً

المجالس السنية ـ الجزء الاول 67

واجمع بيننا وبينهم في مستقر من رحمتك ورغائب مدخور ثوابك انك على كل شيء قدير .
يستنجعـون الـردى شوقاً لغايته كأنما الضرب في افواهها الضرب
واستأثروا بالردى من دون سيدهم قصداُ وما كـل إيثار بـه الأرب

المجلس السادس والثلاثون

لما سار الحسين «ع» من الحاجر انتهى الى ماء من مياه العرب فاذا عليه عبد الله بن مطيع العدوي وهو نازل به فلما رأى الحسين عليه السلام قام اليه فقال بأبي أنت وامي يا ابن رسول الله ما اقدمك واحتمله فأنزله فقال له الحسين «ع» كان من موت معاوية ما قد بلغك فكتب إلي اهل العراق يدعونني الى نفسهم فقال له عبد الله اذكرك الله يا ابن رسول الله وحرمة الاسلام ان تنتهك انشدك الله في حرمة قريش انشدك الله في حرمة العرب فوالله لئن طلبت ما في ايدي بني أمية ليقتلنك ولئن قتلوك لا يهابوا بعدك احداً ابداً والله انها لحرمة الاسلام ان تنتهك انشدك الله في حرمة قريش انشدك الله في حرمة العرب فوالله لئن طلبت ما في ايدي بني امية ليقتلنك ولئن قتلوك لا يهاب بعدك احدا ً ابدا ً والله انها لحرمة الاسلام تنتهك وحرمة قريش وحرمة العرب فلا تفعل ولا تأت الكوفة ولا تعرض نفسك لبني أمية .
(وكان) زهير بن القين البجلي قد حج في تلك السنة من الكوفة وكان عثمانيا فلما رجع من الحج جمعه الطريق مع الحسين «ع» (فحدث) جماعة من فزاره وبجيلة قالوا كنا مع زهير بن القين حين أقبلنا من مكة فكنا نساير الحسين «ع» فلم يكن شيء أبغض الينا من ان نسير معه في مكان واحد او ننزل معه في منزل واحد ، فاذا سار الحسين تخلف زهير بن القين واذا نزل الحسين تقدم زهير ، فنزلنا يوماً في منزل لم نجد بداً من أن ننزل معه فيه فنزل هو في جانب ونزلنا في جانب آخر ، فبينا نحن جلوس نتغدى من طعام لنا اذ اقبل رسول الحسين «ع» حتى سلم ثم دخل فقال يا زهير ان ابا عبد الله بعثني اليك لتأتيه فطرح كل

المجالس السنية ـ الجزء الاول 68

انسان منا ما في يده كأن على رؤوسنا الطير كراهية ان يذهب
زهير الى الحسين «ع» فقالت له امرأته وهي دلهم بنت عمرو سبحان الله أيبعث اليك ابن رسول الله ثم لا تأتيه فلو أتيته فسمعت من كلامه ثم انصرفت ، فأتاه زهير على كره فما لبث ان جاء مستبشراً قد أشرق وجهه فأمر بفسطاطه وثقله ورحله فحول الى الحسين «ع» ثم قال لأمرأته انت طالق إلحقي بأهلك فاني لا أحب أن يصيبك بسببي إلا خير وقد عزمت على صحبة الحسين «ع» لأفديه بروحي وأقيه بنفسي ثم أعطاها ما لها وسلمها الى بعض بني عمها ليوصلها الى أهلها فقامت اليه وبكت وودعته وقالت خار الله لك أسألك ان تذكرني في القيامة عند جد الحسين «ع» وقال لأصحابه من أحب منكم ان يتبعني وإلا فهو آخر العهد مني أني سأحدثكم حديثاً : إنا غزونا بلنجر (وهي بلدة ببلاد الخزر) ففتح الله علينا وأصبنا غنائم ففرحنا فقال لنا سلمان الفارسي اذا ادركتم قتال شباب آل محمد (ص) فكونوا أشد فرحاً بقتالكم معهم مما أصبتم من المغانم ، فأما أنا فأستودعكم الله . ولزم الحسين «ع» حتى قتل معه .
ومعشر راودتهم عن نفوسهم بيض الظبى غير بيض الخرد العرب
فأنعـموا بنفوس لا عديل لها حتى أسليت على الخرصان والقضب

المجلس السابع والثلاثون

روى عبد الله بن سليمان والمنذر بن المشمعل الاسديان قالا : لما قضينا حجنا لم تكن لنا همة إلا اللحاق بالحسين «ع» لننظر ما يكون من أمره فأقبلنا ترقل بنا ناقتانا مسرعين حتى لحقناه بزرود فلما دنونا منه اذا نحن برجل من أهل الكوفة قد عدل عن الطريق حين رأى الحسين «ع» فوقف الحسين كأنه يريده ثم تركه ومضى ومضينا نحوه فقال أحدنا لصاحبه إذهب بنا إلى هذا

السابق السابق الفهرس التالي التالي