المجالس السنية ـ الجزء الاول 34

فابشر يا معاوية بالقصاص واستيقن بالحساب واعلم ان لله تعالى كتاباً لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها وليس الله بناس لأخذك بالظنة وقتلك اولياءه على التهم ونفيك اولياءه من وردهم إلى دار الغربة وأخذك للناس ببيعة ابنك غلام حدث يشرب الشراب ويلعب بالكلاب ما أراك إلا خسرت نفسك وبترت دينك وغششت رعيتك واخربت أمانتك وسمعت مقالة السفيه الجاهل وأخفت الورع التقي والسلام .
فلما قرأ معاوية الكتاب قال لقد كان في نفسه شيء ما اشعر به فقال يزيد أجبه جواباً يصغر اليه نفسه تذكر فيه اباه بشر فعله ودخل عبد الله بن عمرو بن العاص فقال معاوية أما رأيت ما كتب به الحسين وأقرأه الكتاب فقال وما يمنعك ان تجيبه بما يصغر اليه نفسه وإنما قال ذلك في هوى معاوية فقال يزيد رأيت يا أمير المؤمنين رأيي فضحك معاوية وقال أخطأتما أرأيتما لو اني ذهبت لعيب علي محقاً فما عسيت ان اقول فيه ومتى عبت رجلا بما لا يعرفه الناس لم يحفل به وكذبه الناس وما عسيت ان اعيب حسيناً فو الله ما أرى للعيب فيه موضعاً .
ومناقب شهد العدو بفضلها والفضل ما شهدت به الاعداء

تفديك نفسي يا أبا عبد الله انت الذي علمت الناس الأنفة والشمم والاباء ، أبيت ان تخضع لتهديد معاوية ووعيده كما أبيت ان تخضع وتنقاد ليزيد وجدت بنفسك في سبيل الدين والعز والشرف حتى قتلت عطشان ظامياً غريباً مظلوماً وآثرت المنية على الدنية وموت العز على حياة الذل وقلت فيما قلت والله لو لم يكن في الدنيا ملجأ لما بايعت يزيد بن معاوية .
أرادت لها الويلات تسليمـه لها وكيف تنال الشمس أيدي اللوامس
وهيهات ان يرضى الحسين بذلة أبتها أصول زاكيـات المغـارس


المجالس السنية ـ الجزء الاول 35

المجلس السابع عشر

في مناقب ابن شهر اشوب عن عبد الله بن عمير والحاكم والعباس قالوا : خطب الحسن «ع» عايشة بنت عثمان فقال مروان ازوجها عبد الله بن الزبير ، ومضت أيام من وفاته كتب معاوية إلى مروان وهو عامله على الحجاز يأمره أن يخطب أم كلثوم بنت عبد الله بن جعفر لإبنه يزيد فأتى عبد الله بن جعفر فأخبره بذلك فقال عبد الله إن امرها ليس إلي إنما هو إلى سيدنا الحسين «ع» وهو خالها فأخبر الحسين بذلك فقال استخير الله تعالى اللهم وفق لهذه الجارية رضاك من آل محمد فلما اجتمع الناس في مسجد رسول الله (ص) اقبل مروان حتى جلس الى الحسين (ع) وعنده من الجلة وقال إن أمير المؤمنين معاوية امرني ان أخطب أم كلثوم بنت عبد الله بن جعفر لأبنه يزيد وأن اجعل مهرها حكم أبيها بالغاً ما بلغ مع صلح ما بين هذين الحيين مع قضاء دين ابيها وأعلم ان من يغبطكم بيزيد اكثر ممن يغبطه بكم والعجب كيف يستمهر يزيد وهو كفو من لا كفو له ، وبوجهه يستسقى الغمام فرد خيراً يا أبا عبد الله ، فقال الحسين عليه السلام الحمد لله الذي اختارنا لنفسه وارتضانا لدينه واصطفانا على خلقه ثم قال يا مروان قلت فسمعنا أما قولك مهرها حكم أبيها بالغاً ما بلغ فلعمري لو أردنا ذلك ما عدونا سنة رسول الله (ص) بناته ونسائه وأهل بيته وهو اثنتا عشرة اوقية يكون اربعمائة وثمانين درهما واما قولك مع قضاء دين أبيها فمتى كن نساؤنا يقضين عنا ديوننا ، واما صلح ما بين هذين الحيين فانا قوم عاديناكم في الله فلم نكن نصالحكم للدنيا فلعمري لقد أعيا النسب فكيف السبب ، وأما قولك العجب ليزيد كيف يستمهر فقد استمهر من هو خير من يزيد ومن أبي يزيد ومن جد يزيد وأما قولك ان يزيد كفو من لا كفو له فمن كان كفوه قبل اليوم فهو كفوه اليوم ما زادته امارته في

المجالس السنية ـ الجزء الاول 36

الكفاءة شيئا . واما قولك بوجهه يستسقى الغمام فانما كان ذلك بوجه رسول الله (ص) ، واما قولك من يغبطنا به اكثر ممن يغبطه بنا فانما يغبطنا به اهل الجهل ويغبطه بنا اهل العقل . ثم قال فاشهدوا جميعاً اني قد زوجت ام كلثوم بنت عبد الله بن جعفر من ابن عمها القاسم بن محمد بن جعفر على اربعمائة وثمانين درهماً وقد نحلتها ضيعتي بالمدينة او قال أرضي بالعقيق وأن غلتها في السنة ثمانية آلاف دينار ففيها لهما غنى ان شاء الله ، قال فتغير وجه مروان وقال : غدراً يا بني هاشم تأبون إلا العداوة فذكره الحسين عليه السلام خطبة أخيه الحسن عائشة وفعله ثم قال فأين موضع الغدر يا مروان ؟ فقال مروان :
أردنا صهركم لنجد وداً قد اخلقه به حدث الزمان
فاما جئتكم فجبهتموني وبحتم بالضمير من الشنان

فأجابه ذكوان مولى بني هاشم :
أماط الله عنهم كل رجس وطهرهـم بذلك في المثاني
فما لهم سواهم من نظير ولا كفـو هناك ولا مداني
أتعجل كـل جبار عنيد إلى الأخيار من أهل الجنان

وما زالت هذه الاضغان في نفس يزيد حتى أظهرها لما جيء اليه برأس الحسين عليه السلام فجعل يقول :
نفلق هاماً من رجال أعزة علينا وهم كانوا اعق واظلما

ودعا بقضيب خيزران فجعل ينكت به ثنايا الحسين عليه السلام ثم قال : يوم بيوم بدر ثم قال :
ليت أشياخي ببدر شهدوا جزع الخزرج من وقع الأسل
لأهلـوا واستهلـوا فرحاً ثم قالـوا يا يزيـد لا تشـل
قد قتلنا القرم من ساداتهم وعدلنـاه ببـدر فاعـتـدل


المجالس السنية ـ الجزء الاول 37

لعبـت هاشـم بالملك فـلا خبر جاء ولا وحـي نـزل
لست من خندف إن لم أنتقم من بنـي أحمـد ما كان فعل
أنتكثهـا شلـت يمينك إنها وجوه لوجه الله طال سجودها

المجلس الثامن عشر

قال الرضا «ع» ان المحرم شهر كان أهل الجاهلية فيما مضى يحرمون فيه الظلم والقتال فاستحلت فيه دماؤنا وهتكت فيه حرمتنا وسبي ذرارينا ونساؤنا واضرمت النيران في مضاربنا وانتهب منها ثقلنا ولم ترع لرسول الله (ص) حرمة في أمرنا إن يوم الحسين أقرح جفوننا وأسال دموعنا وأذل عزيزنا بأرض كرب وبلاء وأورثنا الكرب والبلاء إلى يوم الانقضاء فعلى مثل الحسين فليبك الباكون «ثم قال الرضا» «ع» كان أبي إذا دخل شهر المحرم لا يرى ضاحكاً وكانت الكآبة تغلب عليه حتى تمضي منه عشرة ايام فإذا كان اليوم العاشر كان ذلك اليوم يوم مصيبته وحزنه وبكائه ويقول هو اليوم الذي قتل فيه جدي الحسين «ع» (وقال الرضا) «ع» من ترك السعي في حوائجه يوم عاشوراء قضى الله له حوائج الدنيا والآخرة ومن كان يوم عاشوراء يوم مصيبته وحزنه وبكائه جعل الله عزوجل يوم القيامة يوم فرحه وسروره وقرت بنا في الجنان عينه ، ومن سم يوم عاشوراء يوم بركة وادخر فيه لمنزله شيئاً لم يبارك له فيما ادخر وحشر يوم القيامة مع يزيد وعبيد الله بن زياد وعمر بن سعد لعنهم الله إلى أسفل درك من النار «اقول» واما اتخاذ يوم عاشوراء يوم

المجالس السنية ـ الجزء الاول 38

عيد وفرح وسرور فهي سنة أموية وقد اتبعها من اتبعها جهلاً بالحال وإلا فلا يظن بمسلم انه يفرح في يوم قتل ابن بنت نبيه الذي لو كان حياً لكان هو المعزى به والباكي عليه كما بكى عليه في حياته .
يا يوم عاشوراء كم لك غلة تترقص الاحشاء من إيقادها
ما عدت الإعـاد قلبي لوعة حرى ولو بالغت في إبرادها
مثل السليـم مضيضة آناؤه خزر العيون تعـوده بعيادها
كانت مآتـم بالعراق تعدها أموية بالشـام مـن أعيادها

المجلس التاسع عشر

حكى دعبل الخزاعي قال : دخلت على سيدي ومولاي علي بن موسى الرضا «ع» في أيام عشر المحرم فرأيته جالساً جلسة الحزين الكئيب واصحابه من حوله فلما رآني مقبلا قال لي مرحباً بك يا دعبل مرحباً بناصرنا بيده ولسانه ، ثم انه وسع لي في مجلسه وأجلسني إلى جانبه ثم قال يا دعبل أحب ان تنشدني شعراً فان هذه الايام أيام حزن كانت علينا اهل البيت وايام سرور كانت على أعدائنا خصوصاً بني أميه ، ثم إنه «ع» نهض وضرب ستراً بيننا وبين حرمه وأجلس اهل بيته من وراء الستر ليبكوا على مصاب جدهم الحسين «ع» ثم التفت إلي وقال لي يا دعبل إرث الحسين فأنت ناصرنا ومادحنا ما دمت حياً فلا تقصر عن نصرنا ما استطعت ، قال دعبل فاستعبرت وسالت عبرتي وأنشأت اقول :
أفاطم لو خلت الحسين مجدلاً وقد مات عطشـاناً بشط فرات
إذا للطمت الخـد فاطم عنده وأجريت دمع العين في الوجنات


المجالس السنية ـ الجزء الاول 39

أفاطم قومـي يا ابنة الخير واندبي نجوم سـماوات بأرض فـلاة
قبـور بكوفـان واخـرى بطيـبة واخرى بفـخ نالها صلـواتي
قبور بجنب النهر من أرض كربلاء معرسهـم فـيـها بشط فرات
توفـوا عطـاشى بالفـرات فليتني توفيت فيه قبـل حيـن وفاتي
إلى الله أشكو لوعـة عنـد ذكرهم سقتني بكأس الثكل والفضعات
سـأبكيـهم مـا حـج لله راكـب وما ناح قمري على الشجرات
فياعـين بكيـهم وجـودي بعـبرة فقد آن للتـسكاب والهـملات
سأبكيهم مـا ذر في الافـق شارق ونادى منادي الخير للصلوات
وما طلعت شمس وحان غـروبها وباللـيل أبكيهم وبالغـدوات

وفي عيون أخبار الرضا «ع» بسنده عن عبد السلام بن صالح الهروي قال : دخل دعبل بن علي الخزاعي رحمه الله على أبي الحسن علي بن موسى الرضا «ع» بمرو فقال له يا ابن رسول الله إني قد قلت فيكم قصيدة وآليت على نفسي أن لا أنشدها احداً قبلك فقال عليه السلام هاتها فأنشده :
مدارس آيات خلت من تلاوة ومنزل وحي مقفر العرصات

فلما بلغ إلى قوله :
أرى فيئهم في غيرهم متقسماً وأيديهم من فيئهم صفرات

بكى ابو الحسن الرضا «ع» وقال له صدقت يا خزاعي فلما بلغ إلى قوله :
إذا وتروا مدوا إلى واتريهم اكفا عن الأوتار منقبضات

جعل ابو الحسن «ع» يقلب كفيه ويقول أجل والله منقبضات ، فلما بلغ إلى قوله :
لقد خفت في الدنيا وأيام سعيها وإني لأرجو الأمن بعد وفاتي

قال الرضا «ع» آمنك الله يوم الفزع الاكبر . ثم أعطاه مائة دينار من الدنانير المضروب عليها اسم الرضا «ع» فقال دعبل والله ما لهذا جئت ولا قلت هذه القصيدة طمعاً في شيء ورد الصرة وسأل ثوباً من ثياب الرضا «ع»

المجالس السنية ـ الجزء الاول 40

ليتبرك به فأنفذ اليه الرضا «ع» جبة خز مع الصرة فأخذهما دعبل وانصرف .
لا أضحك الله سن الدهر إن ضحكت وآل احمد مظلومون قد قهروا
مشـردون نفوا عـن عقـر دارهم كأنهم قد جنوا ما ليـس يغتفر
* * *
اذا العين قرت في الحياة وانتم تخافون في الدنيا فأظلم نورها

المجلس العشرون

عن معاوية بن وهب قال : دخلت يوم عاشوراء إلى دار مولاي جعفر الصادق عليه السلام فرأيته ساجداً في محرابه فجلست من ورائه حتى فرغ فأطال في سجوده وبكائه فسمعته يناجي ربه وهو ساجد وهو يقول اللهم يا من خصنا بالكرامة ووعدنا بالشفاعة وحملنا الرسالة وجعلنا ورثة الأنبياء وختم بنا الأمم السالفة و خصنا بالوصية وجعل أفئدة من الناس تهوي الينا إغفر اللهم لي ولأخواني ولزوار أبي عبد الله الحسين «ع» الذين أنفقوا أموالهم في حبه وأشخصوا ابدانهم رغبة في برنا ورجاء لما عندك في صلتنا وسروراً أدخلوه على نبيك محمد «ص» واجابة منهم لأمرنا وغيظاً أدخلوه على عدونا وارادوا بذلك رضوانك اللهم فكافهم عنا بالرضوان واكلأهم بالليل والنهار واخلفهم في أهاليهم وأولادهم الذين خلفوا أحسن الخلف وأكفهم شر كل جبار عنيد وكل ضعيف من خلقك وشديد وشر شياطين الانس والجن واعطهم افضل ما املوه منك في غربتهم عن أوطانهم وما آثرونا به على ابنائهم وأهاليهم وقرابتهم اللهم ان اعداءنا عابوا عليهم خروجهم فلم ينههم ذلك عن النهوض والشخوص الينا خلافاً منهم على من خالفنا فارحم تلك الوجوه التي غيرتها الشمس وارحم

المجالس السنية ـ الجزء الاول 41

تلك الخدود التي تقلبت على قبر أبي عبد الله الحسين وارحم تلك الاعين التي جرت دموعها رحمة لنا وارحم تلك القلوب التي حزنت لأجلنا واحترقت بالحزن وارحم تلك الصرخة التي كانت لأجلنا ، اللهم إني استودعك تلك الأنفس وتلك الأبدان حتى ترويهم من الحوض يوم العطش الاكبر وتدخلهم الجنة وتسهل عليهم الحساب إنك انت الكريم الوهاب «قال» فما زال الامام «ع» يدعو لأهل الإيمان ولزوار قبر الحسين «ع» وهو ساجد في محرابه فلما رفع رأسه أتيت اليه وسلمت عليه وتأملت وجهه فاذا هو كاسف اللون متغير الحال ظاهر الحزن ودموعه تنحدر على خديه كاللؤلؤ الرطب فقلت يا سيدي مما بكاؤك لا ابكى الله لك عينا وما الذي حل بك فقال لي او في غفلة انت عن هذا اليوم أما علمت ان جدي الحسين قد قتل في مثل هذا اليوم فبكيت لبكائه وحزنت لحزنه فقلت له يا سيدي فما الذي أفعل في مثل هذا اليوم فقال يا ابن وهب زر الحسين «ع» من بعيد اقصى ومن قريب ادنى وجدد الحزن عليه واكثر البكاء والشجو له فقلت له يا سيدي لو ان الدعاء الذي سمعته منك وانت ساجد كان لمن لا يعرف الله تعالى لظننت ان النار لا تطعم منه شيئاً والله لقد تمنيت أني كنت زرته قبل أن احج فقال لي فما يمنعك من زيارته يا ابن وهب ولم تدع ذلك فقلت جعلت فداك لم ادر ان الأجر يبلغ هذا كله حتى سمعت دعاءك لزواره فقال لي يا ابن وهب ان الذي يدعو لزواره في السماء اكثر ممن يدعو لهم في الارض فاياك ان تدع زيارته لخوف من احد فمن تركها لخوف من احد رأى الحسرة والندم يا ابن وهب اما تحب ان يرى الله شخصك اما تحب ان تكون غداً ممن يصافحه رسول الله «ص» يوم القيامة «قلت» يا سيدي فما قولك في صومه من غير تبييت فقال لي لا تجعله صوم يوم كامل وليكن إفطارك بعد العصر بساعة على شربة من ماء فانه في ذلك الوقت انجلت الهيجاء عن آل الرسول وانكشفت الغمة عنهم ومنهم في الأرض ثلاثون قتيلا يعز على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مصرعهم ولو كان حياً لكان هو المعزى بهم «قال»

المجالس السنية ـ الجزء الاول 42

وبكى الصادق «ع» حتى اخضلت لحيته بدموعه ولم يزل حزيناً كئيباً طول يومه ذلك وانا معه ابكي لبكائه واحزن لحزنه .
مصيبة اسعرت في القلب نار جوى يزيدها مستمـر الذكر تسعيرا
يا آل احمد كـم حلـت فجائعكـم وكاء عيني بدمع ليس منزورا

المجلس الواحد والعشرون

مر سليمان بن قتة العدوي رحمه الله بكربلاء بعد قتل الحسين «ع» بثلاث فنظر إلى مصارعهم واتكأ على فرس له عربية وانشأ يقول :
مررت علـى أبيـات آل محمـد فلم أرها أمثالهـا يـوم حلـت
ألم تر ان الشمس اضحت مريضة لفقد حسيـن والبـلاد اقشعرت
وكانوا رجاء ثم أضحـوا رزيـة لقد عظمـت تلك الرزايا وجلت
وتسألنا قيـس فنعطـي فقيـرها وتغتابنا قيـس اذا النعل زلـت
وعند غنـي قطـرة مـن دمائنا سنطلبهم يوماً بها حيث حلـت
فلا يبعـد الله الديـار وأهلـهـا وإن أصبحت منهم برغم تخلت
وان قتيـل الطف من آل هاشـم أذل رقاب المسلمين فـذلـت
وقد أعولت تبكـي السماء لفقده وأنجمنا ناحت عليه وصلـت

ومر ابن الهبارية الشاعر بكربلاء فجلس يبكي على الحسين «ع» وأهله وقال بديهاً :
أحسين والمبعوث جدك بالهدى قسماً يكون الحق عنه مسائلي
لو كنت شاهد كربلا لبذلت في تنفيس كربك جهد بذل الباذل
وسقيت حد السيف من اعدائكم عللا وحد السمهـري الذابل


المجالس السنية ـ الجزء الاول 43

لكنني أخرت عنـك لشقـوتـي فبلابلي بين الغـري وبابل
هبني حرمت النصر من اعدائكم فأقل من حزن ودمع سائل

ويقال انه نام في مكانه فرأى النبي (ص) فقال له جزاك الله عني خيراً ابشر فإن الله قد كتبك ممن جاهد بين يدي الحسين «ع» .
يا آل أحمد لا يخيـب موحـد متمسـك منكم بحبـل ولاء
إن فاتني من نصركم ما فاتني وأطال فيكـم لوعتي وبكائي
فلارثينكم على طـول المـدى بقصائد أعيت على الشعراء

المجلس الثاني والعشرون

في الأغاني بسنده عن علي بن اسماعيل التميمي عن ابيه قال كنت عند أبي عبد الله جعفر بن محمد عليه السلام اذ استأذن آذنه للسيد الحميري (وهو اسماعيل بن محمد والسيد لقبه) فأمر بايصاله وأقعد حرمه خلف ستر ودخل فسلم وجلس فاستنشده فأنشده قوله :
أمرر على جدث الحسين وقل لأعظمه الزكيـه
يا أعظمـاً لا زلـت من وطفـاء ساكبة رويه
واذا مـررت بـقـبـره فأطل به وقف المطيه
وابك المطهـر للمطهـ ـر والمطهـر النقية
كبكـاء معـولـة أتـت يوماً لواحدهـا المنيه

قال فرأيت دموع جعفر بن محمد تتحدر على خديه وارتفع الصراخ من داره حتى امره بالامساك فامسك(وقال الصادق عليه السلام) لأبي هرون المكفوف يا أبا هارون انشدني في الحسين«ع» قال فانشدته فقال لي انشدني كما تنشدون

المجالس السنية ـ الجزء الاول 44

فأنشدته :
أمرر على جدث الحسيـ ـن وقال لأعظمه الزكيه
ما لذ عيـش بعد رضـ ـك بالجياد الأعـوجيـه

المجلس الثالث والعشرون

لما مات معاوية وذلك في النصف من رجب سنة ستين من الهجرة وتخلف بعده ولده يزيد كتب يزيد إلى ابن عمه الوليد بن عتبة بن أبي سفيان وكان والياً على المدينة يأمره بأخذ البيعة على أهلها وخاصة على الحسين عليه السلام ولا يرخص له في التأخر عن ذلك ويقول إن أبى عليك فاضرب عنقه وابعث إلي برأسه فأحضر الوليد مروان ابن الحكم واستشاره في أمر الحسين عليه السلام فقال إنه لا يقبل ولو كنت مكانك لضربت عنقه فقال الوليد ليتني لم أك شيئاً مذكوراً ثم بعث إلى الحسين عليه السلام في الليل فاستدعاه فعرف الحسين الذي أراد فدعا بجماعة من أهل بيته ومواليه وكانوا ثلاثين رجلاً فأمرهم بحمل السلاح . وقال لهم ان الوليد قد استدعاني في هذا الوقت ولست آمن أن يكلفني فيه امراً لا أجيبه وهو غير مأمون فكونوا معي فاذا دخلت اليه فأجلسوا على الباب فإن سمعتم صوتي قد علا فادخلوا عليه لتمنعوه عني فصار الحسين «ع» إلى الوليد فوجد عنده مروان بن الحكم فنعى اليه الوليد موت معاوية فاسترجع الحسين «ع» ثم قرأ الوليد عليه كتاب يزيد وما أمره فيه من أخذ البيعة منه ليزيد فقال الحسين «ع» اني أراك لا تقنع ببيعتي سراً حتى أبايعه جهراً فيعرف ذلك الناس فقال له الوليد أجل فقال الحسين «ع» تصبح وترى رأيك في ذلك فقال له الوليد انصرف على اسم الله حتى تأتينا مع جماعة الناس فقال له مروان والله لئن فارقك الحسين الساعة ولم يبايع لا قدرت منه

المجالس السنية ـ الجزء الاول 45

على مثلها ابداً حتى تكثر القتلى بينكم وبينه ولكن أحبس الرجل فلا يخرج من عندك حتى يبايع او تضرب عنقه فوثب الحسين «ع» عند ذلك ثم قال ويلي عليك يا ابن الزرقاء أنت تأمر بضرب عنقي كذبت والله ولؤمت ثم أقبل على الوليد فقال أيها الأمير إنا أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة بنا فتح الله وبنا ختم ويزيد رجل فاسق شارب الخمر قاتل النفس المحترمة معلن بالفسق ومثلي لا يبايع مثله ولكن نصبح وتصبحون وننظر وتنظرون أينا أحق بالخلافة والبيعة ثم خرج ومعه مواليه وهو يتهادى بينهم ويتمثل بقول يزيد بن المفرغ الشاعر المشهور :
لا ذعرت السوام في فلق الصبـ ـح مغيراً ولا دعيت يزيداً
يوم اعطـي مخافة الموت ضيماً والمنايا ويرصدنني أن احيدا

حتى أتى منزله ، فقال مروان للوليد عصيتني فقال ويحك انك أشرت علي بذهاب ديني ودنياي والله ما أحب أن أملك الدنيا بأسرها وأني قتلت حسيناً والله ما أظن أحداً يلقى الله بدم الحسين إلا وهو خفيف الميزان لا ينظر الله اليه يوم القيامة ولا يزكيه .
(كأني) بالحسين «ع» لما خرج من عند الوليد أحدق به إخوته وأولاده ومواليه وسائر بني هاشم وهم شاكون في السلاح وهو بينهم كالقمر ما بين النجوم يقدمهم ابو الفضل العباس قمر بني هاشم وهو كالأسد الغضبان حتى أتوا به إلى منزله مكرماً لم يصبه سوء فأين كان بنو هاشم عن سيدهم الحسين يوم عاشوراء حين بقي وحيداً فريداً بين الأعداء لا ناصر له ولا معين (بلى) كانوا مطرحين على الرمضاء مرملين بالدماء مقطعة اعضاؤهم مبددة أوصالهم .
كضواحك عليهـم دون الخيام ولا خلوا خوات حسيـن تنضام
لمن خروا تفايـض منهم الهام تهاووا مثل مهوى النجوم من خر
كضوا ما بين من قطعوا وريده وبين الطار رأسه وطاحت ايـده


المجالس السنية ـ الجزء الاول 46

وبين امشبح برميا شديده وبين الصار النشاب مكور

المجلس الرابع والعشرون

لما تهيأ الحسين «ع» للخروج من المدينة مضى في جوف الليل إلى قبر أمه فودعها ثم مضى إلى قبر أخيه الحسن ففعل كذلك ثم رجع إلى منزله وقت الصبح فأقبل اليه أخوه محمد بن الحنفية فقال يا أخي انت احب الخلق إلي وأعزهم علي ولست أدخر النصيحة لأحد من الخلق وليس أحد أحق بها منك لأنك مزاج مائي ونفسي وروحي وبشري وكبير أهل بيتي ومن وجبت طاعته في عنقي لأن الله قد شرفك علي وجعلك من سادات أهل الجنة تنح ببيعتك عن يزيد وعن الأمصار ما أستطعت ثم ابعث رسلك إلى الناس فان تابعك الناس وبايعوا لك حمدت الله على ذلك وان اجتمع الناس على غيرك لم ينقص الله بذلك دينك ولا عقلك ولا تذهب به مروءتك ولا فضلك إني اخاف عليك ان تدخل مصراً من هذه الأمصار فيختلف الناس بينهم فتكون لأول الاسنة غرضاً فاذا خير هذه الأمة كلها نفساً وأباً وأماً أضيعها دماً وأذلها أهلاً فقال له الحسين «ع» فأين أذهب يا أخي قال تخرج إلى مكة فان اطمأنت بك الدار بها فذاك وإن تكن الأخرى . جت الى بلاد اليمن فإنهم أنصار جدك وأبيك وهم أرأف الناس وأرقهم قلوباً وأوسع الناس بلاداً فان اطمأنت بك الدار وإلا لحقت بالرمال وشعوب الجبال وجزت من بلد إلى بلد حتى تنظر ما يؤول اليه أمر الناس ويحكم الله بيننا وبين القوم الفاسقين . فقال الحسين عليه السلام يا أخي والله لو لم يكن في الدنيا ملجأ ولا مأوى لما بايعت يزيد بن معاوية فقطع محمد بن الحنفية عليه الكلام وبكى فبكى الحسين «ع» معه ساعة ثم قال يا أخي جزاك الله خيراً فقد نصحت وأشرت بالصواب وأنا

المجالس السنية ـ الجزء الاول 47

عازم على الخروج إلى مكة وقد تهيأت لذلك أنا وأخوتي وبنو اخي وشيعتي أمرهم أمري ورأيهم رأيي وأما أنت يا اخي فلا عليك ان تقيم بالمدينة فتكون لي عيناً عليهم لا تخفي عني شيئاً من أمورهم ثم دعا الحسين «ع» بدواة وبياض وكتب هذه الوصية لأخيه محمد بن الحنفية :
بسم الله الرحمن الرحيم

هذا ما أوصى به الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام إلى اخيه محمد المعروف بابن الحنفية ان الحسين عليه السلام يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وان محمداً عبده ورسوله جاء بالحق من عند الحق وان الجنة والنار حق وان الساعة آتية لا ريب فيها وان الله يبعث من في القبور وأني لم أخرج اشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً وانما خرجت لطلب الاصلاح في امة جدي رسول الله (ص) اريد ان آمر بالمعروف وانهى عن المنكر واسير بسيرة جدي (ص) وأبي علي «ع» فمن قبلني بقبول الحق فالله اولى بالحق ومن رد علي هذا اصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق وهو خير الحاكمين.وهذه وصيتي يااخي اليك وما توفيقي الا بالله عليه توكلت واليه انيب (ثم) طوى الحسين «ع» الكتاب وختمه بخاتمه ودفعه الى اخيه محمد ابن الحنفية ثم ودعه وخرج في جوف الليل وهو يقرأ : «فخرج منها خائفاً يترقب قال رب نجني من القوم الظالمين» . ولزم الطريق الأعظم فقال له اهل بيته لو تنكبت الطريق (أي سرت على غير الجادة العظمى) كما فعل ابن الزبير كيلا يلحقك الطلب فقال لا والله لا أفارق الطريق الأعظم حتى يقضي الله ما هو قاض .
افديه من خائف ضاق الفضاء به وهو الأمان لمن فوق الثرى جمعا
مشـرداً لا يرى حـرزاً يلوذ به الا حساماً كلون الملتح قـد نصـعا
مستقتلاً ان يحل الضـيم ساحته ومسرعاً نحو داعي العزحين دعـا


المجالس السنية ـ الجزء الاول 48

المجلس الخامس والعشرون

لما وصل الحسين عليه السلام الى مكة وذلك لثلاث مضين من شعبان سنة ستين من الهجرة دخلها وهو يقرأ : ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربي ان يهديني سواء السبيل (وجاءه) عبد الله بن عباس وعبد الله بن الزبير فأشارا عليه بالامساك فقال لهما ان رسول الله (ص) امرني بأمر وانا ماض فيه فخرج ابن عباس وهو يقول واحسيناه (ثم) جاءه عبد الله بن عمر فأشار عليه بصلح اهل الضلال وحذره من القتل والقتال فقال له يا أبا عبد الرحمن أما علمت ان من هوان الدنيا على الله ان رأس يحيى بن زكريا أهدي إلى بغي من بغايا بني إسرائيل أما تعلم ان بني إسرائيل كانوا يقتلون ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس سبعين نبياً ثم يجلسون في أسواقهم يبيعون ويشترون كأن لم يصنعوا شيئاً فلم يعجل الله عليهم بل اخذهم اخذ عزيز ذي انتقام اتق الله يا أبا عبد الرحمن ولا تدعن نصرتي (وبلغ) اهل الكوفة امتناع الحسين «ع» من بيعة يزيد وخروجه إلى مكة فاجتمعوا في منزل سليمان بن صرد الخزاعي وكتبوا اليه بالقدوم عليهم ووعدوه النصرة وتواترت عليه كتبهم حتى اجتمع عنده في نوب متفرقة اثنا عشر الف كتاب وفي بعضها ان الناس ينتظرونك لا رأي لهم غيرك فالعجل العجل ثم العجل العجل ، وفي بعضها قد اخضر الجناب واينعت الثمار واعشبت الارض واورقت الأشجار فاذا شئت فأقبل على جند لك مجند (وفي رواية) انهم كتبوا اليه إنا معك مائة الف سيف . وهو مع ذلك يتأنى ولا يجيبهم ثم اجابهم بالقبول وأرسل اليهم ابن عمه مسلم بن عقيل رضوان الله عليه فكتب اليه مسلم يخبره ببيعة ثمانية عشر ألفاً ويأمره بالقدوم (وفي رواية) انه بايعه منهم اربعون ألفاً على ان يحاربوا من حارب ويسالموا من سالم فأقام الحسين «ع» بمكة باقي شعبان وشهر رمضان وشوالاً وذا القعدة

المجالس السنية ـ الجزء الاول 49

وسبعة ايام من ذي الحجة وخرج في اليوم الثامن وذلك ان يزيد بن معاوية انفذ عمرو بن سعيد ابن العاص في عسكر عظيم وولاه أمر الموسم وأمره على الحاج كلهم وكان قد أوصاه بقبض الحسين «ع» سراً وان لم يتمكن منه يقتله غيلة ، ثم انه دس مع الحاج في تلك السنة ثلاثين رجلاً من شياطين بني أمية وامرهم بقتل الحسين «ع» على أي حال اتفق فلما علم الحسين «ع» بذلك عزم على التوجه الى العراق فطاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة واحل من احرام الحج وجعلها عمرة مفردة لأنه لم يتمكن من إتمام الحج مخافة ان يقبض عليه فخرج من مكة يوم التروية لثمان مضين من ذي الحجة فكان الناس يخرجون الى منى والحسين «ع» خارج الى العراق ولم يكن علم بقتل مسلم بن عقيل رحمه الله لأنه خرج من مكة في اليوم الذي قتل فيه مسلم بن عقيل بالكوفة :
لا أضحك الله سن الدهر إن ضحكت وآل أحمد مظلومون قد قهروا
مشـردون نفوا عن عقـر دارهـم كأنهم قد جنوا ما ليـس يغتفر

المجلس السادس والعشرون

لما عزم الحسين عليه السلام على الخروج من مكة إلى العراق جاءه محمد بن الحنفية رضوان الله عليه في الليلة التي أراد الحسين «ع» الخروج في صبيحتها فقال له يا أخي ان اهل الكوفة قد عرفت غدرهم بأبيك وأخيك وقد خفت أن يكون حالك كحال من مضى فان رأيت ان تقيم فانك اعز من في الحرم وأمنعه ، فقال يا أخي قد خفت ان يغتالني يزيد بن معاوية في الحرم فأكون الذي تستباح به حرمة هذا البيت فقال له ابن الحنفية فان خفت ذلك فسر الى أرض اليمن أو بعض نواحي البر فانك أمنع الناس به ولا يقدر عليك احد

المجالس السنية ـ الجزء الاول 50

فقال أنظر فيما قلت فلما كان السحر ارتحل الحسين «ع» فبلغ ذلك ابن الحنفية فأتاه فأخذ بزمام ناقته وقد ركبها فقال يا أخي ألم تعدني النظر فيما سألتك قال بلى قال فما حداك على الخروج عاجلاً قال أتاني رسول الله (ص) بعدما فارقتك فقال يا حسين أخرج فان الله شاء ان يراك قتيلاً فقال محمد بن الحنفية إنا لله وإنا اليه راجعون فما معنى حملك هؤلاء معك وأنت تخرج على مثل هذا الحال فقال ان الله قد شاء ان يراهن سبايا فسلم عليه ومضى (وسمع) عبد الله بن عمر بخروجه فقدم راحلته وخرج خلفه مسرعاً فأدركه في بعض المنازل فقال اين تريد يا ابن رسول الله قال العراق قال مهلاً ارجع إلى حرم جدك رسول الله (ص) فابى الحسين (ع) فلما رأى ابن عمر إباءه قال يا أبا عبد الله اكشف لي عن الموضع الذي كان رسول الله (ص) يقبله منك فكشف الحسين عليه السلام عن سرته فقبلها ابن عمر ثلاثاً وبكى وقال استودعك الله يا ابا عبد الله فانك مقتول في وجهك هذا .
ان يقتلـوك فلا عـن فقد معرفة الشمس معروفـة بالعيـن والاثر
قد كنت في مشرق الدنيا ومغربها كالحمد لم تغن عنها سائر السور

المجلس السابع والعشرون

لما مات معاوية وبلغ أهل البصرة مكاتبة اهل الكوفة للحسين (ع) اجتمعت شيعة البصرة في دار مارية بنت منقذ العبدي وكانت تتشيع فتذاكروا أمر الأمة وما آل اليه الأمر فخرج بعضهم لنصرة الحسين (ع) وكاتبه بعضهم لنصرة الحسين (ع) وكاتبه بعضهم يطلب قدومه قال السيد ابن طاوس عليه الرحمة في كتاب الملهوف ان الحسين عليه السلام كتب الى جماعة من اهل البصرة كتاباً مع مولى له اسمه سليمان ويكنى ابا رزين يدعوهم الى نصرته ولزوم

السابق السابق الفهرس التالي التالي