المجالس السنية ـ الجزء الاول 18

أما شجاعته فهي التي ضربت بها الأمثال وسارت بها الركبان وأنست شجاعة جميع الشجعان (وهو) الذي دعا الناس إلى البراز في يوم كربلاء فلم يزل يقتل كل من برز اليه حتى قتل مقتلة عظيمة (وهو) الذي كان يحمل على الاعداء وقد تكملوا ثلاثين ألفاً فينهزمون بين يديه كأنهم الجراد المنتشر فلما رأى شمر ذلك استدعى الفرسان فصاروا في ظهور الرجالة وأمر الرماة ان يرموه فرشقوه بالسهام حتى صار كالقنفذ فحجم عنهم ، وحالوا بينه وبين رحله ، فقال ويلكم يا شيعة آل أبي سفيان : إن لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون المعاد فكونوا أحراراً في دنياكم هذه وارجعوا إلى أحسابكم ان كنتم عربا كما تزعمون ، فناداه شمر ما تقول يا ابن فاطمة قال أقول أنا الذي أقاتلكم وتقاتلونني والنساء ليس عليهن جناح ، فامنعوا عتاتكم وجهالكم وطغاتكم من التعرض لحرمي ما دمت حياً ، قال شمر لك ذلك ، ثم صاح : إليكم عن حرم الرجل واقصدوه بنفسه فلعمري لهو كفو كريم .
قال اقصدوني بنفسي واتركوا حرمي قدحان حيني وقد لاحت لوائحه

المجلس السابع

مما جاء في كرم الحسنين عليهما السلام ما ذكره البيهقي في كتاب المحاسن والمساوئ ، قال ذكروا ان رجلين احدهما من بني هاشم والآخر من بني أمية ، قال هذا : قومي أسمح وقال هذا : قومي أسمح ، قال فسل أنت عشرة من قومك وأنا أسأل عشرة من قومي ، فانطلق صاحب بني أمية فسأل فأعطاه كل واحد منهم عشرة آلاف درهم ، وانطلق صاحب بني هاشم إلى الحسن بن علي عليهما السلام فأمر له بمائة وخمسين الف درهم ، ثم أتى الحسين عليه السلام ، فقال هل بدأت بأحد قبلي قال بدأت بالحسن ، قال ما كنت استطيع

المجالس السنية ـ الجزء الاول 19

ان ازيد على سيدي شيئاً فأعطاه مائة وخمسين الفاً من الدراهم ، فجاء صاحب بني أمية يحمل مائة الف درهم من عشرة أنفس ، وجاء صاحب بني هاشم يحمل ثلاثمائة الف درهم من نفسين ، فغضب صاحب بني أمية فردها عليهم فقبلوها ، وجاء صاحب بني هاشم فردها عليهما فأبيا ان يقبلاها وقالا ما كنا نبالي أخذتها أم القيتها في الطريق .
(أقول وفضائل الحسنين عليهما السلام لا تحصى بحد ولا تحصر بعد كيف وهما ولدا رسول الله (ص) وسبطاه وريحانتاه من الدنيا وسيدا شباب أهل الجنة خير الناس أباً وأماً وجداً وجدة وخالاً وخالة وعما وعمة ، أبوهما امير المؤمنين سيد الأوصياء وأمهما فاطمة الزهراء بضعة الرسول وسيدة النساء وجدهما رسول الله (ص) سيد ولد آدم وجدتهما خديجة بنت خويلد أم المؤمنين أول نساء هذه الامة إسلاماً التي بذلت أموالها في احياء الدين فقام الاسلام بمالها وسيف علي بن ابي طالب واخوالهما وخالاتهما أبناء رسول الله (ص) وبناته وعمهما جعفر الطيار في الجنة مع ما لهما في أنفسهما من الفضائل . ألا قاتل الله عصبة قتلتهما وظلمتهما حتى قضى الحسن عليه السلام شهيداً بالسم ، وقضى الحسين عليه السلام شهيداً بالسيف غريباً ظامياً ، وقتلت أنصاره وأهل بيته وسبيت نساؤه من كربلاء إلى الكوفة ومن الكوفة إلى الشام وطيف برأسه في البلدان :
من مبلغ المصطفى سبطاه قد قضيا بالسم هذا وذا بالسيف منحورا
أوصـى وأكد في الـدنيا وصيتـه فأوسعـوا عهده نكـثاً وتغييرا
لو كان جـدهما أوصى بظلمـهما لما استطاعوا لما جاؤوه تكثيرا

المجلس الثامن

مما جاء في كرم الحسين «ع» ما رواه عمرو بن دينار ، قال : دخل الحسين

المجالس السنية ـ الجزء الاول 20

ابن علي عليهما السلام على أسامة بن زيد وهو مريض وهو يقول : واغماه ، فقال له الحسين «ع» وما غمك يا اسامة فقال ديني وهو ستون الف درهم ، فقال الحسين «ع» هو علي ، فقال اني اخشى ان اموت ، فقال الحسين عليه السلام لن تموت حتى اقضيها عنك قال فقضاها قبل موته . وكان (ع) يقول شر خصال الملوك الجبن عن الاعداء والقسوة على الضعفاء والبخل عن الاعطاء ووفد اعرابي الى المدينة فسأل عن اكرم الناس بها فدل على الحسين بن علي ابن ابي طالب عليهما السلام فدخل المسجد فوجده مصلياً فوقف بازائه وانشأ يقول :
لم يخب الآن من رجاك ومن حرك من دون بابك الحلقه
أنت جـواد وأنـت معتمـد أبوك قد كـان قاتل الفسقه
لولا الذي كـان من أوائلكـم كانت علينا الجحيم منطبقه

فسلم الحسين (ع) وقال ياقنبر هل بقي من مال الحجاز شيء ؟ قال نعم اربعة آلاف دينار فقال هاتها قد جاء من هو أحق بها منا ثم نزع بردته ولف الدنانير فيها واخرج يده من شق الباب حياء من الاعرابي وانشأ يقول :
خذها فـانـي اليـك معتـذر واعلم باني عليك ذو شفقه
لو كان في سيرنا الغداة عصاً (1) أمست سمانا عليك مندفقه
لكن ريـب الزمـان ذو غير والكـف منـي قليلة النفقه

فأخذها الأعرابي وبكى فقال له الحسين (ع) لعلك استقللت ما اعطيناك ، قال لا ، ولكن كيف ياكل التراب جودك . (ووجد) على ظهر الحسين (ع)

(1) لعل المراد بالسير واحد السيور التي تقد من الجلد فانه اذا كان فيه عصا اي مشدوداً بطرف عصا صار سوطاً قابلاً للضرب فيكون كناية عن الحكم والقوة .

ـ المؤلف ـ

المجالس السنية ـ الجزء الاول 21

يوم الطف أثر فسألوا زين العابدين (ع) عن ذلك فقال هذا مما كان ينقل الجراب على ظهره الى منازل الارامل واليتامى والمساكين .
ووجد على ظهره عليه السلام يوم الطف أثر آخر هو اوجع للقلوب من هذا الأثر وهو أثر حوافر الخيل التي داست بحوافرها صدره الشريف وظهره وذلك حين أمر ابن سعد عشرة فوارس ان يدوسوا بحوافر خيولهم صدره وظهره تنفيذاً لما امر به ابن زياد ففعلوا وأقبلوا الى ابن زياد وهم يقولون :
نحن رضضنا الصدر بعد الظهر بكل يعبوب شديد الاسر

فقال ابن زياد من انتم قالوا نحن الذين وطأنا بخيولنا جسد الحسين حتى طحنا جناجن صدره .
تطأ الصواهل جسمه وعلى القنا من رأسه المرفوع بدر سماء

* * *


عقرت بنات الاعوجية هل درت ما يستباح بها وماذا يصنع

المجلس التاسع

مما جاء في كرم الحسين (ع) ان أعرابياً جاءه فقال يا ابن رسول الله قد ضمنت دية كاملة وعجزت عن أدائها فقلت في نفسي اسأل أكرم الناس وما رأيت أكرم من آل محمد (ص) فقال أسألك عن ثلاث مسائل فإن أجبت عن واحدة اعطيتك ثلث المال وإن اجبت عن اثنتين اعطيك ثلثي المال وإن اجبت عن الكل اعطيتك الكل ، فقال الاعرابي يا ابن رسول الله أمثلك يسأل مثلي وأنت من أهل العلم والشرف فقال الحسين (ع) بلى سمعت جدي رسول الله (ص) يقول المعروف بقدر المعرفة فقال الاعرابي سل عما بدا لك

المجالس السنية ـ الجزء الاول 22

فإن أجبت وإلا تعلمت منك ، فقال الحسين (ع) أي الاعمال افضل فقال الاعرابي الإيمان بالله ، فقال الحسين (ع) فما النجاة من المهلكة فقال الاعرابي الثقة بالله فقال الحسين (ع) فما يزين الرجل فقال الاعرابي علم معه حلم ، فقال الحسين (ع) فإن أخطأه ذلك فقال الاعرابي مال معه مروءة ، فقال الحسين (ع) فإن أخطأه ذلك ، فقال الاعرابي فقر معه صبر فقال الحسين (ع) فإن اخطأه ذلك فقال الاعرابي فصاعقة تنزل من السماء فتحرقة فإنه أهل لذلك ، فضحك الحسين (ع) ورمى اليه بصرة فيها الف دينار واعطاه خاتمه وفيه فص قيمته مائتا درهم وقال الحسين (ع) يا اعرابي أعط الذهب غرماءك واصرف الخاتم في نفقتك فأخذ الاعرابي المال وقال : الله أعلم حيث يجعل رسالته (وعلم) عبد الرحمن السلمي بعض ولد الحسين (ع) سورة الفاتحة فلما قرأها الصبي على ابيه الحسين (ع) اعطى ذلك المعلم الف دينار والف حلة وحشا فاه دراً فقيل له في ذلك فقال واين يقع هذا من اعطائه يعني تعليمه للسورة وانشد الحسين (ع) يقول :
إذا جادت الدنيا عليك فجد بها على الناس طرا قبل ان تتفلت
فلا الجود يفنيها اذا هي اقبلت ولا البخل يبقيها إذا ما تولت

(وقال) أنس كنت عند الحسين عليه السلام فدخلت عليه جارية فحيته بطاقة ريحان فقال لها انت حرة لوجه الله تعالى (قال) انس فقلت تجيئك بطاقة ريحان لا خطر لها فتعتقها ، قال كذا أدبنا الله قال الله تعالى«واذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها» وكان احسن منها عتقها . وقال عليه السلام : صاحب الحاجة لم يكرم وجهه عن سؤالك ، فأكرم نفسك عن رده . ومن كرمه العظيم وسخائه العجيب انه لما التقى مع الحر بن يزيد وكان مع الحر زهاء الف فارس وكان الحسين عليه السلام في سحر ذلك اليوم امر فتيانه أن يستقوا من الماء ويكثروا ففعلوا ووقف الحر وخيله مقابل الحسين في حر الظهيرة فقال الحسين عليه السلام لفتيانه أسقوا القوم وأرووهم من الماء

المجالس السنية ـ الجزء الاول 23

وارشفوا الخيل ترشيفاً اي اسقوها قليلاً وأقبلوا يملؤون القصاع والطساس من الماء ثم يدنونها من الفرس فاذا عب فيها ثلاثا او اربعاً او خمساً عزلت عنه وسقوا آخر حتى سقوها عن آخرها . (اتدرون) ما كان جزاء الحسين عليه السلام من الاعداء على سقيه اياهم الماء مع خيولهم في تلك الارض القفراء (نعم) كان جزاؤه منهم ان حالوا بينه وبين ماء الفرات وبعث عمر بن سعد عمرو بن الحجاج في خمسمائة فارس فنزلوا على الشريعة وحالوا بين الحسين واصحابه وبين الماء (وقال المفيد عليه الرحمة) وكان ذلك قبل قتل الحسين عليه السلام بثلاثة أيام .
منعوه شرب الماء لا شربوا غداً من كف والده البطين الانزع

المجلس العاشر

ذكر ابن شهر اشوب في المناقب قال دخل الحسين عليه السلام على معاوية وعنده اعرابي يسأله حاجة فأمسك عنه وتشاغل بالحسين عليه السلام فقال الاعرابي لبعض من حضر من هذا الذي دخل قالوا الحسين بن علي عليهما السلام فقال الاعرابي للحسين عليه السلام أسألك يا ابن بنت رسول الله لما كلمته في حاجتي ، فكلمه الحسين في ذلك فقضى حاجته فقال الاعرابي :
اتيـت العبشمـي فلـم يجد لي الى ان هـزء ابن الرسـول
هو ابن المصطفى كرماً وجوداً ومن بطن المطهـرة البتـول
وان لهـاشـم فضـلا عليكـم كما فضل الربيع على المحول

فقال معاوية يا اعرابي اعطيك وتمدحه فقال الاعرابي يا معاوية اعطيتني من حقه وقضيت حاجتي بقوله (ولما) اخرج مروان الفرزدق من المدينة اتى

المجالس السنية ـ الجزء الاول 24

الفرزدق الحسين (ع) فأعطاه الحسين (ع) اربعمائة دينار فقيل له انه شاعر فاسق فقال عليه السلام ان خير مالك ما وقيت به عرضك وقد اثاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كعب بن زهير وقال في العباس بن مرداس اقطعوا لسانه عني (واعظم) جود صدر منه عليه السلام جوده بنفسه في سبيل الله وتسليمه اياها للقتل قال الشاعر :
يجود بالنفس ان ضن الجبان بها والجود بالنفس اقصى غاية الجود

فالحسين عليه السلام قد جاد بنفسه واهل بيته وعياله واطفاله في سبيل الله فداء للدين ومحاماة عن شريعة جده سيد المرسلين (ص) حتى اصبحوا ما بين قتيل واسير ولولا قتل الحسين عليه السلام ما بقي لهذا الدين من اثر ولولاه ما ظهر للخاص والعام كفر يزيد وإلحاده .
رأى قنا الدين من بعد استقامتها مغموزة وعليها صدع منكسر
فقام يجمع شملا غيـر مجتمع منه ويجبر كسراً غير منجبر

المجلس الحادي عشر

مما جاء في تواضع الحسين عليه السلام وكرم اخلاقه انه عليه السلام مر بمساكين قد بسطوا كساء لهم والقوا عليه كسراً فقالوا له هلم يا ابن رسول الله فجلس واكل معهم ، ثم تلا «ان الله لا يحب المتكبرين» ثم قال قد اجبتكم فأجيبوني قالوا نعم يا ابن رسول الله ، فقاموا معه حتى اتوا منزله فقال لجاريته اخرجي ما كنت تدخرين وجنى غلام له جناية توجب العقاب فامر به ان يضرب ، فقال يا مولاي «والكاظمين الغيظ » فقال عليه السلام خلوا عنه ، فقال يا مولاي «والعافين عن الناس» فقال قد عفوت عنك ، فقال يا مولاي «والله يحب المحسنين» فقال عليه السلام انت حر لوجه الله تعالى ولك ضعف ما كنت اعطيك (ومما) جاء في

المجالس السنية ـ الجزء الاول 25

عبادة الحسين عليه السلام انه حج خمس وعشرين حجة ماشياً وان النجائب لتقاد معه ، وقيل له يوماً ما اعظم خوفك من ربك فقال لا يأمن من يوم القيامة الا من خاف الله في الدنيا . وكان اذا توضأ تغير لونه وارتعدت مفاصله . فقيل له في ذلك فقال عليه السلام حق لمن وقف بين يدي الملك الجبار ان يصفر لونه وترتعد مفاصله . واما إباؤه للضيم فقد ضربت به الامثال ونظمت فيه الاشعار قال الشاعر :
وان الاولى بالطف من آل هاشم تآسوا فسنوا للكرام التآسيا

وقال بعضهم كأن ابيات ابي تمام في محمد بن حميد الطوسي ما قيلت الا في الحسين عليه السلام :
وقد كان فوت الموت سهـلا فرده اليه الحفاظ المر والخلـق الـوعر
ونفس تعاف الضيم حتـى كانمـا هو الكفر يوم الروع او دونه الكفر
فأثبت في مستنقع المـوت رجلـه وقال لها من دون اخمصك الحشر
تردى ثياب الموت حمـراً فما دجا لها الليل الا وهي من سندس خضر

وقيل له يوم الطف إنزل على حكم بني عمك ، فقال لا والله لا اعطيكم بيدي اعطاء الذليل ولا اقر لكم اقرار العبيد :
بأبي أبي الضيم لا يعطي العدى حذر المنية منه فضـل قياد
بأبي فريداً اسلمتـه يـد الردى في دار غربته لجمع اعادي

ثم نادى يا عباد الله اني عذت بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب وقال (ع) موت في عز خير من حياة في ذل ، وكان يحمل على القوم يوم الطف وهو يقول :
الموت خير من ركوب العار والعار اولى من دخول النار
والله من هذا وهذا جاري
بأبي له والله والعضب المذرب والنفس الابية الا عزة وإبا


المجالس السنية ـ الجزء الاول 26

المجلس الثاني عشر

مما جاء في كرم الحسين عليه السلام عن الحسن البصري ان الحسين «ع» ذهب ذات يوم مع اصحابه إلى بستانه وكان في ذلك البستان غلام للحسين «ع» أسمه صافي فلما قرب من البستان رأى الغلام قاعداً يأكل الخبز ، فجلس الحسين «ع» عند بعض النخل بحيث لا يراه الغلام فنظر اليه الحسين عليه السلام وهو يرفع الرغيف فيرمي نصفه إلى الكلب ويأكل نصفه ، فتعجب الحسين عليه السلام من فعل الغلام ، فلما فرغ من الأكل ، قال الحمد لله رب العالمين اللهم أغفر لي وأغفر لسيدي كما باركت لأبويه برحمتك يا أرحم الراحمين ، فقام الحسين عليه السلام وقال يا صافي ، فقام الغلام فزعاً وقال يا سيدي وسيد المؤمنين إلى يوم القيامة ، إني ما رأيتك فأعف عني فقال الحسين عليه السلام اجعلني في حل يا صافي لأني دخلت بستانك بغير إذنك ، فقال صافي بفضلك يا سيدي وكرمك وسؤددك تقول هذا ، فقال الحسين عليه السلام إني رأيتك ترمي نصف الرغيف إلى الكلب وتأكل نصفه ، فما معنى ذلك ؟ فقال الغلام : إن هذا الكلب نظر إلي وأنا آكل فاستحييت منه وهو كلبك يحرس بستانك وانا عبدك نأكل رزقك معاً ، فبكى الحسين عليه السلام وقال إن كان كذلك فأنت عتيق لله تعالى ووهبت لك الفي دينار ، فقال الغلام إن أعتقتني فأنا أريد القيام ببستانك ، فقال الحسين عليه السلام إن الكريم ينبغي له أن يصدق قوله بالفعل ، أو ما قلت لك أجعلني في حل فقد دخلت بستانك بغير إذنك فصدقت قولي ووهبت البستان ومافيه لك فاجعل اصحابي الذين جاؤوا معي أضيافاً وأكرمهم من أجلي اكرمك الله تعالى يوم القيامة وبارك لك في حسن خلقك وأدبك ، فقال الغلام إن وهبتني بستانك فإني قد سبلته لأصحابك وشيعتك .

المجالس السنية ـ الجزء الاول 27

وأعظم جود صدر منه «ع» جوده بنفسه وأهل بيته وعياله وأطفاله في سبيل الله فداء للدين ومحاماة عن شريعة جده سيد المرسلين (ص) حتى اصبحوا ما بين قتيل وأسير ، ولولا قتل الحسين عليه السلام ما بقي لهذا الدين من أثر ، ولولاه ما ظهر للخاص والعام كفر يزيد وإلحاده :
رأى قنا الدين من بعد استقامتها مغموزة وعليها صدع منكسر
فقام يجمع شملاً غيـر مجتمـع منه ويجبر كسراً غير منجبر

المجلس الثالث عشر

خطب الحسين عليه السلام فقال : ايها الناس نافسوا في المكارم ، وسارعوا في المغانم ، ولا تحتسبوا بمعروف لم تعجلوه ، واكسبوا الحمد بالنجح ، ولا تكسبوا با المطل ذماً فمهما يكن لأحد عند أحد صنيعة له رأى انه لا يقوم بشكرها فالله له بمكافأته (1) فانه أجزل عطاء واعظم أجراً ، واعلموا ان حوائج الناس اليكم من نعم الله عليكم فلا تملوا النعم فتحور نقماً ، واعلموا ان المعروف مكسب حمداً ومعقب اجراً فلو رأيتم المعروف رجلا رأيتموه حسناً جميلاً يسر الناظرين ولو رأيتم اللؤم رأيتموه سمجاً مشوهاً تنفر منه القلوب وتغض دونه الابصار ، ايها الناس من جاد ساد ، ومن بخل رذل وإن أجود الناس من أعطى من لا يرجوه وإن أعفى الناس من عفا عن قدرة ، وإن اوصل الناس من وصل من قطعه ، والاصول على مغارصها بفروعها تسمو فمن تعجل لأخيه خيراً وجده إذا قدم عليه غداً ، ومن اراد الله تبارك وتعالى بالصنيعة

(1) الظاهر أنه سقط هنا كلمة : وهي (زعيم) أو (كفيل) أو (مليء) أو نحو ذلك .
ـ المؤلف ـ
المجالس السنية ـ الجزء الاول 28

إلى أخيه كأفاه الله بها في وقت حاجته وصرف عنه من بلاء الدنيا ما هو أكثر منه ، ومن نفس كربة مؤمن فرج الله عنه كرب الدنيا والآخرة ، ومن أحسن أحسن الله اليه والله يحب المحسنين .
وخطب عليه السلام أيضاً فقال : إن الحلم زينة ، والوفاء مروءة ، والصلة نعمة ، والاستكبار صلف ، والعجلة سفه ، والسفه ضعف ، والغلو ورطة ، ومخالطة اهل الدناءة شر ، ومجالسة أهل الفسق ريبة .
والحسين (ع) معدن الفصاحة والبلاغة ورث ذلك عن جده رسول الله (ص) افصح من نطق بالضاد وعن أبيه امير المؤمنين (ع) الذي علم الناس الفصاحة والخطب ولقد خطب في الاعداء يوم كربلاء حين وقف بازائهم وجعل ينظر إلى صفوفهم كأنهم السيل وقال ما لا يحصى كثرة فلم يسمع متكلم قط قبله ولا بعده أبلغ في منطق منه :
له من علي في الحروب شجاعة ومن أحمد عند الخطابة قيل

فكان مما قال : الحمد لله الذي خلق الدنيا فجعلها دار فناء وزوال ، متصرفة بأهلها حالاً بعد حال فالمغرور من غرته والشقي من فتنته فلا تغرنكم هذه الدنيا فانها تقطع رجاء من ركن اليها وتخيب طمع من طمع فيها وأراكم قد اجتمعتم على امر قد اسخطتم الله فيه عليكم وأعرض بوجهه الكريم عنكم وأحل بكم نقمته ، وجنبكم رحمته ، فنعم الرب ربنا وبئس العبيد انتم اقررتم بالطاعة وآمنت بالرسول محمد (ص) ثم انكم زحفتم على ذريته وعترته تريدون قتلهم ، لقد استحوذ عليكم الشيطان فأنساكم ذكر الله العظيم (فقال) ابن سعد ويلكم كلموه فانه ابن ابيه ولو وقف فيكم هكذا يوماً جديداً لما انقطع ولما حصر (فتقدم) شمر فقال يا حسين ما هذا الذي تقول أفهمنا حتى نفهم (فقال) أقول إتقوا الله ربكم ولا تقتلوني فانه لا يحل لكم قتلي وانتهاك حرمتي فاني ابن بنت نبيكم وجدتي خديجة زوجة نبيكم ولعله قد بلغكم قول نبيكم : الحسن والحسين

المجالس السنية ـ الجزء الاول 29

سيدا شباب اهل الجنة (فقال) له قيس بن الاشعث ما ندري ما تقول ولكن انزل على حكم بني عمك فانهم لن يروك إلا ما تحب فقال له الحسين (ع) لا والله لا أعطيكم بيدي اعطاء الذليل ولا أقر إقرار العبيد .
ساموه أن يـرد الهوان أو المنية والمسود لا يكون مسودا
فأبى ان يعيش إلا عزيزاً او تجلى الكفاح وهو صريـع

المجلس الرابع عشر

روى صاحب كشف الغمة انه لما قتل معاوية حجر بن عدي رحمه الله واصحابه لقي في ذلك العام الحسين فقال يا ابا عبد الله هل بلغك ما صنعت بحجر واصحابه من شيعة ابيك قال لا قال إنا قتلناهم وكفناهم وصلينا عليه فضحك الحسين عليه السلام ثم قال خصمك القوم يوم القيامة يا معاوية اما والله لو ولينا مثلها من شيعتك ما كفناهم ولا صلينا عليهم وقد بلغني وقوعك بأبي حسن وقيامك به واعتراضك بني هاشم بالعيوب وأيم الله لقد اوترت غير قوسك ورميت غير غرضك وتناولتها بالعداوة من مكان قريب ولقد أطعت امرءاً ما قدم إيمانه ولا حدث نفاقه وما نظر لك فانظر لنفسك أو دع (يريد عمرو بن العاص) .
وكان لمعاوية عين بالمدينة يكتب اليه بما يكون من أمور الناس فكتب اليه ان الحسين بن علي اعتق جارية له وتزوجها ، فكتب معاوية إلى الحسين : من امير المؤمنين معاوية الى الحسين بن علي اما بعد فانه بلغني انك تزوجت جاريتك وتركت اكفاءك من قريش مما تستنجبه للولد وتمجد به في الصهر فلا لنفسك نظرت ولا لولدك انتقيت فكتب اليه الحسين (ع) :
أما بعد فقد بلغني كتابك وتعييرك إياي بأني تزوجت مولاتي وتركت

المجالس السنية ـ الجزء الاول 30

اكفائي من قريش فليس فوق رسول الله منتهى في شرف ولا غاية في نسب وانما كانت ملك يميني خرجت عن يدي بأمر التمست فيه ثواب الله ثم ارتجعتها على سنة نبيه (ص) وقد رفع الله بالاسلام الخسيسة ووضع عنابة النقيصة فلا لوم على امرئ مسلم إلا في مأثم وإنما اللوم لوم الجاهلية .
فلما قرأ معاوية كتابه نبذه إلى يزيد فقرأه وقال لشد ما فخر عليك الحسين قال لا ولكنها السنة بني هاشم الحداد التي تفلق الصخر وتغرف من البحر .
ولم ينس يزيد قول أبيه ان لبني هاشم ألسنة تفلق الصخر وتغرف من البحر ولذلك لما قال له زين العابدين عليه السلام بالشام اتأذن لي ان اصعد هذه الاعواد فاتكلم بكلمات لله فيهن رضا ولهؤلاء الجلساء فيهن اجر وثواب ابى يزيد عليه ذلك فقال الناس ياامير المؤمنين أئذن له فليصعد المنبر فلعلنا نسمع منه شيئاً فقال انه ان صعد لم ينزل إلا بفضيحتي وبفضيحة آل ابي سفيان فقيل له وما قدر ما يحسن هذا فقال أنه من أهل بيت زقوا العلم زقا . فلم يزالوا به حتى اذن له فصعد المنبر فحمد الله واثنى عليه ثم خطب خطبة ابكى فيها العيون وأوجل منها القلوب .
وخشي يزيد ان يكون فتنة فأمر المؤذن فقطع عليه الكلام فلما قال المؤذن الله أكبر الله أكبر قال علي عليه السلام لا شيء اكبر من الله فلما قال أشهد ان لا إله إلا الله قال علي بن الحسين شهد بها شعري وبشري ولحمي ودمي فلما قال المؤذن أشهد أن محمداً رسول الله قال : محمد هذا جدي ام جدك يا يزيد فان زعمت انه جدك فقد كذبت وكفرت وان زعمت انه جدي فلم قتلت عترته .
الا يا ابن هند لا سقى الله تربة ثويت بمثواها ولا اخضر عودها
اتسلب اثواب الامامـة هاشمـا وتطـردها عنهـا وانت طريدها


المجالس السنية ـ الجزء الاول 31

المجلس الخامس عشر

روى ابن عساكر في تاريخ دمشق ان نافع بن الازرق (وهو من رؤساء الخوارج) قال للحسين (ع) صف لي إلهك الذي تعبد فقال : يا نافع من وضع دينه على القياس لم يزل الدهر في الالتباس مائلاً اذا كبا عن المنهاج ظاعناً بالاعوجاج ضالا عن السبيل قائلاً غير الجميل يا ابن الازرق اصف إلهي بما وصف به نفسه لا يدرك بالحواس ولا يقاس بالناس قريب غير ملتصق وبعيد غير مستقصى يوحد ولا يبعض معروف بالآيات موصوف بالعلامات لا إله إلا هو الكبير المتعال . فبكى ابن الازرق وقال ما أحسن كلامك . فقال بلغني انك تشهد على أبي وعلى أخي بالكفر وعلي . قال ابن الازرق اما والله يا حسين لئن كان ذلك لقد كنتم منار الاسلام ونجوم الاحكام فقال له الحسين (ع) اني سائلك عن مسألة فقال سل فسأله عن قوله تعالى «واما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة» فقال يا ابن الازرق من حفظ في الغلامين فقال ابوهما فقال الحسين ابوهما خير أم رسول الله فقال ابن الازرق قد انبأ الله تعالى عنكم انكم قوم خصمون .
أجل والله ان هذه الأمة لم تحفظ رسول الله (ص) في ولديه الحسنين عليهما السلام فجرعت ولده الحسن الغصص ودفعته عن مقامه وأسلمته الى عدوه حتى قضى شهيداً بالسم ومنعت من دفنه عند جده ، وخذلت ولده الحسين ولم تنصره وحاربته وقتلته هو واولاده وأهل بيته حتى طفله الرضيع وقتلت أنصاره وسبت نساءه من بلد الى بلد وهن عقائل بيت الوحي والنبوة .
يا أمة باعت بضائع دينها يوم الطفوف بخيبة وشقاء
خانت عهود محمد في آله من بعده وجزته شر جزاء


المجالس السنية ـ الجزء الاول 32

المجلس السادس عشر

روى ابن قتيبة في الامامة والسياسة والكشي في كتاب الرجال ان مروان ابن الحكم كتب الى معاوية وهو عامله على المدينة . اما بعد فقد ذكر لي ان رجالاً من أهل العراق ووجوه اهل الحجاز يختلفون الى الحسين بن علي وانه لا يؤمن وثوبه وقد بحثت عن ذلك فبلغني انه يريد الخلافة فكتب إليه معاوية إياك ان تعرض للحسين في شيء واترك حسيناً ما تركك ، وكتب معاوية إلى الحسين قد انتهت إلي أمور عنك ان كانت حقاً فاني ارغب بك عنها ولعمر الله ان من اعطى الله عهده وميثاقه لجدير بالوفاء وان احق الناس بالوفاء من كان مثلك في خطرك وشرفك ومنزلتك التي انزلك الله بها ونفسك فاذكر وبعهد الله اوف فانك متى تنكرني انكرك ومتى تكدني اكدك فاتق شق عصا هذه الأمة وان يردهم الله على يديك في فتنة وانظر لنفسك ولدينك ولأمة محمد ولا يستخفنك السفهاء والذين لا يعلمون . فكتب اليه الحسين عليه السلام : أما بعد فقد بلغني كتابك تذكر فيه انه انتهت اليك عني أمور انت لي عنها راغب وانا بغيرها عندك جدير فإن الحسنات لا يهدى لها ولا يسدد اليها إلا الله تعالى واما ما ذكرت انه رقي اليك عني فانه إنما رقاه اليك الملاقون المشاؤون بالنميم المفرقون بني الجمع وكذب الغاوون ما أردت لك حرباً ولا عليك خلافاً وإني لأخشى الله في ترك ذلك منك ومن الاعذار فيه اليك وإلى أوليائك القاسطين الملحدين حزب الظلمة وأولياء الشياطين : ألست القاتل حجر ابن عدي أخا كندة واصحابه المصلين العابدين الذين كانوا ينكرون الظلم ويستفضعون البدع ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ولا يخافون في الله لومة لائم ثم قتلتهم ظلماً وعدواناً من بعد ما اعطيتهم الأيمان المغلظة والمواثيق المؤكدة لا تأخذهم بحدث كان بينك وبينهم ، جرأة على الله واستخفافاً بعهده ،

المجالس السنية ـ الجزء الاول 33

اولست قاتل عمرو بن الحمق صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم العبد الصالح الذي أبلته العبادة فنحل جسمه واصفر لونه فقتلته بعدما أمنته واعطيته من العهود ما لو فهمته العصم لنزلت من رؤوس الجبال أولست المدعي زياد بن سمية المولود على فراش عبيد بن ثقيف فزعمت انه ابن ابيك وقد قال رسول الله (ص) : الولد للفراش وللعاهر الحجر فتركت سنة رسول الله (ص) تعمداً وتبعت هواك بغير هدى من الله ثم سلطته على اهل الاسلام يقتلهم ويقطع أيديهم وأرجلهم ويسمل اعينهم ويصلبهم على جذوع النخل كأنك لست من هذه الأمة وليسوا منك ، أو لست صاحب الحضرميين الذين كتب فيهم ابن سمية انهم على دين علي صلوات الله عليه فكتبت اليه ان اقتل كل من كان على دين علي فقتلهم ومثل بهم بأمرك ودين علي هو دين ابن عمه صلى الله عليه وآله وسلم الذي كان يضرب عليه أباك ويضربك وبه جلست مجلسك الذي أنت فيه ولولا ذلك لكان شرفك وشرف آبائك تجشم الرحلتين رحلة الشتاء والصيف . وقلت فيما قلت : أنظر لنفسك ولدينك ولأمة محمد واتق شق عصا هذه الأمة وأن تردهم إلى فتنة . وأني لا أعلم فتنة اعظم على هذه الأمة من ولايتك عليها ولا اعظم نظراً لنفسي ولديني ولأمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم افضل من ان أجاهدك فإن فعلت فانه قربة إلى الله وإن تركته فاني استغفر الله لديني وأسأله توفيقه لأرشاد امري وقلت فيما قلت ان انكرتك تنكرني وان أكدك تكدني فكدني ما بدا لك فاني أرجو ان لا يضرني كيدك وان لا يكون على احد اضر منه على نفسك لأنك قد ركبت جهلك وتحرصت على نقض عهدك ولعمري ما وفيت بشرط ولقد نقضت عهدك بقتل هؤلاء النفر الذين قتلتهم بعد الصلح والأيمان والعهود والمواثيق فقتلتهم من غير ان يكونوا قاتلوا وقتلوا ولم تفعل ذلك بهم إلا لذكرهم فضلنا وتعظيمهم حقنا فقتلتهم مخافة امر لعلك لو لم تقتلهم مت قبل ان يفعلوا أو ماتوا قبل ان يدركوا

السابق السابق الفهرس التالي التالي