المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 608

مؤدِّباً لأولاد المتوكِّل العباسي ، قتله المتوكل بعد أن سأله : يا يعقوب! من أحبُّ إليك ، ابناي هذان أم الحسن والحسين ؟ قال : والله إن قنبر خادم علي ( عليه السلام ) خير منك ومن ابنيك ، فأمر الأتراك فسلّوا لسانه من قفاه ، فمات يوم الإثنين لخمس خلون من رجب ، سنة أربع وأربعين ومائتين (1) ، وفي رواية فأمر المتوكل الأتراك فداسوا بطنه ، فحُمل إلى داره فمات بعد غد ذلك (2).
ولله درّ الحافظ البرسي الحلي رحمه الله إذ يقول في مدح أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وشيعته :
هو الشمسُ أم نورُ الضريحِ يلوحُ هو المِسْكُ أم طِيْبُ الوصيِّ يفوحُ
وبحرُ ندىً أم رَوْضَةٌ حَوَت الهدى وآدمُ أَمْ سِرُّ المهيمنِ نوحُ
وداودُ هذا أم سليمانُ بَعْدَهُ وهارونُ أم موسى الْعَصَا ومسيحُ
وأحمدُ هذا المصطفى أَمْ وصيُّهُ عليٌّ نَمَاهُ هَاشِمٌ وذبيحُ
مُحِيطُ سَمَاءِ الَمجْدِ بَدْرُ دُجُنَّة وَفُلْكُ جَمَال لِلأَنَامِ وَيُوحُ (3)
حبيبُ حبيبِ اللهِ بَلْ سِرُّ سِرِّهِ وَجُثَْمانُ أَمْر للخلائقِ رُوْحُ
له النصُّ في ( يومِ الغديرِ ) ومَدْحُهُ مِنَ اللهِ في الذِّكْرِ المبينِ صريحُ
إمامٌ إذَا مَا المرءُ جَاءَ بِحُبِّهِ فميزانُهُ يومَ المَعَادِ رجيحُ
له شيعةٌ مثلُ النجومِ زَوَاهِرٌ لها بينَ كُلِّ العالمينَ وُضُوحُ
إذَا قَاوَلَتْ فالحقُّ فيما تَقُولُهُ به النورُ بَاد واللِّسَانُ فصيحُ
وَإِنْ جَاوَلَتْ أَوْ جَادَلَتْ عن مَرَامِها تَوَلَّى العدوُّ الجَلْدُ وهو طريحُ
عليكَ سَلاَمُ اللهِ يَا رَايَةَ الهُدَى سَلاَمٌ سليمٌ يغتدي ويروحُ (4)


(1) انظر : بغية الوعاة : 418 ـ 419 ، وفيات الأعيان : 6/397 ـ 398 ، النجوم الزاهرة : 2/318.
(2) بحار الأنوار ، العلامة المجلسي : 50/164 ، سير أعلام النبلاء ، الذهبي : 12/18.
(3) يوح : الشمس.
(4) الغدير ، الشيخ الأميني : 7/33.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 609

المجلس الحادي والعشرون

مقتل جعفر بن أبي طالب (عليهما السلام)

روي عن جابر بين يزيد الجعفي ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : أوحى الله
عزَّ وجلَّ إلى رسوله : إني شكرت لجعفر بن أبي طالب أربع خصال ، فدعاه النبي ( صلى الله عليه وآله ) فأخبره ، فقال : لولا أن الله تبارك وتعالى أخبرك ما أخبرتك ، ما شربت خمراً قط; لأنّي علمت أني إن شربتها زال عقلي ، وما كذبت قط; لأن الكذب ينقص المروَّة ، وما زنيت قط; لأني خفت أني إذا عملت عُمل بي ، وما عبدت صنماً قط; لأني علمت أنه لا يضرُّ ولا ينفع ، قال : فضرب النبي ( صلى الله عليه وآله ) يده على عاتقه وقال : حق لله عزَّ وجلَّ أن يجعل لك جناحين تطير بهما مع الملائكة في الجنة (1).
وعن الشيخ الطوسي عليه الرحمة ، عن أبي أيوب الأنصاري ، عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أنه قال لفاطمة ( عليها السلام ) : شهيدنا أفضل الشهداء وهو عمُّكِ ، ومنّا من جعل الله له جناحين يطير بهما مع الملائكة وهو ابن عمِّك (2).
وعن أبي الحزور ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : خُلق الناس من شجر شتّى ، وخُلقت أنا وابن أبي طالب من شجرة واحدة ، أصلي علي ، وفرعي جعفر (3).
وعن الأصبغ بن نباتة الحنظلي قال : رأيت أمير المؤمنين ( عليه السلام ) يوم افتتح البصرة ، وركب بغلة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، ثمَّ قال : يا أيُّها الناس ، ألا أخبركم بخير

(1) بحار الأنوار ، المجلسي : 22/272 ح 15.
(2) الأمالي ، الطوسي : 155 ح 8.
(3) بحار الأنوار ، المجلسي : 22/278.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 610

الخلق يوم يجمعهم الله ؟ فقام إليه أبو أيوب الأنصاري ، فقال : بلى يا أمير المؤمنين ، حدِّثنا ، فإنك كنت تشهد ونغيب ، فقال : إن خير الخلق يوم يجمعهم الله سبعة من ولد عبد المطلب ، لا ينكر فضلهم إلاَّ كافر ، ولا يجحد به إلاَّ جاحد ، فقام عمار بن ياسر رحمه الله فقال : يا أمير المؤمنين ، سمِّهم لنا لنعرفهم ، فقال : إن خير الخلق يوم يجمعهم الله الرسل ، وإن أفضل الرسل محمَّد ، وإن أفضل كل أمة بعد نبيِّها وصيُّ نبيِّها حتى يدركه نبيٌّ ، ألا وإن أفضل الأوصياء وصيُّ محمد ( صلى الله عليه وآله ) ، ألا وإن أفضل الخلق بعد الأوصياء الشهداء ، ألا وإن أفضل الشهداء حمزة بن عبد المطلب ، وجعفر بن أبي طالب ، له جناحان خضيبان يطير بهما في الجنة ، لم يُنحل أحدٌ من هذه الأمة جناحان غيره ، شيء كرَّم الله به محمَّداً ( صلى الله عليه وآله ) وشرَّفه ، والسبطان : الحسن والحسين ، والمهدي ( عليه السلام ) يجعله الله من يشاء منّا أهل البيت ، ثمَّ تلا هذه الآية : « وَمَنْ يُطِعْ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقاً * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنْ اللهِ وَكَفَى بِاللهِ عَلِيماً » (1).
قال الراوي : وكان جعفر بن أبي طالب أشبه الناس خلقاً وخلقاً برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وكان جعفر أكبر من عليٍّ بعشر سنين ، وكان عقيل أكبر من جعفر بعشر سنين ، وكان طالب أكبر من عقيل بعشر سنين ، وكان جعفر من المهاجرين الأولين ، هاجر إلى أرض الحبشة ، وقدم منها على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حين فتح خيبر ، فتلقَّاه النبيُّ ( صلى الله عليه وآله ) واعتنقه ، وقال : ما أدري بأيِّهما أنا أشدُّ فرحاً ، بقدوم جعفر أم بفتح خيبر ؟ وكان قدومه وأصحابه من أرض الحبشة في السنة السابعة من الهجرة ، واختطَّ له رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلى جنب المسجد ، ثمَّ غزا غزوة مؤتة في سنة ثمان من الهجرة ، وقاتل فيها حتى قُطعت يداه جميعاً ، ثمَّ قُتل ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إن الله أبدله بيديه جناحين يطير بهما في الجنة حيث شاء ، فمن هنالك قيل له : جعفر ذو

(1) بحار الأنوار ، المجلسي : 22/282.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 611

الجناحين.
وعن سالم بن أبي الجعد قال : أُري رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في النوم جعفر بن أبي طالب ذا جناحين مضرَّجاً بالدم.
وعن ابن عمر قال : وجدنا ما بين صدر جعفر ومنكبيه وما أقبل منه تسعين جراحة ، ما بين ضربة بالسيف ، وطعنة بالرمح ، ولمَّا أتى النبيَّ ( صلى الله عليه وآله ) نعي جعفر أتى امرأته أسماء بنت عميس ، فعزَّاها في زوجها جعفر ، ودخلت فاطمة ( عليها السلام ) وهي تبكي : وتقول : واعمَّاه ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : على مثل جعفر فلتبك البواكي (1).
وروي عن الإمام جعفر بن محمد ( عليهما السلام ) قال : وإن لجعفر شأناً عند الله ، يطير مع الملائكة في الجنة (2) ، وعن هشام بن سالم ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : لمَّا مات جعفر بن أبي طالب ( عليه السلام ) أمر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فاطمة ( عليها السلام ) أن تتخذ طعاماً لأسماء بنت عميس ، وتأتيها ونساؤها ، فجرت بذلك السنة من أن يُصنع لأهل الميت طعام ثلاثة أيام.
وعن العباس بن موسى بن جعفر قال : سألت أبي ( عليه السلام ) عن المأتم ، فقال : إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لمَّا انتهى إليه قتل جعفر بن أبي طالب ( عليه السلام ) دخل على أسماء بنت عميس امرأة جعفر ، فقال : أين بَنِيَّ ؟ فدعت بهم ، وهم ثلاثة : عبدالله ، وعون ، ومحمد ، فمسح رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) رؤوسهم ، فقالت : إنك تمسح رؤوسهم كأنهم أيتام ؟ فعجب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من عقلها ، فقال : يا أسماء! ألم تعلمي أن جعفراً رضوان الله عليه استُشهد ؟ فبكت ، فقال لها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : لا تبكي فإن جبرئيل أخبرني أن له جناحين في الجنة من ياقوت أحمر ، فقالت : يا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، لو جمعت الناس وأخبرتهم بفضل جعفر لا ينسى فضله ، فعجب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من عقلها ، ثمَّ قال :

(1) بحار الأنوار : المجلسي : 22/273 ـ 275.
(2) بحار الأنوار : المجلسي : 22/349.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 612

ابعثوا إلى أهل جعفر طعاماً ، فجرت السنة (1).
وعن مُسكِّن الفؤاد : لمَّا أصيب جعفر بن أبي طالب ( رضي الله عنه ) أتى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أسماء ، فقال لها : أخرجي لي ولد جعفر ، فأُخرجوا إليه فضمَّهم إليه وشمَّهم ، ودمعت عيناه ، فقالت : يا رسول الله! أصيب جعفر ؟ فقال ( صلى الله عليه وآله ) : نعم ، أصيب اليوم. قال عبدالله بن جعفر : أحفظ حين دخل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) على أمي فنعى لها أبي ، ونظرت إليه وهو يمسح على رأسي ورأس أخي ، وعيناه تهرقان الدموع ، حتى تقطر لحيته ، ثمَّ قال : اللهم إن جعفراً قد قدم إلى أحسن الثواب ، فاخلفه في ذرّيّته بأحسن ما خلفت أحداً من عبادك في ذرّيّته ، ثمَّ قال : يا أسماء! ألا أبشِّركِ ؟ قالت : بلى ، بأبي أنت وأمي ، فقال : إن الله عزَّ وجلَّ جعل لجعفر جناحين يطير بهما في الجنة (2).
وعن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال : إن النبي ( صلى الله عليه وآله ) لمَّا جاءته وفاة جعفر بن أبي طالب وزيد بن حارثة كان إذا دخل بيته كثر بكاؤه عليهما جدّاً ، ويقول : كانا يحدِّثاني ويؤنساني ، فذهبا جميعاً (3).
ولله درّ الشيخ محمد سعيد المنصوري إذ يقول :
أَخْبَرَ المصطفى بقَطْعِ يمين وَشِمَال لجعفر فَتَحَسَّرْ
ثُمَّ راحت آهاتُهُ تَتَوَالى وَجَرَى دَمْعُهُ من العينِ أَحْمَرْ
فغدا يَذْكُرُ المُصَابَ ويبكي جَعْفَرَ الخيرِ فوقَ ما يُتَصَوَّرْ
فإذا كان أَعْظَمُ الناسِ شأناً وَأَشَدُّ العبادِ عَزْماً وأَصْبَرْ
هكذا تَنْتَهِي به في الرَّزَايا حَالَةُ الحُزْنِ لِلْمُصَابِ وأكثرْ


(1) بحار الأنوار : المجلسي : 79/82 ـ 83.
(2) بحار الأنوار : المجلسي : 79/92.
(3) بحار الأنوار : المجلسي : 79/104.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 613

كيف حَالُ الحسينِ سَاعَةَ وَافَى صَاحِبَ الرَّايَةِ الشُّجَاعَ المظفَّرْ
هَلْ يُلاَمُ الحسينُ حينَ رَآهُ وَعَمُودُ الحديدِ في الرَّأْسِ أثَّرْ
إنْ دعا يا أَخِي وَيَا نُورَ عيني فَقْدُكَ اليومَ كَسْرُهُ ليس يُجْبَرْ (1)

المجلس الثاني والعشرون

مقتل الحمزة بن عبدالمطلب (عليه السلام)

جاء في كتاب كتبه أمير المؤمنين ( عليه السلام ) إلى معاوية : إن قوماً استشهدوا في سبيل الله من المهاجرين ، ولكلٍّ فضلٌ ، حتى إذا استشهد شهيدنا قيل : سيِّد الشهداء ، وخصَّه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بسبعين تكبيرة عند صلاته عليه ، أولا ترى أن قوماً قُطعت أيديهم في سبيل الله ، ولكلٍّ فضلٌ ، حتى إذا فعل بواحدنا كما فُعل بواحدهم ، قيل : الطيار في الجنة ، وذو الجناحين. وساق ( عليه السلام ) الكلام إلى أن قال : منَّا أسد الله ، ومنكم أسد الأحلاف.
وعن أبي أيوب الأنصاري ، عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أنه قال لفاطمة ( عليها السلام ) : شهيدنا أفضل الشهداء وهو عمُّك ، ومنّا من جعل الله له جناحين يطير بهما مع الملائكة وهو ابن عمِّك.. وروي عن النبيِّ ( صلى الله عليه وآله ) ، قال : من الركبان يوم القيامة عمّي حمزة ، أسد الله وأسد رسوله ، على ناقتي العضباء.
وروي عن الإمام الرضا عن آبائه ( عليهم السلام ) عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أنه قال : خير إخواني علي ، وخير أعمامي حمزة ، والعباس صنو أبي.
وعن أنس بن مالك قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : نحن بنو عبد المطلب سادة أهل الجنة : رسول الله ، وحمزة سيِّد الشهداء ، وجعفر ذو الجناحين ، وعلي

(1) هذه القصيدة جاءت بطلب منا من الشيخ المنصوري فجزاه الله خير الجزاء.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 614

وفاطمة ، والحسن والحسين ، والمهدي.
وعن السكوني ، عن الصادق ، عن آبائه ( عليهم السلام ) قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : أحبُّ إخواني إليَّ علي بن أبي طالب ، وأحبُّ أعمامي إليَّ حمزة.
وعن القدّاح ، عن جعفر ، عن أبيه ( عليهما السلام ) قال : قال علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) : منّا سبعة خلقهم الله عزَّ وجلَّ ، لم يخلق في الأرض مثلهم ، منَّا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) سيِّد الأولين والآخرين ، وخاتم النبيين ، ووصيُّه خير الوصيين ، وسبطاه خير الأسباط : حسناً وحسيناً ، وسيِّد الشهداء حمزة عمُّه ، ومن طار مع الملائكة جعفر ، والقائم ( عليه السلام ).
وروي عن النبيِّ ( صلى الله عليه وآله ) أنه قال : حمزة سيِّد الشهداء ، وروي : خير الشهداء ولولا أن تجده صفيَّة لتركت دفنه حتى يحشر من بطون الطير والسباع ، وكان قد مثِّل به وبأصحابه يومئذ (1).
ومن كتاب الطُرَف للسيِّد ابن طاووس قدَّس الله روحه ، نقلا من كتاب الوصية لعيسى بن المستفاد ، عن موسى بن جعفر ، عن أبيه ( عليهما السلام ) قال : لمَّا هاجر النبيُّ ( صلى الله عليه وآله ) إلى المدينة ، وحضر خروجه إلى بدر دعا الناس إلى البيعة ، فبايع كلهم على السمع والطاعة ، وكان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إذا خلا دعا عليّاً فأخبره من يفي منهم ومن لا يفي ، ويسأله كتمان ذلك ، ثمَّ دعا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) علياً وحمزة وفاطمة ( عليهم السلام ) ، فقال لهم : بايعوني بيعة الرضا ، فقال حمزة : بأبي أنت وأمي علامَ نبايع ؟ أليس قد بايعنا ؟
فقال : يا أسد الله وأسد رسوله ، تبايع لله ولرسوله بالوفاء والاستقامة لابن أخيك ، إذن تستكمل الإيمان ، قال : نعم ، سمعاً وطاعة ، وبسط يده ، فقال لهم : يد الله فوق أيديكم ، عليٌّ أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، وحمزة سيِّد الشهداء ، وجعفر الطيار في

(1) بحار الأنوار : المجلسي : 22/275 ـ 277.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 615

الجنّة ، وفاطمة سيِّدة نساء العالمين ، والسبطان : الحسن والحسين سيِّدا شباب أهل الجنة ، هذا شرط من الله على جميع المسلمين من الجنّ والإنس أجمعين ، « فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً » ثمَّ قرأ : « إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ الله » (1) قال : ولمَّا كانت الليلة التي أصيب حمزة في يومها دعا به رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فقال : يا حمزة! يا عمَّ رسول الله! يوشك أن تغيب غيبة بعيدة ، فما تقول لو وردت على الله تبارك وتعالى ، وسألك عن شرائع الإسلام وشروط الإيمان ؟ فبكى حمزة ، وقال : بأبي أنت وأمي ، أرشدني وفهِّمني.
فقال : يا حمزة! تشهد أن لا إله إلاَّ الله مخلصاً ، وأني رسول الله تعالى بالحقّ ، قال حمزة : شهدت ، قال : وأن الجنّة حقّ ، وأنّ النار حقّ ، وأن الساعة آتية لا ريب فيها ، وأنّ الصراط حقّ ، والميزان حقّ ، ومن يعمل مثقال ذرّة خيراً يره ، ومن يعمل مثقال ذرّة شراً يره ، وفريق في الجنّة ، وفريق في السعير ، وأن علياً أمير المؤمنين ، قال حمزة : شهدت وأقررت وآمنت وصدَّقت ، وقال : الأئمة من ذرّيّته الحسن والحسين ، وفي ذرّيّته ، قال حمزة : آمنت وصدَّقت ، وقال : فاطمة سيِّدة نساء العالمين ، قال : نعم ، صدَّقت ، قال ، : حمزة سيِّد الشهداء ، وأسد الله وأسد رسوله ، وعمُّ نبيِّه ، فبكى حتى سقط على وجهه ، وجعل يقبِّل عيني رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وقال : جعفر بن أخيك طيَّار في الجنة مع الملائكة ، وأن محمداً وآله خير البريّة ، تؤمن ـ يا حمزة ـ بسرِّهم وعلانيتهم ، وظاهرهم وباطنهم ، وتحيى على ذلك وتموت ، توالي من والاهم ، وتعادي من عاداهم قال : نعم يا رسول الله ، أشهد الله وأشهدك ، وكفى بالله شهيداً ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : سدَّدك الله ووفَّقك (2).
وروي في احتجاج أمير المؤمنين ( عليه السلام ) على أهل الشورى قال : نشدتكم

(1) سورة الفتح ، الآية : 10.
(2) بحار الأنوار ، المجلسي : 22/278.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 616

بالله  ، هل فيكم أحد له أخ مثل أخي جعفر  ، المزيَّن بالجناحين في الجنة  ، يحلّ فيها حيث يشاء  ، غيري ؟ قالوا : اللهم لا  ، قال : نشدتكم هل فيكم أحد له عمٌّ مثل عمّي حمزة  ، أسد الله وأسد رسوله  ، وسيِّدالشهداء  ، غيري ؟ قالوا : اللهم لا.
وعن عبد الرحمن بن بكير  ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : على قائمة العرش مكتوب : حمزة أسد الله وأسد رسوله وسيِّد الشهداء... وعن سلمان قال : قال النبيُّ ( صلى الله عليه وآله ) لفاطمة ( عليها السلام ) : شهيدنا سيِّد الشهداء  ، وهو حمزة بن عبد المطلب  ، وهو عمُّ أبيك  ، قالت : يا رسول الله! وهو سيِّد الشهداء الذين قُتلوا معك ؟ قال : لا  ، بل سيِّد شهداء الأولين والآخرين  ، ما خلا الأنبياء والأوصياء  ، وجعفر بن أبي طالب ذو الجناحين الطيَّار في الجنة مع الملائكة.
وروي أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال : إنه ليرى يوم القيامة إلى جانب الصراط عالم كثير من الناس  ، لا يعرف عددهم إلاَّ الله تعالى  ، هم كانوا محبّي حمزة  ، وكثير منهم أصحاب الذنوب والآثام  ، فتحول حيطان بينهم وبين سلوك الصراط والعبور إلى الجنة  ، فيقولون : يا حمزة! قد ترى ما نحن فيه  ، فيقول حمزة لرسول الله ولعلي بن أبي طالب : قد تريان أوليائي يستغيثون بي  ، فيقول محمد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لعليٍّ وليِّ الله ( عليه السلام ) : يا علي! أعن عمَّك على إغاثة أوليائه  ، واستنقاذهم من النار  ، فيأتي علي ابن أبي طالب ( عليه السلام ) إلى الرمح الذي كان يقاتل به حمزة أعداء الله في الدنيا  ، فيناوله إيَّاه ويقول : يا عمَّ رسول الله  ، ويا عمَّ أخي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ذُدِ الجحيم بالرمي عن أوليائك برمحك هذا  ، كما كنت تذود به عن أولياء الله في الدنيا أعداء الله  ، فيتناول حمزة الرمح بيده فيضع زجَّه في حيطان النار الحائلة بين أوليائه وبين العبور إلى الجنة على الصراط  ، ويدفعها دفعة فينحّيها مسيرة خمسمائة عام  ، ثمَّ يقول لأوليائه والمحبّين الذين كانوا له في الدنيا : اعبروا  ، فيعبرون على الصراط آمنين سالمين قد انزاحت عنهم النيران  ، وبَعُدت عنهم الأهوال  ، ويَرِدون الجنّة غانمين ظافرين.

المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 617

وعن إسماعيل بن جابر وزرارة  ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : دفن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عمَّه حمزة في ثيابه بدمائه التي أصيب فيها  ، وردَّاه النبي ( صلى الله عليه وآله ) بردائه  ، فقصُر عن رجليه  ، فدعا له بأذخر فطرحه عليه  ، فصلَّى عليه سبعين صلاة  ، وكبَّر عليه سبعين تكبيرة (1).
وعن الصادق  ، عن أبيه  ، عن جدّه ( عليهم السلام ) قال : قال الحسن بن علي ( عليهما السلام ) فيما احتجَّ على معاوية : وكان ممن استجاب لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عمُّه حمزة وابن عمّه جعفر  ، فقُتلا شهيدين ـ رضي الله عنهما ـ في قتلى كثيرة معهما من أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله )   ، فجعل الله تعالى حمزة سيِّد الشهداء من بينهم  ، وجعل لجعفر جناحين يطير بهما مع الملائكة كيف يشاء من بينهم  ، وذلك لمكانهما من رسول الله ( صلى الله عليه وآله )   ، ومنزلتهما وقرابتهما منه ( صلى الله عليه وآله )   ، وصلَّى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) على حمزة سبعين صلاة من بين الشهداء الذين استشهدوا معه..
وعن حبيب بن أبي ثابت  ، عن علي بن الحسين ( عليهما السلام ) قال : لم يدخل الجنة حميّة غير حميّة حمزة بن عبدالمطلب  ، وذلك حين أسلم غضباً للنبيِّ ( صلى الله عليه وآله ) في حديث السلا الذي أُلقي على النبي ( صلى الله عليه وآله ).
وعن ابن عباس قال : قال لي النبي ( صلى الله عليه وآله ) : رأيت فيما يرى النائم عمّي حمزة بن عبد المطلب  ، وأخي جعفر بن أبي طالب  ، وبين أيديهما طبق من نبق  ، فأكلا ساعةً فتحوَّل العنب لهما رطباً  ، فأكلا ساعة  ، فدنوت منهما وقلت : بأبي أنتما  ، أيّ الأعمال وجدتما أفضل ؟ قالا : فديناك بالآباء والأمهات  ، وجدنا أفضل الأعمال الصلاة عليك  ، وسقي الماء  ، وحبّ علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) (2).
وروي أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) مرَّ على دور من دور الأنصار من بني عبد

(1) بحار الأنوار  ، المجلسي : 22/280.
(2) بحار الأنوار  ، المجلسي : 22/282 ـ 283.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 618

الأشهل  ، فسمع البكاء والنوائح على قتالهم  ، فذرفت عيناه وبكى  ، ثمَّ قال : لكنَّ حمزة لا بواكي له  ، فلمَّا رجع سعد بن معاذ وأسيد بن حضير إلى دور بني عبد الأشهل أمرا نساءهم أن يذهبن فيبكين على عمِّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله )   ، فلمَّا سمع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بكاءهن على حمزة خرج إليهن وهن على باب مسجده يبكين  ، فقال لهن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ارجعن يرحمكن الله  ، فقد واسيتن بأنفسكن (1) وفي رواية : ولمَّا انصرف رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من وقعة أحد إلى المدينة سمع من كل دار قُتل من أهلها قتيل نوحاً وبكاء  ، ولم يسمع من دار حمزة عمِّه  ، فقال ( صلى الله عليه وآله ) : لكنَّ حمزة لابواكي له  ، فآلى أهل المدينة أن لا ينوحوا على ميِّت ولا يبكوه حتى يبدؤوا بحمزة فينوحوا عليه ويبكوه  ، فهم إلى اليوم على ذلك (2).
ولله درّ الشيخ محمد سعيد المنصوري إذ يقول :
حُزْني لِمَصْرَعِ حَمْزَة وَعَنَائي لاَ ينقضي بِتَزَفُّري وبُكَائِي
حتَّى إلى يومِ الترحُّلِ لَمْ أَزَلْ في مأتمي وكآبتي وعَزَائي
سأُوَاصِلُ الأيَّامَ في وَجْدِي له حتَّى يُمَزَّقَ بالشَّجَا أَحْشَائي
هيهاتَ أَنْ أنسى مُصيبةَ حَمْزَة عَمِّ النبيِّ وسيِّدِ الشهداءِ
بَطَلٌ إذا الأبطالُ عُدَّتْ مَالَهُ فيها من الأشباهِ والنُّظَرَاءِ
للهِ قَلْبُ المصطفى مُذْ شَاهَدَتْ عيناه مَا صَنَعَتْ بنو اللُّقَطَاءِ
منه تَدَفَّقَت الدموعُ لِعَمِّهِ ذاك العظيمِ وَعُمْدَةِ العُظَمَاءِ
وأتت صفيَّةُ تلتقي بشقيقِهَا أَلْفَتْهُ فوقَ حَرَارَةِ الرَّمْضَاءِ
صلَّت عليه وسلَّمت وتصاعدت زَفَرَاتُها بِتَنَفُّسِ الصُّعَدَاءِ
لكنَّ زينَب أَعْوَلَتْ لمَّا رَأَتْ جِسْمَ الحُسَينِ مُوَزَّعَ الأَشْلاَءِ
وَغَدَتْ تُنَاديه عقيلةُ هَاشِم ياليتَ دُوْنَكَ قُطِّعَتْ أَعْضَائي


(1) بحار الأنوار  ، المجلسي : 79/92.
(2) بحار الأنوار  ، المجلسي : 79/105.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 619

ما كانَ صَبْرُ صفيَّة وَجِلاَدُها من زينب أقوى لدى الْبَلْواءِ (1)

قال ابن الجوزي : ولمَّا أسلم وحشي قاتل حمزة قال له النبي ( صلى الله عليه وآله ) : غيِّب وجهك عنّي  ، فإني لا أحبُّ أن أرى قاتل الأحبة  ، قال هذا والإسلام يجبُّ ما قبله  ، فكيف بقلبه ( صلى الله عليه وآله ) أن يرى من ذبح الحسين ( عليه السلام )   ، وأمر بقتله وحمل أهله على أقتاب الجمال (2).
وقد روي عن عبدالله بن مسعود  ، قال : ما رأينا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) باكياً قط أشدَّ من بكائه على حمزة بن عبد المطلب لما قتل (3). فكيف به إذن لو نظر إلى سبطه الحسين ( عليه السلام ) شلواً مبضَّعاً  ، وقد وزَّعته الأسنَّة  ، لكان حاله بلا شك أشد من حاله يوم مقتل حمزة بن عبد المطلب  ، وكما قال الشاعر :
لو أنَّ رسولَ اللهِ يَبْعَثُ نَظْرَةً لَرُدَّت إلى إنْسَانِ عَيْن مؤَرَّقِ
وَهَانَ عليه يومُ حمزةَ عَمِّهِ بيومِ حسين وهو أعظمُ ما لقي
ونال شجىً من زينب لَمْ يَنَلْهُ من صفيَّةَ إذْ جاءت بدَمْع مُرَقْرَقِ
فكم بَيْنَ مَنْ للخِدْرِ عادت مصونةً وَمَنْ سيَّروها في السبايا بجلّقِ

المجلس الثالث والعشرون

فيما جرى على العلويين في أيام المنصور
والرشيد والمتوكّل من القتل والاضطهاد

قالت أسماء بنت عميس رضي الله عنها محتجَّةً على هذه الأمة التي سفكت

(1) نظم هذه القصيدة جاء بطلب منا أيضاً من الخطيب الشيخ المنصوري فجزاه الله خير الجزاء على مساعيه النبيلة.
(2) الصواعق المحرقة  ، ابن حجر : 295.
(3) ذخائر العقبى  ، أحمد بن عبدالله الطبري : 181  ، شرح مسند أبي حنيفة  ، القاري : 526.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 620

دم ابن بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) :
ماذا تقولون إِذْ قَالَ النبيُّ لكم مَاذَا فَعَلْتُم وأنتم آخِرُ الأُمَمِ
بعترتي وبأهلي بَعْدَ مُفْتَقَدي منهم أُسَارى ومنهم ضُرِّجوا بِدَمِ

وقال آخر :
تاللهِ مَا فَعَلَتْ أُميَّةُ فيهِمُ مِعْشَارَ مَا فَعَلَتْ بنو العبَّاسِ (1)

وقال أبو عطاء أفلح بن يسار السندي :
يا ليت جَوْرَ بني مروانَ دَامَ لنا وليتَ عَدْلَ بني العبَّاسِ في النَّارِ (2)

قال يحيى بن أكثم : إن المأمون أقدم دعبل رحمه الله  ، وآمنه على نفسه  ، فلمَّا مَثُل بين يديه ـ وكنت جالساً بين يدي المأمون ـ فقال له : أنشدني قصيدتك الرائية  ، فجحدها دعبل  ، وأنكر معرفتها  ، فقال له : لك الأمان عليها كما أمنتك على نفسك  ، فأنشده قصيدته  ، ومنها قوله في ظلامة أهل البيت ( عليهم السلام ) :
كم من ذراع لهم بالطفِّ بائنة وَعَارِض بصعيدِ التُّرْبِ مُنْعَفِرِ
أمسى الحسينُ وَمَسْرَاهُمْ لِمَقْتَلِهِ وَهُمْ يقولونَ : هذا سيِّدُ الْبَشَرِ
يا أُمَّةَ السُّوْءِ مَا جَازَيْتِ أَحْمَدَ في حُسْنِ الْبَلاَءِ على التنزيلِ والسُّوَرِ
خَلَفْتُموه على الأبناءِ حينَ مَضَى خِلاَفَةَ الذِّئْبِ في إِنْفَادِ ذي بَقَرِ
لم يَبْقَ حيٌّ من الأحياءِ نَعْلَمُهُ من ذي يَمَان وَلاَ بَكْر وَلاَ مُضَرِ
إلاَّ وَهُمْ شُرَكَاءٌ في دِمَائِهِمُ كَمَا تَشَارَكَ أيسارٌ على جُزُرِ
قتلا وأسراً وتخويفاً وَمَنْهَبَةً فِعْلَ الغُزَاةِ بأَرْضِ الرومِ والخَزَرِ
أرى أُميَّةَ معذورين إن قَتَلُوا ولا أرى لبني العبَّاسِ من عُذُرِ
قومٌ قتلتم على الإسلام أوَّلَهُمْ حتَّى إذا استمكنوا جَازوا على الكُفُرِ


(1) شرح ميمية أبي فراس : 119.
(2) المحاسن والمساوىء  ، البيهقي : 246.

السابق السابق الفهرس التالي التالي