المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 511

تَعَزَّ فَكَمْ لك من سلوة تُفرِّجُ عنك غليلَ الحَزَنْ
بموتِ النبيِّ وَقَتْلِ الوصيِّ وَقَتْلِ الحسينِ وَسَمِّ الحَسَنْ (1)

وزاد بعضهم :
وَجَرِّ الوصيِّ وَغَصْبِ التُّرَاثِ وَأَخْذِ الحُقُوقِ وَكَشْفِ الإِحَنْ
وَهَدْمِ المَنَارِ وَبَيْتِ الإِلَهِ وَحَرْقِ الكِتَابِ وَتَرْكِ السُّنَنْ

وقال دعبل الخزاعي أيضاً :
مِحَنُ الزمانِ سَحَائبٌ مُتَرَاكِمَه هي بالفَوَادِحِ فَالفَوَاجِعِ سَاهِمَه
فإذا الهُمُومُ تَراكَبَتْكَ فَسَلِّها بمُصَابِ أولادِ البتولةِ فَاطِمَه (2)

وقال بعضهم :
إذا ذَكَرَ القَلْبُ رَهْطَ النبيِّ وَسَبْيَ النِّسَاءِ وَهَتْكَ السُّتُرْ
وَذَبْحَ الصبيِّ وَقَتْلَ الوصيِّ وَقَتْلَ الشبيرِ وَسَمَّ الشُّبَرْ
تَرَقْرَقَ في العينِ مَاءُ الفُؤَادِ وتجري على الخَدِّ منه الدُّرَرْ
فَيَا قَلْبُ صبراً على حُزْنِهِمْ فَعِنْدَ البَلاَيا تكونُ العِبَرْ

ويقول عبيدالله بن عبدالله بن طاهر :
إذَا مَا المَرْءُ لم يَعْطَ مُنَاهُ وَأَضْنَاهُ التفكُّرُ والنُّحُولُ
ففي آلِ الرَّسُولِ له عَزَاءٌ وَمَا لاَقَتْهُ فاطمةُ البتولُ (3)

وقال بعضهم :
أَنْسَتْ رَزِيَّتُكُمْ رَزَيَانَا التي سَلَفَتْ وهوَّنت الرزايا الآتيه
وَفَجَائعُ الأَيَّامِ تبقى مُدَّةً وتزولُ وَهِيَ إلى القِيَامةِ باقيه


(1) الغدير  ، الأميني : 11/11  ، درر السمط في خبر السبط  ، ابن الأبار : 90  ، مروج الذهب  ، المسعودي : 3/6.
(2) روضة الواعظين  ، الفتال النيسابوري : 169.
(3) مناقب آل أبي طالب  ، ابن شهر آشوب : 2/52.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 512


وقال آخر :
كُلُّ الرزايا دُوْنَ وَقْعَةِ كربلا تُنْسَى وَإِنْ عَظُمَت تهونُ عِظَامُها

ويقول الشيخ يوسف أبو ذيب الخطي عليه الرحمة :
وَإِذَا تَعَاوَرَكَ الزَّمَانُ وَهَاجَ نَحْوَكَ بالنَّوَائِبْ
فَاذْكُرْ مُصِيبَتَهُمْ بِعَرْ صَةِ كَرْبَلا تَنْسَى الْمَصَائِبْ (1)

المجلس الرابع

إنكار أهل الأديان على قتلة الإمام الحسين (عليه السلام)

فعلى الأطائب من أهل بيت محمّد وعلي صلَّى الله عليهما وآلهما فليبك الباكون  ، وإيَّاهم فليندب النادبون  ، ولمثلهم فلتذرف الدموع  ، وليصرخ الصارخون  ، ويضجَّ الضاجون  ، ويعجَّ العاجون  ، أين الحسن وأين الحسين  ، أين أبناء الحسين  ، صالح بعد صالح  ، وصادق بعد صادق  ، أين السبيل بعد السبيل  ، أين الخيرة بعد الخيرة  ، أين الشموس الطالعة  ، أين الأقمار المنيرة  ، أين الأنجم الزاهرة  ، أين أعلام الدين وقواعد العلم (2).
فلم ترعَ هذه الأمّة حقّاً لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في حفظ عترته وأهل بيته ( عليهم السلام ) ، وما فعلته هذه الأمّة في حقّ أبناء وذرّيّة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لم تفعله أيُّ أمّة من الأمم السالفة  ، فقد كان أولاد الأنبياء وذراريهم عند الأمم السالفة معزَّزين مكرَّمين  ، وأمَّا ذرّيّة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فتركتهم هذه الأمّة بين قتيل ومسموم ومقهور قد شرِّد

(1) شعراء القطيف  ، الشيخ علي المرهون  ، القسم الأول : 39  ، وقد نسبها الحجّة الشيخ فرج العمران عليه الرحمة في الروضة الندية : 71 للشيخ عبد النبي بن مانع رحمه الله تعالى.
(2) المزار  ، محمد بن المشهدي : 578.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 513

عن بلده.
روى القندوزي الحنفي من مقتل أبي مخنف أن الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) لمَّا وصل من الأسر إلى المدينة خطب في أهل المدينة  ، وقال ( عليه السلام ) في خطبته : أيُّها الناس  ، أصبحنا مشرَّدين مطرودين مذودين شاسعين عن الأوطان  ، من غير جرم اجتمرناه  ، ولا مكروه ارتكبناه  ، ولا ثلمة في الإسلام ثلمناها  ، ولا فاحشة فعلناها  ، فوالله لو أن النبيَّ ( صلى الله عليه وآله ) أوصى إليهم في قتالنا لما زادوا على ما فعلوا بنا  ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون (1).
أَبَادُوهُمُ قَتْلا وسُمّاً وَمِثْلَةً كأنَّ رَسُولَ اللهِ ليس لهم أبُ

ولله درّ من قال من الشعراء :
مَنْ مُبْلِغُ المصطفى سِبْطَاه قَدْ قَضَيَا بالسُّمِّ هذا وذا بالسيفِ منحورا
أَوْصَى وأكَّدَ في الدنيا وَصِيَّتَهُ فَأَوْسَعُوا عَهْدَه نَكْثاً وتغييرا
لو كان جَدُّهما أوصى بظُلْمِهِمَا لَمَا اسْتَطَاعُوا لِمَا جَاؤُوهُ تكثيرا (2)

ويقول السيد الحميري عليه الرحمة :
أليس عجيباً أنَّ آلَ محمَّد قتيلٌ وَبَاق هَائِمٌ وأسيرُ
تنامُ الحَمَامُ الورقُ عِنْدَ هُجُوعِها ونومُهُمُ عندَ الرُّقَادِ زفيرُ (3)

وقد استنكر فعالَ هذه الأمّة  ، بعترة نبيِّهم ( صلى الله عليه وآله ) بعضُ أهل الكتاب من النصارى وغيرهم  ، وتعجَّبوا من سوء فعالهم وصنيعهم في ذرّيّة رسول الله ( صلى الله عليه وآله )   ، قال الخوارزمي في مقتل الحسين ( عليه السلام ) : قال بعض العلماء : إن اليهود حرَّموا الشجرة التي كان منها عصا موسى أن يخبطوا بها  ، وأن يوقدوا منها النار  ، تعظيماً لعصا

(1) ينابيع المودة لذوي القربى  ، القندوزي : 3/93.
(2) المجالس السنية  ، السيد محسن الأمين : 19.
(3) ديوان السيد الحميري : 208.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 514

موسى  ، وإن النصارى يسجدون للصليب لاعتقادهم فيه أنه من جنس العود الذي صلب عليه عيسى  ، وإن المجوس يعظِّمون النار لاعتقادهم فيها أنها صارت برداً وسلاماً على إبراهيم بنفسها  ، وهذه الأمّة قد قتلت أبناء نبيِّها  ، وقد أوصى الله تعالى بمودَّتهم وموالاتهم  ، فقال عزَّ من قائل : « قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى » (1) (2).
وذكر ابن حبان في كتاب الثقات أنه لمَّا مروا بالأسارى من أهل البيت ( عليهم السلام ) على الديراني النصراني في طريقهم إلى الشام  ، ورأى رأس الحسين الشريف ( عليه السلام )   ، ورأى السبايا في الأسر  ، سألهم : رأس من هذا ؟ فقالوا : رأس الحسين بن علي ( عليه السلام )   ، فقال لهم : بئس القوم أنتم  ، لو كان لعيسى ولد لأدخلناه أحداقنا (3).
وقال ابن حجر : ولمَّا فعل يزيد برأس الحسين ( عليه السلام ) ما مرَّ كان عنده رسول قيصر  ، فقال متعجِّباً : إن عندنا في بعض الجزائر في دير حافر حمار عيسى ( على نبيِّنا وآله وعليه الصلاة والسلام ) فنحن نحجُّ إليه كلَّ عام من الأقطار  ، وننذر النذور ونعظِّمه كما تعظِّمون كعبتكم  ، فأشهد أنكم على باطل (4).
وقال الشفهيني عليه الرحمة في ذلك :
يَا أُمَّةً نَقَضَتْ عُهُودَ نبيِّها أَفَمَنْ إلى نَقْضِ الْعُهُودِ دَعَاكِ
يا تَيْمُ لا تمَّت عليكِ سَعَادَةٌ لكنْ دَعَاكِ إلى الشقاءِ شَقَاكِ
يا أُمَّةً بَاءَتْ بِقَتْلِ هُدَاتِها أَفَمَنْ إلى قَتْلِ الْهُدَاةِ هَدَاكِ
أَمْ أَيُّ شيطان رَمَاكِ بِغَيِّهِ حَتَّى عَرَاكِ وَحَلَّ عَقْدَ عُرَاكِ
بئس الجَزَاءُ لأحمد في آلِهِ وبنيه يومَ الطفِّ كان جَزَاكِ


(1) سورة الشورى  ، الآية : 23.
(2) مقتل الحسين ( عليه السلام )   ، الخوارزمي : 2/114 ـ 115 ح 46.
(3) كتاب الثقات  ، ابن حبان : 2/313 ـ 314  ، الصواعق المحرقة  ، ابن حجر : 302.
(4)الصواعق المحرقة  ، ابن حجر : 301 ـ 302.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 515

لاَ تَفْرَحي فَبِكِثْرِ مَا اسْتَعْذَبْتِ في أُوْلاَكِ قَدْ عُذِّبْتِ في أُخْرَاكِ
لهفي عَلَى الخَدِّ التريبِ تَخُدُّهُ سَفَهاً بأطرافِ القَنَا سُفَهَاكِ
لهفي لآلِكَ يَا رَسُولَ اللهِ في أَيْدي الطُّغَاةِ نَوَائِحاً وبواكي (1)

وروى ابن أعثم الكوفي : قال : التفت حبر من أحبار اليهود ـ وكان حاضراً  ، يعني في مجلس يزيد  ، وقد رأى رأس الحسين ( عليه السلام ) بين يديه ـ فقال : من هذا الغلام يا أمير المؤمنين ؟ فقال : هذا  ، صاحب الرأس أبوه  ، قال  ، ومن هو صاحب الرأس يا أمير المؤمنين ؟ قال : الحسين بن علي بن أبي طالب ( عليهما السلام )   ، قال : فمن أمّه ؟ قال : فاطمة بنت محمد ( صلى الله عليه وآله )   ، فقال الحبر : يا سبحان الله! هذا ابن بنت نبيِّكم قتلتموه في هذه السرعة ؟ بئس ما خلفتموه في ذرّيّته  ، والله لو خلَّف فينا موسى بن عمران سبطاً من صلبه لكنّا نعبده من دون الله  ، وأنتم إنما فارقكم نبيُّكم ( صلى الله عليه وآله ) بالأمس  ، فوثبتم على ابن نبيِّكم ( صلى الله عليه وآله ) فقتلتموه  ، سوأةً لكم من أمّة! قال : فأمر يزيد فَوجِىء في حلقه  ، فقام الحبر وهو يقول : إن شئتم فاضربوني أو فاقتلوني أو قرِّروني  ، فإني أجد في التوراة أنّه من قتل ذرّيّة نبيٍّ لا يزال مغلوباً أبداً ما بقي  ، فإذا مات يصليه الله نار جهنم (2).
قال بعض الشعراء :
عَبْدُ شَمْس قَدْ أَضْرَمَتْ لبني ها شِمَ حرباً يشيبُ فيها الوليدُ
فابنُ حَرْب للمصطفى وابنُ هِنْد لعليٍّ ولِلْحُسَينِ يزيدُ (3)

عن ابن لهيعة : عن أبي الأسود قال : لقيت رأس الجالوت فقال : إن بيني وبين داود ( عليه السلام ) سبعين أباً  ، وإن اليهود إذا رأوني عظَّموني  ، وعرفوا حقّي  ، وأوجبوا

(1) راجع : الغدير  ، الشيخ الأميني : 6/380 ـ 381.
(2) كتاب الفتوح  ، ابن أعثم : 5/132.
(3) النزاع والتخاصم  ، المقريزي : 62.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 516

حفظي  ، وإنه ليس بينكم وبين نبيِّكم ( صلى الله عليه وآله ) إلاَّ أب واحد  ، قتلتم ابنه (1).
وقال ابن حجر : قال ذمّيٌّ : بيني وبين داود ( على نبيِّنا وآله وعليه الصلاة والسلام ) سبعون أباً  ، وإن اليهود تعظِّمني وتحترمني  ، وأنتم قتلتم ابن نبيِّكم ( صلى الله عليه وآله ) ؟ (2).
ويقول دعبل الخزاعي رحمه الله تعالى في ظلامة أهل البيت ( عليهم السلام ) :
كَمْ مِنْ ذراع لهم بالطفِّ بَائِنة وَعَارِض بصعيدِ التُّرْبر مُنْعَفِرِ
أنسى الحسينَ وَمَسْرَاهُمْ لِمقَتَلِهِ وهم يقولون : هذا سَيِّدُ البَشَرِ
يا أُمَّةَ السَّوْءِ مَا جَازَيْتِ أحمدَ في حُسْنِ البَلاَءِ على التنزيلِ والسُّوَرِ
خَلَفْتُموه على الأبناءِ حين مضى خِلاَفَةَ الذِّئْبِ في إنفاذِ ذي بَقَرِ
لم يبقَ حيٌّ من الأحياءِ نَعْلَمُهُ من ذي يَمَان وَلاَ بَكْر وَلاَ مُضَرِ
إلاَّ وَهُمْ شُرَكاءٌ في دِمَائِهِمُ كَمَا تَشَارَكَ أيسارٌ على جُزُرِ
قتلا وأسراً وتخويفاً ومَنْهَبَةً فِعْلَ الغُزَاةِ بأَرْضِ الرومِ والخَزَرِ (3)

روى النطنزي في الخصائص  ، قال : لمَّا جاؤوا برأس الحسين ( عليه السلام )   ، ونزلوا منزلا يقال له : قنسرين  ، اطلع راهب من صومعته إلى الرأس  ، فرأى نوراً ساطعاً يخرج من فيه إلى السماء  ، فأتاهم بعشرة آلاف درهم  ، وأخذ الرأس وأدخله صومعته  ، فسمع صوتاً ولم ير شخصاً قال : طوبى لك  ، وطوبى لمن عرف حرمته  ، فرفع الراهب رأسه وقال : يا ربّ  ، بحقّ عيسى تأمر هذا الرأس بالتكلُّم معي  ، فتكلَّم الرأس وقال : يا راهب  ، أيَّ شيء تريد ؟ قال : من أنت ؟ قال : أنا ابن محمد المصطفى  ، وأنا ابن علي المرتضى  ، وأنا ابن فاطمة الزهراء  ، أنا المقتول بكربلاء  ، أنا

(1) العقد الفريد  ، الأندلسي : 5/132  ، الطبقات الكبرى  ، ابن سعد : 8/68  ، عيون الأخبار  ، ابن قتيبة : 1/212.
(2) الصواعق المحرقة  ، ابن حجر : 302.
(3) الغدير  ، الشيخ الأميني : 2/375 ـ 376.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 517

المظلوم  ، أنا العطشان  ، وسكت  ، فوضع الراهب وجهه على وجهه  ، فقال : لا أرفع وجهي عن وجهك حتى تقول : أنا شفيعك يوم القيامة  ، فتكلَّم الرأس وقال : ارجع إلى دين جدّي محمّد  ، فقال الراهب : أشهد أن لا إله إلاَّ الله  ، وأشهد أن محمداً رسول الله  ، فقبل له الشفاعة  ، فلمَّا أصبحوا أخذوا منه الرأس والدراهم  ، فلمَّا بلغوا الوادي نظروا الدراهم قد صارت حجارة (1) ولله درّ بعض الشعراء إذ يقول :
جاؤوا بِرَأْسِكَ يا ابنَ بنتِ محمد مترمِّلا بدِمَائِهِ ترميلا
وكأنَّما بِكَ يا ابنَ بنتِ محمَّد قتلوا جِهَاراً عامدين رَسُولا
قتلوك عَطْشَاناً ولم يترقَّبوا في قَتْلِكَ التنزيلَ والتأويلا
ويُكَبِّرون بأَنْ قُتِلْتَ وإنَّما قَتَلُوا بك التَّكْبِيرَ والتَّهْلِيلا

المجلس الخامس

بكاء أمير المؤمنين ( عليه السلام )
وحزنه على الإمام الحسين (عليه السلام)

روى القدَّاح  ، عن جعفر بن محمد  ، عن أبيه ( عليهما السلام ) قال : مرَّ عليٌّ بكربلاء في اثنين من أصحابه  ، قال : فلمَّا مرَّ بها ترقرقت عيناه للبكاء  ، ثمَّ قال : هذا مناخ ركابهم  ، وهذا ملقى رحالهم  ، وههنا تهراق دماؤهم  ، طوبى لك من تربة  ، عليك تهراق دماء الأحبّة (2).
وروى الشيخ الصدوق عليه الرحمة  ، عن ابن عباس قال : كنت مع أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في خرجته إلى صفّين  ، فلمَّا نزل بنينوى وهو بشط الفرات قال بأعلى

(1) بحار الأنوار  ، العلامة المجلسي : 45/303.
(2) بحار الأنوار  ، العلامة المجلسي : 44/258.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 518

صوته : يا ابن عباس  ، أتعرف هذا الموضع ؟ قلت له : ما أعرفه يا أمير المؤمنين  ، فقال ( عليه السلام ) : لو عرفته كمعرفتي لم تكن تجوزه حتى تبكي كبكائي. قال : فبكى طويلا حتى اخضلَّت لحيته  ، وسالت الدموع على صدره  ، وبكينا معاً  ، وهو يقول : أوه أوه  ، مالي ولآل أبي سفيان ؟ مالي ولآل حرب حزب الشيطان وأولياء الكفر ؟ صبراً يا أبا عبدالله  ، فقد لقي أبوك مثل الذي تلقى منهم (1).
قال العلامة المجلسي عليه الرحمة : وروي في بعض الكتب المعتبرة عن عبدالله بن قيس قال : كنت مع من غزا مع أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في صفّين  ، وقد أخذ أبو أيوب الأعور السلمي الماء وحرزه عن الناس  ، فشكا المسلمون العطش  ، فأرسل فوارس على كشفه فانحرفوا خائبين  ، فضاق صدره  ، فقاله له ولده الحسين ( عليه السلام ) : أمضي إليه يا أبتاه ؟ فقال : امض يا ولدي  ، فمضى مع فوارس فهزم أبا أيوب عن الماء  ، وبنى خيمته  ، وحطَّ فوارسه  ، وأتى إلى أبيه وأخبره  ، فبكى علي ( عليه السلام )   ، فقيل له : ما يبكيك يا أمير المؤمنين وهذا أول فتح ببركة الحسين ( عليه السلام ) ؟ فقال : ذكرت أنه سيقتل عطشاناً بطفِّ كربلا  ، حتى ينفر فرسه ويحمحم ويقول : الظليمة الظليمة لأمة قتلت ابن بنت نبيِّها (2) ولله درّ الشفهيني عليه الرحمة إذ يقول :
مَنَعُوهُمُ مَاءَ الفُرَاتِ وَدُوْنَه بِسُيُوفِهِمْ دَمُهُم يُرَاقُ مَحَلَّلا
هَجَرَتْ رُؤُوسُهُمُ الْجُسُومَ فَوَاصَلَتْ زُرْقَ الأسنَّةِ والوشيجَ الذُّبَّلا
يبكي أسيرُهُمُ لِفَقْدِ قتيلِهم أسفاً وكلٌّ في الحقيقةِ مبتلى
هذا يميلُ على اليمينِ معفَّراً بدَمِ الوريدِ وذا يُسَاقُ مُغَلَّلا
وَمِنَ العجائبِ أَنْ تُقَادَ أُسُودُها أَسراً وتفترسَ الكلابُ الأشْبُلا
لهفي لزينِ العابدينَ يُقَادُ في ثِقْلِ الحديدِ مُقيَّداً ومكبَّلا


(1) الأمالي  ، الصدوق : 694 ح 5  ، بحار الأنوار  ، المجلسي : 44/252 ح 2.
(2) بحار الأنوار  ، العلامة المجلسي : 44/266 ح 23.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 519

مُتَقَلْقِلا في قَيْدِهِ مُتَثَقِّلا مُتَوَجِّعاً لِمُصَابِهِ مُتَوَجِّلا
أَفدي الأسيرَ وليت خدّي مَوْطِناً كانت له بينَ الَمحَامِلِ مِحْمَلاَ
أقسمتُ بالرحمنِ حِلْفَةَ صادق لولا الفَرَاعِنَةُ الطواغيتُ الأُولى
مَا بَاتَ قلبُ محمد في سبطِهِ قَلِقَاً ولا قَلْبُ الوصيِّ مُقَلْقَلاَ
خانوا مَوَاثِيقَ النبيِّ وأَجَّجُوا نيرانَ حَرْب حَرُّها لن يُصْطَلَى (1)

قال الشيخ نصر الله بن مجلي مشارف الخزانة الصلاحية ـ : فكَّرت ليلة ـ وقد أويت إلى فراشي ـ فيما عامل به آل أبي سفيان لأهل بيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وفي قضية الحسين ( عليه السلام )   ، وقتله وقتل أهل بيته  ، وأسر بنات رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وحملهم إيَّاهُنَّ على الأقتاب سبايا  ، ووقوفهم على درج دمشق سبايا عرايا!! فبكيت بكاءً شديداً  ، وأرقت  ، ثمَّ نمت فرأيت أمير المؤمنين علياً ( عليه السلام )   ، فحين رأيته بادرت إليه وقبَّلت يديه وبكيت  ، فقال : ما يبكيك ؟ فقلت : يا أمير المؤمنين  ، تفتحون مكة فتقولون : من دخل دار أبي سفيان فهو آمن  ، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن  ، ومن دخل المسجد فهو آمن  ، ثمَّ يُفعل بولدك الحسين وأهل بيتك بالطفِّ ما فُعل ؟ فتبسَّم أمير المؤمنين وقال : ألم تسمع أبيات ابن الصيفي ( سعد بن محمد ) ؟ قلت : لا  ، قال : اسمعها منه فهي الجواب.
قال : فطالت ليلتي حتى برق الفجر  ، فجئت باب ابن الصيفي فطرقت بابه  ، فخرج إليَّ حاسراً حافي القدمين  ، وقال : ما الذي جاء بك هذه الساعة ؟ فقصصت عليه قصتي  ، فأجهش بالبكاء وقال : والله ما قلتها إلاَّ ليلتي هذه  ، ولم يسمعها بشر منّي  ، ثمَّ أنشدني :
مَلَكْنا فكانَ الْعَفْوُ مِنَّا سجيَّةً فلمَّا مَلَكْتُم سَالَ بالدَّمِ أَبْطَحُ
وَحللَّلتُمُ قَتْلَ الأُسَارى وطالما غَدَوْنا عن الأسرى نَعُفُّ وَنَصْفَحُ


(1) الغدير  ، الشيخ الأميني : 6/388 ـ 389.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 520

وَحَسْبُكُمُ هذا التفاوتُ بَيْنَنا وكلُّ إناء بالذي فيه يَنْضَحُ (1)

ولله درّ الشفهيني عليه الرحمة إذ يقول :
يا تَيمُ لا تمَّت عليكِ سَعَادةٌ لكنْ دَعَاكِ إلى الشَّقَاءِ شَقَاكِ
لولاكِ ما ظَفَرَتْ عُلُوجُ أُميَّة يوماً بِعِتْرَةِ أحمد لولاكِ
تاللهِ مَا نِلْتِ السعادةَ إنَّما أَهْوَاكِ في نَارِ الجحيمِ هَوَاكِ
أنَّى اسْتَقَلْتِ وقد عَقَدْتِ لآخر حُكْماً فكيف صَدَقْتِ في دَعْوَاكِ
ولأنتِ أكبرُ يَا عديُّ عَدَاوةً واللهِ مَا عَضَدَ النفاقَ سِوَاكِ
لا كان يومٌ كنتِ فيه وساعةٌ فَضَّ النفيلُ بها خِتَامَ صَهَاكِ
وعليكِ خِزْيٌ يَا أُمَيَّةُ دَائِماً يبقى كما في النارِ دَامَ بَقَاكِ
هَلاَّ صَفَحْتِ عن الحسينِ وَرَهْطِهِ صَفْحَ الوصيِّ أَبيه عن آباكِ
وَعَفَفْتِ يومَ الطفِّ عِفَّةَ جَدَاهِ الـ مبعوثِ يومَ الفَتْحِ عن طُلَقَاكِ
أَفَهَلْ يدٌ سَلَبَتْ إِمَاءَكِ مثلما سَلَبَتْ كريماتِ الحسينِ يَدَاكِ
أم هل بَرَزْنَ بفتحِ مكَّةَ حُسَّراً كَنِسَائِهِ يومَ الطفوفِ نِسَاكِ
يا أُمَّةً بَاءَتْ بِقَتْلِ هُدَاتِها أَفَمَنْ إلى قَتْلِ الهُدَاةِ هَدَاكِ
أم أيُّ شيطان رَمَاكِ بِغَيِّه حتَّى عَرَاكِ وَحَلَّ عَقْدَ عُرَاكِ
بئس الجَزَاءُ لأحمد في آلِهِ وبنيه يومَ الطفِّ كان جَزَاكِ
فَلَئِنْ سُرِرْتِ بخدعة أَسْرَرْتِ في قَتْلِ الحسينِ فَقَدْ دَهَاكِ دَهَاكِ
مَا كَانَ في سَلْبِ ابنِ فاطمَ مُلْكَهُ مَا عَنْهُ يوماً لو كَفَاكِ كَفَاكِ
لهفي الجَسَدِ المعرَّى بالعرا شِلْواً تُقَبِّلُه حُدُودُ ظُبَاكِ
لهفي عَلَى الخدِّ الترتيبِ تَخُدُّه سَفهاً بأطرافِ القَنَا سُفَهَاكِ (2)


(1) وفيات الأعيان  ، ابن خلكان : 11/206 في ترجمة أبي الفوارس ابن الصيفي التميمي المعروف بحيص بيص  ، بغية الطلب في تاريخ حلب  ، الحلبي ( في ترجمة الإمام الحسين ( عليه السلام ) ) : ح 196.
(2) الغدير  ، الشيخ الأميني : 6/381.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 521

المجلس السادس

فضل إنشاد الشعر في الإمام الحسين ( عليه السلام )
ودخول بعض الشعراء على الأئمة (عليهم السلام)

روى الشيخ الصدوق عليه الرحمة  ، عن أبي عمار المنشد  ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : قال لي : يا أبا عمارة  ، أنشدني في الحسين بن علي  ، قال : فأنشدته فبكى  ، ثمَّ أنشدته فبكى  ، قال : فو الله ما زلت أنشده ويبكي حتى سمعت البكاء من الدار.
قال : فقال : يا أبا عمارة! من أنشد في الحسين بن علي شعراً فأبكى خمسين فله الجنّة  ، ومن أنشد في الحسين شعراً فأبكى ثلاثين فله الجنّة  ، ومن أنشد في الحسين شعراً فأبكى عشرين فله الجنّة  ، ومن أنشد في الحسين شعراً فأبكى عشرة فله الجنة  ، ومن أنشد في الحسين شعراً فأبكى واحداً فله الجنّة  ، ومن أنشد في الحسين شعراً فبكى فله الجنّة  ، ومن أنشد في الحسين شعراً فتباكى فله الجنة (1).
وروى الكشي عليه الرحمة  ، عن زيد الشحام قال : كنّا عند أبي عبدالله ( عليه السلام ) ونحن جماعة من الكوفيين  ، فدخل جعفر بن عفان على أبي عبدالله ( عليه السلام )   ، فقرَّبه وأدناه  ، ثمَّ قال : يا جعفر! قال : لبّيك جعلني الله فداك! قال : بلغني أنك تقول الشعر في الحسين وتجيد  ، فقال له : نعم جعلني الله فداك  ، قال : قل  ، فأنشده صلَّى الله عليه  ، فبكى ومن حوله  ، حتى صارت الدموع على وجهه ولحيته  ، ثمَّ قال : يا جعفر  ، والله لقد شهدت ملائكة الله المقرَّبون ههنا يسمعون قولك في الحسين ( عليه السلام )   ، ولقد بكوا كما بيكنا وأكثر  ، ولقد أوجب الله تعالى لك ـ يا جعفر ـ في ساعتك الجنّة بأسرها ،

(1) الأمالي  ، الصدوق : 205 ح 6  ، بحار الأنوار  ، العلامة المجلسي : 44/282 ح 15.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 522

وغفر الله لك  ، فقال : يا جعفر  ، ألا أزيدك ؟ قال : نعم يا سيدي  ، قال : ما من أحد قال في الحسين شعراً فبكى وأبكى به إلاَّ أوجب الله له الجنّة وغفر له (1).
وروى ابن قولويه عليه الرحمة : عن عبدالله بن غالب قال : دخلت على أبي عبدالله ( عليه السلام ) فأنشدته مرثيَّة الحسين بن علي ( عليهما السلام )   ، فلمَّا انتهيت إلى هذا الموضع :
لبلية تسقو حسيناً بمسقاة الثرى غير التراب

صاحت باكية من وراء الستر : يا أبتاه (2).
وعن أبي هارون المكفوف قال : دخلت على أبي عبدالله ( عليه السلام ) فقال لي : أنشدني  ، فأنشدته  ، فقال : لا  ، كما تنشدون  ، وكما ترثيه عند قبره  ، فأنشدته :
امرُرْ عَلَى جَدَثِ الحسينِ فَقُلْ لأَعْظُمِهِ الزكيَّه

قال : فلمَّا بكى أمسكت أنا  ، فقال : مرَّ  ، فمررت  ، قال : ثمَّ قال : زدني ، زدني قال : فأنشدته :
يَا مَرْيَمُ قُومي وانْدُبي مَوْلاَكِ وَعَلَى الحُسَينِ فأَسْعِدِي ببُكَاكِ

قال : فبكى وتهايج النساء  ، قال : فلمَّا أن سكتن قال لي : يا أبا هارون  ، من أنشد في الحسين فأبكى عشرة فله الجنَّة  ، ثمَّ جعل ينتقص واحداً واحداً حتى بلغ الواحد فقال : من أنشد في الحسين فأبكى واحداً فله الجنَّة  ، ثمَّ قال : من ذكره فبكى فله الجنَّة  ، وروي عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : لكلِّ شيء ثواب إلاَّ الدمعة فينا (3).
وروى الشيخ الصدوق عليه الرحمة  ، عن أبي هارون المكفوف قال : قال لي أبو عبدالله ( عليه السلام ) : يا أبا هارون  ، أنشدني في الحسين ( عليه السلام )   ، قال : فأنشدته  ، قال : فقال

(1)رجال الكشي : 2/574 ح 508  ، بحار الأنوار  ، العلامة المجلسي : 44/282 ح 16.
(2) كامل الزيارات  ، ابن قولويه : 209 ـ 210 ح 3  ، بحار الأنوار  ، العلامة المجلسي : 44/286 ح 24.
(3) كامل الزيارات  ، ابن قولويه : 210 ـ 211 ح 5  ، بحار الأنوار  ، العلامة المجلسي : 44/286 ح 24.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 523

لي : أنشدني كما تنشدون ـ يعني بالرقّة ـ قال : فأنشدته :
امرُرْ عَلَى جَدَثِ الحُسَينِ فَقُلْ لأَعْظُمِهِ الزكيَّه

قال : فبكى  ، ثمَّ قال : زدني  ، فأنشدته القصيدة الأخرى  ، قال : فبكى وسمعت البكاء من خلف الستر  ، قال : فلمَّ فرغت قال : يا أبا هارون  ، من أنشد في الحسين شعراً فبكى وأبكى عشرة كتبت لهم الجنة  ، ومن أنشد في الحسين شعراً فبكى وأبكى خمسة كتبت لهم الجنّة  ، ومن أنشد في الحسين شعراً فبكى وأبكى واحداً كتبت لهما الجنة  ، ومن ذكر الحسين عنده فخرج من عينيه من الدمع مقدار جناح ذباب كان ثوابه على الله عزَّ وجلَّ  ، ولم يرض له بدون الجنّة (1).
ولله درّ دعبل الخزاعي عليه الرحمة إذ يقول :
سَأَبكيهِمُ مَا حَجَّ للهِ رَاكِبٌ وَمَا نَاحَ قَمْرِيٌّ على الشَجَرَاتِ
فَيَا عَيْنُ بَكِّيهِمْ وَجُودي بِعَبْرَة فَقَدْ آنَ للتَّسْكَابِ والهَمَلاَتِ
بَنَاتُ زياد في القُصُورِ مَصُونةٌ وآلُ رَسُولِ اللهِ في الفَلَوَاتِ
دِيَارُ رَسُولِ اللهِ أصبحنَ بَلْقَعا وآلُ زياد تَسْكُنُ الْحُجُرَاتِ
وآلُ رسولِ اللهِ نُحْفٌ جُسُومُهُمْ وآلُ زياد غُلَّظُ القصراتِ
وآلُ رسولِ اللهِ تُدمى نحورُهُمْ وآلُ زياد رَبَّةُ الحجلاتِ
وآلُ رسول اللهِ تُسبى حريمُهُمْ وآلُ زياد آمِنُو السَّرَبَاتِ
إذا وُتِرُوا مَدُّوا إلى وَاتِرِيهِمُ أَكُفَّاً عن الأوتارِ مُنْقَبِضَاتِ
سأبكيهِمُ مَا ذَرَّ في الأرضِ شارقٌ ونادى مُنَادي الخيرِ للصَّلَوَاتِ
وَمَا طَلَعَتْ شَمْسٌ وحان غُرُوبُها وبالليلِ أبكيهمُ وَبِالْغَدَواتِ (2)


(1) ثواب الأعمال  ، الصدوق : 83 ـ 84  ، بحار الأنوار  ، العلامة المجلسي : 44/288 ح 28.
(2) بحار الأنوار  ، المجلسي : 54/257.
السابق السابق الفهرس التالي التالي