المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 394

أحداً منهم ، فجعل يُكثر من قول : لا حول ولا قوَّة إلاَّ بالله العلي العظيم.
ثمّ ذهب إلى خيم النساء ، فجاء إلى خيمة ولده زين العابدين ( عليه السلام ) فرآه ملقى على نطع من الأديم ، فدخل عليه وعنده زينب تمرِّضه ، فلمَّا نظر إليه علي بن الحسين ( عليهما السلام ) أراد النهوض فلم يتمكَّن من شدة المرض ، فقال لعمَّته : سنِّديني إلى صدرك فهذا ابن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قد أقبل ، فجلست زينب خلفه وأسندته إلى صدرها ، فجعل الحسين ( عليه السلام ) يسأل ولده عن مرضه ، وهو يحمد الله تعالى ، ثمَّ قال : يا أبتاه! ما صنعت اليوم مع هؤلاء المنافقين ؟ فقال له الحسين ( عليه السلام ) : يا ولدي! قد استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله ، وقد شبَّ الحرب بيننا وبينهم ـ لعنهم الله ـ حتى فاضت الأرض بالدم منّا ومنهم.
فقال علي ( عليه السلام ) : يا أبتاه! أين عمّي العباس ؟ فلمَّا سأل عن عمِّه اختنقت زينب بعبرتها ، وجعلت تنظر إلى أخيها كيف يجيبه; لأنه لم يخبره بشهادة عمِّه العباس خوفاً من أن يشتدَّ مرضُه.
فقال ( عليه السلام ) : يا بني! إنَّ عمَّك قد قُتل ، وقطعوا يديه على شاطىء الفرات ، فبكى علي بن الحسين ( عليه السلام ) بكاء شديداً حتى غشي عليه ، فلمَّا أفاق من غشيته جعل يسأل عن كل واحد من عمومته والحسين ( عليه السلام ) يقول له : قُتل. فقال : وأين أخي علي ، وحبيب بن مظاهر ، ومسلم بن عوسجة ، وزهير بن القين ؟ فقال له : يا بنيّ! اعلم أنه ليس في الخيام رجل حيٌّ إلاَّ أنا وأنت ، وأمّا هؤلاء الذين تسأل عنهم فكلُّهم صرعى على وجه الثرى.
فبكى علي بن الحسين ( عليه السلام ) بكاءً شديداً ، ثمَّ قال لعمَّته زينب : يا عمّتاه! عليَّ بالسيف والعصا ، فقال له أبوه : وما تصنع بهما ؟ فقال : أمَّا العصا فأتوكَّأ عليها ، وأمَّا السيف فأذبُّ به بين يدي ابن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فإنّه لا خير في الحياة بعده ، فمنعه الحسين من ذلك ، وضمَّه إلى صدره ، وقال له : يا ولدي! أنت أطيب ذرّيّتي ،

المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 395

وأفضل عترتي ، وأنت خليفتي على هؤلاء العيال والأطفال ، فإنهم غرباء مخذولون ، قد شملتهم الذلّة واليتم شماتة الأعداء ونوائب الزمان ، سكِّتهم إذا صرخوا ، وآنسهم إذا استوحشوا ، وسلِّ خواطرهم بليِّن الكلام ، فإنّهم ما بقي من رجالهم من يستأنسون به غيرك ، ولا أحد عندهم يشكون إليه حزنهم سواك ، دعهم يشمّوك وتشمّهم ، ويبكوا عليك وتبكي عليهم.
ثمَّ لزمه بيده ، وصاح بأعلى صوته : يا زينب! ويا أمَّ كلثوم! ويا سكينة! ويا رقيّة! ويا فاطمة! اسمعن كلامي ، واعلمن أنّ ابني هذا خليفتي عليكم ، وهو إمامٌ مفترضُ الطاعة ، ثمَّ قال له : يا ولدي! بلِّغ شيعتي عنّي السلام فقل لهم : إنّ أبي مات غريباً فاندبوه ، ومضى شهيداً فابكوه (1).
شيعتي مهما شربتم عذبَ ماء فاذكروني أو سمعتم بغريب أو شهيد فاندبوني
فأنا السبط الذي من غير جرم قتلوني وبجرد الخيلِ بعد القتل عمداً سحقوني
ليتكم في يوم عاشورا جميعاً تنظروني كيف استسقي لطفلي فأبوا أن يرحموني (2)

وجاء في بحار الأنوار : ثمَّ التفت الحسين ( عليه السلام ) عن يمينه فلم ير أحداً من الرجال ، والتفت عن يساره فلم ير أحداً ، فخرج علي بن الحسين زين العابدين ( عليهما السلام ) ، وكان مريضاً لا يقدر أن يُقِلَّ سيفَه ، وأمُّ كلثوم تنادي خلفَه : يا بُنيَّ! ارجع ، فقال : يا عمَّتاه! ذريني أقاتل بين يدي ابن رسول الله ، فقال الحسين ( عليه السلام ) : يا أمَّ كلثوم! خذيه لئلا تبقى الأرض خالية من نسل آل محمد ( صلى الله عليه وآله ) (3).

(1) الدمعة الساكبة : 4/351.
02)مثير الأحزان ، الجواهري : 93.
(3)بحار الأنوار ، المجلسي : 45/46.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 396

ولله درُّ الشيخ سعيد العسيلي إذ يقول :
وَتَحَرَّكَتْ بالهاشميِّ حَمَاسَةٌ شَمَّاءُ أَنْشَدَها الزمانُ نشيدا
وهو العليلُ تَنَاهَبَتْهُ عِلَّةٌ تَرَكَتْهُ في حِضْنِ الفِرَاشِ قَعيدا
لله زَيْنُ العابدينَ وَخَوْفُهُ مِنْ رَبِّهِ مَلأَ السُّهُولَ سُجُودَا
تَرَكَ الْفِرَاشَ عَلَى الْعَصَا مُتَوَكِّئاً وَالكَفُّ جَرَّتْ صارماً مهنودا
إِذْ كَانَ حَمْلُ السيفِ يُعْجِزُ رَاحَةً حَوَتِ المَكَارِمَ وَالْعُلَى وَالجُودا
وَرَآهُ وَالِدُهُ فَصَاحَ بِلَهْفَة كالنارِ زَادَت جَانِحَيْهِ وَقيدا
رُدّيهِ يَا أُخْتَاهُ عَنْ سَاحِ الرَّدَى كي لا أراه مِنَ الحياةِ فقيدا
وَبِذَاكَ يَفْنَى نَسْلُ آلِ محمَّد والدينُ يُصْبِحُ تَائِهاً وَشَريدا
رَدَّتْهُ عَمَّتُهُ وفي أَجْفَانِها دَمْعٌ يُجَرِّحُ مُقْلَةً وَخُدُودَا (1)

وجاء في ثمرات الأعواد روي أن فاطمة ( عليها السلام ) لمَّا دنت منها الوفاة دعت ابنتها زينب ، فشمَّتها في نحرها ، وقبَّلتها في صدرها ، وقالت لها : هذه وديعةٌ لي عندك ، فإذا رأيتِ أخاكِ وحيداً فريداً شمّيه في نحره ، وقبِّليه في صدره ، فإنّ نحرَه موضعُ سيف ابن ذي الجوشن ، وإنّ صدرَه موضعُ حوافرِ خيولِ بني أميّة ، قال : فامتثلت الحوراء زينب ذلك.
ولمَّا كان يوم عاشورا ، وبقي الحسين ( عليه السلام ) وحيداً فريداً ، وأراد أن يودِّع العيال ويمضي إلى القتال ، أقبلت إليه أمُّ المصائب ( عليها السلام ) وقالت له : أخي! اكشف لي عن صدرك وعن نحرك ، فكشف لها الحسين ( عليه السلام ) عن صدره ، فقبَّلته في صدره ، وشمَّته في نحره ، ثمَّ وجَّهت وجهها نحو المدينة صائحةً : يا أمَّاه! قد استُرجعت الوديعة ، وأُخذت الأمانة ، فتعجَّب الحسين ( عليه السلام ) من كلامها ، فقال لها : أخيَّة! وما هي الأمانة ؟ قالت : اعلم يا بن أُم ، لمَّا دنت الوفاة من أمِّنا فاطمة ( عليها السلام ) قرَّبتني إليها ،

(1) كربلاء ( ملحمة أدبية ) للشاعر سعيد العسيلي : 517 ـ 518.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 397

وشمَّتني في نحري ، وقبَّلتني في صدري ، وقالت لي : يا بينَّة! هذه وديعةٌ لي عندك فإذا رأيتِ أخاكِ الحسين ( عليه السلام ) فريداً شمِّيه في نحره ، وقبِّليه في صدره.
قال الراوي : فلمَّا سمع بذكر أمِّه بكى ( عليه السلام ) ، وسُمِعَ مناد ينادي بين السماء والأرض : واولداه واحسيناه (1).
ولله درّ السيِّد حيدر الحلي عليه الرحمة إذ يقول :
سَطَا وهو أَحْمَى مَنْ يَصُونُ كريمةً وَأَشْجَعُ مَنْ يَقْتَادُ للحربِ عَسْكَرا
فَرَافِدُهُ في حَوْمَةِ الضربِ مُرْهَفٌ على قِلَّةِ الأنصارِ فيه تَكَثَّرا
تَعَثَّرَ حَتَّى مات في الْهَام حَدُّهُ وَقَائِمُهُ في كَفِّهِ مَا تَعَثَّرا
كأنَّ أخاه السَّيْفَ أُعْطِي صَبْرَهُ فَلَمْ يَبْرَحِ الهيجاءَ حَتَّى تكسَّرا

وقال الشيخ حسن التاروتي عليه الرحمة :
وَبَقِي الحسينُ الطُّهْرُ في جَيْشِ العِدَى كالبدرِ في جُنْحِ الظَّلاَم تَحَجَّبَا
يَسْطُو بِعَضْب كالشِّهَابِ فَتَنْثَنِي مِنْ بَأْسِهِ كالضَّانِ وَافَتْ أَشْهَبَا
عُذْراً إَذَا نَكَصُوا فِرَاراً من فَتَىً قد كان حيدرةُ الكَمِيُّ لَهُ أَبَا
وهذاكَ أَطْعَمَهُمْ ببدر مُمْقِرَاً وبكربلا هذا أَغَصَّ الْمَشْرَبَا (2)

المجلس الثامن ، من يوم عاشوراء

مقتل الإمام الحسين (عليه السلام)

روي في بعض المقاتل : لمَّا أراد الحسين ( عليه السلام ) أن يتقدَّم إلى القتال نظر يميناً وشمالا ، ونادى : ألا هل من يقدِّم لي جوادي ؟ فسمعت زينب ( عليها السلام ) فخرجت

(1)ثمرات الأعواد ، السيِّد علي بن الحسين الهاشمي : 1/31 و272.
(2) رياض المدح والرثاء ، الشيخ حسين القديحي : 93.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 398

وأخذت بعنان الجواد ، وأقبلت إليه وهي تقول : لمن تنادي ؟ وقد قرحت فؤادي ، وفي ذلك يقول بعض الشعراء :
مَنْ ذا يقدِّمُ لي الجَوَادَ وَلاَمَتِي وَالصَّحْبُ صَرْعى والنصيرُ قليلُ
فَأَتْتهُ زينبُ بالجَوَادِ تَقُودُهُ والدَّمْعُ مِنْ ذِكْرِ الْفِرَاقِ يَسِيلُ
وتقولُ قد قَطَّعْتَ قلبي يَا أَخِي حُزْناً وياليتَ الجبالَ تزولُ
وَلِمَنْ تُنَادي والحُمَاةُ عَلَى الثَّرَى صَرْعَى وَلاَ مِنْهُمْ يُبَلُّ غَلِيلُ
مَا في الخيامِ وَقدْ تَفَانَى أَهْلُها إلاَّ نِسَاءٌ وُلَّهٌ وَعليلُ
أَرَأَيْتَ أُخْتاً قد أتت لِشَقِيقِهَا فَرَسَ الْمَنُونِ وَلاَحِمَىً وكفيلُ
فَتَبَادَرَتْ منه الدُّمُوعُ وَقَالَ يَا أُخْتَاهُ صبراً فالمصابُ جليلُ
فبكت وقالت يابنَ أُمّي ليس لي وَعَلَيْكَ ما الصَّبْرُ الجميلُ جميلُ
يَا نُوْرَ عَيْني يَا حُشَاشَةَ مُهْجَتي مَنْ لِلنِّسَاءِ الضَّائِعَاتِ دليلُ
وَرَنَتْ إلى نَحْوِ الخيامِ بِعَوْلَة عُظْمَى تَصُبُّ الدَّمْعَ وَهِيَ تقولُ
قُومُوا إِلَى التوديعِ إنَّ أَخِي دَعَا بِجَوَادِهِ إِنَّ الفِرَاقَ طويلُ
فَخَرَجْنَ رَبَّاتُ الخُدُورِ عَوَاثِراً وَغَدَا لها نَحْوَ الحسينِ عويلُ
اللهُ مَا حَالُ العليلِ وَقَدْ رَأَى تلك المَدَامِعَ لِلْوِدَاعِ تسيلُ (1)

قال الشيخ الطريحي عليه الرحمة : ثمَّ إنّ الحسين ( عليه السلام ) لمَّا نظر إلى اثنين وسبعين رجلا من أهل بيته صرعى ، فالتفت إلى الخيمة ونادى : يا سكينة! يا فاطمة! يا زينب! يا أم كلثوم! عليكنَّ منّي السلام ، فنادته سكينة : يا أبه! استسلمت للموت ؟! فقال : كيف لا يستسلم من لا ناصر له ولا معين ؟! فقالت : يا أبه! ردَّنا إلى حرم جدِّنا ، فقال : هيهات ، لو ترك القطا لنام ، فتصارخن النساء

(1) معالي السبطين ، الحائري : 2/27.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 399

فسكَّتهنَّ الحسين ( عليه السلام ) ، وحمل على القوم (1).
وفي رواية أنه ( عليه السلام ) قال : يا نور عيني! كيف لا يستسلم للموت من لا ناصر له ولا معين ؟! ورحمة الله ونصرته لا تفارقكم في الدنيا ولا في الآخرة ، فاصبري على قضاء الله ولا تشكي ، فإنّ الدنيا فانية ، والآخرة باقية (2).
وفي رواية أنه نادى ( عليه السلام ) : يا أمَّ كلثوم! ويا سكينة! ويا رقيّة! ويا عاتكة! ويا زينب!! يا أهل بيتي! عليكنَّ منّي السلام ، فلمَّا سمعن رفعن أصواتهن بالبكاء ، فضمَّ بنته سكينة إلى صدره ، وقبَّل ما بين عينيها ، ومسح دموعها ، وكان يحبُّها حبّاً شديداً ، ثم جعل يسكتها ويقول :
سيطولُ بَعْدِي يَا سكينةُ فَاعْلَمِي مِنْكِ الْبُكَاءُ إذَا الحِمَامُ دَهَاني
لاَ تُحْرِقِي قَلْبِي بِدَمْعِكِ حَسْرَةً مَادَامَ مِنّي الرُّوحُ في جُثَْمانِي
فَإِذَا قُتِلْتُ فَأَنْتِ أَوْلَى بالّذي تَأْتِيْنَهُ يَا خِيْرَةَ النسوانِ (3)

وفي بعض الروايات : ثم دعا ( عليه السلام ) بأخته زينب ( عليها السلام ) وصبرها ، وأمرّ يده على صدرها وسكّنها من الجزع ، وذكر لها ما أعد الله من الثواب للصابرين ما وعدالله من الكرامات للمقربين فرضيت ( عليها السلام ) ، وقالت : يا ابن أمي طب نفساً وقر عيناً فإنّك تجدني كما تحب وترضى ، وقالت بلسان الحال :
صبرت على شيء أمر من الصبر سأصبر حتى يعجز الصبر عن صبري (4)

قال بعض الرواة : وقال الحسين ( عليه السلام ) : ابعثوا إليَّ ثوباً لا يُرغب فيه أجعله تحت

(1) المنتخب ، الطريحي : 440 ، الدمعة الساكبة : 4/336.
(2) ناسخ التواريخ : 2/360 ، أسرار الشهادة ، الدربندي : 423.
(3) شرح إحقاق الحق ، المرعشي : 11/633 ، ينابيع المودّة ، القندوزي : 3/79 ، مناقب آل أبي طالب ، ابن شهر آشوب : 3/257.
(4) معالي السبطين ، الحائري : 2/26.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 400

ثيابي لئلا أُجرَّد ، فأُتي بتبّان ، فقال : لا ، ذاك لباس من ضربت عليه بالذلة فأخذ ( عليه السلام ) ثوباً خَلِقاً فخرَّقه وجعله تحت ثيابه ، فلما قُتل ( عليه السلام ) جرَّدوه منه.
ثم استدعى الحسين ( عليه السلام ) بسراويل من حبرة ففزرها ولبسها ، وإنما فزرها لئلا يُسلبها ، فلمَّا قتل ( عليه السلام ) سلبها أبجر بن كعب وتركه مجرَّداً ، فكانت يدا أبجر بعد ذلك ييبسان في الصيف كأنهما عودان ، ويترطَّبان في الشتاء فينضحان دماً وقيحاً إلى أن أهلكه الله تعالى (1).
ثم إنه ( عليه السلام ) أمر عياله بالسكوت وودعهم ، وكانت عليه جبة خز دكناء ، وعمامة مورَّدة أرخى لها ذوابتين ، والتحف ببردة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وتقلد بسيفه (2)
قال الراوي : ثمَّ قام الحسين ( عليه السلام ) وركب فرسه ، وتقدَّم إلى القتال ، ووقف ( عليه السلام ) قبالة القوم وسيفه مصلت في يده ، آيساً من الحياة ، عازماً على الموت ، وهو يقول :
أنا ابنُ عليِّ الطُّهْرِ من آلِ هَاشِم كَفَاني بهذا مَفْخَراً حين أَفْخَرُ
وَجَدّي رسولُ اللهِ أَكرمُ مَنْ مَضَى ونحنُ سِرَاجُ اللهِ في الخَلْقِ نَزْهُرُ
وَفَاطِمٌ أمّي من سُلاَلةِ أحمد وَعَمِّيَ يُدْعَى ذَا الْجَنَاحَيْنِ جَعْفَرُ
وفينا كِتَابُ اللهِ أُنْزِلَ صَادِقاً وفينا الْهُدَى والْوَحْيُ بالخيرِ يُذْكَرُ
ونحنُ أَمَانُ اللهِ للنَّاسِ كُلِّهِمْ نُسِرُّ بهذا في الأَنَامِ وَنَجْهَرُ
ونحنُ وُلاَةُ الْحَوْضِ نَسْقِي ولاتَنَا بِكَأْسِ رَسُولِ اللهِ ما ليس يُنْكَرُ
وَشِيْعَتُنا في الناسِ أَكْرَمُ شِيْعَة وَمُبْغِضُنا يومَ القيامةِ يَخْسَرُ

روى الشيخ الطبرسي عليه الرحمة في الاحتجاج أنه لما بقي ( عليه السلام ) فرداً ـ ليس معه إلاّ ابنه علي بن الحسين ( عليه السلام ) ، وابن آخر في الرضاع اسمه عبدالله ـ أخذ الطفل

(1) بحار الأنوار ، المجلسي : 45/54.
(2) مقتل الحسين ( عليه السلام ) ، المقرم : 271.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 401

ليودِّعه فإذا بسهم قد أقبل حتى وقع في لبَّة الصبيِّ فقتله ، فنزل عن فرسه وحفر للصبيّ بجفن سيفه ، ورَمّلهُ بدمه ودفنه ، ثمَّ وثب قائماً وهو يقول... إلى آخر الأبيات (1).
ثم إنّه ( عليه السلام ) دعا الناس إلى البراز ، فلم يزل يقتل كل من دنا منه من عيون الرجال ، حتى قتل منهم مقتلة عظيمة.
لَهُ من عليٍّ في الحُرُوبِ شجاعةٌ ومن أَحْمَد عند الخِطَابةِ قيْلُ

ثمَّ حمل ( عليه السلام ) على الميمنة ، وقال :
الموتُ خيرٌ من رُكُوبِ العار والعارُ أولى من دُخُولِ النارِ

ثم حمل على الميسرة وهو يقول :
أنا الحُسَينُ بنُ علي آليتُ أنْ لاَ أَنْثَنِي
أحْمِي عَيَالاَتِ أَبِي أَمْضِي عَلَى دينِ النبي

قال الشيخ المفيد والسيِّد وابن نما رحمهم الله : واشتدَّ العطش بالحسين ( عليه السلام ) فركب المسناة يريد الفرات ، والعباس ( عليه السلام ) أخوه بين يديه ، فاعترضه خيل ابن سعد فرمى رجل من بني دارم الحسين ( عليه السلام ) بسهم فأثبته في حنكه الشريف ، فانتزع ( عليه السلام ) السهم ، وبسط يده تحت حنكه ، حتى امتلأت راحتاه من الدم ، ثمَّ رمى به ، وقال : اللهم إنّي أشكو إليك ما يُفعل بابن بنت نبيِّك ، ثمَّ اقتطعوا العباس عنه وأحاطوا به من كل جانب حتى قتلوه ، وكان المتولّي لقتله زيد بن ورقاء الحنفي وحكيم بن الطفيل السنبسي ، فبكى الحسين ( عليه السلام ) لقتله بكاءً شديداً (2).
قال السيِّد : ثمَّ إنَّ الحسين ( عليه السلام ) دعا الناس إلى البراز فلم يزل يقتل كل من برز إليه حتى قتل مقتلة عظيمة وهو في ذلك يقول :

(1) الاحتجاج ، الطبرسي : 2/25.
(2) اللهوف ، ابن طاووس : 69 ـ 70 ، الإرشاد ، المفيد : 2/109 ـ 110.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 402

القتل أولى من ركوب العار والعار أولى من دخول النار

قال السيد ابن طاووس عليه الرحمة : قال بعض الرواة : فوالله ما رأيت مكثوراً قط قد قُتل ولدُه وأهل بيته وصحبه أربطَ جأشاً منه ، وإن كانت الرجال لتشدُّ عليه فيشدُّ عليها بسيفه ، فتنكشف عنه انكشاف المعزى إذا شدَّ فيها الذئب ، ولقد كان يحمل فيهم وقد تكمَّلوا ألفاً فينهزمون بين يديه كأنهم الجراد المنتشر ، ثمَّ يرجع إلى مركزه وهو يقول : لا حول ولا قوَّة إلاَّ بالله العليِّ العظيم (1).
قال ابن شهر آشوب ومحمد بن أبي طالب : ولم يزل يقاتل حتى قتل ألف رجل وتسعمائة رجل وخمسين رجلا سوى المجروحين ، فقال عمر بن سعد لقومه : الويل لكم ، أتدرون لمن تقاتلون ؟ هذا ابن الأنزع البطين ، هذا ابن قتّال العرب ، فاحملوا عليه من كل جانب ، وكانت الرماة أربعة آلاف ، فرموه بالسهام ، فحالوا بينه وبين رحله (2).
قال محمد بن أبي طالب وصاحب المناقب والسيِّد عليهم الرحمة : فصاح بهم : ويحكم يا شيعة آل أبي سفيان! إن لم يكن لكم دين ، وكنتم لا تخافون المعاد ، فكونوا أحراراً في دنياكم ، وارجعوا إلى أحسابكم إذ كنتم أعراباً ، فناداه شمر فقال : ما تقول يا ابن فاطمة ؟ قال : أقول : أنا الذي أقاتلكم وتقاتلوني ، والنساء ليس عليهنّ جناح ، فامنعوا عتاتكم عن التعرُّض لحرمي مادمت حيّاً ، فقال شمر : لك هذا ، ثمَّ صاح شمر : إليكم عن حرم الرجل ، فاقصدوه في نفسه ، فلعمري لهو كفوٌ كريم.
قال : فقصده القوم وهو في ذلك يطلب شربة من ماء ، فكلَّما حمل بفرسه على الفرات حملوا عليه بأجمعهم حتى أحلّوه عنه (3).

(1) اللهوف ، ابن طاووس : 70 ومثله في تاريخ الطبري : 4/345.
(2) مناقب آل أبي طالب ، ابن شهر آشوب : 4/110.
(3) اللهوف ، ابن طاووس : 71.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 403

قَالَ اقْصدُوني بنفسي وَاتْرُكُوا حُرَمِي قَدْ حَانَ حَيْنِي وَقَدْ لاَحَتْ لَوَائِحُهُ

ولله درّ الشيخ جعفر الخطي عليه الرحمة إذ يقول :
وَلَمْ يَبْقَ إلاَّ وَاحِدُ الناسِ واحدا يُكَابِدُ مِنْ أَعْدَائِهِ مَا يُكَابِدُ
يُحَامي وَرَاءَ الطاهراتِ مجاهداً بِأَهلي وَبِي ذاك المحامي المجاهِدُ
وَلاَ سِمِعَتْ أُذْنِي وَلاَ أُذْنُ سَامِع بِأَثْبَتَ منه في اللِّقَا وهو وَاحِدُ
إلَى أَنْ أَسَالَ الطَّعْنُ وَالضَّرْبُ نَفْسَهُ فَخَرَّكُمَا يَهْوِي إلى الأرضِ سَاجِدُ
فَلَهْفِي لَهُ والخيلُ منهنَّ صَادِرٌ خَضِيْبُ الحَوَامي مِنْ دِمَاهُ وَوَارِدُ
فَأَيُّ فَتَىً ظَلَّت خُيُولُ أُمَيَّة تُعَادِي عَلَى جُثَْمانِهِ وَتُطَارِدُ
وَأَعْظَمُ شيء أَنَّ شِمْرَاً لَهُ عَلَى جَنَاجِنِ صَدْر ابنِ النبيِّ مَقَاعِدُ
فَشُلَّتْ يَدَاه حين يَفْرِي بِسَيْفِهِ مُقَلَّدَ مَنْ تُلْقَى إليه المَقَالِدُ
وَإَنَّ قتيلا مَيَّزَ الشِّمْرُ شِلْوَهُ لأَكْرَمُ مفقود يُبَكِّيهِ فَاقِدُ (1)

قال محمد بن شهر آشوب : روى أبو مخنف عن الجلودي أن الحسين ( عليه السلام ) حمل على الأعور السلمي وعمرو بن الحجاج الزبيدي ، وكانا في أربعة آلاف رجل على الشريعة ، وأقحم الفرس على الفرات ، فلمّا أولغ الفرس برأسه ليشرب قال ( عليه السلام ) : أنت عطشان وأنا عطشان ، والله لاذقت الماء حتى تشرب ، فلمّا سمع الفرس كلام الحسين ( عليه السلام ) شال رأسه ولم يشرب كأنّه فهم الكلام ، فقال الحسين ( عليه السلام ) : فأنا أشرب ، فمدَّ الحسين ( عليه السلام ) يده فغرف من الماء ، فقال فارس : يا أبا عبدالله! تتلذَّذ بشرب الماء وقد هُتكت حُرمك ؟ فنفض الماء من يده ، وحمل على القوم ، فكشفهم فإذا الخيمة سالمة (2).
مَنَعُوه من مَاءِ الفُرَاتِ وَوِرْدِهِ وأبوه ساقي الحوضِ يَوْمَ جَزَاءِ


(1) شعراء القطيف ، الشيخ علي المرهون : 1/14 ، رياض المدح والرثاء : 28.
(2) مناقب آل أبي طالب ، ابن شهر آشوب : 4/5.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 404

حَتَّى قَضَى عطشاً كما اشتهت العِدَى بِأَكُفِّ لاَ صِيْد وَلاَ أَكْفَاءِ

ولله درّ السيِّد محمد حسين القزويني عليه الرحمة إذ يقول :
وَعَادَ أَبيُّ الضَّيْمِ بينَ عِدَاتِهِ وَنَاصِرُهُ الْبَتَّارُ وَالأَرنُ الْمُهْرُ
فَتَىً تَرْجُفُ السَّبْعُ الطِّبَاقُ إذَا رَمَتْ بِصَاعِقَةِ الأقْدَارِ أَنْمُلُهُ الْعَشْرُ
إِذَا جَنَّ لَيْلُ النَّقْعِ جَرَّدَ سَيْفَهُ فَيَنْشَقُّ فيه مِنْ سَنَا بَرْقِهِ فَجْرُ
وَيُوْرِدُهُ مِثْلَ اللُّجَيْنِ بِهَامِهِمْ فَيَصْدُرُ عَنْهَا وَهُوَ مِنْ عَلَق تِبْرُ
إِذَا نَظَمَتْ حَبَّ القُلُوبِ قَنَاتُهُ فللسيفِ في أَعْنَاقِ أَعْدَائِهِ نَثْرُ
فَلاَ الوِتْرُ وِتْرٌ حينَ تَقْتَرِعُ الظُّبا وَلاَ الشَّفْعُ شَفْعٌ حين تَشْتَبِكُ السُّمْرُ (1)

قال أبو الفرج الإصبهاني : قال حميد بن مسلم : وجعل الحسين ( عليه السلام ) يطلب الماء وشمر يقول له : والله لا ترده أو ترد النار ، فقال له رجل : ألا ترى إلى الفرات ـ يا حسين ـ كأنه بطون الحيتان ، والله لا تذوقه أو تموت عطشاً ، فقال الحسين ( عليه السلام ) : اللهم أمته عطشاً ، قال : والله لقد كان هذا الرجل يقول : اسقوني ماء ، فيؤتى بماء فيشرب حتى يخرج من فيه ، ثم يقول : اسقوني ، قتلني العطش ، فلم يزل كذلك حتى مات لعنه الله (2).
قالوا : ثمَّ رماه رجل من القوم ـ يكنّى أبا الحتوف الجعفي ـ بسهم ، فوقع السهم في جبهته ، فنزعه من جبهته فسالت الدماء على وجهه ولحيته ، فقال ( عليه السلام ) : اللهم إنّك ترى ما أنا فيه من عبادك هؤلاء العصاة ، اللهم أحصهم عدداً ، واقتلهم بدداً ، ولا تذر على وجه الأرض منهم أحداً ، ولا تغفر لهم أبداً.
ثمَّ حمل عليه كالليث المغضب ، فجعل لا يلحق منهم أحداً إلاَّ بعجه بسيفه فقتله ، والسهام تأخذه من كل ناحية ، وهو يتّقيها بنحره وصدره ، ويقول : يا أمَّة

(1) مثير الأحزان ، الجواهري : 115.
(2) مقاتل الطالبيين ، أبو الفرج الإصفهاني : 78.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 405

السوء! بئسما خلفتم محمداً في عترته ، أما إنكم لن تقتلوا بعدي عبداً من عباد الله فتهابوا قتله ، بل يهون عليكم عند قتلكم إياي ، وأيم الله إني لأرجو أن يكرمني ربّي بالشهادة بهوانكم ، ثم ينتقم لي منكم من حيث لا تشعرون.
قال : فصاح به الحصين بن مالك السكوني ، فقال : يا ابن فاطمة وبماذا ينتقم لك منّا ؟ قال : يلقي بأسكم بينكم ، ويسفك دماءكم ، ثم يصبُّ عليكم العذاب الأليم ، ثم لم يزل يقاتل حتى أصابته جراحات عظيمة.
وقال صاحب المناقب والسيِّد : حتّى أصابته اثنتان وسبعون جراحة (1) ، وقال ابن شهر آشوب : قال أبو مخنف : عن جعفر بن محمد بن علي ( عليهم السلام ) قال : وجدنا بالحسين ثلاثاً وثلاثين طعنة وأربعاً وثلاثين ضربة ، وقال الباقر ( عليه السلام ) : أصيب الحسين ( عليه السلام ) ووجد به ثلاث مائة وبضعة وعشرون طعنة برمح ، وضربة بسيف ، أورمية بسهم (2) ، وروي : ثلاثمائة وستون جراحة ، وقيل : ثلاث وثلاثون ضربة سوى السهام ، وقيل : ألف وتسعمائة جراحة ، وكانت السهام في درعه كالشوك في جلد القنفذ ، وروي أنها كانت كلها في مقدمه ( عليه السلام ) (3).
قال ابن العرندس عليه الرحمة :
فَفَرَّقَ جَمْعَ القومِ حتّى كأنَّهم طُيُورُ بُغاث شَتَّ شَمْلَهُمُ الصَّقْرُ
فَأَذْكَرَهُمْ ليلَ الهريرِ فَأَجْمَعَ الكلابُ على اللَّيْثِ الْهِزَبْرِ وَقَدْ هَرُّوا
هُنَاكَ فَدَتْهُ الصَّالِحونَ بِأنْفُس يُضَاعَفُ في يومِ الحِسَابِ لها الأَجْرُ
وَحادُوا عَنِ الكُفَّارِ طَوْعاً لِنَصْرِهِ وَجَادَ لَهُ بالنفسِ مِنْ سعدِهِ الحُرُّ
وَمَدُّوا إليه ذُبَّلا سَمْهَرِيَّةً لِطُولِ حَيَاةِ السِّبْطِ في مَدِّها جَزْرُ


(1) اللهوف ، السيد ابن طاووس : 71.
(2) الأمالي ، الصدوق : 228 ح1.
(3) راجع : مناقب آل أبي طالب ، ابن شهر آشوب : 3/258 و114.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 406

فَغَادَرَهُ في مَارِقِ الْحرْبِ مَارِقٌ بِسَهْم لِنَحْرِ السِّبْطِ مِنْ وَقْعِهِ نَحْرُ
فَمَالَ عن الطرفِ الجَوَادِ أخو النَّدَى الجَوَادُ قتيلا حَوْلَهُ يَصْهَلُ المُهْرُ
سِنَانُ سِنَان خَارِقٌ منه في الحَشَا وَصَارِمُ شِمْر في الوريدِ له شمرُ
تجرُّ عليه العاصفاتُ ذُيُولَها وَمِنْ نَسْجِ أيدي الصَّافِنَاتِ له طِمْرُ
فَرُجَّت له السبعُ الطِّبَاقُ وزُلزلت رَوَاسِي جِبَالِ الأرضِ والتطمَ البَحْرُ
فَيَا لَكَ مقتولا بكته السَّمَا دَمَاً فَمُغْبَرُّ وَجْهِ الأرضِ بالدمِ مُحْمَرُّ
مَلاَبِسُهُ في الحربِ حُمْرٌ من الدِّما وَهُنَّ غَدَاةَ الحشرِ من سُنْدُس خُضْرُ (1)

قالوا : فوقف ( عليه السلام ) يستريح ساعة وقد ضعف عن القتال  ، فبينما هو واقف إذ أتاه حَجر فوقع في جبهته  ، فأخذ الثوب ليمسح الدم عن وجهه  ، فأتاه سهم محدَّد مسموم له ثلاث شعب  ، فوقع السهم في صدره ـ وفي بعض الروايات على قلبه ـ فقال الحسين ( عليه السلام ) : بسم الله وبالله  ، وعلى ملّة رسول الله  ، ورفع رأسه إلى السماء وقال : إلهي! إنّك تعلم أنهم يقتلون رجلا ليس على وجه الأرض ابن نبيٍّ غيره  ، ثمَّ أخذ السهم فأخرجه من قفاه  ، فانبعث الدم كالميزاب  ، فوضع يده على الجرح  ، فلمَّا امتلأت رمى به إلى السماء  ، فما رجع من ذلك الدم قطرة  ، وما عُرفت الحمرة في السماء حتى رمى الحسين ( عليه السلام ) بدمه إلى السماء  ، ثمَّ وضع يده ثانياً  ، فلمَّا امتلأت لطَّخ بها رأسه ولحيته  ، وقال : هكذا أكون حتى ألقى جدّي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأنا مخضوب بدمي  ، وأقول : يا رسول الله! قتلني فلان وفلان.
ثمَّ ضعف عن القتال فوقف  ، فكلَّما أتاه رجل وانتهى إليه انصرف عنه  ، حتّى جاءه رجل من كندة يقال له : مالك بن النسر  ، فشتم الحسين ( عليه السلام ) وضربه بالسيف على رأسه  ، وعليه برنس فامتلأ دماً  ، فقال له الحسين ( عليه السلام ) : لا أكلت بها ولا شربت  ، وحشرك الله مع الظالمين  ، ثمَّ ألقى البرنس ولبس قلنسوة واعتمَّ عليها  ،

(1) الغدير  ، الأميني : 7/16.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 407

وقد أعيى  ، وجاء الكندي وأخذ البرنس وكان من خزٍّ  ، فلمَّا قدم بعد الوقعة على امرأته فجعل يغسل الدم عنه  ، فقالت له امرأته : أتدخل بيتي بسلب ابن رسول الله ؟ اخرج عنّي  ، حشى الله قبرك ناراً  ، فلم يزل بعد ذلك فقيراً بأسوأ حال  ، ويبُست يداه  ، وكانتا في الشتاء تنضحان دماً  ، وفي الصيف تصيران يابستين كأنهما عودان.
وقال الشيخ المفيد والسيِّد ابن طاووس عليهما الرحمة : فلبثوا هنيئة  ، ثمَّ عادوا إليه وأحاطوا به  ، فخرج عبدالله بن الحسن بن علي ( عليهم السلام ) ـ وهو غلام لم يراهق ـ من عند النساء يشتدُّ حتى وقف إلى جنب الحسين ( عليه السلام )   ، فلحقته زينب بنت علي ( عليه السلام ) لتحبسه  ، فقال الحسين ( عليه السلام ) : احبسيه يا أختي! فأبى وامتنع امتناعاً شديداً  ، وقال : لا والله لا أفارق عمّي  ، وأهوى أبجر بن كعب ـ وقيل : حرملة بن كأهل ـ إلى الحسين ( عليه السلام ) بالسيف  ، فقال له الغلام : ويلك يا ابن الخبيثة! أتقتل عمّي ؟ فضربه بالسيف  ، فاتّقاه الغلام بيده فأطنَّها إلى الجلد فإذا هي معلَّقة  ، فنادى الغلام : يا أمّاه  ، فأخذه الحسين ( عليه السلام ) فضمَّه إليه  ، وقال : يابن أخي! اصبر على ما نزل بك  ، واحتسب في ذلك الخير  ، فإن الله يلحقك بآبائك الصالحين  ، قال السيِّد : فرماه حرملة بن كأهل بسهم فذبحه وهو في حجر عمِّه الحسين ( عليه السلام ) (1).
قال السيد ابن طاووس عليه الرحمة : ثم إن شمر بن ذي الجوشن حمل على فسطاط الحسين ( عليه السلام ) فطعنه بالرمح  ، ثم قال : عليَّ بالنار أحرقه على مَنْ فيه  ، فقال له الحسين ( عليه السلام ) : يا ابن ذي الجوشن! أنت الداعي بالنار لتحرق على أهلي  ، أحرقك الله بالنار  ، وجاء شبث فوبَّخه فاستحيى وانصرف.
قال الراوي : ولما أُثخن ( عليه السلام ) بالجراح وبقي كالقنفذ طعنه صالح بن وهب المزني على خاصرته طعنة  ، فسقط ( عليه السلام ) عن فرسه إلى الأرض على خدِّه الأيمن  ، ثم

(1) الإرشاد  ، المفيد : 2/110  ، اللهوف  ، ابن طاووس : 72.

السابق السابق الفهرس التالي التالي