المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 335

بات الحسينُ وصَحْبُهُ من حَوْلِهِ ولهم دويُّ النَّحْلِ لَمَّا بَاتُوا
مِنْ رُكَّع وَسْطَ الظلامِ وسُجَّد للهِ منهم تَكْثُرُ الدَّعَوَاتُ
وَتَرَاءَتِ الْحُورُ الحِسَانُ وَزُيِّنَتْ لِقُدُومِهِمْ بنعيمِها الجَنَّاتُ
وَبَدَا الصَّبَاحُ وَلَمْ تَنَمْ عينٌ لهم كلاّ وَلاَ نَابَتْهُمُ غَفَوَاتُ (1)

ويقول الشيخ عبد المنعم الفرطوسي عليه الرحمة :
هذه ليلةُ الوداعِ وهذا آخِرُ الْعَهْدِ مِنْهُمُ باللِّقَاءِ
عَمَّرُوها مِنَ التُّقَى فأماتوا شَهَوَاتِ النفوسِ بالإِحْيَاءِ
يومَ بَاتُوا على هُدَى صلوات بَيْنَ خوف من رَبِّهم وَرَجَاءِ
كدويِّ النَّحْلِ ابتهالا وَنَجْوَىً لَهُمُ في غَيَاهِبِ الظَّلْمَاءِ
وَهُمُ بينَ راكع بِخُضُوع وَخُشُوع وَضَارع في دُعَاءِ
يَتَهَادَوْنَ والهدايا تَحَايَا بُشْرَيَاتٌ بِغِبْطَة وَهَنَاءِ
هذه الجَنَّةُ التي قد أُعِدَّتْ تَتَرَاءى لأَعْيُنِ الشهداءِ
وبنو هَاشِم نِطَاقُ عُيُون مُسْتَدِيرٌ عَلَى خِيَامِ النِّسَاءِ
وأبو الْفَضْلِ فَارِسُ الجمعِ ترنو مُقْلَتَاهُ لِمُقْلَةِ الحوراءِ (2)

المجلس الثاني ، من ليلة عاشوراء


حديث الإمام زين العابدين (عليه السلام )
ووصيّة الإمام الحسين ( عليه السلام ) لأخته زينب (عليها السلام)

قال الشيخ المفيد عليه الرحمة : قال علي بن الحسين ( عليهما السلام ) : إنّي جالس في

(1) الدر النضيد ، السيد محسن الأمين : 71.
(2) ملحمة أهل البيت ( عليهم السلام ) ، الفرطوسي : 3/93.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 336

تلك الليلة التي قُتل أبي في صبيحتها وعندي عمّتي زينب تمرِّضني ، إذ اعتزل أبي في خباء له ، وعنده جون مولى أبي ذر الغفاري ، وهو يعالج سيفه ويصلحه ، وأبي يقول :
يَا دَهْرُ أُفٍّ لَكَ مِنْ خليلِ كَمْ لَكَ بالإِشْرَاقِ والأصيلِ
من صَاحِب وَطَالِب قتيلِ والدَّهْرُ لاَ يَقْنَعُ بالبديلِ
وَإنّما الأَمْرُ إلى الجليلِ وَكُلُّ حيٍّ سَالِكٌ سبيلي

فأعادها مرّتين أو ثلاثاً حتى فهمتها ، وعلمت ما أراد فخنقتني العبرة ، فرددتها ولزمت السكوت ، وعلمت أنّ البلاء قد نزل ، وأمَّا عمّتي فلمّا سمعت ما سمعت ـ وهي امرأة ومن شأن النساء الرقّة والجزع ـ فلم تملك نفسها أن وثبت تجرُّ ثوبها وهي حاسرة حتى انتهت إليه ، وقالت : واثكلاه! ليت الموت أعدمني الحياة ، اليوم ماتت أمّي فاطمة ، وأبي عليٌّ ، وأخي الحسن ، يا خليفة الماضين ، وثمال الباقين ، فنظر إليها الحسين ( عليه السلام ) وقال لها : يا أخيَّة! لا يذهبنَّ حلمك الشيطان! وترقرقت عيناه بالدموع ، وقال : لو ترك القطا ليلا لنام فقالت : يا ويلتاه! أفتغتصب نفسك اغتصاباً ؟ فذلك أقرح لقلبي ، وأشدُّ على نفسي ، ثمَّ لطمت وجهها ، وهوت إلى جيبها وشقَّته ، وخرَّت مغشيَّة عليها.
قالت أَتُقْتَلُ نَصْبَ عيني جَهْرَةً ما الرأيُ فيَّ وَمَا لَديَّ خفيرُ
فأجابها قَلَّ الفِدَا كَثُرَ العِدَى قَصُرَ الْمَدَى وسبيلُنا محصورُ

فقام إليها الحسين ( عليه السلام ) فصبَّ على وجهها الماء ، وقال لها : يا أختاه! إتّقي الله ، وتعزّي بعزاء الله ، واعلمي أن أهل الأرض يموتون ، وأهل السماء لايبقون ، وأنّ كل شيء هالك إلاَّ وجه الله تعالى ، الذي خلق الخلق بقدرته ، ويبعث الخلق ويعودون إليه ، وهو فرد وحده ، وأبي خير منّي ، وأمِّي خير منّي ، وأخي خير منّي ، ولي ولكلِّ مسلم برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أسوة ، فعزَّاها بهذا ونحوه ، وقال لها : يا أختاه! إنّي

المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 337

أقسمت عليك فأبرّي قسَمي ، لا تشقّي عليَّ جيباً ، ولا تخمشي عليَّ وجهاً ، ولا تدعي عليَّ بالويل والثبور إذا أنا هلكت ، ثمَّ جاء بها حتى أجلسها عندي.
ثمَّ خرج إلى أصحابه فأمرهم أن يقرب بعضهم بيوتهم من بعض ، وأن يدخلو الأطناب بعضها في بعض ، وأن يكونوا بين البيوت فيستقبلون القوم في وجه واحد والبيوت من ورائهم ، وعن أيمانهم ، وعن شمائلهم ، قد حفَّت بهم ، إلاَّ الوجه الذي يأتيهم منه عدوُّهم.
ورجع ( عليه السلام ) إلى مكانه ، فقام ليلته كلَّها ، يصلّي ويستغفر ويدعو ويتضرَّع ، وقام أصحابه كذلك ، يصلّون ويدعون ويستغفرون (1).
ورحم الله بعض الشعراء إذ يقول فيهم ( عليهم السلام ) :
سِمَةُ العبيدِ من الخُشُوعِ عَلَيْهِمُ للهِ إنْ ضَمَّتْهُمُ الأسحارُ
فإذا تَرَجَّلَتِ الضُّحَى شَهِدَتْ لَهُمْ بِيْضُ الْقَوَاضِبِ أنَّهُمْ أَحْرَارُ (2)

ولله درّ الشاعر عبود الأحمد النجفي رحمه الله تعالى إذ يقول :
في غَد يُشْرِقُ الصَّبَاحُ مُدَمَّىً وعلى التُّرْبِ أَنْجُمٌ مُطْفَآتُ
واشتعالُ الرِّمالِ يُلْهِبُ أُفْقاً أَجَّجَتْهُ ضَغَائِنٌ وَهَنَاتُ
وَالمَدَى الرَّحْبُ خَلْفَه يَتَوَارَى فيه غَابَتْ شُمُوسُهُ النيِّرَاتُ
وَجُفُونُ السَّمَاءِ تَقْطُرُ دمعاً سَكَبَتْهُ عُيُونُها الباكياتُ
عَلَّها تُطْفِىءُ اللَّظَى بَزُلاَل وَعَلَى الأَرضِ أَكْبُدٌ ظَامِئَاتُ
أُغْلِقَتْ دونَها الينابيعُ عَذْباً بَعْدَمَا شَحَّ بالرُّوَاءِ الْفُرَاتُ
أُيْبِسَ الطفُّ والقلوبُ جِفافٌ ونفوسٌ عن الرُّؤَى مُجْدِبَاتُ
في غد تَمْلاَءُ الشِّعَابَ صَبَايَا وَنِسَاءٌ فَوَاجِعٌ ثَاكِلاَتُ


(1) كتاب الإرشاد ، المفيد : 2/93 ـ 95.
(2) لواعج الأشجان ، السيد محسن الأمين : 120.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 338

أثقلتها مَصَائِبٌ ورزايا غاب عنها أَعِزَّةٌ وَحُمَاةُ (1)

قال الشيخ المفيد عليه الرحمة : قال الضحاك بن عبدالله : ومرَّت بنا خيل لابن سعد تحرسنا ، وإن حسيناً ( عليه السلام ) ليقرأ : « وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لاَِنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ * مَا كَانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنْ الطَّيِّبِ » (2) فسمعها من تلك الخيل رجل يقال له : عبدالله بن سمير ، وكان مضحاكاً ، وكان شجاعاً بطلا فارساً شريفاً فاتكاً ، فقال : نحن ـ وربِّ الكعبة ـ الطيِّبون ، ميزنا منكم ، فقال له برير بن الخضير : يا فاسق! أنت يجعلك الله من الطيِّبين ؟! قال له : من أنت ويلك ؟ قال : أنا برير بن الخضير ، فتسابّا (3).
وقال في المناقب : فلمّا كان وقت السحر خفق الحسين برأسه خفقة ، ثم استيقظ فقال : أتعلمون ما رأيت في منامي الساعة ؟ فقالوا : وما الذي رأيت يا ابن رسول الله ؟ فقال : رأيت كأن كلاباً قد شدَّت عليَّ لتنهشني ، وفيها كلب أبقع رأيته أشدَّها عليَّ ، وأظنُّ أنَّ الذي يتولَّى قتلي رجل أبرص من بين هؤلاء القوم ، ثمَّ إنّي رأيت بعد ذلك جدّي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ومعه جماعة من أصحابه ، وهو يقول لي : يا بنيّ! أنت شهيد آل محمَّد ، وقد استبشر بك أهل السماوات وأهل الصفيح الأعلى ، فليكن إفطارك عندي الليلة ، عجِّل ولا تؤخِّر ، فهذا ملك قد نزل من السماء ليأخذ دمك في قارورة خضراء ، فهذا ما رأيت ، وقد أزف الأمر ، واقترب الرحيل من هذه الدنيا ، لا شك في ذلك (4).
ولله درّ الشيخ عبد المنعم الفرطوسي عليه الرحمة إذ يقول في ذلك :

(1) ليلة عاشوراء في الحديث والأدب ، للمؤلف : 299 ـ 300.
(2) سورة آل عمران ، الآية : 178 ـ 179.
(3) بحار الأنوار ، المجلسي : 45/3.
(4) بحار الأنوار ، المجلسي 45/3 ، مقتل الحسين ( عليه السلام ) ، الخورزمي : 1/251.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 339

وَرَأَى جَدَّهُ فأوحى إليهِ قَدْ تَدَانَى مِيْعادُ يومِ اللِّقَاءِ
سيكونُ الإفطارُ منك بحقٍّ في غَد عندَنا بِوَقْتِ المساءِ
بِكَ أَهْلُ الجِنانِ زَادُوا ابتشاراً والصفيحُ الأعْلَى بأصفى هَنَاءِ
وَلَقَدْ جَاءَ من إِلهِ البرايا مَلَكٌ مِنْ أَكَارِمِ الأُمَنَاءِ
لِيَصُونَ الدِّمَاءَ مِنْكَ احتفاظاً بَيْنَ جَنْبَيْ قَارُورَة خَضْرَاءِ (1)

المجلس الثالث ، من ليلة عاشوراء


من مواقف الأنصار ليلة عاشوراء

جاء في الدمعة الساكبة : لما نزل الحسين ( عليه السلام ) في كربلاء كان أخص أصحابه به وأكثرهم ملازمة له هلال بن نافع ، سيّما في مظانِّ الاغتيال; لأنه كان حازماً بصيراً بالسياسة ، فخرج الحسين ( عليه السلام ) ذات ليلة إلى خارج الخيم حتى أبعد ، فتقلَّد هلال سيفه ، وأسرع في مشيه حتى لحقه ، فرآه يختبر الثنايا والعقبات والأكمات المشرفة على المنزل. ثم التفت إلى خلفه فرآني ، فقال ( عليه السلام ) : من الرجل ؟ هلال ؟ قلت : نعم جعلني الله فداك ، أزعجني خروجك ليلا إلى جهة معسكر هذا الطاغي ، فقال : يا هلال! خرجت أتفقَّد هذه التلاع مخافة أن تكون مكمناً لهجوم الخيل على مخيَّمنا يوم تحملون ويحملون.
ثم رجع وهو قابض على يساري ويقول : هي هي والله وعدٌ لا خلف فيه ، ثم قال : يا هلال! ألا تسلك ما بين هذين الجبلين من وقتك هذا ، وانجو بنفسك ، فوقع على قدميه وقال : إذاً ثكلت هلالا أمُّه ، سيِّدي إن سيفي بألف ، وفرسي مثله ، فوالله الذي منَّ عليَّ بك ، لا أفارقك حتى يكلاّ عن فري وجري.

(1) ملحمة أهل البيت (عليهم السلام) ، الفرطوسي : 3/295.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 340

ثم فارقني ودخل خيمة أخته ، فوقفت إلى جنبها رجاء أن يسرع في خروجه منها ، فاستقبلته ووضعت له متّكئاً ، وجلس يحدِّثها سرّاً ، فما لبثت أن اختنقت بعبرتها وقالت : وا أخاه! أشاهد مصرعك وأُبتلى برعاية هذه المذاعير من النساء ، والقوم كما تعلم ما هم عليه من الحقد القديم ، ذلك خطب جسيم ، يعزُّ عليَّ مصرع هؤلاء الفتية الصفوة وأقمار بني هاشم ، ثم قالت : أخي! هل استعلمت من أصحابك نيَّاتهم; فإني أخشى أن يسلموك عند الوثبة واصطكاك الأسنّة.
فبكى ( عليه السلام ) وقال : أما والله لقد نهرتهم وبلوتهم ، وليس فيهم إلاَّ الأشوس الأقعس ، يستأنسون بالمنيَّة دوني استئناس الطفل بلبن أمه.
فلمّا سمع هلال ذلك بكى رقّة ، ورجع وجعل طريقه على منزل حبيب بن مظاهر ، فرآه جالساً وبيده سيف مصلت ، فسلَّم عليه وجلس على باب الخيمة ، ثم قال له : ما أخرجك يا هلال ؟ فحكيت له ما كان ، فقال : إي والله ، لولا انتظار أمره لعاجلتهم وعالجتهم هذه الليلة بسيفي.
ثمَّ قال هلال : يا حبيب! فارقت الحسين ( عليه السلام ) عند أخته وهي في حال وجل ورعب ، وأظنُّ أن النساء أفقن وشاركنها في الحسرة والزفرة ، فهل لك أن تجمع أصحابك وتواجهن بكلام يسكِّن قلوبهن ويذهب رعبهن ، فلقد شاهدت منها ما لا قرار لي مع بقائه ، فقال له : طوع إرادتك.
فبرز حبيب ناحية وهلال إلى جانبه ، وانتدب أصحابه فتطالعوا من منازلهم ، فلمّا اجتمعوا قال لبني هاشم : ارجعوا إلى منازلكم ، لاسهرت عيونكم ، ثمَّ خطب أصحابه وقال : يا أصحاب الحميَّة وليوث الكريهة! هذا هلال يخبرني الساعة بكيت وكيت ، وقد خلَّف أخت سيِّدكم وبقايا عياله يتشاكين ويتباكين ، أخبروني عمَّا أنتم عليه ، فجرَّدوا صوارمهم ، ورموا عمائمهم ، ، وقالوا : يا حبيب! أما والله الذي منَّ علينا بهذا الموقف ، لئن زحف القوم لنحصدنَّ رؤوسهم ، ولنلحقنَّهم

المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 341

بأشياخهم أذلاّء صاغرين ، ولنحفظنَّ وصيَّة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في أبنائه وبناته.
فقال : هلمّوا معي ، فقام يخبط الأرض وهم يعدون خلفه حتى وقف بين أطناب الخيم ونادى : يا أهلنا! ويا سادتنا! ويا معاشر حرائر رسول الله! هذه صوارم فتيانكم آلوا أن لا يغمدوها إلاَّ في رقاب من يبتغي السوء فيكم ، وهذه أسنّة غلمانكم أقسموا أن لا يركزوها إلاَّ في صدور من يفرِّق ناديكم.
فقال الحسين ( عليه السلام ) : اخرجن عليهم يا آل الله ، فخرجن وهن ينتدبن وهن يقلن : حاموا ـ أيُّها الطيِّبون! ـ عن الفاطميّات ، ما عذركم إذا لقينا جدَّنا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وشكونا إليه ما نزل بنا وقال : أليس حبيب وأصحاب حبيب كانوا حاضرين يسمعون وينظرون ؟ فوالله الذي لا إله إلاّ هو ، لقد ضجُّوا ضجَّة ماجت منها الأرض ، واجتمعت لها خيولهم ، وكان لها جولة واختلاف وصهيل حتّى كأنّ كلاًّ ينادي صاحبه وفارسه (1).
وفي بعض الكتب عن فخر المخدّرات زينب ( عليها السلام ) ، قالت : لمّا كانت ليلة عاشوراء من المحرَّم خرجت من خيمتي لأتفقَّد أخي الحسين ( عليه السلام ) وأنصاره ، وقد أفرد له خيمة ، فوجدته جالساً وحده يناجي ربَّه ويتلو القرآن ، فقلت في نفسي : أفي مثل هذه الليلة يُترك أخي وحده ، والله لأمضينَّ إلى إخوتي وبني عمومتي وأعاتبهم بذلك ، فأتيت إلى خيمة العباس فسمعت منها همهمة ودمدمة ، فوقفت على ظهرها فنظرت فيها ، فوجدت بني عمومتي وإخوتي وأولاد إخوتي مجتمعين كالحلقة وبينهم العباس بن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وهو جاث على ركبتيه كالأسد على فريسته ، فخطب فيهم خطبة ما سمعتها إلاَّ من الحسين ( عليه السلام ) ، مشتملة بالحمد والثناء لله والصلاة والسلام على النبيِّ ( صلى الله عليه وآله ) ، ثم قال في آخر خطبته : يا إخوتي وبني إخوتي وبني عمومتي! إذا كان الصباح فما تقولون ؟ فقالوا : الأمر إليك يرجع ، ونحن لا


(1) الدمعة الساكبة : 4/372 ، كلمات الإمام الحسين ( عليه السلام ) ، الشريفي : 406 ـ 408 ح 193.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 342

نتعدَّى لك قولك. فقال العباس : إن هؤلاء ـ أعني الأصحاب ـ قومٌ غرباء ، والحمل الثقيل لا يقوم إلاَّ بأهله ، فإذا كان الصباح فأوَّل من يبرز إلى القتال أنتم ، نحن نقدمهم للموت لئلا يقول الناس : قدَّموا أصحابهم ، فلمَّا قُتلوا عالجوا الموت بأسيافهم ساعة بعد ساعة.
فقامت بنو هاشم ، وسلّوا سيوفهم في وجه أخي العباس ، وقالوا : نحن على ما أنت عليه.
قالت زينب ( عليها السلام ) : فلمَّا رأيت كثرة اجتماعهم ، وشدّة عزمهم ، وإظهار شيمتهم ، سكن قلبي وفرحت ، ولكن خنقتني العبرة ، فأردت أن أرجع إلى أخي الحسين ( عليه السلام ) وأخبره بذلك ، فسمعت من خيمة حبيب بن ظاهر همهمة ودمدمة ، فمضيت إليها ووقفت بظهرها ، ونظرت فيها فوجدت الأصحاب على نحو بني هاشم مجتمعين كالحلقة وبينهم حبيب بن مظاهر وهو يقول : يا أصحابي! لِمَ جئتم إلى هذا المكان ؟ أوضحوا كلامكم رحمكم الله ، فقالوا : أتينا لننصر غريب فاطمة ، فقال لهم : لِمَ طلَّقتم حلائلكم ؟ فقالوا : لذلك.
قال حبيب : فإذا كان في الصباح فما أنتم قائلون ؟ فقالوا : الرأي رأيك ولا نتعدَّى قولا لك.
قال : فإذا صار الصباح فأوَّل من يبرز إلى القتال أنتم ، نحن نَقدِمهم إلى القتال ولا نرى هاشميّاً مضرَّجاً بدمه وفينا عرق يضرب لئلا يقول الناس : قدَّموا ساداتهم للقتال ، وبخلوا عليهم بأنفسهم ، فهزُّوا سيوفهم في وجهه ، وقالوا : نحن على ما أنت عليه.
قالت زينب ( عليها السلام ) : ففرحت من ثباتهم ، ولكن خنقتني العبرة ، فانصرفت عنهم وأنا باكية ، وإذا بأخي الحسين قد عارضني فسكنت نفسي وتبسَّمت في وجهه ، فقال ( عليه السلام ) : أُخيَّة! فقلت : لبيك يا أخي! فقال ( عليه السلام ) : يا أختاه! منذ رحلنا من

المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 343

المدينة ما رأيتك متبسِّمة ، أخبريني ما سبب تبسُّمك ، فقلت له : يا أخي! رأيت من فعل بني هاشم والأصحاب كذا وكذا ، فقال لي : يا أختاه! اعلمي أن هؤلاء أصحابي من عالم الذرّ ، وبهم وعدني جدّي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، هل تحبّين أن تنظري إلى ثبات أقدامهم ؟ فقلت : نعم ، فقال ( عليه السلام ) : عليك بظهر الخيمة.
قالت زينب ( عليها السلام ) : فوقفت على ظهر الخيمة فنادى أخي الحسين ( عليه السلام ) : أين إخواني وبنو أعمامي ؟ فقامت بنو هاشم ، وتسابق منهم العباس وقال : لبيك لبيك ، ما تقول ؟ فقال الحسين ( عليه السلام ) : أريد أن أجدِّد بكم عهداً ، فأتى أولاد الحسين ، وأولاد الحسن ، وأولاد علي ، وأولاد جعفر ، وأولاد عقيل ، فأمرهم بالجلوس فجلسوا.
ثمَّ نادى : أين حبيب بن مظاهر ؟ أين زهير ؟ أين هلال ؟ أين الأصحاب ؟ فأقبلوا وتسابق منهم حبيب بن مظاهر وقال : لبيك يا أبا عبدالله ، فأتوا إليه وسيوفهم بأيديهم ، فأمرهم بالجلوس فجلسوا ، فخطب فيهم خطبة بليغة ، ثمَّ قال : يا أصحابي! اعلموا أن هؤلاء القوم ليس لهم قصدٌ سوى قتلي وقتل من هو معي ، وأنا أخاف عليكم من القتل ، فأنتم في حلٍّ من بيعتي ، ومَنْ أحبَّ منكم الانصراف فلينصرف في سواد هذا الليل.
فعند ذلك قامت بنو هاشم وتكلَّموا بما تكلَّموا ، وقام الأصحاب وأخذوا يتكلَّمون بمثل كلامهم ، فلمَّا رأى الحسين ( عليه السلام ) حسن إقدامهم وثبات أقدامهم قال ( عليه السلام ) : إن كنتم كذلك فارفعوا رؤوسكم وانظروا إلى منازلكم في الجنة.
فكشف لهم الغطاء ، ورأوا منازلهم وحورهم وقصورهم فيها ، والحور العين ينادين : العجل العجل ، فإنّا مشتاقات إليكم ، فقاموا بأجمعهم وسلُّوا سيوفهم وقالوا : يا أبا عبدالله! ائذن لنا أن نغير على القوم ونقاتلهم حتى يفعل الله بنا وبهم ما يشاء ، فقال ( عليه السلام ) : اجلسوا رحمكم الله وجزاكم الله خيراً ، ثمَّ قال : ألا ومن كان في

المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 344

رحله امرأة فلينصرف بها إلى بني أسد.
فقام علي بن مظاهر وقال : ولماذا يا سيِّدي ؟ فقال ( عليه السلام ) : إن نسائي تُسبى بعد قتلي ، وأخاف على نسائكم من السبي ، فمضى علي بن مظاهر إلى خيمته فقامت زوجته إجلالا له ، فاستقبلته وتبسَّمت في وجهه ، فقال لها : دعيني والتبسُّم ، فقالت : يا ابن مظاهر! إني سمعت غريب فاطمة ( عليها السلام ) خطب فيكم ، وسمعت في آخرها همهمة ودمدمة فما علمت ما يقول ، قال : يا هذه! إن الحسين ( عليه السلام ) قال لنا : ألا ومن كان في رحله امرأة فليذهب بها إلى بني عمِّها لأني غداً أُقتل ونسائي تُسبى ، فقالت : وما أنت صانع ؟ قال : قومي حتى ألحقك ببني عمِّك بني أسد ، فقامت ونطحت رأسها في عمود الخيمة وقالت : والله ما أنصفتني يا ابن مظاهر ، أيسرُّك أن تُسبى بنات رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأنا آمنة من السبي ؟! أيسرُّك أن تُسلب زينب إزارها من رأسها وأنا أستتر بإزاري ؟! أيسرُّك أن تذهب من بنات الزهراء أقراطها وأنا أتزيَّن بقرطي ؟! أيسرُّك أن يبيضَّ وجهك عند رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ويسودَّ وجهي عند فاطمة الزهراء ؟! والله أنتم تواسون الرجال ونحن نواسي النساء.
فرجع علي بن مظاهر إلى الحسين ( عليه السلام ) وهو يبكي ، فقال له الحسين ( عليه السلام ) : ما يبكيك ؟ فقال : سيِّدي! أبت الأسديَّة إلاَّ مواساتكم ، فبكى الحسين ( عليه السلام ) وقال : جزيتم عنّا خيراً (1).
قال السيِّد ابن طاووس عليه الرحمة في كتاب اللهوف : فلمَّا كان الغداة أمر الحسين ( عليه السلام ) بفسطاطه فضُرب ، وأمر بجفنة فيها مسك كثير فجعل فيها نورة ، ثمَّ دخل ليطلي ، فروي أن برير بن خضير الهمداني وعبدالرحمن بن عبد ربِّه الأنصاري وقفا على باب الفسطاط ليطليا بعده ، فجعل برير يضاحك عبد الرحمن ،

(1) معالي السبطين ، الحائري : 1/340 ، كلمات الإمام الحسين ( عليه السلام ) ، الشريفي : 408 ـ 412 ح 194.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 345

فقال له عبد الرحمن : يا برير! أتضحك ؟ ما هذه ساعة باطل ، فقال برير : لقد علم قومي أنني ما أحببت الباطل كهلا ولا شابّاً ، وإنّما أفعل ذلك استبشاراً بما نصير إليه ، فوالله! ما هو إلاَّ أن نلقى هؤلاء القوم بأسيافنا نعالجهم ساعة ثم نعانق الحور العين (1) ولله درّ السيد مدين الموسوي جزاه الله خيراً إذ يقول :
لا تتركي حَجَراً على حَجَرِ يا ليلةَ الأرزاءِ والكَدَرِ
صُبِّي على الدنيا وما حَمَلَتْ من نارِ غَيْظِكِ مَارِقَ الشَّرَرِ
يا ليلةً وَقَفَ الزمانُ بها وَجِلا يُدَوِّنُ أروعَ الصُّوَرِ
وَقَفَ الحسينُ بها وَمَنْ مَعَهُ جبلاً وهم كَجَنَادِلِ الحَجَرِ
ما هزَّهم عصفٌ ولا رعشت أعطافُهُمْ في دَاهِمِ الخَطَرِ
يتمايلون وليس مِنْ طَرَب وَيُسامرون وليس في سَمَرِ
إلاَّ مع البِيْضِ التي رَقَصَتْ بأَكُفِّهِمْ كَمَطَالِعِ الزُّهرِ
يتلون سِرَّ الموتِ في سُوَر لَمْ يَتْلُها أحدٌ مع السُّوَرِ
خفُّوا لداعي الموتِ يسبقُهُمْ عزمٌ تحدَّى جَامِدَ الصّخرِ
وبناتُ آلِ اللهِ تَرْقُبُهُمْ بِعُيُونِها المرقاةِ بالسَّهَرِ
يَا نَجْمُ دُونَكَ عن مَنَازِلِهِمْ لا تَقْتَرِبْ منها وَلاَ تَدُرِ
لا تَسْتَمِعْ لنداءِ والهة مكلومة من بَطْشَةِ الْقَدَرِ
للهِ قد نَذَرُوا بَقِيَّتَهُمْ وَتَسَابَقُوا يُوفُون بالنُّذُرِ
نَامَتْ عُيُونُ الكونِ أجمعُها وَعُيُونُهُمْ مشبوحةُ النَّظَرِ (2)


(1) اللهوف في قتلى الطفوف ، ابن طاووس : 57 ـ 58. (2) ليلة عاشوراء في الحديث والأدب ، المؤلف : 327 ـ 328.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 346

المجلس الرابع ، من ليلة عاشوراء

مصيبة النبي ( صلى الله عليه وآله )
في الحسين (عليه السلام)

(1)
روى الشيخ المفيد عليه الرحمة عن عبدالله بن سنان  ، عن أبي عبدالله جعفر بن محمد ( عليهما السلام ) أنه قال في مصرع سيد الشهداء ( عليه السلام ) وأهل بيته : يعزّ على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) مصرعهم  ، ولو كان في الدنيا يومئذ حيّاً لكان ( صلى الله عليه وآله ) هو المعزَّى بهم (1).
ورحم الله منصور النمري إذ يقول في حزن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) على سبطه وريحانته الحسين ( عليه السلام ) :
وَيْلَكَ يَا قَاتِلَ الحسينِ لقد بُؤْتَ بحَمْل يَنُوءُ بالحاملِ
أيَّ حِباً حَبَوْتَ أحمدَ في حُفْرَتِهِ من حرارةِ الثاكلِ
تعالَ فَاطْلُبْ غداً شفاعَتَه وانهض فَرِدْ حَوْضَه مَعَ الناهلِ (2)

وقال الشريف الرضي عليه الرحمة :
لو رسولُ اللهِ يحيى بَعْدَهُ قَعَدَ اليومَ عليهِ لِلْعَزَا
يا رَسُولَ اللهِ لو عاينتَهُمْ وهُمُ ما بينَ قَتْل وَسِبَا
لرأت عيناك منهم مَنْظَراً للحشى شَجْواً وللعينِ قَذَا

وقال الشيخ كاظم الأزري عليه الرحمة :
مَنِ المعزّي رسولَ اللهِ في ملأ كانوا بمنزلةِ الأَرْوَاحِ للصُّوَرِ
أنَّى تُصَابُ مرامي الجودِ بَعْدَهُمُ والقوسُ خاليةٌ من ذلك الوَتَرِ (3)


(1) المزار  ، محمد بن المشهدي : 473 ـ 434  ، بحار الأنوار  ، المجلسي : 45/63 ح 3.
(2) أسد الغابة  ، ابن الأثير : 2/21 ـ 22.
(3) رياض المدح والرثاء  ، الشيخ حسين القديحي : 268.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 347

روى الشيخ الصدوق عليه الرحمة عن ابن عباس  ، عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في حديث له قال : وأمّا الحسين فإنّه منّي  ، وهو ابني وولدي  ، وخير الخلق بعد أخيه  ، وهو إمام المسلمين  ، ومولى المؤمنين  ، وخليفة رب العالمين  ، وغياث المستغيثين  ، وكهف المستجيرين  ، وحجّة الله على خلقه أجمعين  ، وهو سيّد شباب أهل الجنّة  ، وباب نجاة الأمة  ، أمره أمري  ، وطاعته طاعتي  ، من تبعه فإنه منّي  ، ومن عصاه فليس منّي  ، وإنّي لما رأيته تذكَّرت ما يُصنع به بعدي  ، كأني به وقد استجار بحرمي وقبري فلا يُجار  ، فأضمّه في منامه إلى صدري  ، وآمره بالرحلة عن دار هجرتي  ، وأبشِّره بالشهادة  ، فيرتحل عنها إلى أرض مقتله وموضع مصرعه  ، أرض كرب وبلاء وقتل وفناء  ، تنصره عصابة من المسلمين  ، أولئك من سادة شهداء أمتي يوم القيامة  ، كأني أنظر إليه وقد رُمي بسهم فخرَّ عن فرسه صريعاً  ، ثمَّ يُذبح كما يُذبح الكبش مظلوماً  ، ثم بكى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وبكى من حوله  ، وارتفعت أصواتهم بالضجيج  ، ثم قام ( صلى الله عليه وآله ) وهو يقول : اللهم إني أشكو إليك ما يلقى أهل بيتي بعدي  ، ثم دخل منزله (1).
وروي عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أنه قال : بيني وبين قاتل الحسين خصومة يوم القيامة  ، آخذ ساق العرش بيدي  ، ويأخذ عليٌّ بحجزتي  ، وتأخذ فاطمة بحجزة عليّ ومعها قميص  ، فأقول : يا ربّ أنصفني في قتلة الحسين (2).
وروي أن الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) قال ليزيد بن معاوية : ويلك يا يزيد  ، إنك لو تدري ماذا صنعت  ، وما الذي ارتكبت من أبي وأهل بيتي وأخي وعمومتي  ، إذاً لهربت في الجبال  ، وفرشت الرماد  ، ودعوت بالويل والثبور  ، أن يكون رأس أبي الحسين بن فاطمة وعلي ( عليهم السلام ) منصوباً على باب مدينتكم  ، وهو

(1) الأمالي  ، الشيخ الصدوق : 174 ـ 177 ح 2.
(2) مناقب آل أبي طالب  ، ابن شهر آشوب : 3/238.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 348

وديعة رسول الله فيكم ، فأبشر بالخزي والندامة غداً إذا جمع الناس ليوم لا ريب فيه (1).
وروي أنه حينما أدخل الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) مع النساء والأطفال على يزيد ، وهم مغلَّلون مربوطون بالحبال ، قال ( عليه السلام ) : أما والله لو رآنا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) مغلولين لأحبَّ أن يخلّينا من الغلّ ، قال : صدقت فخلّوهم من الغلّ (2).
ومن كلام السيّدة زينب ( عليها السلام ) في خطبتها في مجلس يزيد بن معاوية ، قالت مخاطبة يزيد لعنه الله : فو الله ما فريت إلاّ جلدك ، ولا حززت إلاّ لحمك ، ولتردن على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بما تحمَّلت من سفك دماء ذرّيّته ، وانتهكت من حرمته في عترته ولحمته ، حيث يجمع الله شملهم ، ويلمُّ شعثهم ، ويأخذ بحقهم ، « وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ » وحسبك بالله حاكماً ، وبمحمد ( صلى الله عليه وآله ) خصيماً ، وبجبريل ظهيراً (3).
وروي عن يزيد بن أبي زياد ، قال : خرج النبي ( صلى الله عليه وآله ) من بيت عائشة فمرَّ على فاطمة ( عليها السلام ) فسمع حسيناً ( عليه السلام ) يبكي ، فقال : ألم تعلمي أن بكاءه يؤذيني ؟ (4).
أقول : فإذا كان بكاء الحسين ( عليه السلام ) وهو صغير يؤذيه فكيف به لو يسمع أنينه يوم كربلاء ، ويراه وقد أثخنوه بالجراحات ؟ وهو عطشان فلا يُسقى ، وجريح فلا يُداوى ، قال ابن الجوزي : وأنين عباس وهو مأسور ببدر منع النبي ( صلى الله عليه وآله ) النوم فكيف بأنين الحسين ( عليه السلام ) ؟ ولمَّا أسلم وحشي قاتل حمزة قال له النبي ( صلى الله عليه وآله ) : غيِّب وجهك عنّي ، فإني لا أحبُّ أن أرى قاتل الأحبة ، قال : هذا والإسلام يجبّ ما قبله ، فكيف بقلبه ( صلى الله عليه وآله ) أن يرى من ذبح الحسين ( عليه السلام ) ، وأمر بقتله ، وحمل أهله على

(1) بحار الأنوار ، المجلسي : 45/136 ، كتاب الفتوح ، ابن أعثم : 5/132.
(2) المعجم الكبير ، الطبراني : 3/104 ح 2806 ، سير أعلام النبلاء ، الذهبي : 3/319 ـ 320.
(3) اللهوف ، ابن طاووس : 107.
(4) المعجم الكبير ، الطبراني : 3/116 ح 2847 ، سير أعلام النبلاء ، الذهبي : 3/284.

السابق السابق الفهرس التالي التالي