المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 306

نبالي أن نموت محقّين.
فقال له الحسين ( عليه السلام ) : جزاك الله من ولد خير ما جزى ولداً عن والده (1).
وفي بحار الأنوار قال العلامة المجلسي عليه الرحمة : قالوا : ثمَّ تقدَّم علي بن الحسين ( عليه السلام ) ، وقال محمد بن أبي طالب وأبو الفرج : وأمه ليلى بنت أبي مرة بن عروة بن مسعود الثقفي ، وهو يومئذ ابن ثماني عشرة سنة ، وقال ابن شهر آشوب : ويقال : ابن خمس وعشرين سنة ، قالوا : ورفع الحسين ( عليه السلام ) سبَّابته نحو السماء وقال : اللهم اشهد على هؤلاء القوم ، فقد برز إليهم غلام أشبه الناس خلقاً وخلقاً ومنطقاً برسولك ، وكنّا إذا اشتقنا إلى نبيِّك نظرنا إلى وجهه ، اللهم امنعهم بركات الأرض ، وفرِّقهم تفريقاً ، ومزِّقهم تمزيقاً ، واجعلهم طرائق قدداً ، ولا ترض الولاة عنهم أبداً ، فإنهم دعونا لينصرونا ، ثمَّ عدوا علينا يقاتلوننا.
ثم صاح الحسين ( عليه السلام ) بعمر بن سعد : ما لك ؟ قطع الله رحمك! ولا بارك الله لك في أمرك ، وسلَّط عليك من يذبحك بعدي على فراشك ، كما قطعت رحمي ، ولم تحفظ قرابتي من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، ثمَّ رفع الحسين ( عليه السلام ) صوته وتلا : «إِنَّ اللهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْض وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» . ثمَّ حمل علي بن الحسين على القوم ، وهو يقول :
أنا عليُّ بنُ الحسينِ بنِ علي من عُصْبَة جَدُّ أبيهِمُ النبي
واللهِ لا يحكُمُ فينا ابنُ الدَّعِي أَطْعَنُكُمْ بالرُّمْحِ حتَّى ينثني
أَضْرِبُكُم بالسيفِ أَحْمِي عن أبي ضَرْبَ غُلاَم هاشميٍّ علوي

فلم يزل يقاتل حتى ضجَّ الناس من كثرة من قتل منهم ، وروي أنه قتل على عطشه مائة وعشرين رجلا ، ثمَّ رجع إلى أبيه وقد أصابته جراحات كثيرة فقال : يا أبه! العطش قد قتلني ، وثقل الحديد أجهدني ، فهل إلى شربة من ماء سبيل

(1) الإرشاد ، المفيد : 2/82.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 307

أتقوَّى بها على الأعداء ؟ فبكى الحسين ( عليه السلام ) وقال : يا بنيَّ ، يعزُّ على محمد وعلى علي بن أبي طالب وعليَّ أن تدعوهم فلا يجيبوك ، وتستغيث بهم فلا يغيثوك ، يا بنيَّ ، هاتِ لسانك ، فأخذ بلسانه فمصَّه ، ودفع إليه خاتمه وقال : أمسكه في فيك ، وارجع إلى قتال عدوك ، فإني أرجو أنك لا تمسي حتى يسقيك جدّك بكأسه الأوفى شربة لا تظمأ بعدها أبداً. فرجع إلى القتال وهو يقول :
الحَرْبُ قد بانت لها الحَقَائِقُ وَظَهَرَتْ من بَعْدِها مَصَادِقُ
واللهِ ربِّ العَرْشِ لاَ نُفَارِقُ جُمُوعَكُمْ أو تُغْمَدَ البَوَارِقُ

فلم يزل يقاتل حتى قتل تمام المائتين ، ثمَّ ضربه منقذ بن مرّة العبدي على مفرق رأسه ضربة صرعته ، وضربه الناس بأسيافهم ، ثمَّ اعتنق فرسه فاحتمله الفرس إلى عسكر الأعداء ، فقطَّعوه بسيوفهم إرباً إرباً.
فلما بلغت الروح التراقي قال رافعاً صوته : يا أبتاه ، هذا جدّي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قد سقاني بكأسه الأوفى شربة لا أظمأ بعدها أبداً ، وهو يقول : العجل العجل! فإن لك كأساً مذخورة حتى تشربها الساعة ، فصاح الحسين ( عليه السلام ) وقال : قتل الله قوماً قتلوك ، ما أجرأهم على الرحمان وعلى رسوله ( صلى الله عليه وآله ) ، وعلى انتهاك حرمة الرسول ، وعلى الدنيا بعدك العفا.
قال حميد بن مسلم : فكأني أنظر إلى امرأة خرجت مسرعة كأنها الشمس الطالعة ، تنادي بالويل والثبور ، وتقول : يا حبيباه ، يا ثمرة فؤاداه ، يا نور عيناه! فسألت عنها فقيل : هي زينب بنت علي ( عليه السلام ) ، وجاءت وانكبَّت عليه ، فجاء الحسين فأخذ بيدها فردَّها إلى الفسطاط ، وأقبل ( عليه السلام ) بفتيانه وقال : احملوا أخاكم ، فحملوه من مصرعه فجاؤوا به حتى وضعوه عند الفسطاط الذي كانوا يقاتلون أمامه (1)

(1) بحار الأنوار ، المجلسي : 45/42.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 308

قال المرحوم الشيخ جعفر التستري عليه الرحمة : إن الحسين ( عليه السلام ) في مصيبة ولده قد احتضر وأشرف على الموت ثلاث مرَّات ، الأولى ، لمَّا برز علي الأكبر واستأذن أباه فأذن له ، وألبسه الدرع والسلاح ، وأركبه على العقاب ، قال رضي الله عنه : فلمَّا تجلَّى وجه طلعته من أفق العقاب ، واستولت يده وقدمه على العنان والركاب ، خرجن النساء وأحدقن به فأخذت عمَّاته وأخواته بعنانه وركابه ، ومنعنه من العزيمة ، فعند ذلك تغيَّر حال الحسين ( عليه السلام ) بحيث أشرف على الموت ، وصاح بنسائه وعياله ، دعنه فإنه ممسوس في الله ومقتول في سبيل الله ، ثم أخذ بيده وأخرجه من بينهن ، فنظر إليه نظر آيس منه ، والثانية : التي احتضر فيها الحسين ( عليه السلام ) وذلك حين رجع علي الأكبر ( عليه السلام ) من المعركة وقد أصابته جراحات كثيرة ، والدم يجري من حلق درعه ، وقد اشتدَّ به الحرُّ والعطش ، وقف وقال : يا أبه العطش ، فضمَّه الحسين ( عليه السلام ) إلى صدره ، وبكى وأشرف على الموت من شدّة الهمّ والحزن من حيث أنه لا يتمكَّن من سقيه ، والمرَّة الثالثة : حين رأى علياً سقط ونادى : يا أبه عليك منّي السلام ، قالت سكينة : لمَّا سمع أبي صوت ولده نظرت إليه فرأيته قد أشرف على الموت ، وعيناه تدوران كالمحتضر ، وجعل ينظر إلى أطراف الخيمة ، وكادت روحه أن تطلع من جسده ، وصاح من وسط الخيمة : ولدي ، قتل الله قوماً قتلوك (1).
يا كوكباً ما كان أَقْصَرَ عُمْرَهُ وكذاك عُمْرُ كَوَاكِبِ الأسحارِ
وهلالَ أيَّام مضى لم يَسْتَدِرْ بدراً ولم يُمْهَلْ لِوَقْتِ سَرَارِ
عَجِلَ الخُسُوفُ عليه قَبْلَ أَوَانِهِ فَمَحَاه قَبْلَ مَظَنَّةِ الإبدارِ
أبكيهِ ثمَّ أقولُ معتذراً له وُفِّقْتَ حين تَرَكْتَ أَلأَمَ دَارِ
جَاوَرْتُ أعدائي وَجَاوَرَ ربَّه شَتَّانَ بين جِوَارِهِ وَجِوَاري


(1) معالي السبطين ، الحائري : 1/416.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 309

وقال آخر :
كُنْتَ السوادَ لِمُقْلَتي يبكي عليك النَّاظِرُ
مَنْ شَاءَ بَعْدَكَ فَلْيَمُتْ فعليكَ كنتُ أُحَاذِرُ

المجلس الثالث ، من اليوم التاسع

فضل البكاء على الإمام الحسين ( عليه السلام )
ومصائب أهل البيت (عليهم السلام)

جاء في بعض زيارات أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) : فهل المحن يا ساداتي إلاَّ التي لزمتكم ، والمصائب إلاَّ التي عمَّتكم ، والفجائع إلاَّ التي خصَّتكم ، والقوارع إلاَّ التي طرقتكم ، صلوات الله عليكم وعلى أرواحكم وأجسادكم ، ورحمة الله وبركاته ، بأبي وأمي يا آل المصطفى ، إنّا لا نملك إلاَّ أن نطوف حول مشاهدكم ، ونعزّي فيها أرواحكم ، على هذه المصائب العظيمة الحالّة بفنائكم ، والرزايا الجليلة النازلة بساحتكم ، التي أثبتت في قلوب شيعتكم القروح ، وأورثت أكبادهم الجروح ، وزرعت في صدورهم الغصص ، فنحن نشهد الله أنّا قد شاركنا أولياءكم وأنصاركم المتقدِّمين ، في إراقة دماء الناكثين والقاسطين والمارقين ، وقتلة أبي عبدالله سيِّد شباب أهل الجنة يوم كربلاء ، بالنيَّات والقلوب ، والتأسُّف على فوت تلك المواقف ، التي حضروا لنصرتكم ، والله وليّي يبلِّغكم منّي السلام (1).
ذكر الشيخ جعفر التستري عليه الرحمة في الخصاص الحسينية رواية عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال : شيعتنا منا وقد خلقوا من فاضل طينتنا ، وعجنوا بنور ولايتنا ، رضوا بنا أئمة ورضينا بهم شيعة ، يصيبهم ما أصابنا وتبكيهم مصائبنا ،

(1) المزار ، محمد بن المشهدي : 299.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 310

ويحزنهم حزننا ، ويسرهم سرورنا ، ونحن أيضا نتألم بتألمهم ، ونطلع على أحوالهم فهم معنا لا يفارقونا ، ونحن لا نفارقهم ، ثم قال : اللهم : ان شيعتنا منا فمن ذكر مصابنا وبكى لأجلنا استحيى الله أن يعذبه بالنار (1).
روي عن علي بن الحسن بن فضال ، عن أبيه قال : قال الرضا ( عليه السلام ) : من تذكَّر مصابنا وبكى لما اُرتكب منّا كان معنا في درجتنا يوم القيامة ، ومن ذكر بمصابنا فبكى وأبكى لم تبك عينه يوم تبكي العيون ، ومن جلس مجلساً يُحيى فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب.
وعن بكر بن محمد ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : من ذَكرنا أو ذُكرنا عنده فخرج من عينه دمع مثل جناح بعوضة غفر الله له ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر.
وعن أبان بن تغلب ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : نفس المهموم لظلمنا تسبيح ، وهمّه لنا عبادة ، وكتمان سرِّنا جهاد في سبيل الله. ثم قال أبو عبدالله : يجب أن يكتب هذا الحديث بالذهب.
وعن محمد بن أبي عمارة الكوفي قال : سمعت جعفر بن محمد ( عليهما السلام ) يقول : من دمعت عينه فينا دمعة لدم سُفِك لنا أو حقٍّ لنا نقصناه ، أو عرض انتهك لنا ، أو لأحد من شيعتنا ، بوَّأه الله تعالى بها في الجنة حُقباً.
وعن الربيع بن المنذر ، عن أبيه ، عن الحسين بن علي ( عليهما السلام ) قال : ما من عبد قطرت عيناه فينا قطرة أو دمعت عيناه فينا دمعه إلاَّ بوَّأه الله بها في الجنة حقباً ، قال أحمد بن يحيى الأودي : فرأيت الحسين بن علي ( عليهما السلام ) في المنام فقلت : حدَّثني مخول بن إبراهيم ، عن الربع بن المنذر ، عن أبيه ، عنك أنك قلت : ما من عبد قطرت عيناه فينا قطرة أو دمعت عيناه فينا دمعة إلاَّ بوَّأه الله بها في الجنة حقباً ؟ قال : نعم ، قلت :

(1) الخصائص الحسينية ، التستري : 166.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 311

سقط الإسناد بيني وبينك (1).
وعن فضيل ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : من ذكرنا عنده ففاضت عيناه ولو مثل جناح الذباب غفر له ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر.
وعن فضيل بن فضالة ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : من ذكرنا عنده ففاضت عيناه حرَّم الله وجهه على النار (2).
قال السيد ابن طاووس عليه الرحمة : روي عن آل الرسول ( عليهم السلام ) أنهم قالوا : من بكى وأبكى فينا مائة فله الجنة ، ومن بكى وأبكى خمسين فله الجنة ، ومن بكى وأبكى ثلاثين فله الجنة ، ومن بكى وأبكى عشرين فله الجنة ، ومن بكى وأبكى عشرة فله الجنة ، ومن بكى وأبكى واحداً فله الجنة ، ومن تباكى فله الجنة.
وعن محمد بن مسلم قال : سمعت أبا عبدالله ( عليه السلام ) يقول : إن الحسين بن علي ( عليهما السلام ) عند ربِّه عزَّ وجلَّ ، ينظر إلى معسكره ومن حلَّه من الشهداء معه ، وينظر إلى زوَّاره وهو أعرف بهم وبأسمائهم وأسماء آبائهم ، وبدرجاتهم ومنزلتهم عند الله عزَّ وجلَّ من أحدكم بولده ، وإنه ليرى من يبكيه فيستغفر له ، ويسأل آباءه ( عليهم السلام ) أن يستغفروا له ، ويقول : لو يعلم زائري ما أعدَّ الله له لكان فرحه أكثر من جزعه ، وإن زائره لينقلب وما عليه من ذنب.
وعن محمد ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : كان علي بن الحسين ( عليهما السلام ) يقول : أيما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين بن علي دمعة حتى تسيل على خدِّه بوَّأه الله بها في الجنة غرفاً يسكنها أحقاباً ، وأيما مؤمن دمعت عيناه دمعاً حتى يسيل على خدّه لأذىً مسَّنا من عدوِّنا في الدنيا بوَّأه الله مبوَّأ صدق في الجنة ، وأيما مؤمن مسَّه أذىً

(1) بحار الأنوار ، المجلسي : 44/278 ـ 279.
(2) بحار الأنوار ، المجلسي : 44/284 ـ 285.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 312

فينا فدمعت عيناه حتى يسيل دمعه على خدّيه من مضاضة ما أوذي فينا صرف الله عن وجهه الأذى ، وآمنه يوم القيامة من سخطه والنار (1).
وعن صالح بن عقبة ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : من أنشد في الحسين بيتاً من شعر فبكى وأبكى عشرة فله ولهم الجنة ، ومن أنشد في الحسين بيتاً فبكى وأبكى تسعة فله ولهم الجنة ، فلم يزل حتى قال : ومن أنشد في الحسين بيتاً فبكى ـ وأظنّه قال : أو تباكى ـ فله الجنة.
وعن مسمع كردين قال : قال لي أبو عبدالله ( عليه السلام ) : يا مسمع ، أنت من أهل العراق ، أما تأتي قبر الحسين ؟ قلت : لا ، أنا رجل مشهور من أهل البصرة ، وعندنا من يتبع هوى هذا الخليفة ، وأعداؤنا كثيرة من أهل القبائل من النُصَّاب وغيرهم ، ولست آمنهم أن يرفعوا عليَّ عند ولد سليمان ، فيمثلون عليَّ ، قال لي : أفما تذكر ما صنع به ؟ قلت : بلى ، قال : فتجزع ؟ قلت : إي والله ، وأستعبر لذلك ، حتى يرى أهلي أثر ذلك عليَّ ، فأمتنع من الطعام حتى يستبين ذلك في وجهي ، قال : رحم الله دمعتك ، أما إنك من الذين يُعدّون في أهل الجزع لنا والذين يفرحون لفرحنا ، ويحزنون لحزننا ، ويخافون لخوفنا ، ويأمنون إذا أمنّا ، أما إنك سترى عند موتك وحضور آبائي لك ووصيّتهم ملك الموت بك ، وما يلقونك به من البشارة : ما تقرُّ به عينك قبل الموت ، فملك الموت أرقُّ عليك ، وأشدُّ رحمة لك من الأم الشفيقة على ولدها.
قال : ثمَّ استعبر واستعبرت معه ، فقال : الحمد لله الذي فضَّلنا على خلقه بالرحمة ، وخصَّنا أهل البيت بالرحمة ، يا مسمع ، إن الأرض والسماء لتبكي منذ قتل أمير المؤمنين رحمة لنا ، وما بكى لنا من الملائكة أكثر ، وما رقأت دموع الملائكة منذ قتلنا ، وما بكى أحدٌ رحمة لنا ، ولما لقينا إلاَّ رحمه الله قبل أن تخرج الدمعة من

(1) بحار الأنوار ، المجلسي : 44/281.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 313

عينه ، فإذا سال دموعه على خدِّه فلو أن قطرة من دموعه سقطت في جهنم لأطفأت حرَّها حتى لا يوجد لها حرّ ، وإن الموجع قلبه لنا ليفرح يوم يرانا عند موته فرحة لا تزال تلك الفرحة في قلبه حتى يرد علينا الحوض ، وإن الكوثر ليفرح بمحبِّنا إذا ورد عليه ، حتى إنه ليذيقه من ضروب الطعام ما لا يشتهي أن يصدر عنه.
يا مسمع ، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبداً ، ولم يشقَ بعدها أبداً ، وهو في برد الكافور ، وريح المسك ، وطعم الزنجبيل ، أحلى من العسل ، وألين من الزبد ، وأصفى من الدمع ، وأَذكى من العنبر ، يخرج من تسنيم ، ويمرُّ بأنهار الجنان ، تجري على رضراض الدرّ والياقوت ، فيه من القدحان أكثر من عدد نجوم السماء ، يوجد ريحه من مسيرة ألف عام ، قدحانه من الذهب والفضة وألوان الجوهر ، يفوح في وجه الشارب منه كل فائحة ، يقول الشارب منه : ليتني تُرِكْتُ ههنا لا أبغي بهذا بدلا ، ولا عنه تحويلا.
أما إنك يا كردين ممن تُروى منه ، وما من عين بكت لنا إلاَّ نعمت بالنظر إلى الكوثر ، وسقيت منه من أحبَّنا ، فإن الشارب منه ليعطى من اللذّة والطعم والشهوة له أكثر مما يعطاه من هو دونه في حبِّنا ، وإن على الكوثر أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وفي يده عصا من عوسج ، يحطم بها أعداءنا ، فيقول الرجل منهم : إني أشهد الشهادتين! فيقول : انطلق إلى إمامك فلان فاسأله أن يشفع لك ، فيقول : يتبَّرأ مني إمامي الذي تذكره ، فيقول : ارجع وراءك فقل للذي كنت تتولاَّه وتقدِّمه على الخلق ، فاسأله إذ كان عندك خير الخلق أن يشفع لك ، فإن خير الخلق حقيق أن لا يُرَدَّ إذا شُفِّع ، فيقول : إني أهلك عطشاً ، فيقول : زادك الله ظمأ ، وزادك الله عطشاً.
قلت : جُعلت فداك ، وكيف يقدر على الدنو من الحوض ولم يقدر عليه غيره ؟ قال : وَرِعَ عن أشياء قبيحة ، وكفَّ عن شتمنا إذا ذُكرنا ، وترك أشياء اجترأ

المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 314

عليها غيره ، وليس ذلك لحبِّنا ، ولا لهوى منه ، ولكن ذلك لشدّة اجتهاده في عبادته وتديُّنه ، ولما قد شغل به نفسه عن ذكر الناس ، فأمَّا قلبه فمنافق ، ودينه النصب باتباع أهل النصب وولاية الماضين ، وتقدمة لهما على كل أحد (1).
ولله درّ السيد الحميري عليه الرحمة إذ يقول :
حَوْضٌ له ما بَيْنَ صنعاءَ إلى أَيلةَ (2) والعُرْضُ به أَوْسَعُ
يُنْصَبُ فيه عَلَمٌ للهدى والحَوْضُ من مَاء له مُتْرَعُ
يفيضُ من رَحْمَتِهِ كَوْثَرٌ أبيضُ كالفضَّةِ أو أنصعُ
حَصَاهُ ياقوتٌ وَمُرْجَانَةٌ ولؤلؤٌ لم تَجْنِهِ إِصْبَعُ
بَطْحَاؤُه مِسْكٌ وَحَافَاتُهُ يهتزُّ منها مُوْنِقٌ مُرْبِعُ
أَخْضَرُ ما دون الوَرَى نَاضِرٌ وَفَاقِعٌ أَصْفَرُ أو أَنْصَعُ
فيه أباريقُ وَقِدْ حَانُهُ يَذُبُّ عنها الرَّجُلُ الأَصْلَعُ
يَذُبُّ عنها ابنُ أبي طالب ذَبَّاً كَجَرْبَا إِبل شرَّعُ
والعِطْرُ والريحانُ أنواعُهُ زَاك وقد هبَّتْ به زَعْزَعُ
ريحٌ من الجنَّةِ مأمورةٌ ذاهبةٌ ليس لها مَرْجِعُ
إذا دنوا منه لكي يشربوا قيل لهم : تبّاً لكم فَارْجِعوا
دُونَكُمُ فالتمسوا مَنْهلا يُرْويكُمُ أو مَطْعَماً يُشْبِعُ
هَذا لِمَنْ والى بني أحمد ولم يَكُنْ غيرَهُمُ يَتْبَعُ
فالفوزُ للشاربِ من حَوْضِهِ والويلُ والذُّلُّ لمن يُمْنَعُ (3)

وعن أبي هارون المكفوف قال : قال أبو عبدالله ( عليه السلام ) في حديث طويل :

(1) بحار الأنوار ، المجلسي : 44/289.
(2) أيلة ـ بالفتح ـ مدينة على ساحل بحر القلزم مما يلي الشام ، قيل : هي آخر الحجاز وأول الشام.
(3) بحار الأنوار ، المجلسي : 47/331.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 315

ومن ذكر الحسين عنده فخرج من عينيه من الدموع مقدار جناح ذباب كان ثوابه على الله عزَّ وجلَّ ، ولم يرض له بدون الجنة.
وعن عبدالله بن بكير في حديث طويل قال : حججت مع أبي عبدالله ( عليه السلام ) فقلت : يا ابن رسول الله ، لو نبش قبر الحسين بن علي ( عليهما السلام ) هل كان يصاب في قبره شيء ؟ فقال : يا ابن بكير ، ما أعظم مسائلك! إن الحسين بن علي ( عليه السلام ) مع أبيه وأمه وأخيه في منزل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ومعه ، يُرزقون ويُحبرون ، وإنه لعن يمين العرش متعلِّق به ، يقول : يا ربِّ أنجز لي ما وعدتني ، وإنه لينظر إلى زوَّاره ، فهو أعرف بهم وبأسمائهم وأسماء آبائهم وما في رحالهم من أحدهم بولده ، وإنه لينظر إلى من يبكيه فيستغفر له ، ويسأل أباه الاستغفار له ، ويقول : أيُّها الباكي ، لو علمت ما أعدَّ الله لك لفرحت أكثر مما حزنت ، وإنه ليستغفر له من كل ذنب وخطيئة.
قال العلامة المجلسي عليه الرحمة : ورأيت في بعض مؤلَّفات أصحابنا أنه حكي عن السيِّد علي الحسيني قال : كنت مجاوراً في مشهد مولاي علي بن موسى الرضا ( عليه السلام ) مع جماعة من المؤمنين ، فلمَّا كان اليوم العاشر من شهر عاشور ابتدأ رجل من أصحابنا يقرأ مقتل الحسين ( عليه السلام ) ، فوردت رواية عن الباقر ( عليه السلام ) أنه قال : من ذرفت عيناه على مصاب الحسين ولو مثل جناح البعوضة غفر الله له ذنوبه ولو كانت مثل زبد البحر ، وكان في المجلس معنا جاهل مركَّب يدّعي العلم ولا يعرفه ، فقال : ليس هذا بصحيح ، والعقل لا يعتقده ، وكثر البحث بيننا وافترقنا عن ذلك المجلس ، وهو مصرٌّ على العناد في تكذيب الحديث ، فنام ذلك الرجل تلك الليلة ، فرأى في منامه كأن القيامة قد قامت ، وحشر الناس في صعيد صفصف ، لا ترى فيها عوجاً ولا أمتاً ، وقد نُصبت الموازين ، وامتدَّ الصراط ، ووضع الحساب ، ونشرت الكتب ، وأسعرت النيران ، وزخرفت الجنان ، واشتدَّ الحر عليه ، وإذا هو قد عطش عطشاً شديداً ، وبقي يطلب الماء فلا يجده.

المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 316

فالتفت يميناً وشمالا وإذا هو بحوض عظيم الطول والعرض  ، قال : قلت في نفسي : هذا هو الكوثر  ، فإذا فيه ماء أبرد من الثلج  ، وأحلى من العذب  ، وإذا عند الحوض رجلان وامرأة  ، أنوارهم تشرق على الخلائق  ، ومع ذلك لبسهم السواد  ، وهم باكون محزونون  ، فقلت : من هؤلاء ؟ فقيل لي : هذا محمد المصطفى  ، وهذا الإمام علي المرتضى  ، وهذه الطاهرة فاطمة الزهراء  ، فقلت : ما لي أراهم لابسين السواد وباكين ومحزونين ؟ فقيل لي : أليس هذا يوم عاشورا  ، يوم مقتل الحسين ( عليه السلام ) ؟ فهم محزونون لأجل ذلك.
قال : فدنوت إلى سيِّدة النساء فاطمة ( عليها السلام )   ، وقلت لها : يا بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله )   ، إني عطشان  ، فنظرت إليَّ شزراً وقالت لي : أنت الذي تنكر فضل البكاء على مصاب ولدي الحسين  ، ومهجة قلبي  ، وقرَّة عيني  ، الشهيد المقتول ظلماً وعدواناً ؟ لعن الله قاتليه وظالميه ومانعيه من شرب الماء  ، قال الرجل : فانتبهت من نومي فزعاً مرعوباً  ، واستغفرت الله كثيراً  ، وندمت على ما كان منّي  ، وأتيت إلى أصحابي الذين كنت معهم  ، وخبَّرت برؤياي  ، وتبت إلى الله عزَّ وجلَّ (1).
ولله درّ الشيخ عبد الحسين الأعسم عليه الرحمة إذ يقول :
تبكيك عيني لا لأَجْلِ مَثُوبة لكنَّما عيني لأجلِكَ باكيه
تبتلُّ منكم كربلا بِدَم ولا تبتلُّ منّي بالدُّمُوعِ الجاريه
أنْسَتْ رزيَّتُكُمْ رزايانا التي سَلَفَتْ وهوَّنَتْ الرزايا الآتيه
وَفَجَائِعُ الأيَّامِ تبقى مدَّةً وتزو لُ وهي إلى القيامةِ باقيه
لهفي لِرَكْب صُرِّعوا في كربلا كانت بها آجالُهم متدانيه
تعدو على الأعداءِ ظاميةَ الحَشَا وسيوفُهُمْ لدمِ الأعادي ظاميه
نصروا ابنَ نبتِ نبيِّهم طُوْبى لهم نالوا بِنُصْرَتِهِ مَرَاتِبَ ساميه


(1) بحار الأنوار  ، المجلسي : 44/219 ـ 293.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 317

المجلس الرابع ، من اليوم التاسع

إخبار جبرئيل والملائكة
النبي ( صلى الله عليه وآله ) بمقتل الحسين ( عليه السلام)

جاء في كتاب المزار للمشهدي عليه الرحمة في بعض الزيارات الشريفة : وأشهد أنكم قد وفيتم بعهد الله وذمّته  ، وبكلِّ ما اشترطه عليكم في كتابه  ، ودعوتم إلى سبيله  ، وأنفدتم طاقتكم في مرضاته  ، وحملتم الخلائق على منهاج النبوة ومسالك الرسالة  ، وسرتم فيه بسيرة الأنبياء  ، ومذاهب الأوصياء  ، فلم يُطع لكم أمر  ، ولم تَصغِ إليكم أذنٌ  ، فصلوات الله على أرواحكم وأجسادكم (1).
وفي ذلك يقول بعض الشعراء :
تَتَبَّعُوكم وَرَامُوا مَحْوَ فَضْلِكُمُ وخيَّبَ اللهُ مَنْ في ذَلِكُم طَمِعَا
أنَّى وفي الصَّلَوَاتِ الخَمْسِ ذِكْرُكُمُ لدى التشهُّدِ للتوحيدِ قَدْ شَفَعا

روى أبو بصير  ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام )   ، قال : سمعته يقول : بينا الحسين ( عليه السلام ) عند رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إذ أتاه جبرئيل فقال : يا محمد  ، أتحبُّه ؟ قال : نعم  ، قال : أما إن أمتك ستقتله  ، فحزن رسول الله لذلك حزناً شديداً  ، فقال جبرئيل : أيسرُّك أن أريك التربة التي يُقتل فيها ؟ قال : نعم  ، قال : فخسف جبرئيل ما بين مجلس رسول الله إلى كربلا حتى التقت القطعتان هكذا ـ وجمع بين السبّابتين ـ فتناول بجناحيه من التربة  ، فناولها رسول الله ( صلى الله عليه وآله )   ، ثم دُحيت الأرض أسرع من طرف العين  ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : طوبى لك من تربة  ، وطوبى لمن يُقتل فيك.
وعن أنس بن مالك أن عظيماً من عظماء الملائكة استأذن ربَّه عزَّ وجلَّ في

(1) المزار  ، محمد بن المشهدي : 294.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 318

زيارة النبي فأذن له  ، فبينما هو عنده إذ دخل عليه الحسين  ، فقبَّله النبي وأجلسه في حجره  ، فقال له المَلَك : أتحبُّه ؟ قال : أجل أشدَّ الحبِّ   ، إنه ابني  ، قال له : إن أمتك ستقتله  ، قال : أمتي تقتل ولدي ؟ قال : نعم  ، وإن شئت أريتك من التربة التي يقتل عليها  ، قال : نعم  ، فأراه تربة حمراء طيِّبة الريح  ، فقال : إذا صارت هذه التربة دماً عبيطاً فهو علامة قتل ابنك هذا. قال سالم بن أبي الجعد : أُخبرت أن المَلَك كان ميكائيل ( عليه السلام ).
وعن عائشة أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أجلس حسيناً على فخذه وجعل يقبِّله  ، فقال جبرئيل : أتحبُّ ابنك هذا ؟ قال : نعم  ، قال : فإن أمتك ستقتله بعدك  ، فدمعت عينا رسول الله  ، فقال له : إن شئت أريتك من تربته التي يقتل عليها  ، قال : نعم  ، فأراه جبرئيل تراباً من تراب الأرض التي يقتل عليها  ، وقال : تدعى الطفَّ.
وعن أنس أن ملك المطر استأذن أن يأتي رسول الله  ، فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) لأم سلمة : املكي علينا الباب لا يدخل علينا أحد  ، فجاء الحسين ليدخل فمنعته  ، فوثب حتى دخل  ، فجعل يثب على منكبي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ويقعد عليهما  ، فقال له الملك : أتحبُّه ؟ قال : نعم  ، قال  ، فإن أمتك ستقتله  ، وإن شئت أريتك المكان الذي يقتل فيه  ، فمدَّ يده فإذا طينة حمراء  ، فأخذتها أم سلمة فصيَّرتها إلى طرف خمارها  ، قال ثابت : فبلغنا أنه المكان الذي قتل به بكربلا.
وعن محمد بن سنان  ، عن سعيد بن يسار أو غيره قال : سمعت أبا عبدالله ( عليه السلام ) يقول : لما أن هبط جبرئيل على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بقتل الحسين أخذ بيد علي فخلا به مليّاً من النهار  ، فغلبتهما عبرة  ، فلم يتفرَّقا حتى هبط عليهما جبرئيل أو قال : رسول الله ربّ العالمين  ، فقال لهما : ربُّكما يقرئكما السلام ويقول : قد عزمت عليكما لما صبرتما  ، قال : فصبرا (1)

(1) بحار الأنوار  ، المجلسي : 44/228 ـ 230.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 309

وعن أبي بصير  ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : إن جبرئيل أتى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) والحسين يلعب بين يدي رسول الله ( صلى الله عليه وآله )   ، فأخبره أن أمته ستقتله  ، قال : فجزع رسول الله ( صلى الله عليه وآله )   ، فقال : ألا أريك التربة التي يقتل فيها ؟ قال : فخسف ما بين مجلس رسول الله إلى المكان الذي قتل فيه حتى التقت القطعتان  ، فأخذ منها  ، ودحيت في أسرع من طرفة العين  ، فخرج وهو يقول : طوبى لك من تربة وطوبى لمن يقتل حولك.
قال : وكذلك صنع صاحب سليمان  ، تكلَّم باسم الله الأعظم فخسف ما بين سرير سليمان وبين العرش من سهولة الأرض وحزونتها حتى التقت القطعتان فاجترَّ العرش  ، قال سليمان : يخيَّل إليَّ أنه خرج من تحت سريري  ، قال : ودحيت في أسرع من طرفة العين.
وعن زيد الشحّام  ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : نعى جبرئيل ( عليه السلام ) الحسين ( عليه السلام ) إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في بيت أمِّ سلمة  ، فدخل عليه الحسين وجبرئيل عنده  ، فقال : إن هذا تقتله أمتك  ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : أرني من التربة التي يسفك فيها دمه  ، فتناول جبرئيل قبضة من تلك التربة فإذا هي تربة حمراء  ، وفي رواية : فلم تزل عند أمّ سلمة حتى ماتت رحمها الله.
وعن أبي خديجة  ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : لما ولدت فاطمة الحسين جاء جبرئيل إلى رسول الله فقال له : إن أمتك تقتل الحسين من بعدك  ، ثم قال : ألا أريك من تربتها ؟ فضرب بجناحه فأخرج من تربة كربلاء  ، فأراها إياه  ، ثمَّ قال : هذه التربة التي يقتل عليها.
وعن عبد الرحمان الغنوي  ، عن سليمان قال : وهل بقي في السماوات ملك لم ينزل إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يعزّيه في ولده الحسين ؟ ويخبره بثواب الله إياه  ، ولم يحمل إليه تربته مصروعاً عليها  ، مذبوحاً مقتولا  ، طريحاً مخذولا  ، فقال رسول الله : اللهم

المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 320

اخذل من خذله  ، واقتل من قتله  ، واذبح من ذبحه  ، ولا تمتِّعه بما طلب.
قال عبد الرحمان : فوالله لقد عوجل الملعون يزيد  ، ولم يتمتَّع بعد قتله  ، ولقد أُخذ مغافصة  ، بات سكراناً وأصبح ميِّتاً متغيِّراً  ، كأنه مطليٌّ بقار  ، أُخذ على أسف  ، وما بقي أحد ممن تابعه على قتله أو كان في محاربته إلاّ أصابه جنون أو جذام أو برص  ، وصار ذلك وراثة في نسلهم لعنهم الله (1).
وعن ابن عباس قال : المَلك الذي جاء إلى محمد ( صلى الله عليه وآله ) يخبره بقتل الحسين كان جبرئيل  ، الروح الأمين  ، منشور الأجنحة  ، باكياً صارخاً  ، قد حمل من تربته  ، وهي تفوح كالمسك  ، فقال رسول الله : وتفلح أمة تقتل فرخي ؟ أو قال : فرخ ابنتي ؟ قال جبرئيل : يضربها الله بالاختلاف فتختلف قلوبهم (2).
قال الراوي : وقال أصحاب الحديث : فلمَّا أتت على الحسين ( عليه السلام ) سنة كاملة هبط على النبيِّ ( صلى الله عليه وآله ) اثنا عشر ملَكاً على صور مختلفة  ، أحدهم على صورة بني آدم  ، يعزّونه ويقولون : إنه سينزل بولدك الحسين ابن فاطمة ما نزل بهابيل من قابيل  ، وسيُعطى مثل أجر هابيل  ، ويحمل على قاتله مثل وزر قابيل  ، ولم يبق ملك إلاَّ نزل إلى النبيِّ يعزّونه  ، والنبي ( صلى الله عليه وآله ) يقول : اللهم اخذل خاذله  ، واقتل قاتله  ، ولا تمتِّعه بما طلبه.
وعن عائشة قالت : دخل الحسين على النبي ( صلى الله عليه وآله ) وهو غلام يدرج فقال : أي عائشة  ، ألا أعجبك ؟ لقد دخل عليَّ آنفاً ملك ما دخل عليَّ قط فقال : إن ابنك هذا مقتول  ، وإن شئت أريتك من تربته التي يقتل بها  ، فتناول تراباً أحمر  ، فأخذته أم سلمة فخزنته في قارورة  ، فأخرجته يوم قتل وهو دم (3).

(1) بحار الأنوار  ، المجلسي : 44/235.
(2) بحار الأنوار  ، المجلسي : 44/237.
(3) بحار الأنوار  ، المجلسي : 44/247.

السابق السابق الفهرس التالي التالي