المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 292

علي ، فلمّا ولى المَلَك إذا بين كتفيه ( محمَّد رسول الله ، عليٌّ وصيّه ) فقلت : مُذ كم كُتب هذا بين كتفيك ؟ قال : من قبل أن يخلق الله آدم باثنين وعشرين ألف عام ، يا علي فبينما أنا جالس إذ هبط الأمين جبرئيل ومعه من سنبل الجنة وقرنفلها فتناولتهما وأخذتهما وشممتهما فقلت : ما سبب هذا السنبل والقرنفل ؟ قال : إن الله أمر سكان الجنة من الملائكة ومن فيها أن يزيِّنوا الجنان كلَّها بمغارسها وأشجارها وثمارها وقصورها ، وأمر ريحها فهبَّت بأنواع العطر والطيب ، وأمر حور عينها بالقراءة فيها بسورة ( طه ويس وطواسين وحم وعسق ) ثم نادى مناد من تحت العرش : ألا إن اليوم يوم وليمة علي ، ألا إني أشهدكم أني قد زوَّجت فاطمة من عليّ رضىً منّي بعضهما لبعض ، فأشهد على تزويجها أربعين ألف ملك ، وكان الولي الله ، والخطيب جبرئيل ، والمنادي ميكائيل ، والداعي إسرافيل ، والناثر عزرائيل ، والشهود الملائكة.
قال الحميدي :
نَصَبَ الجليلُ لجبرئيل منبراً في ظلِّ طوبى من مُتُونِ زَبَرْجَدِ
شَهِدِ الملائكةُ الكِرَامُ وَرَبُّهم وَكَفَى بهم وبربِّهم من شُهَّدِ
وَتَناثَرَتْ طوبى عليهم لؤلؤاً وَزُمُرُّداً متتابعاً لم يُعْقَدِ

وفي رواية : كان الخطيب مَلكاً يقال له راحيل ، وجاء في بعض الكتب أنه خطب في البيت المعمور في جَمع من أهل السماوات السبع فقال : الحمد لله الأول قبل أولية الأولين ، الباقي بعد فناء العالمين ، نحمده إذ جعلنا ملائكة روحانيين ، وبربوبيّته مذعنين ، وله على ما أنعم علينا شاكرين ، حجبنا من الذنوب ، وسترنا من العيوب ، أسكننا في السماوات ، وقرَّبنا إلى السرادقات ، وحجب عنا النهم للشهوات ، وجعل نهمتنا وشهوتنا في تقديسه وتسبيحه ، الباسط رحمته ، الواهب نعمته ، جلَّ عن إلحاد أهل الأرض من المشركين ، وتعالى بعظمته عن إفك

المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 293

الملحدين ، ثم قال بعد كلام : اختار الملك الجبار صفوة كرمه ، وعبد عظمته ، لأمته سيِّدة النساء ، بنت خير النبيين ، وسيِّد المرسلين ، وإمام المتقين ، فوصل حبله بحبل رجل من أهله ، المصدِّق دعوته ، المبادر إلى كلمته ، علي الوصول ، بفاطمة البتول ، ابنة الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ، ثم قال الله تبارك وتعالى : الحمد ردائي ، والعظمة كبريائي ، والخلق كلهم عبيدي وإمائي ، زوَّجت فاطمة أمتي من علي صفوتي ، اشهدوا ملائكتي.
قال الحميدي :
واللهُ زوَّجه الزكيَّةَ فاطماً في ظِلِّ طوبى مشهداً محضورا
كان الملائكُ ثَمَّ في عَدَدِ الحصى جبريلُ يَخْطُبُهم بها مسرورا
يدعو له ولها وكان دعاؤه لهما بخير دائماً مذكورا
حتَّى إذا فَرِغَ الخطيبُ تَتَابَعَتْ طوبى تُسَاقِطُ لؤلؤاً منثورا
وتُهيلُ ياقوتاً عليهم مرَّةً وتُهِيلُ درّاً تارةً وشُذُورا
فترى نِسَاءَ الحُوْرِ يَنْتَهِبُونَهُ حوراً بذلك يهتدين الحورا

وأوحى الله تعالى إلى شجرة طوبى أن انثري عليهم الدرّ والياقوت فابتدرن إليه الحور العين يلتقطن في أطباق الدرّ والياقوت ، وهنّ يتهادينه بينهن إلى يوم القيامة ، وكانوا يتهادون ويقولون : هذه تحفة خير النساء ، فمن أخذ منه يومئذ شيئاً أكثر من صاحبه أو أحسن افتخر به على صاحبه إلى يوم القيامة.
ثمّ أمر الله تعالى رضوان خازن الجنان فهزَّ شجرة طوبى ، فحملت رقاعاً ـ يعني صكاكاً ـ بعدد محبي أهل البيت ، وأنشأ من تحتها ملائكة من نور ، ودفع إلى كل ملك صكاً براءة من النار ، فإذا استوت القيامة بأهلها نادت الملائكة في الخلائق : ألا فمن كان محباً لفاطمة ( عليها السلام ) فليبادر ، وليأخذ من نثار زفاف فاطمة ، فلا يبقى محبّ إلاَّ ودفع إليه المَلَك صكاً فيه فكاكه من النار ، ثم أرسل سحابة بيضاء

المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 294

فقطرت على أهل الجنان من اللؤلؤ والياقوت والزبرجد والمرجان ، فابتدرن الحور العين فالتقطن في أطباق الدرّ والياقوت ، وهن يتهادين بينهن إلى يوم القيامة ، ويتفاخرن ويقلن : هذا من نثار زفاف فاطمة سيّدة النساء ( عليها السلام ).
قال بعض العلماء : ولقد وجد في زمان والد شيخنا البهائي درّة في ظهر الكوفة مكتوب عليها هذان البيتان :
أنا درٌّ من السَّمَا نثروني يومَ تزويج وَالِدِ السبطينِ
كنت أصفى من اللُّجَينِ بياضاً صَبَغَتني دِمَاءُ نَحْرِ الحسينِ

قال الراوي قال جبرئيل : يا محمد ، زوِّج فاطمة من علي بن أبي طالب ، فإن الله قد رضيها له ورضيه لها ، قال علي ( عليه السلام ) : فزوِّجني منها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في محضر صحابته بعد ما أمرني بإنشاد الخطبة وقال : تكلَّم خطيباً لنفسك ، فخطب علي ( عليه السلام ) بخطبة ثمَّ قال : هذا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) زوَّجني ابنته فاطمة على خمسمائة درهم ، وقد رضيت فاسألوه واشهدوا.
فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : قد زوَّجتك ابنتي فاطمة على ما زوَّجك الرحمن ، وقد رضيت بما رضي الله لها ، فدونك أهلك ، فإنك أحقّ بها مني ، فنعم الأخ أنت ، ونعم الختن أنت ، ونعم الصاحب أنت ، وكفاك برضى الله رضاً ، فخرَّ علي ( عليه السلام ) ساجداً شكراً لله ، وهو يقول :« رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ » الآية ، قال ( عليه السلام ) : ثم أتاني وأخذ بيدي فقال : قم وقل : بسم الله وعلى بركة الله ، وما شاء الله ، ولا حول ولا قوّة إلاَّ بالله ، توكَّلت على الله ، ثمَّ جاء بي حتى أقعدني عندها ، وقال : اللهم إنهما أحبُّ خلقك إليَّ ، فأحبَّهما وبارك في ذريتهما ، واجعل عليها منك حافظاً ، وإني أعيذهما بك وذريتهما من الشيطان الرجيم ، ثمَّ أمر النبي ( صلى الله عليه وآله ) بطبق بسر ، وأمر بنهبه..
قال علي ( عليه السلام ) : فأقمت بعد ذلك شهراً أصلّي مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وأرجع إلى

المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 295

منزلي ، ولا أذكر شيئاً من أمر فاطمة ( عليها السلام ) ، ثم قلن أزواج رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ألا نطلب لك من رسول الله دخول فاطمة عليك ، فقلت : افعلن ، فدخلن عليه فقالت أم أيمن : يا رسول الله ، لو أن خديجة باقية لقرَّت عينها بزفاف فاطمة ، وإن علياً يريد أهله فقرَّ عين فاطمة ببعلها ، واجمع شملها ، وقرَّ عيوننا بذلك ، فقال : فما بال علي لا يطلب مني زوجته ؟ فقد كنا نتوقَّع ذلك منه.
قال علي ( عليه السلام ) : فقلت : الحياءُ يمنعني يا رسول الله ، فالتفت ( صلى الله عليه وآله ) إلى النساء فقال : مَنْ ها هنا ؟ فقالت أم سلمة : أنا أم سلمة ، وهذه زينب ، وهذه فلانة ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : هيِّئوا لابنتي وابن عمي في بيتي حجرة ، فقالت أم سلمة : في أي حجرة يا رسول الله ؟ فقال ( صلى الله عليه وآله ) : في حجرتك ، فأمر النبي أن يهيِّئوا طعام العرس ، وأمر بطحن البر وخبزه ، وأمر علياً ( عليه السلام ) بذبح البقر والغنم ، فكان النبي ( صلى الله عليه وآله ) يفصل ولم يُر على يده أثر دم ، فلمّا فرغوا من الطبخ أمر النبي ( صلى الله عليه وآله ) أن يُنادى على رأس داره : أجيبوا رسول الله ، وذلك لقوله تعالى : « وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ » فأجابوا من النخلات والزروع ، فبسط النطوع في المسجد ، وصدر الناس وهم أكثر من أربعة آلاف رجل وسائر نساء المدينة ، ورفعوا منها ما أرادوا ، ولم ينقص من الطعام شيء ، ثمَّ عادوا في اليوم الثاني فأكلوا ، وفي اليوم الثالث فأكلوا ، ثم دعا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بالصحاف فملئت ، ووجَّه إلى منازل أزواجه ، ثم أخذ صحفة وقال : هذه لفاطمة وبعلها ، وأمر نساءه أن يزينّها ويصلحن من شأنها.
قالت أم سلمة : فسألت فاطمة : هل عندك طيب ادّخرتيه لنفسك ؟ قالت : نعم ، فأتت بقارورة ، فسألت عنها فقالت : كان دحية الكلبي يدخل على رسول الله فيقول لي : يا فاطمة ، ها الوسادة فاطرحيها لعمِّك ، فإذا نهض سقط من بين ثيابه شيء فيأمرني بجمعه فسئل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عن ذلك فقال : هو عنبر يسقط من أجنحة جبرئيل ، وأتت بماء ورد. قالت أم سلمة : فسألت عنه فقالت : هذا عرق

المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 296

رسول الله ، كنت آخذه عند قيلولة النبي ( صلى الله عليه وآله ) عندي.
ثم إن جبرئيل أتى بحلّة قيمتها الدنيا ، فلما لبستها تحيرت نسوة قريش منها ، وقلن : من أين لك هذا ؟ قالت : من عند الله ، فلمَّا كانت ليلة الزفاف أتى النبي ببغلته الشهباء ، وثنى عليها قطيفة ، وقال لفاطمة : اركبي ، وأمر سلمان أن يقودها ، والنبي ( صلى الله عليه وآله ) يسوقها ، فبينما هو في بعض الطريق إذ سمع النبي وجبة ، فإذا هو جبرئيل في سبعين ألف ملك ، وميكائيل في سبعين ألف ملك ، فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : ما أهبطكم إلى الأرض ؟ قالوا : جئنا نزفّ فاطمة إلى علي بن أبي طالب ، فكبَّر جبرئيل ، وكبَّر ميكائيل ، وكبَّرت الملائكة ، وكبَّر النبي ، فوقع التكبير على العرائس من تلك الليلة.
وكان النبي ( صلى الله عليه وآله ) أمامها ، وجبرئيل عن يمينها ، وميكائيل عن يسارها ، وسبعون ألف ملك من خلفها يسبِّحون الله ويقدّسونه حتى طلع الفجر ، وحولها سبعون حوراء ، وحمزة وعقيل وجعفر وأهل البيت يمشون خلفها ، وأمر النبي ( صلى الله عليه وآله ) بنات عبدالمطلب ونساء المهاجرين والأنصار أن يمضين في صحبة فاطمة ، ويفرحن ويرجزن ، ويكبِّرن ويحمدن ، وأنشأت أم سلمة تقول :
سِرْنَ بعونِ اللهِ جاراتي واشْكُرْنَهُ في كُلِّ حالاتِ
واذكُرْنَ ما أنعم ربُّ العلى من كَشْفِ مكروه وآفاتِ
فَقَدْ هَدَانا بَعْدَ كُفْر وَقَدْ أنعشنا ربُّ السماواتِ
وَسِرْنَ مَعْ خَيْرِ نِسَاءِ الوَرَى تُفْدَى بعمَّات وَخَالاَتِ
يا بنتَ مَنْ فَضَّلَه ذو العلى بالوحيِ منه والرِّسَالاتِ

ثم قالت عائشة :
يا نسوةُ استترن بالمعاجرِ واذكرْنَ مَا يَحْسُنُ في المحاضرِ
واذكرن ربَّ الناس إذ خصَّنا بدينِهِ مَعْ كُلِّ عَبْد شَاكِرِ


المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 297

والحمدُ للهِ على أفضالِهِ والشكرُ للهِ العزيزِ القَادِرِ
سِرْنَ بها فاللهُ أعلى ذِكْرَها وخصَّها منه بِطُهْر طَاهِرِ

وقالت حفصة :
فاطمةٌ خَيْرُ نِسَاءِ البَشَرْ وَمَنْ لها وَجْهٌ كَوَجْهِ القَمَرْ
فَضَّلَكِ اللهُ على كلِّ الورى بِفَضْلِ مَنْ خُصَّ بآي الزَّمَرْ
زوَّجَكِ اللهُ فتىً فاضلا أعني علياً خيرَ مَنْ في الحَضَرْ
فَسِرن جَارَاتي بها فإنها كريمةٌ بنتُ عظيمِ الخَطَرْ

ثم قالت معاذة أم سعد بن معاذ :
أقولُ قولا فيه ما فيهِ وأذكُرُ الخيرَ وأُبديهِ
محمَّدٌ خيرُ بني آدم مَافيه من كِبْر وَلاَتِيهِ
بفضلِهِ عرَّفنا رُشْدَنا فاللهُ بالخيرِ يجازيهِ
ونحن مَعْ بنتِ نبيِّ الهدى ذي شَرَف قد مُكِّنَتْ فيه
في ذروة شامخة أصلُها فما أرى شيئاً يُدَانِيهِ

وكانت النسوة يرجعن أول بيت من كل رجز ، ثمَّ يكبِّرن ، ودخلن الدار ، ثم أنفذ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلى علي ( عليه السلام ) ، ودعاه إلى المسجد ، ثم دعا فاطمة ، وأخذ علياً بيمينه ، وأخذ فاطمة ( عليها السلام ) بشماله ، وجمعهما إلى صدره ، فقبَّل بين أعينهما ، ودفع فاطمة إلى علي ( عليهما السلام ) ، وقال : يا عليّ ، نعم الزوجة زوجتك ، ثمَّ أقبل على فاطمة ، وقال : يا فاطمة ، نعم البعل بعلك ، ثمَّ قام يمشي بينهما حتى أدخلهما بيتهما الذي هيِّىء لهما ، ووضع يد فاطمة في يد علي ، وقال : يا أبا الحسن ، هذه وديعة الله ورسوله عندك ، فاحفظ الله واحفظني فيها.
أقول : ومن شأن الوديعة أن تُردَّ إلى أهلها سالمة وردَّت وديعة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وضلعها مكسور.

المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 298

قال الراوي : ثمَّ خرج من عندهما فأخذ بعضادتي الباب فقال : طهَّركما الله وطهَّر نسلكما ، أنا سلم لمن سالمكما ، وحرب لمن حاربكما ، أستودعكما الله وأستخلفه عليكم ، ولما كانت صبيحة العرس دخل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عليهما بقدح من لبن ، فقال لفاطمة ( عليها السلام ) : اشربي فداك أبوك ، ثمَّ قال لعلي ( عليه السلام ) : اشرب فداك ابن عمك.
وروي عن أسماء بنت عميس قالت : سمعت سيدتي فاطمة تقول : ليلة دخل بي علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) أفزعني من فراشي ، فقلت : أفزعت يا سيدة نساء العالمين ؟ قالت : نعم ، سمعت الأرض تحدِّثه ويحدِّثها ، فأصبحت وأنا فزعة ، فأخبرت والدي ( صلى الله عليه وآله ) فسجد سجدة طويلة ، ثمَّ رفع رأسه وقال : يا فاطمة ، أبشري بطيب النسل ، فإن الله فضَّل بعلك على سائر خلقه ، وأمر الأرض أن تحدِّثه بأخبارها وما يجري على وجهها من شرق الأرض إلى غربها.
أقول : ليت شعري هل أخبرته الأرض بأنهم سوف يحرقون باب داره ، ويجعلون الحبل في عنقه ، ويعصرون الزهراء البتول ( عليها السلام ) ، وهل أخبرته بقتل أبنائه سماً وقتلا ، وتساق بناته من كربلاء إلى الكوفة ، ومن الكوفة إلى الشام (1).
ولله درّ الشيخ صالح الكواز الحلي عليه الرحمة إذ يقول :
وأشدُّ ممَّا ناب كُلَّ مكوَّن مَنْ قال قَلْبُ محمَّد محزونُ
فَحِرَاكُ تيم بالضلالةِ بَعْدَه لِلْحَشْرِ لا يأتي عليه سُكُونُ
عُقِدَت بيثربَ بيعةٌ قُضِيْت بها للشِّركِ منه بَعْدَ ذاك دُيُونُ
بِرُقيِّ منبرِهِ رُقِي في كربلا صَدْرٌ وَضُرِّج بالدماءِ جبينُ
لولا سُقُوطُ جنينِ فاطمة لَمَا أودي لها في كَرْبَلاَءَ جنينُ
وَبِكَسْرِ ذاك الضِّلْعِ رُضَّت أضلعٌ في طَيِّها سِرُّ الإلهِ مَصُونُ


(1) شجرة طوبى ، الحائري : 2/249 ـ 255.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 299

وكذا عليٌّ قَوْدُه بِنِجَادِهِ فله عليٌّ بالوِثَاقِ قرينُ
وكما لِفَاطِمَ رنَّةٌ من خَلْفِهِ لَبَنَاتِها خَلْفَ العليلِ رنينُ
وبزَجْرِها بسياطِ قُنْفُذَ وُشِّحَتْ بالطفِّ من زَجْر لَهُنَّ مُتُونُ
وبقَطْعِهِمْ تلك الأَرَاكَةَ دُوْنَها قُطِعَت يدٌ في كربلا وَوَتِينُ
لكنَّما حَمْلُ الرُؤُوسِ على القَنَا أدهى وَإِنْ سَبَقَتْ به صفّينُ
كلٌّ كتابُ اللهِ لكن صَامِتٌ هذا وهذا نَاطِقٌ وَمُبينُ (1)

المجلس الأول ، من اليوم التاسع

خصال علي الأكبر ( عليه السلام ) وصفاته الشريفة

جاء في بعض الزيارات الشريفة : يا سادتي ، يا آل رسول الله ، إني بكم أتقرَّب إلى الله جلَّ وعلا ، بالخلاف على الذين غدروا بكم ، ونكثوا بيعتكم ، وجحدوا ولايتكم ، وأنكروا منزلتكم ، وخلعوا ربقة طاعتكم ، وهجروا أسباب مودّتكم ، وتقرَّبوا إلى فراعنتهم بالبراءة منكم ، والإعراض عنكم ، ومنعوكم من إقامة الحدود ، واستئصال الجحود ، وشعب الصدع ، ولمِّ الشَعَث ، وسدِّ الخلل ، وتثقيف الأود ، وإمضاء الأحكام ، وتهذيب الإسلام ، وقمع الآثام ، وأرهجوا عليكم نقع الحروب والفتن ، وأنحوا عليكم سيوف الأحقاد ، وهتكوا منكم الستور ، وابتاعوا بخمسكم الخمور ، وصرفوا صدقات المساكين إلى المضحكين والساخرين (2).
روي عن عبد الملك عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) في حديث له قال : تاسوعا يومٌ حوصر فيه الحسين ( عليه السلام ) وأصحابه رضي الله عنهم بكربلاء واجتمع عليه خيل أهل الشام وأناخوا عليه ، وفرح ابن مرجانة وعمر بن سعد بتوافر الخيل وكثرتها ، واستضعفوا فيه الحسين صلوات الله عليه وأصحابه رضي الله عنهم ، وأيقنوا أن لا يأتي الحسين ( عليه السلام ) ناصر ولا يمده أهل العراق ـ بأبي المستضعف الغريب ـ (3).
ولله درّ السيد محمد حسين القزويني عليه الرحمة إذ يقول :

(1)رياض المدح والرثاء ، الشيخ حسين القديحي : 152 ـ 153.
(2) المزار ، محمد بن المشهدي : 295 ـ 296.
(3) الكافي ، الكليني : 4/147 ح 7.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 300

أبا حَسَن شكوى إليكَ وإنَّها لَوَاعِج أشجان يجيشُ بها الصدرُ
أتدري بما لاَقَتْ من الكَرْبِ والبَلاَ وما واجهت بالطفِّ أبناؤك الغُرُّ
أُعزّيك فيهم إنَّهم وَرَدُوا الردى بأَفْئِدة مَابَلَّ غُلَّتَها قَطْرُ
وثاوين في حَرِّ الهجيرةِ بالعَرَى عليهم سوافي الريحِ بالتُّرْبِ تَنْجرُّ (1)

جاء في الروايات الشريفة : كان علي الأكبر ( عليه السلام ) أول قتيل يوم كربلاء من آل أبي طالب ( عليه السلام ) ، وقد روى المؤرِّخون أن الحسين ( عليه السلام ) سمَّى ثلاثة من أولاده باسم أبيه أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ـ حبّاً في هذا الاسم الذي انتجبه الله تعالى على الخلق بعد الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ـ وهم : علي بن الحسين زين العابدين ( عليه السلام ) (2) ، وعلي الأكبر ( عليه السلام ) ، وعبدالله الرضيع ( عليه السلام ) ويسمَّى بعلي الأصغر (3).
وروى الشيخ الكليني عليه الرحمة ، عن عبدالرحمن بن محمد العزرمي قال : استعمل معاوية مروان بن الحكم على المدينة ، وأمره أن يفرض لشباب قريش ، ففرض لهم ، فقال علي بن الحسين ( عليهما السلام ) : فأتيته فقال : ما اسمك ؟ فقلت : علي بن الحسين ، فقال : ما اسم أخيك ؟ فقلت : علي ، قال : علي وعلي ؟! ما يريد أبوك أن يدع أحداً من ولده إلاَّ سمَّاه علياً ؟ ثم فرض لي ، فرجعت إلى أبي فأخبرته ، فقال : ويلي على ابن الزرقاء دبَّاغة الأدم ، لو ولد لي مائة لأحببت أن لا أسمّي أحداً منهم إلاّ علياً (4).
وقد اختلف الرواة في عمره الشريف ، فقال ابن شهر آشوب ومحمد بن أبي

(1) مثير الأحزان ، الجواهري : 116.
(2)قال الطبري : وأما علي بن الحسين الأكبر ( عليه السلام ) فقتل مع أبيه بنهر كربلاء ، وشهد علي بن الحسين الأصغر مع أبيه كربلاء وهو ابن ثلاث وعشرين سنة ، وكان مريضاً نائماً على فراش ( المنتخب من ذيل المذيل ، الطبري : 119 ).
(3) معالي السبطين ، الحائري : 1/422. (4) الكافي ، الكليني : 6/19 ح 7.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 301

طالب : إنه ابن ثماني عشرة سنة  ، وقال الشيخ المفيد عليه الرحمة إن له يومئذ تسع عشرة سنة  ، وقيل إنه ابن خمس وعشرين سنة فيكون هو الأكبر  ، وروي أنه لما أُدخل علي بن الحسين زين العابدين ( عليه السلام ) وعُرض على ابن زياد قال له : من أنت ؟ فقال له علي بن الحسين  ، فقال : أليس قد قتل الله علي بن الحسين ؟ فقال له علي ( عليه السلام ) : قد كان لي أخ يسمَّى علياً قتله الناس (1)   ، وفي رواية أنه ( عليه السلام ) قال لابن زياد : كان لي أخ يقال له : علي  ، أكبر مني قتله الناس (2).
وجاء في معالي السبطين للحائري عليه الرحمة في ترجمة علي الأكبر ( عليه السلام )   ، قال : وأمّه ليلى بنت أبي مرّة بن عروة بن مسعود الثقفي  ، وكان عروة أحد السادة الأربعة في الإسلام  ، وقد أخذ علي بن الحسين ( عليه السلام ) الشرافة والسيادة من الطرفين  ، روي في نفس المهموم : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : أربعة سادة في الإسلام : بشر بن هلال العبدي  ، وعدي بن حاتم  ، وسراقة بن مالك المدلجي  ، وعروة بن مسعود الثقفي. وكان عروة أحد رجلين عظيمين في قوله تعالى حكاية عن كفار قريش : « وَقَالُوا لَوْلاَ نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُل مِنْ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيم » (3).
وهذا هو الذي أرسلته قريش للنبيِّ ( صلى الله عليه وآله ) يوم الحديبية  ، فعقد معه الصلح وهو كافر  ، ثمَّ أسلم سنة تسع من الهجرة بعد رجوع المصطفى ( صلى الله عليه وآله ) من الطائف  ، واستأذن النبيَّ ( صلى الله عليه وآله ) في الرجوع لأهله  ، فرجع ودعا قومه إلى الإسلام  ، فرماه واحد منهم بسهم وهو يؤذّن للصلاة فمات  ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لما بلغه ذلك : مثل عروة مثل صاحب ياسين  ، دعا قومه إلى الله فقتلوه  ، قال : وقال ( صلى الله عليه وآله ) : ورأيت عيسى بن مريم فإذا أقرب من رأيت به شبهاً عروة بن مسعود.

(1) الإرشاد  ، المفيد : 2/116  ، مثير الأحزان  ، ابن نما الحلي : 71.
(2)الطبقات الكبرى  ، ابن سعد : 5/212  ، تاريخ مدينة دمشق  ، ابن عساكر : 41/367  ، المنتخب من ذيل المذيل  ، الطبري : 119.
(3) سورة الزخرف  ، الآية : 31.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 302

وليلى أم علي الأكبر أمُّها ميمونة بنت أبي سفيان بن حرب بن أمية  ، المكنَّاة بأم شيبة  ، وكان معاوية خال ليلى أم علي الأكبر  ، ولهذا ناداه رجل من أهل الكوفة حين برز علي الأكبر للقتال : إن لك رحماً بأمير المؤمنين يزيد  ، فإن شئت آمنّاك  ، فقال له : ويلك  ، لقرابة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أحقّ أن تُرعى  ، وكان معاوية كثيراً يمدح علي بن الحسين ( عليه السلام ) حتى قال يوماً لأصحابه : من أحق الناس بالخلافة ؟ قالوا : أنت  ، قال : لا  ، بل أحق الناس بالخلافة علي بن الحسين بن علي ( عليهم السلام ) جدّه رسول الله ( صلى الله عليه وآله )   ، وفيه شجاعة بني هاشم  ، وسخاء بني أمية (1)   ، وزهو ثقيف  ، يعني المنظر الحسن.
روي عن أبي عبيدة  ، وخلف الأحمر  ، أن هذه الأبيات قيلت في علي بن الحسين الأكبر  ، المقتول بكربلاء :
لم تَرَ عينٌ نَظَرَتْ مِثْلَهُ من مُحْتَف يمشي وَلاَ نَاعِلِ
يَغْلِي نَهِيءَ اللَّحْمِ حَتَّى إذا أُنْضِجَ لَمْ يَغْلُ على الآكِلِ
كان إذا شَبَّت له نَارُهُ يُوقِدُها بالشَّرَفِ الْقَابِلِ
كيما يَرَاها بَائِسٌ مُرْمِلٌ أَو فَرْدُ حيٍّ ليس بالآهِلِ
أعني ابنَ ليلى ذا السَّدَى والنَّدى أعني ابنَ بنتِ الحَسَبِ الفاضلِ
لا يُؤْثِرُ الدنيا على دِيْنِهِ ولا يبيعُ الحقَّ بالباطلِ

هذا الشاعر يمدح علي بن الحسين ( عليه السلام ) في الجود والسخاء  ، ويقول : لم ير أحد في العالم بعد الحسين ( عليه السلام ) في الجود والكرم  ، وإطعام المسكين  ، وإكرام الضيف  ، وإعطاء السائلين  ، مثل علي الأكبر ( عليه السلام )   ، وكان مولعاً وحريصاً في ذلك بحيث يشتري الأطعمة والأغذية اللذيذة  ، واللحوم الطيِّبة بالقيمة الغالية  ، ويأمر بطبخها

(1) دعوى معاوية أن بني أمية أسخياء دعوى غير صحيحة يكذُبها التأريخ  ، وأما سخاء علي الأكبر فهو ثابت بالنصوص التأريخية.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 303

وانضاجها  ، ويطعم البائس والمسكين والضيوف والواردين  ، وهو عليهم في غاية الشفقة واللطف والرحمة  ، وكان من عادة العرب الذين يحبّون الضيف ويبالغون في إكرامه أن يشعلوا ناراً فوق البيوت في الصيف والشتاء  ، في الليالي المظلمة  ، حتى إذا جاءهم ضيفٌ من بعيد في الليل المظلم فبتلك النار يهتدي الطريق إلى المضيف  ، ولا يتعسَّف  ، ولا يضلّ الطريق  ، ويسمّونها نار القرى  ، وكان علي الأكبر ( عليه السلام ) من غاية حبِّه للضيف وإكرامه له إذا أشعل النار فوق بيته أشعلها كثيراً  ، وفي غاية الاشتعال لكي يراها البائس والمسكين والمرمل واليتيم  ، وينزل في داره على طعامه  ، كيف وهو ربُّ الجود والسخاء والفضل والندى ورضيع الحسب والنسب  ، وكان ( عليه السلام ) في الدين واليقين بمكان مكين بحيث لا يؤثر دنياه على دينه  ، ولا يبيع الحق بالباطل.
قال : ومن كانت هذه سجيّته في الكرم وإطعام الضيوف آل أمره إلى أن وقف على أبيه ( عليه السلام ) وقال : يا أبتاه  ، العطش قد قتلني.
وكان علي الأكبر ( عليه السلام ) شاباً حسن الصورة  ، صبيح المنظر  ، لا نظير له  ، وفي الشجاعة مشهور  ، وكذلك في صفات الكمال من الجلالة والعظمة والسخاء  ، وحسن الأخلاق وغير ذلك (1).
وكان علي الأكبر ( عليه السلام ) من أصبح الناس وجهاً  ، وأحسنهم خَلقاً وخُلقاً ومنطقاً  ، وكان أشبه الناس برسول الله ( صلى الله عليه وآله )   ، وذلك بشهادة سيِّد شباب أهل الجنة ( عليه السلام )   ، فقد روي أنه لمَّا استأذن أباه في القتال نظر إليه نظرة آيس منه  ، وأرخى عينيه فبكى  ، ثمَّ رفع سبَّابتيه نحو السماء وقال : اللهم كن أنت الشهيد عليهم  ، فقد برز إليهم غلام أشبه الناس خلقاً وخُلقاً ومنطقاً برسولك  ، وكنّا إذا اشتقنا إلى نبيِّك نظرنا إليه (2)

(1) معالي السبطين  ، الحائري : 1/406 ـ 408.
(2) لواعج الأشجان  ، السيد محسن الأمين : 169.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 304

ويقول الحجّة الشيخ علي الجشي عليه الرحمة على لسان الحسين ( عليه السلام ) :
أَشبيهَ جدّي منطقاً وخلائقاً كَرُمَتْ وفي خَلْق حَلاَ وَمَعَاني
أبُنيَّ إنَّ الدهرَ فَوَّقَ سَهْمَهُ وَرَمَاك لكنْ في الفؤادِ رماني
أبُنيَّ فَقْدُكَ لم يَدَعْ مِنْ مُسْلِم إلاَّ بكاك شجاً بدَمْع قاني
إِذْ أنت سِلْوَتُهُم إذا اشتاقوا إلى رُؤْيَا النبيِّ وسيِّدِ الأكوانِ (1)

ولله درّ الشيخ عبد الحسين العاملي عليه الرحمة إذ يقول فيه أيضاً :
جَمَعَ الصفاتِ الغُرَّ وهي تُرَاثُهُ من كُلِّ غِطْريف وشَهْم أصيدِ
في بَأْسِ حَمْزَةَ في شُجَاعَةِ حيدر وإبا الحُسَينِ وفي مَهَابَةِ أحمدِ
وتراه في خَلْق وَطِيْبِ خَلاَئق وبليغِ نُطْق كالنبيِّ محمَّدِ
يرمي الكَتَائِبَ والفلا غَصَّت بها في مِثْلِها من بَأْسِهِ المتوقِّدِ (2)

المجلس الثاني ، من اليوم التاسع

مقتل علي الأكبر (عليه السلام)

فعل الأطائب من أهل بيت محمَّد وعلي صلَّى الله عليهما وآلهما فليبك الباكون  ، وإياهم فليندب النادبون  ، ولمثلهم فلتذرف الدموع  ، وليصرخ الصارخون  ، ويضجَّ الضاجون  ، ويعجَّ العاجون  ، أين الحسن وأين الحسين  ، أين أبناء الحسين  ، صالح بعد صالح  ، وصادق بعد صادق  ، أين السبيل بعد السبيل  ، أين الخيرة بعد الخيرة  ، أين الشموس الطالعة  ، أين الأقمار المنيرة  ، أين الأنجم الزاهرة  ، أين أعلام الدين وقواعد العلم (3).

(1) الشواهد المنبرية  ، الشيخ علي الجشي : 58.
(2) رياض المدح والرثاء  ، الشيخ حسين القديحي : 121.
(3) المزار  ، محمد بن المشهدي : 578.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 305

جاء في مقاتل الطالبيين أن علي بن الحسين ( عليه السلام ) ولد في خلافة عثمان وقد روى عن جدّه علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) (1).
وفي معالي السبطين قال : وكان أهل المدينة إذا اشتاقوا إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) نظروا إلى علي الأكبر ( عليه السلام )   ، وكان الحسين ( عليه السلام ) يحبه حباً شديداً بحيث إذا رآه فرح به وسرَّ سروراً عظيماً  ، وإذا سأله حاجة لا يردّه أبداً ولو على سبيل الإعجاز  ، قال كثير ابن شاذان : شهدت الحسين بن علي ( عليهما السلام ) وقد اشتهى عليه ابنه علي الأكبر عنباً في غير أوانه  ، فضرب بيده إلى سارية المسجد  ، فأخرج له عنباً وموزاً فأطعمه  ، وقال ( عليه السلام ) : ما عند الله لأوليائه أكثر (2).
أقول : أفمن كان حبُّه لولده بهذه المثابة بحيث لا يردّه عن حاجة حتى يقضيها له ولو على سبيل الإعجاز فما حاله حين رجع هذا الولد من المعركة  ، وطلب منه جرعة من الماء  ، وهو لا يتمكَّن من أن يعطيه ويسقيه ؟ (3)
وعُرف عن علي الأكبر ( عليه السلام ) صلابته في الدين ودفاعه عن الحق  ، وأنه لا يهاب الموت في سبيل الله تعالى  ، روى عقبة بن سمعان في مسير الحسين ( عليه السلام ) إلى كربلاء قال : فسرنا معه ساعة  ، فخفق ( عليه السلام ) وهو على ظهر فرسه خفقة  ، ثم انتبه وهو يقول : إنّا لله وإنّا إليه راجعون  ، والحمد لله ربِّ العالمين  ، ففعل ذلك مرّتين أو ثلاثاً  ، فأقبل إليه ابنه علي بن الحسين ( عليه السلام ) فقال : مم حمدت الله واسترجعت ؟ قال : يا بنيَّ  ، إني خفقت خفقة  ، فعنَّ لي فارس على فرس وهو يقول : القوم يسيرون  ، والمنايا تسير إليهم  ، فعلمت أنها أنفسنا نعيت إلينا  ، فقال له : يا أبت : لا أراك الله سوءاً  ، ألسنا على الحق ؟ قال : بلى والله الذي مرجع العباد إليه  ، فقال : فإنّنا إذاً ما

(1) مقاتل الطالبيين  ، أبو الفرج الإصبهاني : 53.
(2) دلائل الإمامة  ، الطبري : 183  ، نوادر المعجزات  ، الطبري : 108 ح 3.
(3) معالي السبطين  ، الحائري : 1/408.

السابق السابق الفهرس التالي التالي