المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 279

جعلت تبكي وتنادي ، وا ولداه ، وا قاسماه ، والله هذه يتيمة ولدي القاسم ، فقلن لها : من أين تعرفينها أنها ابنة القاسم ؟ قالت : نظرت إلى شمائلها لأنها تشبه شمائل ولدي القاسم ، ثم أخبرتهم البنت بوقوف جدّها وأمّها على الباب ، وقيل : إنها مرضت لما علمت بموت ولدها ، فلم تمكث إلاَّ ثلاثة أيام حتى ماتت.
لهفي لأمِّ القاسمِ الثكلى وَقَدْ ناحت شَجَىً إذْ غَابَ نَوْحَ حَمَائِم
تَرْعَى النُّجُومَ أَسَىً بطرف سَاهِر في فِكْرَة طالت وَوَجْد دَائِمِ
محنيَّةُ الأضلاعِ بينَ ضُلُوعِها نارٌ وَأَدْمُعُها كغيث سَاجِمِ
وتقولُ هل لحبيبِ قلبيَ أَوْبَةٌ فَأَقُول أهلا بالحبيبِ القَادِمِ
أَو يَطْرُقُ الجَفْنَ الكرى في مَضْجَعي فأرى الحبيبَ ولو برؤيةِ نَائِمِ
يا نازحاً وعليَّ عَزَّ فِرَاقُهُ خَلَّفْتَ قلبي كالحَمَامِ الحَائِمِ
فَأَصمَّ مَسْمَعَها نعاءُ حزينة تحكي شَمَائِلُها شَمَائِلَ قَاسِمِ
تدعو بصوت منه ينصدعُ الصَّفَا أبتاه وَجْدُك ما حييتُ ملازمي
فكأنَّ ذاك النَعْيَ سَهْمُ منيَّة فَقَضَتْ به لهفي لأمِّ القَاسِمِ (1)

سمعت بموت ولدها فمرضت وقضت نحبها ، فما حال رملة لما نظرت إلى ولدها وهو مشقوق الرأس مقطَّعاً بالسيوف إرباً إرباً (2) فساعد الله قلبها وهي تراه مخضَّباً بدمه ، قد شقَّ السيف رأسه ، ويعزّ على سيد شباب أهل الجنة ( عليه السلام ) أن يرى هؤلاء الفتية على البوغاء مصرَّعين مجدَّلين ، وبقي بعدهم وحيداً لا ناصر له ولا معين ، ولله درّ السيد جعفر الحلي عليه الرحمة إذ يقول :
ولمَّا دنت آجالُهُم رحَّبوا بها كأنَّ لهم بالموتِ بُلْغَةَ آمِلِ
فَمَاتُوا وهم أزكى الأنامِ نقيبةً وَأَكْرَمُ مَنْ يُبْكَى له بالَمحَافِلِ


(1) ديوان العلامة الجشي : 369 ـ 370.
(2) شجرة طوبى ، الشيخ محمد مهدي الحائري : 1/171.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 280

عطاشى بجَنْبِ النَّهْرِ والماءُ حَوْلَهُمْ يُبَاحُ إلى الوُرَّادِ عَذْبُ المَنَاهِلِ
أبَا حَسَن إنَّ الذين عَهِدْتَهُمْ ثِقَالَ الخُطَى إلاَّ لِكَسْبِ الفَضَائِلِ
أُعَزّيكَ فيهم يَالَكَ الخيرُ إنَّهم مَشَوا لِوُرُودِ الموتِ مِشْيَةَ عَاجِلِ
أرادت بنو سُفْيَانَ فيهم مَذَلَّةً وذلك من أبناك صَعْبُ التناولِ
متى ذَلَّ قومٌ أنت خَلَّفْتَ فيهِمُ إباءً به يندقُّ أَنْفُ الُمجَادِلِ
نَعِمْتَ بهم عيناً فَقَدْ سَار ذِكْرُهُمْ كما قَدْ فَشَا معروفُهُمْ في القَبَائِلِ
أعادوك يَوْمَ الطفِّ حيّاً وَجَدَّدوا لِعَلْيَاكَ ذِكْراً قَبْلَ ذا غَيْرَ خَامِلِ
فلم تَفْجَعِ الأيَّامُ من قَبْلِ يَوْمِهِمْ بأَكْرَمِ مقتول لألأَمِ قَاتِلِ (1)

المجلس الرابع ، من اليوم الثامن

ما جرى على ذرية رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من القتل
والتشريد والاضطهاد من ولاة الجور

جاء في بعض زيارات أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) : يا مواليَّ ، فلو عاينكم المصطفى ، وسهام الأمة معرقة في أكبادكم ، ورماحهم مشرعة في نحوركم ، وسيوفها مولغة في دمائكم ، يشفي أبناء العواهر غليل الفسق من ورعكم ، وغيظ الكفر من إيمانكم ، وأنتم بين صريع في المحراب قد فلق السيف هامته ، وشهيد فوق الجنازة قد شُكَّت بالسهام أكفانه ، وقتيل بالعراء قد رُفع فوق القناة رأسُه ، ومكبَّل في السجن رُضَّت بالحديد أعضاؤه ، ومسموم قد قُطِّعت بجرع السمِّ أمعاؤه ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون ، ولا حول ولا قوَّة إلاَّ بالله العلي العظيم.
فقد أوصى المصطفى ( صلى الله عليه وآله ) هذه الأمة بحفظ عترتة وأهل بيته ( عليهم السلام ) ، ولكن

(1) رياض المدح والرثاء ، الشيخ حسين القديحي : 229.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 281

هذه الأمة لم ترع حقَّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في عترته ، فانظر ماذا فعلوا بهم ، وما جرى عليهم من قتلهم ، وسفك دمائهم ، وتشريدهم عن أوطانهم ، وحبسهم في المطامير ، وغير ذلك مما جرى عليهم من ألوان العذاب ، من ولاة الجور والظلمة ، فتناسوا كل وصايا النبي ( صلى الله عليه وآله ) وكأنهم لم يسمعوا شيئاً من ذلك في حقّ عترته وأبنائه الطاهرين ( عليهم السلام ) ولله درّ الشيخ عبدالحسين العاملي عليه الرحمة إذ يقول :
حَجْرٌ على عيني يمرُّ بها الكرى من بَعْدِ نازلة بعترةِ أحمدِ
أقمارُ تَمٍّ غالها خَسْفُ الرَّدَى واغتالها بصُرُوفِهِ الزمنُ الرَّدي
شتَّى مصائِبُهُمْ فبين مُكابد سمّاً ومنحور وبين مُصَفَّدِ
سَلْ كربلا كم من حشاً لمحمَّد نُهِبَتْ بها وكم استُجِذَّت من يدِ
ولكم دم زاك أريق بها وكم جُثَْمانِ قُدْس بالسيوفِ مبدَّدِ (1)

قال أبو الحسن داود البكري : سمعت علي بن دعبل بن علي الخزاعي يحدّث عن أبيه : أنه رآه في النوم وقال له : لقيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وعليه ثياب بيض وقلنسوة بيضاء ، فقال لي : أنت دعبل ؟ قلت : نعم يا رسول الله ، قال : فأنشدني قولك في أولادي ، فأنشدته قولي :
لا أضحك اللهُ سِنَّ الدهرِ إنْ ضَحِكَتْ وآلُ أحمدَ مظلومونَ قد قُهِرُوا
مُشَرَّدون نُفُوا عن عقرِ دَارِهِمُ كأنَّهم قد جَنَوا ما ليس يُغْتَفَرُ

قال : فقال لي : أحسنت ، وشفع فيَّ ، وأعطاني ثيابه ، وها هي وأشار إلى ثياب بدنه (2).
وجاء عن ابن عباس ( رضي الله عنه ) ، في قوله تعالى : « وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً » (3) قال :

(1) رياض المدح والرثاء : 120.
(2)عيون أخبار الإمام الرضا ( عليه السلام ) ، الصدوق : 1/297 ـ 298.
(3) سورة الكهف ، الآية : 82.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 282

حُفظا لصلاح أبيهما ، وما ذكر عنهما صلاحاً (1).
وروي عن ابن عباس وجابر وأبي عبدالله الصادق ( عليه السلام ) أن الله يصلح بصلاح الرجل ولده وولد ولده ، ويحفظه في ذريته ، وكان السابع من آبائهما (2).
قال المقريزي : فإذا صحَّ أن الله سبحانه قد حفظ غلامين لصلاح أبيهما فيكون قد حفظ الأعقاب برعاية الأسلاف ، وإن طالت الأحقاب ، ومن ذلك ما جاء في الأثر أن حمام الحرم من حمامتين عشَّشتا على فم الغار الذي اختفى فيه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) (3) فلذلك حرم حمام الحرم ، وإذا كان كذلك فمحمد ( صلى الله عليه وآله ) أحرى وأولى وأحقّ ، وأجدر أن يحفظ الله تعالى ذرّيّته ، فإنه إمام الصلحاء ، وما أصلح الله فساد خلقه إلاَّ به (4).
وروي عن الإمام الحسن ( عليه السلام ) أنه قال لبعض الخوارج : بمَ حفظ الله مال الغلامين ؟ قال : بصلاح أبيهما ، قال : فأبي وجدي خير منه!! (5) وروي عن الإمام علي بن الحسين ( عليهما السلام ) : ألا إن الله ذكر أقواماً بآبائهم فحفظ الأبناء للآباء ، قال تعالى : « وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً » ولقد حدَّثني أبي عن آبائه أنه التاسع من ولده ، ونحن عترة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) احفظوها لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) (6).
وروي عن الإمام الصادق جعفر بن محمد ( عليهما السلام ) قال : احفظوا فينا ما حفظ العبد الصالح في اليتيمين (7).
قال الكاتب عبدالحليم الجندي : فليس في تاريخ البشرية كلِّها أسرة شُرِّدت

(1) المستدرك ، الحاكم : 2/369.
(2) راجع : الدرّ المنثور ، السيوطي : 4/235 ، فتح القدير ، الشوكاني : 3/306 ، وص 304.
(3) راجع : الصواعق المحرقة ، ابن حجر : 242 ط. مصر ، و 361 ط. بيروت ـ خاتمة في ذكر أمور مهمة.
(4) فضل آل البيت ( عليهم السلام ) ، المقريزي : 110.
(5) تفسير الرازي : 21/162 مورد الآية.
(6) رشفة الصادي : 91 باب 9.
(7)أخرجه ابن الأخضر في معالم العترة ، الصواعق المحرقة ، ابن حجر : 175 ط مصر ، 266 ط بيروت ، المقصد الثالث من الآية الرابعة ، رشفة الصادي : 91 باب 9 ، فضل آل البيت ( عليهم السلام ) ، المقريزي : 109.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 283

وجرِّدت ، وذاقت العذاب والاسترهاب ، مثل أهل بيت النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، بدأ بهم تاريخ الإسلام مجده ، واستمرَّ فيهم بعبرته وعظمته ، قدَّم أبوهم للبشرية أسباب خلاصها بكتاب الله وسنَّة الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ، وقدَّم أهل بيته أرواحهم في سبيل القيم التي نزل بها القرآن ، وجاءت بها السنة ، كانت مصابيحهم تتحطَّم لكن شعلتهم لا تنطفىء ، لتُخلِّد الجهاد والاستشهاد والإرشاد ، بالمثل العالي الذي كانوه ، والضوء الذي لم تمنع الموانع من انتشاره ، وعلَّم فيه أبناء النبي ( صلى الله عليه وآله ) أمته بعض علومه : أن الاستشهاد حياة للمستشهدين وللأحياء جميعا (1).
وناهيك أيها الموالي لو سمعت كلمات أهل البيت ( عليهم السلام ) فيما جرى عليهم من الجور والعدوان ، والظلم والإستبداد ، فإليك بعض الكلمات التي خرجت من صدور أهل بيت الوحي ( عليهم السلام ) ، من صدور مكلومة بالألم ، طفح بها الكيل مما عانته من ولاة الجور وملؤها حسرةً وألماً ، فأصبحوا في الأمة التي خلَّفهم فيها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بمنزلة بني إسرائيل في آل فرعون.
روى الكليني عليه الرحمة ، عن الحسين بن مصعب ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : كنت أبايع لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) على العسر واليسر والبسط والكره إلى أن كثر الإسلام وكثف ، قال : وأخذ عليهم علي ( عليه السلام ) أن يمنعوا محمداً وذرّيّته مما يمنعون منه أنفسهم وذراريهم ، فأخذتها عليهم ، نجا من نجا ، وهلك من هلك (2).
وعن زيد بن علي بن الحسين ، عن أبيه ، عن جدّه ( عليهم السلام ) ، قال : قال علي ( عليه السلام ) : كنت مع الأنصار لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) على السمع والطاعة له في المحبوب والمكروه ، فلمّا عزَّ الإسلام ، وكثر أهله قال ( صلى الله عليه وآله ) : يا علي ، زد فيها : على أن تمنعوا

(1) الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) ، عبد الحليم الجندي : 111.
(2) الكافي ، الشيخ الكليني : 8/261 ح 374.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 284

رسول الله وأهل بيته مما تمنعون منه أنفسكم وذراريكم ، قال : فحملها على ظهور القوم ، فوفى بها من وفى ، وهلك من هلك (1).
وروي أنه قيل لعلي بن الحسين ( عليه السلام ) : كيف أصبحت ؟ فقال ( عليه السلام ) : أصبحنا خائفين برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأصبح جميع أهل الإسلام آمنين به (2).
وروي عنه ( عليه السلام ) هذه الأبيات الشريفة :
نحن بنو المصطفى ذوو غُصَص يَجْرَعُها في الأنامِ كاظمُنا
عظيمةٌ في الأنامِ محنتُنا أوَّلُنا مبتلى وآخِرُنا
يَفْرَحُ هذا الورى بعيدِهِمُ ونحن أعيادُنا مآتمُنا
الناسُ في الأَمْنِ والسرورِ ولا يَأْمَنُ طولَ الحَيَاةِ خائفُنا (3)

وروى القندوزي الحنفي من مقتل أبي مخنف أن الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) لما وصل من الأسر إلى المدينة خطب في أهل المدينة ، وقال ( عليه السلام ) في خطبته : أيها الناس ، أصبحنا مشرَّدين مطرودين مذودين شاسعين عن الأوطان ، من غير جرم اجترمناه ، ولا مكروه ارتكبناه ، ولا ثلمة في الإسلام ثلمناها ، ولا فاحشة فعلناها ، فوالله لو أن النبيَّ ( صلى الله عليه وآله ) أوصى إليهم في قتالنا لما زادوا على ما فعلوا بنا ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون (4).
وقال الناشىء الصغير من قصيدة له وهي بضعة عشر بيتاً ، ذكر منها الحموي قوله :
عجب لكم تفنون قتلا بسيفِكُمْ ويسطوا عليكم مَنْ لكم كان يَخْضَعُ


(1) شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : 6/44 ـ 45.
(2) التذكرة الحمدونية ، ابن حمدون : 9/224 رقم : 443 ، بحار الأنوار ، المجلسي : 75/159.
(3) شجرة طوبى ، الحائري : 1/6 ، وأوردها الذهبي في سير أعلام النبلاء : 15/167 ونسبها لغير الإمام ( عليه السلام ) ، ينابيع المودة لذوي القربى ، القندوزي : 3/93.
(4) ينابيع المودة ، القندوزي : 3/93.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 285

فَمَا بقعةٌ في الأرضِ شرقاً ومغرباً وليس لكم فيها قتيلٌ وَمَصْرَعُ
ظُلِمْتم وقُتِّلتم وقُسِّم فيئُكُمْ وضاقت بكم أَرْضٌ فلم يَحْمِ موضعُ
كأنَّ رسولَ اللهِ أوصى بقتلِكم وأجسامُكُمْ في كلِّ أرض توزَّعُ (1)

وقال السيد صالح النجفي القزويني عليه الرحمة (2) :
فطوسٌ لكم والكرخُ شجواً وكربلا وكوفانُ تبكي والبقيعُ وزمزمُ
وكم قد تعطَّفْتُم عليهم ترحُّماً فلم يعطفوا يوماً عليكم ويرحموا
فَلاَ رَبِحَتْ آل الطليقِ تجارةً ولا بَرِحَتْ هوناً تسامُ وتُرْغَمُ
فما منكُمُ قد حَرَّمَ اللهُ حلَّلوا وما لكُمُ قد حلَّل اللهُ حرَّموا
وجدُّهُمُ لو كان أوصى بقتلِهِمْ إليكم لما زِدْتُم على ما فعلتُمُ
فَصَمْتُم من الدينِ الحنيفيِّ حَبْلَه وَعُرْوَتَهُ الوثقى التي ليس تُفْصَمُ (3)

وعن المنهال بن عمرو قال : دخلت على علي بن الحسين ( عليه السلام ) فقلت : كيف أصبحت أصلحك الله ؟ فقال ( عليه السلام ) : ما كنت أرى شيخاً من أهل المصر مثلك لا يدري كيف أصبحنا ، فأما إذ لم تدر أو تعلم فسأخبرك ، أصبحنا في قومنا بمنزلة بني إسرائيل في آل فرعون ، إذ كانوا يذبِّحون أبناءهم ، ويستحيون نساءهم ، وأصبح شيخنا وسيِّدنا يُتَقَرَّبُ إلى عدوِّنا بشتمه أو سبِّه على المنابر ، وأصبحت قريش تعدّ أن لها الفضل على العرب; لأن محمداً ( صلى الله عليه وآله ) منها ، لا يعدّ لها فضل إلاَّ به ، وأصحبت العرب مقرّة لهم بذلك ، وأصبحت العرب تعدّ أن لها الفضل على العجم; لأن محمداً ( صلى الله عليه وآله ) منها ، لا يعدّ لها فضل إلاّ به ، وأصبحت العجم مقرّة لهم بذلك ، فلئن كانت العرب صدَّقت أن لها الفضل على العجم ، وصدَّقت قريش أن لها الفضل على العرب لأن محمداً ( صلى الله عليه وآله ) ( منها ) إن لنا أهل البيت الفضل على قريش لأن محمداً ( صلى الله عليه وآله )

(1) معجم الأدباء ، الحموي : 13/292 ـ 293 ، لسان الميزان ، ابن حجر : 4/239 ـ 240.
(2) المتوفَّى سنة ( 1306 هـ ).
(3)الإمام محمد الجواد ( عليه السلام ) ، الحاج حسين الشاكري : 489.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 286

منّا  ، فأصبحوا يأخذون بحقّنا  ، ولا يعرفون لنا حقا  ، فهكذا أصبحنا إذ لم تعلم كيف أصبحنا  ، قال : فظننت أنه أراد أن يسمع من في البيت (1).
وفي رواية السيّد ابن طاووس عليه الرحمة قال : خرج زين العابدين ( عليه السلام ) يوماً يمشي في أسواق دمشق فاستقبله المنهال بن عمرو  ، فقال له : كيف أمسيت يا ابن رسول الله ؟ قال : أمسينا كمثل بني إسرائيل في آل فرعون  ، يذبِّحون أبناءهم ويستحيون نساءهم  ، يا منهال  ، أمست العرب تفتخر على العجم بأن محمداً عربي  ، وأمست قريش تفتخر على سائر العرب بأن محمداً منها  ، وأمسينا معشر أهل بيته ونحن مغصوبون مقتولون مشرَّدون  ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون مما أمسينا فيه يا منهال  ، ولله درّ مهيار الديلمي عليه الرحمة حيث يقول :
يُعَظِّمُونَ له أعوادَ مِنْبَرِهِ وتحت أَرْجُلِهِم أولادَهُ وَضَعوا
بأيِّ حكم بنوه يَتْبَعُونكُمُ وَفَخْرُكم أنكم صَحْبٌ له تَبَعُ (2)

وروي عن الإمام محمد الباقر ( عليه السلام ) أنه قال : لا رعى الله ( حقَّ ) هذه الأمة  ، فإنها لم ترع حقَّ نبيها ( صلى الله عليه وآله ) في أهله  ، أما والله لو تركوا الحقَّ لأهله لما اختلف في الله تعالى اثنان  ، وأنشد ( عليه السلام ) يقول :
إنَّ اليهودَ لِحُبِّهم لنبيِّهم أَمِنُوا بَوَائِقَ حَادِثِ الأزمانِ
وذوو الصليبِ بحبِّهم لصليبِهِمْ يمشون زَهْواً في قُرَى نَجْرَانِ
والمؤمنون بحبِّ آلِ محمَّد يُرْمَون في الآفاقِ بالنيرانِ (3)


(1) الطبقات الكبرى  ، ابن سعد : 5/219  ، تاريخ مدينة دمشق  ، ابن عساكر : 41/396.
(2) اللهوف في قتلى الطفوف  ، ابن طاووس : 112.
(3) كتاب الإمام  ، الإسكندراني : 5/301  ، ينابيع المودة  ، القندوزي : 3/42.
ورواها أيضاً ابن عقيل في العتب الجميل  ، وروى البيت الثاني هكذا :
وذووا الصليبِ بحبِّ عيسى أصبحوا يمشون زهواً في رُبَى نَجْرَانِ
العتب الجميل  ، ابن عقيل : 137  ، ينابيع المودة : 3/249.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 287

وروي عن الإمام جعفر بن محمد الصادق ( عليهما السلام ) أنه قال : احفظوا فينا ما حفظ العبد الصالح في اليتيمين لأبيهما الصالح  ، وكان الجدَّ السابع  ، وقد ضيَّعت هذه الأمة حقَّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بقتل أولاده (1).
ويروى أنه وقف الإمام الصادق ( عليه السلام ) مستتراً في خفية  ، يشاهد المحامل التي حمل عليها عبدالله بن الحسن وأهله في القيود والحديد من المدينة إلى العراق  ، فلمَّا مرّوا به بكى  ، وقال ( عليه السلام ) : ما وفت الأنصار ولا أبناء الأنصار لرسول الله ( صلى الله عليه وآله )   ، بايعهم على أن يمعنوا محمداً وأبناءه وأهله وذرّيّته مما يمنعون منه أنفسهم وأبناءهم وأهلهم وذراريهم فلم يفوا  ، اللهم اشدد وطأتك على الأنصار (2).
وقال منصور النمري في ظلامة أهل البيت ( عليهم السلام ) :
آلُ النبيِّ وَمَنْ يُحِبُّهُمُ يتطامنون مَخَافَةَ القَتْلِ
أَمِنَ النَّصَارى واليهودُ وَهُمْ من أُمَّةِ التوحيدِ في أَزْلِ (3)

وقد أُنشد الرشيد هذين البيتين بعد موت منصور هذا  ، فقال الرشيد ـ بعد أن أرسل إليه من يقتله فوجده قد مات ـ : لقد هممت أن أنبش عظامه فأحرقها (4). وقال في طبقات الشعراء : إن الرشيد بعد سماعه لمدائح النمري في أهل البيت ( عليهم السلام ) أمر أبا عصمة الشيعي بأن يخرج من ساعته إلى الرقّة  ، ليسلَّ لسان منصور من قفاه  ، ويقطع يده ورجله  ، ثمَّ يضرب عنقه  ، ويحمل إليه رأسه  ، بعد أن يصلب بدنه  ، فخرج أبو عصمة لذلك  ، فلمَّا صار بباب الرقة استقبلته جنازة النمري  ، فرجع إلى الرشيد فأعلمه  ، فقال له الرشيد : ويلي عليك يا ابن الفاعلة  ، فألا إذا صادفته ميتاً

(1) مقتل الحسين ( عليه السلام )   ، الخوارزمي : 2/115 ح 47.
(2) شرح نهج البلاغة  ، ابن أبي الحديد : 6/44 ـ 45  ، عن مقاتل الطالبيين  ، الإصبهاني : 149.
(3) زهر الآداب وثمر الألباب  ، القيرواني : 2/6.
(4) زهر الآداب هامش المستطرف : 1/2  ، الشعر والشعراء : 547  ، طبقات الشعراء : 246.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 288

فأحرقته بالنار! (1).
وروى ابن أبي الحديد المعتزلي أيضاً قال : لما ولي خالد بن عبدالله القسري مكة ـ وكان إذا خطب بها لعن علياً والحسن والحسين ( عليهم السلام ) ـ فقال عبيدالله بن كثير السهمي وقد أخذ بأستار الكعبة :
لعن اللهُ من يسبُّ علياً وحسيناً من سوقة وإمامِ
أيُسَبُّ المطهَّرون جُدُوداً والكِرَامُ الآباءِ والأعمامِ
يَأمَنُ الطيرُ والحَمَامُ وَلاَ يأ مَنُ آلُ الرسولِ عندَ المَقَامِ
طِبْتَ بيتاً وطاب أهلُكَ أهلا أَهْلُ بيتِ النبيِّ والإسلام
رحمةُ اللهِ والسلامُ عليهم كلَّما قام قائمٌ بسلامِ (2)

وقال حين عابوه على محبَّته لأهل البيت ( عليهم السلام ) :
إِنَّ امرءاً أَمْسَتْ مَعَايبُهُ حبَّ النبيِّ لَغَيْرُ ذي ذَنْبِ
وبني أبي حسن وَوالِدِهم مَنْ طَابَ في الأَرحامِ والصُّلْبِ
أَيُعَدُّ ذنباً أنْ أحبَّهُمُ بل حُبُّهم كَفَّارَةُ الذنبِ (3)

وروى الآبي بإسناده عن عبدالرحمن بن المثنى  ، قال : خطب عبدالملك بن مروان  ، فلما بلغ إلى العِظة قام إليه رجل من آل صوحان فقال : مهلا مهلا  ، تأمرون فلا تأتمرون  ، وتنهون ولا تنتهون  ، وتعظون ولا تتعظون  ، أفنقتدي بسيرتكم في أنفسكم ؟ أم نطيع أمركم بألسنتكم ؟ فإن قلتم : اقتدوا بسيرتنا فأنَّى ؟ وكيف ؟ وما الحجّة ؟ وما النصير من الله باقتداء سيرة الظلمة الفسقة الجورة الخونة الذين اتخذوا مال الله دولا  ، وعبيده خولا ؟ وإن قلتم : اقبلوا نصيحتنا  ، وأطيعوا أمرنا  ، فكيف

(1) طبقات الشعراء : 244.
(2) شرح النهج  ، ابن أبي الحديد : 15/256  ، العتب الجميل  ، ابن عقيل : 147  ، كتاب الحيوان  ، الجاحظ : 3/194.
(3) البيان والتبيين  ، الجاحظ : 3/359.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 289

ينصح لغيره من يغشّ نفسه ؟ أم كيف تجب الطاعة لمن لم تثبت له عند الله عدالته ؟ وإن قلتم : خذوا الحكمة من حيث وجدتموها  ، واقبلوا العظة ممن سمعتموها  ، فعلام ولَّيناكم أمرنا  ، وحكَّمناكم في دمائنا وأموالنا ؟
أما علمتم أن فينا من هو أنطق منكم باللغات  ، وأفصح بالعظات  ، فتحلحلوا عنها أولا  ، فأطلقوا عقالها  ، وخلّوا سبيلها  ، يبتدر إليها (1) آل الرسول ( عليهم السلام ) ، الذين شرَّدتموهم في البلاد  ، وفرّقتموهم في كل واد  ، بل تثبت في أيديكم لانقضاء المدّة  ، وبلوغ المهلة  ، وعظم المحنة  ، إن لكل قائم قدراً لا يعدوه  ، ويوماً لا يخطوه  ، وكتاباً بعده يتلوه « لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا » (2) « وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَىَّ مُنقَلَب يَنقَلِبُونَ » (3) قال : ثم أجلس الرجل فطلب فلم يوجد (4).
وقال ابن الرومي عليه الرحمة في ظلامة أهل البيت ( عليهم السلام ) :
أَلاَ أيُّهذا الناسُ طال ضريرُكُمْ بآلِ رسولِ اللهِ فاخشوا أو ارتجوا
أكُلَّ أوان للنبيِّ محمَّد قتيلٌ زكيٌّ بالدماءِ مضرَّجُ

إلى أن قال :
بني المصطفى كم يأكُلُ الناسُ شِلْوَكم وبلواكُمُ عمَّا قليل تفرَّجُ
أما فيهِمُ راع لحقِّ نبيِّه ولا خائفٌ من ربِّه يتحرَّجُ (5)

وأنشد موسى بن داود السلمي لأبيه يرثي الحسين صاحب فخ ومن قتل

(1) في نهاية الإرب : ينتدب إليها.
(2) سورة الكهف  ، الآية : 49.
(3) سورة الشعراء  ، الآية : 227.
(4) نثر الدّر  ، الآبي : 5/203 ـ 204  ، نهاية الإرب النويري : 7/249  ، ورواها أيضاً الشيخ المفيد عليه الرحمة في كتابه الأمالي : 280.
(5) مقاتل الطالبيين  ، أبو الفرج الإصبهاني : 646.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 290

معه :
يا عينُ إبكي بدمع منكِ مُنْهَمِر فقد رأيتِ الذي لاقى بنو حَسَنِ
صَرْعَى بفخٍّ تجرُّ الريحُ فوقَهُمُ أذيالَها وغوادي الدُّلَّجِ المُزُنِ
حتى عَفَت أَعْظُمٌ لو كان شَاهَدَها محمَّدٌ ذبَّ عنها ثُمَّ لم تَهُنِ
ماذا يقولون والماضون قَبْلَهُمُ على العداوةِ والبغضاءِ والإِحَنِ
ماذا يقولون إنْ قال النبيُّ لهم ماذا صنعتم بنا في سَالِفِ الزمنِ
لا الناسُ من مُضَر حَامَوا ولا غَضِبوا ولا ربيعةُ والأحياءُ من يَمَنِ
يا ويحَهُمْ كيف لم يرعوا لهم حُرُماً وقد رعى الفيلُ حَقَّ البيتِ ذي الرُّكُنِ (1)

وكذلك أصبح محبُّ آل البيت ( عليهم السلام ) آنذاك لا يأمن على نفسه وولده من السلطان  ، ولا يسلم أيضاً من عذل أولئك الذين ساروا في ركاب الظلمة  ، فاضطرّ الكثير من محبّي أهل البيت ( عليهم السلام ) أن يخفي حبَّه وولاءه حتى لا يتعرَّض للأذى والجور  ، فمن عُرف يومئذ بولائه لأهل البيت ( عليهم السلام ) لا ينجيه إلاَّ التستُّر  ، أو التنكُّر  ، أو الهرب إلى حيث لا يتبعه الطلب  ، وإلاَّ سوف يتعرَّض للقتل أو الأذى  ، قال الكميت عليه الرحمة :
ألم تَرَني من حُبِّ آلِ محمَّد أروحُ وأغدو خائفاً أَتَرَقَّبُ
كأنيَ جَان مُحْدِثٌ وكأنني بهم أتّقي من خشيةِ العارِ أجربُ
على أيِّ جرم أم بأيَّةِ سيرة أُعَنَّفُ في تقريظِهِمْ وأُؤَنَّبُ (2)

وقال أبو القاسم الرسي بن إبراهيم بن طباطبا  ، إسماعيل الديباج  ، عندما هرب من المنصور إلى السند :
لَمْ يُرْوِهِ مَا أَرَاقَ البغيُ من دَمِنَا في كلِّ أرض فَلَمْ يَقْصُرْ من الطلبِ


(1) مقاتل الطالبيين  ، أبو الفرج الإصبهاني : 306 ـ 307.
(2) أدب الشيعة  ، الدكتور عبد الحسيب حميدة : 259.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 291

وليس يشفي غليلا في حَشَاه سوى أَنْ لاَ يُرَى فوقها ابنُ بنتِ نبي (1)

ويقول الطغرائي في جملة أبيات له :
ومتى تولَّى آلَ أحمدَ مُسْلِمٌ قتلوه أو وَصَمُوه بالإلحادِ (2)

المجلس الخامس ، من اليوم الثامن

زواج فاطمة من علي (عليهما السلام)

قال ابن شهر آشوب عليه الرحمة في المناقب : اشتهر في الصحاح بالأسانيد المعتبرة أن أبا بكر وعمر خطبا إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) فاطمة ( عليها السلام ) مرّة بعد أخرى فردَّهما ، وقال : إنّها صغيرة ، فأقبلا إلى علي ( عليه السلام ) وقالا : يا أبا الحسن ، لو أتيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فذكرت له فاطمة ( عليها السلام ) فأقبل علي ( عليه السلام ) حتى دخل على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فلما خطبها هشَّ وبشَّ النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) في وجهه ، وقال : مرحباً وأهلا ، فقيل لعلي ( عليه السلام ) : يكفيك من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إحداهما : أعطاك الأهل وأعطاك الرحب ، ثمَّ قال : يا علي ، ألك شيء أزوّجك منها ؟ فقال : لا يخفى عليك حالي ، إن لي فرساً وبغلا وسيفاً ودرعاً ، فقال ( صلى الله عليه وآله ) : بع الدرع ، ثمَّ قال : أبشر يا علي ، فإن الله قد زوَّجك بها في السماء قبل أن أزوِّجكها في الأرض ، ولقد أتاني ملك وقال : أبشر يا محمد باجتماع الشمل وطهارة النسل ، قلت : وما اسمك ؟ قال : نسطائيل ، من موكّلي قوائم العرش ، سألت الله هذه البشارة ، وجبرئيل على أثري.
وفي رواية أخرى قال ( صلى الله عليه وآله ) : بينما أنا جالس إذ هبط عليَّ ملك ـ إلى أن قال : فقال : أنا محمود بعثني الله أن أزوِّج النور من النور قلت : من بمن ؟ قال : فاطمة من

(1) النزاع والتخاصم ، المقريزي : 144.
(2) أدب الشيعة ، الدكتور عبدالحسيب حميدة : 259.

السابق السابق الفهرس التالي التالي