المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 265

الرحمن ( عليه السلام ) وعلي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، ويطلب آدم ( عليه السلام ) حوّاء فيراها مع أمك خديجة أمامك.
ثم ينصب لك منبر من النور ، فيه سبع مراقي ، بين المرقاة إلى المرقاة صفوف الملائكة ، بأيديهم ألوية النور ، ويصطفّ الحور العين عن يمين المنبر وعن يساره ، وأقرب النساء معك عن يسارك حواء وآسية ، فإذا صرت في أعلى المنبر أتاك جبرئيل ( عليه السلام ) فيقول لك : يا فاطمة ، سلي حاجتك ، فتقولين : يا ربّ ، أرني الحسن والحسين ، فيأتيانك وأوداج الحسين تشخب دماً ، وهو يقول : يا ربّ ، خذ لي اليوم حقّي ممن ظلمني ، فيغضب عند ذلك الجليل ، ويغضب لغضبه جهنم والملائكة أجمعون ، فتزفر جهنم عند ذلك زفرة ، ثم يخرج فوج من النار ويلتقط قتلة الحسين وأبناءهم وأبناء أبنائهم ، ويقولون : يا ربّ ، إنا لم نحضر الحسين ، فيقول الله لزبانية جهنم : خذوهم بسيماهم بزرقة الأعين وسواد الوجوه ، خذوا بنواصيهم فألقوهم في الدرك الأسفل من النار ، فإنهم كانوا أشدَّ على أولياء الحسين من آبائهم الذين حاربوا الحسين فقتلوه.
ثم يقول جبرئيل ( عليه السلام ) : يا فاطمة ، سلي حاجتك ، فتقولين : يا ربّ شيعتي ، فيقول الله عزَّ وجلَّ : قد غفرت لهم ، فتقولين : يا ربّ شيعة ولدي ، فيقول الله : قد غفرت لهم ، فتقولين : يا رب شيعة شيعتي ، فيقول الله : انطلقي فمن اعتصم بك فهو معك في الجنة ، فعند ذلك يودّ الخلائق أنهم كانوا فاطميين ، فتسيرين ومعك شيعتك ، وشيعة ولدك ، وشيعة أمير المؤمنين ، آمنة روعاتهم ، مستورة عوراتهم ، قد ذهبت عنهم الشدائد ، وسهلت لهم الموارد ، يخاف الناس وهم لا يخافون ، ويظمأ الناس وهم لا يظمأون (1).
ولله درّ الحجّة الشيخ فرج العمران عليه الرحمة إذ يقول :

(1) بحار الأنوار ، المجلسي : 43/225.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 266

قالوا ادَّخَرْتَ لدارِك الأخرى زا داً فقلتُ دَخَرْتُ لي ذُخْراً
قَالُوا فَهَلْ يَكْفِيكَ قلتُ بلى واللهِ بَلْ يكفي الوَرَى طرّا
قالوا فَمَاذَا الزَّادُ قلتُ لهم إنّي اذَّخَرْتُ محبَّةَ الزهرا (1)

المجلس الأول ، من اليوم الثامن

القاسم ( عليه السلام ) ونصرته للحسين ( عليه السلام ) ومصرعه

جاء في الزيارة الناحية الشريفة مخاطبا لسيد الشهداء ( عليه السلام ) : ثمَّ اقتضاك العلمُ للإنكارِ ، ولَزِمَك أن تجاهدَ الفجَّار ، فَسِرتَ في أولادِك وأهاليك ، وشيعتِك وَمَواليك ، وصَدَعْتَ بالحقِّ والبيّنةِ ، ودعوتَ إلى الله بِالحكمةِ والموعظةِ الحسنةِ ، وأمرتَ بإقامةِ الحدودِ ، والطاعةِ للمعبودِ ، ونهيتَ عن الخبائثِ والطُّغيَانِ ، وواجهوك بالظُّلْمِ والعُدوان ، فجاهدتَهُم بَعدَ الإيعاظِ لهم ، وتأكيدِ الحُجَّةِ عليهم ، فنكثوا ذِمَامَك وبيعتَكَ ، وأسخطوا ربَّك وجدَّك ، وبدؤوك بالحرب ، فثبتَّ للطَّعنِ والضربِ ، وطحنتَ جُنُودَ الفُجَّارِ ، واقتحمت قَسْطَلَ الغُبَارِ ، مجالداً بذي الفَقَارِ ، كأنَّك عليُّ المختار.
فلما رأوك ثابتَ الجَأشِ ، غيرَِ خائف ولا خَاش ، نصبوا لك غَوائِلَ مَكْرِهم ، وقاتلوك بكيدِهم وشرِّهم ، وأمر اللعينُ جُنودَه ، فمنعوك الماءَ وَورودَهُ ، وناجزوك القِتالَ ، وعاجلوك النِّزَالَ ، ورشقوك بالسِّهامِ والنِّبالِ ، وبسطوا إليك أَكُفَّ الاصطلام ، ولم يرعوا لك ذِمَاماً ، ولا راقبوا فيك آثاماً ، في قَتلِهم أولياءَكَ ، وَنَهبِهِم رحَالَكَ ، أنت مُقدِمٌ في الهَبواتِ ، ومُحتمِلٌ للأذيَّاتِ ، وقد عَجِبَتْ من صَبرِك ملائكةُ السماواتِ ، وأحدقوا بك من كلِّ الجهاتِ ، وأثخنوك بالجراحِ ، وحالوا بينك وبين

(1) الروض الأنيق ، الشيخ فرج العمران : 35 ـ 36.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 267

الرَّوَاحِ ، ولم يبق لك ناصرٌ ، وأنت محتسِبٌ صابرٌ ، تذبُّ عن نِسْوتِكَ وأولادِكَ (1).
روى أبو حمزة الثمالي ، قال : سمعت علي بن الحسين زين العابدين ( عليه السلام ) يقول : لما كان اليوم الذي استشهد فيه أبي ( عليه السلام ) جمع أهله وأصحابه في ليلة ذلك اليوم ، فقال لهم : يا أهلي وشيعتي ، اتخذوا هذا الليل جملا لكم ، فانهجوا بأنفسكم ، فليس المطلوب غيري ، ولو قتلوني ما فكّروا فيكم ، فانجوا رحمكم الله ، فأنتم في حلّ وسعة من بيعتي وعهدي الذي عاهدتموني.
فقال إخوته وأهله وأنصاره بلسان واحد : والله يا سيّدنا يا أبا عبدالله ، لاخذلناك أبداً ، والله لا قال الناس : تركوا إمامهم وكبيرهم وسيِّدهم وحده حتى قُتل ، ونبلوا بيننا وبين الله عذراً ، ولا نخلّيك أو نُقتل دونك ، فقال لهم ( عليه السلام ) : يا قوم ، إني في غد أُقتل وتُقتلون كلكم معي ، ولا يبقى منكم واحد. فقالوا : الحمد لله الذي أكرمنا بنصرك ، وشرَّفنا بالقتل معك ، أو لا نرضى أن نكون معك في درجتك يابن رسول الله ؟ فقال : جزاكم الله خيراً ، ودعا لهم بخير ، فأصبح وقُتل وقُتلوا معه أجمعون.
فقال له القاسم بن الحسن ( عليه السلام ) : وأنا فيمن يقتل ؟ فأشفق عليه ، فقال له : يا بنيّ ، كيف الموت عندك ؟ قال : يا عمّ أحلى من العسل ، فقال : إي والله فداك عمُّك ، إنك لأحد من يُقتل من الرجال معي ، بعد أن تبلو ببلاء عظيم ، وابني عبدالله.
فقال : يا عم ، ويصلون إلى النساء حتى يُقتل عبدالله وهو رضيع ؟ فقال : فداك عمّك ، يُقتل عبدالله إذا جفَّت روحي عطشاً ، وصرت إلى خيمنا فطلبت ماء ولبناً فلا أجد قط ، فأقول : ناولوني ابني لأشرب من فيه ، فيأتوني به ، فيضعونه على يدي ، فأحمله لأدنيه من فيَّ ، فيرميه فاسق ـ لعنه الله ـ بسهم فينحره ، وهو يناغي ، فيفيض دمه في كفي ، فأرفعه إلى السماء ، وأقول : اللهم صبراً واحتساباً

(1) المزار ، المشهدي : 503 ـ 504.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 268

فيك ، فتعجلني الأسنة منهم ، والنار تستعر في الخندق الذي فيه ظهر الخيم ، فأكرُّ عليهم في أمرّ أوقات في الدنيا ، فيكون ما يريد الله ، فبكى وبكينا ، وارتفع البكاء والصراخ من ذراري رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في الخيم ، ويسأل زهير بن القين ، وحبيب بن مظاهر عنّي ، فيقولون : يا سيّدنا ، فسيِّدنا عليٌّ ( عليه السلام ) ـ فيشيرون إليَّ ـ ماذا يكون من حاله ؟ فأقول مستعبراً : ما كان الله ليقطع نسلي من الدنيا ، فكيف يصلون إليه وهو أب ثمانية أئمة ( عليهم السلام ) (1).
ويقول الحاج أحمد العوى رحمه الله تعالى في شبل الإمام الحسن ( عليه السلام ) :
يا للشبابِ ذَوَتْ منه نَضَارَتُهُ وغاض مَاءُ الصِّبَا من وَجْهِهِ النَّضِرِ
وَشُعْلَةٌ من لهيبِ الحقِّ قد طُفِئَتْ بِعَرْصَةِ الطفِّ بين البيضِ والسُّمُرِ
له من الحسن الزاكي شَمَائِلُهُ فإنَّه ابنُ عليٍّ خيرةِ الخِيَرِ
أصابه الغَادِرُ الأَزْدِي بِضَرْبَتِهِ فَخَرَّ منعفراً أَفديه من قَمَرِ
للهِ قَلْبُ حُسَيْن حين عَايَنَهُ يجودُ بالنفسِ في حَرِّ الثرى الوَعِرِ (2)

روى الشيخ الطريحي عليه الرحمة في المنتخب ، قال : روي أنه لما آل أمر الحسين ( عليه السلام ) إلى القتال بكربلاء ، وقتل جميع أصحابه ، ووقعت النوبة على أولاد أخيه الحسن ( عليه السلام ) ، جاء القاسم بن الحسن ( عليهما السلام ) وقال : يا عمّ ، الإجازة لأمضي إلى هؤلاء الكفار ، فقال له الحسين ( عليه السلام ) : يابن أخي ، أنت من أخي علامة ، وأريد أن تبقى لي لأتسلَّى بك ، ولم يعطه إجازة للبراز ، فجلس مهموماً مغموماً ، باكي العين ، حزين القلب ، وأجاز الحسين ( عليه السلام ) إخوته للبراز ولم يجزه ، فجلس القاسم متألماً ، ووضع رأسه على رجليه ، وذكر أن أباه قد ربط له عوذة في كتفه الأيمن ، وقال له : إذا أصابك ألم وهمّ فعليك بحلّ العوذة وقراءتها ، فافهم معناها واعمل بكلِّ ما تراه

(1) مدينة المعاجز ، السيد هاشم البحراني : 4/215 ـ 216 ح 295.
(2) محرِّك الأشجان ، الحاج أحمد العوى : 55.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 269

مكتوباً فيها ، فقال القاسم لنفسه : مضى سنون عليَّ ولم يصبني مثل هذا الألم ، فحلَّ العوذة وفضَّها ونظر إلى كتابتها ، وإذا فيها : يا ولدي يا قاسم ، أوصيك أنك إذا رأيت عمَّك الحسين ( عليه السلام ) في كربلاء وقد أحاطت به الأعداء فلا تترك البراز والجهاد لأعداء الله وأعداء رسوله ، ولا تبخل عليه بروحك ، وكلَّما نهاك عن البراز عاوده ليأذن لك في البراز ، لتحظى في السعادة الأبدية.
فقام القاسم من ساعته وأتى إلى الحسين ( عليه السلام ) ، وعرض ما كتب أبوه الحسن ( عليه السلام ) على عمّه الحسين ( عليه السلام ) ، فلمَّا قرأ الحسين ( عليه السلام ) العوذة بكى بكاء شديداً وتنفَّس الصعداء ، وقال : يا ابن الأخ ، هذه الوصيّة لك من أبيك ، وعندي وصيّة أخرى منه لك ، ولابد من إنفاذها.
فمسك الحسين ( عليه السلام ) على يد القاسم وأدخله الخيمة ، وقال لأم القاسم ( عليه السلام ) : أليس للقاسم ثياب جدد ؟ قالت : لا ، فقال لأخته زينب ، ائتيني بالصندوق ، فأتت به إليه ، ووضع بين يديه ، ففتحه وأخرج منه قباء الحسن ( عليه السلام ) وألبسه القاسم ، ولفَّ على رأسه عمامة الحسن ( عليه السلام ).
إلى أن قال : فلمّا رأى الحسين ( عليه السلام ) أن القاسم يريد البراز قال له : يا ولدي ، أتمشي برجلك إلى الموت ؟ قال : وكيف يا عمّ وأنت بين الأعداء وحيد فريد لم تجد محامياً ولا صديقاً ؟ روحي لروحك الفداء ، ونفسي لنفسك الوقاء.
ثم إن الحسين ( عليه السلام ) شقَّ أزياق القاسم ، وقطع عمامته نصفين ، ثمَّ أدلاها على وجهه ، ثمَّ ألبسه ثيابه بصورة الكفن ، وشدَّ سيفه بوسط القاسم ، وأرسله إلى المعركة (1) وفي ذلك يقول الحجّة الشيخ علي الجشي عليه الرحمة :
أبُنَيَّ قَاسِمُ أنت صُبْحُ مَسَرَّتي ومزيلُ همّي إنْ عَرَاني فَادِحُ
قد كنتُ أرجو أن تكونَ عَلاَمةً لي من أخي فَعَلاَمَ عنّي نَازَحُ


(1) المنتخب للطريحي : 365 ـ 366 ، مدينة المعاجز ، السيد هاشم البحراني : 3/366 ح 93.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 270

جَدَّدْتَ فَقْدَ أخي فَنَارُ فِرَاقِهِ في القَلْبِ كامنةٌ وفَقْدُك قَادِحُ
قد كنتُ أرجو أَنْ تَزُفَّكَ هاشمٌ في مَوْكِب منه يُسَاءُ الكاشحُ
واليومَ بينَ الكاشحين مُزَمَّلا بِدَم أَزُفُّكَ والنساءُ نَوَائِحُ (1)

قال أبو الفرج ومحمد بن أبي طالب وغيرهما : ثم خرج القاسم بن الحسن ( عليه السلام ) ، وهو غلام صغير لم يبلغ الحلم ، فلمّا نظر الحسين ( عليه السلام ) إليه قد برز اعتنقه وجعلا يبكيان حتى غُشي عليهما ، ثم استأذن الحسين ( عليه السلام ) في المبارزة فأبى الحسين أن يأذن له ، فلم يزل الغلام يقبِّل يديه ورجليه حتى أذن له ، فخرج ودموعه تسيل على خديه وهو يقول :
إِنْ تنكروني فأَنَا ابنُ الحَسَنْ سِبْطِ النبيِّ المصطفى والمُؤتَمَنْ
هذا حسينٌ كالأسيرِ المُرْتَهَنْ بين أُنَاس لا سقوا صَوْبَ المُزُنْ

وكان وجهه كفلقة القمر ، فقاتل قتالا شديداً حتى قتل على صغره خمسة وثلاثين رجلا.
قال حميد : كنت في عسكر ابن سعد ، فكنت أنظر إلى هذا الغلام عليه قميص وإزار ونعلان قد انقطع شسع أحدهما ، ما أنسى أنها كانت اليسرى ، فقال عمرو بن سعد الأزدي : والله لأشدّن عليه ، فقلت : سبحان الله! وما تريد بذلك ؟ والله لو ضربني ما بسطت إليه يدي ، يكفيه هؤلاء الذين تراهم قد احتوشوه ، قال : والله لأفعلنَّ ، فشدَّ عليه فما ولَّى حتى ضرب رأسه بالسيف ، ووقع الغلام لوجهه ، ونادى : يا عماه.
قال : فجاء الحسين ( عليه السلام ) كالصقر المنقضّ ، فتخلَّل الصفوف ، وشدَّ شدّة الليث الحرب ، فضرب عمراً قاتله بالسيف ، فاتّقاه بيده فأطنّها من المرفق ، فصاح ثم تنحَّى عنه ، وحملت خيل أهل الكوفة ليستنقذوا عمراً من الحسين ( عليه السلام ) ،

(1) الشواهد المنبرية ، الشيخ علي الجشي : 59.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 271

(1) فاستقبلته بصدورها  ، وجرحته بحوافرها  ، ووطأته حتى مات.
فانجلت الغبرة فإذا بالحسين ( عليه السلام ) قائم على رأس الغلام  ، وهو يفحص برجله  ، فقال الحسين ( عليه السلام ) : يعزّ والله على عمك أن تدعوه فلا يجيبك  ، أو يجيبك فلا يعينك  ، أو يعينك فلا يغني عنك  ، بعداً لقوم قتلوك  ، ثمَّ احتمله  ، فكأني أنظر إلى رجلي الغلام يخطّان في الأرض  ، وقد وضع صدره على صدره  ، فقلت في نفسي : ما يصنع ؟ فجاء حتى ألقاه بين القتلى من أهل بيته.
ثم قال : اللهم أحصهم عدداً  ، واقتلهم بدداً  ، ولا تغادر منهم أحداً  ، ولا تغفر لهم أبداً  ، صبراً يا بني عمومتي  ، صبراً يا أهل بيتي  ، ولا رأيتم هواناً بعد هذا اليوم أبداً (1).
وفي رواية عن حميد بن مسلم أيضاً قال : قال الحسين ( عليه السلام ) : بعداً لقوم قتلوك  ، خصمهم فيك يوم القيامة رسول الله ( صلى الله عليه وآله )   ، ثمَّ قال : عزَّ على عمك أن تدعوه فلا يجيبك  ، أو يجيبك ثم لا تنفعك إجابته  ، يوم كثر واتره  ، وقلَّ ناصره  ، ثمَّ احتمله على صدره  ، وكأني أنظر إلى رجلي الغلام تخطّان في الأرض حتى ألقاه مع ابنه علي ابن الحسين ( عليه السلام )   ، فسألت عن الغلام فقالوا : هو القاسم بن الحسن بن علي بن أبي طالب صلوات الله عليهم أجمعين (2).
وروي عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) أنه قال : كان الحسين بن علي ( عليهما السلام ) يضع قتلاه بعضهم على بعض  ، ثم يقول : قتلانا قتلى النبيين وآل النبيين (3).
ولله درّ الشيخ عبد الكريم الفرج رحمه الله تعالى إذ يقول :
واللهِ لا أنسى الحسينَ مُيَمِّماً أَرْضَ العراقِ تحفُّه أطهارُها


(1) بحار الأنوار  ، المجلسي : 45/34 ـ 36.
(2) مقاتل الطالبيين  ، أبو الفرج الإصفهاني : 58.
(3) الغيبة  ، النعماني : 211  ، بحار الأنوار  ، المجلسي : 80/45 ح 5.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 272

أقمارُ تَمٍّ من ذُؤَابةِ هَاشِم سُبَّاقُ فَضْل للعلى مِضْمَارُها
كالبدرِ قد حَاطَتْهُ هَالَةُ أَنْجُم والشمسِ قَدْ حَفَّت بها أقمارُها
هي كالأسودِ بل الأُسُودُ تَهَابُها تخشى الأسودُ فأين منه نجارُها
أفعالُها طَابَتْ فطاب أريجُها وتعطَّرَتْ من عِطْرِه أقطارُها
وَقَفُوا بيومِ الطفِّ أَكْرَمَ موقف فيه عُيُونُ المجدِ قرَّ قرارُها
قد أوضحوا طُرُقَ الشريعةِ فاغتدى متجلِّياً للسالكين مَنَارُها
خَطُّوا لأهلِ الحقِّ منهاجَ الإِبَا وبُني بفعلِهِمُ لهم أسوارُها
هَدَمُوا حُصُونَ البغي قسراً عندما نهضوا فأمسى مُرْغَماً جَبَّارُها
قد ذكَّروا أعداءَهم بدراً وما فَتَكَتْ بِأُوْلاَهُمْ هُنَاكَ شِفَارُها
سَدُّوا رِحَابَ الطفِّ من أشلائِهِمْ والخيلُ صار على الجُسُومِ مَغَارُها
لم يَبْرَحُوا الهيجاءَ حتى صُرِّعوا فوقَ الرغامِ ووِسَادُهُمْ أحجارُها
نفسي الفِدَاءُ لسبطِ أحمدَ مُفْرَداً دارت عليه لدى الوغى فُجَّارُها
أفديه فرداً لم يَجِدْ عوناً وقد سُدَّتْ عليه من العداةِ قِفَارُها (1)

المجلس الثاني ، من اليوم الثامن

الشهداء من أبناء الإمام الحسن الزكي (عليه السلام)

تحوطه من بني عدنان أغلمةٌ بيض الوجوه كِرامٌ سادة رؤسا
وكل ذي طلعة غراء مشرقة من نور طلعته بدر السما اقتبسا
يلقى السيوف بوجه شان طلعته وقع السيوف ونحر بالقنا غرسا (2)


(1) شعراء القطيف  ، الشيخ علي المرهون : 256 ـ 257.
(2) المجالس السنية  ، السيد محسن الأمين : 1/110.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 273

قال الشيخ المفيد عليه الرحمة في الإرشاد في عدد أولاد الإمام الحسن المجتبى ( عليه السلام ) أنّهم : خمسة عشر ذكراً وأنثى : زيد بن الحسن  ، وأختاه أم الحسن وأم الحسين  ، أمهم أم بشير بنت أبي مسعود بن عقبة بن عمرو بن ثعلبة الخزرجيّة  ، والحسن بن الحسن  ، أمّه خولة بنت منظور الفزارية  ، وعمرو بن الحسن وأخواه القاسم وعبدالله ابنا الحسن  ، أمهم أم ولد  ، وعبدالرحمن بن الحسن  ، أمُّه أم ولد  ، والحسين بن الحسن الملقَّب بالأثرم  ، وأخوة طلحة بن الحسن  ، وأختهما فاطمة بنت الحسن  ، أمهم أم إسحاق بنت طلحة بن عبيدالله التيمي  ، وأم عبدالله  ، وفاطمة الصغرى  ، وأم سلمة  ، ورقية بنات الحسن  ، لأمهات شتى (1).
فأما عبد الرحمن فإنه خرج مع عمّه الحسين ( عليه السلام ) إلى الحجّ  ، وتوفيِّ بالأبواء وهو محرم  ، وأما الحسين بن الحسن المعروف بالأثرم كان له فضل وعبادة  ، ولا بقية له  ، وطلحة بن الحسن كان جواداً كثير العطاء والصدقات  ، وأما عمرو بن الحسن فكان مع الحسين بكربلاء واستشهد.
وأمّا الحسن بن الحسن ( عليه السلام ) فإنه كان مع عمّه الحسين ( عليه السلام ) بكربلاء  ، فجاهد معه جهاد الأسد الباسل  ، وبالغ معه على احتمال الخطب النازل  ، حتى أُثخن بالجراح  ، وبقي ملقىً لم يكن به حراك  ، إلى أن قُتل عمُّه الحسين  ، وأتى أعداء الله للتجهيز على الجرحى  ، فوجدوا الحسن بن الحسن ملقىً بين القتلى وبه نفس  ، فأرادوا أن يجهزوا عليه  ، فعرفه أسماء بن خارجة وكان بينه وبين خولة قرابة  ، فمنعهم عنه  ، وقال : والله لا أدعكم تُجهزون على ابن خولة أبداً.
وكانت أم الحسن بن الحسن ( عليه السلام ) خولة الفزارية  ، أمّها مليكة أخت أسماء بن خارجة  ، فقال عمر بن سعد : اتركوه لأبي حسّان ابن أخته  ، فترك  ، فأخذه أسماء بن خارجة وحمله إلى منزله  ، فبقي يعالج جراحاته حتى برىء ورجع إلى المدينة.

(1) الإرشاد  ، المفيد : 2/20  ، بحار الأنوار  ، المجلسي : 44/163.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 274

وكان الحسن بن الحسن ( عليه السلام ) جليلا  ، فاضلا  ، ورعاً  ، عالماً  ، وكان يلي صدقات رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بإجازة علي بن الحسين زين العابدين ( عليه السلام ) وله مع الحجّاج خبر رواه الزبير بن بكار  ، قال : وكان الحسن بن الحسن والياً على صدقات رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في عصره.
وروي أن الحسن بن الحسن خطب إلى عمّه الحسين ( عليه السلام ) إحدى ابنتيه  ، فقال له الحسين ( عليه السلام ) : اختر أيهما شئت  ، فاستحى الحسن ولم يردَّ جواباً  ، فقال له الحسين : يا بنيّ  ، إني اخترت لك ابنتي فاطمة  ، فهي أكثر شبهاً بأمي فاطمة بنت محمد  ، فزوَّجه بها  ، وقبض الحسن بن الحسن وله خمس وثلاثون سنة  ، ولما مات رحمه الله ضربت فاطمة بنت الحسين ( عليه السلام ) فسطاطاً تقرأ عنده القرآن  ، وكانت تصوم النهار وتقوم الليل.
وأما زيد بن الحسن  ، فإنه كان مع عمه الحسين بكربلاء  ، وكان صغيراً لم يراهق ولم يقاتل  ، وأخذ أسيراً مع الأسارى  ، وسير به مع علي بن الحسين ( عليهما السلام ) وباقي الحرم والأطفال إلى الشام  ، وأدخلوا على يزيد في أسوأ حال ومقام.
روي أنه كان ذات يوم جالساً بين يدي يزيد بن معاوية  ، وكان ولده خالد جالساً معه  ، فقال يزيد لزيد بن الحسن ( عليه السلام ) : أتصارع ابني خالداً ؟ فقال : لا  ، ولكن أعطه سكيناً وأعطني سكيناً وأقاتله  ، فقال يزيد بن معاوية : شنشنة أعرفها من أخزم  ، هل تلد الحيّة إلاَّ حية ؟ يريد أن يقتل ابني بمحضري.
ثم إن زيد رجع إلى المدينة مع علي بن الحسين وحرم الحسين وأقام بها  ، وكان زيد جليل القدر  ، كريم الطبع  ، ظريف النفس  ، كثير البرّ  ، وكان يتولَّى صدقات رسول الله ( صلى الله عليه وآله )   ، ومدحه الشعراء  ، وقصده الناس من الآفاق لطلب فضله  ، وأسنّ زيد حتى بلغ تسعين سنة (1)

(1) وفيات الأئمة ( عليهم السلام )  ، مجموعة من علماء البحرين والقطيف : 131 ـ 132.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 275

وعبدالله بن الحسن كان مع عمّه الحسين ( عليه السلام )   ، وكان صغيراً لم يراهق  ، ابن إحدى عشرة سنة  ، فلمَّا فني أنصار الحسين ( عليه السلام ) وعزم على لقاء الأعداء بنفسه أتى مودِّعاً لنسائه  ، فسمع عبدالله وداع عمّه الحسين ( عليه السلام ) والوصيَّة به  ، فلمَّا خرج الحسين من الخيمة لحقه عبدالله فصاح الحسين بالنساء  ، أمسكنه  ، فخرجن النساء ليرددنه.
فقال : اتركوني  ، فوالله لا فارق عمّي أو أموت دونه  ، فانفلت من أيدي النساء ولحق عمَّه  ، فرأى عبدُ الله مرَّةَ بن فضيل الأزدي وهو هاو إلى الحسين ( عليه السلام ) بسيفه  ، فنادى : يا ابن الزانية  ، أتقتل عمّي ؟ فالتفت إليه مرة وضربه بسيفه  ، فاتّقاها الغلام بيده فأطنَّها إلى الساعد  ، فصاح عبدالله : يا عمَّاه أدركني  ، فحلَّ عليه الحسين كما يحلّ الصقر على فريسته  ، فأتاه وقتل مرة  ، ثم وقف ( عليه السلام ) على الغلام وهو يفحص برجليه  ، فقال : عزيز على عمك أن تدعوه فلا يجيبك  ، أو يجيبك فلا ينفعك  ، صوت كثر والله واتره وقلَّ ناصره  ، ولكن هوَّن عليَّ ما نزل بي أنه بعين الله (1).
وفي رواية الشيخ المفيد والسيد ابن طاووس عليهما الرحمة قالا : فخرج عبدالله بن الحسن بن علي ( عليهم السلام ) ـ وهو غلام لم يراهق ـ من عند النساء يشتدّ  ، حتى وقف إلى جنب الحسين ( عليه السلام )   ، فلحقته زينب بنت علي ( عليه السلام ) لتحبسه  ، فقال الحسين ( عليه السلام ) : احبسيه يا أختي  ، فأبى وامتنع امتناعاً شديداً  ، وقال : لا والله لا أفارق عمي  ، وأهوى أبجر بن كعب ـ وقيل : حرملة بن كاهل ـ إلى الحسين ( عليه السلام ) بالسيف  ، فقال له الغلام : ويلك يا ابن الخبيثة  ، أتقتل عمي ؟ فضربه بالسيف  ، فاتّقاه الغلام بيده فأطنَّها إلى الجلد فإذا هي معلَّقة  ، فنادى الغلام : يا أُمَّاه  ، فأخذه الحسين ( عليه السلام ) فضمَّه إليه وقال : يابن أخي  ، اصبر على ما نزل بك  ، واحتسب في ذلك

(1) وفيات الأئمة ( عليهم السلام ) ، مجموعة من علماء البحرين والقطيف : 127.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 276

الخير  ، فإن الله يلحقك بآبائك الصالحين  ، قال السيد ابن طاووس عليه الرحمة : فرماه حرملة بن كاهل بسهم فذبحه وهو في حجر عمه الحسين ( عليه السلام ) (1).
أقول : يعزّ على سيد شباب أهل الجنة ( عليه السلام ) أن يرى أهل بيته وهؤلاء الفتية من أولاد أخيه الإمام الحسن ( عليه السلام ) صرعى مخضَّبين بدمائهم  ، وهم لم يبلغوا الحلم ولله درّ الشيخ صالح الكواز الحلي عليه الرحمة إذ يقول :
تلك الوُجُوهُ المُشْرِقاتُ كأنها الـ أقمارُ تَسْبَحُ في غديرِ دماءِ
رَقَدُوا وما مرَّتْ بهم سِنَةُ الكَرَى وَغَفَتْ جُفُونُهُمُ بلا إغفاءِ
متوسِّدين من الصعيدِ صُخُورَه متمهِّدين حَرَارَةَ الرَّمْضَاءِ
مُدّثِّرينَ بكربلا سَلْبَ القَنَا مُزَّمِّلينَ على الرُّبَى بدِمَاءِ
خَضَبوا وَمَا شابوا وكان خِضَابُهُمْ بدم من الأوداجِ لا الحنَّاءِ
أطفالُهُمْ بَلَغوا الحُلُومَ بِقُرْبِهِمْ شوقاً إلى الهيجاءِ لا الحَسَناءِ
وَمُغَسَّلين وَلاَ مِيَاهَ لهم سوى عَبَراتِ ثكلى حَرَّةِ الأحشاءِ (2)

المجلس الثالث ، من اليوم الثامن

وفاة القاسم ابن الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام)

جاء في كتاب شجرة طوبى : روي في بعض الكتب أنه لما اشتدَّ غضب الرشيد على العلويين جعل يقطع الأيدي من أولاد فاطمة ( عليها السلام )   ، ويسمل الأعين  ، وبنى عليهم الاسطوانات حتى شرَّدهم في البلدان  ، ومن جملتهم القاسم ابن الإمام موسى بن جعفر  ، وقد أخذ جانب الشرق لعلمه أن هناك ـ قبر ـ جدّه أمير المؤمنين ( عليه السلام )  ، وجعل

(1) بحار الأنوار  ، المجلسي : 45/53.
(2) رياض المدح والرثاء : 161 ـ 162.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 277

يتمشَّى على شاطىء الفرات وإذا هو ببنتين تلعبان في التراب  ، إحداهما تقول للأخرى : لا وحقّ الأمير  ، صاحب بيعة يوم الغدير  ، ما كان الأمر كذا وكذا  ، وتعتذر من الأخرى  ، فلمَّا رأى عذوبة منطقها قال لها : من تعنين بهذا الكلام ؟ قالت : أعني الضارب بالسيفين  ، والطاعن بالرمحين  ، أبا الحسن والحسين  ، علي بن أبي طالب ( عليه السلام )   ، قال لها : يا بنيَّة  ، هل لك أن ترشديني إلى رئيس هذا الحيِّ ؟ قالت : نعم  ، إن أبي كبيرهم  ، فمشت ومشى القاسم خلفها حتى أتت إلى بيتهم  ، فبقي القاسم ثلاثة أيام بعزّ واحترام  ، فلمّا كان اليوم الرابع دنا القاسم من الشيخ وقال له : يا شيخ  ، أنا سمعت ممن سمع من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أن الضيف له ثلاثة وما زاد على ذلك فما يأكل به صدقة  ، وإني أكره أن آكل الصدقة  ، وإني أريد أن تختار لي عملا اشتغل به لئلا يكون ما آكله صدقة.
فقال الشيخ : اختر لك عملا  ، فقال له القاسم : اجعلني أسقي الماء في مجلسك  ، فبقي القاسم على هذا إلى أن كانت ذات ليلة وخرج الشيخ في نصف الليل في قضاء حاجة له  ، فرأى القاسم صافّاً قدميه وهو قائم وقاعد وراكع وساجد  ، فعظُم في نفسه  ، وجعل الله محبَّة القاسم في قلب الشيخ  ، فلمّا أصبح الصباح جمع عشيرته وقال لهم : أريد أن أزوِّج ابنتي من هذا العبد الصالح  ، فما تقولون ؟ قالوا : نعم ما رأيت  ، فزوَّجه من ابنته  ، فبقي القاسم عندهم مدّة من الزمان حتى رزقه الله منها ابنة  ، وصار لها من العمر ثلاث سنين  ، ومرض القاسم مرضاً شديداً حتى دنا أجله  ، وتصرَّمت أيامه  ، فجلس الشيخ عند رأسه يسأله عن نسبه  ، وقال : ولدي  ، لعلّك هاشمي ؟ قال له : نعم  ، أنا ابن الإمام موسى بن جعفر ( عليه السلام ) فجعل الشيخ يلطم على رأسه وهو يقول : واحيائي من أبيك موسى بن جعفر ( عليه السلام )   ، قال له : لا بأس عليك يا عم  ، إنك أكرمتني  ، وإنك معنا في الجنة  ، يا عم فإذا أنا متُّ فغسِّلني وحنِّطني وكفِّني وادفني  ، وإذا صار وقت الموسم حُجَّ أنت وابنتك وابنتي هذه  ، فإذا

المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 278

فرغت من مناسك الحج فاجعل طريقك على المدينة  ، فإذا أتيت المدينة فأنزل ابنتي على بابها فستدرج وتمشي  ، فامش أنت وزوجتي خلفها حتى تقف على باب دار عالية  ، فتلك الدار دارنا  ، فتدخل البيت وليس فيها إلاّ نساء وكلّهن أرامل.
ثمَّ قضى ( عليه السلام ) نحبه فغسَّله وحنَّطه وكفَّنه ودفنه  ، ولله درّ الحجة الشيخ علي الجشي عليه الرحمة إذ يقول :
وَقَضَى غريباً نازحاً عن دَارِهِ نفسي فِدَا النَّائي الغريبِ القَاسِمِ
يا ميِّتاً من هاشم مَا سَارَ مِنْ خَلْفِ السريرِ له يشيِّعُ هَاشِمي
يا ثاوياً في أَرْضِ بَاخمرا سَقَى تلك المَرَابِعَ فيك صَوْبُ غَمَائِمِ
ويتيمةُ النائي المشرَّدِ يَثْرِباً قَدِمَتْ ولكنْ لا ببهجةِ قَادِمِ
أَتُسَرُّ فاقدةٌ تَؤُمُّ فَوَاقِداً مِنْ بَعْدِ عزٍّ لم تَجِدْ مِنْ رَاحِمِ
مَحْنِيَّةُ الأضلاعِ داميةُ الحَشَى تسعى كعالمة لِدَارِ الكاظمِ
وبأَدْمُع حُمْر بكت لمعالم مهجورة بينَ الديارِ قَوَاتِمِ
لهفي على تلك المَعَالِمِ غُلِّقَتْ أبوابُها وبها غَنَاءُ الْعَادِمِ
وَسَفَى على أَعْتَابِها السافي وَقَدْ كانت تُقَبِّلُها شِفَاهُ اللاَّثِمِ
عَنْها نَأَتْ تلك الكِرَامُ فَمَا بِها إلاَّ أَرَامِلُ أو يتامى هاشمي (1)

قال : فلما صار وقت الحج حجَّ هو وابنته وابنة القاسم  ، فلمَّا قضوا مناسكهم جعلوا طريقهم على المدينة  ، فلمَّا وصلوا إلى المدينة أنزلوا البنت عند بابها على الأرض  ، فجعلت تدرج والشيخ يمشي خلفها إلى أن وصلت إلى باب الدار فدخلت  ، فبقي الشيخ وابنته واقفين خلف الباب  ، وخرجن النساء إليها واجتمعن حولها  ، وقلن : من تكونين ؟ وابنة من ؟ فلمَّا قلن لها النساء : ابنة من تكونين ؟ لم تجبهم إلاَّ بالبكاء والنحيب  ، فعند ذلك خرجت أم القاسم  ، فلمَّا نظرت إلى شمائلها

(1) ديوان العلامة الجشي : 368 ـ 369.

السابق السابق الفهرس التالي التالي