المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 251

أَحْنَتْ أَضَالِعَهُ الأحزانُ حين رأى من هاشم قمراً بالخسفِ قد رُمِيَا (1)

المجلس الرابع ، من اليوم السابع

واعية بني هاشم وأهل المدينة وبكاؤهم على
الإمام الحسين ( عليه السلام ) وبكاء أم البنين على العباس (عليه السلام)

روي أن الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) لما جاء من الأسر ودخل المدينة خطب في الناس وقال ( عليه السلام ) : أيها القوم ، إن الله ـ وله الحمد ـ ابتلانا بمصيبة جليلة ، وثلمة في الإسلام عظيمة ، قُتل أبو عبدالله وعترته ، وسبي نساؤه وصبيته ، وداروا برأسه في البلدان ، من فوق عالي السنان ، أيها الناس ، فأيُّ رجالات يسرّون منكم بعد قتله ؟ أم أيَّةُ عين تحبس دمعها وتضنّ عن انهمالها ؟ فلقد بكت السبع الشداد لقتله ، وبكت البحار والسماوات والأرض والأشجار والحيتان ، والملائكة المقرَّبون ، وأهل السماوات أجمعون ، أيها الناس ، أيُّ قلب لا ينصدع لقتله ؟ أم أيُّ فؤاد لا يحنّ إليه ؟ أم أيُّ سمع يسمع هذه الثلمة التي ثلم في الإسلام ؟ أيُّها الناس ، أصبحنا مطرودين مشرَّدين مذودين شاسعين ، كأنا أولاد ترك أو كابل ، من غير جرم اجترمناه ، ولا مكروه ارتكبناه ، ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين ، إن هذا إلاَّ اختلاق ، والله لو أن النبيَّ ( صلى الله عليه وآله ) تقدَّم إليهم في قتالنا كما تقدَّم إليهم في الوصاة بنا لما زادوا على ما فعلوه ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون (2).
أبادوهُمُ قتلا وسمّاً ومثلةً كأنّ رسولَ اللهِ ليس لهم أَبُ
كأنَّ رَسُولَ اللهِ من حُكْمِ شَرْعِهِ على آلِهِ أَنْ يُقْتَلوا أو يُصَلَّبوا


(1) الشواهد المنبرية ، الشيخ علي الجشي : 58.
(2) مثير الأحزان ، ابن نما : 90 ـ 91.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 252

قال عوانة بن الحكم : لما قتل الحسين بن علي ( عليه السلام ) دعا عبيد الله بن زياد عبدالملك ابن أبي الحرث السلمي ، وبعثه إلى المدينة ليبشِّر عمرو بن سعيد ، فدخل السلمي على عمرو فقال : ما وراءك ؟ فقال : ما سرَّ الأمير ، قُتل الحسين بن علي ( عليه السلام ) ، فقال : نادِ بقتله ، فناديت بقتله ، فلم أسمع والله واعية قطّ مثل واعية نساء بني هاشم في دورهم على الحسين ( عليه السلام ) ، فقال عمرو وضحك :
عَجَّتْ نِسَاءُ بنى زياد عَجَّةً كعجيجِ نِسْوَتِنا غَدَاةَ الأَرنبِ

ثم قال عمرو : هذه واعية بواعية عثمان بن عفان ، ثم صعد المنبر فأعلم الناس قتله (1).
وفي كتاب المثالب لأبي عبيدة ، قال : ثم أومأ إلى القبر الشريف وقال : يا محمد! يوم بيوم بدر ، فأنكر عليه قوم من الأنصار (2).
ولله درّ السيد محمد حسين القزويني عليه الرحمة إذ يقول :
مُصَابٌ أصاب المصطفى منه فَادِحٌ بكت حَزَناً من رُزْئِهِ فَاطِمُ الطُّهْرُ
غداةَ عَدَتْ أبناءُ حَرْب فَجَلْجَلَتْ لها زُمَرٌ لا يُستطاعُ لها حَصْرُ
وثارت بها أحقادُها فتطلَّبَتْ من المصطفى ثَارَاتِ ما فَعَلَتْ بَدْرُ
وجاءت على جَهْل تحاولُ إمرةً على مَنْ له من دونِها النهيُ والأَمْرُ
وسامته أَنْ ينقادَ للحُكْمِ ضارعاً لديها ويأبى العزُّ أَنْ يَضْرَعَ الحُرُّ
فَقَالَ رِدِي يا نَفْسُ من سورةِ الردى فعند وُرُودِ الضيمِ يُسْتَعْذَبُ المُرُّ (3)

قال بعض الرواة : ولما بلغ أهل المدينة مقتل الإمام الحسين ( عليه السلام ) بكى عليه نساء بني هاشم ونُحنَ عليه (4).

(1) تاريخ الطبري : 4/356 ـ 357 ، حوادث سنة 61 ، الكامل ، ابن الأثير : 4/39.
(2) شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : 4/72.
(3) مثير الأحزان ، الجواهري : 114.
(4) البداية والنهاية ، ابن كثير : 8/213.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 253

وروى البرقي عليه الرحمة ، عن عمر بن علي بن الحسين ( عليهما السلام ) قال : لما قتل الحسين بن علي ( عليه السلام ) لبسن نساء بني هاشم السواد والمسوح (1) ، وكنَّ لا يشتكين من حرّ ولا برد ، وكان علي بن الحسين ( عليه السلام ) يعمل لهن الطعام للمأتم (2).
وروى الكليني عليه الرحمة ، عن مصقلة الطحان قال : سمعت أبا عبدالله ( عليه السلام ) يقول : لما قتل الحسين ( عليه السلام ) أقامت امرأته الكلبية (3) عليه مأتماً ، وبكت وبكين النساء والخدم حتى جفّت دموعهن وذهبت ، فبينا هي كذلك إذ رأت جارية من جواريها تبكي ودموعها تسيل ، فدعتها فقالت لها : مالك أنت من بيننا تسيل دموعكِ ؟ قالت : إني لما أصابني الجهد شربت شربة سويق ، قال : فأمرت بالطعام والأسوقة فأكلت وشربت وأطعمت وسقت ، وقالت : إنما نريد بذلك أن نتقوّى على البكاء على الحسين ( عليه السلام ).
قال : وأهدي إلى الكلبية جؤناً (4) لتستعين بها على مأتم الحسين ( عليه السلام ) ، فلما رأت الجؤن قالت : ما هذه ؟ قالوا : هدية أهداها فلان لتستعيني على مأتم الحسين ، فقالت : لسنا في عرس ، فما نصنع بها ؟ ثم أمرت بهن فأخرجهن من الدار ، فلما أخرجن من الدار لم يحسَّ لها حسٌّ كأنما طرن بين السماء والأرض ، ولم ير لهن بها بعد خروجهن من الدار أثر (5).
وروي عن الإمام جعفر بن محمد ( عليه السلام ) أنه قال : نيح على الحسين بن

(1)المسوح ـ بالضمّ ـ جمع المسح ـ بالكسر ـ وهو اللباس ، وكن لا يشتكين أي لا يشكون ولا يبالين لشدّة المصيبة من إصابة الحرّ والبرد.
(2)المحاسن ، البرقي : 2/420 ح 195 ، بحار الأنوار ، المجلسي : 45/188 ح 33.
(3) هي بنت امرىء القيس الكلبي ، أم سكينة بنت الحسين( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وبنو كلب حي من قضاعة. شرح أصول الكافي ، المازندراني : 7/235.
(4) جاء في هامش الثاقب في المناقب ، ابن حمزة الطوسي : 334 : في بعض النسخ والكافي : جواري.
(5) الكافي ، الكليني : 1/466 ح 9.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 254

علي ( عليهما السلام ) سنة في كل يوم وليلة ، وثلاث سنين من اليوم الذي أصيب فيه ، وكان المسور بن مخرمة وجماعة من أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يأتون مستترين متقنّعين فيستمعون ويبكون (1).
وقال اليعقوبي : وكان أول صارخة صرخت في المدينة أم سلمة زوج رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، كان دفع إليها قارورة فيها تربة ، وقال لها : إن جبرئيل أعلمني أن أمتي تقتل الحسين ، وأعطاني هذه التربة ، وقال لي : إذا صارت دماً عبيطاً فاعلمي أن الحسين قد قتل ، وكانت عندها ، فلمّا حضر ذلك الوقت جعلت تنظر إلى القارورة في كل ساعة ، فلمّا رأتها قد صارت دماً صاحت : واحسيناه! وا بن رسول الله! وتصارخت النساء من كل ناحية ، حتى ارتفعت المدينة بالرَّجة التي ما سمع بمثلها قط (2).
وذكر ابن أبي الدنيا أنه لما بلغ أم سلمة قتل الحسين ( عليه السلام ) قالت : أوفعلوا ؟ ملأ الله قبورهم وبيوتهم ناراً ، ثم وقعت مغشياً عليها (3).
ولله درّ الشيخ صالح الكواز عليه الرحمة إذ يقول :
يا راكباً شَدْقميّاً في قوائمِهِ يَطْوِي أديمَ الفيافي كلَّما ذرعا
عُجْ بالمدينةِ واصرخْ في شَوَارِعِها بصَرْخة تملأُ الدنيا بها جَزَعا
نادِ الذين إذا نادى الصريخُ بهم لبوَّه قَبْلَ صدىً من صَوْتِهِ رَجَعا
يكادُ ينفذُ قبل القَصْدِ فِعْلُهُمُ بِنَصْرِ مَنْ لَهُمُ مُستنجداً فَزِعا
قل يا بني شيبةِ الحمدِ الذين بِهِمْ قامت دَعَائِمُ دينِ اللهِ وارتفعا
قوموا فَقَدْ عَصَفَتْ بالطفِّ عاصفةٌ مالت بأرجاءِ طَوْدِ العزِّ فانصدعا (4)


(1) بحار الأنوار ، المجلسي 79/102 ح 1.
(2) تاريخ اليعقوبي : 2/245 ـ 246.
(3)الرد على المتعصب العنيد ، ابن الجوزي : 51 ـ 52 ، تاريخ دمشق ، ابن عساكر : 14/238.
(4) رياض المدح والرثاء ، الشيخ حسين القديحي : 150.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 255

قال بعض الرواة : وبكته الرباب بنت امرىء القيس الكلبية رضوان الله عليها زوجة الإمام الحسين ( عليه السلام ) ، وهي التي يقول فيها الحسين ( عليه السلام ) :
لَعمرُك إنني لأُحبُّ داراً تحلُّ بها سكينةُ والربابُ
أحبُّهما وأبذلُ بعد مالي وليس للائمي فيها عِتَابُ
ولستُ لهم وإنْ عَتَبوا مطيعاً حياتي أو يُغَيِّبني الترابُ

وهي التى أقامت على قبر الحسين ( عليه السلام ) حولا ثم قالت :
إلى الحولِ ثمَّ اسمُ السلامِ عليكما وَمَنْ يَبْكِ حولا كاملا فقد اعتذر

قال : وعاشت بعده سنة لم يظلَّها سقف بيت حتى بليت وماتت كمداً (1).
وقد نعت الحسين ( عليه السلام ) ورثته بتفجُّع وألم شديد وحرقة لا تنطفي ، قالت رضوان الله عليها :
إنَّ الذي كان نوراً يستضاءُ به بكربلاءَ قتيلا غيرُ مدفونِ
سِبْطَ النبيِّ جَزَاك اللهُ صالحةً عنّا وجُنِّبت خُسْرَانَ الموازينِ
قد كنت لي جبلا صعباً ألوذُ به وكنت تَصْحَبُنا بالرحمِ والدينِ
مَنْ لليتامى وَمَنْ للسائلين وَمَنْ يقي ويأوي إليه كلَّ مسكينِ (2)
واللهِ لا أبتغي صِهْراً بصِهْرِكُمُ حتى أُغيَّبَ بينَ الرملِ والطينِ (3)

وروي أنها رضي الله عنها رثت الحسين ( عليه السلام ) في الشام بعد أن أخذت رأسه وقبَّلته ووضعته في حجرها ، وهي تقول :
واحسيناً فلا نسيتُ حسيناً أقصدته أسنَّةُ الأعداءِ


(1) تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : 69/119 ـ 120 ، الإصابة ، ابن حجر : 1/355 ، المنتظم في تاريخ الملوك والأمم ، ابن الجوزي : 6/9.
(2) الحسن والحسين ( عليهما السلام ) ، محمد رضا : 154.
(3) الجوهرة في نسب الإمام علي وآله ، البري : 46 ـ 47.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 256

غادروه بكربلاءَ صريعاً لاَسَقَى اللهُ جَانِبَيْ كربلاءِ (1)

وروي أن الرباب بعد رجوعها إلى المدينة خطبها الأشراف من قريش فقالت : والله لا كان لي حمو بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وعاشت بعد الحسين ( عليه السلام ) سنة  ، ثم ماتت كمداً على الحسين ( عليه السلام ) ولم تستظلَّ بعده بسقف (2).
وقال القرماني : ولمَّا رجعت إلى المدينة أقامت فيها لا تهدأ ليلا ولا نهاراً من البكاء على الحسين ( عليه السلام )   ، ولم تستظلَّ تحت سقف حتى ماتت بعد قتله كمداً سنة اثنين وستين للهجرة (3).
وبكى أهل المدينة على الإمام الحسين ( عليه السلام ) وندبوه ثلاث سنوات  ، روي عن الإمام جعفر بن محمد الصادق  ، عن أبيه ( عليهما السلام ) قال : نيح الحسين بن علي ثلاث سنين  ، وفي اليوم الذي قتل فيه  ، فكان وائلة بن الأصمع ومروان بن الحكم ومسور بن مخرمة  ، وتلك المشيخة من أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يجيئون متقنّعين فيستمعون نوح الجن ويبكون (4).
وقال ابن حمدون في التذكرة : لما قُتل الحسين بن علي ( عليهما السلام ) كان النوح عليه بالمدينة في كل بيت سنة كاملة ثم نيح عليه في السنة الثانية في كل جمعة  ، ثم نيح عليه في الثالثة في كل شهر  ، وكان مروان بن الحكم والمسور بن مخرمة يدخلان إليهم مقنعين  ، فيبكيان أشدَّ بكاء حتى ينقضي النوح (5).

(1) الكامل في التاريخ  ، ابن الأثير : 4/45  ، وقيل رثته بهذه الأبيات زوجته عاتكة بنت عمرو بن عمر بن نفيل ( معجم البلدان  ، الحموي : 4/445 ).
(2) راجع : تذكرة الخواص  ، سبط ابن الجوزي : 238  ، الكامل في التاريخ  ، ابن الأثير : 4/36  ، المنتظم في تاريخ الملوك والأمم  ، ابن الجوزي : 6/9  ، لواعج الأشجان  ، السيد محسن الأمين : 223.
(3) تاريخ القرماني : 4.
(4) نظم درر السمطين  ، الزرندي الحنفي : 224.
(5) التذكرة الحمدونية  ، ابن حمدون : 9/149 رقم : 359.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 257

وقال هشام بن الكلبي : حدَّثني بعض أصحابنا  ، عن عمرو بن أبي المقدام قال : حدَّثني عمرو بن عكرمة  ، قال : صبحنا صبيحة قتل الحسين ( عليه السلام ) بالمدينة فإذا مولاة لنا تحدِّثنا  ، قالت : سمعت البارحة منادياً ينادي وهو يقول :
أيُّها القاتلونَ ظلماً حسينا أبشروا بالعذابِ والتنكيلِ
كلُّ أهلِ السماءِ يدعو عليكم من نبيٍّ ومالك وقبيلِ
قد لُعِنْتُم على لسانِ ابنِ داو دَ وموسى وحاملِ الإنجيلِ (1)

ولمَّا أتى أهل المدينة مقتل الحسين ( عليه السلام ) خرجَّت ابنة عقيل بن أبي طالب ومعها نساؤها  ، وهي حاسرة تلوي بثوبها  ، وهي تقول :
مَاذَا تقولونَ إنْ قال النبيُّ لكم ماذا فَعَلْتُم وأنتم آخِرُ الأُمَمِ
بعترتي وبأهلي بَعْدَ مفْتَقَدِي منهم أُسَارى ومنهم ضُرِّجُوا بِدَمِ (2)

وأما بكاء أم البنين ( عليها السلام ) ونياحتها فقد بكت حتى رقَّ لها العدوُّ وبكى لبكائها  ، فأحسن الله لها العزاء بمصابها في أولادها الأربعة الذين فقدتهم في ساعة واحدة.
ومن قول أم البنين ( عليها السلام ) في رثاء أبي الفضل العباس وسائر أبنائها ( عليهم السلام ) :
يَا مَنْ رأى العبَّاسَ كـ رّ على جَمَاهيرِ النَّقَدْ
وَوَرَاهُ من أبناءِ حَيْـ دَرَ كُلُّ ليث ذي لَبَدْ
أُنْبِئْتُ أنَّ ابني أُصيـ بَ برأسِهِ مقطوعَ يَدْ
ويلي على شِبْلي أَمَا لَ برأسِهِ ضَرْبُ العَمَدْ
لو كان سيفُكَ في يديـ ك لَمَا دنا منه أَحَدْ

وتقول أيضاً :

(1) البداية والنهاية  ، ابن كثير : 8/215 ـ 216.
(2) تاريخ الطبري : 4/357.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 258

لاَ تدعونّي ويكِ أمَّ البنينْ تُذَكِّريني بِلُيُوثِ العرينْ
كانت بنونٌ لِيَ أُدْعَى بهم واليومَ أصحبتُ ولا مِنْ بنينْ
أربعةٌ مِثْلُ نُسُورِ الرُّبَى قد واصلوا الموتَ بِقَطْعِ الوتينْ
تَنَازَعَ الخِرْصَانُ أَشْلاَءَهم فكلُّهم أمسى صريعاً طعينْ
ياليتَ شعري أَكَمَا أخبروا بأنَّ عباساً قطيعُ اليمينْ

قال أبو الفرج الإصفهاني : وكانت أم البنين ـ أم هؤلاء الأربعة الإخوة القتلى ـ تخرج إلى البقيع  ، فتندب بنيها أشجى ندبة وأحرقها  ، فيجتمع الناس إليها يسمعون منها  ، فكان مروان يجيء فيمن يجيء لذلك  ، فلا يزال يسمع ندبتها ويبكي. ذكر ذلك علي بن محمد بن حمزة  ، عن النوفلي  ، عن حماد بن عيسى الجهني  ، عن معاوية بن عمار  ، عن جعفر بن محمد ( عليه السلام ) (1).
وقال أبو الحسن الأخفش في شرح الكامل : وقد كانت تخرج إلى البقيع كل يوم ترثيه  ، وتحمل ولده عبدالله  ، فيجتمع لسماع رثائها أهل المدينة  ، وفيهم مروان ابن الحكم  ، فيبكون لشجيِّ الندبة (2).
ومما جاء في مقام أبي الفضل العباس ( عليه السلام ) ومنزلته عند أهل البيت ( عليهم السلام ) هو ما ذكره العلامة الدربندي عليه الرحمة في أسرار الشهادة نقلاً عن بعض كتب المقاتل قال : إنه إذا كان يوم القيامة واشتد الأمر على الناس بعث رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أمير المؤمنين ( عليه السلام ) إلى فاطمة ( عليها السلام ) لتحضر مقام الشفاعة فيقول أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : يا فاطمة ما عندك من أسباب الشفاعة  ، وما ادخرت لأجل هذا اليوم الذي فيه الفزع الأكبر فتقول فاطمة ( عليها السلام ) : يا أمير المؤمنين كفانا لأجل هذا المقام اليدان المقطوعتان من ابني العباس (3).

(1) مقاتل الطالبيين  ، الإصفهاني : 56.
(2) عن إبصار العين  ، السماوي : 64.
(3)أسرار الشهادة  ، الدربندي : 2/412  ، معالي السبطين  ، الحائري : 445.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 259

وفي أسرار الشهادة أيضاً قال العلامة الدربندي عليه الرحمة : أخبرني جمع من الثقاة في هذا الزمان إن واحدا من مؤمني هذا العصر وهو الآن موجود كان يزور الحسين ( عليه السلام ) في كل يوم ثلاث مرات وما كان يزور العباس إلا في الأسبوع مرة وقد رأى في المنام الصديقة الطاهرة ( عليها السلام ) وسلم عليها فأعرضت عنه فقال : بأبي أنت وأمي لأي تقصير تعرضين عني قالت : لإعراضك من زيارتك ابني  ، قال : أنا أزور ابنك في كل يوم قالت : تزور ابني الحسين ( عليه السلام ) ولا تزور ابني العباس إلا قليلا (1).
ولله در بعض الشعراء إذ يقول على لسان الحسين ( عليه السلام ) لما صرع العباس ( عليه السلام ) :
يا أبا الفضلِ قم ألستَ الذي قد كُنتَ لي مُسعِداً إذا الدّهرُ نابا
كُسِرَ اليومَ بافتقادِكَ ظهري وقناتي فُلَّتْ وظنِّيَ خابا
يا بني هاشم وآلَ نزار بدرُكُم قد هوى فقومُوا غضابا
وانثنى للخبا مُحدودِبَ الظهرِ تَردَّى من الأسى جِلبَابا
فدعا يا بناتّ أحمدَ صبراً عظَّمَ الله أجرَكُم والثَّوابا
إنَّ دهري عليَّ فوَّقَ سهماً ورمى كفَّ عَزمتي فأصابا
أحِمى الضائعاتِ مَنْ لو دعاهُ فوقَ هامِ السُّهى مَروُعٌ أهابا
أوحشَ الحربَ فقدُه في نهار وبليل قد أوحشَ المحرابا (2)

ويقول الحجة الشيخ حسن علي البدر القطيفي عليه الرحمة على لسان الحسين ( عليه السلام ) :
طويتُ على مثلِ وَخْزِ الرماح ضلوعيَ أو مثل حزِّ الصِّفاح
وَرُحْتُ كما بي تمنّى الحسودُ وقد لانَ للدهر منّي الجَنَاح


(1) أسرار الشهادة  ، الدربندي : 2/412 و 419 ـ 420  ، معالي السبطين  ، الحائري : 446.
(2) مجمع المصائب  ، الهنداوي : 1/143.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 260

وَبتُّ على مثل شوكِ القَتَادِ اُردّدُ أنفاسَ دامي الجراح
غداةَ تَغَيَّبُ عن ناظري مُحَيَّاكَ يا خيرَ من جا وراح
تَغَيّبْتَ فأظلمَ وجه النهار بعينيَ واسوّدَ وجهُ الصباح
فقدتُكَ درعاً به أتّقي من الدهر طعنَ القنا والرماح
بنفسيَ أفديك من نازح رمى فقدُه الصبرَ بالانتزاح
أبا الفضلِ رحتَ فَرُوحُ التقى عقيبَك قد آذنتْ بالرواح (1)

المجلس الخامس ، من اليوم السابع

شكاية فاطمة ( عليها السلام ) في المحشر
ورؤيتها الحسين (عليه السلام)

روي عن جعفر الأحمر  ، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر ( عليه السلام ) قال : سمعت جابر بن عبدالله الأنصاري يقول : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إذا كان يوم القيامة تقبل ابنتي فاطمة على ناقة من نوق الجنة مدبَّجة الجنبين  ، خطامها من لؤلؤ رطب  ، قوائمها من الزمرد الأخضر  ، ذنبها من المسك الأذفر  ، عيناها ياقوتتان حمراوان  ، عليها قبَّة من نور  ، يُرى ظاهرها من باطنها  ، وباطنها من ظاهرها  ، داخلها عفو الله  ، وخارجها رحمة الله  ، على رأسها تاج من نور  ، للتاج سبعون ركناً  ، كل ركن مرصَّع بالدرّ والياقوت  ، يضيء كما يضيء الكوكب الدريُّ في أفق السماء  ، وعن يمينها سبعون ألف ملك  ، وعن شمالها سبعون ألف ملك  ، وجبرئيل آخذ بخطام الناقة  ، ينادي بأعلى صوته : غضّوا أبصاركم حتى تجوز فاطمة بنت محمد  ، فلا يبقى يومئذ نبيٌّ ولا رسول ولا صدّيق ولا شهيد إلاَّ غضّوا بأبصارهم حتى تجوز فاطمة  ،

(1) سعادة الدارين فيما يتعلق بالإمام الحسين ( عليه السلام )   ، الشيخ حسين البلادي القديحي : 252.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 261

فتسير حتى تحاذي عرش ربِّها جلَّ جلاله  ، فتنزخ بنفسها عن ناقتها  ، وتقول : إلهي وسيدي  ، احكم بيني وبين من ظلمني  ، اللهم احكم بيني وبين من قتل ولدي  ، فإذا النداء من قبل الله جلَّ جلاله : يا حبيبتي وابنة حبيبي  ، سليني تُعطي  ، واشفعي تُشفعي  ، فوعزّتي وجلالي  ، لا جازني ظلمُ ظالم  ، فتقول : إلهي وسيدي  ، ذرّيّتي وشيعتي وشيعة ذرّيتي  ، ومحبّيَّ ومحبّي ذرّيّتي.
فإذا النداء من قبل الله جلّ جلاله : أين ذرّيّة فاطمة وشيعتها ومحبُّوها ومحبّو ذرّيّتها ؟ فيقبلون وقد أحاط بهم ملائكة الرحمة  ، فتقدمهم فاطمة ( عليها السلام ) حتى تُدخلهم الجنة (1).
وعن أبي أحمد بن سليمان الطائي  ، عن علي بن موسى الرضا  ، عن آبائه ( عليهم السلام ) قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : تُحشر ابنتي فاطمة ( عليها السلام ) يوم القيامة ومعها ثياب مصبوغة بالدماء  ، تتعلَّق بقائمة من قوائم العرش  ، تقول : يا عدل  ، احكم بيني وبين قاتل ولدي  ، قال علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ويحكم الله لابنتي وربّ الكعبة.
وروي عن الرضا  ، عن آبائه ( عليهم السلام ) قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : تُحشر ابنتي فاطمة يوم القيامة ومعها ثياب مصبوغة بالدم  ، فتتعلَّق بقائمة من قوائم العرش فتقول : يا عدل  ، احكم بيني وبين قاتل ولدي  ، قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : فيحكم لابنتي وربِّ الكعبة  ، وإن الله عزَّ وجلَّ يغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها.
وعن محمد بن سنان  ، عن بعض أصحابه  ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إذا كان يوم القيامة نُصب لفاطمة ( عليها السلام ) قبّة من نور  ، وأقبل الحسين ( عليه السلام )   ، رأسه في يده  ، فإذا رأته شهقت شهقة لا يبقى في الجمع مَلَك مقرَّب  ، ولا نبيٌّ مرسل  ، ولا عبد مؤمن إلاّ بكى لها  ، فيمثِّل الله عزَّ وجلَّ رجلا لها في أحسن

(1) بحار الأنوار  ، المجلسي : 43/219.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 262

صورة  ، وهو يخاصم قتلته بلا رأس  ، فيجمع الله قتلته والمجهزين عليه ومن شرك في قتله فيقتلهم حتى أتى على آخرهم  ، ثمَّ يُنشرون فيقتلهم أمير المؤمنين ( عليه السلام )   ، ثم ينشرون فيقتلهم الحسن ( عليه السلام )   ، ثم يُنشرون فيقتلهم الحسين ( عليه السلام )   ، ثم يُنشرون فلا يبقى من ذرّيّتنا أحد إلاَّ قتلهم قتلة  ، فعند ذلك يكشف الله الغيظ  ، ويُنسي الحزن.
ثمّ قال أبو عبدالله ( عليه السلام ) : رحم الله شيعتنا  ، شيعتنا والله هم المؤمنون  ، فقد والله شركونا في المصيبة بطول الحزن والحسرة.
وعن شريك يرفعه قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إذا كان يوم القيامة جاءت فاطمة ( عليها السلام ) في لمُة من نسائها  ، فيقال لها : ادخلي الجنة  ، فتقول : لا أدخل حتى أعلم ما صُنع بولدي من بعدي  ، فيقال لها : انظري في قلب القيامة  ، فتنظر إلى الحسين ( عليه السلام ) قائماً وليس عليه رأس  ، فتصرخ صرخة  ، وأصرخ لصراخها  ، وتصرخ الملائكة لصراخنا  ، فيغضب الله عزَّ وجلَّ لنا عند ذلك  ، فيأمر ناراً يقال لها : هبهب  ، قد أوقد عليها ألف عام حتى اسودّت  ، لا يدخلها روح أبداً  ، ولا يخرج منها غمٌ أبداً  ، فيقال لها : التقطي قتلة الحسين ( عليه السلام ) وحملة القرآن  ، فتلتقطهم  ، فإذا صاروا في حوصلتها صهلت وصهلوا بها  ، وشهقت وشهقوا بها  ، وزفرت وزفروا بها  ، فينطقون بألسنة ذلقة طلقة : يا ربَّنا لِمَ أوجبت لنا النار قبل عبدة الأوثان ؟ فيأتيهم الجواب عن الله عزّ وجلَّ : أن من علم ليس كمن لا يعلم (1).
وعن أبي خير  ، عن علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : يمثَّل لفاطمة ( عليها السلام ) رأس الحسين ( عليه السلام )   ، وينادي أهل القيامة : قتل الله قاتل ولدك يا فاطمة  ، قال : فيقول الله عزّ وجلّ : ذلك أفعل به وبشيعته وأحبائه وأتباعه  ، وإن فاطمة ( عليها السلام ) في ذلك اليوم على ناقة من نوق الجنة مدَّبجة الجنبين  ، واضحة الخدّين  ، شهلاء العينين  ، رأسها من الذهب المصفَّى  ، وأعناقها من المسك والعنبر  ، خطامها

(1) بحار الأنوار  ، المجلسي : 43/220 ـ 221.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 263

من الزبرجد الأخضر  ، رحائلها درّ مفضَّض بالجوهر  ، على الناقة هودج غشاؤها من نور الله  ، وحشوها من رحمة الله  ، خطامها فرسخ من فراسخ الدنيا  ، يحفّ بهودجها سبعون ألف ملك بالتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير والثناء على ربّ العالمين  ، ثم ينادي مناد من بطنان العرش : يا أهل القيامة  ، غضّوا أبصاركم  ، فهذه فاطمة بنت محمد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) تمرّ على الصراط  ، فتمرّ فاطمة ( عليها السلام ) وشيعتها على الصراط كالبرق الخاطف  ، قال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : ويلقي أعداءها وأعداء ذريتها في جهنم (1).
وعن الشيخ الصدوق عليه الرحمة  ، عن أبان بن عثمان  ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : إذا كان يوم القيامة جمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد  ، فينادي مناد : غضّوا أبصاركم  ، ونكّسوا رؤوسكم حتى تجوز فاطمة بنت محمد ( صلى الله عليه وآله ) الصراط  ، قال : فتغضّ الخلائق أبصارهم  ، فتأتي فاطمة ( عليها السلام ) على نجيب من نجب الجنة  ، يشيِّعها سبعون ألف ملك  ، فتقف موقفاً شريفاً من مواقف القيامة  ، ثم تنزل عن نجيبها فتأخذ قميص الحسين بن علي ( عليه السلام ) بيدها مضمَّخاً بدمه  ، وتقول : يا ربّ  ، هذا قميص ولدي  ، وقد علمت ما صُنع به  ، فيأتيها النداء من قبل الله عزَّ وجلَّ : يا فاطمة  ، لك عندي الرضا  ، فتقول : يا ربّ  ، انتصر لي من قاتله  ، فيأمر الله تعالى عنقاً من النار فتخرج من جهنم فتلتقط قتلة الحسين بن علي ( عليه السلام ) كما يلتقط الطير الحبَّ  ، ثم يعود العنق بهم إلى النار  ، فيُعذَّبون فيها بأنواع العذاب  ، ثمَّ تركب فاطمة ( عليها السلام ) نجيبها حتى تدخل الجنة ومعها الملائكة المشيِّعون لها  ، وذرّيّتها بين يديها  ، وأولياؤهم من الناس عن يمينها وشمالها (2).
وعن ابن عباس قال : سمعت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) يقول :

(1) بحار الأنوار  ، المجلسي : 43/222.
(2) بحار الأنوار  ، المجلسي : 43/224.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 264

دخل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ذات يوم على فاطمة ( عليها السلام ) وهي حزينة ، فقال لها : ما حزنك يا بنية ؟ قالت : يا أبه ، ذكرت المحشر ووقوف الناس عراة يوم القيامة ، قال : يا بنيَّة ، إنه ليوم عظيم ، ولكن قد أخبرني جبرئيل عن الله عزَّ وجلَّ أنه قال : أول من تنشقّ عنه الأرض يوم القيامة أنا ، ثم أبي إبراهيم ، ثم بعلك علي بن أبي طالب ( عليه السلام ).
ثم يبعث الله إليك جبرئيل في سبعين ألف ملك ، فيضرب على قبرك سبع قباب من نور ، ثم يأتيك إسرافيل بثلاث حلل من نور ، فيقف عند رأسك فيناديك : يا فاطمة بنت محمد! قومي إلى محشرك ، فتقومين آمنة روعتك ، مستورة عورتك ، فيناولك إسرافيل الحلل فتلبسينها ، ويأتيك زوقائيل بنجيبة من نور ، زمامها من لؤلؤ رطب ، عليها محفة من ذهب ، فتركبينها ، ويقود زوقائيل بزمامها ، وبين يديك سبعون ألف ملك ، بأيديهم ألوية التسبيح ، فإذا جدّ بك السير استقبلتك سبعون ألف حوراء ، يستبشرون بالنظر إليك ، بيد كل واحدة منهن مجمرة من نور ، يسطع منها ريح العود من غير نار ، وعليهن أكاليل الجوهر المرصَّع بالزبرجد الأخضر ، فيسرن عن يمينك.
فإذا سرت مثل الذي سرت من قبرك إلى أن لقينك استقبلتك مريم بنت عمران ، في مثل من معك من الحور ، فتسلِّم عليك وتسير هي ومن معها عن يسارك.
ثم تستقبلك أمك خديجة بنت خويلد أول المؤمنات بالله ورسوله ، ومعها سبعون ألف ملك ، بأيديهم ألوية التكبير ، فإذا قربت من الجمع استقبلتك حواء في سبعين ألف حوراء ، ومعها آسية بنت مزاحم ، فتسير هي ومن معها معك.
فإذا توسَّطت الجمع ، وذلك أن الله يجمع الخلائق في صعيد واحد ، فيستوي بهم الأقدام ، ثم ينادي مناد من تحت العرش يسمع الخلائق : غضّوا أبصاركم حتى تجوز فاطمة الصديقة بنت محمد ومن معها ، فلا ينظر إليك يومئذ إلاّ إبراهيم خليل

السابق السابق الفهرس التالي التالي