المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 207

مسلم : فإني أوصيك بهذا ـ وأشار إلى الحسين ( عليه السلام ) ـ فقاتل دونه حتى تموت ، فقال حبيب : لأنعمنّك عيناً ، ثم مات رضوان الله عليه
أَوْصَى ابنُ عوسجة حبيباً قال قا تِلْ دُوْنَهَ حتى الحِمَامَ تَذُوقا
نصروه أحياءاً وعند مَمَاتِهِمْ يُوْصِي بنُصْرَتِهِ الشفيقُ شفيقا

قال : وصاحت جارية له : يا سيّداه ، يا ابن عوسجتاه ، فنادى أصحاب ابن سعد مستبشرين ، قتلنا مسلم بن عوسجة ، فقال شبث بن ربعي لبعض من حوله : ثكلتكم أمهاتكم ، أما إنكم تقتلون أنفسكم بأيديكم وتذلّون عزّكم ، أتفرحون بقتل مسلم بن عوسجة ؟ أما والذي أسلمت له لرُبَّ موقف له في المسلمين كريم ، لقد رأيته يوم آذربيجان قتل ستة من المشركين قبل أن تلتام خيول المسلمين (1).
ومنهم ذلك الصبيّ الصغير الذي قتل أبوه في المعركة ، وكانت أمه معه ، فقالت له أمُّه : اخرج يا بني ، وقاتل بين يدي ابن رسول الله! فخرج فقال الحسين ( عليه السلام ) : هذا شابٌّ قُتل أبوه ، ولعلّ أمه تكره خروجه ، فقال الشاب : أمي أمرتني بذلك ، فبرز وهو يقول :
أميري حسينٌ ونِعْمَ الأميرْ سُرُورُ فُؤَادِ البشيرِ النذيرْ
عليٌّ وفاطمةٌ وَالِدَاه فَهَلْ تعلمون له من نظير
له طَلْعَةٌ مِثْلُ شَمْسِ الضُّحَى له غُرَّةٌ مِثْلُ بَدْر مُنيرْ

وقاتل حتى قُتل وجُزَّ رأسه ورمي به إلى عسكر الحسين ( عليه السلام ) ، فحملت أمه رأسه وقالت : أحسنت يا بنيَّ ، يا سرور قلبي ويا قرّة عيني ، ثمَّ رمت برأس ابنها رجلا فقتلته ، وأخذت عمود خيمته ، وحملت عليهم وهي تقول :
أنا عَجُوزٌ سيِّدي ضعيفه خاويةٌ باليةٌ نحيفه
أضربُكُمْ بضربة عنيفه دون بني فاطمةَ الشريفه


(1) بحار الأنوار ، المجلسي : 45/19 ـ 20.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 208

وضربت رجلين فقتلتهما ، فأمر الحسين ( عليه السلام ) بصرفها ودعا لها (1).
عظم الله أجوركم أيها المؤمنون ، وأحسن الله لكم العزاء ، فما حال الحسين ( عليه السلام ) لما قُتل أصحابه ، وبقي بعدهم وحيداً ، بلا ناصر ولا معين ، وهو يراهم صرعى على بوغاء كربلاء مضرَّجين بدمائهم ، وهو يستغيث فلا يغاث ، ولله درّ السيد محمد حسين القزويني عليه الرحمة إذ يقول :
وأضحى يُديرُ السبطُ عينيه لا يرى سوى جُثَث منهم على التُّرْبِ رُكَّدِ
أحاطت به سبعون ألفاً فردَّها شَوَارِدَ أَمْثَالَ النّعامِ المشرَّد
وقام عَدِيمُ النصرِ بين جُمُوعِهِم وحيداً يحامي عن شريعةِ أحمدِ
إلى أن هوى لِلأرْضِ شِلْواً مبضَّعاً ولم يُرْوَ من حَرِّ الظما قَلْبُهُ الصَّدِي
هوى فهوى التوحيدُ وانطمس الهدى وحُلَّت عُرَى الدينِ الحنيفِ المشيَّدِ
له اللهُ مفطورَ الفؤادِ من الظَّمَا صريعاً على وَجْهِ الثرى المتوقِّدِ
ثوى في هجيرِ الشمسِ وهو معفَّرٌ تظلِّلُه سُمْرُ القنا المتقصِّدِ
وأضحت عوادي الخيلِ من فَوْقِ صَدْرِهِ تروحُ إلى كَرِّ الطِّرَادِ وتغتدي
وهاتفة من جَانِبِ الخِدْرِ ثاكل بَدَتْ وهي حسرى تَلْطُمُ الخدَّ باليدِ (2)

المجلس الثالث ، من اليوم السادس

حبيب بن مظاهر الأسدي ( عليه السلام )
وصوله إلى كربلاء ومقتله الشريف

روي مما زار به جابر بن عبدالله الأنصاري رضي الله تعالى عنه الشهداء في

(1) بحار الأنوار ، المجلسي : 45/27 ـ 28.
(2) مثير الأحزان ، الجواهري : 111.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 209

يوم الأربعين قال : السلام عليكم أيّتها الأرواح التي حلّت بفناء الحسين ، وأناخت برحله ، وأشهد أنكم أقمتم الصلاة ، وآتيتم الزكاة ، وأمرتم بالمعروف ، ونهيتم عن المنكر ، وجاهدتم الملحدين ، وعبدتم الله حتى أتاكم اليقين ، والذي بعث محمداً بالحقّ نبياً لقد شاركناكم فيما دخلتم فيه قال عطية : فقلت له : يا جابر ، كيف ولم نهبط وادياً ولم نعلُ جبلا ولم نضرب بسيف ، والقوم قد فُرِّق بين رؤوسهم وأبدانهم ، وأوتمت أولادهم ، وأرملت أزواجهم ؟ فقال لي : يا عطية ، سمعت حبيبي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : من أحبَّ قوماً حُشر معهم ، ومن أحبَّ عمل قوم أشرك في عملهم ، والذي بعث محمداً بالحق نبياً ، إن نيّتي ونيّة أصحابي على ما مضى عليه الحسين ( عليه السلام ) وأصحابه (1).
صالوا وجالوا وأدَّوا حَقَّ سيِّدِهِم في مَوْقِف عقَّ فيه الوَالِدَ الوَلَدُ
وَشَاقَهُم ثَمَرُ العُقْبَى فأصبح في صُدُورِهم شَجَرُ الخطيِّ يَخْتَضِدُ

روى الكشي عليه الرحمة ، عن فضيل بن الزبير قال : مرَّ ميثم التمار على فرس له ، فاستقبل حبيب بن مظاهر الأسدي عند مجلس بني أسد ، فتحدَّثا حتى اختلف أعناق فرسيهما (2) ، ثم قال حبيب : لكأني بشيخ أصلع ضخم البطن ، يبيع البطيخ عند دار الرزق ، قد صُلب في حبِّ أهل بيت نبيه ( صلى الله عليه وآله ) ويُبقر بطنه على الخشبة ، فقال ميثم : وإني لأعرف رجلا أحمر ، له ضفيرتان ، يخرج لنصرة ابن بنت نبيه ( صلى الله عليه وآله ) ، ويُقتل ويُجال برأسه بالكوفة ، ثم افترقا ، فقال أهل المجلس : ما رأينا أحداً أكذب من هذين ، قال : فلم يفترق أهل المجلس حتّى أقبل رشيد الهجري يطلبهما ، فسأل أهل المجلس عنهما فقالوا : افترقا وسمعناهما يقولان كذا وكذا ، فقال

(1) بشارة المصطفى ، محمد بن علي الطبري : 125 ـ 126.
(2) قال المجلسي عليه الرحمة في البحار : ( توضيح : قوله : اختلف أعناق فرسيهما ، أي كانت تجيء وتذهب ، وتتقدَّم وتتأخَّر ، كما هو شأن الفرس الذي يريد صاحبه أن يقف وهو يمتنع ، أو المعنى : حاذى عنقاهما على الخلاف ).
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 210

رشيد : رحم الله ميثماً ، نسي : ويُزاد في عطاء الذي يجيء بالرأس مائة درهم ، ثمَّ أدبر ، فقال القوم : هذا والله أكذبهم ، فقال القوم : والله ما ذهبت الأيام والليالي حتّى رأيناه مصلوباً على باب دار عمرو بن حريث ، وجيء برأس حبيب بن مظاهر وقد قتل مع الحسين ( عليه السلام ) ، ورأينا كل ما قالوا.
وكان حبيب ( عليه السلام ) من السبعين الرجال الذين نصروا الحسين ( عليه السلام ) ، ولقوا جبال الحديد ، واستقبلوا الرماح بصدورهم ، والسيوف بوجوههم ، وهم يُعرض عليهم الأمان والأموال فيأبون ، فيقولون : لا عذر لنا عند رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إن قتل الحسين ( عليه السلام ) ومنّا عينٌ تطرف ، حتى قُتلوا حوله.
ولقد مزح حبيب بن مظاهر الأسدي ( عليه السلام ) ، فقال له يزيد بن حصين الهمداني ـ وكان يقال له سيِّد القرّاء ـ : يا أخي ، ليس هذه بساعة ضحك ، قال : فأيُّ موضع أحق من هذا بالسرور ؟ والله ما هو إلاَّ أن تميل علينا هذه الطغام بسيوفهم فنعانق الحور العين (1).
جاء في كتاب إبصار العين أن حبيب بن مظاهر الأسدي ( عليه السلام ) كان صحابياً رأى النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، ونزل الكوفة ، وصحب علياً ( عليه السلام ) في حروبه كلّها ، وكان من خاصّته وحملة علومه ، ولما ورد مسلم بن عقيل إلى الكوفة ، ونزل دار المختار وأخذت الشيعة تختلف إليه جعل حبيب ومسلم بن عوسجة يأخذان البيعة للحسين ( عليه السلام ) في الكوفة ، حتى إذا دخل عبيدالله بن زياد الكوفة ، وخذَّل أهلها عن مسلم ( عليه السلام ) وفرَّ أنصاره حبسهما وأخفاهما عشائرهما ، فلمَّا ورد الحسين ( عليه السلام ) كربلاء خرج حبيب ومسلم إليه مختفيين ، يسيران الليل ويكمنان النهار حتى وصلا إليه (2).
وروى الدربندي عليه الرحمة في كتابه أسرار الشهادة ، قال : روي أن

(1)اختيار معرفة الرجال الطوسي : 292 ـ 293 ح 133 ، بحار الأنوار ، المجلسي : 45/92 ـ 93 ح 33.
(2) إبصار العين في أنصار الحسين ( عليه السلام ) ، السماوي : 100 ـ 102.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 211

حبيب بن مظاهر رضي الله تعالى عنه كان ذات يوم واقفاً في سوق الكوفة عند عطار يشتري صبغاً لكريمته  ، فمرَّ عليه مسلم بن عوسجة  ، فالتفت إليه حبيب وقال : يا أخي يا مسلم  ، إني أرى أهل الكوفة يجمعون الخيل والأسلحة  ، فبكى مسلم وقال : يا أخي  ، إن أهل الكوفة صمَّموا على قتال ابن بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله )   ، فبكى حبيب ورمى الصبغ من يده وقال : والله لا تصبغ هذه إلاَّ من دم منحري دون الحسين ( عليه السلام ).
فبينما الحسين ( عليه السلام ) يسير من مكة إلى الكوفة كتب كتاباً إلى حبيب  ، نسخته هذه : من الحسين بن علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) إلى الرجل الفقيه حبيب بن مظاهر  ، أمّا بعد يا حبيب  ، فأنت تعلم قرابتنا من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأنت أعرف بنا من غيرك  ، وأنت ذو شيمة وغيرة  ، فلا تبخل علينا بنفسك  ، يجازيك جدّي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يوم القيامة.
ثم أرسله إلى حبيب  ، وكان حبيب جالساً مع زوجته  ، وبين أيديهما طعام يأكلان  ، إذ غصَّت زوجته فقالت : الله أكبر يا حبيب! الساعة يرد علينا كتاب كريم من رجل كريم  ، فبينما هم في الكلام وإذا بطارق يطرق الباب  ، فخرج إليه حبيب وقال : من الطارق ؟ قال : أنا رسول الحسين ( عليه السلام ) إليك  ، فقال حبيب : الله أكبر! صدقت الحرَّة بما قالت  ، ثم ناوله الكتاب  ، ففضَّه وقرأه  ، فسألته زوجته عن الخبر فأخبرها فبكت وقالت : بالله عليك يا حبيب لا تُقصّر عن نصرة ابن بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله )   ، فقال : أجل  ، حتى أُقتل بين يديه وتصبغ شيبتي من دم نحري  ، وكان حبيب يريد أن يكتم أمره على عشيرته وبني عمه لئلا يعلم به أحد خوفاً من ابن زياد  ، فبينما حبيب ينظر في أموره وحوائجه واللحوق بالحسين ( عليه السلام ) إذ أقبل بنو عمِّه إليه وقالوا : يا حبيب  ، بلغنا أنّك تريد أن تخرج لنصرة الحسين ( عليه السلام ) ونحن لا نخلّيك  ، فقال لهم : مالنا والدخول بين السلاطين  ، فأخفى حبيب ذلك وأنكر

المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 212

عليهم  ، فرجعوا عنه.
وسمعت زوجته فقالت : يا حبيب  ، كأنك كاره للخروج لنصرة الحسين ( عليه السلام ) فأراد أن يختبر حالها فقال : نعم  ، فبكت وقالت : يا حبيب  ، أنسيت كلام جدّه ( صلى الله عليه وآله ) في حقّه  ، وأخيه الحسن ( عليه السلام ) حيث يقول : ولداي هذان سيّدا شباب أهل الجنة  ، وهما إمامان قاما أو قعدا  ، وهذا رسوله وكتابه أتى إليك يستعين بك وأنت لم تجبه ؟ فقال حبيب : أخاف على أطفالي من اليتم  ، وأخشى أن ترمَّلي بعدي  ، فقالت : ولنا التأسّي بالهاشميّات والبنيّات والأيتام من آل رسول الله ( صلى الله عليه وآله )   ، والله تعالى كفيلنا  ، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
فلمّا عرف حبيب منها حقيقة الأمر دعا لها وجزّاها خيراً  ، وأخبرها بما هو في نفسه  ، وأنه عازم على المسير والرواح  ، فقالت : لي إليك حاجة  ، فقال : وما هي ؟ قالت : بالله عليك يا حبيب إذا قدمت على الحسين ( عليه السلام ) قبِّل يديه ورجليه نيابة عني  ، واقرأه عني السلام  ، فقال : حباً وكرامة.
ثمَّ أقبل حبيب على جواده وشدّه شداً وثيقاً  ، وقال لعبده : خذ فرسي وامض به  ، ولا يعلم بك أحد  ، وانتظرني في المكان الفلاني  ، فأخذه العبد ومضى به  ، وبقي ينتظر قدوم سيّده.
ثم إن حبيب ( عليه السلام ) ودَّع زوجته وأولاده  ، وخرج مختفياً كأنه ماض إلى ضيعة له خوفاً من أهل الكوفة  ، فاستبطأه الغلام وأقبل على الفرس ـ وكان قدّامه علف يأكل منه ـ فجعل الغلام يخاطبه ويقول له : يا جواد  ، إن لم يأت صاحبك لأعلونّ ظهرك  ، وأمضي بك إلى نصرة الحسين ( عليه السلام )   ، فلمَّا سمع الجواد خطاب الغلام له جعل يبكي  ، ودموعه تجري على خديه  ، وامتنع عن الأكل  ، فبينما هو كذلك فإذا بحبيب قد أقبل  ، فسمع خطاب الغلام  ، فصفَّق بإحدى يديه على الأخرى وقال : بأبي أنت وأمي يا ابن رسول الله  ، العبيد يتمنّون نصرتك فكيف بالأحرار ؟ ثم قال لعبده :

المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 213

يا غلام  ، أنت حرٌّ لوجه الله.
فبكى الغلام وقال : سيِّدي  ، والله لا تركتك حتى أمضي معك وأنصر الحسين ( عليه السلام ) ابن بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأُقتل بين يديه  ، فجزّاه خيراً فسار.
وكان الحسين ( عليه السلام ) نزل في طريقه بأرض  ، وقد عقد اثني عشر راية  ، وقد قسم راياته بين أصحابه  ، وبقيت راية  ، فقال له بعض أصحابه : مُنَّ عليَّ بحملها  ، فقال ( عليه السلام ) : يأتي إليها صاحبها  ، وقالوا : يابن رسول الله  ، دعنا نرتحل من هذه الأرض  ، فقال لهم : صبراً حتى يأتي إلينا من يحمل هذه الراية الأخرى  ، فبينما الحسين ( عليه السلام ) وأصحابه في الكلام وإذا هم بغبرة ثائرة  ، فالتفت الإمام ( عليه السلام ) وقال لهم : إن صاحب هذه الراية قد أقبل  ، فلمَّا صار حبيب قريباً من الإمام المظلوم ترجَّل عن جواده  ، وجعل يقبَّل الأرض بين يديه وهو يبكي  ، فسلَّم على الإمام وأصحابه فردَّوا عليه السلامَ  ، فسمعت زينب بنت أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فقالت : من هذا الرجل الذي قد أقبل ؟
فقال لها : حبيب بن مظاهر  ، فقالت : اقرأوه عني السلام  ، فلمَّا بلَّغوه سلامها لطم حبيب على وجهه وحثا التراب على رأسه  ، وقال : من أنا ومن أكون حتى تسلِّم عليَّ بنت أمير المؤمنين ( عليه السلام ) (1) ؟
ويقول الشاعر النبيل الحاج حسين الجامع جزاه الله تعالى خيراً في حبيب بن مظاهر شيخ الأنصار :
وشيخٌ عليه بَهَاءُ المشيبِ لِنَصْرِ عميدِ الهُدَى يمَّما
حبيبٌ وأَعْظِمْ بإيمانِهِ نَمَتْهُ الكِرَامُ لها فَانْتَمَى
لَقَدْ لازم المرتضى فَاغْتَدَى بِمَا نال من عِلْمِهِ عَيْلَما
حَبَاه الوصيُّ بِعِلْمِ الغُيُوبِ فَقَدْ كان في جَنْبِهِ مُكْرَمَا
وخاض الحُرُوبَ فأبلى بها وكان بها الفَارِسَ الضيغما


(1) معالي السبطين  ، الحائري : 370 ـ 372.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 214

وبُشِّر بالقَتْلِ دون الحسينِ فكان بهذا اللِّقَا مُغْرَما
إلى أَنْ أتاه رَسُولُ الشهيدِ أَنِ اقْدِمْ فَقَدْ آن أَنْ تَغْنَما
فلبَّى نِدَا كَعْبَةِ الوافدينَ وجاء إلى كربلا مُحْرِمَا
وَمُذْ حَلَّ في تَلَعَاتِ الطفوفِ لَهُ السِّبْطُ رَايَتَه سلَّما
فصال بها في صُفُوفِ العدى وَضَرَّجَ صَارِمَه بالدِّما
وَسَرَّ فُؤَادَ ابنةِ الطاهرينَ كَمَا سَرَّ سيِّدَه الأَعْظَمَا (1)

وفي يوم العاشر أبدى حبيب بن مظاهر شجاعته الفائقة في نصرة الغريب العطشان  ، وهو يرى الحسين ( عليه السلام ) بين الأعداء  ، وقد أحاطوا به  ، والسهام تترى عليه كرشّ المطر  ، وقد دنا وقت الصلاة  ، جاء في تاريخ الطبري قال : فقال له أبو ثمامة الصائدي رضوان الله تعالى عليه : يا أبا عبدالله  ، نفسي لك الفداء  ، إني أرى هؤلاء قد اقتربوا منك  ، ولا والله لا تقتل حتى أقتل دونك إن شاء الله  ، وأحبُّ أن ألقى ربي وقد صلّيت هذه الصلاة التي قد دنا وقتها.
قال : فرفع الحسين ( عليه السلام ) رأسه ثم قال : ذكرت الصلاة  ، جعلك الله من المصلين الذاكرين  ، نعم هذا أول وقتها  ، ثم قال : سلوهم أن يكفّوا عنا حتى نصلّي  ، فقال لهم الحصين بن تميم : إنها لا تُقبل  ، فقال له حبيب بن مظاهر : لا تُقبل زعمت الصلاة من آل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لا تقبل وتقبل منك يا حمار.
قال : فحمل عليهم حصين بن تميم وخرج إليه حبيب بن مظاهر فضرب وجه فرسه بالسيف  ، فشبَّ ووقع عنه  ، وحمله أصحابه فاستنقذوه  ، وأخذ حبيب يقول :
أُقْسِمُ لو كنَّا لكم أعدادا أو شَطْرَكم وَلَّيْتُمُ أكتادا
يا شرَّ قوم حَسَباً وآدا


(1) مهراق الدموع : 146  ، وهذه القصيدة جاءت بطلب منّا من الشاعر المذكور جزاه الله خير الجزاء وذلك قبل عدّة سنوات.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 215

قال وجعل يقول يومئذ :
أنا حبيبٌ وأبي مُظَاهِرُ فَارِسُ هيجاء وَحَرْب تَسْعَرُ
أنتم أعَدُّ عُدَّةً وأكثرُ ونحن أوفى مِنْكُمُ وأصبرُ
ونحن أعلى حجَّةً وأظهرُ حقّاً وأتقى منكُمُ وأَعْذَرُ

وجاء في رواية ابن شهر آشوب عليه الرحمة قال : فقتل اثنين وستين رجلا (1) وقال أبو مخنف : وقاتل قتالا شديداً  ، فحمل عليه رجل من بني تميم فضربه بالسيف على رأسه فقتله  ، وكان يقال له : بديل بن صريم من بني عقفان  ، وحمل عليه آخر من بني تميم فطعنه  ، فوقع فذهب ليقوم فضربه الحصين بن تميم على رأسه بالسيف فوقع  ، ونزل إليه التميمي فاحتزّ رأسه.
قال أبو مخنف : حدَّثني محمد بن قيس  ، قال : لما قُتل حبيب بن مظاهر هدَّ ذلك حسيناً ( عليه السلام )   ، وقال : عند الله أحتسب نفسي وحماة أصحابي.
وفي رواية قال بعض الرواة : ولم يزل حبيب يقاتل حتى قتل منهم خلقاً كثيراً  ، ثم قُتل  ، وقال الحسين ( عليه السلام ) : يرحمك الله يا حبيب  ، لقد كنت تختم القرآن في ليلة واحدة  ، وأنت فاضل (2).
وفي ذلك يقول الأديب الفاضل الشيخ محمّد السماوي عليه الرحمة :
إنْ يَهُدَّ الحسينَ قَتْلُ حبيب فلقد هَدَّ قَتْلُهُ كُلَّ رُكْنِ
بَطَلٌ قد لَقِي جِبَالَ الأعادي من حديد فردَّها كَالعِهْنِ
لا يُبَالي بالجمعِ حيث توخَّى فهو ينصَبُّ كانصبابِ المُزْنِ
أَخَذَ الثارَ قَبْلَ أَنْ يقتلوه سلفاً مِنْ منيَّة دونَ مَنِّ


(1) مناقب آل أبي طالب   ، ابن شهر آشوب : 3/252.
(2) ينابيع المودة  ، القندوزي : 3/71.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 216

قتلوا منه للحسينِ حبيباً جامعاً في فِعَالِهِ كلَّ حُسْنِ (1)

وتنازع الحصين مع التميمي لعنهما الله في قتل حبيب ( عليه السلام )   ، فقال له : إني لشريكك في قتله  ، فقال الآخر : والله ما قتله غيري  ، فقال الحصين : أعطنيه أعلّقه في عنق فرسي كيما يرى الناس ويعلموا أني شركت في قتله  ، ثمَّ خذه أنت بَعْدُ فامض به إلى عبيدالله ابن زياد  ، فلا حاجة لي فيما تعطاه على قتلك إياه.
قال : فأبى عليه  ، فأصلح قومه فيما بينهما على هذا  ، فدفع إليه رأس حبيب بن مظاهر  ، فجال به في العسكر قد علَّقه في عنق فرسه  ، ثمَّ دفعه بعد ذلك إليه  ، فلما رجعوا إلى الكوفة أخذ الآخر رأس حبيب فعلّقه في لبان فرسه  ، ثم أقبل به إلى ابن زياد في القصر  ، فبصر به ابنه القاسم بن حبيب وهو يومئذ قد راهق  ، فأقبل مع الفارس لا يفارقه  ، كلَّما دخل القصر دخل معه  ، وإذا خرج خرج معه  ، فارتاب به فقال : مالك يا بني تتبعُني ؟ قال : لا شيء  ، قال : بلى يا بنيّ  ، أخبرني.
قال له : إن هذا الرأس الذي معك رأس أبي  ، أفتعطينيه حتى أدفنه ؟ قال : يا بنيّ  ، لا يرضى الأمير أن يدفن  ، وأنا أريد أن يثيبني الأمير على قتله ثواباً حسناً. قال له الغلام : لكنّ الله لا يثيبك على ذلك إلاّ أسوأ الثواب  ، أما والله لقد قتلته خيراً منك  ، وبكى.
فمكث الغلام حتى إذا أدرك لم يكن له همّة إلاَّ اتباع أثر قاتل أبيه  ، ليجد منه غرّة فيقتله بأبيه  ، فلما كان زمان مصعب بن الزبير وغزا مصعب باجميرا دخل عسكر مصعب فإذا قاتل أبيه في فسطاطه  ، فأقبل يختلف في طلبه والتماس غرّته  ، فدخل عليه وهو قائل نصف النهار فضربه بسيفه حتى برد (2).

(1) معالي السبطين  ، الحائري : 376.
(2) تاريخ الطبري : 4/334 ـ 336.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 217

المجلس الرابع ، من اليوم السادس

كلمات بعض أصحاب الإمام الحسين ( عليه السلام ) وبعض
الصحابة وغيرهم في مقتل الحسين ( عليه السلام ) وفداحته

روي أن حبيب بن مظاهر الأسدي ( عليه السلام ) خاطب معسكر ابن سعد قائلا : أما والله لبئس القوم يقدمون غداً على الله عزّ وجلّ  ، وعلى رسوله محمد ( صلى الله عليه وآله )   ، وقد قتلوا ذرّيّته  ، وأهل بيته المتهجِّدين في الأسحار  ، الذاكرين الله كثيراً بالليل والنهار  ، وشيعته الأتقياء الأبرار (1).
ومن كلام برير بن خضير لهم أيضاً  ، قال : والله لا ينال شفاعة محمد ( صلى الله عليه وآله ) قوم أراقوا دماء ذرّيّته وأهل بيته  ، وقال لهم أيضاً : يا هؤلاء  ، اتقوا الله فإن نسل محمد ( صلى الله عليه وآله ) قد أصبح بين أظهركم  ، وهؤلاء ذرّيّته وعترته وبناته وحريمه  ، فهاتوا ما الذي عندكم ؟ وما تريدون أن تصنعوا بهم (2) ؟
وذكر ابن أبي الدنيا أنه لما بلغ أم سلمة قتل الحسين ( عليه السلام ) قالت : أوفعلوا ؟ ملأ الله قبورهم وبيوتهم ناراً  ، ثمَّ وقعت مغشيّاً عليها (3).
وعن شهر بن حوشب قال : سمعت أم سلمة حين جاء نعي الحسين بن علي ( عليه السلام ) لعنت أهل العراق  ، وقالت : قتلوه قتلهم الله عزّ وجلّ  ، غرَّوه وذلّوه لعنهم الله  ، ثمَّ بكت حتى أغشي عليها (4) وذكر ابن سعد عن أم سلمة أنها لما سمعت قتل

(1) كتاب الفتوح  ، ابن أعثم : 5/177.
(2) كتاب الفتوح  ، ابن أعثم : 5/180 و182.
(3) الرد على المتعصب العنيد  ، ابن الجوزي : 51 ـ 52  ، الطبقات الكبرى  ، ابن سعد : 8 ح 111  ، تاريخ دمشق  ، ابن عساكر : 13/264 ح 330 شواهد التنزيل  ، الحسكاني : 2/73.
(4) مجمع الزوائد  ، الهيثمي : 9/194  ، سير أعلام النبلاء  ، الذهبي : 3/318.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 218

الحسين ( عليه السلام ) قالت : أو قد فعلوها ؟! ملأ الله بيوت القاتلين وقبورهم ناراً  ، ثمَّ بكت حتى غشي عليها (1).
وعن منذر الثوري قال : كنا إذا ذكرنا حسيناً ومن قتل معه قال محمد بن الحنيفة : قتل معه سبعة عشر كلهم ارتكض في رحم فاطمة ( عليها السلام ) (2).
وعن أبي مخنف  ، عن عبدالرحمن بن عبيد أبي الكنود قال : لما بلغ عبدالله بن جعفر بن أبي طالب مقتل ابنيه مع الحسين ( عليه السلام ) دخل عليه بعض مواليه والناس يعزّونه  ، قال : ولا أظنّ مولاه ذلك إلاَّ أبا اللسلاس فقال : هذا ما لقينا ودخل علينا من الحسين  ، قال : فحذفه عبدالله بن جعفر بنعله  ، ثم قال : يا بن اللخناء أللحسين تقول هذا ؟ والله لو شهدته لأحببت ألا أفارقه حتى أقتل معه  ، والله إنه لمما يسخي بنفسي عنهما ويهوِّن عليَّ المصاب بهما أنهما أصيبا مع أخي وابن عمّي مواسيين له  ، صابرين معه ثم أقبل على جلسائه فقال : الحمد لله عزّ وجلّ على مصرع الحسين  ، إلا تكن آست حسيناً يدي فقد آساه ولدي (3).
وفي رواية قال عبدالله بن جعفر : لو شهدته لأحببت أن أقتل معه  ، ثم قال : عزَّ عليَّ بمصرع الحسين ( عليه السلام ) (4).
وروى الطبراني عن أبان بن الوليد قال : كتب عبدالله بن الزبير إلى ابن عباس في البيعة فأبى أن يبايعه  ، فظنَّ يزيد بن معاوية أنَّه إنما امتنع عليه لمكانه  ، فكتب يزيد بن معاوية إلى ابن عباس : أمَّا بعد فقد بلغني أن الملحد ابن الزبير دعاك إلى بيعته ليدخلك في طاعته  ، فتكون على الباطل ظهيراً  ، وفي المأثم شريكاً  ،

(1) ينابيع المودة  ، القندوزي : 3/48. (2) مجمع الزوائد : 9/198 وقال : ورواه الطبراني ( في المعجم : 3/119 ) بإسنادين  ، ورجال أحدهما رجال الصحيح. (3) تاريخ الطبري : 4/357. (4) ترجمة الإمام الحسين ( عليه السلام )   ، ابن عساكر ( الهامش ) : 340.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 219

فامتنعت عليه وانقبضت لما عرَّفك الله في نفسك من حقّنا أهل البيت  ، فجزاك الله أفضل ما يجزي الواصلين عن أرحامهم  ، الموفين بعهودهم  ، فمهما أنس من الأشياء فلست ( أنسى ) برَّك وصلتك  ، وحسن جائزتك بالذي أنت أهله منّا في الطاعة والشرف والقرابة لرسول الله ( صلى الله عليه وآله )   ، فانظر مَنْ قبلك من قومك وَمَنْ يطرأ عليك من أهل الآفاق ممن يسحره ابن الزبير بلسانه وزخرف قوله  ، فخذِّلهم عنه فإنهم لك أطوع  ، ومنك أسمع منهم للملحد الخارب المارق  ، والسلام.
فكتب ابن عباس إليه : أمّا بعد  ، فقد جاءني كتابك تذكر دعاء ابن الزبير إياي الذي دعاني إليه  ، وإني امتنعت معرفة لحقّك  ، فإن يكن ذلك كذلك فلست برَّك أرجو بذلك  ، ولكن الله بما أنوي به عليم.
وكتبت إليَّ أن أحثَّ الناس عليك  ، وأخذِّلهم عن ابن الزبير  ، فلا سروراً ولا حبوراً  ، بفيك الكثكث  ، ولك الأثلب  ، إنك لعازب إن منَّتك نفسك  ، وإنك لأنت المنفرد المثبور.
وكتبت إليَّ تذكر تعجيل برّي وصلتي فاحبس ـ أيُّها الإنسان ـ عنّي برَّك وصلتك  ، فإني حابس عنك ودّي ونصرتي  ، ولعمري ما تعطينا مما في يديك لنا إلاَّ القليل  ، وتحبس منه العريض الطويل  ، لا أباً لك.
أتراني أنسى قتلك حسيناً وفتيان بني عبدالمطلب  ، مصابيح الدجى ونجوم الأعلام  ، غادرتهم جنودك بأمرك فأصبحوا مصرَّعين في صعيد واحد  ، مزمَّلين في الدماء  ، مسلوبين بالعراء  ، لا مكفَّنين ولا موسَّدين  ، تسفيهم الرياح  ، وتغزوهم الذئاب  ، وتنتابهم عرج الضباع  ، حتى أتاح الله لهم قوماً لم يشركوا في دمائهم  ، فكفَّنوهم وأجنوهم  ، وبهم والله وبي منَّ الله عليك فجلست في مجلسك الذي أنت فيه.
ومهما أنس من الأشياء فلست أنسى تسليطك عليهم الدعيَّ ابن الدعيِّ

المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 220

للعاهرة الفاجرة  ، البعيد رحماً  ، اللئيم أباً وأماً  ، والذي اكتسب أبوك في ادّعائه لنفسه العار والمأثم والمذلّة والخزي في الدنيا والآخرة  ، لأن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال : الولد للفراش وللعاهر الحجر  ، وإن أباك زعم أن الولد لغير الفراش ولا يضرّ العاهر  ، ويلحق به ولده كما يلحق ولد البغي المرشد  ، ولقد أمات أبوك السنة جهلا  ، وأحيى الأحداث المضلة عمداً.
ومهما أنس من الأشياء فلست أنسى تسييرك حسيناً من حرم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلى حرم الله  ، وتسييرك إليهم الرجال  ، وإدساسك إليهم أن هو نذر بكم فعاجلوه  ، فما زلت بذلك حتى أشخصته من مكة إلى أرض الكوفة  ، تزأر إليه خيلك وجنودك زئير الأسد  ، عداوة منك لله ولرسوله ( صلى الله عليه وآله ) ولأهل بيته  ، ثمَّ كتبت إلى ابن مرجانة يستقبله بالخيل والرجال والأسنّة والسيوف  ، ثمَّ كتبت إليه بمعاجلته وترك مطاولته حتى قتلته ومن معه من فتيان بني عبدالمطلب  ، أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهَّرهم تطهيراً  ، نحن أولئك لا كآبائك الأجلاف الجفاة أكباد الحمير.
ولقد علمت أنه كان أعزّ أهل البطحاء بالبطحاء قديماً  ، وأعزَّه بها حديثاً لو ثوى بالحرمين مقاماً  ، واستحلّ بها قتالا  ، ولكنَّه كره أن يكون هو الذي يستحلّ به حرم الله وحرم رسوله ( صلى الله عليه وآله ) وحرمة البيت الحرام  ، فطلب إليكم الحسين الموادعة  ، وسألكم الرجعة  ، فاغتنمتم قلّة أنصاره واستئصال أهل بيته  ، كأنكم تقتلون أهل بيت من الترك أو كابل  ، فكيف تحدوني على ودّك  ، وتطلب نصرتي وقد قتلت بني أبي  ، وسيفك يقطر من دمي وأنت آخذ ثأري ؟ فإن يشأ الله لا يطلّ لديك دمي  ، ولا تسبقني بثأري  ، وإن تسبقنا به فقبلنا ما قبلت النبيون وآل النبيين  ، فطلَّت دماؤهم في الدنيا  ، وكان الموعد الله  ، فكفى بالله للمظلومين ناصراً  ، ومن الظالمين منتقماً.
والعجب كل العجب ـ وما عشت يريك الدهر العجب ـ حملك بنات

المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 221

عبدالمطلب ، وحملك أبناءهم أغيلمة صغاراً إليك بالشام ، تري الناس أنك قد قهرتنا ، وأنك تذلّنا ، وبهم والله وبي منَّ الله عليك وعلى أبيك وأمك من النساء ، وأيم الله إنك لتمسي وتصبح أمناً لجراح يدي ، وليعظمن جرحك بلساني ونقضي وإبرامي ، فلا يستفزّنك الجدل ، فلن يمهلك الله بعد قتلك عترة رسوله إلاّ قليلا حتى يأخذك أخذاً أليماً ، ويخرجك من الدنيا آثماً مذموماً ، فعش لا أباً لك ما شئت فقد أرداك عند الله ما اقترفت.
فلما قرأ يزيد الرسالة قال : لقد كان ابن عباس مضياً على الشر (1).
وذكر ابن الأثير أنه لما رأى زيد بن أرقم رأس الحسين ( عليه السلام ) بين يدي ابن زياد ـ وهو يضرب الرأس الشريف بمخصرته ـ خرج وهو يقول : أنتم ـ يا معشر العرب ـ العبيد بعد اليوم ، قتلتم الحسين بن فاطمة ( عليها السلام ) ، وأمَّرتم ابن مرجانة ، فهو يقتل خياركم ويستعبد شراركم (2).
ولما رجع كعب بن جابر قالت له امرأته أو أخته النوار بنت جابر : أعنت على ابن فاطمة ، وقتلت سيِّد القرّاء ، لقد أتيت عظيماً من الأمر ، والله لا أكلِّمك من رأسي كلمة أبداً (3).
وقال سليمان بن قتة يرثي الحسين ( عليه السلام ) :
وإنّ قتيلَ الطفِّ من آلِ هاشم أذلَّ رِقَابَ المسلمينَ فذلَّتِ (4)

وروى ابن أبي شيبة ، عن عمرو بن بعجة قال : إن أول ذلّ دخل على العرب

(1) المعجم الكبير ، الطبراني : 10/241 ـ 242 ح 10590 ، ومجمع الزوائد ، الهيثمي : 7/251 ، تأريخ اليعقوبي : 2/248 ـ 250.
(2) أسد الغابة ، ابن الأثير : 2/21.
(3) تاريخ الطبري : 4/329.
(4) مقاتل الطالبيين ، الأصبهاني : 81 ، معجم البلدان ، الحموي : 4/36.

السابق السابق الفهرس التالي التالي