المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 134

تحت الظلال قد كمنوا لكم ، فنزعوا تخاتج المسجد ، وجعلوا يخفضون بشعل النار في أيديهم وينظرون ، وكانت أحياناً تضيء لهم ، وتارة لا تضيء لهم كما يريدون ، فدلّوا القناديل ، وأطنان القصب تشدّ بالحبال ثم يجعل فيها النيران ، ثمّ تدلّى حتى ينتهي إلى الأرض ، ففعلوا ذلك في أقصى الظلال وأدناها وأوسطها حتى فعل ذلك بالظلّة التي فيها المنبر ، فلمَّا لم يروا شيئاً أعلموا ابن زياد بتفرّق القوم.
ففتح باب السدّة التي في المسجد ، ثمَّ خرج فصعد المنبر ، وخرج أصحابه معه ، وأمرهم فجلسوا قبيل العتمة ، وأمر عمر بن نافع فنادى : ألا برئت الذمة من رجل من الشُرَط أو العرفاء والمناكب أو المقاتلة صلَّى العتمة إلاَّ في المسجد ، فلم يكن إلاّ ساعة حتى امتلأ المسجد من الناس ، ثم أمر مناديه فأقام الصلاة وأقام الحرس خلفه وأمرهم بحراسته من أن يدخل إليه من يغتاله ، وصلَّى بالناس. ثمَّ صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أما بعد ، فإن ابن عقيل السفيه الجاهل قد أتى ما رأيتم من الخلاف والشقاق ، فبرئت ذمة الله من رجل وجدناه في داره ، ومن جاء به فله ديته ، اتقوا الله عباد الله ، والزموا الطاعة وبيعتكم ، ولا تجعلوا على أنفسكم سبيلا.
يا حصين بن نمير! ثكلتك أمك إن ضاع باب سكة من سكك الكوفة ، وخرج هذا الرجل ولم تأتني به ، وقد سلَّطتك على دور أهل الكوفة ، فابعث مراصد على أهل الكوفة ودورهم ، وأصبح غداً واستبرء الدور ، وجسْ خلالها حتى تأتيني بهذا الرجل ، وكان الحصين بن نمير على شرطه ، وهو من بني تميم ، ثم دخل ابن زياد القصر وقد عقد لعمرو بن حريث راية ، وأمَّره على الناس.
فلمّا أصبح جلس مجلسه وأذن للناس ، فدخلوا عليه ، وأقبل محمد بن الأشعث فقال : مرحباً بمن لا يُستغشّ ولا يُتَّهم ، ثم أقعده إلى جنبه ، وأصبح ابن تلك العجوز فغدا إلى عبدالرحمن بن محمد بن الأشعث ، فأخبره بمكان مسلم بن

المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 135

عقيل عند أمه ، فأقبل عبدالرحمن حتى أتى أباه وهو عند ابن زياد فسارَّه ، فعرف ابن زياد سراره ، فقال له ابن زياد بالقضيب في جنبه : قم فأتني به الساعة ، فقام وبعث معه قومه لأنه قد علم أن كل قوم يكرهون أن يصاب فيهم مثل مسلم بن عقيل.
فبعث معه عبيدالله بن عباس السلمي في سبعين رجلا من قيس حتى أتوا الدار التي فيها مسلم بن عقيل ( عليه السلام ) ، فلمَّا سمع وقع حوافر الخيل وأصوات الرجال علم أنه قد أتي.
( وفي رواية : فعجَّل دعاءه الذي كان مشغولا به بعد صلاة الصبح ، ثمَّ لبس لامته وقال لطوعة : قد أدَّيتِ ما عليك من البر ، وأخذتِ نصيبك من شفاعة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، ولقد رأيت البارحة عمي أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في المنام وهو يقول لي : أنت معي في الجنة ) (1) وخرج إليهم مصلتاً سيفه وقد اقتحموا عليه الدار ، فشدَّ عليهم يضربهم بسيفه حتى أخرجهم من الدار ، قال ابن شهر آشوب عليه الرحمة : فحمل مسلم عليهم وهو يقول :
هو الموتُ فاصنع وَيْكَ ما أنت صَانِعُ فأنتَ لكأسِ الموتِ لا شكَّ جَارِعُ
فصبراً لأمرِ اللهِ جَلَّ جلالُهُ فَحُكْمُ قَضَاءِ اللهِ في الخلقِ ذائعُ

فقتل منهم واحداً وأربعين رجلا (2)
قال محمد بن أبي طالب : لما قَتل مسلم منهم جماعة كثيرة ، وبلغ ذلك ابن زياد ، أرسل إلى محمد بن الأشعث يقول : بعثناك إلى رجل واحد لتأتينا به ، فثلم في أصحابك ثلمة عظيمة ، فكيف إذا أرسلناك إلى غيره ؟ فأرسل ابن الأشعث : أيها الأمير ، أتظنّ أنك بعثتني إلى بقَّال من بقالي الكوفة ، أو إلى جرمقاني من جرامقة

(1) نفس المهموم ، الشيخ عباس القمي : 56.
(2) مناقب آل أبي طالب ، ابن شهر آشوف : 4/93 ، مقتل الحسين ( عليه السلام ) ، المقرم : 159.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 136

الحيرة ؟ أو لم تعلم أيها الأمير أنك بعثتني إلى أسد ضرغام  ، وسيف حسام  ، في كفّ بطل همام  ، من آل خير الأنام  ، فأرسل إليه ابن زياد : أعطه الأمان فإنك لا تقدر عليه إلاّ به (1) وفي رواية قال : وإنما أرسلتني إلى سيف من أسياف محمد بن عبدالله ( صلى الله عليه وآله )   ، فمدّه بالعسكر (2).
قال العلامة المجلسي عليه الرحمة : روي في بعض كتب المناقب عن عمرو بن دينار قال : أرسل الحسين ( عليه السلام ) مسلم بن عقيل إلى الكوفة وكان مثل الأسد  ، قال عمرو وغيره : لقد كان من قوّته أنه يأخذ الرجل بيده  ، فيرمي به فوق البيت (3).
رجعنا إلى رواية الشيخ المفيد عليه الرحمة قال : ثمَّ عادوا إليه  ، فشدَّ عليهم كذلك  ، فاختلف هو وبكر بن حمران الأحمري ضربتين  ، فضرب بكر فم مسلم  ، فقطع شفته العليا  ، وأسرع السيف في السفلى وفصلت له ثنيتاه  ، وضرب مسلم في رأسه ضربة منكرة  ، وثنَّاه بأخرى على حبل العاتق  ، كادت تطلع إلى جوفه.
فلمَّا رأوا ذلك أشرفوا عليه من فوق البيت  ، وأخذوا يرمونه بالحجاة  ، ويلهبون النار في أطنان القصب ثمَّ يرمونها عليه من فوق البيت  ، فلما رأى ذلك خرج عليهم مصلتاً بسيفه في السكة  ، فقال محمد بن الأشعث : لك الأمان لا تقتل نفسك  ، وهو يقاتلهم ويقول :
أقسمتُ لا أُقتلُ إلاّ حرّا وإنْ رأيتُ الموتَ شيئاً نُكْرا
ويُخْلَطُ الباردُ سُخْناً مرّا رَدَّ شُعَاعَ الشمس فاستقرّا
كلُّ امرىء يوماً ملاق شراً أخافُ أن أُكْذَبَ أو أُغرَّا

فقال له محمد بن الأشعث : إنك لا تكذب ولا تغرّ ولا تخدع  ، إن القوم بنو

(1) بحار الأنوار  ، المجلسي : 44/354.
(2) المنتخب  ، الطريحي : 299 الليلة العاشرة.
(3) بحار الأنوار  ، المجلسي : 44/354.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 137

عمك  ، وليسوا بقاتليك  ، ولا ضائريك  ، وكان قد أثخن بالحجارة  ، وعجز عن القتال فانتهز واستند ظهره إلى جنب تلك الدار.
( وجاء في بعض الروايات : وأثخنته الجراحات وأعياه نزف الدم فاستند إلى جنب تلك الدار  ، فتحاملوا عليه يرمونه بالسهام والحجارة  ، فقال : ما لكم ترموني بالحجارة كما ترمى الكفار وأنا من أهل بيت الأنبياء الأبرار ؟ ألا ترعون حقّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في عترته ؟ فقال له ابن الأشعث : لا تقتل نفسك وأنت في ذمتي  ، قال مسلم ( عليه السلام ) : أأوسر وبي طاقة ؟ لا والله لا يكون  ، لا يكون ذلك أبداً  ، وحمل على ابن الأشعث فهرب منه  ، ثمَّ حملوا عليه من كل جانب  ، وقد اشتد به العطش  ، فطعنه رجل من خلفه فسقط إلى الأرض وأسر (1).
وقيل : إنهم عملوا له حفيرة وستروها بالتراب  ، ثمَّ انكشفوا بين يديه حتى إذا وقع فيها أسروه ) (2) ولله درّ السيد رضا الهندي عليه الرحمة إذ يقول :
فللهِ من مُفْرَد أسلموه لحكم الدعيِّ فما استسلما
وآثَرَ وهو وليدُ الأُبَاةِ بأَنْ يَرْكَبَ الأخطرَ الأعظما
ولمَّا رأوا بَأْسَه في الوغى شديداً يُجَلُّ بأَنْ يُرْغَما
أطلُّوا على شُرُفَاتِ السُّطُوحِ ويَرْمُونَهُ الْحَطَبَ المُضْرَما
ولولا خديعتُهُمْ بالأمانِ لَمَا أوثقوا الأَسَدَ الضَّيْغَما (3)

وفي رواية الشيخ المفيد عليه الرحمة قال : فأعاد ابن الأشعث عليه القول : لك الأمان  ، فقال : آمنٌ أنا ؟ قال : نعم  ، فقال للقوم الذين معه : ألي الأمان ؟ قال القوم له : نعم  ، إلاَّ عبيدالله بن العباس السلمي فإنه قال : لا ناقة لي في هذا ولا جمل،

(1) مناقب آل أبي طالب  ، ابن شهر آشوب : 44/244  ، مقتل الحسين ( عليه السلام )   ، الخوارزمي 1/209 ـ 210.
(2) المنتخب  ، الطريحي : 299 الليلة العاشرة.
(3) المنتخب من الشعر الحسيني  ، السيد علي أصغر الحسيني : 174.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 138

ثمَّ تنحَّى.
فقال مسلم : أما لو لم تأمنوني ما وضعت يدي في أيديكم  ، فأتي ببغلة فحمل عليها  ، واجتمعوا حوله ونزعوا سيفه  ، وكأنه عند ذلك يئس من نفسه  ، فدمعت عيناه  ، ثمَّ قال : هذا أول الغدر  ، فقال له محمد بن الأشعث : أرجو أن لا يكون عليك بأس  ، قال : وما هو إلاَّ الرجاء ؟ أين أمانكم ؟ إنّا لله وإنّا إليه راجعون  ، وبكى  ، فقال له عبيدالله بن العباس : إن من يطلب مثل الذي طلبت إذا ينزل به مثل ما نزل بك لم يبكِ  ، قال : والله إني ما لنفسي بكيت  ، ولا لها من القتل أرثي  ، وإن كنتُ لم أحبَّ لها طرفة عين تلفاً  ، ولكني أبكي لأهلي المقبلين  ، إني أبكي للحسين وآل الحسين ( عليه السلام ).
ولله درّ الشيخ حسين الحياوي عليه الرحمة إذ يقول :
قد خاض بَحْرَ الموتِ في حَمَلاتِهِ وعُبَابُهُ بِصِفَاحِهِم مُتَلاطِمُ
وتراه طَلاَّعَ الثنايا في الوَغَى تبكي العدى والثغرُ منه باسمُ
قد آمنته وَلاَ أَمَانَ لِغَدْرِها فَبَدَتْ له مما تُجِنُّ عَلاَئِمُ
سلبته لاَمَةَ حَرْبِهِ ثمَّ اغتدى متأمِّراً فيه ظلُومٌ غاشمُ
أسرته ملتهبَ الفؤادِ من الظما وله على الْوَجَناتِ دَمْعٌ سَاجِمُ
لم يبكِ من خوف على نفس لكنَّه أبكاه رَكْبٌ قَادِمُ
يبكي حسيناً أن يُلاَقيَ مالقي من غَدْرِهِم فَتُبَاحَ منه مَحَارِمُ (1)

ثم أقبل على محمد بن الأشعث فقال : يا عبدالله  ، إني أراك والله ستعجز عن أماني  ، فهل عندك خير ؟ تستطيع أن تبعث من عندك رجلا على لساني أن يبلغ حسيناً ـ فإني لا أراه إلاّ وقد خرج اليوم أو خارج غداً وأهل بيته ـ ويقول له : إن ابن عقيل بعثني إليك  ، وهو أسير في يد القوم لا يرى أنه يمسي حتى يقتل  ، وهو يقول لك : ارجع فداك أبي وأمي بأهل بيتك  ، ولا يغررك أهل الكوفة فإنهم

(1) رياض المدح والرثاء  ، الشيخ حسين القديحي : 146.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 139

أصحاب أبيك الذي كان يتمنّى فراقهم بالموت أو القتل  ، إن أهل الكوفة قد كذبوك وليس لمكذوب رأي  ، فقال ابن الأشعث : والله لأفعلنَّ ولأعلمن ابن زياد أني قد أمنتك.
قال الشيخ المفيد عليه الرحمة : وأقبل ابن الأشعث بابن عقيل إلى باب القصر  ، واستأذن فأذن له  ، فدخل على عبيدالله بن زياد  ، فأخبره خبر ابن عقيل  ، وضرب بكر إياه  ، وما كان من أمانه له  ، فقال له عبيدالله : وما أنت والأمان ؟ كأنّا أرسلناك لتؤمنه  ، إنما أرسلناك لتأتينا به  ، فسكت ابن الأشعث وانتهى بابن عقيل إلى باب القصر  ، وقد اشتدَّ به العطش  ، وعلى باب القصر ناس جلوس  ، ينتظرون الإذن  ، فيهم عمارة بن عقبة بن أبي معيط  ، وعمرو بن حريث  ، ومسلم بن عمرو  ، وكثير بن شهاب  ، وإذا قلّةٌ باردةٌ موضوعةٌ على الباب  ، فقال مسلم : اسقوني من هذا الماء.
فقال له مسلم بن عمرو : أتراها ما أبردها ؟! لا والله لا تذوق منها قطرة أبداً حتى تذوق الحميم في نار جهنم  ، فقال له ابن عقيل : ويحك  ، من أنت ؟ فقال : أنا الذي عرف الحق إذ أنكرته  ، ونصح لإمامه إذ غششته  ، وأطاعه إذ خالفته  ، أنا مسلم بن عمرو الباهلي  ، فقال له ابن عقيل : لأمك الثكل  ، ما أجفاك واقطعك وأقسى قلبك! أنت ـ يا ابن باهلة ـ أولى بالحميم والخلود في نار جهنم مني.
ثم جلس فتساند إلى حائط  ، وبعث عمرو بن حريث غلاماً له فأتاه بقلّة عليها منديل وقدح  ، فصبَّ فيه ماء  ، فقال له : اشرب  ، فأخذ كلّما شرب امتلأ القدح دماً من فمه  ، ولا يقدر أن يشرب  ، ففعل ذلك مرتين  ، فلمَّا ذهب في الثالثة ليشرب سقطت ثناياه في القدح  ، فقال : الحمد لله  ، لو كان لي من الرزق المقسوم لشربته. ولله درّ من قال من الشعراء :
عينُ جودي لمسلمِ بنِ عقيلِ لرسولِ الحسينِ سبطِ الرسولِ


المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 140

لغريب بَيْنَ الأعادي وحيد وقتيل لنَصْرِ خيرِ قتيلِ
وابكِ مَنْ قد بكاه أحمدُ شجواً قَبْلَ ميلادِهِ بعهد طويلِ
وبكاه الحسينُ والآلُ لمَّا جاءهم نَعْيُه بدمع هَمُولِ
تركوه لدى الهِيَاجِ وحيداً لعدوٍّ مُطالب بذُحُولِ
ثمَّ ساقوه بينهم يتهادى للدعيِّ الرذيلِ وابنِ الرذيلِ
ظامياً طاوياً عليلا جريحاً طالباً منهُمُ رُوَاءَ الغليلِ (1)

قال الراوي : وخرج رسول ابن زياد فأمر بإدخاله إليه  ، فلمَّا دخل لم يسلِّم عليه بالإمرة  ، فقال له الحرسي : ألا تسلِّم على الأمير ؟ فقال : إن كان يريد قتلي فما سلامي عليه  ؟ ! (2)   ، وفي رواية السيد ابن طاووس قال : فقال له : اسكت ويحك  ، والله ما هو لي بأمير  ، فقال ابن زياد : لا عليك  ، سلَّمت أم لم تسلِّم فإنك مقتول  ، فقال له مسلم : إن قتلتني فلقد قتل مَنْ هو شرٌّ منك من هو خير مني  ، وبعد فإنك لا تدع سوء القتلة  ، وقبح المثلة  ، وخبث السريرة  ، ولؤم الغلبة  ، لا أحد أولى بها منك  ، فقال له ابن زياد : يا عاقّ  ، يا شاقّ  ، خرجت على إمامك  ، وشققت عصا المسلمين  ، وألقحت الفتنة بينهم.
فقال له مسلم : كذبت يا بن زياد  ، إنما شقَّ عصا المسلمين معاوية وابنه يزيد  ، وأما الفتنة فإنما ألقحها أنت وأبوك زياد بن عبيد  ، عبد بني علاج من ثقيف  ، وأنا أرجو أن يرزقني الله الشهادة على يدي شرّ بريّته (3).
فقال له ابن زياد : لعمري لتقتلن  ، قال : كذلك ؟ قال : نعم  ، قال : فدعني أوصي إلى بعض قومي  ، قال : افعل  ، فنظر مسلم إلى جلساء عبيدالله بن زياد،

(1) المنتخب من الشعر الحسيني  ، السيد علي أصغر المدرسي : 171.
(2) الإرشاد  ، المفيد : 2/58 ـ 61.
(3) اللهوف في قتلى الطفوف  ، السيد ابن طاووس الحسني : 35.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 141

وفيهم عمر بن سعد بن أبي وقاص  ، فقال : يا عمر  ، إن بيني وبينك قرابة  ، ولي إليك حاجة  ، وقد يجب لي عليك نجح حاجتي  ، وهي سرٌّ  ، فامتنع عمر أن يسمع منه  ، فقال له عبيدالله بن زياد : لم تمتنع أن تنظر في حاجة ابن عمّك ؟ فقام معه فجلس حيث ينظر إليهما ابن زياد  ، فقال له : إن عليَّ بالكوفة ديناً استدنته منذ قدمت الكوفة سبع مائة درهم  ، فبع سيفي ودرعي فاقضها عني  ، وإذا قتلت فاستوهب جثتي من ابن زياد فوارها  ، وابعث إلى الحسين ( عليه السلام ) من يردّه  ، فإني قد كتبت إليه أعلمه أن الناس معه  ، ولا أراه إلاّ مقبلا.
فقال عمر لابن زياد : أتدري ـ أيها الأمير ـ ما قال لي ؟ إنه ذكر كذا وكذا فقال ابن زياد : إنه لا يخونك الأمين  ، ولكن قد يؤتمن الخائن  ، أمّا ماله فهو له  ، ولسنا نمنعك أن تصنع به ما أحبَّ  ، وأمّا جثّته فإنا لا نبالي إذا قتلناه ما صُنع بها  ، وأمّا حسين فإنه إن لم يردنا لم نرده.
ثمَّ قال ابن زياد : إيه ابن عقيل  ، أتيت الناس وهم جمع فشتَّت بينهم  ، وفرّقت كلمتهم  ، وحملت بعضهم على بعض  ، قال : كلا لست لذلك أتيت  ، ولكنَّ أهل المصر زعموا أن أباك قتل خيارهم  ، وسفك دماءهم  ، وعمل فيهم أعمال كسرى وقيصر  ، فأتيناهم لنأمر بالعدل  ، وندعو إلى الكتاب  ، فقال له ابن زياد : وما أنت وذاك يا فاسق ؟ لِمَ لمْ تعمل فيهم بذلك إذ أنت بالمدينة تشرب الخمر ؟
قال مسلم : أنا أشرب الخمر ؟ أما ـ والله ـ إن الله ليعلم أنك غير صادق وأنك قد قلت بغير علم  ، وأني لست كما ذكرت  ، وأنك أحقّ بشرب الخمر مني  ، وأولى بها من يلغ في دماء المسلمين ولغاً  ، فيقتل النفس التي حرَّم الله قتلها  ، ويسفك الدم الذي حرَّم الله على الغصب والعداوة  ، وسوء الظن  ، وهو يلهو ويلعب  ، كأن لم يصنع شيئاً.
فقال له ابن زياد : يا فاسق  ، إن نفسك منَّتك ما حال الله دونه  ، ولم يرك الله له

المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 142

أهلا  ، فقال مسلم : فمن أهله إذا لم نكن نحن أهله  ؟ فقال ابن زياد : أمير المؤمنين يزيد  ، فقال مسلم : الحمد لله على كل حال  ، رضينا بالله حكماً بيننا وبينكم  ، فقال له ابن زياد : قتلني الله إن لم أقتلك قتلة لم يقتلها أحد في الإسلام من الناس.
فقال له مسلم : أما إنك أحق من أحدث في الإسلام ما لم يكن  ، وإنك لا تدع سوء القتلة  ، وقبح المثلة  ، وخبث السيرة  ، ولؤم الغلبة  ، لا أحد أولى بها منك  ، فأقبل ابن زياد يشتمه ويشتم الحسين وعلياً وعقيلا  ، وأخذ مسلم لا يكلِّمه.
ولله درّ السيد رضا الهندي عليه الرحمة إذ يقول :
وجاؤوا به مُثْقَلا بالجراحِ ظمآن أعياهُ نَزْفُ الدِّمَا
غَريبَ الدِّيَارِ فَدَتْكَ النفوسُ تُكَابِدُ وَحْدَكَ ما استُعظما
أَتُوْقَفُ بين يَدَيْ فاجر ويسقيك من كَأْسِهِ العلقما
ويشتمُ أُسْرَتَك الطيِّبين وقد كان أولى بأَنْ يُشْتََما
وَتُقْتَلُ صبراً ولا ناصرٌ وَلاَ مَنْ يقيمُ لك المأتما (1)

ثم قال ابن زياد : اصعدوا به فوق القصر  ، فاضربوا عنقه  ، ثم أتبعوا جسده  ، فقال مسلم ( عليه السلام ) : والله لو كان بيني وبينك قرابة ما قتلتني  ، فقال ابن زياد : أين هذا الذي ضرب ابن عقيل رأسه بالسيف ؟ فدعا بكر بن حمران الأحمري  ، فقال له : اصعد فليكن أنت الذي تضرب عنقه  ، فصعد به  ، وهو يكبِّر ويستغفر الله ويصلّي على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ويقول : اللهم احكم بيننا وبين قوم غرّونا وكذّبونا وخذلونا  ، وأشرفوا به على موضع الحذّائين اليوم  ، فضرب عنقه وأتبع جسده رأسه (2).
وقال السيد ابن طاووس عليه الرحمة بعد ما ذكر بعض ما مرَّ : فضرب عنقه ونزل مذعوراً  ، فقال له ابن زياد : ما شأنك ؟ فقال : أيها الأمير  ، رأيت ساعة قتلته

(1) المنتخب من الشعر الحسيني  ، السيد علي أصغر الحسيني : 174.
(2) كتاب الإرشاد  ، المفيد : 2/61 ـ 63.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 143

رجلا أسود سيّيء الوجه حذائي  ، عاضّاً على إصبعه أو قال : شفتيه  ، ففزعت فزعاً لم أفزعه قط! فقال ابن زياد : لعلّك دهشت (1).
وقال المسعودي : دعا ابن زياد بكير بن حمران الذي قتل مسلماً  ، فقال : أقتلته ؟ قال : نعم  ، قال : فما كان يقول وأنتم تصعدون به لتقتلوه ؟ قال : كان يُكبِّر ويُسبِّح ويُهلِّل ويستغفر الله  ، فلمّا أدنيناه لنضرب عنقه قال : اللهم احكم بيننا وبين قوم غرّونا وكذّبونا ثم خذلونا وقتلونا  ، فقلت له : الحمد لله الذي أقادني منك  ، وضربته ضربة لم تعمل شيئاً  ، فقال لي : أوما يكفيك فيَّ خدش مني وفاء بدمك أيها العبد ؟ قال ابن زياد : وفخراً عند الموت ؟ قال : وضربته الثانية فقتلته (2).
قال الشيخ المفيد عليه الرحمة : فقام محمد بن الأشعث إلى عبيدالله بن زياد فكلَّمه في هانىء بن عروة  ، فقال : إنك قد عرفت موضع هانىء من المصر  ، وبيته في العشيرة  ، وقد علم قومه أني وصاحبي سقناه إليك  ، وأنشدك الله لمّا وهبته لي  ، فإني أكره عداوة المصر وأهله  ، فوعده أن يفعل  ، ثم بداله وأمر بهانىء في الحال  ، فقال : أخرجوه إلى السوق فاضربوا عنقه  ، فأخرج هانىء حتى أتي به إلى مكان من السوق كان يباع فيه الغنم  ، وهو مكتوف  ، فجعل يقول : وامذحجاه ولا مذحج لي اليوم  ، يا مذحجاه  ، يا مذحجاه  ، أين مذحج ؟ فلمَّا رأى أن أحداً لا ينصره جذب يده فنزعها من الكتاف  ، ثم قال : أما من عصا أو سكين أو حجارة أو عظم يحاجز به رجل عن نفسه ؟ ووثبوا إليه فشدّوه وثاقاً  ، ثم قيل له : امدد عنقك  ، فقال : ما أنا بها بسخيٍّ  ، وما أنا بمعينكم على نفسي  ، فضربه مولى لعبيدالله بن زياد تركي يقال له : رشيد بالسيف  ، فلم يصنع شيئاً  ، فقال له هانىء : إلى الله المعاد  ، اللهم إلى رحمتك ورضوانك  ، ثم ضربه أخرى فقتله.

اللهوف في قتلى الطفوف  ، ابن طاووس : 36  ، بحار الأنوار  ، المجلسي : 44/357.
مروج الذهب  ، المسعودي : 3/60.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 144

ولما قتل مسلم بن عقيل وهانىء بن عروة رحمة الله عليهما بعث ابن زياد برأسيهما مع هانىء بن أبي حية الوادعي والزبير بن الأروح التميمي إلى يزيد ابن معاوية...
وفي مسلم بن عقيل وهانىء بن عروة رحمهما الله يقول عبدالله بن الزبير الأسدي :
فإن كنتِ لا تدرين ما الموتُ فانظري إلى هانىء في السوقِ وابنِ عقيلِ
إلى بَطَل قد هشَّمَ السيفُ وَجْهَه وآخَرَ يهوي من طِمَارِ قتيلِ
أصابهما أمرُ اللعينِ فأصبحا أحاديثَ مَنْ يسري بكلِّ سبيلِ
ترى جسداً قد غيَّر الموتُ لَوْنَهُ وَنَضْحَ دم قد سال كلَّ مَسِيلِ
فتىً كان أحيى من فتاة حيّية وَأقْطَعَ من ذي شفرتينِ صقيلِ
أيركبُ أسماءُ الهماليجَ آمناً وقد طالبته مَذْحجٌ بذُحُولِ
تُطِيفُ حواليه مُرَادٌ وكلُّهم على رقبة من سائل ومسولِ (1)

المجلس الرابع ، من اليوم الرابع

وصول خبر مقتل مسلم للحسين ( عليه السلام )
وخبر ابنته حميدة

قال السيد ابن طاووس عليه الرحمة : ثمَّ سار الحسين ( عليه السلام ) حتى بلغ زبالة  ، فأتاه فيها خبر مسلم بن عقيل  ، فعرَّف بذلك جماعة ممن تبعه فتفرَّق عنه أهل الأطماع والارتياب  ، وبقي معه أهله وخيار الأصحاب.
قال الراوي : وارتجَّ الموضع بالبكاء والعويل لقتل مسلم بن عقيل (عليه السلام ) ،

(1) الإرشاد  ، المفيد : 2/63 ـ 65  ، بحار الأنوار  ، المجلسي : 44/349 ـ 360.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 145

وسالت الدموع كل مسيل  ، ثم إن الحسين ( عليه السلام ) سار قاصداً لما دعاه الله  ، فلقيه الفرزدق الشاعر فسلَّم عليه وقال : يا ابن رسول الله  ، كيف تركن إلى أهل الكوفة وهم الذين قتلوا ابن عمِّك مسلم بن عقيل وشيعته ؟ قال : فاستعبر الحسين ( عليه السلام ) باكياً ثم قال : رحم الله مسلماً  ، فلقد صار إلى رَوح الله وريحانه  ، وتحيّته ورضوانه  ، أما إنه قد قضى ما عليه  ، وبقي ما علينا  ، ثم أنشأ يقول :
فإنْ تكن الدنيا تُعَدُّ نفسيةً فَدَارُ ثوابِ اللهِ أعلى وأنبلُ
وإن تكن الأبدانُ للموتِ أُنشئت فَقَتْلُ امرء بالسيفِ في اللهِ أفضلُ
وإن تكن الأرزاقُ قسماً مقدَّراً فَقِلَّةُ حِرْصِ المرءِ في الرزقِ أجملُ
وإن تكن الأموالُ للتركِ جَمْعُها فما بالُ متروك به المرءُ يبخلُ (1)

وروي في خبر آخر عن عبدالله بن سليمان والمنذر بن المشمعل الأسديين قالا : لمّا قضينا حجَّنا لم تكن لنا همّة  ، إلاَّ اللحاق بالحسين ( عليه السلام ) لننظر ما يكون من أمره  ، فأقبلنا ترقل بنا ناقتانا مسرعين حتى لحقنا بزرود  ، فلمَّا دنونا منه إذا نحن برجل من أهل الكوفة قد عدل عن الطريق حين رأى الحسين ( عليه السلام )   ، فوقف الحسين كأنه يريده  ، ثمَّ تركه ومضى ومضينا نحوه  ، فقال أحدنا لصاحبه : اذهب بنا إلى هذا لنسأله  ، فإنَّ عنده خبر الكوفة  ، فمضينا إليه فقلنا : السلام عليك  ، فقال : وعليكما السلام  ، قلنا : ممن الرجل ؟ قال : أسدي  ، قلنا له : ونحن أسديان  ، فمن أنت ؟ قال : أنا بكر بن فلان  ، وانتسبنا له  ، ثم قلنا له : أخبرنا عن الناس من ورائك.
قال : لم أخرج من الكوفة حتى قتل مسلم بن عقيل وهاني بن عروة  ، ورأيتهما يجّران بأرجلهما في السوق  ، فأقبلنا حتى لحقنا الحسين ( عليه السلام ) فسايرناه حتى نزل الثعلبية ممسياً  ، فجئنا حين نزل فسلَّمنا عليه فردَّ علينا السلام  ، فقلنا له  ، رحمك الله  ، إن عندنا خبراً إن شئت حدَّثناك علانية وإن شئت سراً  ، فنظر إلينا

(1) اللهوف في قتلى الطفوف  ، ابن طاووس : 45  ، بحار الأنوار  ، المجلسي : 44/347.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 146

وإلى أصحابه ثمَّ قال : ما دون هؤلاء سر  ، فقلنا له : رأيت الراكب الذي استقبلته عشية أمس ؟ قال : نعم  ، وقد أردت مسألته  ، فقلنا : قد والله استبرأنا لك خبره وكفيناك مسألته  ، وهو امرؤ منّا ذو رأي وصدق وعقل  ، وإنه حدَّثنا أنه لم يخرج من الكوفة حتى قتل مسلم وهاني ورآهما يجّران في السوق بأرجلهما.
فقال : إنّا لله وإنّا إليه راجعون  ، رحمة الله عليهما  ، يردِّد ذلك مراراً  ، فقلنا له : ننشدك الله في نفسك وأهل بيتك إلاَّ انصرفت من مكانك هذا  ، فإنه ليس لك بالكوفة ناصر ولا شيعة  ، بل نتخوَّف أن يكونوا عليك  ، فنظر إلى بني عقيل فقال : ما ترون فقد قتل مسلم ؟ فقالوا : والله لا نرجع حتى نصيب ثأرنا أو نذوق ما ذاق  ، فأقبل علينا الحسين ( عليه السلام ) وقال : لا خير في العيش بعد هؤلاء  ، فعلمنا أنه قد عزم رأيه على المسير  ، فقلنا له : خار الله لك. فقال : رحمكما الله.
فقال له أصحابه : إنك والله ما أنت مثل مسلم  ، ولو قدمت الكوفة لكان الناس إليك أسرع  ، فسكت.
وارتجَّ الموضع بالبكاء لقتل مسلم بن عقيل  ، وسالت الدموع عليه كلَّ مسيل  ، وفي رواية : وبكى ( عليه السلام ) وبكى معه الهاشميون  ، وكثر صراخ النساء حتى ارتجّ الوضع لقتل مسلم بن عقيل (1).
وجاء في معالي السبطين للحائري عليه الرحمة قال : وفي بعض كتب المقاتل : كانت لمسلم ( عليه السلام ) بنت عمرها إحدى عشرة سنة  ، واسمها حميدة  ، وأمها أم كلثوم بنت علي ( عليه السلام )   ، وقيل : اسمها عاتكة وأمها رقيّة بنت علي ( عليه السلام ) وعمرها سبع سنين  ، وهي التي سُحقت يوم الطفّ بعد شهادة الحسين ( عليه السلام ) لما هجم القوم على المخيَّم  ، وكانت مع الحسين ( عليه السلام ) فلمَّا قام الحسين ( عليه السلام ) من مجلسه جاء إلى الخيمة فعزَّز البنت وقرَّبها من مجلسه  ، فحسَّت البنت بالشرّ  ، فمسح الحسين ( عليه السلام ) على رأسها وناصيتها

(1) مقتل الحسين ( عليه السلام )   ، المقرم : 178.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 147

كما يُفعل بالأيتام  ، فقالت : يا عمّ  ، ما رأيتك قبل هذا اليوم تفعل بي مثل ذلك  ، أظنّ أنه قد اُستشهد والدي  ، فلم يتمالك الحسين ( عليه السلام ) من البكاء  ، وقال : يا بنتي  ، أنا أبوكِ وبناتي أخواتكِ  ، فصاحت ونادت بالويل  ، فسمع أولاد مسلم بن عقيل ذلك الكلام  ، وتنفسَّوا الصعداء  ، وبكوا بكاءً شديداً ورموا بعمائمهم إلى الأرض  ، ونادوا : وا مسلماه  ، وا ابن عقيلاه (1).
لم يُبْكِهَا عَدَمُ الوثوقِ بعمِّها كلا ولا الوجدُ المبرِّحُ فيها
لكنَّها تبكي مَخَافَةَ أنها تمسي يتيمةَ عمِّها وأبيها

وقال آخر :
أتقضي ولم تَبْكِكَ الباكياتُ أمَا لك في المِصْرِ مِنْ نَائِحَه
وكم طفلة لك قد أعولت وَجَمْرَتُها في الحَشَا قَادِحَه
يُعَزِّزُها السبطُ في حِجْرِهِ لتغدوَ في قُرْبِهِ فَارِحَه
تقولُ مَضَى عمُّ منّي أبي فَمَنْ ليتيمتِهِ النائحه

قال الراوي : ثم انتظر حتى إذا كان السحر قال لفتيانه وغلمانه : أكثروا من الماء  ، فاستقوا وأكثروا  ، وكان لا يمرُّ بماء إلاَّ اتّبعه مَنْ عليه  ، ثم ارتحلوا فسار حتى انتهى إلى زبالة  ، فأتاه بها خبر عبدالله بن يقطر  ، وهو أخو الحسين ( عليه السلام ) من الرضاعة  ، وكان سرَّحه إلى مسلم بن عقيل من الطريق وهو لا يعلم بقتله فأخذته خيل (2).

(1) معالي السبطين  ، الحائري : 1/266.
(2) لواعج الأشجان  ، الأمين : 84.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 148

المجلس الخامس ، من اليوم الرابع

مقتل ولدي مسلم بن عقيل ( عليه السلام )

روى الشيخ الصدوق عليه الرحمة في الأمالي  ، قال : حدَّثنا أبي ( رحمه الله )   ، قال : حدَّثنا علي بن إبراهيم بن هاشم  ، عن أبيه  ، عن إبراهيم بن رجاء الجحدري  ، عن علي بن جابر  ، قال : حدَّثني عثمان بن داود الهاشمي  ، عن محمد بن مسلم  ، عن حمران بن أعين  ، عن أبي محمد شيخ لأهل الكوفة  ، قال : لما قُتل الحسين بن علي ( عليهما السلام ) أُسر من معسكره غلامان صغيران  ، فأتي بهما عبيدالله بن زياد  ، فدعا سجاناً له  ، فقال : خذ هذين الغلامين إليك  ، فمن طيِّب الطعام فلا تطعمهما  ، ومن البارد فلا تسقهما  ، وضيِّق عليهما سجنهما  ، وكان الغلامان يصومان النهار  ، فإذا جنَّهما الليل أُتيا بقرصين من شعير وكوز من الماء القراح.
فلمَّا طال بالغلامين المكث حتى صارا في السنة قال أحدهما لصاحبه : يا أخي  ، قد طال بنا مكثنا  ، ويوشك أن تفنى أعمارنا وتبلى أبداننا  ، فإذا جاء الشيخ فأعلمه مكاننا  ، وتقرَّب إليه بمحمد ( صلى الله عليه وآله ) لعله يوسِّع علينا في طعامنا  ، ويزيد في شرابنا.
فلما جنَّهما الليل أقبل الشيخ إليهما بقرصين من شعير وكوز من الماء القراح  ، فقال له الغلام الصغير : يا شيخ  ، أتعرف محمداً ؟ قال : فكيف لا أعرف محمداً وهو نبيّي! قال : أفتعرف جعفر بن أبي طالب ؟ قال : وكيف لا أعرف جعفراً وقد أنبت الله له جناحين يطير بهما مع الملائكة كيف يشاء ؟! قال : أفتعرف عليَّ بن أبي طالب ؟ قال : وكيف لا أعرف علياً هو ابن عمِّ نبيّي وأخو نبيّي ؟!
قال له : يا شيخ  ، فنحن من عترة نبيك محمد ( صلى الله عليه وآله )   ، ونحن من ولد مسلم بن

السابق السابق الفهرس التالي التالي