المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 89

موطِّنا على لقاء الله نفسه فليرحل معنا فإني راحل مصبحاً إن شاء الله (1) .
وقال الشيخ المفيد عليه الرحمة : وروي عن الفرزدق أنه قال : حججت بأمي في سنة ستين ، فبينما أنا أسوق بعيرها حتى دخلت الحرم إذ لقيت الحسين ( عليه السلام ) خارجاً من مكة ، معه أسيافه وتراسه ، فقلت : لمن هذا القطار ؟ فقيل : للحسين بن علي ( عليهما السلام ) ، فأتيته وسلَّمت عليه وقلت له : أعطاك الله سؤلك وأمَلَك فيما تحبّ ، بأبي أنت وأمي يا ابن رسول الله ، ما أعجلك عن الحج ؟ قال ( عليه السلام ) : لو لم أعجل لأخذت ، ثمّ قال لي : من أنت ؟ قلت : رجل من العرب ، ولا والله ما فتّشني عن أكثر من ذلك.
ثم قال لي : أخبرني عن الناس خلفك ، فقلت : الخبيرَ سألت ، قلوب الناس معك وأسيافهم عليك ، والقضاء ينزل من السماء ، والله يفعل ما يشاء ، قال : صدقت ، لله الأمر من قبل ومن بعد ، وكل يوم ربنا هو في شأن ، إن نزل القضاء بما نحبّ فنحمد الله على نعمائه ، وهو المستعان على أداء الشكر ، وإن حال القضاء دون الرجاء فلم يبعد من كان الحقُّ نيَّته ، والتقوى سيرته ، فقلت له : أجل ، بلَّغك الله ما تحبّ وكفاك ما تحذر ، وسألته عن أشياء من نذور ومناسك فأخبرني بها ، وحرَّك راحلته وقال : السلام عليك ، ثم افترقنا (2) .
قال الشيخ المفيد عليه الرحمة : وكان الحسين بن علي ( عليه السلام ) لمّا خرج من مكة اعترضه يحيى بن سعيد بن العاص ، ومعه جماعة أرسلهم إليه عمرو بن سعيد ، فقالوا له : انصرف ، أين تذهب ؟ فأبى عليهم ومضى ، وتدافع الفريقان واضطربوا بالسياط ، فامتنع الحسين ( عليه السلام ) وأصحابه منهم امتناعاً قوياً ، وسار حتى أتى التنعيم ، فلقي عيراً قد أقبلت من اليمن فاستأجر من أهلها جمالا لرحله وأصحابه ،

(1)اللهوف ، السيد ابن طاووس : 37 ـ 38 ، بحار الأنوار ، المجلسي : 44/366 ـ 367.
(2) الإرشاد ، المفيد : 2/67 ، بحار الأنوار ، المجلسي : 44/365.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 90

وقال لأصحابها : من أحبَّ أن ينطلق معنا إلى العراق وفيناه كراه وأحسنّا صحبته ، ومن أحبَّ أن يفارقنا في بعض الطريق أعطيناه كراه على قدر ما قطع من الطريق ، فمضى معه قوم وامتنع آخرون.
وألحقه عبدالله بن جعفر بابنيه عون ومحمد ، وكتب على أيديهما كتاباً يقول فيه : أما بعد فإني أسألك بالله لما انصرفت حين تنظر في كتابي هذا ، فإني مشفق عليك من هذا التوجُّه الذي توجَّهت له ، أن يكون فيه هلاكك واستئصال أهل بيتك ، إن هلكت اليوم طفىء نور الأرض ، فإنك علم المهتدين ، ورجاء المؤمنين ، ولا تعجل بالسير فإني في أثر كتابي والسلام.
وصار عبدالله إلى عمرو بن سعيد وسأله أن يكتب إلى الحسين ( عليه السلام ) أماناً ويمنّيه ليرجع عن وجهه ، وكتب إليه عمرو بن سعيد كتاباً يمنّيه فيه الصلة ، ويؤمنه على نفسه ، وأنفذه مع يحيى بن سعيد ، فلحقه يحيى وعبدالله بن جعفر بعد نفوذ ابنيه ، ودفعا إليه الكتاب وجهدا به في الرجوع ، فقال : إني رأيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في المنام وأمرني بما أنا ماض له ، فقالوا له : ما تلك الرؤيا ؟
فقال : ما حدّثت أحداً بها ، ولا أنا محدِّثٌ بها أحداً حتى ألقى ربي عزَّ وجلَّ ، فلما يئس منه عبدالله بن جعفر أمر ابنيه عوناً ومحمداً بلزومه ، والمسير معه ، والجهاد دونه ، ورجع مع يحيى ابن سعيد إلى مكة.
وتوجَّه الحسين ( عليه السلام ) إلى العراق مغذّاً لا يلوي إلى شيء حتى نزل ذات عرق.
وقال السيّد ابن طاووس ـ رحمه الله ـ : توجَّه الحسين ( عليه السلام ) من مكة لثلاث مضين من ذي الحجة سنة ستين قبل أن يعلم بقتل مسلم ، لأنه ( عليه السلام ) خرج من مكة في اليوم الذي قتل فيه مسلم رضوان الله عليه (1) .
ولله درّ الشيخ محمد علي اليعقوبي عليه الرحمة إذ يقول:

(1) الإرشاد ، المفيد : 2/68 ـ 69 ، بحار الأنوار ، المجلسي : 44/365 ـ 366.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 91

أبا الشهداءِ الآخرين بوقعة استقامت وفيه قد أقيمت حدودُها
وَيَامَنْ به في الطفِّ ملَّةُ جدِّه سما الشهداءَ الأوَّلين شهيدُها
وَمَنْ في سبيلِ الحقِّ بين شبا ظُّبا قضى وهو مشكورُ المساعي حميدُها
تأسَّى أُبَاةُ الضيمِ فيك فلم تكن تَحَكَّمُ بالأحرارِ منها عبيدُها
بنى جدُّك الهادي قَوَاعِدَ شِرْعَة بسيفِكَ يومَ الطفِّ قُمْتَ تُشِيدُها
لك الدينُ يشكو من عُتاة تألَّبَتْ على حَرْبِهِ مِن كُلِّ فجٍّ جنودُها
كأنَّ لها حقداً على الناسِ فاشتفت بما اقترفت أضغانُها وحقودُها
أبت أن يسودَ الشعبَ في الحكمِ أهلُهُ وقد رَضِيَتْ بالأجنبيَّ يسودُها
إلى أن أبادَ اللهُ حِزْبَ ضَلاَلِها كما قد أبيدت عادُها وثمودُها (1)

المجلس الثاني ، من اليوم الثالث

رعاية النبي ( صلى الله عليه وآله ) للإمام الحسين ( عليه السلام ) ومحبته له

جاء في الزيارة الناحية الشريفة : لقد قَتلوا بقَتلِكَ الإسلامَ  ، وعطَّلوا الصلاةَ والصيامَ  ، ونقضوا السُّنَنَ والأحكامَ  ، وهَدَموا قواعِدَ الإيمانِ  ، وَحرَّفوا آياتِ القرآنِ  ، وهملجوا في البغيِ والعُدوانِ  ، لقد أصبحَ رسولُ اللهِ ( صلى الله عليه وآله ) موتوراً  ، وعاد كتابُ اللهِ عزَّ وجلَّ مهجوراً  ، وغودر الحقُّ إذ قُهِرَت مقهوراً  ، وَفُقِدَ بفَقْدِك التكبيرُ والتهليلُ  ، والتحريمُ والتحليلُ  ، والتنزيلُ والتأويلُ  ، وظهَر بعدَك التغييرُ والتبديلُ  ، والإلحادُ والتعطيلُ  ، والأَهواءُ والأضَاليلُ  ، والفتنُ والأباطيل.
فقامَ ناعيكَ عندَ قبرِ جَدِّك الرسولِ ( صلى الله عليه وآله )   ، فَنَعاكَ إليه بالدّمع الهطُول  ، قائلاً : يا رسولَ اللهِ قُتل سبطُك وفتَاكَ  ، واسْتُبيحَ أهلُك وَحِمَاك  ، وسُبيت بَعدَك ذَراريكَ ،

(1) الشيخ اليعقوبي دراسة نقدية في شعره  ، الدكتور عبدالصاحب الموسوي : 342.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 92

وَوَقعَ المحذورُ بعترتِكَ وذويكِ  ، فانزعجَ الرسولُ وبكى قلبُه المهولُ  ، وعزَّاه بك الملائكةُ والأنبياءُ  ، وفُجِعَت بكَ أمُك الزهراءُ  ، واختلفَتْ جنودُ الملائكةِ المقربين  ، تُعزِّي أباكَ أميرَ المؤمنين  ، وأُقيمَتْ لَكَ المآتمُ في أعلى عليّيين  ، وَلطَمَتْ عليك الحُورُ العِينُ  ، وَبكتِ السَّماءُ وسُكانُها  ، والجِنانُ وخُزَّانُها  ، والهِضابُ وأقطارُها  ، والأرضُ وأقطارُها  ، والبِحارُ وحِيتانُها  ، ومكةُ وبُنيانُها  ، والجِنانُ وولدانُها  ، والبيتُ والمقامُ  ، والمشعرُ الحرامُ  ، والحلُّ والإحرام (1).
وروي عن سيّد العابدين علي بن الحسين ( عليهما السلام ) قال : ولا يوم كيوم الحسين ( عليه السلام ) ازدلف إليه ثلاثون ألف رجل  ، يزعمون أنهم من هذه الأمة  ، كلٌّ يتقرَّب إلى الله عزَّ وجلَّ بدمه  ، وهو بالله يذكِّرهم فلا يتّعظون  ، حتى قتلوه بغياً وظلماً وعدواناً.. (2).
قَضَى نَحْبَه ظامي الحشا بعد ما قضى بِرَغْمِ العدى حقَّ العلى والمكارمِ
بوجه يلاقي السمهريَّةَ أبلج وثغر يُحَيِّي المشرفيَّةَ بَاسِمِ
ولولا قَضَاءُ اللهِ قاد أميَّةً وأشياعَها قَوْدَ الذليلِ المُسَالِمِ (3)

قال بعض الرواة : وكان الحسين ( عليه السلام ) يجيء إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وهو ساجد  ، فيتخطَّى الصفوف حتى يأتي النبيَّ فيركب ظهره  ، فيقوم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وقد وضع يده على ظهر الحسين ويده الأخرى على ركبته حتى يفرغ من صلاته  ، وكان الحسن ( عليه السلام ) يأتيه وهو على المنبر يخطب  ، فيصعد إليه فيركب على عاتق النبي ( صلى الله عليه وآله )   ، ويدلي رجليه على صدره حتى يرى بريق خلخاله  ، ورسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يخطب  ، فيمسكه كذلك حتى يفرغ من خطبته. (4)

(1) المزار  ، المشهدي : 505.
(2) الأمالي  ، الشيخ الصدوق : 547 ح 10.
(3) مثير الأحزان  ، الجواهري : 155 والأبيات للسيّد صالح القزويني عليه الرحمة.
(4) بحار الأنوار  ، المجلسي : 37/87.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 93

وروي عن أبي عبدالله ( عليه السلام )   ، قال : لم يرضع الحسين ( عليه السلام ) من فاطمة ( عليها السلام ) ولا من أنثى  ، كان يؤتى به النبي ( صلى الله عليه وآله ) فيضع إبهامه في فيه فيمصّ منها ما يكفيه اليومين والثلاث  ، فنبت لحم الحسين ( عليه السلام ) من لحم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ودمه  ، ولم يولد لستة أشهر إلاّ عيسى بن مريم  ، والحسين بن علي ( عليه السلام ) (1).
وعن سلمان الفارسي قال : دخلت على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وعنده الحسن والحسين يتغذيان  ، والنبي ( صلى الله عليه وآله ) يضع اللقمة تارة في فم الحسن وتارة في فم الحسين ( عليهما السلام ) فلمَّا فرغا من الطعام أخذ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) الحسن على عاتقه والحسين على فخذه  ، ثم قال لي : يا سلمان أتحبّهم ؟ قلت : يا رسول الله  ، كيف لا أحبهم ومكانهم منك مكانهم ؟ قال : يا سلمان  ، من أحبَّهم فقد أحبَّني ومن أحبني فقد أحبَّ الله  ، ثم وضع يده على كتف الحسين فقال : إنه الإمام ابن الإمام  ، تسعة من صلبه أئمة أبرار أمناء معصومون  ، والتاسع قائمهم (2).
وجاء في بعض الروايات كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يأتيه في كل يوم  ، فيضع لسانه في فم الحسين فيمصّه حتى يروى  ، فأنبت الله عزَّ وجلَّ لحمه من لحم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) (3).
فلعنة الله والملائكة والناس أجمعين على من ظلم أهل بيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وفجعه في ولده وقرَّة عينه  ، قال الشيخ أبو الفرج ابن الجوزي : لما أُسر العباس يوم بدر سمع النبي ( صلى الله عليه وآله ) أنينه فما نام تلك الليلة  ، فكيف لو سمع أنين الحسين ( عليه السلام ) ؟
وقال : لمّا أسلم وحشي قاتل حمزة قال له النبي ( صلى الله عليه وآله ) : غيِّب وجهك عني فإني لا أحبُّ من قتل الأحبة  ، قال : وهذا والإسلام يجبّ ما قبله  ، فكيف يقدر

(1) بحار الأنوار  ، المجلسي : 44/198 عن الكافي.
(2) بحار الأنوار  ، المجلسي : 36/304 ح 143.
(3) بحار الأنوار  ، المجلسي : 43/245.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 94

الرسول ( صلى الله عليه وآله ) أن يرى من ذبح الحسين  ، أو أمر بقتله وحمل أهله على أقتاب الجمال ؟ (1)
فما تقول هذه الأمة لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يوم القيامة وقد سفكت دم سبطه الحسين وعترته ؟ ولهذا أنكرت عليهم حتى النصارى وسائر الأديان الأخرى لما انتهكوه من حرمة الرسول ( صلى الله عليه وآله ).
ليس هذا لرسولِ الله يا أمَّةَ الطُّغْيَانِ والبغيِ جَزَا
جَزَروا جَزْرَ الأضاحي نَسْلَهُ ثمَّ ساقوا أَهْلَه سَوْقَ الإِمَا

روي عن الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) أنه قال : لما أتي برأس أبي ليزيد كان يتّخذ في مجلسه الخمر  ، والرأس بين يديه في طشت من الذهب مغطاة بمنديل حرير  ، فبينما هو جالس ذات يوم وحوله أكابر دولته وهم يشربون الخمر والرأس بين أيديهم إذ دخل عليهم رسول ملك الروم  ، وكان من أشرف الروم وأعظمها  ، وكان يأتي ليزيد بالكتب من عند ملكهم  ، فسلَّم على يزيد ومن حوله وأعطاه كتاباً كان معه  ، ثمَّ جلس وتحدَّث معهم وهم على تلك الحالة  ، ورأس الحسين ( عليه السلام ) بينهم في الطشت  ، فاستعظم ذلك فقال ليزيد : لم تشربون الخمر وهذا الرأس بينكم ؟ فلمن هي ؟ فقال : لا تسل عمّا لا يعنيك  ، فقال : أريد أن أخبر ملكنا بما أنتم عليه; لأنه يسألني عن كل شيء رأيته  ، فلهذا أريد أن تخبرني بقضية هذه الرأس حتى أشاركك في الفرح والسرور  ، فقال له يزيد  ، هذه رأس خارجي خرج على عاملي بالبصرة والعراق  ، فقال له : ومن يكون هذا الخارجي ؟ قال : الحسين بن علي  ، فقال : أمه من ؟ قال : فاطمة الزهراء بنت محمد  ، فقال : أف لك ولتدينك يا يزيد  ، الآن ديني أحسن من دينك  ، فقال : لماذا ؟ قال له : أبي كان من حواري داود النبي  ، وبيني وبينه أكثر من أربعين جدّاً  ، فمن ذلك النصارى يعظِّمونني ويأخذون من

(1) الصواعق المحرقة  ، ابن حجر : 295.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 95

تراب أقدامي تبركاً بي  ، وأنتم تفعلون بابن بنت نبيكم هذه الفعال وما بينه وبينه جد  ؟ !  ، فأيُّ دين دينكم ؟ ثمَّ قال : يا يزيد هل سمعتم حديث كنيسة الحافر ؟ قال : لا فقال : اعلم أن بين كمان والصين بحر مسيرة سنة  ، ليس فيه عمران إلاَّ بلدة واحدة في وسط الماء ثمانين فرسخاً في ثمانين  ، ما على وجه الأرض أكبر منها  ، ومنها يحمل الياقوت والكافور  ، وأشجارها العود والعنبر  ، وهي في أيدي النصارى  ، وفي تلك البلدة كنائس كثيرة  ، وأعظمها كنيسة الحافر  ، محرابها حلقة ذهب معلّقة  ، وفيها حافر مرصَّع بالدّر والياقوت  ، ومن حوله الذهب والفضة  ، وليس بائنا منه شيئا من كثرة الذهب والفضة والحلي إلى أسفله  ، وتعظيم هذا الحافر يكون بسبب زعمهم أنه حافر حمار كان يركبه عيسى ( عليه السلام )   ، وكثير منهم يقصدون زيارته في كل عام ويطوفون حوله ويقبِّلونه ويرفعون حوائجهم إلى الله عنده  ، فهذا شأنهم ودأبهم بحافر حمار يزعمون أن نبيِّهم كان يركبه.
وهذا نبيكم حقاً لا شك فيه  ، وقد هداكم من الضلالة إلى الهدى  ، ومن ظلمة الكفر إلى نور الإسلام  ، وأبو المقتول هو الساقي على الحوض يوم القيامة  ، فلا بارك الله فيك ولا في فعلك  ، فغضب يزيد غضباً شديداً وقال : اقتلوه لئلا يفضحنا  ، فلما سمع ذلك قال : أتريد قتلي ؟ قال : نعم  ، فقال : اعلم أني رأيت نبيِّكم في المنام  ، وقد ضمن لي الجنة  ، فتعجَّب يزيد من كلامه  ، ثم قال : تقتل ابن نبيكم وتزعم أنك على دين الإسلام  ، فأنا أشهد أن لا إله إلاّ الله  ، وأن محمداً رسول الله  ، ثمَّ تقدَّم إلى الرأس وضمَّه وقبَّله وبكى  ، ثم قتل رحمه الله وهو يقول :
وَاخَجْلَةَ الإسلامِ من أضداد ظفروا به وقوم المسيح يعظمون حافر حماره (1)

ورحم الله الشيخ عبد الحسين الأعسم إذ يقول في البكاء على الحسين ( عليه السلام ) ومصيبته :

(1)نور العين في مشهد الحسين ( عليه السلام )   ، أبو إسحاق الإسفرايني : 80.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 96

يابن النبي المصطفى ووصيه وأخا الزكي ابن البتول الزاكيه
تبكيك عيني لا لأجلِ مثوبة لكنّما عيني لأجلِكَ باكيه
تبتلُّ منكم كربلا بدم ولا تبتلُّ مني بالدموعِ الجاريه
أنست رزيَّتُكُمْ رَزَيَانَا التي سَلَفَتْ وهوَّنت الرزايا الآتيه
وَفَجَائِعُ الأَيَّامِ تبقى مدّةً وتزو لُ وهي إلى القيامةِ باقيه
لهفي لِرَكْب صُرِّعوا في كربلا كانت بها آجالُها متدانيه
تعدو على الأعداءِ ظاميةَ الحشا وسيوفُهُمْ لدم الأعادي ظاميه
نصروا ابنَ بنتِ نبيِّهم طوبى لهم نَالُوا بنصرتِهِ مَرَاتِبَ ساميه

المجلس الثالث ، من اليوم الثالث

إخبار النبي ( صلى الله عليه وآله ) فاطمة ( عليها السلام ) بمقتل الحسين ( عليه السلام )

جاء في بعض زيارات الأئمة ( عليهم السلام ) : يا مواليَّ  ، فلو عاينكم المصطفى  ، وسهام الأمة معرقة في أكبادكم  ، ورماحهم مشرعة في نحوركم  ، وسيوفها مولغة في دمائكم  ، يشفي أبناء العواهر غليل الفسق من ورعكم  ، وغيظ الكفر من إيمانكم  ، وأنتم بين صريع في المحراب قد فلق السيفُ هامتَه  ، وشهيد فوق الجنازة قد شُكَّت بالسهام أكفانُه  ، وقتيل بالعراء قد رُفع فوق القناة رأسُه  ، ومكبَّل في السجن رُضَّت بالحديد أعضاؤه  ، ومسموم قد قُطِّعت بجرع السمِّ أمعاؤه (1)   ، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون  ، ولا حول ولا قوَّة إلاَّ بالله العلي العظيم  ، ولله درّ الشيخ عبد الحسين الحياوي عليه الرحمة إذ يقول مستنهضاً الإمام الحجة عجَّل الله فرجه الشريف :
فَيَا ناصرَ الدينِ الحنيفِ عَلِمْتَ إذ لجدِّكَ جَدَّ الْخَطْبُ واعصوصبَ الأَمْرُ


(1) المزار  ، المشهدي : 298.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 97

لقد كَسَرَتْ بالطفِّ حربٌ قَنَاتَكم فهلاّ نرى منها القَنَا وبها كَسْرُ
فما لي أراك اليومَ عن طَلَبِ العدى صَبَرْتَ وللمتورِ لا يُحْمَدُ الصبرُ
أتقعُدُ يا عينَ الوجودِ توانياً وقد نشبت للبغي في مَجْدِكم ظفرُ
أتنسى يتامى بالهجيرِ تراكضت وصاليةُ الرمضاءِ يَغْلي لها قِدْرُ
وَرَبَّاتِ خِدْر بعدما انتهبوا الخبا بَرَزْنَ ولا خِدْرٌ يواري وَلاَ سِتْرُ (1)

روى ابن قولويه عليه الرحمة  ، عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) أن جبرئيل نزل على محمد ( صلى الله عليه وآله ) فقال : يا محمد  ، إن الله يقرأ عليك السلام  ، ويبشِّرك بمولود يولد من فاطمة ( عليها السلام ) تقتله أمتك من بعدك  ، فقال : يا جبرئيل  ، وعلى ربي السلام  ، لا حاجة لي في مولود يولد من فاطمة تقتله أمتي من بعدي  ، قال : فعرج جبرئيل ثم هبط فقال له مثل ذلك  ، فقال : يا جبرئيل  ، وعلى ربي السلام  ، لا حاجة لي في مولود تقتله أمتي من بعدي  ، فعرج جبرئيل إلى السماء ثمَّ هبط فقال له : يا محمد إن ربك يقرئك السلام  ، ويبشِّرك أنه جاعل في ذرّيّته الإمامة والولاية والوصيَّة  ، فقال : قد رضيت  ، أرسل إلى فاطمة : أن الله يبشِّرني بمولود يولد منك تقتله أمتي من بعدي  ، فأرسلت إليه : أن لا حاجة لي في مولود يولد مني تقتله أمتك من بعدك  ، فأرسل إليها أن الله جاعل في ذريته الإمامة والولاية والوصية  ، فأرسلت إليه أني قد رضيت « فحملته كرهاً ووضعته كرهاً وحمله وفصاله ثلاثون شهراً حتى إذا بلغ أشدَّه وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت عليَّ وعلى والديَّ وأن أعمل صالحاً ترضاه وأصلح لي في ذريتي » فلو أنه قال : أصلح لي ذريتي لكانت ذريته كلهم أئمة (2).
وروي عن ابن بكير  ، عن بعض الأصحاب رضي الله عنهم  ، عن أبي

(1) مثير الأحزان  ، الجواهري : 146.
(2) كامل الزيارات  ، ابن قولويه : 123 ـ 124 ح 6  ، بحار الأنوار  ، العلامة المجلسي : 44/232 ح 17.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 98

عبدالله ( عليه السلام ) قال : دخلت فاطمة على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وعيناه تدمع  ، فسألته مالك ؟ فقال : إن جبرئيل أخبرني أن أمتي تقتل حسيناً  ، فجزعت وشقَّ عليها  ، فأخبرها بمن يملك من ولدها فطابت نفسها وسكنت (1).
وعن فرات الكوفي عليه الرحمة في التفسير قال : روي عن أبي عبدالله ( عليه السلام ) قال : كان الحسين مع أمّه تحمله  ، فأخذه النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) وقال : لعن الله قاتلك  ، ولعن الله سالبك  ، وأهلك الله المتوازرين عليك  ، وحكم الله بيني وبين من أعان عليك  ، فقالت فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) : يا أبت  ، أيِّ شيء تقول ؟ قال : يا بنتاه  ، ذكرت ما يصيبه بعدي وبعدك من الأذى والظلم والغدر والبغي  ، وهو يومئذ في عصبة كأنهم نجوم السماء  ، ويتهادون إلى القتل  ، وكأني أنظر إلى معسكرهم  ، وإلى موضع رحالهم وتربتهم  ، فقالت : يا أبه  ، وأين هذا الموضع الذي تصف ؟ قال : موضع يقال له كربلاء  ، وهي دار كرب وبلاء علينا وعلى الأمة  ، يخرج عليهم شرار أمتي  ، ولو أن أحدهم شفع له من في السماوات والأرضين ما شفِّعوا فيه  ، وهم المخلَّدون في النار.
قالت : يا أبه  ، فيقتل ؟ قال : نعم يا بنتاه  ، وما قُتل قَتلتَه أحدٌ كان قبله  ، ويبكيه السماوات والأرضون  ، والملائكة  ، والوحش  ، والنباتات  ، والبحار  ، والجبال  ، ولو يؤذن لها ما بقي على الأرض متنفِّس  ، ويأتيه قوم من محبينا ليس في الأرض أعلم بالله ولا أقوم بحقّنا منهم  ، وليس على ظهر الأرض أحد يلتفت إليه غيرهم  ، أولئك مصابيح في ظلمات الجور  ، وهم الشفعاء  ، وهم واردون حوضي غداً أعرفهم إذا وردوا عليَّ بسيماهم  ، وكل أهل دين يطلبون أئمتهم  ، وهم يطلبوننا لا يطلبون غيرنا  ، وهم قوام الأرض  ، وبهم ينزل الغيث.
فقالت فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) : يا أبه  ، إنّا لله  ، وبكت فقال لها : يا بنتاه! إن أفضل أهل الجنان هم الشهداء في الدنيا  ، بذلوا أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة  ، يقاتلون

(1) بحار الأنوار  ، المجلسي : 44/233 ح 19 عن كامل الزيارات : 125 ح 8.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 99

في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعداً عليه حقاً  ، فما عند الله خير من الدنيا وما فيها  ، قتلة أهون من ميتة  ، ومن كتب عليه القتل خرج إلى مضجعه  ، ومن لم يقتل فسوف يموت  ، يا فاطمة بنت محمد  ، أما تحبين أن تأمرين غداً بأمر فتطاعين في هذا الخلق عند الحساب ؟
أما ترضين أن يكون ابنك من حملة العرش ؟ أما ترضين أن يكون أبوك يأتونه يسألونه الشفاعة ؟ أما ترضين أن يكون بعلك يذود الخلق يوم العطش عن الحوض فيسقي منه أولياءه ويذود عنه أعداءه ؟ أما ترضين أن يكون بعلك قسيم النار : يأمر النار فتطيعه  ، يُخرج منها من يشاء ويترك من يشاء ؟
أما ترضين أن تنظرين إلى الملائكة على أرجاء السماء ينظرون إليك وإلى ما تأمرين به  ، وينظرون إلى بعلك قد حضر الخلائق وهو يخاصمهم عند الله ؟ فما ترين الله صانع بقاتل ولدك وقاتليك وقاتل بعلك إذا أفلجت حجّته على الخلائق  ، وأمرت النار أن تطيعه ؟ أما ترضين أن يكون الملائكة تبكي لابنك  ، ويأسف عليه كل شيء ؟ أما ترضين أن يكون من أتاه زائراً في ضمان الله ويكون من أتاه بمنزلة حجّ إلى بيت الله واعتمر  ، ولم يخل من الرحمة طرفة عين  ، وإذا مات مات شهيداً  ، وإن بقي لم تزل الحفظة تدعو له ما بقي  ، ولم يزل في حفظ الله وأمنه حتى يفارق الدنيا ؟ قالت : يا أبه  ، سلَّمت ورضيت  ، وتوكَّلت على الله  ، فمسح على قلبها ومسح عينيها  ، وقال : إني وبعلك وأنت وابنيك في مكان تقرّ عيناك  ، ويفرح قلبك (1).
فيعزّ على فاطمة الزهراء ـ أيها المؤمنون ـ ما جرى على قرَّة عينها الحسين سبط الرسول ( صلى الله عليه وآله ) الذي ذبح عطشاناً ومعه من أهل بيته سبعة عشر ليس على وجه الأرض لهم شبيه  ، ويعزّ على فاطمة ( عليها السلام ) أيضاً ما جرى على بناتها الفاطميات بعد مقتل الحسين ( عليه السلام ) وذلك حينما هجم العدوّ عليهنَّ وهنَّ بلا محام ولا كفيل،

(1) بحار الأنوار  ، المجلسي : 44/264 ح 22 عن تفسير فرات الكوفي : 171 ـ 172 ح 18.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 100

فخرجن من الخيام مذعورات صارخات مسلوبات  ، ولله درّ الشيخ جعفر الخطي عليه الرحمة إذ يقول :
وإن أنس لا أنس النساءَ كأنَّها قطاً رِيْعَ من أَوْكَارِهِ وهو هَاجِدُ
خوارجُ من أبياتِها وهي بَعْدَهَا لأرجاسِ حرب بالحريقِ مَوَاقِدُ
سوافرُ بعد الصونِ ما لوجوهِها بَرَاقِعُ إلاَّ أذرعٌ وسواعدُ
إذا هُنَّ سُلِّبْنَ القلائدَ جدِّدت من الأسرِ في أعناقِهِنَّ قَلاَئِدُ
وتُلْوَى على أعضادِهِنَّ معاضدٌ من الضربِ إذ تُبتزُّ منها المعاضدُ
نوادبُ لو أنَّ الجبالَ سمعنها تداعت أعاليهنَّ فهي سواجدُ
إذا هنَّ أبصرنَ الجسومَ كأنَّها نجومٌ على ظَهْرِ الفَلاَةِ رَوَاكِدُ
تداعين يلطمْنَ الخدودَ بعولة تَصَدَّعُ منها القاسياتُ الجلامدُ
فيا وقعةً ما أحدث الدَّهْرُ مِثْلَها يبيدُ الليالي ذِكْرُها وهو خَالِدُ (1)

المجلس الرابع ، من اليوم الثالث

نياحة مولاتنا فاطمة الزهراء ( عليها السلام )
على الإمام الحسين ( عليه السلام )

أحسن الله لكم العزاء أيها الموالون للعترة الطاهرة صلوات الله عليهم أجمعين  ، فأيُّ مصيبة أعظم من مصيبة سيّد الشهداء ( عليه السلام ) التي بكت وناحت لها الزهراء البتول ( عليها السلام ) وحقّ لها أن تبكي ليلا ونهاراً على الغريب العطشان  ، ومن قتل من أهل بيته ( عليهم السلام ) فيا لها من وقعة قُتلت فيها الرجال  ، وذُبحت فيها الأطفال  ، وهُتكت فيها النساء  ، وحُملت حريم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) على الأقتاب بغير غطاء ولا

(1) شعراء القطيف  ، الشيخ علي المرهون : 1/14 ـ 15.
المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 101

وطاء  ، يطاف بهم البلدان  ، فأيّ عين لا ترقأ مدامعها عليهم  ، وأيّ قلب لا يتصدع لمصيبتهم  ، فإنا لله وإنا إليه راجعون  ، «وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَب يَنقَلِبُونَ» .
رجالُكُم قُتِلوا من غيرِ ذي سبب وأهلُكُم هُتِكوا جهراً على البُدُنِ

ذكر القاضي التنوخي  ، قال : حدَّثني أبي  ، قال : خرج إلينا يوماً أبو الحسن الكاتب  ، فقال : أتعرفون ببغداد رجلا يقال له : ابن أصدق ؟ قال : فلم يعرفه من في المجلس غيري  ، فقلت : نعم  ، فيكف سألت عنه ؟ فقال : أيَّ شيء يعمل ؟ قلت : ينوح على الحسين ( عليه السلام )   ، قال : فبكى أبو الحسن  ، وقال : إن عندي عجوزاً ربَّتني  ، من أهل كرخ جدان  ، عفطية اللسان  ، الأغلب على لسانها النبطية  ، لا يمكنها أن تقيم كلمة عربية صحيحة  ، فضلا عن أن تروي شعراً  ، وهي من صالحات نساء المسلمين  ، كثيرة الصيام والتهجّد  ، وإنها انتبهت البارحة في جوف الليل  ، ومرقدها قريب من موضعي  ، فصاحت بي : يا أبا الحسن  ، فقلت : مالك ؟ فقالت : الحقني  ، فجئتها  ، فوجدتها ترعد  ، فقلت : ما أصابك ؟
فقالت : إني كنت قد صلّيت وردي فنمت  ، فرأيت الساعة في منامي كأني في درب من دروب الكرخ  ، فإذا بحجرة نظيفة بيضاء  ، مليحة الساج  ، مفتوحة الباب  ، ونساء وقوف عليها  ، فقلت لهم : من مات ؟ وما الخبر ؟ فأومأوا إلى داخل الدار  ، فدخلت فإذا بحجرة لطيفة  ، في نهاية الحُسن  ، وفي صحنها امرأة شابة لم أر قط أحسن منها  ، ولا أبهى ولا أجمل  ، وعليها ثياب حسنة بياض مروي لين  ، وهي ملتحفة فوقها بإزار أبيض جداً  ، وفي حجرها رأس رجل يشخب دماً  ، فقلت : من أنت ؟ فقالت : لا عليك  ، أنا فاطمة بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله )   ، وهذا رأس ابني الحسين ( عليه السلام )   ، قولي لابن أصدق عنّي أن ينوح :
لم أمرِّضْه فأسلو لا ولا كان مريضا

فانتبهتُ فزعةً  ، قال : وقالت العجوز : لم أمرِّطه ـ بالطاء ـ لأنها لا تتمكَّن من

المجالس العاشورية في ألمآتم الحسينية 102

إقامة الضاد  ، فسكّنت منها إلى أن نامت  ، ثم قال لي : يا أبا القاسم مع معرفتك الرجل  ، قد حمّلتك الأمانة  ، ولزمتك  ، على أن تبلِّغها له  ، فقلت : سمعاً وطاعة لأمر سيّدة نساء العالمين ( عليها السلام ).
قال : وكان هذا في شعبان  ، والناس إذا ذاك يلقون جهداً جهيداً من الحنابلة إذا أرادوا الخروج إلى الحائر  ، فلم أزل أتلطَّف حتى خرجت  ، فكنت في الحائر ليلة النصف من شعبان  ، فسألت عن ابن أصدق حتى رأيته  ، فقلت له : إن فاطمة ( عليها السلام ) تأمرك بأن تنوح بالقصيدة التي فيها :
لم أمرِّضه فأسلو لا ولا كان مريضا

وما كنت أعرف القصيدة قبل ذلك  ، قال : فانزعج من ذلك  ، فقصصت عليه وعلى من حضر الحديث  ، فأجهشوا بالبكاء  ، وما ناح تلك الليلة إلاّ بهذه القصيدة  ، أولها :
أيّها العينانِ فيضا واستهلاّ لا تَغيضا

وهي لبعض الشعراء الكوفيين  ، وعدت إلى أبي الحسن  ، فأخبرته بما جرى.
قال أبي  ، وابن عياش : كانت ببغداد  ، نائحة مجيدة حاذقة  ، تعرف بخلب  ، تنوح بهذه القصيدة  ، فسمعناها في دور بعض الرؤساء  ، لأن الناس إذ ذاك كانوا لا يتمكّنون من النياحة إلاّ بعزّ سلطان  ، أو سراً  ، لأجل الحنابلة  ، ولم يكن النوح إلاّ مراثي الحسين وأهل بيته ( عليهم السلام ) فقط.. قالا : فبلغنا أن البربهاري قال : بلغني أن نائحة يقال لها : خلب  ، تنوح  ، اطلبوها فاقتلوها (1).
وذكر ياقوت الحموي ( المتوفّى سنة 655 ) في معجم الأدباء في ترجمة علي بن عبدالله بن وصيف الناشي الحلاء ( المتوفّى سنة 366 ) قال : قال ابن عبدالرحيم : حدَّثني الخالع  ، قال : كنت مع والدي في سنة ست وأربعين وثلاثمائة وأنا صبيّ في

(1) نشوار المحاضرة وأخبار المذاكرة  ، التنوخي : 2/230 ـ 233.

السابق السابق الفهرس التالي التالي