مأساة الحسين (ع) بين السائل والمجيب 115

هل كانت ثورة الحسين (ع) ناجحة ومحققة لاهدافها ؟

كتب الحسين(ع) إلى من تخلف عنه كتاباً لما نزل كربلاء قال فيه أما بعد فمن لحق بي منكم استشهد ومن لم يلحق لم يبلغ الفتح والسلام .
فأي فتح هذا الذي يقصده الحسين (ع) مع علمنا بانه قتل هو وأصحابه وأهل بيته وسبيت حريمه وحمل رأسه إلى ابن زياد ويزيد ؟ نقول :
كان للحسين (ع) من وراء ثورته المقدسة هدفان : هدف قريب مباشر وهدف بعيد وغير مباشر .
أما الهدف القريب المباشر فهو استرجاع حقه الشرعي والطبيعي في الخلافة والحكم لأجل اصلاح المجتمع واعادة نظام الإسلام إلى الحياة الاجتماعية واحياء سنة جده الرسول (ص) واماتة البدع وتصحيح الأخطاء والانحرافات التي تراكمت على المسلمين منذ وفاة محمد (ص) من جراء السياسات المختلفة التي مارسها الحكام من ذلك اليوم إلى يوم الحسين (ع) . مما أدى إلى أن لا يبقى من الإسلام بأيدي المسلمين إلا اسمه ولا من القرآن الكريم إلا رسمه .
وأما الهدف البعيد غير المباشر فهو وضع النقاط على الحروف . ووضع الحدود والعلامات الواضحة بين الإسلام الحقيقي والإسلام المزيف . ولفت الأنظار إلى فشل السياسة السابقة التي أدت إلى الوضع الفاسد القائم وإلى خطأ المفاهيم التي سار عليها المسلمون بعد وفاة الرسول (ص) .
والخلاصة : كان هدفه الأول احياء الإسلام فكرياً وعملياً . وهدفه الثاني

مأساة الحسين (ع) بين السائل والمجيب 116

احيائه فكرياً على الأقل . وهو وإن فاته تحقيق الهدف الأول بسبب غدر أهل الكوفة ، ولم يتسن له أن يقيم حكومة إسلامية صحيحة ويطبق النظام الإسلامي الصحيح بين المسلمين .
ولكن حقق هدفه الثاني بلا شك ونزه دين الله وشريعة الإسلام وسنة خاتم الأنبياء عن الشوائب المهينة والمظاهر المشوهة والمفاهيم المغلوطة التي ألحقت به وتراكمت عليه وأظهر وجه الإسلام الجميل ومنظره الجذاب وصورته السماوية الغراء من بين ركام البدع والاجتهادات الضالة والاستحسانات الفاسدة .
وكمثل على ذلك نقول أن مما شاع وذاع بين الخبراء والباحثين هو أن من أهم النتائج والآثار لمأساة الحسين (ع) وحادثة كربلاء انتشار التشيع وظهور مذهب أهل البيت (ع) أكثر فأكثر وتزايد عدد الشيعة في العالم الإسلامي رغم أن انبثاق التشيع كان مقارناً مع انبثاق فجر الإسلام ومنذ أوائل البعثة المحمدية غير أنه كان محدوداً ومحصوراً في نطاق أعيان الصحابة واعلام المهاجرين والأنصار بالاضافة إلى بني هاشم . أما بعد ثورة الحسين (ع) فإنه أي التشيع أصبح منتشراً في كافة الأقطار وبين عامة الطبقات ... والسؤال الآن هو كيف كان ذلك ولماذا ؟
الجواب : أقول لأن الرأي العام وكل انسان حر عاقل ذو وعي وضمير لما سمع بأنباء تلك المجزرة الرهيبة التي أبيد فيها آل رسول الله (ص) وبما تلاها من الجرائم والموبقات وأبشع المنكرات التي تأباها حتى الوحوش ...
أقول لما اطلع عليها صار يفكر في نفسه ويتساءل : من أين جاءت هذه العصابة المجرمة الأموية إلى السلطة وكيف توصل هؤلاء الطغاة المتمردون على أبسط القوانين الانسانية والإسلام إلى الأمرة والحكم فسودوا وجه التاريخ الإسلامي والعربي وملأوا الدنيا بالظلم والفساد . من الذي مكن لهم ومهد الطريق أمامهم إلى الخلافة الإسلامية ؟

مأساة الحسين (ع) بين السائل والمجيب 117

فيأتيه الجواب طبعاً وبكل بساطة . أنه بسبب الغلطة الكبرى والخطأ الذي ارتكبه بعض الصحابة بعد وفاة النبي محمد (ص) بانكارهم الحق الشرعي والطبيعي في الخلافة لعلي بن أبي طالب (ع) بعد الرسول ورفضهم النصوص القرآنية والوصايا النبوية في خلافة علي وولايته العامة على الأمة بعد النبي (ص) وادعوا أن الله لم يعين لرسوله خليفة قط والرسول لم يختر لنفسه نائباً ووصياً . وأن أمر القيادة والإمامة بعد الرسول موكول إلى اهواء الناس وآرائهم . فأدى ذلك بطبيعة الحال إلى أن يتقمص الخلافة ويتسلم زمام السلطة والقيادة العامة بعد الرسول الأكرم (ص) أشخاص جديدو عهد بالإسلام وأهدافه بعيدون عن تفهم جوهره ولبابه . بعد لم يعرفوا الإسلام بروحه وحقيقته وواقعه الذي هو تربية روحية وتهذيب خلقي وتكوين انساني أكثر من كونه توسعاً اقليمياً وسلطة زمنية وحركة سياسية .
لذلك صاروا يخبطون خبط عشواء ويتخبطون في أمر الخلافة بغير هدى ولا طريق معين فتارة يعتمدون في اختيار الخليفة مبدأ الانتخابات العام وتارة مبدأ النص والاختيار الفردي وأخرى مبدأ الشورى من قبل أشخاص معدودين وهكذا كلما إعتمدوا مبدأ جاء بنتيجة أسوأ من الأول إلى أن صارت الخلافة الإسلامية لعبة صبيانية ومطمعاً لكل طامع حقير .
لقد هزلت حتى بدا من هزالها كلاها وحتى استامها كل مفلس

فيا ترى هل يجوز على الله سبحانه وتعالى وهو علام الغيوب القادر الحكيم هل يجوز له أن يرضى لعباده هذا الخبط والضلال فلا يختار لهم قائداً مخلصاً وإماماً عالماً وخليفة كفؤاً بعد نبيه محمد (ص) الذي لا نبي بعده ؟
كلا وحاشا وسبحانه وتعالى عما يزعم الجاهلون ويقوله الظالمون . قل لي بربك أيها المنصف إلى أي شيء أوكلهم الله بعد رسوله في أمر التنظيم والتوجيه . أإلى القرآن الكريم فقط ؟ وفيه الناسخ والمنسوخ والمحكم والمتشابه والمجمل

مأساة الحسين (ع) بين السائل والمجيب 118

والمفصل والتفسير والتأويل . مع العلم بأنه سبحانه أمرهم فيه أن يرجعوا لمعرفة آياته وتأويلها إلى الراسخين في العلم . أي علم القرآن . وأمرهم بأن يسألوا أهل الذكر عما يجهلون منه فمن هم هؤلاء الراسخون في العلم ومن هم أهل الذكر . أفلا يجب عليه تعالى أن يعرف العباد بهم ؟ وإلا فما وجه الحكم في الأمر بشيء مجهول . ثم بأي حجة يحتج الله سبحانه على عباده إذا ضلوا بعد النبي (ص) ولم يهتدوا إلى أهل الذكر وإلى العلماء الراسخين ؟ وهذا القرآن كما تراه يحتمل سبعين وجهاً في التفسير والتأويل على حد الحديث الشريف الذي مؤداه أن للقرآن سبعين بطناًَ فمن فسر القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار ... هذا من جهة .
ومن الجهة الأخرى يقول المثل المأثور : حدث العاقل بما لا يليق فإن صدق فلا عقل له . فهل يليق أيها العاقل المنصف بمقام رسول الله (ص) وهو الفرد الأكمل في النوع الانساني عقلاً وحكمة أن يموت ويترك رسالته دون تعيين نائب عنه في رعايتها ونشرها وصيانتها والدفاع عنها ؟ يموت تاركاً الأمة التي تعب على إنشائها طيلة ثلاث وعشرين سنة دون تعيين راعٍ يرعاها وبلا أن ينصب خليفة عنه لقيادتها وهي بعد في بداية الطريق ودور الطفولة ومرحلة الخطر . محاطة بالأعداء والموتورين والطامعين من الخارج ومهددة بالمنافقين والانتهازيين والمؤلفة قلوبهم من الداخل ؟ يموت بدون وصية وبدون تعيين وصي وبدون أن يختار نائباً وخليفة عنه في أمته فيخالف بذلك كافة الاعراف العقلائية وأبسط النواميس العقلية وقانون الأنبياء والمرسلين ؟ قل لهؤلاء الذين يزعمون أن محمداً (ص) مات ولم يعين لنفسه خليفة ووصياً ...
قل لهم هل فعل ذلك نبي أو رسول قبل محمد ؟ أي نبي من آدم فمن بعده مات قبل أن يعين ويختار وينصب خليفة ووصياً ؟ فكيف يشذ محمد (ص) عن سيرة الأنبياء ويخالف مسلك المرسلين مع كونه آخرهم وخاتمهم ؟
هاك كتب التاريخ وسير الأنبياء فراجعها لتعرف أنه ما من نبي من آدم (ع)

مأساة الحسين (ع) بين السائل والمجيب 119

إلى عيسى فارق الحياة وخرج من هذه الدنيا إلا بعد أن اختار لنفسه وصياً وعين نائباً وعرفه لأمته وسلمه كتبه ومواريث العلم والنبوة . سواء كان ذلك الوصي والخليفة نبياً أيضاً كأكثر أوصياء الأنبياء أو لم يكن نبياًَ بل كان إماماً وخليفة فقط يقوم بمهام النبي ويرعى شؤون أمته ورسالته . واليك أسماء البارزين من أولئك الأنبياء وأسماء خلفائهم الذين قاموا بعدهم بوصية خاصة ونص وتعيين :
1ـ آدم (ع) : أبو البشر وأول الأنبياء . خلف ولده الثالث شيت (ع) وصياً وخليفة من بعده وسلم اليه الصحف التي أنزلها الله عليه والكلمات التي تلقاها من ربه فتاب عليه بعد أن كان قد أوصى إلى ولده هابيل واختاره خليفة عنه فحسده أخوه الأكبر قابيل وقتله حسب ما هو معروف ومشروح في الكتاب العزيز .
2 ـ نو ح عليه السلام شيخ المرسلين . خلف ولده الصالح سام ، واختاره خليفة على أمته من بعده وسلم اليه الصحف والكتب المنزلة عليه بعد أن هلك ابنه الأكبر الكافر (كنعان) مع المشركين والكفرة في الطوفان على ما ذكر من قصته في القرآن .
3ـ ابراهيم الخليل (ع) خلف ابنه الأكبر اسماعيل (ع) خليفة على أمته من بعده وأوصاه أن يخلف أخاه الأصغر اسحاق (ع) من بعده وأوصى اسحاق أن يخلف ابنه الأكبر يعقوب .
4 ـ موسى بن عمران كليم الله (ع) عين أولاً أخاه ووزيره في الرسالة هارون بن عمران ليخلفه في أمته ولكن وافاه الأجل المحتوم قبل موسى (ع) فأوصى موسى إلى يوشع بن نون (ع) وخلفه إماماً على أمته وسلمه التوراة والمواريث ولما مات موسى وقام يوشع بن نون مقامه حسدته زوجة موسى وهي صفيراء بنت شعيب فأثارت ضده الفتنة وحاربته ولكن الله سبحانه نصره عليها وقصته مذكورة في كتب سيرة الأنبياء .

مأساة الحسين (ع) بين السائل والمجيب 120

5 ـ داود (ع) اختار ولده سليمان في حياته وأوصى اليه وسلمه الزبور ومواريث النبوة فقام من بعده بأمر الرسالة .
6 ـ عيسى بن مريم (ع) روح الله وآيته أوصى إلى شمعون الصفا وهو من خلص الحواريين فقام شمعون الصفا من بعد أن رفع عيسى عليه السلام قام مقامه خليفة في أمته ووصياً على رسالته .
7 ـ زكريا عليه السلام أوصى في حياته إلى ولده يحيى عليه السلام وعينه خليفة عنه بعده ... وهكذا .
فكيف يجوز في عرف الشرع ومنطق العقل وسيرة العقلاء أن يشذ محمد (ص) عن سيرة سلفه الصالح ويخالف الأنبياء جميعاً فيموت ويترك أمته سدى حبلهم على غاربهم تتلاعب بهم الأهواء وهو أفضل الأنبياء عقلاً وحكمة ومعرفة ورسالته خاتمة الرسائل والشرايع جاءت لتدوم إلى الأبد وليهتدي بها البشرية جميعاً فهل هذا معقول ؟ والشيء الاخر هو :
ان السيرة الفطرية في سلوك كل بشر عادي أنه إذا كان مسئولا عن شيء أو يحرص على سلامة شيء من مال أو متاع أو عائلة ثم عرضت له حاجة تدعوه أن يغيب عن تلك المسئولية فإنه بحكم فطرته الارتكازية يفكر بمن يقوم مقامه مدة غيابه للحفاظ على ذلك الشيء واداء تلك المسئولية مدة غيابه .
فمثلاً رجل رب عائلة يريد السفر لعدة ايام أو أشهر فإنه بفطرته البشرية العادية يوصي إلى رجل رشيد من أقاربه أو جيرانه أو أصدقائه يوصيه بأن يرعى شؤون عائلته ويتفقد أمورهم مدة غيابه .
ومثل آخر : رجل صاحب مكتب أو متجر أو شيء من هذا القبيل يريد مغادرته لحاجة في الخارج خلال مدة العمل فإنه يكلف شخصاً أو ينصب شخصاً للقيام مقامه أو لرعاية المكتب على الأقل ريثما يذهب ويعود ولا يمكن أن يترك المكتب مهملاً مفتوحاً بدون رعاية من أحد .

مأساة الحسين (ع) بين السائل والمجيب 121

وأخيراً فلنتصور رجلاً راعي معز أو غنم أو بقر يريد أن يترك القطيع في الصحراء ويعود إلى البلد لحاجة عارضة فهل يتركه بدون أن ينصب مكانه رجلاً لحراسة القطيع وحمايته مدة غيابه وإذا فعل وترك القطيع سدى وذهب عنه أفلا يلومه العقلاء على ذلك ويعتبرونه مقصراً في واجبه متهاوناً بمسئوليته .
وهنا نتساءل : هل كانت الأمة والرسالة أقل شأناً وقيمة عند محمد (ص) من الدكان أو المكتب عند صاحبه ومن قطيع الغنم عند الراعي ؟
أم أن محمد (ص) أقل حكمة وأضعف تفكيراً وشعوراً بالمسئولية من صاحب المتجر والدكان ومن راعي الغنم والبقر ومن الرجل العادي رب العائلة ؟ نعوذ بالله من هذه الافتراءات ونبرأ إلى الله من هذه المزاعم والأقوال ...
والأمر الرابع : أقول هل رأيت أو سمعت في العالم ملكاً بدون وليّ عهد معين في حياته أو رئيس جمهورية أو أمير دولي بلا نائب مخصوص مختار قبل وفاته ؟
فهل كان محمد (ص) أقل ادراكاًَ للأصول الادارية والسياسية والزعامة من كل الملوك والرؤساء . أم ماذا ؟ أم أن الملوك والرؤساء أكثر اشفاقاً على سلامة الشعوب والنظام من سيد المرسلين خاتم الأنبياء على أمته ورسالته ؟
أيقبل عقلك ويرضى وجدانك أن الخليفة الأول أبا بكر يهتم بأمر المسلمين فلا يفارق الحياة حتى ينص على عمر بن الخطاب بالخلافة من بعده ويكتب له العهد بذلك . والخليفة الثاني عمر يهتم بأمر القيادة الاسلامية وزعامة الأمة فلا يموت حتى يرشح ستة أشخاص من كبار الصحابة لمنصب الخلافة ويضع نظام الشورى ويؤكد على أن لا تمضي ثلاثة أيام بعد موته حتى يكون أحد هؤلاء السته قد تعين للخلافة وتسلم زمام أمور الأمة . ولكن محمد (ص) يموت بلا وصية وبدون وصي وخليفة ؟ أفيجوز أن يكون كل من أبي بكر وعمر بن الخطاب أشد حرصاً على مصلحة الإسلام والمسلمين من صاحب الرسالة ومؤسس الأمة محمد (ص) ؟

مأساة الحسين (ع) بين السائل والمجيب 122

ان مبدأ الاعتراف بالأمر الواقع الذي يسير عليه أكثر المسلمين بزعم أن خلافة الثلاثة بعد النبي (ص) وقيامهم مقام الرسول (ص) أمر قد وقع وصار فيجب الاعتراف بصحته والإذعان لشرعيته ... أقول ان هذا ليس مبدءاًً شرعياً ولا يقره العقل والعقلاء . إذ ليس كل ما وقع في العالم وحدث في التاريخ هو حق وصواب وعدل وصلاح وليس كل مايحدث ويقع يجوز الاعتراف بصحته والالتزام بشرعيته .. ما أكثر الحوادث الباطلة والوقائع الفاسدة والقضايا التي تحققت في هذه الحياة ولكن على أساس الظلم والعدوان .
فهذه مثلاً دولة إسرائيل القائمة في قلب العالم العربي الإسلامي وقد اعترف بها أكثر دول العالم وتؤيدها أكبر الحكومات مادياً ومعنوياً . فهل يجوز للعقل والشرع وعرف العقلاء الاعتراف بها وبشرعيتها لمجرد ذلك ؟ الجواب طبعاً كلا . لأنها وقعت على الغدر والخيانة والغصب كما أن المبدأ القائم على الفكرة القائلة بأن الصحابة كلهم عدول أخيار صلحاء لا يجوز الطعن فيهم ولا يحق لنا التنديد بهم . هذا المبدأ هو الآخر غير صحيح لا يقوم على أساس من المنطق والدليل إذ لا شك أنهم كانوا بشراً مثلنا غير معصومين من الخطأ والعصيان ومخالفة أوامر الرسول (ص) إلا من عصمه الله منهم بقوة الايمان والتقوى ومتانة العقيدة واستكمال التربية الاسلامية . وقد وقعت بينهم اختلافات شديدة أدت إلى أن يشتم بعضهم بعضاً ويقاتل بعضهم البعض وسفكت بينهم الدماء ، فهل كانوا جميعاً على حق في تلك المنازعات ؟ وهل كانوا كلهم عدولاً في خلال تلك الحروب والمعارك ؟ وهل القاتل والمقتول منهم في الجنة ؟
إن مجرد الصحبة للرسول (ص) ليست علة تامة لحصول الايمان والعصمة الحافظة . كيف لا وقد صرح القرآن الكريم بوجود عدد كبير من المنافقين بين صفوف الصحابة الذين كانوا مع الرسول (ص) في المدينة وقد دبر بعضهم عدة مؤامرات لاغتيال النبي (ص) فنجا منها بمعجزة . وكان فيهم أي في أولئك المنافقين عدد قد أتقنوا فن النفاق إلى حد خفي نفاقهم حتى على النبي (ص)

مأساة الحسين (ع) بين السائل والمجيب 123

ٍٍٍٍٍٍٍٍٍفما كشفوا إلا بعد وفاته (ص) وقد ذكرهم تعالى لرسوله على نحو الاجمال فقال : «من أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم» . ثم كيف يستبعد منهم مخالفة أوامر الرسول (ص) في وصيه وخليفته علي بن أبي طالب بعد وفاته وقد خالفوا أوامره مراراً في حياته وهم معه وجهاً لوجه خذ مثلاً لذلك ما أجمع عليه المسلمون جميعاً وهي قضية طلب النبي (ص) الدواة والكتف في حال مرضه الذي توفي فيه ليكتب لهم كتاباً لن يضلوا بعده أبداً فعصوا أمره ولم يلبّوا طلبه وقالوا أنه يهجر . فغضب الرسول عليهم وقال قوموا عني . راجع ذلك في الصحاح والمسانيد . وفكر فيما شرحناه بعقلك وحكم وجدانك وضميرك لتعرف أن فكرة التشيع والمذهب الشيعي هما عصارة مدلول الكتاب العزيز والسنة الشريفة ونابعان من صميم العقل والضمير الإنساني . ولتعرف إن التشيع قائم على اساس متين من الدليل والمنطق والوجدان وهو عبارة أخرى عن الإسلام التام الكامل الشامل لكل ما جاء به محمد (ص) من عند الله تعالى بدون زيادة ولا نقصان . كيف لا وهو مذهب أهل البيت (ع) الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً ...
والآن نختم البحث حول هذا الموضوع ونعود إلى الغرض المقصود وهو أن من ثمرات ثورة الحسين (ع) ومن نتائج تضحياته الجسام انتباه الرأي العام الإسلامي الى خطأ السياسات الارتجالية التي سار عليها ولاة الأمر منذ وفاة الرسول الأكرم (ص) والتي ادت بالمسلمين إلى النكسات والنكبات وتشتت الكلمة واندلاع الفتن والحروب الداخلية والمفاسد الاجتماعية وانحسار الروح الإسلامية من نفوس المسلمين . وأدت أخيراً الى هذه الوصمة المخزية ولطخة العار في جبين الانسانية حيث لم يمض على وفاة رسول الإسلام ونبي المسلمين سوى خمسين عاماً فقط وإذا المسلمون أنفسهم ينهالون على أهل بيت نبيهم وأولاد منقذهم وذرية سيدهم محمد (ص) قتلاً وتشريداً وابادة وتقطيع أوصال وحمل الرؤوس على أطراف الرماح من بلد إلى بلد وترك الجثث على وجه الرمال

مأساة الحسين (ع) بين السائل والمجيب 124

ٍٍٍٍٍوحمل بنات رسول الله سبايا حواسر على الأقتاب تساق كما تساق سبايا الكفرة والأشرار كل ذلك بسبب أنهم أنكروا الظلم والفساد وعارضوا البدع والاستبداد . فهل ارتكبت أمة في العالم قبل هذه الأمة عاراً مثل هذا العار وجريمة ابشع وأخزى من هذه الجريمة ؟
قال السيد الرضى (ره) في قصيدة له :
جزورا جزر الأضاحي نسله ثـم ساقوا آله سوق الأمـا
لو بسبطي قيصـر أو هرقل فعلـوا فعل يزيد مـا عدى
ليس هـذا لرسـول الله يـا أمـة الطغيان والبغـي جزا

كل ذلك من جراء الإعراض عن الإمامة الشرعية والخلافة الالهية بعد رسول الله (ص) . تماماً كما تنبأت به وحذرتهم عنه سيدة النساء فاطمة بنت محمد (ص) في الخطبة التي ألقتها على نساء المهاجرين والأنصار بعد اغتصاب الخلافة من الإمام علي (ع) حيث قالت عليها السلام :
«ويحهم أنا زحزحوها عن رواسي الرسالة وقواعد النبوة والدلالة ومهبط الروح الأمين والطبين بامور الدنيا والدين ألا ذلك هو الخسران المبين وما الذي نقموه من أبي الحسن نقموا منه والله نكير سيفه وقلة مبالاته بحتفه وشدة وطأته ونكال وقعته وتنمره في ذات الله وتالله لو مالوا عن المحجة اللائحة وزالوا عن قبول الحجة الواضحة لردهم اليها ولحملهم عليها ولسار بهم سيراً سجحاً لا يكلم خشاشه ولا يكل سائره ولا يمل راكبه ولأوردهم منهلاً نميراً صافياً تطفح ضفتاه ولا يترنق جانباه ولأصدرهم بطانا ولنصح لهم سراً واعلانا ولم يكن يتحلى من الغنى بنائل ولا من الدنيا بطائل غير ري الناهل وشبعة الكافل ولبان لهم الزاهـد مـن الراغـب والصـادق مـن الكـاذب : « ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون » .

مأساة الحسين (ع) بين السائل والمجيب 125

ٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍويحهم « أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أم من لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون» » .
أما لعمري لقد لقحت فنظرة ريثما تنتج ثم احتلبوا ملء القعب دماً عبيطاً فهنالك يخسر المبطلون ويعرف التالون غب ما أسس الأولون ثم طيبوا عن دنياكم نفساً واطمئنوا للفتنة جأشا وابشروا بسيف صارم وسطوة معتد غاشم وبهرج شامل واستبداد من الظالمين يدع فيئكم زهيداً وجمعكم حصيداً فيا حسرة لكم وأنى بكم وقد عميت عليكم إن ألزمكموها وأنتم لها كارهون .
ونعود فنقول إن ثورة الحسين (ع) كانت ناجحة وفاتحة ورابحة . ولكن نجاحاً معنوياً وفتحاً فكرياً على الصعيد العالمي وربحاً عاطفياً ووجدانياً عمّ النوع الانساني بكل شعوبه وطوائفه وقومياته . وأما النصر العسكري والنجاح المسلح فليسا دائماً دليلاً على النجاح الحقيقي على حد الكلمة المأثورة : جولة الباطل ساعة وجولة الحق إلى قيام الساعة (والعاقبة للتقوى ...)

مأساة الحسين (ع) بين السائل والمجيب 126

ٍٍٍٍٍهل هناك ثمرة من ثورة الحسين (ع) للمسلمين ككل ؟

أيها القارئ الكريم لا تظن أن ثورة الحسين (ع) وتضحياته السخية المباركة قد خدمت التشيع فحسب . كلا . وبل وخدمت المسلمين كأمة واحدة وبأجمعهم أيضاً وذلك بما ولدته فيهم من وعي وإحساس تنبهوا بهما إلى أمر خطير وغلط كبير جداً كان محدقاً بهم وكاد أن يبدل دينهم وهم لا يشعرون .
وهو أن المسلمين من حيث العموم كانوا ينظرون إلى الخلفاء والأمراء الذين حكموهم منذ أن قبض النبي محمد (ص) بصفة مزدوجة هي صفة المشرعين والمنفذين في آن واحد أي كانوا يتصورون أن الخليفة له صلاحية التشريع والتحليل والتحريم والتغيير والتبديل . كما له حق التطبيق وصلاحية التنفيذ قياساً لهم على رسول الله (ص) الذي كان هو المشرع والمنفذ معاً ومن هذه النظرة الخاطئة من المسلمين إلى حكامهم تجرأ بعض أولئك الحكام على الاجتهاد ضد نصوص الكتاب والسنة الشريفة وعلى التلاعب بأحكام الإسلام حسب شهواتهم ومصالحهم .
فما أن التحق رسول الله (ص) بالرفيق الأعلى حتى بدأ الاختلاف بين سيرته وسيرة المسؤولين بعده إلى أن جاء دور عثمان فكان الاختلاف بين سيرته وسنة رسول الله بلغ الى حد قالت عنه أم المؤمنين عائشة وقد أخرجت ثوباً من ثياب النبي (ص) تعرضه على الناس . انظروا هذا ثوب رسول الله بعد لم يبل وعثمان قد ابلى سنته .

مأساة الحسين (ع) بين السائل والمجيب 127

والخطر الأكبر الذي كان يكمن في تلك الظاهرة هو أن المسلمين كانوا يأخذون تلك التصرفات الشاذة عن نصوص القرآن والسنة الشريفة من قبل الخلفاء بعين الاعتبار وبأنها من صميم الإسلام وشريعة الله تعالى . لذا فقد استغل الأمويون تلك النظرة أكبر فرصة لهم في سبيل تحقيق مؤمراتهم العدوانية ضد الإسلام ونبي الإسلام فأخذوا يحرفون ويشوهون ويتلاعبون بشعائره ومقدساته حيثما شاءوا . فمن ذلك مثلاً أن معاوية صلى بهم ذات مرة صلاة الجمعة يوم الأربعاء فصلوها معه . وسن لهم سب الإمام أمير المؤمنين على المنابر وفي صلاة الجمعة . وأعطى الجزية للرومان مقابل سحبه المرابطين على الحدود ليحارب بهم أمير المؤمنين (ع) ولبس الحرير والذهب وشرب الخمر وقتل النفوس المحترمة على الظنة والتهمة وألحق زياد بن سمية بأبيه أبي سفيان خلافاً لنص الحديث الشرف : الولد للفراش وللعاهر الحجر وحول الخلافة الإسلامية الى ملك وراثي عضوض . والخ . وإلى ذلك من بدعه ومخالفاته التي يطول شرحها وكان الناس يأخذون تلك البدع بعين الاعتبار وإنها من الدين كما قدمنا . ولكن بعد ثورة الحسين (ع) تغيرت نظرة المسلمين الى الحكام والأمراء وظهروا أمام الرأي العام الإسلامي على أنهم سلاطين جور وحكام بالقهر والغلبة وملوك دنيويون ليس لهم صفة شرعية ولا سلطة تشريعية . فالإسلام شيء وسيرة الحكام والأمراء الذين يحكمون المسلمين شيء آخر لا يمثل أحدهما الآخر في شيء أبداً.
ولهذا التبدل والفصل بين الحكام وأعمالهم من جهة وبين الإسلام والمسلمين من جهة أخرى بقي الإسلام محفوظاً ومصاناً على الصعيد الفكري إلى يومنا هذا . ولولا ذلك لكان الإسلام خبراً بعد عين ولكان المسلمون اليوم أمة جاهلية أباحية لا تعرف الله ولا تؤمن بنبي ولا تقرأ كتاباً .
وليس أدل على ذلك أي على ما قلناه من أن ثورة الحسين (ع) عزلت الحكام عن الشعب وانتزعت منهم صلاحية التشريع وصفة الشرعية عن سلوكهم . من ظهور الطوائف ، وتعدد المذاهب وتزايد الفرق الإسلامية بعد عصر

مأساة الحسين (ع) بين السائل والمجيب 128

ٍٍٍٍٍٍالحسين (ع) مباشرة . ووجه الدلالة فيه هو من حيث أن الحكام لما شعروا بمقت الأمة لهم وتنفر الرأي العام منهم وان الحسين (ع) قد انتزع بثورته المقدسة الخالدة . السلطة الروحية من أيديهم وبالتالي تبين لهم أنهم أصبحوا معزولين عن الشعب روحياً ودينياً لذا حاولوا أن يستعبدوا سلطتهم على الأمة . وسيطرتهم على الشعب ولو من طريق غير مباشر أي بواسطة عملاء لهم من رجال الدين والعلماء الذين تغريهم المناصب وتستغويهم الأموال ليكون هؤلاء العملاء كحلقة وصل بين الشعب والحكام ينفذون سياسة الحكام ويبررون اجرامهم ويدعون سلطانهم اللاشرعي ومن ثمة يكونوا سلاحا بيد السلطات يحاربون بهم الدين ويدافعون بهم عن حكمهم وسلطانهم القائم باسم الدين .
وهكذا كان . فقد بدأ الحكام بعد الحسين سياسة التفرقة الطائفية وتمزيق وحدة المسلمين بالطائفية وتعدد المذاهب التي بلغت في أواسط الدولة العباسية إلى أكثر من ثلاثمائة طائفة وفرقة وكل طائفة تنتمي وتنتسب إلى رجل دين أو عالم أو محدث إما مساير للسياسة والحكام كلياً . أو سلبي مجامل لهم على أحسن الفروض وبذلك نجحت سياسة (فرق تسد) في خدمة الحكام نجاحاً كبيراً وظلوا محتفظين بكراسيهم وسيطرتهم من هذا الطريق . وظل أئمة الهدى من أهل البيت عليهم السلام ومعهم شيعتهم وأصحابهم هم الطائفة الوحيدة بين تلك الطوائف الإسلامية الكثيرة الذين يمثلون الحزب المعارض لتلك الحكومات الجائرة والذين يقفون في وجه أولئك العلماء الدجالين ورجال الدين المنافقين السائرين في ركاب الحكام والأمراء . فهذا مثلاً الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام بعث اليه المنصور الدوانيقي مرة يقول له يا ابا عبد الله هلا تغشانا وتزورنا كما يغشنا غيرك من العلماء . فأرسل اليه الإمام (ع) يقول له ليس عندنا من الدنيا ما نخافك عليه وليس عندك من الآخرة ما نرجوك له ولست في نعمة حتى نهنيك ولا ترى نفسك في مصيبة حتى نعزيك وقد قال رسول الله (ص) إذا رأيتم العلماء على أبواب الأمراء فقولوا بئس العلماء وبئس الأمراء وإذا رايتم الأمراء على أبواب العلماء فقولوا نعم العلماء ونعم الأمراء . فعلام

مأساة الحسين (ع) بين السائل والمجيب 129

ٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍنصحبك بعد هذا . فأرسل اليه المنصور ثانية يقول له تصحبنا لتنصحنا . فقال الإمام عليه السلام ان من يريد الدنيا لا ينصحك وان من يريد الآخرة لا يصحبك .
ولقد بذل الحكام جهوداً كثيراً وحاولوا شتى المحاولات لكي يستميلوا أهل البيت (ع) نحوهم ويجذبوهم الى جانبهم ليكسبوا تأيدهم . ولكن فشلوا وخاب ظنهم وما وجدوا من آل محمد (ص) إلا الاستقامة على الحق والتصلب ضد الباطل واعلان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا تأخذهم في الله لومة لائم . لذلك قابلوهم بكل ظلم واضطهاد وحاربوهم بكل قسوة وعنف واضطهدوا شيعتهم ومنعوا الناس من الوصول اليهم وأغلقوا أبوابهم وتركوهم شتى مصارعهم وأجمعها فظيعة :
فمكابد للسم قد سقيت حشـاشتـه نقـيعـه
ومضرج بالسيف آثر عـزه وأبى خضوعه
ومصفد لله سلم أمـر مـا قـاسـا جميعه
و سبية باتت بأفعـى الهم مهجهـا لسيعـه

وهذا الاضطهاد والتعسف الذي مارسه الحكام ضد أئمة الهدى من آل البيت (ع) هو السبب في انقسام الشيعة أنفسهم إلى عدة فرق وطوائف ايضاً لأن امام الحق كان ممنوعاً من اظهار نفسه والدعوة اليه وكان بسطاء من الشيعة يخدعون بالدعايات المضلة والمظاهر الجذابة فيلتفون حول بعض الأشخاص من أبناء الأئمة عليهم السلام أو من أقاربهم ويقولون بإمامتهم . مثل الكيسانية الذين دانوا بإمامة محمد بن الحنفية (ره) بعد الحسين (ع) لما كان يتحلى به محمد من علم وشجاعة وانه ابن الإمام علي (ع) وأخو الحسين (ع) وبالتالي هو أكبر من الإمام زين العابدين (ع) .

مأساة الحسين (ع) بين السائل والمجيب 130

ثم الزيدية الذين دانوا بإمامة زيد بن علي بن الحسين (ع) بدل الإمام محمد الباقر (ع) . ثم الاسماعيلية الذين قالوا بإمامة اسماعيل بن الصادق (ع) بدل أخيه الإمام موسى الكاظم (ع) . وهكذا الى غيرها من الفرق الشيعية الأصل والتي شذت عن طريق الحق بسبب اختفاء صوت امام الحق أو الارهاب الذي كان يحول دون وصولهم إلى امام الحق وقد أبيد أكثر تلك الطوائف والفرق ولم يبق منها الى اليوم سوى الطائفة الزيدية في اليمن والطائفة الاسماعيلية في الهند والباكستان . إلى جانب الطائفة الحقة الجعفرية الإمامية الذين يشكلون أكبر طائفة إسلامية في العالم والذي ساروا مع التشيع الصحيح إلى آخر الشوط ودانوا بإمامة الأئمة الاثني عشر المنصوص عليهم من رسول الله (ص) بالإمامة وهم علي بن أبي طالب ثم ابنه الحسن (ع) ثم أخوه الحسين (ع) ثم ابنه علي زين العابدين (ع) ثم ابنه محمد الباقر (ع) ثم ابنه جعفر الصادق (ع) ثم ابنه موسى الكاظم (ع) ثم ابنه علي الرضا (ع) ثم ابنه محمد الجواد (ع) ثم ابنه علي الهادي (ع) ثم ابنه الحسن العسكري (ع) ثم ابنه محمد المهدي (ع) صاحب العصر والزمان عليهم السلام جميعاً صلوات الله وسلامه .
وهنا بمناسبة ذكر صاحب الزمان يتولد سؤال كثيراً ما يتسائل به شباب عصرنا الحاضر حول هذا الإمام الثاني عشر عند الشيعة الجعفرية الذي يعتقد في أنه غاب عن الأبصار بعد وفاة أبيه الامام الحادي عشر الحسن العسكري عليه السلام وذلك قبل أكثر من ألف ومائة وعشرين عاماً اي في سنة 260من الهجرة وهو لا يزال حياً يرزق حتى الآن في هذه الدنيا إلى أن يأذن الله له بالظهور فيظهر ويطهر العالم من الظلم والجور والفساد في وقت لا يعرفه على وجه التحديد إلا الله تعالى .
والسؤال في هذا الموضوع يدور غالباً حول بقائه حياً هذه المدة الطويلة وانه كيف يعيش انسان حوالي ألف ومائة وعشرين سنة ولا يزال حياً إلى ما شاء الله ؟

مأساة الحسين (ع) بين السائل والمجيب 131

ٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍالجواب : أولاً من الناحية العلمية لا مانع في ذلك ولا استحالة . لأن العلم لم يحدد عمر الانسان وإنما حدد أسباب الوفاة وهي تتلخص في اختلال المزاج والتوازن الصحي واصابة الأعضاء الرئيسية في الجسم بعطب خطير فكلما حافظ الانسان على توازن صحته وسلامة أعضائه الرئيسية كلما استمر بقائه وطالت حياته ومن هنا يختلف الناس في طول البقاء وقصره تبعاً لسلامة أجسامهم من الأمراض .
ومما لا شك فيه أن الإمام المعصوم المؤيد من قبل الله تعالى يكون أعرف الناس بقوانين الوقاية الصحيحة واكثر الناس عملاً بها وتمسكاً بها فلا بد أن يكون أطول الناس عمراً وأكثرهم بقاء في هذه الحياة . وقد حدثنا التاريخ عن أشخاص عمروا في الدنيا مئات السنين مثل نوح عليه السلام الذي عمر أكثر من ألف وخمسمائة سنة وغيره كثيرون ممن عمر مدداً ترواح بين المائة سنة والألف سنة وأحوالهم مذكورة في بطون كتب التاريخ والمعمرين ومنهم مثلاً سطيح كاهن الشام الذي عاش ثلاثين قرناً حسب نصوص التاريخ ومات بعد ولادة النبي محمد (ص) بمدة قليلة وقصته معروفة ... والواقع أن البحث حول الإمام المهدي (ع) يحتاج إلى تفصيل واسع لا يسعه المقام وسنعود اليه بمناسبة أخرى إن شاء الله .
والخلاصة هي : ان ثورة الحسين (ع) حفظت للمسلمين اسلامهم من خطر انقلاب جاهلي ماحق وعرفتهم بأعدائهم المتسترين بثياب الإسلام والحاكمين باسم الإسلام وبعثت فيهم روح الثورة والمعارضة ضد أولئك الأعداء وحفظت لهم شخصيتهم الإسلامية وقد أجاد المرحوم السيد جعفر الحلي (ره) حيث قال :

مأساة الحسين (ع) بين السائل والمجيب 132

يوم بحامية الإسلام قـد نهضـت لـه حميـة ديـن الله إذ تركـا
رأى بـأن سبيـل الغنـيّ متّبــعٌ والرشد لم تـدرِ قـومٌ أية سلكـا
و النـاس عادت اليهـم جاهليتهـم كأن مـن شرع الإسلام قد أفكـا
وقـد تحكـم بالإسـلام طـاغيـة يمسي و يصبح بالفحشاء منهمكـا
لم أدرى أين رحال المسلمين مضوا وكيـف صار يزيـد بينهم ملكـا
العاصر الخمـر من لئـم بعنصره و من خساسة طبع يعصر الودكـا
لئن جرت لفظة التوحيد مـن فمـه فسيفه بحشـا التوحيـد قـد فتكا
قد أصبح الدين منه يشتكـي سقمـاً ومـا إلى أحد غيـر الحسين شكا
فما رأى السبط للدين الحنيف شفـاً إلا إذا دمـه فـي كربـلا سفكـا
و ما سمعنـا عليـلاً لا علاج لـه إلا بنفـس مـداويـة إذا هلـكـا
نفسـي الفداء لفـادٍ شـرع والـده بنفـسـه وبـأهليـه ومـا ملكـا
بقتلـه فـاح للاسـلام نشر هـدى وكلمـا ذكرتـه المسلمـون ذكـا

السابق السابق الفهرس التالي التالي