مأساة الحسين (ع) بين السائل والمجيب 133

هل يصح البكاء على الحسين (ع) وهو الثائر الفاتح ؟

يقول الأعسم (ره) وهو يخاطب الحسين (ع) :
تبكيك عيني لا لأجل مثوبة لكنما عيني لأجلك باكيـه
تبتل منكم كربلاء بدم و لا تبتل مني بالدموع الجاريه

تعرفنا في بحث سابق على أن الذين قتلوا الحسين (ع) بكربلا لم يكونوا شيعة ولم يكن فيهم شيعي واحد قط . وعليه : فبكاء الشيعة اليوم وقبل اليوم على مصاب الحسين (ع) ليس بدافع الشعور بالاثم أو لغرض التكفير عن جريمة الآباء حسب ما يتهمهم المغرضون ويشوه عليهم الجاهلون .
والسؤال الآن هو :
إذاً ما وجه الصحة وما المبرر في بكاء الشيعة على الحسين (ع) بعد علمنا أن الحسين ثائر ناجح في ثورته محقق لكثير من أهدافه السامية في اظهار الحق وفضح الباطل . فلماذا هذا النوح والبكاء والأسى ومظاهر الحداد في كل عام ؟
فنقول : اولاً أن البكاء والتأثر على الحسين (ع) ليس فرضاً إسلامياً ولا واجباً شرعياً ولا ركناً من أركان التشيع بحيث لا يتم بدونه ولا يتحقق بتركه .
وإنما هو ظاهرة حب وولاء للحسين (ع) وهل يمكن أن تنزل نكبة ومصيبة بحبيب لك وعزيز عليك ثم لا تبكي ولا تتأثر منها . والحسين (ع) حبيب كل مؤمن وعزيز كل انسان وقد أصيب بأعظم المصائب وأفدح الكوارث

مأساة الحسين (ع) بين السائل والمجيب 134

لأجل الحق والعدالة دفاعاً عن الايمان والانسانية فكيف لا يبكيه أو لا يتأثر عليه الانسان . ومع غض النظر عن هذا فإن في البكاء عليه وجوهاً أخرى للحسن والصحة نذكر بعضها فما يلي :
الوجه الاول : توقع الثواب من الله سبحانه والأجر منه تعالى في الآخرة حيث أن في البكاء على الحسين (ع) تآسي بالنبي الأكرم وأهل بيته المعصومين (ع) إذ قد ثبت بالتواتر أن رسول الله (ص) كان يعلم بما جرى على الحسين (ع) بعده وبكى على مصابه في عدة مواطن ولعن قاتليه وعبر عنهم بأشرار الأمة . وكذلك ابنته فاطمة الزهراء (ع) والإمام أمير المؤمنين (ع) والحسن السبط قد ثبت عنه في الأخبار الصحيحة أنهم بكوا على مصاب الحسين (ع) كلما تذكروه .
وأما بكاء الائمة المعصومين على الحسين بعده فمعروف مشهور فهذا مثلاً الإمام زين العابدين (ع) عاش بعد أبيه الحسين خمساً وثلاثين سنة ما قدم بين يديه طعام ولا شراب إلا وتذكر أباه الحسين (ع) وبكى وهو يقول كيف آكل وقد قتل أبي جائعاً وكيف أشرب وقد قتل ابي عطشانا . وذاك امامنا موسى بن جعفر الكاظم (ع) الذي كان إذا أهل عليه شهر المحرم لا يرى ضاحكاً حتى تمضي منه تسعة أيام فإذا كان اليوم العاشر منه كان يوم بكائه ومصيبته وحزنه .
وقبله أبوه الإمام الصادق (ع) الذي دخل عليه الراوي يوم العاشر من المحرم فوجده كاسف اللون باكياً حزيناً وكان غافلاً عن يوم عاشوراء فلما سأل الامام (ع) عن السبب قال (ع) أو غافل أنت عن هذا اليوم الذي قتل فيه الحسين (ع) فمن جعله يوم حزنه ومصيبته جعل الله له يوم القيامة يوم فرحه وسروره وقرت بنا في الجنان عينه ... إلى أن قال عليه السلام أن يوم الحسين أقرح جفوننا واسبل دموعنا واذل عزيزنا واورثنا الكرب والبلاء إلى يوم الانقضاء فعلى مثل الحسين فليبكي الباكون فإنه ذبح كما يذبح الكبش .

مأساة الحسين (ع) بين السائل والمجيب 135

ولا تنسى الأمام الرضا (ع) الذي يقول عنه دعبل بن علي الخزاعي (ره) أنشدته فبكى حتى أغمي عليه فأمسكته حتى افاق فقال أنشد يادعبل فأنشدته فبكى حتى أغمي عليه ثانية وهكذا إلى ثلاث مرات . وهو القائل عليه السلام كل جزع وبكاء مكروه للعبد إلا الجزع والبكاء على الحسين (ع) فانه فيه مأجور .
فكيف لا يحسن البكاء على الحسين (ع) والحزن والحداد على مصابه بعد أن بكاه النبي محمد (ص) وآله أهل بيت العصمة . وهل التآسي برسول الله مكروه وقبيح بعد أن أمرنا الله في كتابه العزيز بالتآسي به على وجه عام فقال سبحانه : «لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً ...» س الأحزاب 21.
وهل يسوغ للمؤمن أن يرغب عن التآسي بآل البيت (ع) بعد أن ثبت عنده أن يوم الحسين (ع) كان مثاراً للحزن ومدعاة للأسى والبكاء بالنسبة لهم عليهم السلام دائماً وفي كل الأحوال والمناسبات . ورد في أحوال الإمام الصادق عليه السلام أنه كان إذا ذكر جده الحسين (ع) أو ذكر عنده لا يرى ضاحكاً طيلة ذلك اليوم وتغلب عليه الكآبة والحزن . وكان عليه السلام يتسلى عن المصائب التي ترد عليه من قبل الأعداء بمصائب الحسين (ع) فمن ذلك مثلاً .
لما أمر المنصور الدوانيقي عامله على المدينة أن يحرق على أبي عبد الله الصادق (ع) داره فجاءوا بالحطب الجزل ووضعوه على باب دار الصادق (ع) وأضرموا فيه النار فلما أخذت النار ما في الدهليز تصايحن العلويات داخل الدار وارتفعت أصواتهم فخرج الإمام الصادق (ع) وعليه قميص وازار وفي رجليه نعلان وجعل يخمد النار ويطفئ الحريق حتى قضى عليها فلما كان الغد دخل عليه بعض شيعته يسلونه فوجدوه حزيناً باكياً فقالوا ممن هذا التأثر والبكاء امن جرأة القوم عليكم أهل البيت وليس منهم بأول مرة ؟ فقال الإمام (ع) لا ... ولكن لما أخذت النار ما في الدهليز نظرت إلى نسائي وبناتي يتراكضن

مأساة الحسين (ع) بين السائل والمجيب 136

في صحن الدار من حجرة إلى حجرة ومن مكان إلى مكان هذا وأنا معهن في الدار فتذكرت روعى عيال جدي الحسين (ع) يوم عاشوراء لما هجم القوم عليهن ومناديهم ينادي أحرقوا بيوت الظالمين .
فالغرض : أن البكاء على الحسين (ع) والتأثر من مصائبه واظهار الحزن والأسى يوم قتله كل ذلك أمر محبوب ومرغوب فيه لأنه من التآسي برسول الله (ص) وبأهل بيته الطاهرين (ع) وقد قال الإمام الحسن العسكري (ع) في كلمته المعروفه : «شيعتنا منا يفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا . الخ» .
الوجه الثاني : تعظيم شعائر الحسين (ع) وتعزيز عظمته وتكريم مقامه أمام الرأي العام حيث ورد عن الرسول (ص) قوله (ميت لا بواكي عليه لا اعزاز له) أي لا احترام له . وهو امر طبيعي لان القيمة المعنوية للفقيد وعظمته الانسانية تعرف عند من لا يعرفونه من عظيم أثر فقده في نفوس عارفيه وكلما عظم الفقيد عظم مصابه على الناس ولذا غضب رسول الله (ص) لما لم يسمع البكاء على عمه حمزة بن عبد المطلب بعد رجوعه من معركة أحد . وذلك لأن حمزة لم يكن عنده أحد في الدار يبكون عليه فقال النبي (ع) متأثراً وخاصة لما سمع البكاء على الشهداء من الأنصار . قال ولكن عمي حمزة لا بواكي عليه . فلما سمع الأنصار بعثوا إلى دار حمزة من يبكي عليه فستر رسول الله (ص) وقال على مثل حمزة فلتبكي البواكي ... فلا شك في أن الميت الذي لا يبكي لفقده ولا يحزن على موته لا قيمة له في نظر الناس وان ذلك دليل حقارته وضعف شخصيته ومقامه وهذا أمر عرفي ومنطقي . وقد أشار اليه القرآن الكريم في قوله تعالى «كم تركوا من جنات وعيون وزروع ومقام كريم ونعمة كانوا فيه فاكهين كذلك وأورثناها قوماً آخرين فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين» .
معلوم أن الغرض من بكاء السماء والأرض هو أهل السماء وأهل الأرض . أي أنهم ماتوا غير مأسوف عليهم ولم يؤثر موتهم حزناً في نفس أحد ولا

مأساة الحسين (ع) بين السائل والمجيب 137

فقدهم فراغاً في الحياة بعدهم . وهذا دليل هوانهم على الناس واحتقارهم في نظر الناس وانعدام احترامهم بين الناس رغم قوتهم وقدرتهم المالية ورغم ملكهم وسلطانهم الذي كانوا قد فرضوه على الناس .
سئل الإمام علي عليه السلام : ما هو حسن الخلق يا أمير المؤمنين فقال (ع) هو أن تعاشروا الناس معاشرة ان عشتم حنوا اليكم وإن متم بكوا عليكم . وقد أوصى الإمام محمد الباقر عليه السلام أن تستأجر له نوادب بعد موتـه يندبوا عليه بمنى من مكة أيام موسم الحج ولمدة عشر سنوات اظهاراً لمقامه المجهول لدى عامة الناس بسبب ظلم الأمويين واضطهادهم له عليه السلام .
فأي وسيلة يمكن أن نعبّر بها عن عظم منزلة الفقيد بين أصحابه ومحبيه أقوى دلالة وأوضح تعبيراً من البكاء عليه ثم اي ظاهرة أدل وأوضح تعبيراً عن شديد حبنا للفقيد وعظيم تعلقنا بالفقيد من ظاهرة البكاء عليه وجريان الدموع لموته .
وهل رأيت او سمعت أن زعيماً شعبياً في العالم مات أو قتل ولم يبك عليه أتباعه وأنصاره وشعبه . ولم يجعلوا يوم وفاته يوم حداد وأسى وخاصة إذا كان موته بصورة مفجعة وقاسية وتقتل أولاده وأطفاله واخوانه وعشيرته وتقطع رؤسهم وترض أجسادهم بحوافر الخيل وتحرق خيامه على نسائه وينهب ثقله وو ... إلى آخر ما هناك من صور إجرامية ووحشية تقشعر منها الجلود وتفتت الأكباد والقلوب .
ولا يقال هنا بأن حادثة الحسين (ع) قديمة جداً قد مضى عليها أكثر من ثلاثة عشر قرن فإلى متى هذا البكاء لها والحزن عليها وكل فقيد في العالم مهما عظم فإنما يبكى عليه لأيام معدودة ثم يطوى ذكره في زوايا التاريخ وبطون الكتب ؟
لأنا نقول : أولاً أن عظمة الحسين (ع) تفوق عظمة كل عظيم في العالم بعد

مأساة الحسين (ع) بين السائل والمجيب 138

جده المصطفى (ص) وأبيه المرتضى (ع) فقياسه على غيره من عظماء الانسانية قياس مع الفارق الكبير .
وثانياً أن الكيفية التي فقد عليها الحسين (ع) لم يفتقد عليها حتى الآن أي فقيد قط . قتل جائعاً عطشاناً شعثاً مغبراً غريباً وحيداً ثاكلاً مكروباًَ مستضعفاً يستغيث فلا يغاث ويستجير فلا يجار ويستعين فلا يعان يسمع ضجيج عياله وصراخ أطفاله وهم بين الآلاف من الأعداء ينتظرون منهم كل مكروه . ومن الناحية الثانية ينظر إلى قومه وصحبه حوله مجزرين كالأضاحي . مع العلم بان الذين قتلوه هم أمة جده المصطفى الذين ثار لأجلهم وقام لانقاذهم من الظلم والاضطهاد .
لذلك فإن فقده فريد في بابه جديد أبداً ودائماً لا يؤثر عليه مرور الزمن ولا يخفف من وقعه تعاقب القرون والأجيال فهو كما قال عنه الأدباء والشعراء قديماً وحديثاً .
فقال بعضهم :
فقيد تعفى كل رزء ورزءه جديد على الأيام سامي المعالم

وقال الآخر :
وفجائع الأيام تبقى مدة وتزول وهـي إلى القيامـة باقيـه

وقال الآخر :
كذب الموت فالحسين مخلد .. كلمـا مرت الدهـور تجدد

وقال آخر :
مصاب له طاشت عقول ذوي الحجا إذا مـا تعفا كـل رزء تجدّدا

لقد صلب المسيح عيسى بن مريم عليه السلام حسب زعم المسيحيين قبل ألفي عام تقريباً . وها هم المسيحيون لا يزالون يجددون ذكرى صلبه كل عام

مأساة الحسين (ع) بين السائل والمجيب 139

ويبكون له ويحزنون . وقد اتخذوا من خشبة صلبه شعاراً عاماً لهم يرفعونه فوق كل المؤسسات والجمعيات والكنائس معلنين بذلك اسفهم وحزنهم على مصابه ومأساته . مع العلم بان مأساة المسيح (ع) بسيطة جداً في جنب ماساة الحسين (ع) . فلماذا يلام الشيعة على حزنهم وبكائهم لمأساة الحسين (ع) ولا يلام غيرهم على الحزن والبكاء لمأساة سائر العظماء ...
والخلاصة هي : أن هناك شخصيات وحوادث في العالم لا يستطيع التاريخ هضمها ولا الزمان اسدال الستار عليها ولا الأجيال نسيانها لسبب بسيط . وهو عقم الأيام عن الاتيان بمثلها . وفي طليعة تلك الشخصيات شخصية الحسين (ع) وفي طليعة تلك الحوادث حادثة عاشوراء ..
الوجه الثالث : هو أن البكاء على الحسين (ع) يرمز إلى تأييد الحسين (ع) في ثورته المباركة واعلان الثورة العاطفية على الظلم والظالمين . والتعبير عن أعمق مشاعر الاستنكار والسخط ضد أعداء الحق والعدل . والاعراب عن الأسف على عدم وجودنا في صفوف أصحاب الحسين سادات الشهداء الخالدين وعدم نيلنا توفيق وسعادة نصرة الحسين (ع) في يوم عاشوراء . فيا ليتنا كنا معك أبا عبد الله فنفوز فوزاً عظيماً . لبيك داعي الله إن لم يجبك بدني عند استغاثتك ولساني عند استنصارك فقد اجابك قلبي وسمعي وبصري ...
هذا لسان حال شيعة الحسين في كل مكان وزمان فاجابة القلب بالايمان بمبدأ الحسين الذي قتل لأجله . واجابة السمع بالاستماع إلى سيرة الحسين وأقواله . واجابة البصر سكب الدموع على مآسي الحسين (ع) .
فالبكاء لكل واحد من هذه الأهداف والغايات الثلاث أمر طبيعي وعقلائي وظاهرة فطرية خيرة من ظواهر الفطرة السليمة التي وقاها الله تعالى من نكسة القساوة والغلظة وتحجر الضمير وهي أخطر الأمراض النفسية والانحرافات الروحية التي يتعرض لها بعض الأفراد وقانا الله شرها وهي المعبر عنها بموت القلب . واليك ما قاله الاستاذ العقاد ص 190 من كتابه (أبو الشهداء) ان

مأساة الحسين (ع) بين السائل والمجيب 140

الطبايع الآدمية قد أشربت حب الشهداء والعطف عليهم وتقديس ذكرهم بغير تلقين وإنما تنحرف عن سواء هذه السنة لعوارض طارئة تمنعها أن تستقيم أو من نكسة في الطبع . لأن العطف الانساني نحو الشهداء هو كل ما يملك التاريخ من جزاء . الخ ...
هل تتصور أيها القارئ الكريم انساناً يستمع إلى تلك المآسي الجسام التي وقعت على الحسين (ع) وآله من الصغار والكبار والرجال والنساء ولا ينكسر قلبه ولا يتأثر وجدانه ولا يتحرك ضميره ثم تعتبره انساناً طبيعياً سليم الفطرة ؟ كيف وقد قال الحسين (ع) نفسه في المأثور عنه انا قتيل العبرة ما ذكرت عند مؤمن إلا استعبر . وجاء في الحديث الشريف عن رسول الله (ص) قوله : جفاف العيون من قساوة القلوب وما ضرب بن آدم بعقوبة أشد عليه من قساوة القلب . وقد وصف الله سبحانه المؤمنين بقوله «رحماء بينهم» .
والخلاصة : لم يجد الخبراء وعلماء النفس والأخلاق بين الصفات الانسانية كلها صفة أفضل وأشرف من الرحمة ورقة القلب على الاخرين حتى أن بعض الفلاسفة عدل عن تعريف الانسان بالحيوان الناطق وهو التعريف المشهور . عدل عنه إلى أنه «حيوان ذو عطف» وعليه فلا انسانية مطلقاً بدون العطف على مصائب الآخرين وبدون الرحمة ورقة القلب على نكبات المظلومين ومآسي المنكوبين . والحقيقة أن الشيخ الأعسم رحمه الله قد مثل في البيتين السابقين شعور كل انسان سليم الفطرة تجاه الحسين (ع) حيث قال :
تبكيك عيني لا لأجل مثوبة لكنمـا عينـي لأجلك باكيـة
تبتل منكم كربلا بـدم ولا تبتل مني بالدموع الجارية ...

مأساة الحسين (ع) بين السائل والمجيب 141

ما الحكمة من زيارة قبر الحسين (ع) ؟

قال بعض الأدباء :
بزوار الحسين خلطت نفسي لتحسب منهم يوم العداد
فإن عدت فقـد سعدت وإلا فقد فازت بتكثير السواد

وهذه ظاهرة أخرى عند الشيعة .
لم تسلم أيضاً من النقد أحياناً ومن التساؤل والاستفهام عنها أحياناً أخرى وهي زيارة قبر الحسين (ع) بكربلاء من أرض العراق في مواسم عدة من ايام السنة وخاصة يوم عاشوراء هو يوم ذكرى مصرعه ويوم الأربعين أي العشرين من شهر صفر وهو يوم ذكرى عودة الرأس الشريف من الشام والتحاقه بالجسد على يد الإمام زين العابدين (ع) الذي عاد في ذلك اليوم مع السبايا من الشام في طريقهم إلى المدينة المنورة فصادف وصولهم إلى كربلاء في يوم الأربعين بعد قتل الحسين (ع) .
وهناك مواسم أخرى لزيارة قبر الحسين في خلال السنة مثل ليلة النصف من شعبان وليلة القدر من شهر رمضان ويوم عرفة ويوم عيد الفطر ويوم عيد الأضحى وغيرها تمتلئ فيها مدينة كربلاء بالزائرين من الشيعة والقادمين اليها من كل مكان .
وهذه الظاهرة ليست جديدة عند الشيعة وإنما هي سنة مستمرة بينهم منذ تاريخ قتل الحسين ومنذ سنة أحدى وستين هجرية حتى الآن وقد حافظوا على

مأساة الحسين (ع) بين السائل والمجيب 142

القيام بزيارة قبر الحسين بكل إمكانياتهم وقابلوا لأدائها تحديات جمة كلفتهم الأموال والأنفس في كل من العهدين المشئومين الأموي والعباسي .
والآن وفي عصرنا يوجد أناس يتساءلون : ما هو الغرض العقلائي من زيارة قبر الحسين وخاصة إذا كانت الزيارة تستلزم شد الرحال وتجشم عناء السفر وصرف الأموال ؟
نقول : أن زيارة قبر الحسين (ع) خير موضوع فمن شاء استقل ومن شاء استكثر . على حد تعبير الإمام الصادق عليه السلام .
اجل إنه عمل صالح وموضوع حسن ومحبوب عقلاً وشرعاً . أما حسنه من الناحية العقلية فلأن تقديس العظماء وتمجيد الأبطال بعد موتهم نزعة فطرية وسنة عقلائية سائدة في كافة أنحاء العالم وبين جميع الأمم والشعوب العالمية والحضارات الانسانية منذ اقدم العصور وإلى يومنا هذا . بل إن عصرنا هذا وجيلنا الحاضر هو أكثر تمسكاً واشد محافظة على هذا التقليد من السابق فترى بعض الدول التي ليس لها زعيم سابق معروف وبطل عالمي شهير تمجد فيه البطولة والفداء في سبيل الأمة . يعمدون إلى بناء نصب تذكاري يسمونه (الجندي المجهول) يرمزون به إلى التضحية الفذة والفداء المثالي في سبيل الوطن ، ويمجدون فيه البطولة والشهامة . وها نحن نسمع ونقرأ ونرى إنه ما من رئيس دولة زار أو يزور دولة أخرى في الشرق أو في الغرب إلا وكان في برامج زيارته موعد خاص لزيارة ضريح عظيم تلك الدولة أو مؤسسها أو محررها . أو زيارة النصب التذكاري فيها للجندي المجهول . فيضع على ذلك الضريح أو ذلك النصب اكليلاً من الزهور ويؤدي التحية المرسومة .
حتى الدول الشيوعية التي نبذت كل التقاليد العامة والمراسيم القديمة فإنهم لا يزالون محتفظين بهذا التقليد ولا يمكن أن يزور زائر رسمي زيارة رسمية للاتحاد السوفياتي ما لم يقصد قبر لينين مفجر الثورة الشيوعية في روسيا ويؤدي التحية لقبره . ومما يذكر بهذه المناسبة أن من مراسيم الأعياد عند أهالي

مأساة الحسين (ع) بين السائل والمجيب 143

موسكو أن يزوروا ضريح لينين كل عيد وفي كل مناسبة ، وفي الولايات المتحدة الأمريكية لا يزال ضريح الرئيس جون كندي القتيل يزار من قبل آلاف الأمريكان في الأعياد والمناسبات وربما يبكون عليه أحياناً .
والخلاصة : هي أن زيارة قبور الأبطال ومراقد العظماء وأضرحة الشهداء سيرة عقلائية وسنة انسانية لا تخص قوماً أو أمة أو طائفة فلماذا يلام الشيعة أو ينتقدون إذا زاروا مرقد الإمام الحسين بكربلاء وهو سيد الشهداء الأحرار وقدوة القادة الأبطال والمثل الأعلى لرجال الاصلاح والفداء في العالم ، الذي انقذ أمته من خطر المحو والزوال ودفع بها نحو الأمام والسير على الطريق المستقيم بعد أن كلفه ذلك جميع ما ملك في هذه الحياة . ففي زيارة قبر الحسين (ع) من المكاسب الروحية والفوائد الفكرية والأخلاقية ماليس مثلها في زيارة اي مرقد وضريح آخر .
ولذا قال الإمام الصادق (ع) من زار الحسين (ع) عارفاً بحقه فكأنما زار الله في عرشه . وفي حديث آخر عنه (ع) قال زيارة الحسين (ع) فرض على كل من يؤمن للحسين (ع) بالولاية .
ألا ترى الشعوب الغير المسلمة تنحت الصور وتقيم التماثيل لرجالها المصلحين في الساحات العامة والمواقع الحساسة من مدنها ... لماذا يصنعون ذلك . لا شك أنك تعرف أنهم يفعلون ذلك تكريماً لذكراهم وشكراً لتضحياتهم وتلقيناً لسيرتهم وعملهم إلى الشباب الحاضر والأجيال القادمة . غير أن الإسلام يحرم النحت وصنع التماثيل مطلقاً ولأي شخص كان فلذا ليس أمامنا نحن المسلمين لأجل تكريم زعماءنا المخلصين وشهداءنا الأحرار لأجل الاعراب عن شكرنا لهم ولاجل تلقين اجيالنا الطالعة سيرتهم ومبادءهم إلا زيارة قبورهم والوقوف أمام مراقدهم خاشعين مستوحين منها ذكريات التضحية والفداء في سبيل المصلحة العامة . هذا منطق الشيعة وفلسفتها لهذه الظاهرة وهو كما تراه منطق العقل في

مأساة الحسين (ع) بين السائل والمجيب 144

كل زمان ومكان . وفي الختام اليك نبذة من كتاب (أبو الشهداء) للعقاد حول هذا الموضوع قال في ص 129 :
وشاءت المصادفات أن يساق ركب الحسين (ع) إلى كربلاء بعد أن حيل بينه وبين كل وجهة أخرى فاقترن تاريخها منذ ذلك اليوم بتاريخ الإسلام كلة ومن حقه أن يقترن بتاريخ بني الانسان حيثما عرفت لهذا الانسان فضيلة يستحق بها التنويه والتخليد . فهي . أي كربلاء اليوم حرم يزوره المسلمون للعبرة والذكرى ويزوره غير المسلمين للنظر والمشاهدة ولكنها أي كربلاء ، لو أعطيت حقها من التنويه والتخليد لحق لها أن تصبح مزاراً لكل آدمي يعرف لبني نوعه نصيباً من القداسة وحظاً من الفضيلة لأننا لا نذكر بقعة من بقاع هذه الأرض يقترن اسمها بجملة من الفضائل والمناقب أسمى وألزم لنوع الانسان من تلك التي اقترنت باسم كربلاء بعد مصرع الحسين (ع) فيها . فكل صفة من تلك الصفات العلوية التي بها الانسان انسان وبغيرها لا يحسب إلا ضرباً من الحيوان السائم فهي مقرونة في الذاكرة بأيام الحسين (ع) في تلك البقعة الجرداء . انتهى محل الشاهد من كلام العقاد .
وقد التزم أهل البيت (ع) وشيعتهم بالحفاظ على زيارة الحسين (ع) في ظروف صعبة وشاقة وقد كلفتهم تضحيات غالية . ففي عصر المتوكل العباسي مثلاً فرضت ضريبة مالية قدرها ألف دينار من ذهب على كل شخص يرد كربلاء لزيارة قبر الحسين (ع) ولما رأت السلطات العباسية أن هذه الضريبة الباهظة لم تمنع الناس من زيارة الحسين (ع) أضافوا اليها ضريبة دموية فكانوا يقتلون من كل عشرة زائرين واحداً يعين من بينهم بطريق القرعة . وكان أئمة أهل البيت (ع) يعلمون ذلك كله ولم يمنعوا الناس من زيارة الحسين (ع) لما فيها من مكاسب روحية واجتماعية وسياسية للمؤمنين . بل يحثونهم على الاستمرار في زيارة قبر الحسين (ع) رغم كل الصعاب والعقبات ويقولون لهم أن لزائر قبر الحسين (ع) بكل خطوة يخطوها حسنة عند الله سبحانه .

مأساة الحسين (ع) بين السائل والمجيب 145

هل في مراسيم عاشوراء عمل حرام شرعاً ؟

أكثر ما يثير الاستغراب والتساؤل في مظاهر عاشوراء عند الشيعة هو ما يقوم به بعضهم من مظاهر عزائية قاسية تتصف بالعنف أحياناً مثل اللطم على الصدور العارية والضرب على الظهور والأكتاف المجردة بالسلاسل الحديدية الجارحة وإدماء الرؤوس بالسيوف وغير ذلك . مما يثير الاستغراب لدى البعض بل يثير الاستهجان والانتقاد لدى البعض الآخر ويتساءلون لماذا يفعل هؤلاء هكذا بأنفسهم ولماذا لا يمنعهم العلماء ورجال الدين وهل أن هذه الأعمال جائزة شرعاً وصحيحة بحسب العرف العقلائي ؟
والجواب على هذا السؤال هو :
ان تلك الأعمال من حيث الأصل مباحة شرعاً إذا كان القيام بها لهدف مشروع وغرض عقلائي ولم يترتب عليها ضرر كبير أو خطر على حياة الانسان . هذا ما يقوله العلماء مراجع التقليد العليا في كل زمان ومكان .
هذا من حيث الأصل .
وأما قيام الشيعة بها في عاشوراء فهو أولاً لأغراض عقلائية مشروعة وبدافع الحب والولاء الشديد للحسين (ع) . فهم بتلك الأعمال يعبرون عن تأسيهم بالحسين (ع) ومواساتهم له في تحمل ألم الجراح وجريان الدماء وفي نفس الوقت يمثلون بها دور العمل الفدائي في سبيل قضية الحسين (ع) التي استشهد دفاعاً

مأساة الحسين (ع) بين السائل والمجيب 146

عنها ويظهرون استعدادهم للتضحية من أجلها بكل غال وعزيز . بالاضافة إلى أنها أي تلك الأعمال عندهم كتظاهرة كبرى ضد اعداء الحسين (ع) الذين يخطئون الحسين (ع) في قيامه ضد الدولة الأموية ويبررون إقدام يزيد على قتل الحسين (ع) وهؤلاء موجودون بيننا وفي عصرنا بكثرة . ومن جهةٍ أخرى هي كتأييد عملي ودعم شعبي لثورته المقدسة وبالتالي هي استنكار صارخ للظلم والعدوان وتأييد للتحرر والاصلاح في كل زمان ومكان . كيف لا ومظاهر القسوة والعنف في أعمال الاحتجاج أمر متداول في عصرنا هذا . فكم نسمع عن أشخاص أحرقوا انفسهم حتى الموت واضربواعن الطعام حتى أشرفوا على الموت كل ذلك احتجاجاً على ظلم أو اعتداء فلم يسخر منهم شباب العصر بل يعتبرونهم بذلك أبطالاً مناضلين ولكن إذا قام شيعة أهل البيت بما هو أقل من ذلك وابسط اتهموا بالسخف والرجعية والوحشية ... لماذا ؟
أضف إلى ذلك أن قيامهم بتلك الأعمال هو بمثابة تدريب وتمرين على خلق الروح النضالية وعلى عمل التضحية والاستشهاد عندهم ليكونوا دائماً وابداً على استعداد تام لتلبية نداء الحق وداعية الثورة الاصلاحية العالمية في اي وقت .
لا شك أن الروح النضالية الفعالة والمعنوية العسكرية الراقية لا تتحققان لدى شباب الأمة بمجرد بعض التمارين الخالية الجوفاء والتمثيليات الفارغة التي لا تخلق سوى جيشاً انهزامياً فراراً غير كرارٍ يصدق عليهم قول الشاعر العربي القديم :
وفي الغزوات ما جربت نفسي ولكن في الهزيمة كالغزال

ويصدق عليهم قوله تعالى «إذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وان يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خُشب مسندة يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو» .
أجل ان الاستهانة بالموت تحتاج إلى تهيوء وتدريب جدي وتمارين شاقة خشنة . وإلا فالواقع ما قاله البطل الثائر زيد بن علي بن الحسين (ع) . ما كره قوم حر السيف إلا ذلوا .

مأساة الحسين (ع) بين السائل والمجيب 147

والخلاصة : هي أن هذه دوافع الشيعة وأهدافهم لدى قيامهم بتلك الأعمال في عاشوراء وهي كما تراها دوافع مشروعة وأهداف عقلائية نافعة . هذا مع العلم بأنهم لا يرون فيها ضرراً ولا يحسون منها خطراً على صحتهم ولا على حياتهم حسب ما يؤكدونه هم أنفسهم القائمون بتلك الأعمال وحسب ما يشاهد منهم بالوجدان . بل الثابت منهم وعنهم عكس ذلك أي انهم قد يستفيدون من بعضها فوائد صحية . نعم قد تقع بعض الأخطاء من قبل بعض القائمين بتلك الأعمال أو من بعض المشرفين عليها فتؤدي عفواًَ إلى بعض الأضرار البسيطة وذلك نادراً والنادر الشاذ لا يقاس عليه .
أما إذا أيقن أحد بحصول ضرر بالغ على نفسه من تلك الأعمال فلا يجوز له خاصة أن يقوم بها حتماً .
هذه خلاصة وجه نظر الشيعة ورأي علمائهم الكبار والمطابقة لفتاوي مراجعهم العليا في النجف الأشرف وغيرها منذ خمسين عاماً أو أكثر حتى اليوم . وتلك الفتاوي مجموعة ومدونة مع ذكر تواريخها وبنصوصها التفصيلية في ضمن بعض الكتب المؤلفة حول موضوع الشعائر الحسينية . أو في كراسات خاصة مطبوعة يمكنك الاطلاع عليها إذا شئت ولا أعلم مرجعاً دينياً من مراجع التقليد عند الشيعة سئل عن حكم هذه الأعمال العزائية في عاشوراء إلا واجاب بالجواز والمشروعية هذا مع العلم بان هذه الأعمال كانت تجري ويقوم بها الشيعة أيام عاشوراء منذ قديم الزمان وتحت سمع وبصر كبار العلماء السابقين أرباب الكلمة النافذة واليد المبسوطة . أمثال الشيخ المفيد والكليني والصدوق والسيد المرتضى والسيد الرضي والشيخ الطوسي والسيد مهدي بحر العلوم الكبير والشيخ جعفر الكبير والشيخ الأنصاري ... وهكذا الى عصرنا هذا أمثال الميرزا النائيني والسيد ابو الحسن والشيخ كاشف الغطاء والسيد الحكيم وغيرهم . فكانوا يؤيدون تلك الأعمال ويدعمونها مادياً ومعنوياً . وفي هذا دلالة كافية على جواز تلك الأعمال ومحبوبيتها شرعاً . وفيه أيضاً قناعة كافية لمن يطلب الحق ومعرفة الواقع . بدون تعنت وتصلب واستبداد في الرأي .

مأساة الحسين (ع) بين السائل والمجيب 148

اما الناقدون والمعارضون لتلك الأعمال العزائية فليس عندهم سند منطقي ولا قاعدة عامة عقلائية يصح الاستدلال بها في معارضتهم لها فإنهم يقولون مثلاً : إن القيام بهذه الأعمال توجب السخرية والاستهزاء بهم من قبل الأجانب :
ونقول في الجواب : إن السخرية والاستهزاء والاشمئزاز من قبل بعض الناس على عمل ما ، لا يثبت فساد ذلك العمل ولا يقتضي تركه لمجرد ذلك ولا توجد قاعدة عقلائية تقول أن كل عمل أثار السخرية من قبل شخص أو اشخاص فذلك العمل باطل فاسد يجب تركه . لا لشيء سوى استهزاء بعض الأشخاص البعيدين عن معرفته وحقيقته ، ولا يوجد عاقل في العالم يؤمن بأن محض السخرية ومجرد الاستهزاء بشيءٍ ما سبب كاف وعلة تامة لفساد ذلك الشيء .
إذ لو كان الأمر هكذا لوجب على رسول الله (ص) في بدء الدعوة ان يترك الرسالة والدعوة إلى الإسلام . لماذا لأن قريش صارت تستهزأ به وتسخر من دعوته وتشمئز منه لذلك . أو لوجب عليه أن يترك الصلاة على الأقل لأنها كانت أكثر ما في الإسلام إثارة لسخرية المشركين واستهزائهم منه بها . فهل ترك الصلاة ؟ طبعاً كلا . بل أقول لوكان مجرد استهزاء البعض على القيام بعمل ما يبرر تركه لكان يلزمنا نحن المصلين في هذا العصر ان نترك الصلاة لأنها اصبحت موضع سخرية واستهزاء من قبل أكثر الشباب والمتمدنين من أهل زماننا هذا فهل يصح تركها لذلك خوف أن يقال لنا رجعيين ؟ وها هو الحجاب للمرأة أصبح عيباً وعاراً ومدعاة للسخرية والاتهام بالرجعية فهل صار حراماً وخلعه واجباً أو جائزاً شرعاً لذلك ؟ وها هي أكثرية النساء في البلاد الإسلامية قد خلعن حجابهم وبرزن سافرات فهل أحسن بهذا صنعاً ؟
واعود فاكرر القول بأن مجرد استهزاءٍ ومحض سخرية تصدر من أناس على أفعال وأعمال أناس آخرين لا يبرر الحكم على تلك الأعمال بالفساد والسوء حتى يثبت فساد تلك الأعمال من حيث العوامل والنتائج . فإذا كان العمل صحيح العوامل والأسباب وصحيح النتائج والثمرات بشكل عام . فحينئذ الاستهزاء

مأساة الحسين (ع) بين السائل والمجيب 149

به كهواء في شبك «وأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض» .
وانني إذ أقول هذا لا أستبعد أن يكون أكثر هؤلاء المنتقدين للشعائر الشيعية الحسينية قد وقعوا تحت تأثير الدعاية الأموية من حيث يشعرون أو لا يشعرون . تلك الدعاية التي نشطت بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة في كثير من البلدان الشيعية وبقصد القضاء نهائياً على كل اثر من ذكر ثورة الحسين (ع) . علماً منهم بأن هذه الذكرى هي الوسيلة الوحيدة الباقية للدعوة الصادقة المخلصة إلى الحق ومكافحة الباطل . من إحياء ذكرى الحسين فقط ترتفع أصوات المعارضة الصحيحة ضد الظلم والظالمين . من هذه الذكرى تنطلق الاضواء الكاشفة فتتسلط على كل زوايا المجتمع ومنعطفات طريق السعادة الاجتماعية لتلفت انظار الناس إلى ما أمامها من أخطار وعقبات فيتجنبونها ويواصلون سيرهم بسلام آمنين .
أيها القارئ الكريم ـ إن ساحة كربلاء يوم العاشر من المحرم سنة 61هجرية كانت أشبه بمسرح تمثيل في جانب منه قام الحسين (ع) وأصحابه بتمثيل أروع دور لمثالية الانسان واسمى ما يمكن أن يرتفع اليه بروحه وخلقه وأريحيته بحيث لا يبقى في الوجود ما هو اشرف منه وأفضل سوى خالقه العظيم .
في الطرف الآخر قام أعداء الحسين (ع) بتمثيل أدنى واسفل درك من الحضيض يمكن أن يتدنى اليه ويهوي فيه هذا البشر من اللؤم والخبث والقسوة والأنانية بحيث يندى منه جبين الوحش ولا يبقى في الوجود ما هو شر منه ولا أسوأ مطلقاً . ولا تزال حوادث تلك المعركة هي المعالم الواضحة والحد الفاصل والسمات الظاهرة بين الحق والباطل وهي المقياس الدقيق لمعرفة الخير من الشر إلى أبد الآبدين .
أجل ان معركة كربلاء لم تنتهي بنهاية يوم العاشر من المحرم بل هي لا تزال قائمة بصورها المختلفة وأحجامها العديدة وفصولها المتغيرة في كل زمان

مأساة الحسين (ع) بين السائل والمجيب 150

ومكان وما دام في الحياة خير وشر وحق وباطل . وما أحسن تصوير الشاعر لهذا المعنى في معركة كربلاء حيث قال :
كأن كل مكان كربلاء لدى عيني وكل زمان يوم عاشوراء

فالحسين (ع) من وجهة نظر الشيعة وكل الخبراء في العالم إنما هو رمز الخير والعدل والديمقراطية الحقة والعدالة الاجتماعية .
والأمويون هم رمز الرذيلة والجور والاستبداد والظلم الاجتماعي .
وكل الاعمال العزائية التي يقوم بها الشيعة أيام عاشوراء إنما يعبرون بها عن دعمهم وتأييدهم للخير والعدل والحق ، واستنكارهم وكرههم للظلم والباطل . وهذا دليل على وعيهم الاجتماعي ونضجهم السياسي الكامل حسب ما يؤكده الباحثون وحسبما هو واضح من ثوراتهم التحررية عبر تاريخهم الطويل والمليء بالتضحيات .

السابق السابق الفهرس التالي التالي