مأساة الحسين (ع) بين السائل والمجيب 20

من هو الحسين (ع) نسباً وحسبا ومقاما في المجتمع ؟

نسبه :

من المؤسف المؤلم حقاً أن يوجد بين شباب المسلمين اليوم من يعرفون الكثير عن أقطاب الشرق والغرب والكثير من أحوال الشخصيات الأجنبية وسيرتهم وحياتهم .. ولكن لا يعرفون إلا القليل وقد لا يعرفون شيئاً أصلاً عن أحوال نبيهم ورجال دينهم وقادة الإسلام . وهذا أوضح دليل على أن هؤلاء الشباب قد ابتعدوا عن الإسلام كثيراً من حيث يشعرون أو لا يشعرون .
ٍفنقول لهؤلاء وما الذي تعرفونه عن الحسين عليه السلام صاحب تلك النهضة العظيمة والثورة المدهشة التي ستقرؤون بعض فصولها وتعرفون بعض تفاصيلها في مواضيع هذا الكتاب ؟. إذ من المعلوم أن الأعمال لا تقدر إلا بمقدار أصحابها ولا تكتسب الأهمية والعظمة إلا من عظمة أهلها .
فالحسين (ع) هو أشرف انسان في الدنيا من حيث النسب . فهو الإمام ابن الإمام أخو الإمام أبو الأئمة صلوات الله عليهم أجمعين.
أبوه الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) وأخوه الإمام الحسن الزكي سيد شباب أهل الجنة عليه السلام وابنه الإمام علي السجاد زين العابدين عليه السلام ومن ذريته ثمانية أئمة معصومين .

مأساة الحسين (ع) بين السائل والمجيب 21

أما أمه فهي فاطمة الزهراء عليها السلام بنت محمد المصطفى (ص) سيدة نساء العالمين ، وجده لأبيه هو شيخ البطحاء وكافل رسول الله وناصر الإسلام أبو طاب عليه السلام. وأما جده لأمه فهو خاتم الأنبياء والمرسلين وحبيب إله العالمين محمد بن عبد الله (ص) . هذا نسب الحسين (ع) فأي إنسان في العالم جمع نسباً شريفا كهذا النسب الشريف . أضف الى هذا النسب الشريف مقامه الراقي عند الله تعالى ومنزلته العليا في الاسلام فهو عليه السلام :
أولا : ثالث أئمة أهل البيت الاثني عشر الذين عناهم الله تعالى بقوله «وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا اليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين ...» (الأنبياء) ، وثالث أولي الأمر الذين أمرنا الله تعالى باطاعتهم فقال «ياأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ...» وفي إمامته وإمامة أخيه الحسن نص نبوي متواتر وهو قوله (ص) : الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا ...
ثانيا : فهو عليه السلام أحد أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراًَ كما هو صريح آية التطهير . أي أنه (ع) خامس المعصومين الأربعة عشر عليهم السلام ، محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة التسعة من ذرية الحسين صلوات الله عليهم أجمعين .
ثالثا : هو عليه السلام أحد العترة الذين قرنهم رسول الله بكتاب الله العزيز وأحد الثقلين اللذين خلفهما في هذه الأمة حيث قال إني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي..
رابعا : انه عليه السلام أحد الأربعة الذين باهل بهم النبي (ص) نصارى نجران وهو أحد المعنين بقوله تعالى« وأبنائنا وأبنائكم »..
وهكذا إلى غير ذلك مما لا يسع المقام إحصائه من فضائله ومناقبه عليه السلام .

مأساة الحسين (ع) بين السائل والمجيب 22

ولادته :

لقد ولد الحسين (ع) في الثالث من شهر شعبان المبارك السنة الرابعة للهجرة في المدينة المنورة وسماه رسول الله (ص) حسيناً كما سمى أخاه من قبل حسناً ولم يسم بهذين الاسمين أحد من العرب قبلهما وكان رسول الله (ص) يحبهما حباً شديداً ويقول هما ريحانتاي من الدنيا اللهم إني أحبهما وأحب من يحبهما . وقد قام بنفسه بتربيتهما حتى تركهما نموذجين مثاليين ومثلين كاملين للمسلم القرآني الذي يريده الاسلام فكانا بذلك القدوة العليا لكل إنسان في الدنيا وفي كل صفات الانسانية وشرائطها . ومن ثم منحهما النبي (ص) مقام السيادة على كافة شباب الجنة كما هو نص الحديث الشريف المتواتر : الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة . ومعلوم أن السيادة في عرف الاسلام تعني الأفضلية والأكملية والتفوق في العلم والعمل الصالح . ولا شك أن المراد بشباب الجنة هو كل أهل الجنة قاطبة ما عدا جدهما المصطفى وأبيهما علي المرتضى اللذين خرجا من تحت هذا العموم بأدلة خاصة أخرى .
فهما سيدا أهل الجنة جميعاً لأن كل من في الجنة شباب ليس فيهم شيخ ولا كهل ولا عجوز حسب ما ورد في النصوص .
وبناء على ما سبق يكون الحسين (ع) قد عاش مع جده رسول الله (ص) ست سنوات وعاش بعده أحدى وخمسين سنة فكان عمره الشريف يوم شهادته نحواً من سبع وخمسين سنة وقيل ثمانية وخمسين سنة بناء على أن ولادته كانت سنة ثلاث من الهجرة . قضاها في عبادة الله وطاعة رسوله وخدمة الناس وختمها بأعظم تضحية عرفها التاريخ حتى الآن ، من حيث القدسية والشرف .
كان عليه السلام أكثر الناس علما وأفضلهم عملا وأسخاهم كفاً وأحسنهم خلقاً وأوسعهم حلما وأكرمهم نفسا وأرقهم قلبا وأشدهم بأساً وشجاعة هذه كلها حقائق ثابتة بالاجماع ومتواترة بين المؤرخين وأهل السير يعترف له بها حتى الأعداء .

مأساة الحسين (ع) بين السائل والمجيب 23

قالوا تلقى معاوية بن أبي سفيان كتاباً من الحسين (ع) يعدد له فيه جرائمه ومنكراته ورذائل صفاته ومفاسد أخلاقه وكان يزيد حاضرا عند أبيه واطلع على كتاب الحسين وما يضم فيه أباه فغضب وقال يا أبت لا تسكت عن الحسين وأجبه بمثل ما كتب اليك لتصغر اليه نفسه . فقال له معاوية ولكن يابني لا أجد في الحسين عيبا أذكره به ولا نقصا أعيره به ... ويكفي أن قاتل الحسين وحامل رأسه وهو خولى بن يزيد الأصبحي لعنه الله أو الشمر بن ذي الجوشن عليه اللعنة دخل بالرأس الشريف على ابن زياد مفتخرا بقوله يا أمير :
أوقر ركابي فضة أو ذهبا إني قتلت السيد المحجبـا
قتلت خير الناس أما وأبـا وخيرهم ان يذكرون حسبا

فقال له ابن زياد لعنه الله إذا علمت أنه كذلك فلم قتلته . والله لا نلت مني شيئا ...
يقول الاستاذ عباس العقاد في كتابه (أبو الشهداء) ما نصه :
وقد عاش الحسين سبعا وخمسين سنة وله من الأعداء من يصدقون ويكذبون فلم يعبه أحد منهم بمعابة ولم يملك أحد منهم أن ينكر ما ذاع من فضله ... ويقول أيضا في مقام آخر :
فكان الحسين (ع) ملء العين والقلب في خلق وخلق وفي أدب وسيرة وكانت فيه مشابه من جده وابيه .

اولاده :

فالذكور منهم أربعة وهم علي الأكبر (ع) الشهيد . وعلي السجاد الامام زين العابدين (ع) . وعلي الأصغر وهو طفل رضيع ، وعبد الله وهو طفل رضيع أيضاً وهؤلاء الأربعة لأمهات شتى لا لأم واحدة . فعلي الأكبر (ع) أمه ليلى بنت مرة بن مسعود الثقفي . وعلي السجاد الامام أمه شاه زنان بنت

مأساة الحسين (ع) بين السائل والمجيب 24

الملك يزدجرد بن اردشين بن كسرى ملك الفرس وعبد الله أمه الرباب بنت امرء القيس الكلبي وقد قتلوا جميها يوم عاشوراء ما عدا الإمام زين العابدين الذي نجا بسبب مرضه ودفاع عمته زينب كما سنعرفه إن شاء الله .
وأما الاناث منهم فأربعة وهي سكينة ، وفاطمة الكبرى ، وفاطمة الصغرى ، ورقية ، وكلهن مع الحسين (ع) في كربلاء ما عدا فاطمة الكبرى فان الحسين (ع) تركها في المدينة لمرضها.

اخوته :

إن اخوة الحسين كثيرون غير أن اللذين كانوا معه في كربلاء هم ستة فقط وهم العباس بن علي (ع) وأشقاؤه الثلاثة جعفر وعبد الله وعثمان أمهم فاطمة بنت حزام بن خالد الكلابية المكناة بأم البنين (ع) ثم محمد بن علي قيل اسمه عبد الله (ع) وكان يكنى بأبي بكر ، وأمه ليلى بنت مسعود بن خالد التميمي ، ثم عمر بن علي (ع) وأمه غير مشخصة في التاريخ . وقيل أنه كان أيضا مع الحسين أخ له يسمى محمد الأصغر وأمه أم ولد .
فهؤلاء ستة أو سبعة من اخوة الحسين (ع) استشهدوا بين يديه يوم عاشوراء وكان أفضلهم وأجلهم أبو الفضل العباس (ع) وهو اكبر الهاشميين سناً يوم كربلاء ما عدا الحسين (ع) حيث كان عمره أربعا وثلاثين سنه . لذا اختاره الحسين (ع) حاملا لرايته العظمى وعبر عنه بكبش الكتيبة . وكان (ع) وسيما جسيما طويل القامة وجهه كفلقة قمر ومن هنا كان يلقب بقمر الهاشميين وهو آخر من قتل قبل الحسين (ع) يوم عاشوراء . وكان لقتله صدمة عنيفة في نفس الحسين (ع) عبر عنها بقوله حين وقف على مصرعه «الآن انكسر ظهري وقلت حيلتي وشمت بي عدوي» وبان الانكسار في وجهه وبكى عليه.

مأساة الحسين (ع) بين السائل والمجيب 25

وقد نوّه بفضله عليه السلام عدد من الأئمة المعصومين صلوات الله عليهم ومنهم أبوه أمير المؤمنين (ع) حيث قال فيه : ان ابني العباس زق العلم زقا . ثم الامام زين العابدين (ع) الذي قال عنه : رحم الله عمي العباس لقد جاهد يوم كربلاء وأبلى بلاء حسنا حتى قطعت يداه ومضى شهيدا وقد أبدله الله عن يديه بجناحين يطير بهما في الجنة مع الملائكة كما أعطى جعفر بن أبي طالب بموته . ثم الامام جعفر بن محمد الصادق (ع) القائل في جملة تصريح له ألا وان لعمي العباس عند الله لدرجة يغبطه عليها جميع الشهداء يوم القيامة . وما دفنه الامام زين العابدين (ع) وحده بمكان مصرعه إلا تنويها بفضله وعلو مقامه بين بني هاشم كما ان دفنه لحبيب بن مظاهر الأسدي (ره) في قبر منفرد كان لهذا الغرض أي التنويه بفضل وعلو مقام حبيب بين باقي الأصحاب رضوان الله عليهم . وبصورة عامة فشهداء كربلاء جميعا هم أفضل الشهداء في الدنيا من أولها إلى آخرها بعد الأنبياء والأئمة عليهم السلام .
هم أفضل الشهداء والقتلى الاولى ... مدحوا بوحي في الكتاب مبين .

مأساة الحسين (ع) بين السائل والمجيب 26

ما هو عاشوراء مفهوما وبداية ..؟

قوله عز من قائل :
«إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم .. »
ان عاشوراء في التاريخ يعني اليوم العاشر من شهر محرم الحرام ، وشهر المحرم كما هو معلوم أحد الأشهر الاثني عشر في السنة القمرية التي هي حسب منازل القمر في مداره السنوي حول الشمس وهذه الأشهر القمرية لا تقل عن التسعة وعشرين ولا تزيد على الثلاثين يوما وعليه فالسنة القمرية تنقص عن السنة الشمسية بنحو من ثلاثة عشر يوما . ويبدأ الشهر القمري بظهور الهلال على وجه الافق الغربي عند غروب الشمس وينتهي بكمال العدة أو برؤية الهلال ثانية . فهو أسهل ضبطا ومعرفة من الشهر الشمسي بالنسبة إلى عامة الناس ولهذا السبب اعتبرها الاسلام رسميا في احكامه وشعائره من صيام وافطار وحج وغيرها . وأما أسماء هذه الشهور فهي عربية قديمة قبل الاسلام فالعرب من أقدم العصور اعتمدوا على هذه الشهور القمرية وسموها بهذه الأسماء المعروفة لمناسبات خاصة وقتية ثم زالت تلك المناسبات وبقيت الأسماء .
وفي نفس الوقت اعتبروا أربعة منها حرما أي محرمة تبعا لما في الشرايع السماوية السابقة . ومعنى اعتبار العرب لأربعة من الشهور المذكورة حرما أنهم كانوا يتركون فيها الحرب والقتال والغزو والغارات وسفك الدماء لينصرفوا

مأساة الحسين (ع) بين السائل والمجيب 27

ويتفرغوا فيها إلى شؤونهم التجارية والزراعية والأدبية وغيرها فيقيمون فيها الأسواق ويعقدون الأندية والاجتماعات ويتفاخرون بانتاجهم الصناعي والأدبي . والأربعة الحرم عبارة عن الثلاثة السرد أي ذو القعدة وذو الحجة ومحرم ، والواحد الفرد أي شهر رجب . وكما قدمنا كان احترام العرب لهذه الشهور الأربعة تقليدا دينياً لذا لما ضعف الدافع والشعور الديني عند العرب الجاهليين ضعف تبعا لذلك هذا التقليد وصاروا يبدلون بعض هذه الأشهر الحرم بغيرها إذا دعت حاجتهم إلى ذلك كأن يحاربوا أو يغزوا في رجب مثلا ويحترمون بدلا عنه شعبان أو غيره وهكذا وهذا ما يسمونه بالنسيء الذي حرمه الاسلام وندّد به في قوله تعالى «انما النسيء زيادة في الكفر» .
فالغرض أن المحرم هو أحد الشهور الأربعة الحرم أي المحترمة منذ القدم وأما عاشوراء فهو يوم العاشر منه كانوا يعتبرونه أقدس أيام السنة وأكثرها خيرا وبركة يطعمون فيه الفقراء ويتفقدون فيه المساكين والأرامل واليتامى ويعملون فيه الخير . هذا مفهوم المحرم ومفهوم عاشوراء من قديم الزمان و إلى أن جاء الأمويون إلى الحكم في العالم الأسلامي فهتكوا حرمة الأشهر الحرم في جملة ما هتكوا من الحرمات وارتكبوا في الشهر المحرم وفي يوم عاشوراء خاصة أبشع جريمة عرفها التاريخ فسفكوا فيه أقدس الدماء وقتلوا فيه أفضل وأشرف الذوات الانسانية وذبحوا فيه الأطفال وقتلوا النساء ومثلوا بالشهداء وأحرقوا الخيام على آل رسول الله ورضوا جثث أهل البيت بحوافر الخيول . فتبدل بفعلهم هذا معنى المحرم وعاشوراء وتحول مفهومهما عند المسلمين إلى أيام حداد وأسى وصار المحرم موسما خاصا للاحتفال بذكرى اولئك الأبطال الذين أقدموا على تحمل المآسي العظام دفاعا عن الحق والعدل وحقوق الانسان ؛ ففي الاحتفال بذكرى شهداء كربلاء وأبطل العاشر من المحرم سنة 61هـ. أحسن الأثر في نفوس النشء الجديد والجيل الصاعد والشباب والواعي لأن ذكراهم ومواقفهم تلقن الشباب دروس العزة والكرامة والشعور بالشرف الانساني

مأساة الحسين (ع) بين السائل والمجيب 28

وتقوي في نفسه روح التضحية والفداء في سبيل الحق والعدل . فنشر أنباء اولئك الأبطال هو في رأي الخبراء أكبر خدمة اجتماعية وتربوية تقدم للمجتمع ألا ترى العادة الجارية والتقليد السائد عند كافة الشعوب والأمم حيث يحتفلون بين حين وآخر بذكرى ثوراتهم الوطنية وأبطالهم الثائرين وقادتهم المحررين ويقيمون لهم التماثيل ويرفعون صورهم في الشوارع والساحات العامة تخليدا لذكراهم . لماذا ؟ نعم يعللون ذلك بأنه اداء لحقهم وتقدير لصنيعهم أولا ثم تشجيع وتشويق للشباب والنشء الجديد نحو الاقتداء بهم والسير على مبدئهم وفي طريقهم والقيام بمثل أعمالهم . ويقول الخبراء لولا هذه الذكريات لماتت روح التضحية في نفوس الناس وسادت روح الأنانية والفردية . فإذا كان كذلك أليس يجدر بثورة الحسين وموقفه يوم عاشوراء أن يشاد بذكراها في كل زمان ومكان . اي ثورة وطنية في العالم بلغت في عمقها وشمولها ونبل أهدافها وبركة نتائجها مبلغ ثورة الحسين (ع) انها لم تخدم الشيعة فحسب ولا المسلمين فقط بل خدمت الانسانية والحق العالمي .
فالمحرم إذا في عرف العقلاء موسم سنوي لدورة دراسة تلقى فيها دروس من سيرة الحسين (ع) وأصحابه حول موضوع الانسانية المثالية ولوازمها ومتطلباتها . ويوم عاشوراء منه هو في الواقع يوم تظاهرة عالمية تأييداً للحق واستنكاراً للباطل ذلك الحق المطلق الذي تجسد في سيرة الإمام الحسين (ع) وتضحيته . وذلك الباطل المطلق الذي تمثل في جريمة الأمويين وسلوكهم . فهذه أبواب المدارس الحسينية مفتوحة فادخلوها بسلام آمنين . إن مدرسة الحسين يجب أن تفتح في كل مكان وذكراه يجب أن تقام في كل زمان تماماً كما صورهما هذا الأديب القائل :
كأن كل مكان كربلاء لدى عيني وكل زمان يوم عاشوراء

ولقد حاول أعداء الصلاح والاصلاح ولا زالوا يحاولون أن يخلقوا بعض المبررات لكي يتخذوا من أيام المحرم أعياداً ومناسبات فرح لا أساس لها من

مأساة الحسين (ع) بين السائل والمجيب 29

الواقع فمن ذلك مثلا زعمهم أن هجرة الرسول الأكرم (ص) إلى المدينة المنورة كانت في أول يوم من المحرم فهم لذلك يتخذون من ذلك اليوم عيداً وأسموه عيد الهجرة . مع العلم أن هجرة الرسول (ص) كانت أوائل شهر ربيع الأول حسب أجماع المؤرخين ، وقالوا ان يوم عاشوراء يوم مقدس ومبروك فهم لذلك اتخذوه عيداً يظهرون فيه الفرح والسرور ويلبسون فيه الجديد وثياب الزينة ويقدمون التهاني بعضهم لبعض . مع العلم إن القدسية والبركة لا يستلزمان التعيّد واظهار الزينة وتبادل التهاني . وعلى كل حال لا يوجد أي مبرر لاتخاذ أيام المحرم أو بعضها أعياداً أبداً بعد أن وقعت فيه تلك المأساة الخالدة والكارثة الانسانية العظمى التي راح ضحيتها العشرات من ذرية رسول الله (ص) وأبنائه وأهل بيته الطاهرين في تلك المجزرة الرهيبة التي لم يسبق لها نظير . ففي حديث الإمام علي الرضا (ع) قال ان شهر المحرم كان أهل الجاهلية فيما مضى يعظمونه ويحترمونه ويحرمون فيه الظلم والقتال لحرمته لكن هذه الامة ما عرفت حرمة شهرها ولا حرمة نبيها فقتلوا فيه ذريته وسبوا فيه نساءه من بلد إلى بلد ... وفي حديث آخر عنه (ع) قال ان يوم عاشوراء يوم تبركت به وفرحت فيه بنو أمية وآل مروان لقتلهم الحسين (ع) وأهل بيته فمن اتخذه يوم فرح وسرور جعل الله له يوم القيامة يوم حزن وخوف وكآبة ومن اتخذه يوم حزن ومصيبة جعل الله له يوم القيامة يوم فرح وسرور وقرت بنا في الجنان عينه . ولقد عبر بعض الشعراء عن منطق التدين والوجدان والضمير الانساني حيث قال (ره)
ماانتظار الدمع هلا يستهلا أو مـا تنظر عاشـوراء هـلا
كيف لا تحزن في شهر به أصبحت آل رسـول الله قتـلا
كيف لا تحزن في شهر به أصبحت فاطمة الزهراء ثكـلا
كيف لا تحزن في شهر به رأس خير الخلق في الرمح معلا
كيف لا تحزن في شهر به ألبس الاسـلام ذلا ليـس يبـلا

مأساة الحسين (ع) بين السائل والمجيب 30

يوم لا سـؤدد إلا وانقضـى وحسـام للعلـى إلا وفـلا
يوم خرّ ابن رسول الله عن سرجه لله خطب ما أجـلا
يا قتيلا أصبحت دار العـلا بعده قفراً وربع الجود محلا
ما نعتك الخلق لكن قد نعت فيك احسانا ومعروفا وعدلا
* * *

وقال آخر يخاطب الحسين (ع) :
تبكيك عيني لا لأجل مثوبة لكنمـا عينـي لأجلـك باكيـه
تبتل منكم كربلا بـدم ولا تبتل مني بالدموع الجارية ...؟
* * *

مأساة الحسين (ع) بين السائل والمجيب 31

لماذا فاق يوم الحسين (ع) أيام غيره من الشهداء ..؟

فما رأى السبط للدين الحنيف شفاً إلا إذا دمـه فـي كربـلا سفكـا
و ما سمعنا عليـلا لا علاج لـه إلا بـنفـس مـداويـه إذا هلكـا
نفسـي الفداء لفادي شـرع والده بنفسـه و بـأهلـية ومـا ملـكـا
يـا ميتا تـرك الألبـاب حائـرة وبـالعـراء ثلاثـا جسمـه تركـا
في كل عام لنـا بالعشر واعيـة تطبق الـدور والأرجـاء والسككـا
وكـل مسلمـة ترمـي بزينتهـا حتى السماء رمت عن وجهها الحبكا

يرد هذا التساؤل بكثرة والحاح وهو :
أولا : لماذا يعنى الشيعة باحياء ذكرى شهادة الحسين (ع) وثورته اكثر من غيره من الثوار والشهداء .. ؟
وثانيا : لقد مضى على يوم الحسين (ع) زمن طويل يقارب الأربعة عشر قرنا فلماذا يعاد وتجدد ذكراه والاحتفال به في كل عام بكل جدية واهتمام .؟
فللإجابة على السؤال الأول نقول : لأن ثورة الحسين (ع) أظهر مصداق للثورات التحررية في تاريخ العالم كله واستشهاده (ع) أوضح وأجلى صورة للاستشهاد في سبيل الله تعالى وذلك هو لأن الحسين (ع) قام باداء أعظم فريضة من فرائض الاسلام وهي فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . قام بادائها على أصعب مراتبها وأشد صورها وارفع مستوياتها . فالله سبحانه وتعالى احتفظ بيوم الحسين حيا خالدا ليكون حجة على الناس وقدوة للمسلمين

مأساة الحسين (ع) بين السائل والمجيب 32

ومثلا أعلى لكل رجال الدين والمسؤولين في كل زمان ومكان في القيام لهذا الفرض الأعظم .
أما كون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أعظم الفرائض الاسلامية فهو صريح الأحاديث الشريفة والنصوص المؤكدة الصادرة عن المعصومين (ع) ففي الحديث عن النبي (ص) : لا تزال أمتي بخير ما تآمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر فإذا تركوا ذلك تسلط عليهم شرارهم ثم يدعون فلا يستجاب لهم . وفي حديث آخر عنه (ص) : إذا رأيت امتي تهاب الظالم أن تقول له أنت ظالم فتودع منها .
واشتهر عنه (ص) قوله : كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ... وهاك استمع إلى هذا النص الجلي عنه (ص) حيث يقول : ما أعمال البر كلها في جنب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا كقطرة في البحر المحيط . وأخيراً قوله (ص) : كيف بكم إذا فسق شبانكم وفسدت نسائكم وتركتم الأمر المعروف والنهي عن المنكر . قالوا أو يكون ذلك يارسول الله ؟ قال نعم وشر من ذلك كيف بكم أذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف ؛ قالوا أو يكون ذلك يارسول الله ؟ قال نعم وشر من ذلك كيف بكم إذا رأيتم المنكر معروفا والمعروف منكرا . ولا تنس قوله (ص) : سيد الشهداء عمي حمزة بن عبد المطلب ورجل قام في وجه سلطان جائر فأمره بالمعروف ونهاه عن المنكر فقتله . وقوله (ص) من رأى منكم منكرا فلينكره بيده ومن لم يستطع فبلسانه وإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الايمان ... وفيما ورد عن الامام أمير المؤمنين (ع) قوله في عهده إلى نجله الامام الحسن (ع) قال يا بني وامر بالمعروف تكن من أهله وانكر المنكر بيدك ولسانك وباين من فعله بجهدك وخض الغمرات الى الحق ولا تأخذك في الله لومة لائم . وقال (ع) في وصيته قبيل وفاته لا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيولى شراركم ثم تدعون فلا يستجاب لكم .. وفيما ورد عن الامام محمد الباقر (ع) قوله يأتي في آخر الزمان أناس

مأساة الحسين (ع) بين السائل والمجيب 33

حمقى لا يوجبون أمرا بمعروف ولا نهيا عن منكر إلا إذا أمنوا الضرر يقبلون على الصلاة والصيام مما لا يكلفهم شيئا من أموالهم وابدانهم ولو كلفتهم الصلاة شيئافي أموالهم وأبدانهم لتركوا الصلاة والصيام كما تركوا أشرف الاعمال ، أي الامر بالمعروف والنهي عن المنكر . وهكذا وإلى غير ذلك مما لا يسعنا في هذا المقام استقصاؤه ؛ ومن الواضح أن كل هؤلاء يعبرون عما نطق به القرآن الكريم حيث أعطى هذه الفريضة أهمية كبرى فوق كل الفرائض الاخرى . كما هو صريح قوله تعالى «كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله» انظر كيف حصرت الآية أفضلية هذه الامة على سائر الامم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ثم في الايمان بالله ... وقال سبحانه وتعالى «والعصر ان الانسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر» انظر كيف خصص التواصي بالحق عن عمل الصالحات . حيث يوحي بأن كل أعمال الصالحات في جهة والتواصي بالحق والصبر في جهة اخرى ... وقال سبحانه وتعالى في معرض بيان الأسباب التي أدت إلى شقاء بعض الامم السالفة «كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه» .
والخلاصة أن فريضة الأمر بالمعروف أعظم الفرائض أهمية في الاسلام وذلك لأن على قيام هذه الفريضة يتوقف قيام الشريعة كلها فهي فريضة المحافظة على النظام وضمان تطبيقه والرقابة الشعبية القائمة عليه ولذا لم تسقط عن أي مسلم ومسلمة في أي مستوى كان . الساكت عن الحق شيطان أخرس .
ولا خلاف ولا شك في أن كافة الأنبياء والأوصياء والعلماء من الصحابة والتابعين وكثير من المؤمنين قاموا باداء هذه الفريضة العظمى وأدوا هذا الواجب حسب ظروفهم وأحوالهم وامكانياتهم . غير أن الحسين (ع) قام باداء هذا الواجب على نحو من الصعوبة والمشقة لم يسبقه فيه سابق ولم يلحقه لاحق. أجل لقد وقف الأنبياء والأوصياء في وجه الطغاة والظالمين وكلفهم ذلك


مأساة الحسين (ع) بين السائل والمجيب 34

تضحيات كبيرة في أموالهم وأبنائهم وأنفسهم وأهاليهم ولكن لم يتفق لأحد منهم أن ضحى بكل هذه الأشياء وغيرها مجتمعة وفي آن واحد مثل الحسين (ع) ضحى بستة أو سبعة من اخوته وبثلاثة من أبنائه اثنان منهم أطفال رضع وسبعة عشر شابا من بني عمومته وأبناء اخوته وبنيف وسبعين رجلا من خلص أصحابه وأخيرا بحياته الزكية وبعياله وحرمه وخيامه وماله ومتاعه وكل ما ملكت يداه . ضحى بكل هذه الأشياء وغيرها بشكل من القسوى والعنف والشدة تقشعر منه الجلود وسيتعصي على الشرح والبيان فهو عليه السلام بكل حق وجدارة قدوة الآمرين بالمعروف والمثل الأعلى بين رجال التضحية والفداء :
وما سمعنـا عليلا لا علاج له إلا بنفس مداوية إذا هلكا
نفسي الفداء لفادي شرع والده بنفسه وأهليه وما ملكـا

فلا عجب بعد هذا إذا عرفنا السبب والعلة حيث يقال إذا عرف السبب زال العجب ومنه نعرف أسباب حرص المسلمين عامة والشيعة منهم خاص على احياء ذكرى الحسين ونشرها ولفت الأنظار اليها بكل الوسائل والشعائر . لأن الحسين (ع) أعظم داعية للجهاد في سبيل الله وأظهر مثل للثبات والاستقامة على المبدأ وأرفع منار على طريق الشعور بالمسؤولية وادائها . ولولا حرمة النحت والتماثيل في الاسلام لكان من المفيد جدا بالاضافة إلى ذلك ؛ ان نقيم التماثيل للحسين (ع) في كل الساحات والشوارع بل في كل بيت لأننا كلما تذكرنا الحسين (ع) تذكرنا الله والدين والحق والعدل والانسانية المثالية . وكلما نسينا أو تغافلنا عن الحسين التبس علينا وجه الحق وفقدنا الموازين الانسانية والمقاييس التي تفرق وتشخص الحق عن الباطل . وعند ذلك الويل والشقاء حسب ما ورد في الحديث الشريف كيف بكم ... كيف بكم إذا رأيتم المعروف منكرا والمنكر معروفا ، ولقد أحسن من قال :
لقد تحمل من ارزائها محنا لم يحتملها نبي أو وصي نبي

مأساة الحسين (ع) بين السائل والمجيب 35

وقال الآخر :
أحسين فيما أنت قد حملته أشغلت فكر العالمين جميعا

وأما جوابنا عن السؤال الثاني فنقول : ليس كل حادثة تتأثر بطول العهد ومرور الزمن عليها فتفقد أهميتها وأثرها في النفوس أو يطويها الزمن في ملف المهملات . كلا . بل ترى بالوجدان ان في العالم حوادث وشخصيات يستحيل على الزمن هضمها وعلى التاريخ استهلاكها وتصريفها . فمن الحوادث مثلا الثورات الشعبية الكبرى كالثورة الفرنسية وأمثالها التي يحتفل بذكراها رغم مرور الزمن الطويل عليها . ومن الشخصيات مثلا السيد المسيح عيسى ابن مريم (ع) الذي لا يزال يحتفل بذكرى ميلاده كل عام رغم مرور ما يقارب الألفي سنة على ولادته . فإذا خلود الشخصيات والحوادث أو عدم خلودها إنما يدور مدار آثار تلك الحوادث والشخصيات لا مدار مرور الزمن . ومما لا شك فيه بين ذوي البصائر والمعرفة أن شخصية الحسين بن علي (ع) وثورته ضد الدولة الأموية هما في رأس قائمة الشخصيات العالمية والحوادث الجلية من حيث الآثار والنتائج لأنها غيرت أو أثرت في مجرى تاريخ الامة الاسلامية وصانت الشريعة الاسلامية من التحريف والتزييف وحفظت كيان المسلمين من الزوال والذوبان . ولذا فليس من مصلحة الانسانية نسيان تلك الشخصية المثالية او تناسي تلك الثورة المقدسة . حيث أن في نسيان شخصية الحسين نسيان للانسانية المثلى في كل زمان كما أن في تناسي ثورته المقدسة فقدان لأعظم درس في الحرية والعزة والتضحية المقدسة . فإلى مزيد من تذكر الحسين (ع) وإلى مزيد من أحياء ذكرى ثورته المقدسة أيها المؤمنون .

السابق السابق الفهرس التالي التالي